انحراف الصوفية

للإمام ابن الجوزي



"تأملت أحوال الصوفية و الزهاد ، فرأيت أكثرها منحرفاً عن الشريعة ، بين جهل بالشرع ، و ابتداع بالرأي . يستدلون بآيات لا يفهمون معناها ، و بأحاديث لها أسباب ، و جمهورها لا يثبت .
فمن ذلك ، أنهم سمعوا في القرآن العزيز :(و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) (إنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة )
ثم سمعوا في الحديث :" للدنيا أهون على الله من شاة ميتة على أهلها"[ رواه مسلم].

فبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها .
و ذلك أنه ما لم يعرف حقيقه الشيء فلا يجوز أن يمدح و لا أن يذم .
فإذا بحثنا عن الدنيا رأينا هذه الأرض البسيطة التي جعلت قراراً للخلق ، تخرج منها أقواتهم ، و يدفن فيها أمواتهم .
و مثل هذا لا يذم لموضع المصلحة فيه.
و رأينا ما عليها من ماء ، و زرع ، و حيوان ، كله لمصالح الآدمي ، و فيه حفظ لسبب بقائه .
و رأينا بقاء الآدمي سبباً لمعرفة ربه ، و طاعته إياه ، و خدمته . و ما كان سبباً لبقاء العارف العابد ، يمدح و لا يذم .
فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل ، أو العاصي في الدنيا .
فإنه إذا اقتنى المال المباح ، و أدى زكاته ، لم يلم .


فقد علم ما خلف الزبير ، و ابن عوف و غيرهما .
و بلغت صدقة علي ـ رضي الله عنه ـ أربعين ألفاً .
و خلفت ابن مسعود تسعين ألفاً .
و كان الليث ابن سعد يستغل كل سنة عشرين ألفاً.
و كان سفيان يتجر بمال .
و كان ابن مهدي يستغل كل سنة ألفى دينار .





* و إن أكثر من النكاح و السراري ، كان ممدوحاً لا مذموماً..

فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم زوجات و سراري .



و جمهور الصحابة ، كانوا على الإكثار من ذلك .


و كان لعلي بن أبي طالب أربع حرائر ، و سبع عشرة أمة .

و تزوج ولده الحسن ، نحو أربعمائة .








فإن طلب التزوج للأولاد ، فهو الغاية في التعبد ، و إن أراد التلذذ فمباح ، يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى ، من إعفاف نفسه و المرأة ، إلى غير ذلك . و قد أنفق موسى ـ عليه السلام ـ من عمره الشريف عشر سنين في مهر بنت شعيب .


فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء ، لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه .

و قد قال ابن عباس رضي الله عنهما : [ خيار هذه الأمة أكثرها نساء ] .

و كان يطأ جارية له ، و ينزل في أخرى .
و قالت سرية الربيع بن خيثم : كان الربيع يعزل .










*و أما المطعم : فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله عز وجل ، و حق على ذي الناقة أن يكرمها لتحمله .


و قد كان النبي ، يأكل ما وجد, فإن وجد اللحم أكله , و يأكل لحم الدجاج ، و أحب الأشياء إليه الحلوى و العسل ، و ما نقل عنه أنه امتنع من مباح .

و جيء علي _ رضي الله عنه_بفالوذج فأكل منه ، و قال : " ما هذا " ؟ قالوا : يوم النوروز ، فقال : " نوروزا كل يوم " .


و إنما يكره الأكل فوق الشبع ، و اللبس على وجه الاختيال و البطر .





* و قد اقتنع أقوام بالدون من ذلك ، لأن الحلال الصافي لا يكاد يمكن فيه تحصيل المراد ، و إلا فقد لبس النبي حلة اشتريت له بسبعة و عشرين بعيراً .


وكان لتميم الداري حلة اشتريت بألف درهم ، يصلي فيها بالليل .

فجاء أقوام ، فأظهروا التزهد ، و ابتكروا طريقة زينها لهم الهوى ، ثم تطلبوا لها الدليل .

و إنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل ، لا أن يتبع طريقاً و يتطلب دليلها .









ثم انقسموا :


فمنهم :

_ متصنع في الظاهر ، ليث الشرى في الباطن ، يتناول في خلواته الشهوات ، و ينعكف على اللذات . و يري الناس بزيه أنه متصوف متزهد ، و ما تزهد إلا القميص ، و إذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون .

_ و منهم : سليم الباطن ، إلا أنه في الشرع جاهل .


_ و منهم : من تصدر ، و صنف ، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة ، و كانوا كعمي اتبعوا أعمى .



و لو أنهم تلمحوا للأمر الأول ، الذي كان عليه الرسول و الصحابة _رضي الله عنهم _ لما زلوا .




و لقد كان جماعة من المحققين ،لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة ، بل يوسعونه لوما .



* فنقل عن أحمد أنه قال له المروذي : ما تقول في النكاح ؟ فقال : " سنة النبي صلى الله عليه وسلم " .

فقال : قد قال إبراهيم .

قال : فصاح بي و قال : "جئتنا ببنيات الطريق ؟ "
*و قيل له : إن سريا السقطي قال : لما خلق الله تعالى الحروف ، و قف الألف و سجدت الباء ، فقال :" نفروا الناس عنه ".









* و اعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم ، كما قال رجل لعلي بن أبي طالب : أتظن أنا نظن أن طلحة و الزبير ، كانا على الباطل ؟ فقال له : " إن الحق لا يعرف بالرجال ، أعرف الحق تعرف أهله " .




و لعمري أنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام ، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله ، لتعظيمهم في نفسه .


كما ينقل عن أبي يزيد ، أنه قال : " تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة ".

و هذا إذا صح عنه ، كان خطأ قبيحاً , و زلة فاحشة ، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن ، و لا يقوم مقامه شيء . فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه . و قد كان ُيستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه و سلم .

أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له ، و أنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها .





و كذلك ينقلون عن بعض الصوفية ، أنه قال : "سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً ، فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض و لا أرفعها ، و كان علي مسح ، فكانت عيني إذا آلمتني أدلكها بالمسح فذهبت إحدى عيني " .



و أمثال هذا كثير ..

و ربما حملها القصاص على الكرامات ، و عظموها عند العوام ، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة من الشافعي ، و أحمد .

و لعمري ، إن هذا من أعظم الذنوب و أقبح العيوب ، لأن الله تعالى قال و لا تقتلوا أنفسكم.
و قال النبي عليه الصلاة و السلام :" إن لنفسك عليك حقاً" [ متفق عليه] .
و قد طلب أبو بكر، في طريق الهجرة للنبي ، ظلا ، حتى رأى صخرة ففرش له في ظلها[ رواه البخاري] .






* و قد نقل عن قدماء هذه الأمة بدايات هذا التفريط ، و كان سببه من وجهين :





أحدهما : الجهل بالعلم .


و الثاني : قرب العهد بالرهبانية .

* و قد كان الحسن يعيب فرقد السبخي ، و مالك بن دينار ، في زهدهما فرئي عنده طعام فيه لحم ، فقال: " لا رغيفي مالك ، و لا صحني فرقد " .



و رأى على فرقد كساء ، فقال : "يا فرقد إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية " .

وكم قد ذوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد و لا ماء و هو لا يعلم أن هذا من أقبح الأفعال ، و أن الله تعالى لا يجرب عليه .

فربما سمعه جاهل من التائبين فخرج فمات في الطريق ، فصار للقائل نصيب من إثمه .
* و كم يروون عن ذي النون : أنه لقي امرأة في السياحة فكلمها و كلمته ، و ينسون الأحاديث الصحاح : "لا يحل لامرأة أن تسافر يوماً و ليلة إلا بمحرم" .[متفق عليه]
* و كم ينقلون : أن أقواماً مشوا على الماء .. و قد قال إبراهيم الحربي :" لا يصح أن أحداً مشى على الماء قط " .
فإذا سمعوا هذا قالوا : أتنكرون كرامات الأولياء الصالحين ؟
فنقول : لسنا من المنكرين لها ، بل نتبع ما صح ، و الصالحون هم الذين يتبعون الشرع ، و لا يتعبدون بآرائهم .


و في الحديث : "إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم ".[ رواه أبو داود]



و كم يحثون على الفقر حتى حملوا خلقاً على إخراج أموالهم ، ثم آل بهم الأمر إما إلى التسخط عند الحاجة ، و إما إلى التعرض بسؤال الناس .

و كم تأذى مسلم بأمرهم الناس بالتقلل ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلث طعام ، و ثلث شراب ، و ثلث نفس ".[رواه أحمد]

فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة في التقلل .
فحكى أبو طالب المكي في " قوت القلوب " : أن فيهم من كان يزن قوته بكربة رطبة ، ففي كل ليلة يذهب من رطوبتها قليل ، و كنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا ، فضاق المعي و أوجب ذلك ، مرض سنين .
أفترى هذا شيئاً تقتضيه الحكمة ، أو ندب إليه الشرع ؟
و إنما مطية الآدمي قواه ، فإذا سعى في تقليلها ، ضعف عن العبادة .
_ ولا تقولن : الحصول على الحلال المحض مستحيل, لذلك وجب الزهد تجنبا للشبهات, فإن المؤمن حسبه أن يتحرى في كسبه هو الحلال, ولا عليه من الأصول التي نبتت من هذه الأموال.


فإنا لو دخلنا ديار الروم ، فوجدنا أثمان الخمور و أجرة الفجور ، كان لنا حلالاً بوصف الغنيمة .



أفتريد حلالاً ، على معني أن الحبة من الذهب لم تنتقل مذ خرجت من المعدن ، على وجه لا يجوز ؟

فهذا شيء لم ينظر فيه رسول الله .

أو ليس قد سمعت أن الصدقة عليه حرام ، فلما تصدق على بريرة بلحم فأهدته ، جاز له آكل تلك العين لتغير الوصف .
و قد قال أحمد بن حنبل "أكره التقلل من الطعام ، فإن أقواماً فعلوه فعجزوا عن الفرائض " .
و هذا صحيح . فإن المتقلل لا يزال يتقلل إلى أن يعجز عن النوافل ثم الفرائض ، ثم يعجز عن مباشرة أهله و إعفافهم ، و عن بذل القوى في الكسب لهم ، و عن فعل خير قد كان يفعله .





*و لا يهولنك ما تسمعه من الأحاديث التي تحث على الجوع ، فإن المراد بها إما الحث على الصوم , و إما النهي عن مقاومة الشبع .



فأما تنقيص المطعم على الدوام ، فمؤثر في القوى ، فلا يجوز .

ثم في هؤلاء المذمومين من يرى هجر اللحم ، و النبي كان يود أن يأكله كل يوم.

و اسمع مني بلا محاباة : لا تحتجن علي بأسماء الرجال ، فتقول : قال بشر ، و قال إبراهيم بن أدهم. فإن من احتج بالرسول _ عليه السلام- و أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ أقوى حجة . على أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن .
و لقد ذاكرت بعض مشايخنا ما يروى عن جماعة من السادات ، أنهم دفنوا كتبهم فقلت له : ما وجه هذا ؟ فقال : "أحسن ما نقول أن نسكت" ، يشير إلى أن هذا جهل من فاعله .
و تأولت أنا لهم ، فقلت : لعل ما دفنوا من كتبهم ، فيه شيء من الرأي ، فما رأوا أن يعمل الناس به .
و لقد روينا في الحديث ، عن أحمد بن أبي الحواري : أنه أخذ كتبه فرمى بها في البحر ، و قال :" نعم الدليل كنت ! و لا حاجة لنا إلى الدليل بعد الوصول إلى المدلول " .
و هذا ـ إذا أحسنا به الظن ـ قلنا : كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه .
فأما إذا كانت علوماً صحيحة ، كان هذا من أفحش الإضاعة ، و أنا و إن تأولت لهم هذا ، فهو تأويل صحيح في حق العلماء منهم ، لأنا قد روينا عن سفيان الثوري : أنه قد أوصى بدفن كتبه _ و كان ندم على أشياء كتبها عن قوم ، و قال : حملني شهوة الحديث .
و هذا لأنه كان يكتب عن الضعفاء و المتروكين ، فكأنه لما عسر عليه التمييز أوصى بدفن الكل .
و كذلك من كان له رأي من كلامه ثم رجع عنه ، جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك ، فهذا وجه التأويل للعلماء .
فأما المتزهدون ، الذين رأوا صورة فعل العلماء ، و دفنوا كتباً صالحة لئلا تشغلهم عن التعبد ، فإنه جهل منهم ، لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم ، مع الإقدام على تضييع مال لا يحل تضييعه .
و من جملة من عمل بواقعة دفن كتب العلم ، يوسف بن أسباط ، ثم لم يصبر عن التحديث فخلط ، فعد في الضعفاء .
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، قال : أخبرنا محمد بن المظفر الشامي ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي ، قال : حدثنا يوسف بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عمرو العقيلي قال : حدثنا محمد بن عيسى ، قال : أخبرنا أحمد بن خالد الخلال . قال : سمعت شعيب بن حرب يقول : قلت ليوسف بن أسباط : كيف صنعت بكتبك ؟ قال : " جئت إلى الجزيرة ، فلما نضب الماء دفنتها حتى جاء الماء عليها ، فذهبت " .
قلت : ما حملك على ذلك ؟
قال : " أردت أن يكون الهم هماً واحداً " .
قال العقيلي : و حدثني آدم ، قال : سمعت البخاري قال : قال صدقة : "دفن يوسف بن أسباط كتبه ، و كان يغلب عليه الوهم فلا يجيء كما ينبغي " .
قال المؤلف : قلت : الظاهر أن هذه كتب علم ينفع ، و لكن قلة العلم أوجبت هذا التفريط ، الذي قصد به الخير ، و هو شر .
فلو كانت كتبه من جنس كتب الثوري ، فإن فيها عن ضعفاء و لم يصح له التمييز ، قرب الحال . إنما تعليله يجمع الهم هو الدليل على أنها ليست كذلك ، فانظر إلى قلة العلم ، ماذا تؤثر مع أهل الخير .
و لقد بلغنا في الحديث عن بعض من نعظمه ، و نزوره ، أنه كان على شاطئ دجلة ، فبال ثم تيمم ، فقيل له : الماء قريب منك ، فقال : خفت ألا أبلغه ! !.
و هذا و إن كان يدل على قصر الأمل ، إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث تلاعبوا به ، من جهة أن التيمم ، إنما يصح عند عدم الماء .
فإذا كان الماء موجوداً كان تحريك اليدين بالتيمم عبثاً . و ليس من ضرورة وجود الماء أن يكون إلى جانب المحدث ، بل لو كان على أذرع كثيرة ، كان موجوداً فلا فعل للتيمم و لا أثر حينئذ .





*و من تأمل هذه الأشياء ، علم أن فقيهاً واحداً ـ و إن قل أتباعه و خَفَتَ إذا مات أشياعه ـ أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبركاً ، و يشيع جنائزهم ما لا يحصى .



و هل الناس إلا صاحب أثر نتبعه ، أو فقيه يفهم مراد الشرع و يفتي به ؟ نعوذ بالله من الجهل ، و تعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل !

فإن من ورد المشرب الأول ، رأى سائر المشارب كدرة .

و المحنة العظمى مدائح العوام ، فكم غرت ! !
كما قال علي: " ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً ".
و لقد رأينا و سمعنا من العوام ، أنهم يمدحون الشخص ، فيقولون : لا ينام الليل ، و لا يفطر النهار ، و لا يعرف زوجة ، و لا يذوق من شهوات الدنيا شيئاً ، قد نحل جسمه ، و دق عظمه حتى أنه يصلي قاعداً ، فهو خير من العلماء الذين يأكلون و يتمتعون .
ذلك مبلغهم من العلم ، و لو فقهوا علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يفتي عن الله ، و يخبر بشريعته ، كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيراً و أفضل من عباده ذلك العابد باقي عمره! .
و قد قال ابن عباس : " فقيه واحد ، أشد على إبليس من ألف عابد " .





× و من سمع هذا الكلام فلا يظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه .



و إنما أمدح العاملين بالعلم ، و هم أعلم بمصالح أنفسهم . فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش ، كأحمد بن حنبل . و كان فيهم من يستعمل رقيق العيش ، كسفيان الثوري مع ورعه ، و مالك مع تدينه ، و الشافعي مع قوة فقهه .

و لا ينبغي أن يطالب الإنسان بما يقوى عليه غيره ، فيضعف هو عنه .

فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه . و قد قالت رابعة : " إن كان صلاح قلبك في الفالوذج ، فكله " .
و لا تكون أيها السامع ممن يرى صور الزهد . فرب متنعم لا يريد التنعم و إنما يقصد المصلحة .
و ليس كل بدن يقوى على الخشونة ، خصوصاً من قد لاقى الكد و أجهده الفكر ، و أمضه الفقر ، فإنه إن لم يرفق بنفسه ، ترك واجباً عليه من الرفق .



فهذه جملة لو شرحتها بذكر الأخبار و المنقولات لطالت ، غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري ، و الله ولي النفع برحمته .



[صيد الخاطر صـ66].