( 8 )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

للرفع استعدادا لانزال الحلقة الثامنة

وتقرأ فيها الرد الشافي على حبيبنا سامي

اذ انه زل زلة عظيمة نسأل الله ان يتجاوز عنا وعنه

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ سامي السلمان حفظه الله السلام عليكم ..

واضح جداً من مقالك أنه دفاع عن نفسك بسبب الحرج ، لكن في رأيي أنك لم توفق للصواب ؛ لأنك أثبت ما قاله صاحب الخبر عن دراستك كتب سيد قطب على من تثني عليه حين لم تنفه وهذا من ورعك ولا شك ، وهو في نظرك ارتكابٌ لأخف المفسدتين للخروج من الحرج الذي أقحمت فيه : إما الكذب وإما التزكية .

لكن أخي القاعدة عند المحدثين : للناس ما رويت ولك ما رأيت .

ولم يطلب منك أحد التزكية إذ لست من أهلها فيما ظهر من كلامك ، لأنك جرحت دينك وأذيت نفسك من حيث لا تشعر بتعديلك من أقررت بتدريسه الشباب كتب سيد قطب . فهل فهمت الدرس جيداً ...

يعني إنها في الحقيقة تضرك ولا تنفعه .

صدقني لو أنك قرأت " التأريخ السري " جيداً لما كتبت ما كتبت عن منهج الشيخين ومنهج السلف الذي تريد أن تفهمه أنت على طريقة الدراويش .

فسر لي ما قاله الشيخ ابن باز على هذا المنهج الفاشل في الـورع عندك حين قال عن لجنــة الحقــوق الــتي فيها الشيخ ابن جبرين : ( والواجب على اللذين الآن اغتروا بدعـوة من سموا أنفسهم باللجنة الشرعية ، هؤلاء غرهم الشيطان وغرهم دعاة الإلحاد ، ما بين جاهل وبين ملحد يتسمى بالإسلام نفاقاً يدعي الإسلام نفاقاً ، أو جاهل يدعي الإسلام وهو جاهل يحسب أنه على شيء. يجب أن يحذر شر هؤلاء ) .

ثم فسر لي كذلك وأنت تحاول إيهام الناس أن بيان أخطاء المخطئين طريق من قل حظه من ميراث النبوة قول ابن عثيمين عن أشرطة أشياخ من تدافع عنه ســــــلمان وسفر حين

قال : ( أشرطتهم عليها مؤاخذات ، بعض أشرطتهم ؛ ما هي كلها ، و لا أقدر أميّز لك ـ أنا ـ بين هذا و هذا )

( أنصحك بأن تسمع أشرطة الشيخ ابن باز ، أشرطة الشيخ الألباني ، أشرطة العلماء المعروفين بالاعتدال وعدم الثورة الفكرية ! ) :

( هذا خلاف عقدي ، لأن من أصول أهل السنة و الجماعة أن لا نكفّر أحداً بذنب ! ) ،

وقوله لما سئل الشيخ ( لقاء الباب المفتوح : اللقاء 64 ) عن رجل وقع في بدع متنوعة في كتبه وأقواله فهل يشترط لتسمية هذا الرجل أو غيره من الناس مبتدعاً أن تقام عليه الحجة ؟ فأجاب الشيخ : ( إن كان هذا الرجل موجوداً والناس يأخذون منه وهو داعية فلابد من ذكر اسمه ، وإلا فلا حاجة لذكر اسمه بل نكتفي بذكر القول الذي ضل فيه ونبين أنه ضـلال . وكما قلت قبل قليل : إن التعميم أحسن من التعيين ، أما إذا سمعت أنه موجود وترى الناس يذهبون إليه ويأخذون منه بدعه ، فهنا قد نقول : إن تعيينه متعين . وكذلك لو كان له كتب تشتمل على البدع فالواجب التحذير من بدعه ) أ.هـ.

ثم فسر كذلك قول سماحة الشيخ ابن باز في رده ـ لاحظ رده ـ على الصابوني ( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة : 3 / 59 ) : الذي نعى الصابوني فيه تفرق المسلمين ، فأخبر الشيخ أن ذلك لحكمة أرادها الله منها التمييز بين أوليائه وأعدائه والتمييز بين المجتهدين في طلب الحق والمُعْرضين عنه المتبعين لأهوائهم ، حتى قال رحمه الله : ( واللوم كل اللوم على من تمسك بالباطل وأبى أن ينصاع إلى الحق ، أما من تمسك بالحق ودعى إليه وأوضح بطلان ما خالفه فهذا لا لوم عليه بل هو مشكور وله أجران أجر اجتهاده وأجر أصابته للحق ) . أ.هـ

ـ أخي اعلم أننا مع توقيرنا لفضيلة شيخنا العلامة ابن عثمين أو العلامة ابن باز رحمهما الله إننا لا نرى عصمتهما أو عصمة أي بشر بعد الرسل لكن النبيل من عدت معايبه وإنما نأخذ من أقوالهما ما وافق الحق ونعتذر عن أخطائهما اليسيرة التي قالوها باجتهاد ، إلا ترى أن شيخنا رحمه الله زكى جماعة التبليغ سنين طويلة وطاروا بها كل مطار ودخل في هذه الجماعة أمم بسبب هذه الزلة ، ثم قال أخيراً في جلسة عامة حضرها جمع من الشباب منهم الجبيلان ، ومنهم من تزكيه وتدافع عنه الآن ، قال ( التبيلغ والإخوان المسلمين مبتدعة ) ، فهل نشرتم قوله الثاني الموافق لمنهج السلف ، أم استمر العمل على ما قررته هنا من الورع البارد بنشر كلامه الأول بحجة عدم جر أذيال الآخرين ، هذا مع أن في بلادنا كل يوم لهم قتيل وهالك ، ولو قرأت المراد بكتابة بـ " التأريخ السري " لعرفت أنه أراد بيان محاولة الحزبيين اختراق الساحة السلفية في بلادنا من خلال التأثير على بعض العلماء وخذ هذا الدرس السلفي في الكلام على أهل البدع والأخطاء والمفيد لكل من خلا من التعصب والهوى ولم يرد لبس الحق بالباطل وتتبع زلات أهل العلم ليخرج نفسه من الورطات ولم يجعـل منهج السلف صياح وعلو صوت أخذته من بحث نشـر في منتـدى الساحـات بجانب " التــأريخ السـري للأخ عباس رحيم جزاه الله خيراً

قال : ـ أما السنة فقد دلت على جواز ذلك ، ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذم بعض أهل الفساد ـ ممن هم في حكم أهل البدع ـ تحذيرا للناس منهم . فقد روى الشيخان عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت (( استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام . قلت : يا رسول الله قلت الذي قلت ، ثم ألنت له الكلام . قال : أي عائشة ، إن شر الناس من تركه ـ أو ودعه ـ اتقاء فحشه )) رواه البخاري ومسلم . قال النووي رحمه الله في شرح الحديث : قال القاضي ( أي القاضي عياض بن موسى ) ، هذا الرجل هو عيينة بن حصن ولم يكن أسلم حينئذ ، و إن كان قد أظهر الإسلام ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغترّ به من لم يعرف حاله . و نظير هذا الحديث ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت (( قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا )) صحيح البخاري كتاب الأدب ، باب ما يجوز من الظن . فذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الرجلين إنما هو للتحذير منهما والحكم جارٍ على أمثالهما من أهل الفساد ، أن يحذر منهم . قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : إن مثل هذا الذي وقع في الحديث ليس من الظن المنهي عنه ، لأنه في مقام التحذير من مثل من كان حاله كحال الرجلين . اهـ . فتح الباري ج 10 ص 486 .

و مما يستشهد به في هذا الباب من السنة أيضا ما ثبت في صحيح مسلم من قصة فاطمة بنت قيس ، حين شاورت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تنكح ؟ لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (( أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له )) .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق هذا الحديث : و كان هذا نصحا لها ـ وإن تضمّن ذكر عيب الخاطب ـ وفي معنى هذا نصح الرجل فيمن يعامله ، ومن يوكله ، ويوصي إليه ، ومن يستشهده ، وبل ومن يتحاكم إليه ، وأمثال ذلك ، وإن كان هذا في مصلحة خاصة فكيف بالنصح فيما يتعلق به حقوق عموم المسلمين : من الأمراء والحكام والشهود والعمال : أهل الديوان وغيرهم ، فلا ريب أن النصح في ذلك أعظم . اهـ . مجموع الفتاوى ج 28 ص 230 .

و هذه بعض أقوال علماء السلف في بيان مشروعية التحذير علانية من دعاة البدعة و بدعهم :

1 ــ قيل لأحمد بن حنبل رحمه الله : الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه ، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل . اهـ . مجموع الفتاوى لأبن تيمية ج 28 ص 231 .

2 ــ روى اللالكائي عن عاصم الأحول أنه قال : جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فيه فقلت : يا أبا الخطاب ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض ؟ قال : يا أحول ولا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تُعلم ... . اهـ . أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة .

3 ــ و في السنة للخلال وغيره عن زائدة قال : قلت لمنصور : يا أبا عتاب اليوم الذي يصوم فيه أحدنا ينتقص الذين ينتقصون أبا بكر وعمر ؟ قال : نعم . اهـ . أخرجه الخلال في السنة وابن بطة في الإبانة الصغرى واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة .

4 ــ و قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله : إن هذا يتكلم في القدر ـ يعني إبراهيم بن أبي يحي ـ فقال سفيان : عرّفوا الناس أمْرَهُ واسألوا ربكم العافية . اهـ . رواه ابن الجوزي في تلبيس ابليس ، والسيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع .

5 ــ و جاء في رسالة أسد بن موسى إلى أسد بن فرات : أعلم أخي إنما حملني على الكتاب إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس وحسن حالك ، مما أظهرت من السـنة ، وعيبـك لأهل البدعة ، وكثرة ذكرك لهم وطعنك عليهم ، فقمعهم الله بك ، وشد بك ظهر أهل الحق ، وقوّاك عليهم بإظهار عيبهم والطعن عليهم ، فأذلهم الله بذلك ، وصاروا ببدعتهم مستترين فأبشر أي أخيّ بثواب ذلك ، واعتد به أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنة رسوله . اهـ . كتاب البدع والنهي عنها لابن وضاح .

6 ــ ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضمن حديثه عمن يجوز ذكر ما فيهم من الشر من المعيّنين (( ومثل أئمة البدع ، من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة ، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين . اهـ . مجموع الفتاوى ج 28 ص 231 .

7 ــ و يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين ، وعقوبته تكون تارة بالقتل وتارة بما دونه كما قتل السلف جهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيرهم ، ولو قُدر أنه لا يستحق العقوبة ، أولا يمكن عقوبته فلا بد من بيان بدعته والتحذير منها ، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله ) مجموع الفتاوى ج35 ص 414 .

8 ــ ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في معرض ذكره للفوائد المستنبطة من غزوة تبوك (( ومنها جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية أو ذباً عن الله ورسوله ، ومن هذا طعن أهل الحديث فيمن طعنوا فيه من الرواة ، ومن هذا طعن ورثة الأنبياء وأهل السنة في أهل الأهواء والبدع لله لا لحظوظهم وأغراضهم )) زاد المعاد ج 3 ص 18 .

9 ــ و يقول القرافي رحمه الله : أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر في الناس فسادها وعيبها ، وأنهم على غير الصواب ، ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها ، وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن . اهـ . الفروق للقرافي ج4 ص 207 .

10 ــ و ذكر الشاطبي في الاعتصام ضمن حديثه عن أحكام أهل البدع (( ... ذكرهم بما هم عليه ، وإشاعة بدعتهم كي يحذروا ، ولئلا يغتر بكلامهم ، كما جاء عن كثير من السلف ذلك )) الاعتصام ج 1 ص 176 .

و يجب على من علم شيئا من الحق أن يظهره وينشره و ذلك زكاة العلم كما جعل الله عز وجل الصدقة زكاة المال و يجب التحذير من دعاة البدعة و بدعهم حتى تكشف وان لم تعرف هلك بها المقلدون لانهم يتلقونها من الداعية إليها بالقبول ولا يرجعون الا بالاظهار لها واقامة الدلائل عليها واحضار البراهين على بطلانها . و قد يظن من لا يعلم من الناس ولا يضع الأمور في مواضعها أن هذا اغتياب للدعاة و طعن و ليس ذاك كما ظنوا لان الغيبة سب الناس بلئيم الاخلاق و ذكرهم بالفواحش و الشائنات وهذا هو الأمر العظيم المشبه باكل اللحوم الميتة .

فيتقرر بهذا مشروعية التحذير من دعة البدعة و بدعهم و كشف حالهم والتشهير بهم ليعلمهم الناس و يحذروهم و ذلك لعموم الأدلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتي يندرج تحتها هذا الأصل العظيم ، وهو تغيير منكر البدعة بمجاهدة أهلها لينزجروا ، وكشف حالهم للناس ليحذروا من خطرهم.أ.هـ

وختاماً أخي

أحذرك لسلامة دينك من كلام قاله شيخ الإسلام( الفتاوى:28/231 ) بعد أن بين أن بيان حال أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين ، قال رحمه الله : " وإذا كان أقوام ليسوا منافقين ، لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقاً ؛ وهو مخالف للكتاب ، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين ، كما قال تعالى: ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم )، فلابد أيضاً من بيان حال هؤلاء ؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم ، فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم ، وقد دخلوا في بدعٍ من بدع المنافقين التي تفسد الدين ، فلا بد من التحذير من تلك البدع ، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق ؛ لكن قالوها ظانين أنها هدى ، وأنها الخير ، وأنها دين ؛ ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها " أ.هـ .

وإليك هذا الشعار والميزان الذي وضعه شيخ الإسلام ابن تيمية لكل خلفي أسأل الله أن لا يجعلني وإياك منهم وأن يعيذنا وإياك من الحور بعد الكور قال شيخ الإسلام ابن تيمية حينما تكلم عن بعض المبتدعة ( الفتاوى:4/155 ) : " فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانوا أشهر بالبدعة ، فعلم أن شعار أهل البدع هو ترك انتحال اتباع السلف ، ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك : أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " .

تحياتي لك أخي سامي ، إني أحبك ولكن الحق أحب إلي منك .