بسم الله الرحمن الرحيم

قضاء الله عز وجل ينقسم إلى قسمين :
أ‌.قضاء شرعي .
ب‌.قضاء كوني .
فالقضاء الشرعي : يجوز وقوعه من المقضي عليه وعدمه ، ولا يكون إلاّ فيما يحبه الله . مثال ذلك : هذه الآية : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إياه ) ؛ فتكون قضى بمعنى : شرع ، أوبمعنى : وصّى ، وما أشبههما .
والقضاء الكوني : لا بد من وقوعه ، ويكون فيما أحبه الله ، وفيما لا يحبه . مثال ذلك : قوله تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً ) فالقضاء هنا كوني ؛ لأن الله لا يشرع الفساد في الأرض ، ولا يحبه .

إذا قيل : ثبت أن الله قضى كوناً ما لا يحبه ؛ فكيف يقضي الله ما لا يحبه ؟
فالجواب : أن المحبوب قسمان :
ـ محبوب لذاته .
ـ محبوب لغيره .
فالمحبوب لغيره قد يكون مكروهاً لذاته ، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة ؛ فيكون حينئذ محبوباً من وجه ، مكروها ًمن وجه آخر . مثال ذلك : الفساد من بني إسرائيل في حد ذاته مكروه إلى الله ؛ لأن الله لا يحب الفساد ، ولا المفسدين ، ولكن للحكمة التي يتضمنها يكون بها محبوباً إلى الله عزوجل من وجه آخر .
فإن قيل : كيف يتصور أن يكون الشيء محبوباً من وجه مكروهاً من وجه آخر ؟
فيقال : هذا الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مرة كريهة الرائحة واللون فيشربها ، وهو يكرهها لما فيها من المرارة واللون والرائحة ، ويحبها لما فيها من الشفاء ، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار ، ويتألم منها ؛ فهذا الألم مكروه له من وجه محبوب له من وجه آخر .
فإن قيل : لماذا لم يكن قوله : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) من باب القضاء القدري ؟ أجيب : بأنه لا يمكن ؛ إذ لو كان قضاءً قدرياً لعبد الناس كلهم ربهم ، لكنه قضاء شرعي قد يقع ولا يقع . ص31 ـ 32 .
فائدة من شرح الشيخ ابن عثيمين لكتاب التوحيد