“ إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى , و وضع إحدى رجليه على الأخرى و قال : لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا “ .
قال الألباني في “ السلسلة الضعيفة و الموضوعة “ ( 2 / 177 ) :$ منكر جدا $ . رواه أبو نصر الغازي في جزء من “ الأمالي “ ( 77 / 1 ) من طرق عن إبراهيم بن المنذر الحزامي : حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال : بينا أنا جالس إذ جاءني # قتادة بن النعمان # رضي الله عنه فقال : انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى , فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد , فوجدناه مستلقيا رافعا رجله اليمنى على اليسرى , فسلمنا و جلسنا , فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة , فقال أبو سعيد : سبحان الله يا ابن أم أوجعتني ! فقال له : ذلك أردت , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . فقال أبو سعيد : لا جرم والله لا أفعل أبدا . و قال : “ قال الإمام أبو موسى ( يعني المديني الحافظ ) : رواه ابن الأصفر عن إبراهيم بن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة , و رواه محمد بن المبارك الصوري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر , عن عبيد بن حنين و بسر بن سعيد كلاهما عن قتادة , و رواه عن قتادة أيضا سوى عبيد بن حنين و أبي الحباب و بسر بن سعيد - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة . و رواه عن إبراهيم بن المنذر محمد بن إسحاق الصغاني و محمد بن المصفى و محمد بن المبارك الصوري و جعفر بن سليمان النوفلي و أحمد بن رشدين و أحمد بن داود المكي و ابن الأصفر و غيرهم , و حدث به من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل و أبو بكر بن أبي عاصم و أبو القاسم الطبراني , و روي عن شداد بن أوس أيضا مرفوعا . و روي عن عبد الله بن عباس و كعب بن عجرة رضي الله عنهما موقوفا , و عن كعب الأحبار أيضا , و روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : *( الرحمن على العرش استوى )* هذا المعنى , و رواة هذا الحديث من طريق قتادة و شداد عامتهم من رجال الصحيح , و ذلك كله بعد قول الله تعالى *( أفمن يخلق كمن لا يخلق )* إنما يوافق الاسم الاسم , و لا تشبه الصفة الصفة “ . قلت : مع التنزيه المذكور فإن الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك و تعالى بعد أن فرغ من خلق السموات و الأرض استراح ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا , و هذا المعنى يكاد يكون صريحا في الحديث فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه و تعالى عن ذلك . و أنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات و قد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار , فهذا يؤيد ما ذكرته , و ذكر أبو نصر أيضا أنه روي موقوفا عن عبد الله بن عباس و كعب بن عجرة , فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات , ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ثم إن قول أبي نصر “ إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح “ صحيح , و كذلك قال الهيثمي في “ المجمع “ ( 8 / 100 ) بعد أن عزاه للطبراني , و لكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تكلم فيه , و إن كان صاحب الصحيح احتج به , فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده , أو أنه كان ينتقي من حديثه مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده , خلافا لغيره . و إسناد هذا الحديث من هذا القبيل , فإن محمد بن فليح بن سليمان و أباه , و إن أخرج لهما البخاري فإن فيهما ضعفا و خاصة الأب , فقد ضعفه ابن معين حتى جعله دون الدراوردي و هذا حسن الحديث ! و قال في رواية : “ فليح ليس بثقة و لا ابنه “ , و كذلك ضعفه ابن المديني و النسائي و الساجي و قال : “ هو من أهل الصدق , و يهم “ . و لذلك لم يسع الحافظ إلا الاعتراف بضعفه فقال في “ التقريب “ : “ صدوق كثير الخطأ “ . و أما ابنه محمد فهو أحسن حالا من أبيه , ففي “ الميزان “ : “ قال أبو حاتم : ما به بأس , و ليس بذاك القوي . و وثقه بعضهم و هو أوثق من أبيه . و قال ابن معين ليس بثقة “ . و قال الحافظ : “ صدوق يهم “ . و إن مما يدل على ضعفهما و ضعف حديثهما اضطرابهما في إسناده . فتارة يقولان : عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة . و تارة : عن سالم أبي النضر بدل سعيد بن الحارث , و يقرن مع ابن حنين بسر بن سعيد و تارة يجعل مكانهما أبا الحباب سعيد بن يسار , و هذا كله من فوائد أبي نصر رحمه الله في هذا الجزء من “ الأمالي “ . حيث حفظ لنا فيه ما ينير السبيل على البحث في حال هذا الحديث . و أما إسناد حديث شداد فلم أقف عليه لننظر فيه , و غالب الظن أن فيه علة تقدح في صحته . و الله أعلم . و مما يوهن من شأن هذا الحديث أنه صح عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد , واضعا إحدى رجليه على الأخرى . رواه البخاري ( 1 / 466 بفتح الباري طبع بولاق ) و ترجم له بـ “ باب الاستلقاء في المسجد “ ثم روى عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر و عثمان يفعلان ذلك , فلو كان الاستلقاء المذكور لا ينبغي لأحد من خلقه سبحانه كما زعم الحديث لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من بعده , كما لا يخفى . و لا يعارض هذا ثبوت النهي عن الاستلقاء في صحيح مسلم ( 6 / 154 ) و غيره لأنه غير معلل بهذه العلة المذكورة في هذا الحديث المنكر , و للعلماء مذهبان في الجمع بين هذا النهي و بين فعله صلى الله عليه وسلم المخالف للنهي : الأول : ادعاء نسخ النهي . الثاني : حمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة , و الجواز حيث يؤمن ذلك <1> و في كل من المذهبين إشارة إلى رد هذا الحديث , فإنه لا يتمشى معهما البتة , أما على المذهب الأول فلأن الحديث صريح في أن الاستلقاء المذكور فيه من خصوصيات الله عز وجل فكيف يجوز ذلك ?! و أما على المذهب الثاني فلأنه صريح في أن العلة عنده هو انكشاف العورة أو عدم انكشافها , فلو كان يصح عنده أن العلة كون الاستلقاء من خصوصياته سبحانه لم يجز التعليل بغيرها و هذا ظاهر لا يخفى أيضا . و جملة القول إن هذا الحديث منكر جدا عندي , و لقد قف شعري منه حين وقفت عليه , و لم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد غير أن الحافظ الذهبي أورده في ترجمة “ فليح “ , كأنه يشير بذلك إلى أنه مما أنكر عليه كما هي عادته في “ ميزانه “ . و الله أعلم . ثم وجدت في بعض الآثار ما يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات , فروى الطحاوي في “ شرح المعاني “ ( 2 / 361 ) بسند حسن أنه قيل للحسن ( و هو البصري ) : قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ? فقال : ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود “ . ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على الحديث بنحو ما ظهر لي , فقال في “ الأسماء و الصفات “ ( ص 355 ) بعد أن ساقه من طريق إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح :“ فهذا حديث منكر , و لم أكتبه إلا من هذا الوجه , و فليح بن سليمان مع كونه من شرط البخاري و مسلم , فلم يخرجا حديثه هذا في “ الصحيح “ , و هو عند بعض الحفاظ غير محتج به “ . ثم روى بسنده عن ابن معين قال : لا يحتج بحديثه . و في رواية : قال : ضعيف . قال : و بلغني عن النسائي أنه قال : ليس بالقوي . قال : “ فإذا كان فليح بن سليمان المدني مختلفا في جواز الاحتجاج به عند الحفاظ لم يثبت بروايته مثل هذا الأمر العظيم . و فيه علة أخرى , و هي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . و صلى عليه عمر , و عبيد بن حنين مات سنة خمس و مائة , و له خمس و سبعون سنة في قول الواقدي و ابن بكير , فتكون روايته عن قتادة منقطعة , و قول الراوي : و انطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا يرجع إلى عبيد بن حنين , و إنما يرجع إلى من أرسله عنه , و نحن لا نعرفه , فلا تقبل المراسيل في الأحكام , فكيف في هذا الأمر العظيم ?! “ .-----------------------------------------------------------[1] و هذا هو الذي رجحه الحافظ في “ الفتح “ . اهـ .
المجلد: 2 السلسلة الضعيفة