بسم الله الرحمن الرحيم

حكم تولي المرأة للشؤون العامة في المجتمع ردًا على سهيلة زين العابدين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: كتبت سهيلة زين العابدين حماد مقالًا في جريدة المدينة في يوم الثلاثاء 26/2/1434هـ تتحمس فيه لتولية المرأة الولاية العامة في المناصب الكبيرة مما لم يجرِ في تاريخ الإسلام العمل به فهو مردود بالإجماع. وقد سبقها إلى هذه الفكرة كُتَّاب باءوا بالفشل ورد عليهم علماء كثيرون بالأدلة الصحيحة التي لم يقوَ هؤلاء الكتاب على معارضتها. فأرادت سهيلة أن تعيد الكرة ليكون سبيلها سبيل من سبقها في هذا المضمار الذي لم يبنِ أصحابه على أدلة من الكتاب والسنة ولا من الواقع العملي من المسلمين طيلة القرون الماضية.
ولما اصطدمت سهيلة بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» لم تجد مخرجًا إلا بالقدح في أبي بكرة رضي الله عنه ثم القدح في الحديث وهذا مما يدل على إفلاسها من إقامة الدليل الصحيح على قولها.
والجواب عما تمسكت به وإن كان واضحًا للعيان بطلانه هو:
أولًا: أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل لا يجوز الطعن فيه وفي روايته لأن الصحابة كلهم عدول كما قرر العلماء وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم أو سب واحد منهم حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي» فكل من ثبت له الصحبة لا يجوز سبه ولا تنقصه وإنما يجب علينا أن نقول في حق أفرادهم وجماعتهم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك روءف رحيم) فحقهم علينا الدعاء لهم بالمغفرة والاعتراف بسبقهم لنا بالإيمان وطهارة قلوبنا من الغل عليهم والبغضاء لهم كما يحصل من المنافقين والشيعة في حقهم مما هو كفر ونفاق، وقد قال تعالى في الصحابة (ليغيظ بهم الكفار) وأبو بكرة رضي الله عنه من أكابرهم وفضلائهم قال عنه الحافظ ابن حجرة في الإصابة (وكان من فضلاء الصحابة وسكن البصرة وأنجب أولادًا لهم شهرة) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أولاده – انتهى. وقال عنه ابن الأثير في أسد الغابة (وهو ممن نزل يوم الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى عنه أبو عثمان النهدي والأحنف والحسن البصري وكان من فضلاء الصحابة وصالحيهم) انتهى.
وحديثه في منع ولاية المرأة رواه البخاري في كتابه الذي هو أصح كتاب في السنة بعد كتاب الله وقد أجمعت الأمة على قبول كل ما فيه من الأحاديث ومنها حديث «لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) وقول سهيلة: (ولا يصح الأخذ بروايته أصلًا حتى لو كان الحديث صحيحًا فإنه لا يؤخذ على ظاهره لئلا يعارض ظاهر القرآن – وتريد بذلك ما ذكره الله عن قوم سبأ وملكتهم بلقيس كما ذكر الله قصتها في سورة سبأ مع أن القرآن لم يذكر قصة سبأ مقررًا لها، لأن هذه القصة حصلت من قوم مشركين يعبدون الشمس من دون الله فكيف يؤخذ منها دليل على جواز تولية المرأة الشؤون العامة في الإسلام).
ثانيًا: ليس في عدم تولية المرأة الولاية العامة حط من قدرها ولا احتقار لشأنها وإنما هو من باب الرفق بها، لأن الولايات العامة تكون من شؤون الرجال الأقوياء الذين لهم أعصاب قوية في مواجهات المهمات وحل المشكلات المعضلة وللنساء أعمال تليق بهن وينتجن فيها، فللرجال أعمال لا تقوم بها النساء وللنساء أعمال لا يقوم بها الرجال والحكمة وضع الشيء في موضعه والمرأة الصالحة التي تقوم بأعمالها اللائقة بها أنفع للمجتمع وأليق بها قال الله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) وهذا مدح لهن فيما يقمن به مما يليق بهن.
ثالثًا: مصالح المجتمع تقوم على أعمال الرجال وأعمال النساء معًا إذا كان كل من الجنسين يعمل في مجاله. فإذا خرج عمل أحد الجنسين عن مجاله كان هذا خلاف الفطرة وسيؤثر آثارًا سلبية على المجتمع لا تحمد عقباها، ويتعطل عمل الجنس الآخر فلا بد من التوازن بأن يعمل كل من الجنسين في مجاله اللائق به والذي ينتج فيه.
رابعًا: المرأة إذا تولت أعمال الرجال فسيترتب على هذا أن تتخلى عن حشمتها وحجابها فتخلع الحجاب وتجالس الرجال على طاولات العمل وتختلط بهم في اللقاءات وتخلو مع الرجل الذي ليس محرمًا لها وتسافر وحدها لأعمالها بدون محرم مما يعرضها لما لا تحمد عقباه وهذه محاذير خطيرة تؤثر سلبًا على المجتمع قال الشاعر حافظ إبراهيم:
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا
مثل الرجال يجلن في الأسواق
في دورهن شؤونهن كثيرة
كشؤون رب السيف والمزراق
ثم هذا يحمل المرأة فوق طاقتها فهو من تكليف ما لا يطاق والله سبحانه أمرنا أن نقول (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به).
فليت الكاتبة سهيلة وغيرها ممن يرون رأيها يتصورون عواقب ما يكتبون مما تكون عواقبه هدم المجتمع شعروا بذلك أو لم يشعروا، وفق الله الجميع لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء