الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فمن العقائد التي يتفق فيها الرافضة مع اليهود: عقيدة الرجعة، ويقصد بها رجعة بعض الأموات إلى الحياة الدنيا قبل يوم القيامة، وفي هذا المقال نتحدث عن:

1- عقيدة الرجعة عند اليهود.

2- عقيدة الرجعة عند الرافضة.

3- وجه الشبه بين العقيدتين.

4- الرد على المعتقد.



أولاً: الرجعة عند اليهود:

تعتبر عقيدة الرجعة من أصول العقائد عند اليهود، وتنقسم عقيدة الرجعة عند اليهود إلى:

1- رجعة بعض الأموات في زمن موسى - عليه السلام -.

2- رجعة بعض الأموات من اليهود في زمن المسيح الدجال.

3- قدرة الأنبياء والحاخامات على إرجاع من شاء إلى الحياة.

ونسوق بعضًا من نصوص أسفار اليهود وتلمودهم التي تبين ذلك المعتقد:

أ- جاء في الإصحاح السابع والثلاثين من سفر حزقيال: «وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا، وأمرني عليها، وإذا هي كثيرة جدًا على وجه البقعة ويابسة جدًا، فقال: يا ابن آدم، ما هذه العظام؟ فقلت: يا سيد، الرب أنت تعلم، فقال: تنبأ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب هكذا، قال السيد الرب لهذه العظام: هاأنذا أدخل فيكم روحًا فتحيون، وأضع عليكم عصبًا وأكسوكم لحمًا، وأبسط عليكم جلدًا، وأجعل فيكم روحًا، فتحيون وتعلمون أني الرب...».

وهذا النص يوضح تنبؤات حزقيال، ويبين كيف تجتمع العظام ثم تكسى باللحم وتخرج من قبورها.

ب- جاء في التلمود: «إن أحد الخامات قتل حاخامًا آخر في حالة سكر، ثم أتى بمعجزة فأعاد الحاخام القتيل إلى الحياة». [التلمود تاريخه وتعاليمه ص87].

جـ- هذا فضلاً عن قدرة الربانيين عندهم على إعادة الحياة إلى الذين ماتوا، ففي التلمود: «إن ربانيًا قطع رأس أفعى بسنه ولمها ثانية بحَجِرِهِ فرجعت إليها الحياة، بل إنه كان يلمس بهذا الحجر الطيور التي ماتت فتعود إليها الحياة وتطير ثانيه».

مما سبق يتضح رسوخ عقيدة الرجعة عند اليهود، وهذا ما توضحه أسفارهم ويؤكده تلمودهم.



ثانيًا: الرجعة عند الرافضة:

والرجعة عند الرافضة بينها محمد بن الحسن الحر في كتابه «الإيقاظ من الهجعة في ثبات الرجعة» فيقول: «اعلم أن الرجعة هي الحياة بعد الموت قبل يوم القيامة... ».

ويقول الأحسائي في كتاب «الرجعة» (ص11): «اعلم أن الرجعة سر من أسرار الله، والقول بها ثمرة الإيمان بالغيب، والمراد بها رجوع الأئمة - عليهم السلام - وشيعتهم وأعدائهم، ممن لم يهلكهم الله في الدنيا بالعذاب، فإن من أهلكه الله في الدنيا بالعذاب لا يرجع إلى الدنيا».

2- ويؤكد هذا المعاصرون منهم؛ فيقول إبراهيم الموسوي: «الرجعة عبارة عن حشر قوم

عند قيام القائم الحجة ابن الحسن - عليه السلام - ممن تقدم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، وقوم من أعدائه ينتقم منهم وينالون بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته، وليبتلوا بالذل والحزن بما يشاهدونه من علو كلمته». [عقائد الإمامية الاثنى عشرية 2/228].

وقال محمد رضا المظفر: «عقيدتنا في الرجعة: أن الله - تعالى -يعيد قومًا من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعز فريقًا ويذل فريقًا آخر.. » [عقائد الإمامية ص118].

ومن مجموع النصوص التي ساقها الرافضة في كتبهم يتبين أن هذا المعتقد يتلخص في:

1- إعادة أقوام للدنيا قبل يوم القيامة.

2- لا تكون الرجعة إلا لمن بلغ درجة عالية من الإيمان، أو بلغ درجة عالية من الفساد.

3- أن الرجعة لا تكون لمن أهلكهم الله في الدنيا بعذاب، وإنما تكون لمن لم يهلكهم الله في الدنيا.

وعقيدة الرجعة عليها إجماع الرافضة، يقول المفيد في أوائل المقالات (ص89): «وقد جاء القرآن بصحة ذلك المعتقد، وتظاهرت به الأخبار، والإمامية بأجمعها عليه إلا الشذاذ منهم»، ويقصد بقوله: قد جاء القرآن بها قول الله - تعالى -: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة: 243].

وهم يؤولون بعض الآيات في القرآن كشأن فرق الضلال لتناسب تلك العقيدة، من ذلك

قول القمي في تفسيره في قوله - تعالى -: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص: 85]، «العامة تقول إلى معاد يوم القيامة، وأما الخاصة فيرون أنها الرجعة... » [تفسير القمي 2/170].

وقوله في قوله - تعالى -: قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ، ذلك في الرجعة أي أحد الإحياءين فيها والآخر يوم القيامة، وإحدى الإمامتين في الدنيا، والأخرى في الرجعة». [تفسير القمي 2/256].

والروايات التي أوردها الرافضة في عقيدة الرجعة منها ما يدل على رجوع الأنبياء، ومنها ما يدل على رجوع بعض الأئمة، ومنها ما يدل على رجوع بعض الصحابة بهدف تعذيبهم، ومنها ما يدل على مقدرة الأئمة على إعادة الحياة لبعض الأموات.

أما رجعة الأنبياء، فقد روى المجلسي عن علي بن الحسين عن أبيه إلى عطية الأبزاري قال: «طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكعبة فإذا آدم - عليه السلام - بحذاء الركن اليماني، فسلم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم انتهى إلى الحجر، فإذا نوح - عليه السلام - بحذاء رجل طويل فسلم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ». [بحار الأنوار 27/304].

وفي بصائر الدرجات: «عن الحسين بن علي عن أبي الحسن الرضا، قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاهنا والتزمته». [بصائر الدرجات ص294].

فلا تعجب أخي عندما تسمع من بعض المتصوفة أنهم رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقظةً واجتمع بهم، فقد تسرب إليهم هذا المعتقد من الرافضة التي أخذته من اليهودية، فالعلاقة بين الثلاثة واضحة بينة في ذلك المعتقد.

وأما رجعة بعض أئمتهم، ففي بصائر الدرجات (ص296)، عن سماعة، قال: كنت عند أبي الحسن - عليه السلام - فأطلت الجلوس عنده فقال: أتحب أن ترى أبا عبد الله - عليه السلام -؟ فقال: وددت والله، فقال: قم وادخل ذلك البيت فدخلت البيت فإذا أبو عبد الله - عليه السلام - قاعد».

وأما رجعة بعض الصحابة بهدف تعذيبهم قبل خروج مهديهم المنتظر، فأبو بكر وعمر يخرجان من قبريهما في كل موسم حج ليرجمهما الأئمة عند الجمرات، وأما معاوية - رضي الله عنه - فقد خرج من قبره وفي عنقه سلسلة وسأل أبا جعفر أن يسقيه، فأبى أن يسقيه». [بصائر الدرجات ص305].



ثالثًا: وجه الشبه بين العقيدتين:

والمتأمل في عقيدة الرجعة عند الرافضة واليهود يجد أن هناك تشابهًا كبيرًا بين الفرقتين في بعض النقاط منها:

1- الاتفاق بينهما في وقت الرجعة، فوقت الرجعة عند اليهود هو خروج المسيح المنتظر، ووقت الرجعة عند الرافضة هو خروج المهدي المنتظر.

2- الاتفاق بينهما في الهدف من الرجعة، فالرجعة عند اليهود تهدف إلى الانضمام إلى جيش المسيح المنتظر ونصرته، وهدف الرجعة عند الرافضة هو الانضمام لجيش المهدي المنتظر ونصرته على أعدائه.

3- الاتفاق بينهما على مقدرة بعض البشر على إرجاع الأموات، فعلى حين يرى اليهود قدرة أنبيائهم وحاخاماتهم على إحياء الأموات، يرى الرافضة أن ذلك ثابت لأئمتهم ولا يخفى تسرب معتقد الرجعة إلى الرافضة من اليهودية عن طريق ابن عبد الله بن سبأ «ابن السوداء»، الذي نادى برجعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم برجعة علي بن أبي طالب، قال المقريزي في المواعظ والاعتبار (2/356): «إن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي - رضي الله عنه - وأحدث القول برجعة علي بعد موته إلى الدنيا، وبرجعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضًا».



رابعًا: الرد على معتقد الرجعة:

لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على بطلان ذلك المعتقد، ومن الآيات الدالة على بطلان ذلك قول الله - عز وجل -: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 99، 100]، وقوله - سبحانه -: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 28]، وقوله - عز وجل -: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت: 57]، والنصوص السابقة تبين أنه لا رجعة لأحد مات إلا بعثه يوم القيامة، وقوله - سبحانه - وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يبين ذلك ويؤكده، وقد أجمع المسلمون على اختلاف مذاهبهم على بطلان عقيدة الرجعة، كما أن العقل الصحيح يرفض ذلك المعتقد الفاسد، إذ ما معنى إخراج الصحابة الأطهار الأبرار لتعذيبهم في الدنيا ثم إعادة العذاب عليهم في الآخرة، أليس ذلك من الظلم البين لأناس أثنى الله عليهم في كتابه واصطفاهم لصحبة نبيه، فما الجرم الذي ارتكبوه لإخراجهم من قبورهم قبل يوم القيامة لتعذيبهم، هل يقبل ذلك عاقل، أم أنه الهوى، ألا لعنة الله على الظالمين.