عقوبة من ترك شيئا من دين الله _كلام نفيس جدا لشيخ الإسلام رحمه الله _
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه بيان تلبيس الجهمية (1/452):

وهذا المقصود هنا ، وهو أن كل ما يحتج به في إثبات قدم العالم ، بل وفي نفي الصفات ، يلزم صاحبه أعظم مما فر منه، حتى يؤول به الأمر إلى أن ينكر الوجود بالكلية، أو يعترف ببطلان قوله ، وببطلان كل ما يدل على قوله ، وهذا موجود في عامة الدين ، مما أمر الله به من اعتقاد أو قول أو قصد أو عمل، ومن ترك شيئا من ذلك إلى غيره خوفا مما ترك ،كان في الذي فر إليه أعظم من ذلك المخوف، وإن كان رغبة فيما فر إليه، كان ما فاته أعظم مما حصل له، بل يعاقبون بأعظم من ذلك، وقد قال تعالى {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان/33]فأخبر أن المشركين لا يأتون بقياس _وأقيستهم من الباطل _إلا أتى الله بما هو الحق ، بكلام وقياس أحسن تفسيرا، بحيث يكون بيانه ودلالته للمطلوب أبين وأوضح وأجلى، وأقرب إلى الأمور البديهية الجلية فهذا في جانب الحق .

وأما في عقوبة المبطل، فإن المبطلين رئيسهم من الجن إبليس، وأعظم رؤسائهم في الإنس فرعون، وإبليس ترك طاعة الله تعالى وعبادته، في السجود لآدم حذرا من نقص مرتبته بفضل آدم عليه السلام، فأداه ذلك إلى أن رضي بأن صار بأخس المراتب، وباع آخرته بدنيا غيره، كأخس القوادين، فإنه يهلك نفسه في إغواء بني آدم بتحسين شهوات الغي لهم، يتلذذون بالشهوات التي لا يلتذ هو بها، ثم إنهم قد يتوبون فيغفر لهم، وهو قد خسر وهلك من غير فائدة، مع أنه ليس بين كونه تابعا لهؤلاء في إرادتهم الخسيسة، وكونه تابعا لربه فيما أراد به، من السجود لآدم نسبة في الشرف والرفعة، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:( قال الشيطان: وعزتك لأغوين بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسامهم، فقال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأغفرن لهم ما استغفروني).
وهكذا فرعون استكبر أن يعبد رب السموات والأرض، خوفا من سقوط رياسته، ثم رضي لنفسه أن يعبد آلهة له قد صنعها هو، وهكذا تجد كل أهل المقالات الباطلة وأهل الأعمال الفاسدة، وإبليس إمام هؤلاء كلهم ،فإنه اتبع قياسه الفاسد المخالف للنص، واتبع هواه في استكباره عن طاعة ربه تعالى.