فوائد من كتب السلف - ابن بطة العكبري رحمه الله في كتابه الإبانة

قال الإمام ابن بطة العكبري - رحمه الله - في كتابه:
اعلموا أن طريق الحق أقصد الطرق ومناهجه أوضح المناهج وهي ما أنزله الله في كتابه وجاءت به رسله ولم يكن رأيا متبعا ولا هوى مبتدعا ولا إفكا مخترعا وهو الإقرار لله بالملك والقدرة والسلطان وأنه هو المستولي على الأمور، سابق العلم بكل كائن ونافذ المشيئة فيما يريد، كان الخلق كله وكل ما هو فيه بقضاء وتدبير، ليس معه شريك ولا دونه مدبر ولا له مضاد، بيده تصاريف الأمور وهو الآخذ بعقد النواصي والعالم بخفيات القلوب ومستورات الغيوب، فمن هداه بطول منه اهتدى، ومن خذله ضل بلا حجة له ولا عذر، خلق الجنة والنار وخلق لكل واحدة منهما أهلا هم ساكنوها، أحصاهم عددا وعلم أعمالهم وأفعالهم وجعلهم شقيا وسعيدا وغويا ورشيدا، وخلق آدم عليه السلام، وأخذ من ظهره كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة، وقدر أعمالهم، وقسم أرزاقهم، وأحصى آجالهم، وعلم أعمالهم، فكل أحد يسعى في رزق مقسوم، وعمل محتوم إلى أجل معلوم، قد علم ما تكسب كل نفس قبل أن يخلقها، فلا محيص لها عما علمه منها، وقدر حركات العباد وهممهم وهواجس قلوبهم وخطرات نفوسهم، فليس أحد يتحرك حركة ولا يهم همة إلا بإذنه، وخلق الخير والشر، وخلق لكل واحد منهما عملا يعمل به، فلا يقدر أحد أن يعمل إلا لما خلق له، وأراد قوما للهدى فشرح صدورهم للإيمان وحببه إليهم وزينه في قلوبهم، وأراد آخرين للضلال فجعل صدورهم ضيقة حرجة وجعل الرجاسة عليهم، وأمر عباده بأوامر وفرض عليهم فرائض فلن يؤدوها إليه إلا بتوفيقه ومعونته، وحرم محارم وحد حدودا، فلن يكفوا عنها إلا بعصمته، فالحول والقوة له، وواقعة عليهم حجته، غير معذورين فيما بينهم وبينه، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.