عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبي كان يصل الرحم وكان وكان؛ فأين هو؟! قال: "في النار"، فكأنَّ الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ قال: "حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار"، قال: فأسلم الأعرابي بعد ذلك، فقال: لقد كلَّفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعباً ما مررتُ بقبر كافر إلا بشرته بالنار.[أخرجه الطبراني]
قال الشيخ الألباني رحمه الله في [السلسلة الصحيحة 1/25 حديث (18)]:( وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون، وطرح ابن معين لمحمد ابن أبي نعيم لا يتلفت إليه بعد توثيق أحمد وأبي حاتم إياه، لاسيما وقد توبع في إسناده).
وقال الشيخ في بيان فقهه: (( وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه؛ ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره.
ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر؛ حيث ارتكب ذنباً عظيماً تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به، الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال: "إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء"، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر أن تجعل لله نداً وقد خلقك" متفق عليه.
وإنَّ الجهل بهذه الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها. فإننا نعلم أنَّ كثيراً من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل ويقفون أمامها خاشعين محزونين، مما يشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم، مع أنَّ الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث الصحيح، واسمع قول الله عز وجل: "قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً" الآية، هذا موقفهم منهم وهم أحياء؛ فكيف وهم أموات؟)).