قال الإمام ابن حزم في محلاه :(ولم يختلفوا في أن فيه كتاب الله التسمية بالكفر والقطع بحكم الكفر على من نطق بأقوال معروفة كقوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)
وقوله تعالى( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم)فصح أن يكون الكفر كلاما ).

وقال في الفصل في الملل والأهواء والنحل ج 5 :(وأما قولهم أن شتم الله تعالى ليس كفرا وكذلك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه دليل أن في قلبه كفر قال فهو دعوى لأنه الله تعالى قال
( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر.
وقال تعالى قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ..) فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن الإيمان

ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبهم كفرا بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء ومن ادعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى .)

وقال في الفصل أيضا (3/253 ) في رده على أهل الإرجاء:(لو أن إنسانا قال أن محمد صلى الله عليه وسلم كافر وكل من تبعه كافر وكل من تبعه كافر وسكت وهو يريد كافرون بالطاغوت كما قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) لما اختلف احد من أهل الإسلام في أن قائل هنا محكوم له بالكفر وكذلك لو قال أن إبليس وفرعون وأبا جهل مؤمنون لما اختلف احد من أهل الإسلام في أن قائل هذا محكوم له بالكفر وهو يريد أنهم مؤمنون بدين الكفر..
علق صاحب الكتاب بقوله فصح إننا كفرناه بمجرد قوله وكلامه الكفري ولا دخل لنا بمغيب اعتقاده..وهكذا كل من اظهر قولا أو عملا كفريا كفرناه بمحض ذلك القول أو العمل إذ مغيب اعتقاده لا يعلمه إلا الله عز وجل..وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إني لم ابعث لأشق عن قلوب الناس) رواه البخاري ، فالمدعي خلاف هذا مدع علم الغيب ومدعي الغيب لاشك كاذب..)

وقال في الفصل 3/25
(وقد شهد الله تعالى بان أهل الكتاب يعرفون الحق ويكتمونه ويعرفون أن الله تعالى حق وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حق ويظهرون بألسنتهن خلاف ذلك وما سماهم الله عز وجل قط كفارا إلا بما ظهر منهم بألسنتهم وأفعالهم قال تعالى:(فلما جاءهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)
قال ابن حزم في الفصل 3/243:(وهذا أيضا نص جلي لا يحتمل تأويلا على أن الكفار جحدوا بألسنتهم الآيات التي أتى بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام..واستيقنوا بقلوبهم أنها حق
قال الله عز وجل إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم )

قال ابن حزم(3/262):(فجعلهم تعالى مرتدين كفارا بعد علمهم الحق وبعد أن تبين لهم الهدى بقولهم للكفار ما قالوا فقط.
واخبرنا تعالى انه يعرف إسرارهم ولم يقل تعالى أنها جحد أو تصديق بل قد صح أن في سرهم التصديق لان الهدى قد تبين لهم ومن تبين له شيء فلا يمكن البتة أن يجحده بقلبه أصلا.
وقال تعالى( يا أيها الذين امنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم لا تشعرون)فهذا نص جلي وخطاب للمؤمنين بان إيمانهم يبطل جملة وأعمالهم تحبط برفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم دون جحد كان منهم أصلا ولو كان منهم جحد لشعروا به والله تعالى اخبرنا بان ذلك يكون وهم لا يشعرون).

يتبع