الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد:

(قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:116) وقال تعالى : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72)
هذا وعد جازم من الله تعالى ألا يدخل مشرك الجنة ، فيجوز لنا الجزم بالنار لمن حرم الله عليه الجنة قطعا .
أخرج ابن ماجه عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَكَانَ وَكَانَ فَأَيْنَ هُوَ قَالَ فِي النَّارِ قَالَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ قَالَ فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ بَعْدُ وَقَالَ : لَقَدْ كَلَّفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَبًا مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلَّا بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ ) قال الهيثمي (رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح) (مجمع الزوائد) 1/ 118.
هذا النص صريح في كون الصحابي كان يبشر المشركين بالنار ، فإذا مر بقبر الكافر فلان بن فلان بشره بالنار وهكذا وهذا فيه تحديد لكل مشركة بعينه .
أجمع الصحابة ومنهم الشيخان ـ رضي الله عنهما ـ على أننا نحكم على من مات على بأنه في النار ، واجماعهم يظهر في قصة قتال قول طليحة الأسدي مارواه طارق بن شهاب قال (جــاء وفـد بُزَاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح، فخيَّرهم بين الحرب المُجْلِيَة والسلم المُخْزِيَة، فقالوا: هذه المُجْلِيَة قد عرفناها فما المخزية؟. قال: تُنْزَع منكم الحَلْقَة والكُرَاع، ونَغْنَم ما أصبنا منكم، وتَرُدُّون علينا ماأصبتم منا، وتَدُون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، وتتركون أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يرِيَ الله خليفة رسوله والمهاجرين أمراً يعذرونكم به) فعَرَض أبو بكر ماقال على القوم، فقام عمر فقال: قد رأيت رأيا وسنشير عليك، أما ماذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فَنِعْم ماذكرت، وأما ماذكرت أن نغنم ماأصبنا منكم وتردون ماأصبتم منا فنِعْم ماذكرت، وأما ماذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت فقُتِلت على أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات) قال: فتتابع القوم على ماقال عمر. أهـ. رواه البرقاني على شرط البخاري. عن (نيل الأوطار) للشوكاني، 8/ 22. وذكره ابن حجر في الفتح ثم قال (قال الحميدي: اختصره البخاري فذكر طرفاً منه وهو قوله لهم «يتبعون أذناب الإبل ــ إلى قوله ــ يعذرونكم به» وأخرجه بطوله البرقاني بالإســناد الذي أخرج البخاري ذلك القدر منه) (فتح الباري) 13/210. وأصـل الحديث بالبخاري في باب (الاستخلاف) بكتاب الأحكام برقم (7221). ووفد بُزَاخة هم قوم طُلَيْحَة بْن خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيَّ , وَكَانَ قَدْ اِدَّعَى النُّبُوَّة بَعْدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَاعُه قومه لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ فَقَاتَلَهُمْ خَالِد بْن الْوَلِيد بَعْد أَنْ فَرَغَ مِنْ مُسَيْلِمَة بِالْيَمَامَةِ , ، فلما هزمهم بعثوا وفدهم إلى أبي بكر.
وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث وقال في شرحه (و «المجلية» بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناها: الخروج عن جميع المال. و «المخزية» بخاء معجمة وزاي بوزن التي قبلها: مأخوذة من الخزي، ومعناها: القرار على الذل والصغار، و «الحلقة» بفتح المهملة وسكون اللام بعدها قاف: السلاح، و «الكُرَاع» بضم الكاف على الصحيح وبتخفيف الراء: جميع الخيل. وفائدة نزع ذلك منهم أن لايبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم، وقوله «ونغنم ما أصبنا منكم» أي يستمر ذلك لنا غنيمة نقسمها على الفريضة الشرعية ولانرد عليكم من ذلك شيئا، وقوله «وتردون علينا ما أصبتم منا» أي ماانتهبتموه من عسكر المسلمين في حالة المحاربة، وقوله «تدون» بفتح المثناة وتخفيــف الدال المضمومــة: أي تحملــون إلينــا دياتهــم، وقوله «قتلاكم في النار» أي لاديات لهم في الدنيا لأنهم ماتوا على شركهم، فقتلوا بحق فلا دية لهم، وقوله و «تتركون» بضم أوله، و «يتبعون أذناب الإبل» أي في رعايتها لأنهم إذا نزعت منهم آلة الحرب رجعوا أعرابا في البوادي لاعيش لهم إلا مايعود عليهم من منافع إبلهم، قال ابن بطال: كانوا ارتدوا ثم تابوا، فأوفدوا رسلهم إلى أبي بكر يعتذرون إليه فأحب أبو بكر أن لايقضي بينهم إلا بعد المشاورة في أمرهم، فقال لهم: ارجعوا واتبعوا أذناب الإبل في الصحاري، انتهى. والذي يظهر أن المراد بالغاية التي أنظرهم إليها أن تظهر توبتهم وصلاحهم بحُسْن إسلامهم) (فتح الباري) 13/ 210 ــ 211.
والشاهـد من هذا: هو قول أبي بكر للمرتدين التائبين (وتكون قتلاكم في النار) وموافقة عمر وسائر الصحابة رضي الله عنهم له على ذلك، وهذا إجماع منهم على تكفير أنصار أئمة الردة وجنودهم على التعيين، إذ لاخلاف في أن القتلى أشخاص معينون، كما أنه لاخلاف بين أهل السنة في أنه لايشهد لمعيَّن بالنار إلا المقطوع بكفرهوقد قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وبلا ريب أن هذا إجمـع من الصحابـة علـى كفـر أنصـار مسيلمـة المتنبـيء الكـذاب وأنصـار طليحـة الأسدي المتنبـيء الكـذاب، فقد غنموا أموالهم وسَبَواْ نساءهم وشهدوا على قتلاهم بأنهم في النار وهذا تكفير منهم لهم على التعيين.) نقلا من رسالة الهرفي.

ذكر الإمام اللالكائي رحمه الله في كتابه (شرح اعتقاد أصول أهل السنة)؛ اعتقاد جماعة من الأئمة منهم:
الإمام الثوري: قال لشعيب بن حرب: "لا تشهد على أحد من أهل القبلة بجنة، ولا نار".
والإمام علي بن المديني: قال: "ولا يُشهد على أحد من أهل القبلة بعمل عمله بجنة، ولا نار".
و الإمام أحمد بن حنبل: قال: "ولا نشهد على أهل القبلة بعمل يعمله بجنة،؛ ولا نار نرجو للصالح ونخاف عليه، ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله".
قلت : كلام أئمة أهل السنة رحمهم الله واضح في أنهم يريدون بقولهم  لا نشهد بجنة و لا نار ) ( أهل القبلة) و ( المسلمين) أما الكافر فلا يدخل في قولهم و أنت ترى أنهم يحكون عقيدة أهل السنة و الجماعة المجمع عليها و منها هذه المسألة التي عليها الإجماع و ليست خلافية و لا إجتهادية و من إدعى الخلاف فليذكر لنا الأئمة الذين سبقوه إلى حكايته.

قال الإمام الطحاوي{(73) ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم.
(74) ولا ننزل أحد منهم جنة ولا ناراً.
(75) ولا نشهد عليهم بكفر ولا شرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى.}

يقول شارح الطحاوية الإمام ابن أبي العز في شرحه{يُرِيدُ : أَنَّا لَا نَقُولُ عَنْ أَحَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَة إنه مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة أَوْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، إِلَّا مَنْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ أنه مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة ، كَالْعَشَرَة رضي الله عَنْهُمْ . وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ : إنه لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مَنْ يَشَاءُ الله إِدْخَالَه النَّارَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَة الشَّافِعِينَ ، وَلَكِنَّا نَقِفُ في الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ، فَلَا نَشْهَدُ له بِجَنَّة وَلَا نَارٍ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ ؛ لِأَنَّ الحَقِيقة بَاطِنَة ، وَمَا مَاتَ عليه لَا نُحِيطُ به ، لَكِنْ نَرْجُو لِلْمُحْسِنينِ ، وَنَخَافُ على الْمُسِيءِ .}

قال الإمام ابن أبي العز في الطحاوية ص 494: "ولكن ابن عربي وأمثاله منافقون زنادقه اتحادية في الدرك الأسفل من النار" .

وقال الإمام ابن قدامة في اللمعة : ( ولا نحكم لمعين من أهل القبلة)

وقال ابن حزم - وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية - : "اتفقوا أن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الاديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبداً وأن من خالفه ممن بلغه؛ كافر مخلد في النار أبداً"اهـ (مراتب الإجماع ص 167-168)
وقد نقل ابن حزم إجماع العلماء على أن : " محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي المبعوث بمكة المهاجر إلى المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الجن والإنس إلى يوم القيامة، وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبدًا، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا".
مراتب الإجماع ص267.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله عن مانعي الزكاة : ( ... وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب ــ وجوب الزكاة ـ ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم واحدة وهي قتل مقاتيلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ، والشهادة على قتلاهم بالنار ..)
و ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن اتباع مسيلمة كانوا نحو مائة ألف أو أكثر (منهاج السنة النبوية) 7/217، وقال ـ رحمه الله ـ ( ولأن المرتد لو امتنع ــ بأن يلحق بدار الحرب، أو بأن يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام ــ فإنه يُقتل قبل الاستتابة بلا تردد) (الصارم المسلــول) صـ 322،
وقال أيضا (على أن الممتنع لايُستتاب، وإنما يُستتاب المقدور عليه) (الصارم المسلول) صـ 325 ــ 326.

و قال الإمام ابن القيم رحمه الله : "وقوله «حيثما مررت بقبر كافر فقل أرسلني إليك محمد»؛ دليل على أن من مات مشركاً فهو في النار، وإن مات قبل البعثة"اهـ (زاد المعاد 3/599)
وقال رحمه الله: "الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: }إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ{، ولنا أُسوة بهم. ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام؛ غير محاربين لهم؛ كنساءِ المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لنا نصب له أُولئك أنفسهم من السعي في إطفاءِ نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته؛ بل هم بمنزلة الدواب. وقد اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار، وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم؛ إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاءِ بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام"اهـ (طريق الهجرتين ص 411)

قلت : فأنظر و تدبر في قول الإمام رحمه الله : (....إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاءِ بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام) ، حيث ذكر أنه يحكى بصيغة التضعيف هذا المذهب السيئ الغريب و الشاذ وهو عدم الحكم على الكفار المعين بالنار إلا عن بعض أهل البدع و أهل الكلام المحدث في الإسلام و هذا دليل على الإجماع في هذه المسألة فمن إدعى الخلاف فعليه التدليل و إلا فهو كاذب في ذلك.

وقال الإمام بن مفلح : ( قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْخَلَّالُ اللَّعْنُ الْمُطْلَقُ الْعَامُّ لَا الْمُعَيَّنُ كَمَا قُلْنَا فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ ، وَكَمَا نَقُولُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَإِنَّا نَشْهَدُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ وَنَشْهَدُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، وَلَا نَشْهَدُ بِذَلِكَ لِمُعَيَّنٍ إلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّصُّ ، أَوْ شَهِدَ لَهُ الِاسْتِفَاضَةُ عَلَى قَوْلٍ )

و قال الإمام الذهبي في تاريخ الاسلام :(عطاء المقنَّع. شيخ لعين، كان يعرف السَّحر والسِّيمياء، فربط الناس بالخوارق والمغنيات، وادَّعى الرُّبوبية من طريق المناسخة، فقال: إنّ الله جلّ
وعزّ تحوّل إلى صورة آدم، ولذلك أمر الملائكة بالسُّجود له، ثم تحوّل إلى صورة نوح، ثم إبراهيم، وغيرهم من الأنبياء والحكماء الفلاسفة، إلى أن حصل في صورة أبي مسلم
الخراسانيّ صاحب الدعوة، ثم بعده انتقل إليّ، فعبده خلائف من الجهلة وقاتلوا دونه مع ما شاهدوا من قبح صورته، وسماجة جهله. كان مشوَّهاً، أعور، قصيراً، ألكن، وكان
لا يكشف وجهه، بل اتخذ له وجهاً من ذهب، ولذلك قيل له المقنَّع. ومما أضلَّهم به من المخاريق قمر يرونه في السّماء مع قمر السماء، فقيل: كان يراه الناس من مسيرة
شهرين، ففي ذلك يتغزّلهبة الله بن سناء الملك من قصيدة:

إليك فما بدر المقنَّع طالعاًبأسحر من ألحاظ بدري المعمَّم ولأبي العلاء
المعرّي: أفق إنّما البدر المعمَّم رأسهضلال وغيٌّ مثل بدر المقنَّع ولمّا استفحل
الشّرّ بعطاء، لعنه الله، تجهّز العسكر لحربه، وقد صدوه وحصروه في قلعته، فلمّا
عرف أنّه مأخوذ، جمع نساءه وسقاهن السُّمَّ فهلكن، ثم تناول سماً فمات، فهو يتحسّاه
في نار جهنّم خالداً مخلداً فيها أبداً، كما ثبت الحديث في ذلك، ثم أخذت القلعة،
وقتل رؤوس أبتاعه، وكان بما وراء النَّهر. هلك في سنةٍ ثلاثٍ وستّين ومائة. )

وقال الإمام محمد بن عبدالوهاب تعلقيا : ( فتأمل كلامه في تكفير المعين ، والشهادة عليه إذا قتل بالنار .. ) انظر الدرر 9/ 418 /
و قال أيضا رحمه الله في أصول الدين، وفي رسالته إلى أهل القصيم: "ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة، ولا نار؛ إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسيء".

و قال اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
السؤال الخامس من الفتوى رقم ( 6397 ):
س5: أسلمت حديثًا إحدى الشابات البوذيات المثقفات بعد دراسة عميقة للإِسلام استمرت سبع سنوات وهي الآن نشطة في الدعوة للإِسلام ولقد أسلم على يديها بعض الأفراد من رجال ونساء، وفي إحدى جولاتها مع بعض الذين اهتدوا للتعريف بالإِسلام والدعوة إليه في إحدى المناطق النائية وجه إليها أحد البوذيين هذا السؤال: كيف تحكمون بدخول النار لغير المسلم بينما نحن في هذه المنطقة لم نسمع عن الإِسلام إلاَّ الآن فهل آباؤنا في النار وما ذنبهم طالما أنكم معشر المسلمين لم تبلغوا دين الحق إلينا، ولقد اتصلت بنا هذه الأخت المهتدية وتريد منا جوابًا شافيًا على سؤال الرجل والذي دخل في الإِسلام بعد هذا اللقاء؟
ج5 : المسلمون لا يحكمون على غيرهم بأنهم في النار إلاَّ بشرط وهو أن يكونوا قد بلغهم القرآن أو بيان معناه من دعاة الإِسلام بلغة المدعوين لقول الله عز وجل: ، وقوله سبحانه:
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 497)
، فمن بلغتهم الدعوة الإِسلامية من غير المسلمين وأصر على كفره فهو من أهل النار؛ لما تقدم من الآيتين، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاَّ كان من أهل النار أخرجه مسلم في صحيحه، والأدلة في هذا المعنى من الآيات والأحاديث كثيرة.
أما الذين لم تبلغهم الدعوة على وجه تقوم به الحجة عليهم فأمرهم إلى الله عز وجل، والأصح من أقوال أهل العلم في ذلك أنهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع الأوامر دخل الجنة ومن عصى دخل النار، وقد أوضح هذا المعنى الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره؛ لقول الله عز وجل: ، والعلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه [ طريق الهجرتين ] في آخره تحت عنوان (طبقات المكلفين) فنرى لك مراجعة الكتابين لمزيد الفائدة.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز

و قال الشيخ العلامة فالح بن نافع الحربي في مقاله الموسوم ( بيان حقيقة منشور على الإنترنت ):

(...وإنما الواقع والذي حدث فعلاً: أنه قيل لي عنه أنه توقف في أمر البابا-عند هلاكه- ولم يحكم له بالنار، وهذه هي الحقيقة ليس كما ادعى، ولست أنا الذي نسبت ذلك إليه، وإنما اتصل بي آنذاك أحدهم –هاتفياً- غير مرة، وسألني عن الحكم في البابا فقلت: هو في النار؛ لأنه كافر وطاغوت من الطواغيت، وقد هلك على ذلك،والله – تعالى - يقول في الكفار إذا ماتوا على كفرهم ] وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ*لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[، وآيات
كثيرة في كون الكفار إذا ماتوا في النار، ومن ذلك ما ورد في شأن آل فرعون.

وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمثاله بالنار، وذلك فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»، وقال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه:«حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار», والنصوص في ذلك من الكتاب والسنة وأقوال السلف واضحة جلية في كون الكافر إذا مات على كفره يحكم عليه بالخلود في النار.

فقال لي السائل-وكأنه في حيرة بعدما سمع جوابي- لقد سألت الشيخ صالح بن سعد السحيمي فتوقف في الحكم عليه، وأحال إلى المفتي والعلماء، فاستغربت ذلك، ولم أسلم به؛ لا لأنه لا يحال إلى المفتي والعلماء، وإنما مثله من الكفار لا يتوقف فيه مثل الشيخ؛ لوضوح حكمه في الكتاب والسنة، وللتثبت والتبين اتصلت بالشيخ صالح نفسه - هاتفياً - وذكرت له كلام السائل فلم ينفه أو ينكره؛ فتيقنت أن ذلك قد حصل منه، وهو ما يشير إليه قوله: "لا تحملوا كلامي ما لا يحتمل" أنه صدر منه كلام.)

وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرحه للطحاوية{وكذلك الشخص المعين الكافر، لا نشهد له بالنار إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر، وقامت عليه الحجة، وليس له شبهة مات يعبد الأصنام، وعلمنا أنه قامت عليه الحجة، وعلم أن هذا وثنا، وأنه لا يجوز، فأصر هذا يحكم عليه بالنار.
يهودي قامت عليه الحجة، عرف أن بعثة الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولم يؤمن به، هذا نشهد له، أما إذا لم نعلم نشهد على العموم: كل كافر في النار، كل مؤمن في الجنة.}

وقال الشيخ بكر أبوزيد - رحمه الله -
: " يجب على كل مسلم اعتقاد كفر من لم يدخل في هذا الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافراً، وأنه عدو لنا، وأنه من أهل النار... ولهذا: فمن لم يكفر اليهود والنصارى فهو كافر، طرداً لقاعدة الشريعة: من لم يكفر الكافر فهو كافر". ( معجم المناهي اللفظية ، ص 92 ) .

و قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله في شرح العقيدة الطحاوية{يريد: أنا لا نقول عن أحد معين من أهل القبلة: إنه من أهل الجنة أو من أهل النار إلا من أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، كالعشرة رضي الله عنهم، وإن كنا نقول: إنه لا بد أن يدخل النار من أهل الكبائر من يشاء الله إدخاله النار، ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين، ولكنا نقف في الشخص المعين، فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم؛ لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به، لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيئ.}


و قال الشيخ صالح آل الشيخ{أنَّ هذا الحكم ذَكَرَ أنه مختصٌ بأهل القبلة فقال (وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ) يعني من أهل القبلة (جَنَّةً وَلَا نَارًا)؛ لأنَّ أهل القبلة ظاهرهم الإسلام والله - عز وجل - قد وَعَدَ المسلم بالجنة، وقد تَوَعَّدَ من عصاه من أهل الإسلام بالنار.
فهذا الحكم مختصٌ بأهل القبلة، فمن مات من أهل الإسلام لا يُشْهَدُ عليه بأنه من أهل النار ولا يُشْهَدُ له بالجنة، إلاّ من شَهِدَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.
وإذا تبيَّنَ هذا فلا يدخل في كلامه من مات على الكفر وقد كان في حياته كافراً؛ كان طول حياته نصرانياً، أو كان طول حياته يهودياً، أو كان طول حياته وثنياً أو مشركاً الشرك الأكبر المعروف؛ يعني من أهل عبادة الأوثان أو ممن لا دين له.
فهؤلاء لا يدخلون في هذه العقيدة؛ بل يُشهَدُ على من مات منهم بأنه من أهل النار؛ لأنه مات على الكفر وهو الأصل.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «حيثما مررت بقبر كفار فبشره بالنار»(1) وهذا عموم وهو الموافق للأصل، وهو أنَّ من مات على الكفر نحكم عليه بالظاهر، ولا نقول قد يكون مات على الإسلام؛ لأنَّ هذا خلاف الأصل.
والقواعد المُقَرَّرَةْ تقضي باتباع واستصحاب الأصل.
لهذا المسلم نستصْحِبُ أصلَه -كما سيأتي- فلا نشهد عليه بشركٍ ولا كفرٍ ولا نفاق إذا مات، كذلك نستصحب الأصل في من مات على الكفر من النصارى واليهود والوثنيين وأشباه هؤلاء.
ومِنْ أهل العلم من أدخَلَ الحكم على المُعَيَّنْ الذي ورد في هذه الجملة الكفار بأنواعهم فقال: حتى الكافر لا نشهد عليه إذا مات لأننا لا ندري لعله أسلم قبل ذلك.
وهذا خلاف الصواب وخلاف ما قرَّرَهُ أهل التوحيد وأئمة الإسلام في عقائدهم، فإنَّ كلامهم كان مُقَيداً بمن مات من أهل القبلة، أما من لم يكن من أهل القبلة فلا يدخل في هذا الكلام}

و قال الشيخ يوسف الغفيص في شرحه للطحاوية{قال: (ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً). أي: لا نشهد لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار، إلا لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتقدم أن هذا إجماع، وقال بعض أهل العلم من المتقدمين: يشهد لمن استفاض ذكره، وهذا مرجوح، والراجح أن هذا مقصورٌ على شهادته صلى الله عليه وسلم}

....و هذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق

و في هذا القدر كفاية و صلى الله على محمد و على آله و صحبه أجمعين و الله أعلم.