النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح (لفضيلة الشيخ مقبل بن الهادى الوادعى )

  1. #1

    المقترح في أجوبة أسئلة المصطلح (لفضيلة الشيخ مقبل بن الهادى الوادعى )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة الطبعة الثانية
    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. أما بعد:

    فإني أحمد الله الذي وفقني لإخراج كتاب "المقترح" فقد نفع الله به، وتنافس أهل المكاتب في طبعه فطبع مرات بدون إذن منا، ولما نفدت طبعاته الأول طلب مني الأخ الفاضل/ سعيد بن عمر حبيشان أن يعيد طبعه، فأعدت النظر فيه، وأضفت بعض أسئلة إخواننا أهل لودر لأنّها مماثلة لموضوع الكتاب.

    وإنني أحمد الله الذي وفقني للسهولة والتيسير، والمصطلح يحتاج إليه كل طالب علم لكن ينبغي أن يكون وسيلةً من الوسائل، أما الأصل فهو الكتاب والسنة لذا تركت الإجابة عن بعض الأسئلة، فإني أنصح كل طالب أن يهتم بعلم الكتاب والسنة ويأخذ من الوسائل ما يحتاج إليه فلا يشغل بالوسيلة عن حفظ القرآن وعن معرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعرفة صحيحها من سقيمها ومعلولها من سليمها، وبسبب هذا -من فضل الله- استفاد طلبة العلم بدار الحديث بدماج، والفضل في هذا لله، فهو الذي وفّقنا وله الحمد والمنة، ونسأل الله أن يتممها بخير وأن يعيذنا من شر أنفسنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

    أبوعبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي

    المقدمة
    الحمد لله وحده، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد: فإنّ كثيرًا ما يسأل إخواننا الراغبون في علم السنة كيف الطريق إلى الإستفادة من كتب السنة؟ ترد إلينا هذه الأسئلة من اليمن، ومن أكثر البلاد الإسلامية. وكنت أجيب على هذا في أشرطة، فلما رأيت الأسئلة تتكرر؛ رأيت أن ينشر هذا، فإن الكتاب يبقى.

    وأضفت إلى هذا أسئلة أخينا في الله أبي الحسن المصري لنفاستها وفائدتها، وما اشتملت عليه الأسئلة من الفوائد.

    أرجو أن ينفع الله بالجميع، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    حول العلم وفوائد في علم الحديث
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن الموضوع الذي تم اختياره هو موضوع العلم. والعلم يعتبر علاجًا لجميع أمراضنا، ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمره ربه أن يطلب الزيادة من العلم، فقال سبحانه وتعالى: {وقل ربّ زدني علمًا[1]} ورب العزة يبين حالة العالم وحالة الجاهل، فقال: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب[2]}.

    ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث معاوية رضي الله عنه: ((من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين)).

    ورب العزة يعلّل كثيرًا من مخلوقاته، فيقول في آية من كتابه: {إنّ في ذلك لآيات للعالمين[3]}. وقال تعالى: {وما يعقلها إلاّ العالمون[4]}.

    ورب العزة يفضّل الكلب المعلم على غير الكلب المعلم، فيحلّ صيد الكلب المعلم مع ذكر اسم الله تعالى، فيقول سبحانه وتعالى: {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم الله[5]}.

    بل يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن الهدهد صال بحجته على سليمان فقال: {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين[6]}.

    ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرغّب أمته في العلم، ويرغّب أمته في أشرف العلوم، ألا وهو حفظ كتاب الله، فإن أفضل العلوم هو القرآن الكريم، بخلاف ما يقول أهل علم الكلام. أهل علم الكلام يقولون: إن أفضل العلوم هو علم الكلام لأنه يتكلم عن الله وصفاته. وهذا جهل منهم بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: (حكمي على أهل علم الكلام، أن يدار بهم في الأسواق ويضربوا بالسياط, ويقال: هذا جزاء من استبدل بكتاب الله أو من أعرض عن كتاب الله).

    فأفضل العلوم هو تعلم كتاب الله وتعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {يرفع الله الّذين ءامنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات[7]}، {إنّما يخشى الله من عباده العلماء[8]}.

    والعلم أفضله هو حفظ القرآن الكريم, فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول -كما في "صحيح البخاري" من حديث عثمان رضي الله عنه: ((خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه))، ويقول كما في "صحيح مسلم" من حديث عمر رضي الله عنه: ((إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين )).

    وكان علماؤنا المتقدمون رحمهم الله تعالى, منهم من يتخصص للقرآن, ومنهم من يتخصص لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ومنهم من يتخصص في اللغة العربية. وفي الغالب أن المتخصص منهم يكون ملمًا ببقية العلوم, لكن قد وجد من القراء كحفص بن سليمان إمام في القراءة -وهو أحد القراء السبعة- لكنه متروك في الحديث, ووجد أيضًا من هو إمام في الحديث, وربما يلحن في الأمور السهلة، وذلكم كعثمان بن أبي شيبة أخي أبي بكر بن أبي شيبة وأخي القاسم أيضًا، فإنه كان إمامًا في الحديث, لكنه يصحّف في القرآن, وإن كان الحافظ ابن كثير ينكر هذا في كتابه "مختصر علوم الحديث".

    ومن علمائنا المتقدمين من كان يتخصص في اللغة العربية، بل العربية تنقسم إلى أقسام، فمنهم من يتخصص في النحو، ومنهم من يتخصص في الصرف إلى غير ذلك، ومنهم من يجمع بين هذا وذاك, فالإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان إمامًا في اللغة، وربما احتجّ بعربيته, وكان إمامًا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إنه لقّب بناصر السنة، وكتاباه "مختلف الحديث" و"الرسالة" ينبئان بأنه يستحق أن يلقب بناصر السنة, لأنه رد على أصحاب الرأي، ورد أيضًا على المعتزلة، وعلى من يطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    والعلم منْزلته رفيعة، من أجل هذا, فقّل أن تجد مؤلّفًا إلا وقد عقد كتابًا في العلم, ففي "البخاري" (كتاب العلم), وفي "صحيح مسلم" (كتاب العلم)، وفي "الترمذي" )كتاب العلم)، بل من أهل العلم من أفرد العلم بالتأليف كالحافظ ابن عبدالبر يوسف بن عبدالله، فإنه ألف كتابًا قيّمًا يساوي الدنيا، اسمه "جامع بيان العلم وفضله"[9] فذكر فيه فضل العلماء، وذكر فضل العلم, وذكر التقليد, وأن التقليد ليس بعلم.

    يقول بعضهم: أجمع العلماء على أن المقلد لا ينبغي أن يعدّ من أهل العلم, ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون[10]}.

    فذلك الكتاب القيم بدأه بفرض العلم، ثم أتى بحديث: ((طلب العلم فريضة على كلّ مسلم )) وأشار إلى تضعيفه رحمه الله تعالى، لكن الإمام السيوطي رحمه الله تعالى يقول: إنه وجد له قدر خمسين طريقًا، ومن ثمّ حكم بصحته.

    وما هو العلم الذي يعد فريضة؟.

    العلم الذي أوجبه الله عليك هو الذي يعد فريضة. فالعقيدة (التوحيد) واجب على كل مسلم أن يتعلمها، كما جاءت في الكتاب والسنة. ويحرم الجهل بالعقيدة سواء أكانت في أسماء الله أو صفاته، ويجب الإيمان بالعقيدة في أسماء الله وصفاته، كما وردت في كتاب الله، وكما وردت في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتلكم الجارية التي هي راعية غنم كما في حديث معاوية بن الحكم السّلمى رضي الله عنه: أنه أتى بجارية ليعتقها. فقال: يا رسول الله إني أريد أن أعتقها. فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا جارية أين الله؟)) قالت: في السماء. قال: ((أعتقها فإنّها مؤمنة)).

    يجب على كل مسلم أن يؤمن أن الله في السماء، وأن الله سبحانه وتعالى بعلمه مع كل أحد، وبحفظه وكلاءته ونصره مع المؤمنين يجب أن نؤمن بهذا: {ءأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض[11]}، {الرّحمن على العرش استوى[12]}.

    وهناك كتاب قيم في هذا الموضوع أنصح إخواني في الله بقراءته, ذلك الكتاب القيم هو "العلو للعلي الغفار" للحافط الذهبي رحمه الله تعالى، وقد اختصره الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى, فمن كان من طلبة العلم المحققين فينبغي أن يقتني الأصل, ومن كان لا يستطيع التحقيق فيقتني اختصار الشيخ، وإن جمع بين الكتابين فحسن، فإن أحدهما لا يغني عن الآخر.

    والعلم قيض الله له علماء حفظوا لنا هذا الدين، حفظوا كتاب الله، وتلقاه الآخر عن الأول، وحفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونفوا عنها الكذب والأباطيل، نفوا ووقفوا في وجوه الكذّابين، ونخلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلاً، لأنّهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.

    يقول الإمام الشافعي: (من روى عن البياضي بيّض الله عيونه). يدعو على من روى عن البياضي لأن البياضي مجروح. ويقول: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (الرواية عن حرام بن عثمان حرام). فهذا قول الإمام الشافعي في هذين المحدثين.

    ولقد كان العلماء رحمهم الله تعالى ينخلون السنة نخلاً، حتى إنه قدّم زنديق لتضرب عنقه في عصر الرشيد فقال: كيف تقتلونني وقد وضعت في دينكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأحلّ فيها الحرام. فقال له الرشيد: يا خبيث، إن أبا إسحاق الفزاري وعبدالله ابن المبارك سينخلانها نخلاً.

    وكانت لديهم غيرة على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إن يحيى بن معين رحمه الله تعالى عند أن حدّث سويد بن سعيد: ((من عشق فعفّ فمات مات شهيدًا)). قال يحيى بن معين: لو أنّ لي فرسًا ورمحًا لغزوت سويدًا، لأنه تجرأ في رواية الأحاديث الضعيفة.

    ورئي شعبة بن الحجاج رحمه الله تعالى ذات يوم متقنعًا في نصف النهار، فقيل له: إلى أين يا أبا بسطام؟ قال: أريد أن أعتدي على جعفر بن الزبير, فإنه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومن لم يكن من المحدثين فلا بد أن يتخبط في عبادته، وفي وعظه، وفي معاملته، وفي جميع شئونه. لأنّه لا يؤمن أن يحدث بحديث ضعيف. وأنا آتيكم بمثال أو بأمثلة:

    من الأمثلة على هذا حديث قد شاع وذاع: ((حبّ الوطن من الإيمان)) هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومن الأمثلة على هذا أيضًا حديث: ((اختلاف أمّتي رحمة)) حديث لا يوجد له سند، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومن الأمثلة على هذا أيضًا حديث: ((الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني))، هذا حديث معناه صحيح. لكنه بهذا اللفظ ضعيف، لأنه من طريق أبي بكر بن أبي مريم، وقد اختلط بسبب حليّ سرقت عليه.

    ومن الأمثلة: قصة يحدّث بها في الحرمين ويحدّث بها في الإذاعات، قصة ثعلبة، التي فيها أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يسأل الله أن يرزقه مالاً، وأنه قيل له: ((يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه))، وذكرت في "الجلالين"، وقلّ أن تجد تفسيرًا إلاّ وقد ذكرت فيه.

    هذه القصة استفدنا تضعيفها في أول الأمر من أبي محمد بن حزم رحمه الله تعالى، قال: إن في سندها معان بن رفاعة، وعلي بن يزيد الألهاني، والقاسم بن عبدالرحمن، وثلاثتهم ضعفاء. ثم روجع "مجمع الزوائد" فإذا هو يقول: في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو متروك. ثم روجع "تخريج الكشاف" للحافظ ابن حجر فإذا هو يقول: في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واه، ثم روجع "تخريج الإحياء" فإذا الحافظ العراقي يقول: إن في سندها ضعفًا. وناهيك بالسيوطي تساهلاً فإنه ذكرها في "لباب النقول من أسباب النّزول".

    هذه القصة كان بعض علماء الحرم يحدث بها فقيل له: يا شيخ إنّها ضعيفة. قال: نريد أن نرقّق بها قلوب العامة.

    يا سبحان الله!! أما في كتاب الله، ولا في صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يرقق قلوب العامّة!! {فبأيّ حديث بعد الله وءاياته يؤمنون}.

    ومن الأمثلة على هذا حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لما جئت به)) وما أكثر ما قد حدثْنا بهذا الحديث! يقول الحافظ ابن رجب في كتابه "جامع العلوم والحكم": إنه من طريق نعيم بن حماد، وهو ضعيف. هذه علة.

    والعلة الثانية: أنه اختلف على نعيم في شيخه. والعلة الثالثة: أنه لا يدرى أسمع عقبة بن أوس من عبدالله بن عمرو أم لم يسمع؟

    ومن الأمثلة على هذا: ((من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم)) هذا الحديث بحث عنه الباحثون فلم يجدوا له أصلاً، وإن كان معناه صحيحًا، لكن لا يجوز لنا أن نضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومن الأمثلة على هذا: أنكم تجدون بعض الأئمة عند تسوية الصفوف يقول: ((استووا فإنّ الله لا ينظر إلى الصّفّ الأعوج))، وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويكفي أن تقول: استووا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم)).

    من الأمثلة على هذا -أي على الأحاديث الموضوعة- أنّهم رووا حديثًا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من قال حين يسمع المؤذّن يقول: أشهد أنّ محمدًا رسول الله، ثمّ ينفث في ظفري إبْهاميه ويمسح بهما عينيه ثمّ يقول: مرحبًا بحبيبي وقرّة عيني. قال: فمن قالها فإنّه لا يرمد)) الحديث ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة".

    ومن الأمثلة على هذا حديث: ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن يرد المدينة فليأت الباب)). فيه عبدالسلام بن صالح أبوالصلت الهروي وهو متروك.

    والصحيح كاف. يكفي ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكفي كتاب الله، فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار)). هذا مرويّ عن علي بن أبي طالب، وعن المغيرة بن شعبة، وعن الزبير بن العوام وعن قدر ستين صحابيًا.

    ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من حدّث عنّي حديثًا وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين )).

    قد يقول قائل: إن من أهل العلم من أجاز أن يحدث بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال!

    نعم، أجازه عبدالرحمن بن مهدي، والإمام أحمد، والإمام البيهقي، وجمع من العلماء لكنهم يعنون الحسن، بدليل أنّهم مثلوا بمحمد بن عمرو بن علقمة وأمثاله, وجعلوا حديثه ضعيفًا، والمتأخرون يحسنون حديثه. فهم يريدون الحسن.

    ومن أجاز التحديث بالحديث الضعيف, فإنما يجيزه بثلاثة شروط:

    الشرط الأول: أن لا يشتد ضعفه.

    الشرط الثاني: أن يكون مندرجًا تحت أصل من الأصول.

    الشرط الثالث: أن لا يشتهر العمل به، وأن لا يعتقد ثبوته.

    أما الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فإنه يقول في كتابه "الفوائد المجموعة": وهو شرع ومن ادعى التفصيل فعليه البرهان.

    قد يقول قائل أو يظن ظانّ أن المشتغل بتصحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشغله عن الدعوة، لا، بل يقويك على الدعوة، وتصبح حاكمًا، تستطيع أن تحكم على الخطيب، وعلى الصحفي، وعلى المؤلف, فكم من حديث ضعيف يختلف الناس فيه، وهو حديث ضعيف. منهم من يقول به، ومنهم من لا يقول به.

    ومن الأمثلة على هذا: حديث أن جماعةً من الصحابة ضحكوا في الصلاة، ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعيدوا الصلاة، وأن يعيدوا الوضوء.

    هذا حديث من طريق أبي العالية الرياحي، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: حديث أبي العالية رياح. يعني لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومن الأمثلة على هذا أي على الأحاديث الضعيفة والموضوعة: ما جاء في "فيض القدير" وفي "المجموع" المنسوب لزيد بن علي: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلاً يعبث بلحيته، وهو في الصلاة، فقال: ((لو خشع قلب هذا لسكنتْ جوارحه)). هذا الحديث يحدث به كثير من الناس، مع أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومن الأمثلة على هذا: ((صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحتْ أمّتي وإذا فسدا فسدتْ أمّتي: العلماء والأمراء)). الحديث معناه صحيح، لكن لا يجوز لك أن تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, لأنّه ما كلّ ما يصحّ معناه يجوز لك أن تضيفه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    فالأحاديث الضعيفة كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" سبب من أسباب الفرقة، تجد الرجل قد استدل بحديث، فيأتي آخر ويضعفه، وليس معنى هذا أنه لا سبيل إلى أن تعرف الحقيقة.

    ومن أهل الخير، ومن الناس الطيبين من يحب علم الحديث، ويحب أهل الحديث, لكنه يرى أن الأئمة قد اختلفوا في التجريح والتعديل، واختلفوا في التصحيح والتضعيف، فيظن أنه لا سبيل إلى ذلك، لأن الأئمة رضوان الله عليهم وضعوا قواعد، فأنت إذا قال لك رجل: فلان ثقة. وقال لك آخر: أنا سمعته يعكف على آلات اللهو والطرب أو رأيته على آلات اللهو والطرب. فبأي القولين تأخذ؟ ويقول لك رجل: فلان ثقة يصلي معنا، وحسن المعاملة. وآخر يقول: أنا رأيته عاكفًا على آلات اللهو والطرب. فبأي القولين تأخذ؟ الجرح المفسّر مقدّم على التعديل، والجارح اطلع على مالم يطلع عليه المعدل.

    والعلماء يتفاوتون في هذا المضمار من أجل هذا يحصل الاختلاف. وقد ذكر ابن أبي حاتم في كتابه "مناقب الشافعي" والبيهقي أيضًا في كتابه "مناقب الشافعي" أنه اختلف الشافعي ومحمد ابن الحسن أي العالمين أعلم، مالك أم أبوحنيفة؟ وكان الشافعي يحب مالكًا، والشافعي تلميذ مالك. ومحمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة. فقال الإمام الشافعي لمحمد بن الحسن: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم -يعني مالكًا-. قال: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم -يعني مالكًا-. قال: فلم يبق إلا القياس فالذي ليس لديه أصول فعلى أي شيء يقيس. هذه القصة ذكرها ابن أبي حاتم والبيهقي بسند صحيح.

    شاهدنا من هذا أن العلماء يتفاوتون فمنهم إمام في الفقه، وهو ضعيف في الحديث، ومنهم إمام في الحديث، لا يستطيع أن يستنبط أحكامًا كما يستطيع أن يستنبطها الفقيه.

    والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه)) ويقول: ((ربّ مبلّغ أوعى من سامع)).

    وعلم الحديث الذي زهد فيه كثير من الناس، وأصبحوا يزهّدون فيه, إن لم يكن الفقيه محدثًا فلا بد أن يتخبط، كما ذكره الشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه "نيل الأوطار".

    وهكذا أيضًا لأن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثيرة ولا بد من النظر فيها، فماذا يفعل علماؤنا رحمهم الله تعالى؟ العلماء رحمهم الله تعالى إذا أرادوا أن يستدلوا بحديث؟ فإن كان في"الصحيحين" فقد أجمع أهل الحق على تلقي ما في "الصحيحين" بالقبول إلا أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ كالدارقطني وغيره. وإن كان في غير "الصحيحين" فإما أن يصححه حافظ من الحفاظ، كالحافظ ابن حجر والحافظ العراقي وغيرهما من العلماء الذين تصدوا للتصحيح والتضعيف، وإما أن تبحث أنت عن سنده لابد من هذا وإلا فلا يحل لك أن تستدل، لأن العلماء رحمهم الله تعالى مثل أبي داود رحمه الله تعالى يقول في "سننه": ذكرت الصحيح وما يقاربه وما يشابهه، وما كان فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح.

    وهكذا الترمذي ذكر الأحاديث الصحيحة، ورب حديث يذكره الترمذي ويقول: إنه ضعيف، ويقول: إنه منقطع، ويقول: إنه غريب. والغالب على ما قال فيه الترمذي: (غريب) فقط الضعف.

    إذًا فسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجب على المدرس وعلى الواعظ أن يتعلمها وما أكثر التخبطات في كلام كثير من الواعظين، وذلكم من زمن قديم حتى إن من العلماء من ألّف كتابًا بعنوان "القصّاص" وآخر يؤلف كتابًا بعنوان "تحذير الخواص من أحاديث القصاص"، وكثير من الواعظين يعظون الناس بأحاديث ضعيفة وموضوعة، خصوصًا الأحاديث التي يتلقاها بعضهم من بعض. فأنصح إخواني في الله من أراد أن يعظ فليقتن "رياض الصالحين" وليقتن "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" وليقتن الكتب التي قد خدمت.

    أما أن تقرأ في "تنبيه الغافلين" لأبي الليث السمرقندي، أو تقرأ في "نزهة المجالس" أو تقرأ في "بدائع الزهوروكثير من الكتّاب العصريين يكتفون بقولهم: رواه الترمذي، رواه ابن ماجه، رواه أبوداود، رواه الطبراني. وهذا لا يكفى لأن هؤلاء لم يشترطوا الصحة, بل لابد أن يقول رواه الطبراني وهو حديث صحيح أو حسن أو ضعيف إلى غير ذلك.

    لا يكفى أن يعزو الحديث، ثم بعد ذلك أنت تقرأ وتظن أنه قد طبع في المطابع ولو لم يكن صحيحًا لما طبع في المطابع، لا، فكتب السحر والدجل والشعوذة طبعت في المطابع، فإن المطابع الآن أصبحت آلة ارتزاق، يهمهم أن يطبعوا الكتاب الذي ينفق لهم في الأسواق.

    فلا بد أن تسأل العلماء، وأن ترحل إلى العلماء، كما كان العلماء السابقون يرحلون. فربما رحلوا من أجل حديث واحد، ونحن الآن معشر المسلمين يتغرب أحدنا عشر سنين، أو خمس سنين، أو سنتين من أجل الدنيا، أولئكم كانوا يتغربون، وكانوا يرحلون من أجل العلم, لعلمهم أنه لا قوام للأمة الإسلامية إلا بالعلم, لاسيما وبلدنا معشر اليمنيين فقيرة من العلم نحن محتاجون إلى شباب يدرسون كتاب الله ويحفظون كتاب الله، وإلى شباب يحفظون سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأمر سهل جدًا لو تغرب طالب العلم مدة يسيرة استطاع أن يحفظ القرآن ومدةً يسيرة يستطيع أن يعرف كيف يستفيد من الكتب العلمية يستطيع أن يستفيد في مدة يسيرة. يسر الله ذلك إنه على كل شيء قدير[13].

    أسئلة في المصطلح من أبي الحسن حفظه الله تعالى
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد:

    فهذه عدة أسئلة نطرحها على شيخنا أبي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى، بحضور إخواننا طلبة العلم. ونسأل الله أن ينفعنا وأياهم، وأن يعلّمنا ما جهلنا.

    السؤال1 في كتب المصطلح ذكروا: أن الرجل المشهور بالطلب ولم يثبتْ فيه جرح ولا تعديل، نص بعضهم مثل المزي، والذهبي، وابن القطان، وابن حجر، وغيرهم على قبول روايته، حتى يثبت جرح فيه، وأن أمره محمول على العدالة، وكان هذا منهم مصيّرًا على مذهب ابن عبدالبر، في الحديث الذي ذكروه[14]، واعترضه ابن الصلاح. بعضهم قال: إن هذا متعين في زمننا، وهذا الذي عليه العمل. فنريد أن نعرف: أن الرجل إذا لم يثبت فيه جرح ولا تعديل لكنه معروف عند أهل العلم، هل حديثه محمول على الاحتجاج به؟ أم ماذا؟

    الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فالسؤال عن الرجل المحدّث المشهور بالطّلب، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، ذكر صاحب "فتح المغيث" أن الرجل إذا كان مشهورًا بالطلب، ولم يأت فيه جرح ولا تعديل أنّهم يقبلونه، وهكذا الإمام الذهبي رحمه الله تعالى، لكن صاحب "فتح المغيث" مثّل بالإمام مالك رحمه الله تعالى، فالإمام مالك مشهور بالطلب وقد وثّق فإذا حصل من هذا النوع وكان مشهورًا بالطلب وتتلمذ له معاصروه مثل: يحيى بن سعيد القطان، أو يحيى بن معين، أو الأئمة من أمثالهما فيقبل، وإن لم يأت فيه جرح ولا تعديل، لأنه لو كان ضعيفًا لضعّف، والأصل في المسلمين هو العدالة، ولكنه يضاف إلى العدالة الحفظ -لا بد من معرفة الحفظ- إلا أنه لو كان مخلّطًا لصاحوا به، فهذا مستقيم إن شاء الله تعالى، ولا يقدح فيه أنّهم يشترطون العدالة ويشترطون الضبط، لو لم يكن عدلاً لما تتلمذ له، لا أقول: إنه لو لم يكن عدلاً لما تتلمذ له مثل يحيى وغيره، فإنّهم قد تتلمذوا للعدل ولغيره، فقد قال بعضهم: إننا نسمع الحديث للفائدة ونسمعه للنظر في حال صاحبه، لكن أقول: لو كان مخلطًا أو كان ليس بثقة لصاح به مثل يحيى بن معين، ومثل يحيى بن سعيد القطان، وهكذا الإمام أحمد والبخاري، والله أعلم.

    السؤال2 استطراد: بارك الله فيك، المسألة على طرف آخر، فإن ابن الصلاح وغيره من الأئمة الذين تكلموا في المصطلح ذكروا: أن العدالة تثبت إما بالشهرة مثل الذين ذكرتهم -يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل وغيرهم- وإما بالتنصيص على ذلك من واحد من العدول، لكن مسألتنا في جانب آخر: رجل لم يكن مشهورًا عند أئمة الجرح بالتوثيق، لأن مثل الإمام مالك رحمه الله تعالى أمره مستفيض وأمره مشهور بالعدالة، فشهرة هؤلاء أقوى من أن يعدلهم أحد الناس لكن مسألتنا مثل ما قالوا هنا في غير هؤلاء المشاهير، رجل قالوا: إنه (معروف). أو على سبيل المثال قالوا: إنه (حافظ) أو (ضابط).

    الجواب: هذا أمر آخر: قالوا (معروف) لا تكفي، (حافظ) أو (ضابط) أو كذا يقبل منهم لأنه مثل أئمة الجرح والتعديل إذا أطلقوا مثل هذه العبارات على المحدث، فلو كان به جرح لصاحوا به مثل: أبي حاتم الرازي، ومثل أبي زرعة، ومن تقدّم ذكرهم، لو سمعوا عنه ووجدوه مجروحًا، لا يتركونه. فتتلمذهم له، وشهرته، ولا بد أن يكون مشهورًا بالطلب، وتتلمذ له أئمة من أئمة الجرح والتعديل، فلو كان ضعيفًا لصاحوا به.

    السؤال3 هل الحديث الذي تلقاه الناس بالقبول يحكم بصحته وإن لم يصح سنده، كما ذكر صاحب "التدريب" عن البخاري رحمه الله تعالى بحديث ((هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته)) قال: لا أعلم له إسنادًا يصح غير أن الناس تلقوه بالقبول؟

    الجواب: لا بد من النظر في أسانيده، وقد ذكر هذا الصنعاني في كتابه "توضيح الأفكار" وقد قال ابن عبدالبر في بعض الأحاديث مثل حديث: ((لايمسّ القرآن إلاّ طاهر)) قال: إن الأمة تلقته بالقبول، وادعى بعضهم في حديث: ((اختلاف أمّتي رحمة)) أن الأمة تلقته بالقبول، وهذا ليس بصحيح، لا ذا ولا ذاك، وأما حديث: (( هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته)) في ماء البحر فهو وإن لم يصح له سند بمفرده فهو بمجموع طرقه صالح للحجية، وإلا فلا بد من النظر في سنده، وما أكثر الأحاديث التي اشتهرت عند المحدثين، ومع هذا فهم ينظرون إلى أسانيدها، وما أكثر الأحاديث التي يسأل بعضهم بعضًا عن أسانيدها، فلا بد من النظر في السند والنظر في المتن، لا يكون المتن شاذًا ولا يكون معلاً، إلى غير ذلك، ذكر هذا الصنعاني في كتابه "توضيح الأفكار" ثم رب حديث يكون قد تلقاه طائفة من الناس بالقبول مثل حديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أرسل معاذًا إلى اليمن قال: ((بم تقضي فيهم)) قال: بكتاب الله تعالى. قال: ((فإن لم تجد))؟ قال: فبسنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال: ((فإن لم تجد))؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو.

    يقولون: إن الفقهاء تلقوه بالقبول، أبومحمد بن حزم رحمه الله يقول: إنه نفق عليهم الحديث وتناقلوه من كتاب إلى كتاب، حتى ظنوه أنه متلقى بالقبول، مع أنه يدور على الحارث بن عمرو بن أخي المغيرة، وهو مجهول العين. وقد قال البخاري: إن حديثه لايصح. وله طرق أخرى ذكرها الشيخ ناصر الدين الألباني حفطه الله تعالى، ذكره في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وبيّن طرقه، وما فيها من الضعف.

    السؤال4 في تعارض الجرح والتعديل ذكر الجمهور أن الجرح مقدم، لأن الجارح لا يكذب المعدلين، ولكن يوافقهم ويقول: اطلعت على ما لم تطلعوا عليه. والحافظ ابن حجر له في ذلك مذهب كما تعلمون: أن الرجل إذا ثبتت له مرتبة سنيّة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي. وأنا ليس سؤالي في الجرح أو التعديل ولكن سؤالي فيما إذا تعارضت مرتبة، كأن يقول في رجل: ثقة، وآخر يقول فيه: صالح الحديث، أو حسن الحديث، أو شيخ، وأحد العلماء يجعله في مرتبة الاحتجاج، وآخر يجعله في مرتبة الاستشهاد، واللذان تعارض كلامهما من أئمة الشأن ليس لأحد منهم فضل على الآخر حتى أرجّح كلامه على الآخر، فلا أدري: هل أبقيه على مرتبة الثقة ولا أنزله إلى مرتبة الاستشهاد؟ أم ماذا؟

    الجواب: مثل هذا الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب" يأخذ مرتبة وسطى، ويجعله صدوقًا، وهذا حسن، والمسألة اجتهادية.

    السؤال5 رجل وصف بأنه (عابد) أو (مقلّ)، ليس في وصفه إلا هكذا، فهل يعتبر بحديثه، ويستشهد به؟

    الجواب: يستشهد به، ولا يحتج به، لأن العبادة تحتاج إلى حفظ، فما أكثر المحدثين العابدين الذين ضعّفوا مثل: أبان بن أبي عياش، وعبدالله بن عمر العمري، وجمع كثير من العباد الذين ضعّفوا، حتى قال يحيى بن سعيد رحمه الله تعالى: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث. أو بهذا المعنى، يقول مسلم: بمعنى أن الكذب يجري على ألسنتهم ولا يتعمدونه. فهذه العبارة لفظة (عابد) أو ما يجري مجراها لا تدل على أنه يقبل الحديث، لأنه يشترط في الحديث أمر آخر وهو: الضبط. والله المستعان.

    السؤال6 لو أن أحدنا مثلاً قال: إنه معروف من الصالحين أنّهم مغفلون في الحديث ويفحشون في الخطأ، وقال: إن الذي يوصف بعابد لا أستشهد بحديثه، فكم جرب على عابد أنه لا يحتج بحديثه ولا يستشهد به، ونزله منْزلة المردود، نعم هو عابد في دينه، أما من حيث حفظه فإنه ليس بشيء، لو أن أحد الناس قال: الذي يوصف بعابد لا يحتج به، ولا يستشهد به، بم نجيب عليه؟

    الجواب: كم روى عنه؟ نرجع إلى القاعدة: إذا روى عنه اثنان فأكثر، ولم يوثقه معتبر ولم يجرح، يصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال7 ذكرتنا بكم الرواة عنه قالوا: إن الراوي عنه يكون عدلاً، لو أنّ -مثلاً- رجلاً شيخًا، في ترجمته أنه شيخ من مراتب الاستشهاد وليس من مراتب الاحتجاج، وكان من الرواة عنه أناس هم من مراتب الاستشهاد، هل يرفعون جهالته؟

    الجواب: الظاهر أن جهالته ترتفع، إلا إذا كان الراوي عنه كذابًا، فربما أن الكذاب يروي عمن لم يوجد ولم يخلق.

    السؤال8 وإذا قالوا في الرجل: (يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم)، هل هذا الكلام يفهم منه أنه كذاب أو أنه منكر الحديث؟

    الجواب: ينبغي أن ينظر في قائل هذه الكلمة، فإن مثل هذه الكلمة يقولها ابن حبان في بعض الحفاظ الكبار، من رجال البخاري ومسلم، فإذا قالها الإمام أحمد، أو يحيى بن معين، أو من جرى مجراهما، فمثل هؤلاء ينظر فيما قاله غير القائل، ينظر أوثّقه غير القائل؟ أو قال: إنه صدوق غير القائل. أما إذا لم ترد إلا هذه العبارة فهي تعتبر جرحًا، وهي محتملة أنه يكذب، وأنه يهم. محتملة لهذا وهذا، فنحن نتوقف في أمره، لا نحكم عليه بأنه كذاب، ولا نحكم عليه بأنه صالح للشواهد والمتابعات، ولكن إن وردت عبارات أخرى لبعض أهل العلم يحمل عليها هذا القول، بمعنى أنه يهم، وينظر أذلك الحديث من أوهامه، أم ليس من أوهامه؟ فإذا لم ترد إلا هذه العبارة توقفنا في أمره ولا نحتج به، لكن ربما يصلح للشواهد والمتابعات، وينظر فيمن روى عنه أهم من الثقات الأثبات أم ماذا؟

    السؤال9 قولهم في الرجل: (يروي المعضلات) هل المقصود بذلك العجائب والمشكلات، أو الأوابد -كما يقولون-، أم المعضلات بالمعنى الاصطلاحي؟ وإذا كان المقصود المعنى الاصطلاحي فما وجه القدح؟

    الجواب: ذلك بمعنى الأوابد، وبمعنى الأمور التي لم تثبت عنهم، لكن هذه العبارة -كما تقدم- ينبغي أن ينظر في قائلها، فيخشى أن تكون من ابن حبان رحمه الله تعالى، فكثيرًا ما يقول: يروي المعضلات عن الأثبات فاستحق الترك. فابن حبان هو شديد التجريح، كما أنه متساهل في توثيق المجهولين، فهو يطلق هذه العبارة على بعض رجال الشيخين، فيتوقف في كلامه، وربما اعترض عليه الحافظ الذهبي وقال: إنه لا يدري ما يخرج من رأسه.

    السؤال10 بارك الله فيكم. ومثلها قولهم (يروي المرسلات والمنقطعات والمقطوعات)، ماوجه القدح فيها؟

    الجواب: الظاهر أنّهم يعنون بهذا أنه يصل المرسلات، لعلهم يعنون هذا، يصل المرسل ويرفع الموقوف... الخ، هذا بمعنى أنه يخالف الناس في هذا، فإذا كان ثقةً أو قيل فيه: صدوق، بقي علينا أن ننظر في كتاب "ميزان الاعتدال" وفي كتاب "الكامل" لابن عدي، وفي غير هذين الكتابين، أهذا الحديث مما تفرد هو برفعه والناس يروونه موقوفًا، أو تفرد بوصله والناس يروونه مرسلاً؟ فينبغي أن تراجع ترجمته، وإذا قد وثقه العلماء الأثبات -وبعضهم قال هذا-، بقي علينا أن ننظر في ترجمته، أهذا الحديث مما أخطأ فيه؟ فيترك خطؤه، وهكذا إذا قالوا: صدوق يهم، صدوق يخطيء، وهنا أمر أنصح به طلبة العلم وهو: أن يعرضوا ما كتبوه على كتب العلل، فربّ حديث نغترّ به ونقول: إن رجاله رجال الشيخين، ثم بعد هذا نجد أن الحديث معل، وقد حكم عليه بالوضع، وربّ حديث قد حدّثْنا به وهززْنا به رؤوسنا وفي النهاية فإذا الحديث معل، وقد قال أبوحاتم أو الدارقطني رحمهما الله تعالى: إن هذا معل، فالذي أنصح به إخواني في الله أن يعرضوا ما كتبوه على كتب العلل، والحمد لله كتب العلل تغربل الأحاديث غربلة، وقد قال علي بن المديني -وهو كما يقول الحافظ ابن حجر: أعلم أهل عصره بعلل الحديث- يقول: الحديث إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه. والله المستعان.

    السؤال11 إذا قال أحد من أئمة الحديث: إن الحديث معلول. فهل لا بد من أن يبين السبب ويظهره لنا كطلبة علم، أو لا يقبل منه هذا القول، أو يقبل منه من غير بيان؟

    الجواب: أنا وأنت في هذا الأمر ننظر إلى القائل، فإذا قاله أبوحاتم، أو أبوزرعة، أو البخاري، أو أحمد بن حنبل، أو علي بن المديني، ومن جرى مجراهم، نقبل منه هذا القول، وقد قال أبوزرعة كما في "علوم الحديث للحاكم" ص (113) عند جاء إليه رجل وقال: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة -إذا أردت أن تعرف صدقنا من عدمه، أنحن نقول بتثبت أم نقول بمجرد الظن والتخمين؟- أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة -يعني محمد بن مسلم بن وارة- وتسأله عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله ثم تميز كلام كل منا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلاف فاعلم أن كلاً منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم. ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم عليه فقال أشهد أن هذا العلم إلهام.

    وقد قال عبدالرحمن بن مهدي كما في "العلل" لابن أبي حاتم (ج1 ص10): إن كلامنا في هذا الفن يعتبر كهانة عند الجهال.

    وإذا صدر من حافظ من المتأخرين، حتى من الحافظ ابن حجر ففي النفس شيء، لكننا لا نستطيع أن نخطّئه، وقد مرّ بي حديث في "بلوغ المرام" قال الحافظ: إنه معلول. ونظرت في كلام المتقدمين، فما وجدت كلامًا في تصحيح الحديث ولا تضعيفه، ولا وجدت علةً، فتوقفت فيه.

    ففهمنا من هذا، أنه إذا قاله العلماء المتقدمون ولم يختلفوا، أخذنا به عن طيبة نفس واقتناع، وإذا قاله حافظ من معاصري الحافظ ابن حجر نتوقف فيه.

    السؤال12 ذكرتم في من قيل فيه: (صدوق يخطئ)، أو (صدوق يهم): أننا نرجع "للميزان" للذهبي أو "الكامل" لابن عدي للنظر، هل هذا الحديث من أوهامه وأخطائه، أم لا؟ وأحيانًا أرجع إلى ترجمة بعض الرواة الذين قيل فيهم هذه المقالة، فأجدهم يقولون: ومن أوهامه، لا يسوقون هذا مساق الحصر، ولكن مساق التمثيل، يمثّلون بأوهامه، ولم يذكروا الحديث الذي بين يدي، لكنهم ما قالوا: إن هذه كل أوهامه، وإنما ذكروها على سبيل المثال، فكيف بالحديث الذي بين يدي؟

    الجواب: سؤال حسن، إن كان الحديث من أحاديث الأحكام، فأحاديث الأحكام قد نخلت نخلاً، لأن هناك فقهاء محدثين، مثل الإمام النووي، ومثل الإمام الحافظ ابن حجر، ومثل العراقي، ومثل الزيلعي في "نصب الراية"، ومثل من تقدمهم، كالبيهقي، ومثل الطحاوي، فمثل هذه الأحاديث يتكلمون عليها إذا استدل شافعيّ بالحديث، والحنفي يعلم به علة، يبيّن أنه معلّ، وهكذا على العكس رجعت إلى كتب الأحكام مثل: "نيل الأوطار" وغيره من الكتب، ومن أحسن المراجع في هذا هو "التلخيص الحبير" للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، لكن إذا كان الحديث يتعلق بالتفسير، أو بالسير، فأنت تنظر أذكر في أوهامه أم انتقد عليه؟ وإلا حكمت عليه بما يقتضيه ظاهر السند، والله تعالى أعلم.

    السؤال13 الشيخ الألباني-حفظه الله تعالى- يحسّن حديث من هذا حاله، فهل يحمل تحسينه على ما ذكرت أنت من التفصيل؟ أم أن هذه قاعدة عنده أن (صدوق يخطئ) حديثه حسن، وذكره غير مرة في كتابه "السلسلة"؟

    الجواب: الذي يظهر أن هذه قاعدة عنده، وقد سألناه بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال حفظه الله تعالى: إنّ من مارس أعمالهم في كتب الحديث يرى أنّهم يحسّنون لمحمد بن عمرو بن علقمة ومن جرى مجراه، فالظاهر أن هذه قاعدة عنده وهي قاعدة مقبولة لا غبار عليها، لكن من أحب أن يتثبّت وينظر في ترجمته وفي العلل فهو الأحوط لدينه.

    السؤال14 ذكر ابن الوزير رحمه الله تعالى أنّ مدلس تدليس التسوية لا بد أن يصرّح بالتحديث من أول السند إلى آخره، ولا ينفعه أن يصرح بالتحديث بينه وبين شيخه، فماذا تقولون؟

    الجواب: هذا هو المعروف، لأن تدليس التسوية هو: إسقاط ضعيف بين ثقتين، وزاد بعضهم: قد سمع أحدهما من الآخر، فهذا هو المعروف والمعتبر، وهذا هو الذي عليه العمل: أنه إذا وجد مدلس تدليس التسوية مثل: بقية بن الوليد، أو الوليد بن مسلم، فإنه لا بد أن يصرّح بالتحديث في السند كله[15]، لكن ينبغي أن يعلم أنه يحتاج إلى أن تجمع الطرق، فربما لا يصرّح في "صحيح البخاري" ويصرح في "مسند أحمد"، أو يصرّح في "معجم الطبراني".

    وقد قيل للوليد بن مسلم -وهو كثير الرواية عن الأوزاعي-: مالك تحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء؟ قال: أجلّه عن أن يروي عنهم، قيل له: إذا حذفت شيوخ الأوزاعي الضعفاء، ضعّف الأوزاعي، وأبى الوليد بن مسلم إلا أن يستمر على ما هو عليه.

    فلا بد من التصريح، فمثلاً الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي، والأوزاعي يروي عن الزهري، والزهري يروي عن سعيد بن المسيب، وسعيد بن المسيب يروي عن أبي هريرة، لا بد أن يكون فيه: حدثنا الأوزاعي، أو سمعت، أو ما يؤدي هذا، وهكذا الأوزاعي عن الزهري، حدثنا الزهري والزهري عن سعيد بن المسيب، حدثنا سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

    السؤال15 الهيثم بن خارجة لما سأل الوليد بن مسلم في القصة التي ذكرتها قال: أنت إذا فعلت ذلك وحذفت ما بين الأوزاعي والزهري، أو مابين الأوزاعي وغيره من المشايخ، ضعّف الأوزاعي، فلو أن الأوزاعي ثبت لقاؤه للشيخ هذا، ويقينًا تحمل عنه الأوزاعي، ومع ذلك عنعن، فما وجه ضعف الأوزاعي؟ هل وجه ضعفه أن الحديث منكر؟

    الجواب: إذا عنعن والراوي عنه الوليد بن مسلم (نعم)، فقط خاف أن يضعّف، وإلا فالأوزاعي قد عرفت إمامته، وعرفت ثقته، فخاف أن الناس يظنون أن الأوزاعي هو الذي وضع هذا الحديث الضعيف، أو هذا الحديث المنكر، فخاف من هذا، والحمد لله لم يحصل -أي لم يضعف الأوزاعي- لأنه قد عرف أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية؟

    السؤال16 إذا كان الحديث في "الصحيحين" وقد عنعن المدلس فماذا؟

    الجواب: من أهل العلم من يقول: إنه يحمل على السماع، قال ابن دقيق العيد –كما في "فتح المغيث"-: إن في النفس شيئًا. فهو محمول على السماع، لأن مثل الإمام البخاري لا يخفى عليه هذا، وهو الأحوط، حتى لا يتجرأ على تضعيف أحاديث في "الصحيحين"، ما ضعفها أحد من المتقدمين، والله أعلم.

    السؤال17 مثل كتب "المستخرجات"، ذكروا أن الذي يخرج كتابًا على كتاب، أنه يجب عليه أن يلتزم بشرط صاحب الكتاب الأول، ومن هنا تكلّم الحافظ ابن حجر على فوائد "المستخرجات"، فقال: إنّ الرجال الجدد الذين يذكرهم صاحب "المستخرج" لهم حكم العدالة مالم يثبت فيهم جرح أو تعديل، لأن الرجل التزم بشرط الصحيح، فمن هنا قال: يستفاد من "المستخرجات": توثيق الرجال الجدد الذين لم يثبت فيهم جرح ولا تعديل، وحديثهم الذي في غير "المستخرج" محمول على العدالة، لأن صاحب "المستخرج" قد ذكرهم، لكنه قال بعد ذلك: إنه لا يحكم لهم بالعدالة، قال: والسبب في ذلك: أنّ الحافظ منهم، همّه العلو، فكيف الجمع بين الكلام الأول والأخير؟

    الجواب: الأخير هو المعتبر، لا بد من نظر في رجال السند من المؤلف إلى أن يلتقي مع من استخرج عليه، فالمعتبر هو الأخير.

    السؤال18 قول ابن الصلاح: إن الأمة تلقت "الصحيحين" بالقبول، هل هذا عليه العمل؟ وإذا كان هذا عليه العمل، فهل لي أنا أو لغيري من طلبة العلم إذا اتضح له حديث فيه علة ولم يتكلم عليه الأئمة الأولون هل لي أن أتكلم فيه، لأني سمعت أن بعض الإخوة يضعف حديثًا في البخاري ما ذكره الدارقطني، ولا غيره من الأئمة، فهل هذا الأخ أو الذي يقول هذه المقالة يدفع بأن الأمة تلقت هذين "الصحيحين" بالقبول إلا الأحرف اليسيرة؟ أم يقول الأمر أمر اجتهاد، وأسير كما سار الدارقطني، وأنا صاحب شوكة وصاحب أهلية...الخ؟

    الجواب: الذي يظهر أن "الصحيحين" قد تلقتهما الأمة بالقبول-كما يقول ابن الصلاح- إلا أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ كالدارقطني وغيره، وأنه لا ينبغي أن يفتح الباب لزعزعة الثقة بما في "الصحيحين"، وربّ حديث يكون قد تحقق للعلماء أنه صحيح مثل البخاري، أقصد أن مثل الإمام البخاري، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعلي بن المديني، ومن جرى مجراهم، يعرفون الراوي وما روى عن ذلك الشيخ، وإذا روى حديثًا ليس من حديثه يقولون: هذا ليس من حديث فلان، دليل على أنّهم يحفظون حديث كل محدث، وربما يروون له عن أناس مخصوصين، فهم قد اطلعوا على مالم نطلع عليه، ونحن ما بلغْنا منْزلتهم، والصحيح أنّ مثلنا مثل الذي يعشي-وأنا أتحدث عن نفسي أولاً- فالذي يعشي يمشي في الليل وعنده نور قليل فهو يتخبط، فنحن نفتش الورق ونقرأ ونبحث، فينبغي أن يعلم أنّهم حفاظ، ونحن لسنا بحفاظ، وربما نغترّ بظاهر السند هو كالشمس في نظرنا، وهو معلّ عندهم، وربما يكون في السند ابن لهيعة، وهم يعلمون أنّ هذا الحديث من صحيح حديث ابن لهيعة، فإذا صححه الحافظ الكبير ولم يقدح فيه حافظ معتبر مثله فهو مقبول لأنّهم قد نخلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلاً، ولو كان ضعيفًا لصاحوا به.

    السؤال19 بعض الرواة يكون ثقةً إذا روى عن أهل بلد وضعيفًا إذا روى عن أهل بلد أخرى، مثل: إسماعيل بن عياش في روايته عن الشاميين والحجازيين، ومثل: بقية. والسؤال: إذا روى عن غير أهل هذين البلدين، مثلاً إسماعيل بن عيّاش يروي عن المصريين، ما حكم روايته؟

    الجواب: يصلح في الشواهد والمتابعات. إذا روى عن الشاميين تقبل روايته، وإذا روى عن المصريين أو المدنيين يصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال20 إن كان الأئمة قد ضعفوا حديثًا بعينه، ثم جاء المتأخرون فصححوه، وقد ذكر الأئمة في السابق أن له طرقاً بعضها ضعيفة، وبعضها كذا، إلا أن الرجل المتأخر رد هذه العلة، مرةً يرد هذه العلة، ومرةً يقول: أنا بحثت عن الحديث فوجدت له سندًا لم يطلع عليه الحفاظ الأولون، فماذا تقول؟

    الجواب: سؤال حسن ومهم جدًا -جزاكم الله خيرًا- العلماء المتقدمون مقدّمون في هذا، لأنّهم كما قلنا قد عرفوا هذه الطرق، ومن الأمثلة على هذا: ما جاء أن الحافظ رحمه الله يقول في حديث المسح على الوجه بعد الدعاء: أنه بمجموع طرقه حسن، والإمام أحمد يقول: إنه حديث لا يثبت، وهكذا إذا حصل من الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى هذا؛ نحن نأخذ بقول المتقدمين ونتوقف في كلام الشيخ ناصر الدين الألباني، فهناك كتب ما وضعت للتصحيح والتضعيف، وضعت لبيان أحوال الرجال مثل: "الكامل" لابن عدي و"الضعفاء" للعقيلي، وهم وإن تعرضوا للتضعيف، فهي موضوعة لبيان أحوال الرجال، وليست بكتب علل، فنحن الذي تطمئن إليه نفوسنا أننا نأخذ بكلام المتقدمين، لأن الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى ما بلغ في الحديث مبلغ الإمام أحمد بن حنبل، ولا مبلغ البخاري، ومن جرى مجراهما. ونحن ما نظن أن المتأخرين يعثرون على مالم يعثر عليه المتقدمون اللهم إلا في النادر، فالقصد أن هذا الحديث إذا ضعفه العلماء المتقدمون الذين هم حفاظ، ويعرفون كم لكل حديث من طريق، فأحسن واحد في هذا الزمن هو الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى، فهو يعتبر باحثًا، ولا يعتبر حافظًا، وقد أعطاه الله من البصيرة في هذا الزمن ما لم يعط غيره، حسبه أن يكون الوحيد في هذا المجال، لكن ما بلغ مبلغ المتقدمين.

    السؤال21 الشيخ الألباني-جزاه الله خيرًا- قد يأتي بحديث في نفس هذه المسألة، فإن بحثت في كتب الفقه المتقدمة وجدت الحديث ضعيفًا، ووجدت العمل ليس عليه عند الفقهاء المتقدمين، والشيخ ناصر يصحح الحديث، فيحتج بعض طلبة العلم ويقولون: لماذا تضعّفون هذا والحديث في "صحيح الجامع" للألباني، فيحرج الإنسان، فما تقولون في ذلك؟

    الجواب: سؤال حسن أيضًا، الشيخ ناصر الدين الألباني- حفظه الله تعالى- هو عندنا ثقة، فالباحث الذي يستطيع أن يبحث لنفسه فما راء كمن سمع، وليس الخبر كالمعاينة، والذي لا يستطيع أن يبحث وأخذ بقول الشيخ الألباني في التصحيح والتضعيف، فهذا لا شيء عليه إن شاء الله، لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:{ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[16]} فالشيخ ناصر هو عندنا ثقة، والذي يأخذ بتصحيحه وتضعيفه لا ننكر عليه بحال من الأحوال وإن خالفنا، لكن يبحث وهو الأحوط والأولى، وهو الذي يرجى أن ينفع الله به الإسلام والمسلمين.

    أما إذا قال لك قائل: هذا صححه الشيخ ووجدته ليس أهلاً للبحث فاترك صاحبك هذا، ولا تختلف أنت وهو، اتركه وابحث الحديث واعمل بما تراه حقًا، ولست بأول شخص أنت وصاحبك ممن اختلف في تصحيح الحديث وتضعيفه، أو في توثيق الرجل وتضعيفه، ولا ينبغي أن يكون هذا سببًا لفرقة ولا اختلاف ولا تنافر.

    ونحن لا نطالب الناس بأن يكونوا كلهم محدثين، فمن أخذ بما صححه الشيخ أو ضعفه، لا نستطيع أن ننكر عليه، ولا نقول شيئًا، حتى وإن خالف ما نرى، سواء

    أكان الشيخ أم غيره، كالأخ محمد ابن عبدالوهاب عندنا، وكذلك الأخ أبي الحسن أو غيرهما، القصد أن العلماء الأولين اختلفوا في التصحيح والتضعيف، واختلفوا أيضًا في التوثيق والتجريح، فالأمر سهل إن شاء الله في هذا.

    السؤال22 بعض الإخوة المصريين الذين يبحثون في علم الحديث يحكم على أحاديث الشيخ الألباني عامةً التي يحسّنها وهي من قبل مضعفة، يقول: الشيخ متساهل في التحسين فماذا تقول؟

    الجواب: على العموم نحن لا نستطيع أن نحكم على الشيخ أنه متساهل في التحسين، ولا أنه متساهل في التصحيح، طالب العلم ينبغي أن يبحث، نحن مع الشيخ في هذا الأمر، وفي مواضع لا نأخذ بقول الشيخ، وفي مواضع نرجع بعد سنة أو سنتين إلى قول الشيخ، إذا لم يكن الشخص صاحب هوى من إخوانك المصريين، فلا بأس، وإن قال: إن الشيخ متساهل. لا ينكر عليه، لكن لا نستطيع أن نقول: إن الشيخ حفظه الله متساهل على العموم، لكن كما قلنا هذه مسألة اجتهادية، والباحث متعبّد بما أدى إليه اجتهاده، فالذي يبحث ويأخذ بما أدى إليه اجتهاده، فهذا هو الأحوط لدينه، والذي يأخذ بتحسين الشيخ أو تضعيفه فقد أخذ إن شاء الله بما ينجيه عند الله سبحانه وتعالى.

    السؤال23 قولهم في الرجل: (مجروح)، هل هذه فيها تهمة بالكذب وما وثّق؟

    الجواب: نتوقف في أمره، أقل حاله أن يكون ضعيفًا.

    السؤال24 لأن هذه تجرني إلى كلمة أخرى، الدارقطني رحمه الله تعالى قال: تجنب تدليس ابن جريج، فإنه لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح؟

    الجواب: معنى كلامه: أن ابن جريج إذا عنعن توقفت فيه، ولفظة (مجروح) الجرح يتفاوت، فهى محتملة لأن يكون ضعيفًا، أو شيخًا أو يكون أكذب الناس، كل هؤلاء مجروحون، فهي عبارة محتملة، نتوقف فيما عنعن فيه ابن جريج رحمه الله تعالى.

    السؤال25 الذي قيل فيه: (مجروح) ولا ندري أهو مجروح من كذب أم من سوء حفظ، وما ذكر فيه إلا هذه العبارة هل يستشهد به؟

    الجواب: الظاهر أنه يستشهد به، لو كان كذابًا لقالوا: إنه كذاب.

    السؤال26 ذكروا أن: من قيل فيه: (لا بأس به)، فهو من مراتب الاحتجاج في الحديث الحسن وأن من قيل: (صالح الحديث) يستشهد به، فكيف لو جمع عالم من العلماء قال فلان: (صالح لا بأس به)، هل لا بأس به في دينه وصالح في حديثه، بمعنى أن يستشهد به أم ماذا؟

    الجواب: الذي يظهر لي أنّهم يحسّنون لمن قيل فيه: (صالح لا بأس به).

    السؤال27 ذكر الذهبي تعقيبًا على كلام ابن القطان، أن مجهول الحال الذي لم يوثقه معاصر، أو ينقل توثيقه عن معاصر، وأنا أسأل: هل هناك طريقة أخرى في توثيق الرجل غير قول المعاصر فيه، مثل سبر أحاديثه والنظر هل وافق الثقات أم خالفهم، ولم يتكلم فيه أحد ممن عاصره، هل عند العلماء أنّهم يجمعون حديثه وينظرون، هل وافق الثقات أم خالفهم، وبهذا يجعلون له حكمًا وإن لم يوثقه معاصر؟

    الجواب: نعم هذه هي الطريقة: إن كان معاصرًا نظروا في حديثه وفي أمره، وإذا كان غير معاصر نظروا في حديثه فإذا لم يخالف الثقات علموا أنه حافظ، وقد أتقن حديثه، وقد ذكر هذا مسلم في مقدمة "صحيحه" وذكره غير مسلم رحمه الله تعالى، وذكر المعلمي في "التنكيل عما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" أن يحيى بن معين ربما يوثّق الشخص الذي لم يوثّق، ويستحق أن يكون مجهولاً لأن يحيى ينظر في حديثه فلا يجده مخالفًا للثقات فيوثقه، فهاتان طريقتان في هذا الأمر.

    السؤال28 السند الذي فيه انقطاع ظاهر ليس بالإرسال الخفي ولا بالانقطاع الخفي، وجاء من طريق أخرى فيها أيضًا انقطاع، فهل ينجبر الحديث؟

    الجواب: الذي يظهر أنه لا ينجبر، لأنه يحتمل أن يكون المحذوف ثقة، وأن يكون كذابًا، وهكذا أيضًا كذاب عن كذاب لا ينجبر، لكن لو تعددت الأحاديث المنقطعات ربما ترتقي إلى الحسن والله أعلم.

    السؤال29 أنظر إلى قولهم: هو (مظلم الأمر)، فأجدها غالبًا ما تقال في المجهول وليس بالمشهور، لكن جاء عند ابن عدي في ترجمة سعيد بن ميسرة البصري أبي عمران، قال: هو منكر، وعنده مناكير، وساق له أحاديث، وقال: هو مظلم الأمر. هل مظلم هنا بمعنى النكارة؟

    الجواب: الظاهر أنه بمعنى النكارة، ويحتمل أن المراد لم يتضح لي أمره.

    السؤال30 إذا أتى في السند أكثر من مجهول (أي مجهول حال) فهل يصلح في الشواهد والمتابعات؟

    الجواب: يصلح في الشواهد والمتابعات، ولو وجد فيه أكثر من مجهول.

    السؤال31 الذهبي رحمه الله أحيانًا يذكر في ترجمة الرجل أقوال المتقدمين بالتعديل، ثم يعقّب ذلك بقوله: (لا يعرف) كما في شبيب بن عبدالملك التميمي، قال أبوزرعة: صدوق، وقال أبوحاتم: شيخ بصري ليس به بأس لا أعلم أحدًا حدث عنه غير معتمر بن سليمان -وهو أكبر منه- قال الذهبي: قلت: لا يعرف. فما وجه قول الذهبي وقد وثقه غيره؟

    الجواب: نحن نأخذ بأقوال العلماء المتقدمين، وقول الإمام الذهبي في هذا إذا كان لا يعرفه هو فقد عرفه غيره، وكثيرًا ما يتعقب عليه الحافظ ابن حجر.

    وقد مرت بي في أيام قريبة قال في ترجمة راو: (لا يعرف) فتعقبه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" فقال: عجبًا، إنه لعجب، قد عرفه يحيى بن معين فكيف يقال فيه: (لا يعرف). فنأخذ بأقوال العلماء المتقدمين.

    السؤال32 وفي المقابل أيضًا الحافظ ابن حجر ذكر ترجمة رجل وقال: وقرأت بخط الذهبي أنه صدوق، وترجم له في "التقريب" قال: (مجهول)؟

    الجواب: لا بد أن ينظر ماذا قال العلماء المتقدمون وترجع إلى "تهذيب التهذيب" فإذا قال حافظ من الحفاظ المتقدمين الذين هم من معاصري يحيى بن معين: إنه صدوق فيكون صدوقًا، وأما إذا لم يوثّق، ثم يأتي الحافظ الذهبي ويقول: إنه ثقة، أو صدوق فنحن نتوقف في كلام الحافظ الذهبي، وكثيرًا ما يذكر في كتابه "الكاشف" ويقول: فلان وثّق، فنرجع فإذا هو قد اعتمد على توثيق ابن حبان، أو توثيق العجلي، أو توثيقهما، فالمعتبر في هذا هو الرجوع إلى كلام المتقدمين رحمهم الله، أما الإمام الذهبي ففي قوله: (صدوق) أو كذا، فبينه وبين ذلك الرجل مراحل.

    السؤال33 بالنسبة لتوثيق العجلي، ذكر الشيخ الألباني حفظه الله تعالى أن العجلي والحاكم متساهلان في التوثيق، ومع ذلك أجد الحافظ ابن حجر إذا لم يكن في ترجمة الرجل إلا قول العجلى: (كوفي ثقة) أو (مدنيّ تابعيّ ثقة) يقول في "التقريب": ثقة، فما وجه تساهل العجلي؟

    الجواب: قد عرف بالاستقراء، من تفرده -مع ابن حبان- بتوثيق بعض الرواة الذين لم يوثقهم غيرهما، فهذا عرف بالاستقراء، وإلا فلا أعلم أحدًا من الحفاظ نص على هذا، والذى لا يوثقه إلا العجلي، والذي يوثقه أحدهما أو كلاهما فقد لا يكون بمنْزلة صدوق، ويصلح في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفع في هذا الشأن فهما متقاربان و"التقريب" محتاج إلى إعادة نظر، فربما يقول فيه: مقبول، وتجد ابن معين قد وثّقه أو على العكس يقول: ثقة، ولا تجد إلا العجلي أو ابن حبان، وقد أعطانا الشيخ محمد الأمين المصري رحمه الله تعالى عشرة عشرة، كل واحد عشرة ممن قيل فيه: (مقبول) فالذي تحصل لي أن "التقريب" يحتاج إلى نظر، ونحن لا نرجع إلى "التقريب" إلا إذا رأينا للعلماء المتقدمين عبارات مختلفة لا نستطيع التوفيق بين عباراتهم، فنرجع إلى "التقريب" ونأخذ عبارة صاحب "التقريب".

    السؤال34 ذكروا في مراتب الاستشهاد قولهم: (واه) يقال في الرجل: (واه). قالوا إن هذا يستشهد به، وقالوا: (واهي الحديث) في مراتب الرد، وكثيرًا ما يقول الحافظ الذهبي وغيره: هذا الرجل وهّاه فلان فقال: كذاب. وأحيانًا يقول الحافظ الذهبي أيضًا: فلان واه. ويسوق الترجمة بالترك وبالكذب، فالقول الأخير في قولهم في الرجل (واه) هل هذا يستشهد به؟

    الجواب: الذي أعرفه أن من قيل فيه: (واه) لا يصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال35 ابن حبان معروف أنه يوثق المجاهيل، فإن كان الراوي غير مجهول وقد روى عنه أكثر من واحد، وقال ابن حبان: هذا مستقيم الحديث، أو قال: هذا ثقة، هل نتوقف في توثيقه أم نعتبره؟

    الجواب: من أهل العلم كما في "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" من قال فيه: إنه يقبل. وهو اختيار المعلمي، أما (ثقة) فالغالب أنه قد عرف هو نفسه بالتساهل، فيتوقف لأنه قد عرف هو بالتساهل في ثوثيق المجاهيل، فإذا وثّق غير مجهول يقبل منه، أما المجهولون فقد عرف منه التساهل في هذا.

    السؤال36 أحيانًا يذكر في كتابه "الثقات" يقول: روى عنه فلان وفلان وفلان وهو مستقيم الحديث، أو يقول: هو في حفظه كالأثبات أو يتقن حديثه، هو نفسه ينص على ثوثيقه، ولذا أجد الحافظ ابن حجر في مثل هذه المقالة يترجم له بالتوثيق أو على حسب مقالة ابن حبان وما وثقه إلا هو، وليس فيه إلا هذه العبارة!

    الجواب: الذي يظهر أنه يتوقف في أمره، أما المعلمي في "التنكيل" فيقول: مثل هذا يقبل ويأخذ توثيقه عن ابن حبان.

    السؤال37 ابن معين سئل عمن يقول فيه (ضعيف) فقال: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. هل الأمر كذلك إذا قال في الرجل: (يضعفونه)؟

    الجواب: الذي يقول فيه: (ضعيف) يكون غير ثقة، والذي يقول فيه: (يضعفونه) لا يكون غير ثقة، بل يكون ضعيفًا، لأن الأول قوله، والثاني حكاية عن غيره.

    السؤال38 هل هناك فرق بين قولهم: فلان (منكر الحديث)، وفلان (يروي الأشياء المنكرة)؟

    الجواب: (منكر الحديث) صيغة تقتضي الديمومة، وأما (يروي الأشياء المنكرة)، فهو يحتمل أنه يرويها كغيره من العلماء الذين يجمعون كما قيل: (إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش)، فيحتمل هذا. وينظر أهذا الحديث من مناكيره أم ليس من مناكيره.

    السؤال39 قال الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة علي بن المديني: إن الثقة إذا تفرد برواية فهي صحيحة غريبة، أما الصدوق فإذا انفرد فهي منكرة، هل هذا قول صحيح؟

    الجواب: من أهل العلم من لا يقبل الصدوق، مثل أبي حاتم رحمه الله تعالى فلعله جرى على مثل ما جرى عليه أبوحاتم. أما ابن الصلاح وكثير من أهل العلم فيعتبرون الصدوق إذا انفرد حسن الحديث، ورب كلمة تنفق على المؤلف من غير أن ينظر فيها ويفحصها مثل: زيادة الثقة، وقد زلت قدم الخطيب في بعض كتبه، وفي "الكفاية" ثم تبعه على هذا ابن الصلاح، فالراجح في هذا أنه يحسّن حديثه.

    السؤال40 هل هناك فرق بين قولهم: فلان (سيء الحفظ)، وفلان (رديء الحفظ)، وفلان (يخطئ كثيرًا) أو (كثير الخطأ)، هل هناك فرق بين هذه العبارات؟

    الجواب: الذي يظهر أنّها مترادفة، والله أعلم.

    السؤال41 هل قول البخاري في حديث من الأحاديث: (فيه نظر)، معناه: أن هذا الحديث لا يستشهد به، كقوله في الرجل: (فيه نظر)؟

    الجواب: الذي يظهر هو هذا، أنه لا يستشهد به، كقوله في الرجل: (فيه نظر).

    السؤال42 سئل ابن المبارك عن نوح بن أبي مريم فقال: هو يقول: (لا إله إلا الله)، وسئل ابن معين عن رجل فقال: (هو مسلم)، ففي أي المراتب؟

    الجواب: الذي يظهر أن هذا من باب الهروب عن الإجابة، وأمْر نوح بن أبي مريم معروف أنه كذاب، من رؤوس الكذابين، وكذلك قول عبدالله بن المبارك، فالذي يظهر أن الرجل مجروح شديد الجرح، وبعض الأوقات يقتضى المقام أن لا يصرحوا لأمر ما، إما أنه يخاف على نفسه، وإما لأن للمضعف عليه نعمة أو غير ذلك.

    السؤال43 الذهبي في ترجمة محمد بن إسحاق بن يسار صاحب "السيرة" قال: إنه (صالح الحديث)، وقال: (حسن الحديث)، وقال: (صالح الحال)، وقال: (صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة)، ثم ذكره مرةً أخرى في ترجمة هشام بن حسان فقال: والجمهور على أنه لا يحتج به، فماذا تقولون في محمد بن إسحاق، آخر قول فيه؟

    الجواب: ابن إسحاق إذا صرح بالتحديث ولم يكن حديثه منكرًا، فيقبل ويحسّن حديثه، وإذا تفرّد بحديث ظاهره النكارة مثل: إثبات صفة الأطيط للعرش، فهذا من طريق ابن إسحاق، والحافظ البيهقي والحافظ الذهبي كلاهما يقدح في الحديث ويقولون: إن ابن إسحاق ليس بعمدة في أحاديث الأحكام، فضلاً عن أحاديث الأسماء بالنكارة لأمر خارج، وإلا فيكون حديثًا مستقلاً ويقبل حديثه إذا صرح بالتحديث.

    السؤال44 في ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب القرشي، عن عاصم الأحول، وهلال بن خباب، وثور بن يزيد، وعنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، وأحمد بن سيار وجماعة، قال أبوزرعة: (ليس بشيء)، وقال أحمد: (كان جهميًّا). وقال أبوحاتم: يلينه عندي قدم رجاله)، هل قول أبي حاتم يشير إلى أنه متهم، ويحدث عمن لم يلقه أم ماذا؟

    الجواب: هو يعني هذا، أنه يحدث عن أناس لم يلقهم.

    السؤال45 قولهم في الرجل: (وثّقوه)، أليس دون قولهم في الرجل: (ثقة)؟ وكذلك (ضعّفوه) و (ضعيف)؟

    الجواب: نعم هو كذلك.

    السؤال46 العالم إذا سئل عن حديث إما إسنادًا أو متنًا وصححه، هل يكون ذلك ثوثيقًا منه لرواة ذلك الحديث؟ أم أنه يحتمل أنه صححه لقرينة أخرى؟ وقد أردت أن أستقرئ فيها صنيع الحافظ الذهبي فوجدته أحيانًا يعتبر هذا، ويوثق الرجل، وأحيانًا لا يعتبره، وذكرت بعض الأسماء، ففي ترجمة إسماعيل بن سعيد ابن عبدالله بن جبير بن حية، لم يذكر من روى عنه إلا أن أبا حاتم تركه، والترمذي روى له حديثًا واحدًا فصححه، وذكره ابن حبان في "الثقات" فقال عنه ابن حجر في "التقريب": (صدوق)، هذه الحالة التي اعتبر فيها توثيق الترمذي، وخالف ذلك في جعفر بن أبي ثور، وقد صحح حديثه جماعة: مسلم، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن مندة، والبيهقي وغيرهم، روى عنه أربعة وذكره ابن حبان في "الثقات" ومع ذلك قال: مقبول؟

    الجواب: لا بد من نظر في توثيق الراوي: أوثقه معتبر أم لم يوثقه معتبر؟ وبالنسبة للحديث فيحتمل أن يكون صححه لطريق أخرى وتصحيح الحديث لا يدل على أن رجاله ثقات.

    السؤال47 قول الحافظ في ترجمة: أحمد بن بكّار أبي ميمونة قال: (صدوق كان له حفظ)، فهل هذا يرفعه إلى درجة ثقة؟

    الجواب: يبقى حسن الحديث، ولا يرتفع إلى درجة الثقة، لأن الصدوق له حفظ، ولو لم يكن له حفظ لكان من الضعفاء.

    السؤال48 الشافعي رحمه الله تعالى معلوم كلامه في المرسل إذا اعتضد بقرائن، لكن خص ذلك بمرسل كبار التابعين، الذي عليه العمل: هل هو مطلق التابعي، أم أنه كما قال الشافعي رحمه الله تعالى؟

    الجواب: الذي يظهر أنه من مطلق المرسل، إلا الذين عرف بأن مراسيلهم شديدة الضعف مثل: قتادة، ويحيى بن أبي كثير، والزهري، والحسن البصري، فمثل هؤلاء عرف أن مراسيلهم شديدة الضعف، لا تصلح في الشواهد ولا المتابعات، أما المرسل وإن كان من أوساط التابعين أو من صغارهم فينطبق عليه، وهذه مسألة اجتهادية، فإن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: مع هذا فليس في رتبة الحديث المتصل.

    السؤال49 هل قول البخاري في الرجل: (حديثه ليس بالمعروف) مثل قوله: (منكر الحديث) كما قالوا: إن المنكر عكسه المعروف؟

    الجواب: الذي يظهر أنه ليس كقوله: (منكر الحديث)، أما (المعروف) فهو عندهم يقابل (المنكر)، كما أن (المحفوظ) يقابل (الشاذ)، لكن هذه العبارة لا يظهر منها أنّها مثل: (منكر الحديث)، وإلا فما يمنع البخاري رحمه الله تعالى من قول: (منكر الحديث)، وما أكثر ما يقول هذا. فالذي يظهر أنّها أحسن حالاً، والله أعلم.

    السؤال50 قالوا: إن الرافضة لا يكتب عنهم ولا كرامة، فكيف بجابر الجعفي، وكان يؤمن بالرجعة؟

    الجواب: جابر بن يزيد الجعفي وثقه بعضهم، وهو يعتبر رافضيًّا، وقد كذبه أبوحنيفة فقال: ما رأيت أكذب منه، وكذبه غير أبي حنيفة، فجابر بن يزيد الجعفي ومن جرى مجراه لا يحتاج إليه، وقد ذكر الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في "الميزان" في ترجمة أبان بن تغلب ذكر: أن الشيعي إذا كان صدوق اللسان فإنه يؤخذ عنه، وأما الرافضة -الذين يسبون أبا بكر وعمر- قال: فلا يحتاج إليهم، قال: على أنني لا أعرف من هذا النوع أحدًا يحتاج إليه، بل الكذب شعارهم والتقية دثارهم، أو بهذا المعنى.

    فالرافضة ليس هناك أحد منهم يحتاج إليه، حتى قال الأعمش رحمه الله تعالى: ما كنا نسميهم إلا الكذابين. وذكر نحو هذا شريك ابن عبدالله النخعي، فلعل من روى لجابر يقصد أنه يعتبر بحديثه، فعلى كل فروايته لا تصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال51 قول الحافظ في جهضم بن عبدالله بن أبي الطفيل: (صدوق يكثر عن المجاهيل)، ما حكم ذلك في مراتب الجرح والتعديل؟ ومتى تعد كثرة الرواية عن الضعفاء والمجاهيل قدحًا؟ ولماذا؟

    الجواب: ينبغي أن ينظر في شيخه، فإن كان مجهولاً دخلت علينا الريبة من هذا، ثم إن كتاب الحافظ هو تقريب كاسمه، فينبغي أن يرجع إلى "تهذيب التهذيب" و"ميزان الإعتدال" وغيرهما من الكتب التي تتكلم وتبسط الكلام على الراوي، وعلى كل فأنت ترجع إلى شيخه، فإذا وجدته مجهولاً دخلت الريبة علينا، وإذا لم تجده مجهولا فيقبل حديثه ويحسن، والله أعلم.

    السؤال52 لم يخصصون هذه المسألة: (يكثر عن المجاهيل)؟

    الجواب: إكثاره عن المجاهيل جعل في القلب ريبةً من روايته لكن إذا لم يكن شيخه مجهولاً، وكان ممن يقبل حديثه قبل. والله أعلم.

    السؤال53 الإمام أحمد رحمه الله تعالى في ترجمة حجاج بن أرطأة قال: (كان من الحفاظ)، قيل: فلم؟ أليس هو عند الناس بذاك؟ قال: لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، لا يكاد له حديث إلا فيه زيادة. فكيف الجمع بين قوله: حافظ وقوله: في حديثه زيادة على حديث الناس، هل يعني أنه مكثر أو معه علم كثير أم أنه حافظ ضابط كما هو معلوم؟

    الجواب: ضابط ويأتي بزيادات لا يعتمد عليها، ثم إن حجاج بن أرطأة أيضًا به جرح آخر وهو: أنه ذكر الحافظ في ترجمته في "ميزان الاعتدال" قال: إن فيه تيهًا، وذكر عنه أنه قال: إنّها لا تكمل مروءة الشخص حتى يترك الصلاة مع الجماعة. يقصد أنه بمخالطته للناس لا يهابونه، وهو أيضًا مدلس، فلا يمنع أن يكون حافظًا، وأن يكون مدلسًا، وأن تكون لديه زيادات، فالزيادات التي يزيدها على غيره، ينبغي أن تجتنب حتى ولو زادها على من يماثله، نستفيد هذا من التعبير الذي قاله الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

    السؤال54 حسان بن عطية المحاربي كان الأوزاعي يثني عليه جدًا، قال خالد بن نزار: قلت للأوزاعي: حسان بن عطية عمن؟ فقال لي: حسان ما كنا نقول عمن؟ فما معنى كلمة الأوزاعي هنا؟

    الجواب: حسان بن عطية هو شامي والأوزاعي شامي، والأوزاعي يعتبر من أعرف الناس بالشاميين، فمعناه أنه واثق برواية حسان بن عطية، ومعناه أيضًا أن حسان بن عطية مهاب، إذا حدثهم لا يستطيعون أن يستفسروا منه، لكن ينبغي أن يستفسر وينبغي أن يعرف مشايخه كغيره من العلماء. القصد أن قول الأوزاعي يفيد أحد أمرين أو الأمرين معًا: وثوقهم برواية حسان أو مهابتهم له، فإن بعض الرواة يكون مهابًا في نفوس الناس.

    السؤال55 في مسألة لما ذكروها في قولهم: (حدثني الثقة)، وقال: هذا تعديل للمبهم، تكلم الحافظ ابن حجر وغيره قالوا: إن مالكًا إذا قال: حدثني فلان، أو حدثني الثقة عن فلان فهو يعني به فلانًا، والشافعي إذا قال: حدثني الثقة عن فلان. فهو يعني به فلانًا، الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى قال: هذا كله تخمين، يعنى لايوجد جزم لأن هذه مسألة استقراء تصيب وتخطئ.

    الجواب: مسألة (حدثني الثقة)، لا بد أن يبيّن شيخه، والإمام مالك رحمه الله تعالى قد روى عن ضعيفين: عن عبدالكريم بن أبي المخارق وعن عاصم بن عبيدالله، فلا بد كما ذكروا في المصطلح من أن يبين شيخه، ذكره صاحب "فتح المغيث"، الإمام أحمد أيضًا من الذين لا يحدثون إلا عن ثقات، روى عن عامر بن صالح الزبيري حتى قال الإمام يحيى بن معين عند أن بلغه هذا: جنّ أحمد.

    وشعبة من الذين اشتهروا أنّهم لا يحدثون إلا عن ثقات، وفي مرة يقول: لو لم أحدثكم إلا عن ثقة ما حدثتكم إلا عن ثلاثين، وفي رواية: ما حدثتكم إلا عن ثلاثة، فالتوثيق لا بد أن ينظر، ويسمى رجاله.

    وهكذا الحسن، فالعلماء سبروا مراسيله فوجدوها شديدة الضعف، لأن الحسن رحمه الله تعالى يأخذ عمن أقبل وأدبر، أو بهذا المعنى، ذكروا: أنه قد يكون ثقةً عنده، ويكون ضعيفًا عند غيره.

    السؤال56 الشافعي رحمه الله تعالى إذا قال: (حدثني الثقة)، جاء من بعده الربيع بن سليمان فقال: إذا قال الشافعي: حدثني الثقة فهو يعني يحيى بن حسان التنيسي وهو ثقة. فإذا قال الشافعي: (حدثني الثقة) هل نحملها على هذا مطلقًا؟

    الجواب: لا نحمله على هذا، وهم قد اختلفوا، فليس هذا القول متفقًا عليه كما في "فتح المغيث" وفي غيره من المراجع، حتى ولو قال الشافعي ذلك فقد روى الشافعي رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن أبي يحيى وقد قال الإمام أحمد فيه: إنه قدري معتزلي رافضي جهمي كل بلاء فيه. وأيضًا الإمام النسائي يقول: الكذابون أربعة: وذكر منهم إبراهيم بن أبي يحيى بالمدينة. فلا بد من التسمية.

    السؤال57 الحافظ رحمه الله تعالى في بعض التراجم في "التقريب" لا يذكر أنه ثقة أو ضعيف، يقول: وثقة فلان، وثقه النسائي، وثقه الدارقطني، وثقه العجلي، أو ضعفه فلان، يعزو الأمر إلى غيره، كأنه في ذلك والله أعلم لا يريد أن يقطع في هذا الأمر بشيء، ماذا ترى في هذا؟

    الجواب: ما أرى إلا ما رأيت.

    السؤال58 قولهم في الرجل: (ثقة له أوهام)، أو (ثقة يخطئ)، أو (له مناكير)، فإذا لم يتضح لي أي شيوخه يهم فيه أو أي أحاديثه وهم فيها، كنت أظن أنه يحتاج إلى متابع كما في مسألة: صدوق يخطئ، أو صدوق يهم، حتى وقفت على كلام لابن حبان في ترجمة أبي بكر بن عياش في كتابه "الثقات" قال: كان أبوبكر من الحفاظ المتقنين وكان يحيى القطان وابن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر سنه ساء حفظه، فكان يهم إذا روى، والخطأ والوهم شيئان لا يخلو منهما البشر، فلو كثر الخطأ حتى صار غالبًا على صوابه لاستحق مجانبة روايته، فأما هذا فلا يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه، والصواب في أمره، مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه والاحتجاج بما يروي سواءً وافق الثقات أم لا، لأنه دخل في جملة أهل العدالة ومن صحت عدالته لم يستحق الترك ولا الجرح إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح، وهذا حكم كل محدث ثقة صحت عدالته وتيقن خطؤه، ومثل هذا قاله أيضًا الحافظ الذهبي قال: إذا خالفه غيره فيكون أقوى منه، أما أنه يحتاج إلى متابع فلا، فماذا ترى؟

    الجواب: هذا كلام طيب، وذكر الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى في مقدمة "صحيحه" نحو هذا الكلام على حماد بن سلمة، ويقول: ومن الذي لايغلط ومن الذي لا يهم؟ ولو رددنا هذا الضرب لرددنا أحاديث صحابة، حتى ذكر أبا بكر وعمر. وينظر أهذا الحديث من أوهامه التي وهم فيها أم لا، وإلا فيحكم على حديثه بالصحة.

    السؤال59 قولهم في الرجل: (ثقة إن شاء الله)، وليس في ترجمته إلا هذه العبارة هل هذا ينْزله إلى صدوق؟

    الجواب: لاينْزله، لكن ليس مثل الإطلاق.

    السؤال60 قولهم في الرجل: فلان (قاصّ) أو (صاحب سمر)، كنت أظن أنه صاحب حكايات وروايات، أما ضبط الحديث فلا، أو أنه مثلاً قد يأكل بالحديث، حتى إني وجدتّهم قالوا: فلان (قاص)، في ترجمة سلمة بن دينار أبي حازم، وكذا في صالح بن بشير المعروف بالمري، وهو ضعيف الحفظ مشهور بالعبادة، فهل في قولهم: فلان (قاصّ). شيء من ناحية الحفظ؟ أو فيها شيء من ناحية العدالة؟

    الجواب: فيها شيء من عدم التثبت، لأن الغالب على القصّاصين أنّهم لا يتثبتون، وإن كان عطاء بن يسار قد لقّب بأنه قاصّ، لكن هو من أثبت الناس، والغالب على القصاصين أنّهم لا يتثبتون، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: ما أحوج الناس إلى قصّاص صدوق. فإذا أطلقوا هذه العبارة وحدها، ولم يزيدوا عليها شيئًا، فهذه توقع الريبة في القلب ولا يعتمد عليه، لأن الأصل في القصاصين عدم التثبت.

    السؤال61 معلوم أن ابن حبان يوثّق المجاهيل، والمجاهيل عند العلماء لهم حدّ، فلا ترتفع جهالة العين إلا برواية عدلين، ولا ترتفع جهالة الحال إلا بنص أو شهرة بالطلب كما هو معلوم، غير أني أجد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يقول: صدوق أو مقبول، في راو لم يرو عنه إلا واحد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، فهل يصلح أن يكون وجه ذلك عند الحافظ ابن حجر أن ابن حبان نصّ على قاعدته في التوثيق: أن الرجل إذا لم يجرح، وروى عنه واحد وكان حديثه ليس منكرًا فهذه قاعدته أو الأسس التي بني عليها توثيقه، فالرجل إذا لم يجرح وذكره ابن حبان في "الثقات" وليس حديثه منكرًا، هل القول فيه: إنه مقبول صحيح؟

    الجواب: (مقبول) عند الحافظ، يعني بها أنه يحتاج إلى متابع، فإذا قال فيه: إنه مقبول فقول في موضعه، لكن تقدم لنا الكلام على "التقريب" أنه محتاج إلى إعادة نظر في كثير من التراجم، ونحن لا نرجع إلى "التقريب" إلا عند العجز، وإذا اختلفت عبارات المحدثين ولم نستطع التوفيق بينها، رجعنا إلى "التقريب"، والله المستعان.

    السؤال62 الرجل إذا قيل فيه: (صدوق تغير بآخره، هل يحتاج إلى متابع؟ الشيخ الألباني قال في "السلسلة الصحيحة"، يحتج به ما لم يخالف؟ وهل هنا فرق بين قولهم: تغير، وبين قولهم: اختلط؟

    الجواب: الذي يظهر هو قول الشيخ الألباني، لأن التغيّر ليس بمنْزلة الإختلاط، ذكر هذا الحافظ الذهبي في ترجمة هشام بن عروة عند أن قال ابن القطّان: إنه تغير أو هكذا اختلط بعد ما نزل إلى العراق. فأنكر عليه وقال: إنه ضعف حفظه -أي هشام- ولم يبلغ إلى حد الاختلاط، ثم قال: وهشام شيخ الإسلام، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطّان. فهذا الذي قاله الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى هو الصواب إن شاء الله، ثم بعد ذلك لا ينبغي أن ننسى ما تقدم لنا: أن أهل العلم قد نخلوا السنة نخلاً خصوصًا ما يتعلق بالأحكام، فينبغي أن يرجع إلى شروح الحديث، وإلى كتب التخاريج مثل "التلخيص الحبير" وغيره، فربما ذكروا أن هذا الحديث مما حدث به بعد تغيره.

    السؤال63 قولهم في الراوي: إذا روى عنه ثقة، أو يقولون بعبارة أخرى: إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، فهو مستقيم، ومعلوم من حال الثقات جميعًا أن الحديث يكون مستقيمًا إذا كان السند كله مستقيم الرجال، فما وجه هذا التخصيص؟

    الجواب: الذي يظهر أنه نفسه لا يكون متحريًا، فربما ينفق عليه ما ليس بثابت إذا كان شيخه ضعيفًا أو كذابًا أو مجهولاً، وهكذا إذا روى يمكن أن أصوله صحيحة، لكن المحدث إذا حدث عنه وليس أهلا للرواية -الذي هو الراوي عنه- فربما يحصل تخليط من عدم تحريه هو نفسه، في الأخذ والتحديث.

    السؤال64 الرواي إذا قيل فيه: مجهول، راو من الرواة قال أحد علماء الجرح والتعديل فيه: مجهول، وقال آخر: ضعيف، هل نرجع بذلك إلى من روى عنه؟ وإذا كان روى عنه جماعة فالقول قول من قال: ضعيف، أم أنه إذا روى عنه أقل فالقول قول من قال فيه: مجهول، لأن (مجهول) لا يستشهد به، و(ضعيف) يستشهد به، فتعارض القولان، فالمرجع في ذلك إلى من روى عنه أم ماذا؟

    الجواب: هذا الذي قال: إنه مجهول قال بحسب علمه، وذاك عرف عنه شيئًا زائدًا، فيصار إلى أنه ضعيف.

    السؤال65 من قيل فيه: (صدوق صحيح الكتاب)، وأنا لا أدري هل حدث من كتابه أم من حفظه؟ فهل يحمل على أنه صدوق؟ وإذا علمت أنه حدث من كتابه هل يرتقي إلى مرتبة ثقة؟

    الجواب: يحكم على الحديث بأنه حسن في الحالتين، وإذا حدث من غير كتابه فربما ينْزل عن مرتبة الحسن، وهذا يحتاج إلى تنصيص أنه حدث هذا الحديث من غير كتابه، ومثل هذا ينبغي -كما قلنا- الرجوع إلى كتب العلل وشروح الحديث.

    السؤال66 في ترجمة سلم بن زرير قال فيه ابن عدي: أحاديثه قليلة، وليس في مقدارها أن يعتبر ضعفها، هل معنى ذلك أنه لقلة حديثه لا يحتمل الضعف الذي فيها كما يحتمل للثقات أصحاب الحديث، لأنه ما من ثقة إلا وتفرد وخالف، ويكون معنى ذلك أنه ليس بالقوي أم ماذا؟

    الجواب: الذي يظهر أن معناه أنه ملتبس أمره على الحافظ ابن عدي، لأنه ما استطاع أن يحكم عليه بسبب قلة أحاديثه، والله أعلم، فنحن نتوقف في حديثه.

    السؤال67 قولهم في الرجل: (صدوق وسط)، هل معناه أنه من مراتب الاستشهاد؟

    الجواب: من مراتب الحسن، و(صدوق) هو وسط بين الثقات والضعفاء، فكلمة (وسط) إن شاء الله من باب التأكيد.

    السؤال68 قول ابن المديني في كثير من الرواة أحيانًا في تراجم "التهذيب" يقول: وقال ابن المديني: إنه من الطبقة الثانية، أو الثالثة، من أصحاب نافع. هل أصحاب نافع لهم شرط خاص؟

    الجواب: أصحاب نافع، وأصحاب الزهري، وأصحاب قتادة، وأصحاب الحفاظ المشاهير، كلهم طبقات، الطبقة الأولى هى أرفع طبقة، والطبقة الثانية، إلى الطبقة الخامسة والسادسة والسابعة، هكذا أصحاب الزهري، ومن أحسن المراجع الموجودة هى "شرح علل الترمذي" لابن رجب المجلد الثاني، فقد ذكر ابن رجب أصحاب نافع وطبقاتهم، وأصحاب الزهري وطبقاتهم، وأصحاب علقمة وطبقاتهم، حتى طبقات ابن مسعود.

    السؤال69 مسألة الطبقات: هل اتفق العلماء على اصطلاح واحد في الطبقات؟

    الجواب: ليس متفقًا عليها، حتى في الصحابة أنفسهم منهم، من يجعل البدريين طبقة، والسابقين طبقة، وأهل بيعة الرضوان طبقة، وهكذا، فليس متفقًا عليها، لكن المؤلف يعرف اصطلاحه من مقدمة كتابه.

    السؤال70 هل ترتيب الطبقات على حسب العمر أم على حسب التوثيق؟

    الجواب: أما طبقات أصحاب الزهري فعلى حسب التوثيق، وكذلك أصحاب نافع وأصحاب قتادة، وغيرهم، أما الطبقات التي سأل عنها أخونا عبدالمحسن فعلى حسب العمر، فينبغي أن يعرف هذا. على أنّهم ليست لهم قاعدة مطردة في الطبقات، فمنهم من يجعل الصحابة طبقات، ومنهم من يجعلهم طبقةً واحدة ولا مشاحة في الإصطلاح.

    السؤال71 شعيب بن أيوب بن زريق (صدوق يدلس) كما في "التقريب"، قال فيه أبوداود: (إني لأخاف الله في الرواية عن شعيب)، وأنا أسأل لو أن هذه المقالة بمفردها على أي اتجاه أضعها؟

    الجواب: هذه العبارة بمفردها معناها تضعيف الراوي (التي هي عبارة أبي داود) والظاهر أنّها بمنْزلة (متروك) عند أبي داود.

    السؤال72 قول أبي حاتم في بعض الرواة: من (عتّق الشيعة)، ماذا يقصد؟

    الجواب: يقصد أنه من متشدديهم، كما يقولون: (شيعيّ جلد).

    السؤال73 إذا ذكر ابن حبان الرجل في كتابه "الثقات" وذكر من روى عنهم، ومن رووا عنه، وقال: (وهو مستقيم الحديث)، أو قال: (وهو في الحفظ كالأثبات)، هل هذه العبارات يعمل بها كتوثيق؟ وقد وجدت الحافظ في "التقريب" يعمل بها؟

    الجواب: وهكذا عبدالرحمن المعلمي في كتابه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل"، هو أيضًا يعمل بها، والذي يظهر أنه إذا تفرد ابن حبان، أنّ في النفس شيئًا، أما المعلمي فيقول: يكون في النفس شيء فقط إذا ذكر الرجل في كتابه "الثقات" يذكر الرجل فيقول: فلان بن فلان، فيقول العلماء: وذكره ابن حبان في "الثقات"، أما إذا قال: (مستقيم الحديث)، أو قال: (ثقة)، أو كذا، فهذا يقول: يعض عليه بالنواجذ، ويقول: وهو ليس بدون غيره في هذا. لكن ينظر في هذا.

    السؤال74 ابن المديني رحمه الله تعالى قال في طلحة بن أبي سعيد الاسكندراني: (معروف)، فهل لذلك معنى فوق رفع الجهالة؟

    الجواب: فيها معنى رفع الجهالة، ويحتمل أن يكون معروفًا ثقة، أو مخلطًا أو معروفًا كذابًا، فالعبارة فيها رفع الجهالة، ولا يرتفع إلى مرتبة الاحتجاج، ويعتبر به.

    السؤال75 في ترجمة عبدالله بن داود بن عامر الهمداني، قال ابن عيينة: (ذاك أحد الأحدين)، و(ذاك شيخنا القديم)، ففي أي المراتب قوله الأول؟ أفي معنى: ثقة ثبت، أم في معنى: ثقة؟

    الجواب: الظاهر أنّها توثيق، لكن رتبتها الله أعلم.

    السؤال76 قولهم في الرجل: (ليس بثقة في حديثه)، هل هو مثل قولهم: (ليس بثقة)؟ وأن (ليس بثقة)، تعني في دينه، و(ليس بثقة في حديثه)، تعني في حفظه؟

    الجواب: الذي يظهر أن: (ليس بثقة في حديثه) أنه يدخل عليه الخطأ، وهو لا يدري: كما تقدم لنا أن يحيى بن سعيد القطان يقول: ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث.

    السؤال77 قولهم في الرجل: (حسن الحديث)، هذه المسألة كنت أردت أن أستفسر فيها أكثر، فهم قد ذكروا في كتب المصطلح: أن قول العلماء في الرجل: (حسن الحديث)، و(صالح الحديث) أن هذا من مراتب الاستشهاد، وأنت في مقدمة الكلام قلت: إن هذا يحتج به، وأنا أجد كثيرًا من قول أبي حاتم وغيره: فلان (صالح)، قيل: يحتج به؟ قال: لا، يكتب عنه ولا يحتج به. وكذلك غير أبي حاتم؟

    الجواب: الذي يظهر لي أن من قيل فيه: (حسن الحديث) يحسّن حديثه، وأما من قيل فيه (صالح)، فيصلح في الشواهد والمتابعات، كما في "تدريب الراوي" وقد تقدم أن أبا حاتم لا يرى الحسن حجة.

    السؤال78 عبدالله بن عثمان بن أبي مسلم الخراساني، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: (يعتبر حديثه إذا روى عن غير الضعفاء)، فلماذا يخصص هذا؟

    الجواب: معناه: أنه لا يتحرى في الأخذ.

    السؤال79 قولهم في الرجل: (يستضعف)، هل هو في مرتبة (لين الحديث)؟

    الجواب: الذي يظهر أنه في مرتبة (لين الحديث)، وكلمة: (يستضعف)، أحسن حالاً من كلمة: (ضعيف). والله أعلم.

    السؤال80 أبوداود يشترط أن يروي عن ثقة عنده، كما ذكره الآجري وغيره، هل ذلك في "السنن" خاصة أم في السنن كلها؟ فقد كنت أظن أنه في "السنن" خاصة، حتى قال الحافظ ابن حجر في ترجمة عبدالله بن محمد بن يحيى الخشاب الرملي: (مقبول)، ولم يوثقه أحد، غير أن أبا داود وجماعة رووا عنه، وقال ابن القطان وغيره: (مجهول الحال)، والرجل روى له أبوداود في "المراسيل"؟

    الجواب: أما من حيث الواقع فالذي وجد في "سنن أبي داود" أن فيها روايات عن مجاهيل وعن ضعفاء، بل روى أبوداود في "سننه" حديثًا من أحاديث جابر بن يزيد الجعفي-الظاهر أنه في سجود السهو[17]- وقال: ليس لجابر في كتابي غير هذا، فأبوداود إذا قال بهذا فهو لم يوف بشرطه، فقد قال أبوداود: وما سكتّ عنه فهو صالح. ووجدناه سكت عن أشياء، وجاء الحافظ المنذري وبيّن ضعفها، ثم جاء الحافظ ابن القيم وبيّن ما لم يبينه أبوداود ولا المنذري، ولا يزال المجال مفتوحًا للباحثين في "سنن أبي داود"، وكذلك رواية أبي داود مباشرة عن الشخص لا تكفي، فكم من محدث قيل عنه: إنه لا يروي إلا عن ثقة، ثم تجده قد روى عن ضعيف، وعن مجهول، كما في "الصارم المنكي في الرد على السبكي".

    السؤال81 هل يعني أبوداود في كلمته (صالح) أنه صالح للاحتجاج، أم أنه صالح للشواهد والمتابعات؟

    الجواب: الظاهر أنه عنى هذا وهذا، فمنه ما هو صالح للحجية ومنه ما هو صالح للشواهد والمتابعات، وقد وجدناه سكت عن أحاديث في "الصحيحين"، وأحاديث تصلح في الشواهد والمتابعات، وأحاديث ضعيفة.

    السؤال82 أبوداود إذا وثق مشايخه هل يقبل منه؟

    الجواب: أبوداود كغيره، الراوي إذا وثّق شيخه أيقبل منه أم لا يقبل؟ لا يقبل، لأنه يجوز أن يكون ثقةً عنده، وغير ثقة عند غيره، كما ذكر في "فتح المغيث" عن الأئمة رحمهم الله تعالى، ومنهم من قبل هذا. والصحيح أنه لا يقبل.

    السؤال83 الإمام العراقي عقد مقارنةً بين قول المحدث: (حدثني الثقة)، وبين قوله: (أنا أشترط أن أروي عن ثقة)، فالحافظ العراقي رجح أن الاشتراط، أرجح من قوله: حدثني الثقة، فتعقبه السخاوي رحمه الله تعالى وقال: أبدًا الصورة الثانية أولى، لسبب وهو احتمال أنه اشترط هذا الشرط مؤخرًا، ولم يتميز لنا مشايخه الأولون من المتأخرين، أو يذهل عن القاعدة، ومن هنا رجح أن من قيل فيه: (حدثني الثقة) أولى من الذي يشترط، والحافظ يترجم لمثل هذه المسائل -خاصة الثانية- بمقبول؟

    الجواب: لا أعلم إلا هذا –أي-: أنه مقبول يصلح في الشواهد والمتابعات، ولا يكفي سواءً قال حدثني الثقة، أم قال: أنا لا أروي إلا عن ثقة، فلا بد من البحث عما قال غيره، لأنه يجوز أن يكون ثقةً عنده، ضعيفًا عند غيره كما تقدم.

    السؤال84 إذا قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه في رجل: سألت أبي عنه فقال: (ثقة)، جاء أبوطالب فقال: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: (ضعيف)، هل أرجح رواية ابنه عنه على رواية الآخر لأن ابنه ملازم له، لوجوه الترجيح المعروفة؟ أم أجمع بينهما وأقول: صدوق؟ وأريد أن يكون السؤال أعم من هذا مع بقية العلماء، مثلاً في ابن معين، لو تعارض مثلاً إسحاق بن منصور مع غيره وفلان بن فلان، فإذا كان في هذه المسألة فائدة، فأفدنا بارك الله فيك؟

    الجواب: هذه المسألة ذكرها صاحب "فتح المغيث" ويقول: إنّها تحتمل أمرين: إما أن يكون سئل عنه مقرونًا بحافظ كبير فقال: (ليس بشيء)، أي بالنظر إلى ذلك الحافظ الكبير، وإما أن يكون تغير اجتهاده في الشخص، يقول السخاوي: فينبغي أن ينظر في هذا، وذكر أمثلة لهذا، لرواة سئل عنهم يحيى بن معين مقرونين فضعفهم بالنسبة إلى الحافظ الكبير، وسئل عنهم بمفردهم فوثقهم، هذا، وفي غير النسبي، إما أن يكون تغير اجتهاده، وإما أن يكون بالنسبة إلى غيره، ولا بد أن نعرف حال الثاني، نحن الآن نعرف عبدالله بن أحمد وملازمته لأبيه، فلا بد من معرفة حال الثاني، فقد يكون أوثق ولو لم يلازمه، فالأولى التوقف في هذا الراوي.

    السؤال85 ذكروا قاعدة ابن خزيمة وتلميذه ابن حبان في توثيق المجاهيل، وألحق السخاوي رحمه الله تعالى الدارقطني والبزار أنه يوثق الرجل إذا روى عنه اثنان، فهل الترجمة التي ليس فيها إلا توثيق البزار وتوثيق الدارقطني -وهذا أمر رأيته في "التقريب" ولكن لا أذكر صاحب الترجمة- الرجل وثقة الدارقطني، ومع ذلك الحافظ اعتبره وقال عنه: (مقبول)، فأنا كنت قد كتبت في الحاشية قلت: كيف وقد وثقه الدارقطني؟! ثم لما رجعت وقرأت كلام السخاوي جعل الدارقطني ممن يقول بمقالة ابن حبان وابن خزيمة، فماذا ترى؟

    الجواب: أما البزار فقد عرف تساهله، وأما الدارقطني فيحتاج إلى دراسة والله أعلم. والحاكم متساهل في تصحيح أحاديث المجهولين فقد ذكر في "المستدرك" بعد حديث أبي هريرة: ((من لا يدعو الله يغضب عليه)) قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فإنّ أبا صالح الخوزي، وأبا المليح الفارسي، لم يذكرا بالجرح، إنما هما في عداد المجهولين.

    السؤال86 قولهم في الراوي: (ثقة صحيح الكتاب إلا أن في حفظه لينًا)، ثم وقفت على حديث لم أدر أهو من حفظه أم من كتابه، هل يكون مثل: (ثقة له أوهام)، ويحتج به ما لم يخالف أم ماذا؟

    الجواب: نتوقف إذا كنا لاندري أحدث به من حفظه، أم حدث به من كتابه، وبعض الرواة يذكرون أنه حدثه من كتابه، وإلا فنتوقف فيه، لكن إذا حدث وصححه غيره من المعتبرين ولم ينتقد فهذ يدل على أنه حدث بهذا الحديث من كتابه، والله أعلم.

    السؤال87 في ترجمة عبدالله بن يزيد المخزومي المقرئ، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: ثقة، فقيل له: حجة؟ قال: إذا روى عنه مالك، ويحيى بن أبي كثير، وأسامة فهو حجة، والرجل قد روى عنه غير من ذكر، والسؤال: هل رواية من سماهم أبوحاتم مقدمة عمن دونهم لأنّهم تحملوا عنه زمن الاستقامة؟ غير أنني لم أقف على قول لأحد بأن عبدالله بن يزيد قد اختلط، كونه لم يتكلم فيه أحد باختلاط، والحافظ أبوحاتم يقول: إذا روى عنه فلان وفلان وفلان أحاديثه مستقيمة، ما معنى ذلك؟

    الجواب: معناه: أنّهم ينتقون من أحاديثه ما يظهر لهم ثبوته، والله أعلم.

    السؤال88 الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أحيانًا إذا روى عن الرجل واحد ثقة أو أكثر، نقول مثلاً: ثلاث ثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات" لم يزد، لم يقل: (مستقيم الحديث) أو نحوه، قال: وذكره ابن حبان في "الثقات"، أحيانًا يترجم لهذا الرجل بـ (مقبول) وأحيانًا يترجم له بـ (مستور) أما إذا روى عنه واحد فأحيانًا يترجم لمن هذا حاله بـ (مجهول) وأحيانًا يقول: (مقبول)، فأنا من خلال استقرائي للكلام نظرت ووجدت أن الحافظ يقول للرجل الذي روى عنه واحد وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال عنه: (مقبول)، وجدت أن الرجل الذي روى عنه هذا الراوي أنه من المشاهير، ووجدت أن الذي يقول فيه: (مجهول)، أن الرجل عدل وليس من المشاهير -أي الذي روى عنه- ومثلها في الذي يقول في: (مستور) و(مقبول) فالذي يقول فيه: (مستور) الرواة عنه مشاهير؟

    الجواب: الحافظ نفسه رحمه الله تعالى -كما تقدم- يحتاج في العبارات إلى تتبع في كتابه "تقريب التهذيب" وقد تتبعنا -كما تقدم- عشرة عشرة من بعض الحروف. ونحن قدر تسعة نفر أو عشرة نفر، وأمر كل واحد منا أن يتتبع عشرة ممن قال فيهم الحافظ: (مقبول) فوجدنا بعضهم يستحق رتبة (ثقة)، وبعضهم يستحق رتبة (صدوق) وبعضهم يستحق (مقبولاً) -على اصطلاح الحافظ- وبعضهم يستحق (مجهول الحال)، فلا بد من رجوع إلى "تهذيب التهذيب" و"ميزان الإعتدال" وغيرهما من كتب الرجال ويحكم عليه بما يستحقه.

    السؤال89 أليست رواية المشاهير ترفع من شأن الرجل عن رواية الآخرين، وإن كانوا عدولاً وليسوا بالمشاهير؟

    الجواب: ترفع من شأنه، لكن الحافظ في "التقريب" يحتاج إلى تتبع، فلا يرجع إليه إلا عند العجز.

    السؤال90 قولهم في الرجل: (ثقة)، وقولهم في الرجل: (يحتج به)، أرى أن قولهم (ثقة) أعلى من قولهم: يحتج به، لأنّها تخصيص درجة عليا؟

    الجواب: تختلف عباراتهم، وقد سئل عبدالرحمن بن مهدي عن أبي خلدة وقد حدث عنه، فقيل له: أكان ثقةً؟ فقال: كان صدوقاً وكان مأمونًا، الثقة شعبة وسفيان. كما في مقدمة "الجرح والتعديل".

    والذي يظهر أن الحجة أرفع من ثقة، وينظر في القائل: بعضهم يطلق الثقة على أنزل من حجة.

    وأما (يحتج به) فالظاهر أن ما قلته صحيح، أن (الثقة) أرفع من قولهم: يحتج به لأنه قد يحتج بالثقة وقد يحتج بالصدوق.

    السؤال91 عند تعارض كلام أهل الجرح والتعديل في رجل، فنرجع إلى الجمع والترجيح، فمثلاً من وجوه الترجيح أن أحد الأئمة يكون له المرجع في الكلام على أهل بلد ما، كابن يونس في أهل مصر والمغرب، كما قال الحافظ في ترجمة عبدالرحمن بن عبدالله الغافقي، والمطلوب منكم -بارك الله فيكم- أن توضحوا لي من كان بهذا السبيل في بقية البلدان؟

    الجواب: يقولون: إن بلدي الشخص أعرف به وبحاله، ويقدمونه على غيره، بل الغريب إذا أتى إلى بلد ربما يتزين له المحدث ويحدثه بأحاديث صحاح، فيحكم عليه من ضمنها، كما ذكروا هذا في بعض من يوثقه يحيى بن معين ويضعفه أهل بلده، ويقولون أهل بلده أعرف به، ربما تزين ليحيى بأحاديث وحدثه بها فوثقه يحيى. ومما أذكره الآن دحيم في أهل الشام.

    السؤال92 قال الجريري في عبدالله بن واقد أبي قتادة الحراني قال: (غيره أوثق منه). قال الحافظ: وهذه العبارة يقولها الجريري في الذي يكون شديد الضعف، وأحيانًا أجد غير الجريري يقولها، كما قالها الحربي في عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، فهل له نفس الحكم أم أنه اصطلاح خاص بالجريري لتصريح الحافظ بذلك؟

    الجواب: الذي يظهر أنه اصطلاح خاص بالجريري.

    السؤال93 هل هناك فرق بين قولهم: فلان (يعتبر حديثه)، وفلان (يعتبر بحديثه)؟

    الجواب: فلان (يعتبر حديثه) أي: ينظر فيه، وفلان (يعتبر بحديثه) أي: يصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال94 في كثير من التراجم أجد أن الحافظ ابن حجر لا يبني على ما يذكره ابن خلفون، وابن شاهين في "الثقات" كبير حكم. يقول: ذكره ابن شاهين في "الثقات"، أو ذكره ابن خلفون في "الثقات"، ومع ذلك إذا جاء يترجم له في "التقريب" مثلاً قال: مقبول، فهل هناك في توثيق هؤلاء شيء؟

    الجواب: ابن شاهين أعرف أنه هو نفسه من المتساهلين. وأما ابن خلفون فلا أذكر شيئا، ولكن صنيع الحافظ الذى ذكرته دليل على أنه من المتساهلين.

    السؤال95 قولهم في الرجل: (كان طلابة)، كما قال عيسى بن يونس في عبدالرحمن بن مغرا، هل في منْزلة قولهم: (شيخ) أم بمنْزلة قولهم: (صدوق)؟

    الجواب: الذى يظهر أنّها أرفع من قولهم: (شيخ)، ومعناها أنه كثير الطلب، ونرجع إلى ما تقدم قبل، أنه إذا اشتهر بالطلب وما جرح فإن حديثه يقبل.

    السؤال96 قول يعقوب بن شيبة في عبدالعزيز بن رفيْع: (يقوم حديثه مقام الحجة)، الراجح أنه بمنْزلة صدوق فماذا ترون؟

    الجواب: الذي يظهر أن هذه العبارة تدل على أن المترجم له ثقة، أو أرفع، وعبدالعزيز بن رفيع هو ثقة أو أرفع من ثقة.

    السؤال97 عبدالمتعال بن طالب الأنصاري وثقه ابن معين وغيره، وذكر ابن عدي في "الكامل" أن عثمان الدارمي سأل ابن معين عن حديث عبدالمتعال هذا عن ابن وهب فقال: ليس هذا بشيء، فأجاب الحافظ في "التهذيب" بقوله: وهذا أمر محتمل لا يوجب تضعيف الرجل، وجْه سؤالي: ألا يوجب تضعيفه في هذا الحديث لمّا قال: ليس بشيء؟

    الجواب: الذي يظهر أنه يؤخذ قوله كما هو إذا روى عن ابن وهب ضعّف، وإذا روى عن غيره قبل.

    السؤال98 ما الفرق بين قولهم: فلان (رحّال)، أو (جوّال)، وبين قولهم: (فلان معروف) هل لفظة (رحّال) أو (جوّال) دلالة على الشهرة بالطلب أما العدالة في الدين فمسكوت عنها، وقولهم: (معروف)، أي أنه معروف في دينه، أما في حديثه فلا يعرف، أم أن الجميع بمعنى؟

    الجواب: (رحّال) يكون أشهر، وكذلك (جوال)، وهو يحتاج إلى معرفة العدالة والضبط، و(معروف)، تقدم أنه يصلح في الشواهد والمتابعات إذا لم يوثق. والله أعلم.

    السؤال99 الحافظ ابن حجر ذكر في مقدمة "لسان الميزان" أن الذهبي قال -هو عزاه إلى ترجمة أبان بن يزيد العطار، لكن النسخة التي عندنا ليس فيها هذه الكلمة-: (إذا وضعت علامة صح أمام الترجمة دلالة على أن العمل على توثيقه)، لكن يوجد بعض الناس أصلاً وقع فيهم كلام شديد من العلماء: هذا متروك، هذا يسرق الحديث، هذا كذا، فهل يعتمد على كلمة (صح) هذه أن العمل على توثيقه، أم تحتاج إلى بحث؟

    الجواب: لا بد من نظر، لأن (صح) فيها اجتهاد الحافظ الذهبي رحمه الله، ثم إن هذه النسخ التي بين أيدينا يدخلها التحريف.

    السؤال100 قولهم: فلان (غمزوه)، أو: فلان (مغموز)، هل فيها شيء من الاتّهام؟

    الجواب: الذي يظهر أنه سقط حديثه عن الحجيّة، يستشهد به. مثل ما تقدم لنا: إن شهرًا نزكوه، إن شهرًا نزكوه، إن شهرًا نزكوه، أي: تكلموا فيه.

    السؤال101 قولهم في الرجل: فلان (محله محل الأعراب)، ما معناه؟

    الجواب: معناه أنه ليس من أهل الحديث.

    السؤال102 لكن في ترجمة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قالوا: (إسناد أعرابي) فماذا يعنون؟

    الجواب: يعنون أن حديثهم ليس بالعمدة، على أنه قد اختلف في هذه السلسلة، فمنهم من يحسّنها. ومنهم من يراها أنزل من الحسن، على أن بهزًا قد توبع على أكثر أحاديثه كما في "المسند" وقد اخترت في "الصحيح المسند" و"الجامع الصحيح" طريقاً إلى هذه الصحيفة من غير طريق بهز.

    السؤال103 قول يحيى بن سعيد في الحسن بن صالح بن صالح ابن حي الفقيه قال: (لم يكن بالسّكة)، كان يخرج على الولاة، وقوله أيضًا: (لم يكن بالسّكة مثله)، ما معنى كل منهما، وما الفرق بينهما؟

    الجواب: السّكة كلمة تطلق على الطريق وتطلق على العملة، فالظاهر أنه ما كان خالصًا، لأن به شيئًا من البدعة وهى: الخروج على الأمراء، وأيضًا ترك الجمعة. فمن وثّقه فلصدق لسانه، ومن جرحه فلبدعته. وقوله: (ليس في السكة مثله) أي: ليس يعتمد عليه، والصحيح أنه صدوق اللسان، صاحب بدعة فتقبل روايته التي لم تكن موافقةً لبدعته، وتجتنب بدعته وهو من رجال مسلم.

    السؤال104 قولهم في الرجل: فلان (ليس بمحمود)، هل هو في مرتبة الشواهد والمتابعات أم في مرتبة الرد؟

    الجواب: الذي يظهر من هذه العبارة أنه يصلح في الشواهد والمتابعات. على أنه قول مبهم، فيحتمل أنه مبتدع ويحتمل أنه سيء الحفظ. والله أعلم.

    السؤال105 قول أبي داود في حماد بن يحيى الأبحّ: (يخطئ كما يخطئ الناس)، هل هو بمنْزلة صدوق، ويكون خطؤه محتملاً لروايته الأخرى أو لغير ذلك، ويكون قول أبي داود رافعًا له، أم أنه بمنْزلة (صدوق يخطئ)؟

    الجواب: الذي يظهر أن حديثه ما ينْزل عن الحسن، إلا أن يكون الحديث من أخطائه مثل حديث: ((مثل أمّتى كمثل المطر لا يدرى أوّلها خير أم آخرها))، فهذا الحديث جاء من حديثه وهو من جملة أوهامه، لكن الحديث له طرق أخرى يرتقى بها إلى الحجية.

    السؤال106 في حديث ذكره الحافظ الذهبي في "الميزان" وهو في الصحيح: ((من عادى لي وليًّا)) الحديث، من طريق خالد بن مخلد القطواني، يقول الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في "النهاية": فهذا حديث غريب جدًا، لولا هيبة "الجامع الصحيح" لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرّجه من عدا البخاري، ولا أظنه في "مسند أحمد"، وقد اختلف في عطاء فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار، فماذا تقولون في هذا الحديث؟

    الجواب: الحديث الظاهر أنه صالح للحجيّة، ونقول فيه ما قاله الحافظ الذهبي، وقد ذكر له الحافظ شواهد، وكذلك الشيخ ناصر الدين الألباني.

    السؤال107 قول الحاكم وابن أبي زرعة في خلف بن محمد الخيام قالا: (كتبْنا عنه ونبرأ من عهدته، وإنما كتبنا عنه للاعتبار). فهل في قولهم: (نبرأ من عهدته) شيء من الاتّهام؟ أم أنه في مراتب الاستشهاد كما قالوا: وإنما كتبنا عنه للاعتبار؟

    الجواب: الذي يظهر أنّهما كتبا عنه وليسا متأكدين من ثقته أو جرحه، ولم يعتمدا عليه، وقد أطلقا مثل هذه العبارة، فقد كان ابن خزيمة يقول في عبّاد بن يعقوب الرواجني: حدثني عبّاد بن يعقوب الصدوق في روايته، المتهم في دينه. ثم ترك الرواية عنه، وكذا القاسم السيّاري كان يروي عن محمد بن موسى بن حاتم القاشاني ويقول: (أنا أبرأ إلى الله من عهدته)، فالذي يظهر أن معنى كلامهم: نحن لا نعتمد عليه وكتبنا عنه للنظر في حديثه.

    السؤال108 في ترجمة الربيع بن حبيب المصرى وثقه أحمد وابن معين وابن المديني. وقال الدارقطني: (لا يترك)، قال الذهبي: فقول الدارقطني ليس بتجريح له. أي ليس فيه تجريح له، ومعلوم أن الرجل –أصلاً- إذا قيل فيه: لا يترك ليس معنى ذلك أنه يكون حجة، فأنا أسأل هل هذه العبارة من الدارقطني تعني (ثقة)، أم أنّها بالمعنى المعروف؟

    الجواب: فيها شيء من التجريح وليس تجريحًا مطلقًا -أي عبارة الدارقطني-.

    السؤال109 قولهم في الرجل: (ذهب حديثه)، أجدها غالبًا تقال في المتروك أو المتهم، بمعنى: أنّ الراوي إذا كان كذلك تركه الناس، وتركهم له يؤدي إلى ذهاب حديثه، لكن وقفت على قول ابن المديني في روح بن أسلم الباهلي قال: (ذهب حديثه)، وفسره محمد بن عثمان بن أبي شيبة بأنه ضاع، فهل يحمل قول ابن أبي شيبة على ما سبق، وأن سبب ضياعه سكوت الناس عنه؟ أم أنّها ليست عبارة تجريح؟

    الجواب: المعنى: أنه ترك حديثه إلا أن يفسر بأنه ضاع.

    السؤال110 قولهم في الرجل: (جائز الحديث) أيستشهد به؟

    الجواب: الظاهر أنه يصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال111 قولهم: (فلان يستدل به)، كنت أظن أن أقل أحواله (صدوق) حتى قال أحمد بن حنبل في صالح بن أبي الأخضر: (يستدل به، يعتبر به)، قال ذلك جوابًا عن سؤال: أيحتج به؟

    الجواب: نخشى أن يكون معناها عند قائلها غير معناها عند الإمام أحمد، وإذا أطلقت فالظاهر أنّها بمعنى يصلح للاستدلال بحديثه، أي يكون مقبولاً وهذا عند غير الإمام أحمد، أما هو فقد فسّر قصده أنه يصلح للاعتبار.

    السؤال112 في ترجمة العباس بن الحسن الخضرمي قال أبوعروبة: (كان في رجله خيط)، فما معنى ذلك؟

    الجواب: بعض العبارات لا تعد جرحًا، وهذه العبارة لا أعلم معناها، فقد يكون المجيب متشددًا مثل شعبة عندما سئل عن شخص فقال: رأيته يركض على برذون. ومثل حماد بن سلمة إذ ذكر عنده راو، فامتخط فعدّه من رأوه جرحًا، ويجوز أنّ حمادًا امتخط لأن به مخاطًا. ويجوز أن يكون قول أبي عروبة هروبًا من الجواب -أي حاد عن الجواب-.

    السؤال113 هل هناك فرق بين قولهم: (فلان لا يحتج به)، وقولهم: (فلان لا يجوز الاحتجاج به)؟ لأن الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قال في ترجمة علي بن محمد بن عيسى الخياط: واتّهمه ابن يونس فقال: لا يجوز الاحتجاج به. فهل تحمل الثانية على التهمة؟

    الجواب: الظاهر من التعبير فقط أن قولهم: لا يجوز الاحتجاج به أبلغ في تضعيفه، وأن قائلها متثبت، أكثر من قولهم: (لا يحتج به)، ولا نستطيع أن نحكم على هذه اللفظة أنّها تؤدي إلى معنى (متهم) لأننا لم نطلع على كلام ابن يونس وهو في "تاريخ مصر"، والله أعلم.

    السؤال114 قولهم: (فلان آية من الآيات) أو (فلان آية)، أراهم يطلقونها غالبًا في الحافظ، فهل لها معنًى غير ذلك؟

    الجواب: لا أعلم إلا أنّها تدل على تثبته وعلى منْزلتة الرفيعة.

    السؤال115 في ترجمة القاسم بن داود البغدادي قالوا عنه: (طير غريب) أو (لا وجود له)، انفرد عنه أبوبكر النقاش ذاك التالف، كذا قال في "الميزان"، فهل معنى (طير غريب) أنه مجهول؟

    الجواب: معناه أنه ليس بمعروف، ثم بعد ذلك إما أن يكون ليس بمعروف، أو أنه لا وجود له لأن أبا بكر النقاش هو متكلّم فيه واسمه محمد بن الحسن، وله تفسير اسمه "شفاء الصدور" يقول اللالكائي: ينبغي أن يسمى (شقاء الصدور) بالقاف بدلاً من الفاء -وليس "شفاء الصدور".

    السؤال116 في ترجمة محمد بن السائب الكلبي المفسر النساب الأخباري: قال الثوري: اتقوا الكلبي. قالوا: إنك تحدث عنه. فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه. والسؤال هنا: هل رواية الثوري عنه معتمدة؟ وإذا كانت معتمدة فكيف الجمع بين هذا وبين قولهم: ومن كذب في الرواية مرة فترد رواياته كلها حتى وإن تاب؟

    الجواب: الرواية، هم يروون عن الراوي لأحد أمور ثلاثة: إما للاحتجاج به، وإما لبيان حاله وهو تالف، وإما للنظر في حديثه، فرواية الثوري لا تدل على أن الكلبي ثقة أو أنه يجوز الاحتجاج به، والكلبي أيضًا كذاب لا يجوز الاحتجاج به.

    السؤال117 يجرنا هذا إلى ما ذكروه في إسماعيل بن عبدالله بن عبدالله بن أويس من أنه يكذب -كما في ترجمته من "التهذيب"- ولم يدفع ذلك الحافظ، ولكن حمله على أن ذلك كان في شبيبته، قال: ولعله قد تاب، وهذا يخالف ما ذكرته من أن الذي يكذب في الحديث ترد رواياته كلها، وإن تاب، فكيف الجمع؟

    الجواب: أما إسماعيل بن أبي أويس فالظاهر أنه لم يثبت كذبه، وهو ضعيف، والدليل على أنه لم يثبت كذبه أن البخاري -رحمه الله تعالى- انتقى من حديثه. وقد قيل للبخاري: لم رويت عنه؟ قال أخرج إليّ كتابه فانتقيت منه، وكان إسماعيل بن أبي أويس يفتخر ويقول: هذه الأحاديث انتقاها محمد بن إسماعيل البخاري. يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في ترجمته في "الفتح": فعلى هذا لا يحتج بإسماعيل خارج "صحيح البخاري". ولو كان كذابًا ما جاز للبخاري أن ينتقي من أحاديثه، وأما الضعف فهو ضعيف، والدليل على هذا قول البخاري حيث قيل له: لم رويت عنه؟ فقال: إنني انتقيت من حديثه. وذكرت شيئًا: يقول يحيى بن معين: آل أبي أويس كلهم ضعفاء. فانتقد على يحيى بن معين، حيث إن عبدالحميد بن عبدالله بن أويس أبا بكر هو ثقة، وقد وثّقه يحيى بن معين نفسه، وإسماعيل ضعيف ووالده عبدالله ضعيف، لكنْ أخو إسماعيل عبدالحميد ليس بضعيف بل هو ثقة أو صدوق.

    السؤال118 في ترجمة ابن عائذ الدمشقي قال أبوداود: (هو كما شاء الله)، ففي أي المراتب؟

    الجواب: هذا تليين فيه، ولكن الله أعلم في أي المراتب.

    السؤال119 قولهم في الرجل: (فلان لا يتعمّد الكذب)، وقولهم: (فلان أظرف من أن يكذب)، أرى أن قولهم: (أظرف من أن يكذب) أرفع من قولهم: (لا يتعمّد الكذب)، فماذا ترى؟

    الجواب: الأمر كما قلت، (لا يتعمّد الكذب) معناه أن الكذب يجري على لسانه من غير تعمّد. وبسبب ضعفه في الحديث، وعدم إتقانه لعلم الحديث يجري على لسانه الكذب، أما ذلك الآخر الذي هو: (أظرف من أن يكذب) فليس فيه إثبات الكذب عليه.

    السؤال120 قولهم: (حدّثونا عنه)، هذه عبارة كثيرًا ما يذكرونها، ومن خلال استقرائي لها وجدتّهم يقولونها في: (المتروك) أو (المتهم). يقولون: (حدثونا عنه)، والرجل كل الأقوال فيه سيئة؟

    الجواب: يستفاد تضعيفه من العبارات الأخرى التي ذكرتها، وأما قولهم: (حدثونا عنه) فهي لا تفيد تضعيفه، ولا توثيقه، بل هي إلى تليين أمره أقرب والله أعلم.

    السؤال121 قولهم في الرجل: فلان (كان من الناس)، ما معنى هذا القول؟

    الجواب: الظاهر أن هذه من تلك العبارات التي تقدمت، مثل: (رأيت برجله خيطًا) و(هو مسلم)، وسئل عن آخر فقال: (هو مسلم) أو (ممن يقول: لا إله إلا الله)، فالظاهر أن المسئول يحيد، لأنه قد يحتاج في بعض الأوقات إلى الحيدة، قد يسألون عن شخص يخافون من ضرره أو عن شخص يلتبس أمره، أو غير ذلك، فيقولون مثل هذه العبارات، كعبارة الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في أبي حنيفة، يقول: (فقيه مشهور) وهذه عبارة ما ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة "تقريبه"، فما هو إلا من باب الحيدة، لأن الحنفية كان أمرهم قويًّا، فلم يستطع الحافظ أن يتكلم بما يرى أنه الحقّ، وقبل هذا كان الحنفية في الغالب يأخذون القضاء. ويستطيعون أن ينفّذوا ما يريدون. فالحافظ يقول فيه: (فقيه مشهور)، والله المستعان.

    ولنا بحمد الله كتاب مطبوع بعنوان "نشر الصحيفة في كلام أئمة الجرح والتعديل في أبي حنيفة".

    السؤال122 قولهم: (فلان كان من العوام) أو (فلان من العوام) أهي مثل قولهم: (كان من الناس)؟

    الجواب: قولهم: (من العوام)، يدل على أنه ليس من أهل العلم، ولا من أهل الضبط.

    السؤال123 قولهم: (فلان يأخذ من كل أحد)، وأيضًا: (فلان حاطب ليل)، هل بين هذين القولين فرق؟ وما معنى قول مطين في محمد بن أبي شيبة: (عصا موسى تلقف ما يأفكون)؟

    الجواب: الظاهر أنّها بمعنى واحد، وقول مطين في محمد تحمل على الجرح لأنه يتكلم على محمد بن أبي شيبة، ومحمد يتكلم في مطين، ولا يقبل كلامهما في بعضهما لأنه من كلام الأقران.

    فائدة حول رواية الأقران:

    جرح الأقران أثبت من غيرهم، لأنّهم أعرف بقرنائهم، فهي مقبولة إلا إذا علم أن بينهما تنافسًا وعداوةً سواء لأجل دنيا، أو مناصب، أو خطأ في فهم، ويريد أن يلزم الآخر بخطأ فهمه.

    فينبغي أن تعلم هذا ولا تصغ لقول المبتدعة والحزبيين والديمقراطيين: أن كلام الأقران ليس مقبولاً على الإطلاق.

    السؤال124 أنا لا أعني قول مطين فيه، هل ثابت فيه أم لا، ولكني أريد أن أعرف معنى الكلمة، التي هي: (عصا موسى، تلقف ما يأفكون)؟

    الجواب: معنى الكلمة تؤدي إلى تضعيفه وأنه لا يحتج به وفيها إشارة أيضًا إلى الاتّهام وهي شبيهة بقولهم: (حاطب ليل).

    السؤال125 الأخذ عن كل أحد متى يكون في الرجل عيبًا؟ ومعلوم أن الثوري من الذين يأخذون عن كل أحد؟

    الجواب: إذا كان لا يميّز يكون عيبًا، والثوري ليس متفقًا عليه أنه كان يأخذ عن كل أحد، بل بعضهم يقول: إنه حتى التدليس لا يكثر منه، وإنه متثبت، فهو يعرف ما يكتب. وعليه فإذا كان الشخص يأخذ عن كل أحد ويعرف ما يكتب فلا يضر هذا، لأنه كما تقدم أن قلنا: إنّهم يكتبون عن الشخص لثلاثة أمور: للاحتجاج بحديثه، ولبيان حاله، وللاستشهاد به.

    السؤال126 مسألة زيادة الثقة، أو ما أرسله أحدهم ووصله آخر، فيها بعض الأمور نحتاج إلى تفصيلها، إذا تعارضت الكثرة مع الحفظ فأيهما يرجّح؟ ومنها إذا كان الذي أرسله ثقة، والذي وصله اثنان كل منهما صدوق، هل تقدم الزيادة هنا أم ماذا؟ ومنها: أن الذي أرسل إمام مشهور، لكن الذي وصل إن كان دون الأول في التثبت إلا أن معه قرائن أخرى كملازمته للشيخ أو أنه من أهله، أو أنه صحيح الكتاب وغيرها من المرجحات الأخرى؟

    الجواب: زيادة الثقة من الأمور التي اختلف فيها العلماء ولحذاق الحديث فيها مجال واختلاف، من حيث إن منهم من يقبل زيادة الثقة ويقول: إنه علم ما لم يعلم غيره وحفظ ما لم يحفظ غيره، ومنهم من يردّها، ومنهم من يتوسط فيقبلها إذا لم يخالف من هو أرجح منه، أما إذا خالف من هو أرجح منه فيعد شاذًا، ومن هو أرجح منه سواءً أكان في العدد، أم كان في الضبط، أم غير ذلك، فنأتي بمثال من الأحاديث: حديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان جالسًا في المسْجد فجاء ذلكم الرجل الذي أساء صلاته فقال: السّلام عليك يا رسول الله. قال: ((وعليك السّلام ارجع فصلّ فإنّك لم تصلّ)) هذا الحديث يرويه يحيى بن سعيد القطان، عن عبيدالله، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، فجاء آخرون جمع كثير جدًا وخالفوا يحيى فرووه عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة فلم يذكروا أباه، خالف يحيى جمع كثير، وأراد الدارقطني أن ينتقده ثم هاب أن يوهّم يحيى بن سعيد القطان فقال: لعل الحديث روي على الوجهين.

    فهذه المسألة مسألة اجتهادية، تنظر إلى صفات الرواة وإلى ضبطهم وإلى كثرتهم، فلو تعارض صدوق وصدوق، وثقة وثقة، فإذا لم يحصل لك ترجيح حملت الحديث على الوجهين أنه روي هكذا وهكذا، مثلاً: جاء مرسلاً ومتصلاً تحمله على أن الراوي رواه مرسلاً ومتصلاً، والمرسل صحيح، والمتصل صحيح، أو رواه مرفوعًا وموقوفًا، تحمله على هذا وهذا، إذا لم يظهر الترجيح، وإذا تعارض ثقة وصدوق مع ثقة مثلاً: الثقة أرسل، والثقة والصدوق وصلا الحديث، فيرجّح الثقة والصدوق.

    بقي علينا لو اختلف ثقة حافظ وثقة وصدوق، يعني: هذا في جانب، وهذان في جانب، أيهما يرجّح؟ الظاهر أنه يحمل على الوجهين.

    والمسألة اجتهادية ليس فيها حكم مطّرد، هكذا يقول الحافظ في مقدمة "الفتح" فإن لحذّاق الحديث نظرات إلى زيادة الثقة، فرب زيادة يقبلونها، ورب زيادة يتوقفون فيها أو يردونها.

    السؤال127 الحافظ في بعض التراجم التي يسوقها في "التهذيب" لا يذكر فيها أي قول من التجريح أو التعديل ويترجم لها في "التقريب": صدوق، فهل وقف على أقوال أخرى ولا سيّما أنه يذكر هذا فيمن يشير إليه بتمييز، هل شرطه في التمييز أن يختصر ترجمته في "التهذيب" ووقف على أقوال أخرى في الرجل فذكرها في "التقريب"؟

    الجواب: يحمل هذا على أنه اعتمد على توثيق ابن حبان أو رواية، مثلاً الراوي عنه: حريز بن عثمان، أو الراوي عنه مالك ممن قيل إنه لا يروي إلا عن ثقة، فينظر في الرجال الذين رووا عنه، فلعله اعتمد على شيء من هذا.

    السؤال128 إذا أرسل إمام حافظ مثل: اختلاف شعبة والثوري وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق في حديث: ((لا نكاح إلاّ بوليّ))، رجّحوا رواية إسرائيل قالوا في ذلك: إن شعبة تحمّل الحديث هو والثوري في مجلس واحد، والقصة تعرفونها، لكني أسأل لو أن شعبة خالف إسرائيل في حديث ما في أبي إسحاق، شعبة معلوم، وإسرائيل له مزية في أبي إسحاق؟

    الجواب: إذا لم يظهر الترجيح حمل الحديث على الوجهين، شعبة حافظ متقن ويتثبت، وأبوإسحاق مدلس، وذاك -إسرائيل- أعلم بحديث جده، فإذا لم يظهر الترجيح حمل الحديث على الوجهين.

    الذي أردت أن أقوله: إنّهم لم يرجحوا رواية إسرائيل على سفيان وشعبة، لكون إسرائيل أرجح منهما، رجحوه لترجيحات عدة منها: أن رواية شعبة وسفيان كانت في مجلس واحد، وكانت من باب العرض، هما عرضا على أبي إسحاق: أحدثك أبوبردة كذا وكذا؟ قال: نعم، ومنها أن إسرائيل توبع، تابعه خلق كما ذكره الحاكم -رحمه الله تعالى- في "المستدرك" وكما ذكره الحافظ أيضًا في "النكت على ابن الصلاح".

    السؤال129 معلوم أن من قيل فيه: (ضعيف) أن هذا من جهة حفظه، أما دينه فهو صدوق فيه. فكيف إذا قالوا: (فلان صدوق ضعيف الحفظ) هل يكون في منْزلة (ضعيف) أم في منْزلة: (صدوق سيء الحفظ)؟

    الجواب: يكون في منْزلة وسطى بين (الصدوق) وبين (الضعيف)، ويصلح في الشواهد والمتابعات.

    السؤال130 لو أن رجلاً قيل فيه: ضابط أو حافظ، ذكر السخاوي -رحمه الله تعالى- أن ذلك ليس فيه تعرّض للعدالة، وأننا نحتاح إلى بيان العدالة، هل معنى ذلك أني لا أحتج بحديث رجل هذا وصفه حتى أبحث عن عدالته أو متابع له، على أن عبدالوهاب بن عبداللطيف صاحب الحاشية التي على "التقريب" لما ذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن محمد بن الحارث أنه ثقة حافظ، قال المعلق: يطلق الحافظ عند المتأخرين في باب التعديل على الصدوق غالبًا، قال هذا في "التقريب" (ج1 ص41)؟

    الجواب: الذي أعرفه أن المعلق ليس من المتمكنين في علم الحديث، فنحن نستريح من قوله، لكنه قد وجد حفاظ وهم متهمون مثل محمد بن حميد الرازي فهو حافظ وقد كذّب، وسليمان بن داود الشاذكوني حافظ وقد كذّب، وأبوالفتح الأزدي محمد بن الحسين حافظ كبير وقد اتّهم -وهو صاحب الكلام في الجرح والتعديل- فلفظة: حافظ لا تؤدي بأنه عدل، وهو الصحيح، فيحتاج في من قيل فيه: حافظ إلى إثبات عدالته، العدالة لا تكفي كما تقدم، والحفظ وحده لا يكفي.

    السؤال131 قولهم في الرجل: (فلان ليس كأقوى ما يكون)، ففي أي منْزلة؟

    الجواب: الظاهر أنه يكون بمنْزلة (ثقة) أو (صدوق) المهم أنه يقبل حديثه.

    السؤال132 الشيخ الألباني حفظه الله تعالى في قولهم في الرجل: فلان (ليس بثقة)، وفلان (ليس بالثقة)، وفلان (ليس بقويّ)، وفلان (ليس بالقوى)، يفرّق بين هذه العبارات؟

    الجواب: نعم هناك فرق بين هذه العبارات، فهي تتفاوت، (ليس بالثقة) أي: الثقة العالي الرفيع، و(ليس بالقوي) كذلك، و(ليس بالثقة) و(ليس بالقوي) أعلى و(ليس بثقة) و(ليس بقويّ) أدنى، والذي يظهر من قولهم: (ليس بالثقة) أنه يكون مردودًا، لكن ليس بمنْزلة (ليس بثقة)، و(ليس بالقوي) و(ليس بقويّ) الظاهر أن كليهما يصلح في الشواهد والمتابعات، لكن (ليس بالقوي) أرفع، فالضعف يتفاوت كما أن التعديل يتفاوت.

    السؤال133 قولهم في الرجل: فلان (ثقيل البدن)، يقصدون بذلك العبادة أم ماذا؟

    الجواب: الله أعلم.

    السؤال134 لو قال البخاري في رجل: (حديثه ليس بالمعروف)، هل يكون بمنْزلة قوله: (منكر الحديث) لأنه قال في ترجمة أيوب بن واقد الكوفي: (حديثه ليس بالمعروف، منكر الحديث)؟

    الجواب: هذا مفسّر له، وإلا فالذي يظهر أن: (ليس بالمعروف) أرفع قليلاً من منكر. والله أعلم.[18]

    السؤال135 قولهم: فلان (على شرط الصحيح)، يكون من باب ثقة ثبت أم من باب ثقة؟ لأنه كما هو معلوم في شروط الصحيح مع توثيق رجاله، سلامته من الشذوذ والعلة، والسلامة من الشذوذ والعلة تحتاج إلى مزيد ضبط، فماذا ترون؟

    الجواب: الظاهر أنّهم يعنون: أنه ثقة يصح حديثه. والله أعلم.

    السؤال136 قولهم في الرجل: فلان (ثقة وليس من الأثبات)، أيكون بمنْزلة صدوق أم دونها؟

    الجواب: التوثيق نفسه يتفاوت، فالذي يظهر أنه يصح حديثه لأنه ممكن أن يقال فيه: ثقة ثبت، أو ثقة حافظ، أو أوثق الناس. فيكون هذا في رتبة ثقة وأرفع من صدوق.

    السؤال137 قولهم في الرجل: (أحاديثه مستقيمة) أو (مستوية)، وأحيانًا يقولون: فلان (حديثه متماسك)، وفلان (حديثه قائم) فهل بين هذه العبارات من فرق؟

    الجواب: الذي يظهر أن مستقيمة تقبل وكذلك مستوية، أما متماسك فهو إلى الضعف أقرب، وكذلك قائم. والله أعلم.

    السؤال138 إذا ذكروا إسنادًا وقالوا: وسوّاه فلان، ماذا يعنون؟

    الجواب: يقولون: وسوّاه فلان، وجوّده فلان، بمعنى: أن ظاهره قبل أن يرويه به علة، إما من أجل الانقطاع، أو غيره، ثم إنه أزال تلك العلة وهو أيضًا يحتاج إلى نظر، فإذا قالوا: سوّاه فلان وجوّده فلان فهو إلى الريبة أقرب، فينبغي أن تنظر فيه.

    السؤال139 إذا أردت أن أبحث عن حديث لأعرف صحته من ضعفه، فنجد الشيخ الألباني في بعض التحقيقات يقول: وقد وقعت على إسناد في المخطوط الفلاني في المكتب الفلاني، فإذا أردت أن أصحح حديثًا أو أبحث عنه وليس في يدي شيء من المخطوطات فكيف أبحث؟

    الجواب: تقدم أن قلنا: إذا استطعت أن تقف على المراجع وتقف على الحقيقة بنفسك، فما راء كمن سمع، وليس الخبر كالمعاينة. وإذا لم تستطع نقلت من كتاب الشيخ -حفظه الله تعالى- وعزوته إليه.

    السؤال140 سؤال أخينا في غير النقطة التي تكلمنا فيها سابقًا، أخونا يقصد مثلاً: لو أني أحقق الآن كتابًا والمراجع عندي محدودة، الألباني حفظه الله تعالى عنده من المخطوطات وعنده من القدرة، يعني يده طويلة تستطيع أن تلقى كتبًا كثيرة، مثلا أخونا يحقق في "مسند الشافعي" في مكتبتنا هذه على هيئتها التي تراها، هل له أن يفعل ذلك أم نقول له: هناك طرق أنت لا تطلع عليها فيجب عليك أن تقف؟

    الجواب: أنت تحكم على السند بموجب ما عندك، وإذا رأيت كلامًا للشيخ ناصر الدين الألباني، ونقل من مراجع ليست بمتناولك لك أن تنقل من كتابه وتعزو الكلام إليه.

    فإذا صبر طالب العلم وإن كانت مكتبته صغيرة وتجلد ونظر إن كان الحديث يتعلق بالأحكام، رجع إلى كتب الأحكام، وإن كان يتعلق بالعقيدة، رجع إلى كتب العقيدة، وإذا كان يتعلق بالترغيب والترهيب، رجع إلى كتب الترغيب والترهيب الموجودة في مكتبته، فربما يجد هذه الطرق في مكتبته، وإذا كانت المكتبة صغيرة فهي تحتاج إلى جهد أكثر، ومراجعة لمظان الحديث، لكن إذا كانت المكتبة كبيرة، فرب حديث قد استوعب العلماء المتقدمون طرقه، فيسهل بل ربما أفردوه بالتأليف.

    السؤال141 هل يمكن للشخص خاصة إذا قرأ في المصطلح "الباعث" و"التدريب" مثلاً، هل له أن يدرب نفسه على تحقيق كتاب، وإذا انتهى من تحقيقه يرسله مثلاً إليكم؟

    الجواب: هذا يفعله إخواننا، ويمكن أن تدربوا أنفسكم على هذا فيستشار في أي شيء يكتب، فالكاتب لا بد أن يعرف في أي شيء يكتب. هم يقولون: المؤلف لا بد أن ينظر المسألة التي سيؤلف فيها، فربما تكتب كتابًا وتجد بعد أيام عالمًا من العلماء الكبار قد سبقك وجمع أضعاف ما جمعت، إذًا أتعبت نفسك، ولا يلتفت إلى كتابك إلا أنك تستفيد من التمرين، فلا بد من أن يستشير الشخص إخوانه في أي شيء يكتب، ثم إذا كان قد كتب، وقد أتعب نفسه، يستمر حتى ولو قالوا له: فلان قد كتب في هذا الموضوع ينبغي أن يكون لديه إقدام.

    السؤال142 في ترجمة ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي، قالوا في ترجمته: (ثقة، ثبت، رمي بالقدر)، قال ابن القطان: كان ثور إذا حدثني عن رجل قلت له: أنت أكبر أم هو؟ فإذا قال: هو أكبر كتبت عنه، وإذا قال: أنا أكبر لم أكتب عنه، لم يظهر لي وجه كلام ابن القطان؟

    الجواب: الأمر فيه سهل، معناه: أنه إذا روى عن أصغر منه كأنه يستنكف أن يروي عن أصغر منه، فربما يكون بينه وبينه واسطة، فحذف الواسطة، لكن إذا روى عن أكبر منه فهو لا يروي عن أكبر منه إلا إذا قد سمعه منه، وهناك احتمال آخر بالنسبة للأصغر إضافة إلى احتمال أن يكون بينهما واسطة وهو: أنه ما أتقن حديثه.

    السؤال143 قولهم في الرجل: فلان (لو لم يحدث لكان خيرًا له) هل هذا فيه تهمة؟

    الجواب: مثل قول بعضهم في: أسد بن موسى: لو لم يؤلف لكان خيرًا له، وكذلك أيضًا قولهم: لو لم يحدث لكان خيرًا له، يدل على أنه حصل منه تخليط.

    السؤال144 كلمة قالها ابن المديني في خليفة بن خياط الملقب بشباب، قال: (في دار شباب ابن خياط شجر يحمل الحديث)، هل معنى ذلك أنه مغفل لا يدري ما الحديث؟ أم ماذا يعني ابن المديني بذلك؟

    الجواب: الله أعلم.

    السؤال145 قول البخاري في درست بن زياد العنبري: (حديثه ليس بالقديم)، هل معنى ذلك أنه ألحق في حديثه ما لم يسمعه أم أنّها تصحيف من قولهم: فلان (ليس حديثه بالقائم)؟ وهل معنى قولهم: (حديثه ليس بالقائم) أنه مضطرب غير متماسك؟

    الجواب: يحتمل أحد أمرين: إما أن يكون معناه: ليس بالقديم، أي: أنه حدث بما لم يسمع، أو أنه يروي عمن هو أنزل منه، أو أن يلحق في كتبه ما لم يسمع. وقولهم: فلان (حديثه ليس بالقائم) الظاهر، أنّها مثل قولهم: فلان حديثه غير متماسك، والله أعلم.

    السؤال146 قول غير الحافظ ابن حجر مثل ما قاله الطحاوي ومثل ما قاله البيهقي في بعض الرواة: فلان (مقبول) هل يكون بمعنى صدوق؟

    الجواب: الظاهر أن معناه أنه يحتج به، وهو أعم من الثقة والصدوق.

    السؤال147 قولهم في الرجل: (كأن أحاديثه فوائد)، هل ذلك لعزّتها وقلتها، أم لجودتها وقوتها؟

    الجواب: الظاهر أنه لجودتها وقوتها، والله أعلم.

    السؤال148 ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى: أن العنعنة التي لم تأت لها طرق أخرى مصرحة بالسماع، تكون في الشواهد لا الاحتجاج، فما مدى الصواب في ذلك؟

    الجواب: العنعنة في "الصحيحين" محمولة على السماع، لماذا؟ لأن صاحبي "الصحيح" حافظان كبيران يعرفان ما سمعه المحدث من شيخه وما دلس فيه ولم يسمعه، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، وقال ابن دقيق العيد بعد أن ذكر قولهم هذا -كما في "فتح المغيث"-: وفي النفس منه شيء. وقال الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في ترجمة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس بعد أن ذكر جملةً من الأحاديث وقد عنعن فيها وهي في "صحيح مسلم" قال: وله غير ذلك، وفي النفس منها شيء.

    فمن تردد فيما عنعن فيه المدلس -وأعني بالمدلس الذي هو من الطبقة الثالثة، والطبقة الرابعة، وهكذا الطبقة الخامسة، وإن كانت الخامسة اجتمع مع التدليس ضعف، أما الطبقة الأولى والثانية فإن العلماء تسامحوا في عنعنتهما، والذي ينبغي أن يصار إليه أنّها محمولة على السماع، إلا إذا ظهر أو أقام برهانًا حافظ من الحفاظ أنه لم يسمع ذلك الحديث، فيصار إليه. والله أعلم. وكذلك فعنعنة غير المدلس عمن قد سمع منه محمولة على السماع.

    السؤال149 "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر، هل يعمل بها؟

    الجواب: طبقات المدلسين للحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- اجتهاد منه، وفي الغالب أن اجتهادات الحافظ ابن حجر، واجتهادات غيره من الحفاظ أسدّ من اجتهاداتنا، فلست ملزما بها، لكن إذا عجز الشخص ولم يستطع أن يميز بين أقوال أهل العلم، فلا بأس أن يأخذ بها، وقد نوع الحافظ ابن حجر في بعضهم، فالزهري عدّه من الطبقة الثالثة، وهي من الطبقات التي تضر عنعنتها، ونازعه الصنعاني في "توضيح الأفكار" وقال: ينبغي أن يعدّ من الطبقة الثانية. فهذا اجتهاد من الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-، وإذا رأيت خلاف هذا عن اجتهاد وفهم فلا بأس بذلك.

    السؤال150 بقية المسألة التي سألت من أجلها: أن ابن حجر يقول هذا في الشواهد، ويقول: إذا بحثت عن عنعنة ولم تجد لها تصريحًا من طريق أخرى فهذا في الشواهد، لا يوجد في الاحتجاج، أو في الأصول، هل هذا الكلام صحيح؟

    الجواب: الظاهر أنه ليس مطردًا، والحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري" يحرص كل الحرص إذا مر الحديث من طريق مدلس أن يلتمس فيه طريقًا أخرى قد صرح فيها بالتحديث، ومما أذكره الآن سبب نزول قوله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء فلنولّينك قبلةً ترضاها[19]} فإنه من طريق أبي إسحاق عن البراء، وأبوإسحاق مدلس، قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: وقد صرح أبوإسحاق بالتحديث في التفسير فأمنا من تدليسه، فهو يحرص على بيان سماع المدلس وربما لا يجد، فهذا ليس مطردًا والله أعلم.

    وقد تقدم أن عنعنة غير المدلس عمن قد سمع منه محمولة على السماع.

    السؤال151 قولهم في تعارض الجرح والتعديل: لا بد أن يكون الجرح مفسّرًا كما قال الحافظ ابن حجر، أريد أن أقف على بعض الألفاظ التي تكون مفسرة، مثلا قولهم: (ليس بقويّ) و(لا يحتج به)، و(صدوق يهم)، و(منكر الحديث)، و(مضطرب)، أهذا جرح مفسر أم يحتاج مثلاً (صدوق يهم) أن يقال: وهم في حديث فلان أو في شيخ فلان، واختلف على فلان واختلف عليه فلان، لا بد من التصريح بهذا أم يكفي مثلاً: صدوق يهم، ويكون هذا الكلام جرحًا مفسرًا؟

    الجواب: (صدوق يهم) جرح مفسر، و(ليس بالقوي) جرح غير مفسر، و(ضعيف) جرح ليس مفسرًا، و(سيء الحفظ) جرح مفسر، و(منكر الحديث) جرح مفسر، و(مضطرب الحديث) كذلك جرح مفسر.

    السؤال152 قولهم: فلان (عالي الإسناد) تحتمل عندي أن الرجل إذا كان مشهورًا بالعدالة فهو مدح دال على الرحلة والطلب، وإن كان في غير ذلك فهو دال على التدليس أو الكذب أو السرقة، فماذا ترى؟

    الجواب: الذي يظهر أنّها بمعنى: أنه عمّر، وأنه أدرك من المتقدمين ما لم يدركه غيره، وبمعنى أنه بكر بالطلب وسمع من مشايخ لم يسمع منهم غيره من معاصريه، ومن أمثلة ذلك أن الدارمي وهو: عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد هو معاصر للبخاري، فسمع من يزيد بن هارون يقول الحافظ: ولو بكّر البخاري في الطلب لسمع من يزيد بن هارون، وإن بعض معاصري الإمام البخاري من مشايخ الإمام البخاري كالإمام أحمد سمع من عبدالرزاق، يقول الإمام الحافظ ابن حجر: ولو بكر الإمام البخاري في الرحلة لسمع من عبدالرزاق، بل يذكر الخطيب البغدادي أن محدثًا سمع منه البخاري عن عبدالرزاق، فأراد البخاري أن يرحل إلى عبدالرزاق فتحايل ذلكم الرجل على البخاري وقال: إن عبدالرزاق قد مات ولم يمت عبدالرزاق، من أجل أن يسمع البخاري منه فإنه يعدّ شرفًا له إذا سمع منه البخاري عن عبدالرزاق وهو أيضًا يعدّ كذّابًا، فمن بكر في الطلب سمع من شيوخ لم يسمع منهم بعض معاصريه. فالذي يظهر أنّهم يتنافسون في العلو ويجعلونه منقبة، بل الإمام أحمد يقول: طلب العلو سنة، ويحيى بن معين عند أن حضرته الوفاة كما في "مختصر مقدمة ابن الصلاح لابن كثير" قيل له: أي شيء أحب إليك؟ قال: بيت خال وسند عال، فهم يتنافسون في العلو.

    السؤال153 حول زيادة الثقة جعلوا محل النّزاع من دون الصحابة، لما تكلموا في زيادة الثقة ومتى تكون شاذة ومتى لا تكون؟ قالوا: هذا في التابعي ومن دونه، أما في الصحابي فحتى لو اختلفوا، وقال السخاوي: زياداتهم مقبولة بالاتفاق، وكذا قال الصنعاني -رحمه الله تعالى- ولست أدري ما وجه الفرق، على أن ابن الوزير رحمه الله تعالى لما أراد أن يستدل على شذوذ رواية من خالف الجماعة استدل بحديث ذي اليدين وهو صحابي، وإن كانوا رضي الله عنهم كلّهم عدولاً إلا أنّهم ليسوا سواء إن لم يكن في العدالة ففي الملازمة وطول الصحبة والفقه، وغير ذلك من المرجّحات، فماذا تقولون؟

    الجواب: أما هذا فله مسوغ، قبول زيادة الصحابي لها مسوغ، الدليل على هذا ما جاء من حديث جابر بن سمرة أن النبيصلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنه سيكون اثنا عشرة خليفةً، قال: فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلمة خفيفة لم أسمعها فاستفهمت من أبي، يعني فقد يكون الشخص في المجلس وهذا يسمع الكلام، وذاك لا يسمعه، وهذا أمر معروف حتى في مجالس طلبة العلم وغيرهم، وربما ينقطع به المجلس، فقد جاء في "الصحيح" عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كان الله على العرش ولم يكن قبله شيء)) أو بهذا المعنى، قال: فقيل لي: يا عمران أدرك ناقتك، قال: فنظرت فإذا هي يقطع دونها السراب، قال ووددت أني تركتها، فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديثه وعمران بن حصين قام لحاجته، وما ود أنه تركها إلا من أجل أن لا يفوته بقية حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    حديث ثالث: أن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من قال: لا إله إلا الله فله من الأجر كذا وكذا)) فقال: فقلت: بخ بخ -أو بهذا المعنى، والحديث في مسلم - فقال عمر: الذى فاتك أعجب، قال ما هو؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنّة الثّمانية يدخل من أيّها شاء)).

    والأدلة على هذا متكاثرة أن الشخص ربما يسمع الكلمة، وربما يقوم من المجلس، وربما يروي شيئاً مستقلاً، والله المستعان.

    السؤال154 هذه الأدلة التي استدل بها الخطيب على قبول زيادة الثقة من التابعي ومن غير التابعي كما في "الكفاية" لكن أنا أسأل: لم خصص الصحابي بأن زيادته مقبولة حتى وإن خالف الجماعة، ومعروف حديث ذي اليدين لما قال: يا رسول الله أقصرت الصّلاة أم نسيت؟ فقال: ((لم تقصر، ولم أنس)) قال: فإنّما صلّيت ركعتين فقال: ((أكما يقول ذو اليدين))؟ فقالوا: نعم. فمن هذا استدل ابن الوزير على أنه حتى الصحابي، هو ما صرح بهذا لكنه نفس دليلي في الصحابي؟

    الجواب: ينضم إلى ما ذكر عدالة الصحابة، وأيضًا ممكن أن الصحابي يسمع ما لم يسمع غيره. أما فيما بعد فقد كانوا حريصين، ذاك يكتب وذاك كذا، وإذا لم يفهم الكلمة استفهم غيره، والله المستعان، والذي يظهر لأجل التحري بهذا، ولأجل هذه الأدلة والله المستعان.

    السؤال155 في تفصيل زيادة الثقة ذكر ابن حجر -رحمه الله تعالى- وابن الصلاح وغيرهما أن زيادة الثقة على ثلاث مراتب، وقال: ننظر إذا وقعت ما هي فيه أو أنّها مخالفة لما هي فيه أو أنّها لم تخالف لكن خالفت غير الذي سيقت فيه، ساق على هذا تفصيلاً ذكره الأرناؤوط في تحقيقه "لجامع الأصول"، يقول: إذا كان يمكن الجمع بين الزيادة وبين الأصل عن طريق الجمع المعروف بالأصول: المطلق والمقيد والعموم والخصوص، فلا مانع، وبهذا يمكن أن يجمع بين كثير من الزيادات، ولا يدّعى الشذوذ؟

    الجواب: هم يشترطون في رد الزيادة أن تكون منافية، لكن الذي يظهر أن الزيادة نفسها -كون أنّها زيادة- تنافي، من الأمثلة على هذا الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي موسى وفيه زيادة في بيان كيفية الصلاة: ((إذا قرأ فأنصتوا)) فالإمام الدارقطني ينتقد هذه الزيادة ويقول: إنه تفرد بها سليمان التيمي، ويوافقه النووي رحمه الله تعالى على هذا ويقول: إن الحفاظ -إشارة إلى جمع، إضافة إلى الدارقطني- ضعفوا هذه الزيادة. فالذي يظهر أن الزيادة بمجردها تعتبر منافاة.

    السؤال156 قول ابن معين -رحمه الله تعالى- في سهيل بن عبدالعزيز قال: (لا يجوز في الضحايا)، والذي يظهر لي أن ذلك العيب فيه كما أن الأضحية إذا كانت معيبةً لا يضحّى بها، لكن العيوب متفاوتة، فهل يكون قوله هنا بمعنى (ضعيف) أم بمعنى (ليس بشيء)؟ مع العلم أن هذه الأقوال الثلاثة قالها ابن معين نفسه في هذا الرجل؟

    الجواب: يحمل (ليس بشيء) على (ضعيف)، و(ضعيف) عند ابن معين معناه: ليس بثقة، وقوله: (لا يجوز في الضحايا) تحمل على أنه ليس بثقة.

    السؤال157 بالنسبة لموافقة النووي والبيهقي أيضًا للدارقطني في نقد زيادة أبي موسى، البعض يقول: النووي شافعي المذهب فما وافق الدارقطني إلا لأنّها لا تخالف مذهبه، فهل وجدته أنه كثيرًا ما يغلب عليه التمذهب أو يقول باصطلاح المذهب؟

    الجواب: البيهقي والنووي محدثان شافعيان، فإذا رجحا شيئًا يوافق المذهب الشافعي نظرت، هما محدثان لا يتعصبان للمذهب، لكن ربما أن الألفة والعادة والذي استمر عليه الشخص ينْزلق بسببه، فإذا وجدته يدافع عن مذهب شافعي فتثبت منه، ومثال لميلان النووي إلى المذهب: بوّب النووي في "صحيح مسلم": باب وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت الصدر، ثم قال: هذا مذهبنا المشهور، وبه قال الجمهور.

    قوله: (تحت الصدر) مخالف لظاهر الحديث، فإن الحديث هو (على الصدر) كما رواه ابن خزيمة. وليس بالمفهوم ولا بالمنطوق في "صحيح مسلم" الذي بوب عليه؛ أنّها تكون تحت الصدر، بل في "صحيح مسلم" عن وائل: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلّي واضعًا يده اليمنى على يده اليسرى) ولم يحدد محلها، فحددها الإمام النووي.

    السؤال158 قال ابن جريج إذا قلت: (قال عطاء)، فهو محمول على السماع كما في ترجمته، واختلف في قوله: (عن عطاء) وما جرى مجراها، قال: الظاهر عندي أن (عن) تأخذ حكم (قال) بأنّها تحمل على الاتصال. ابن جريج إذا قال: عن عطاء تحمل على الاتصال كما لو قال: (قال عطاء)، هل هذا عليه العمل؟

    الجواب: الظاهر هو هذا، أنه إذا حدث عن عطاء بأي صيغة تكون محمولة على السماع. والله أعلم.

    السؤال159 الألباني في "السلسلة الصحيحة" في حديث: ((إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق )) ذكر له طرقًا وحسن الإسناد، وله طريق حسن الإسناد، وله شاهد مرسل حسن، قال: فالحديث صحيح. فهل القول بصحة ما هذا سبيله صواب؟

    الجواب: يحتمل أن يكون صحيحًا لغيره، وأن يكون جيدًا، و(جيد) هي رتبة بين الصحة وبين الحسن.

    السؤال160 وأيضًا في حديث آخر قال رجل: (حدثنا أصحاب لنا)، فهل هذا الجمع يجبر الجهالة إلى درجة الحكم بالصحة أم بالحسن؟

    الجواب: الذي يظهر أنه لا بد أن يبين، فإذا قال: (أصحاب لنا) فإنه يحتمل أن يكونوا ثقات، وأن يكونوا غير ثقات. والله أعلم.

    السؤال161 وإن كانوا غير ثقات بمعنى أنّهم ضعفاء في حفظهم أليس ينجبر بالجمع؟

    الجواب: إذا كانوا هكذا، ينجبر، لكن يحتمل أن يكون فيهم ضعفاء، وأن يكون فيهم كذابون، وأن يكونوا مجاهيل. فيتوقف فيه. وأنا لا أعلم حديثًا في "الصحيحين" فيه: (حدثنا أصحاب لنا) سواء كان في وسط السند أم في أوله، فينظر هذا، اللهم إلا أن يكون معلقاً على أنه قد جاء في البخاري أشعث بن غرقدة قال سمعت الحي يتحدثون عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعطاه دينارًا ليشتري له شاةً. الحديث

    السؤال162 ذكر الألباني حفظه الله في الحديث رقم (207) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يغيّر الاسم القبيح إلى الحسن، وذكر أنه من طريق عمر بن علي المقدمي، وعمر هذا هو في نفسه ثقة، لكنه كان يدلس تدليسًا سيئًا جدًا -ورجعت إلى " التهذيب" فوجدت أن تدليسه تدليس السكوت- قال الشيخ الألباني: لا يعتد بحديثه حتى ولو صرح بالتحديث. ثم ساق للحديث طرقًا أخرى، فهل من يدلس تدليس القطع، أو تدليس السكوت، لا يقبل حديثه وإن صرح بالتحديث؟

    الجواب: يتوقف في حديثه إلا أن يقبله الحفاظ[20]، أو صحح حديثه حافظ من الحفاظ، وإلا فيتوقف فيه، هذا مع تصريحه بالتحديث.

    السؤال163 ذكر الشيخ الألباني حفظه الله تعالى أن مستوري التابعين الذين روى عنهم جماعة من الثقات يحتج بحديثهم ما لم يظهر خطؤهم، قال هذا في الحديث رقم (253) في "السلسلة"، وسبقه ابن الصلاح فقال: إن الذين تقادم العهد بهم و لم يذكرهم أحد بجرح أو تعديل يجب أن يكون العمل على الاحتجاج بحديثهم. فما صحة ذلك مع مراعاة الشروط التي وضعها العلماء لما يحتج به من الأحاديث؟

    الجواب: الظاهر أن هذا اختيار ابن كثير والذهبي، وقد استدلوا بحديث: ((خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم )) والحديث لا شاهد فيه، لأنه لو قيل به فالتابعون وتابعو التابعين يشملهم هذا فمن بعدهم، إلى عصر الإمام البخاري رحمه الله تعالى، فهذا كلام لا تطمئن إليه النفس، والله أعلم.

    السؤال164 الرجل إذا لم يكن فيه إلا قولهم: (كان أعقل أهل زمانه) كما قال أبوداود في خالد بن عبدالله بن حسين: (كان أعقل أهل زمانه) ففي أي المراتب؟

    الجواب: هذه اللفظة بمفردها لا تدل على أنه ثقة، ويستأنس بحديثه، فيحيى بن أكثم كان من أعقل أهل زمانه، وكان داهيةً ومع هذا فهو متكلم فيه، فهي نفسها لا تدل على أنه ثقة.

    السؤال165 في "السلسلة الصحيحة" الحديث رقم (401) ((إذا قمت إلى صلاتك فصلّ صلاة مودّع)) نقل الشيخ الألباني عن السندي قوله: لكن كون الحديث من أوجز الكلمات، وأجمعها للحكمة، يدل على قربه للثبوت. فهل كون الكلام بليغًا ومثل هذه الأمور يجعل حافظًا أو عالمًا من علماء الجرح والتعديل أو النقد أو التحقيق يحكم على الحديث بالثبوت أم أن هذه قرينة من قرائن الترجيح في مثل هذه المسائل؟

    الجواب: هو لا يدل، هذه الألفاظ ربما تكون حكمًا أو من كلام أهل العلم، والعلماء أنفسهم ربما يشمّون منه رائحة الثبوت، مثل حديث: ((ازهد في الدّنيا يحبّك الله، وازهد عمّا في أيدي النّاس يحبّك النّاس ))يقول بعضهم: عليه نور النبوة، مع أنه ضعيف وإن حسّنه الشيخ حفظه الله تعالى، وعلى كل فلا بد من السند المستجمع لشروط القبول.

    السؤال166 الحديث رقم (468) أيضًا في "السلسلة الصحيحة": ((أكثروا من شهادة أن لا إله إلاّ الله)) -نسأل الله أن يجعلنا من أهلها- قال الشيخ الألباني: رمز المناوي رحمه الله تعالى لضعفه، وتقدمه العراقي مبيّنًا لعلته، قال: فيه موسى بن وردان مختلف فيه، قال الشيخ الألباني: وفي هذا الكلام نظر من وجوه: أولاً: أن العراقي قال في ابن وردان: مختلف فيه، ليس نصًا في تضعيفه، بل هو إلى تقويته أقرب منه إلى تضعيفه، لأن المعهود في استعمالهم لهذه العبارة: (مختلف فيه) أنّهم لا يريدون به التضعيف، بل يشيرون بذلك إلى أن حديثه حسن، أو على الأقل قريب من الحسن، ولا يريدون تضعيفه مطلقًا، لأن من طبيعة الحديث الحسن أن يكون في راويه اختلاف وإلا كان صحيحًا. والسؤال مني ليس في نفيه الضعف المطلق، ولكن في جعْل هذه العبارة إشارةً إلى حسن حديثه، وهي مذكورة في مراتب التجريح المعتبرة في الشواهد، وكون رجال الحسن فيهم اختلاف لكن يعبرون عنه بقولهم: (صدوق أو لا بأس به) لا بقولهم: (مختلف فيه) فما هو الصواب؟

    الجواب: الأمر كما قلت، فالذي فهمته أنت هو الذي فهمته أنا، أنّ قول المحدث: (مختلف فيه) بمعنى أن منهم من يوثّقه، ومنهم من يضعّفه، ويحتاج إلى نظر في كلام من وثقه أهو أرجح، أم من ضعّفه أرجح، فما يوحي بأنه حسن، ولا بأنه أنزل من حسن، و(مختلف فيه) و(متكلم فيه) محتاج إلى أن يقف الشخص على كلامهم، فينظر الشخص هل الراجح قبوله أم الراجح ضعفه؟ فلا بد من الوقوف على عباراتهم فإن لم يتيسر الوقوف على عباراتهم توقف، والشيخ حفظه الله تعالى يقول في شهر بن حوشب، وأبي جعفر الرازي وغيرهما مختلف فيه والراجح ضعفه.

    السؤال167 بالأمس ونحن نسأل قلت: إن هناك فرقًا بين قولهم في الرجل: (تغير في آخره) أو (اختلط)، لكن قلت: إن الذي يقال فيه: (تغير بآخره) أنه يحتج به، وأنه من باب الحسن لذاته، وهذا الشيخ الألباني في الحديث رقم (518) من "السلسلة الصحيحة" قال في حديث: ((إنّ الله عزّ وجلّ لم ينْزل داءً إلاّ أنزل له شفاءً)) الحديث، قال: فيه أبوقلابة عبدالملك بن محمد الرقاشي، قال عنه الحافظ: صدوق يخطئ، تغير حفظه، فقال الشيخ الألباني فمثله يحتج به إذا وافق غيره، أما إذا خالف أو تفرد، فلا.

    الجواب: الذي أعرفه أنه إذا كان مما أخطأ فيه ينظر، لأن الحافظ الذهبي ذكر في "ميزان الاعتدال" في ترجمة هشام بن عروة أنه تغير بآخره قال: أي خفّ حفظه وضبطه، ثم ذكر أن ابن القطان قال: (اختلط)، وأنكر غاية الإنكار على قوله بأنه (اختلط)، فالذي يظهر أنه إذا قالوا: (تغير) ينظر أهذا الحديث مما حدث به في حال تغيره، أو مما وهم فيه بسبب تغيره، وإلا قبل.

    السؤال168 قولهم في الرجل: فلان (على شرط الستة)، ماذا يعنون؟

    الجواب: إذا كان من المتأخرين فيظهر أنه يعني أصحاب الأمهات الست، وإن كان من المتقدمين فلا أعرف، وشرط أصحاب الأمهات الست مختلف.

    السؤال169 عند أن سألتك عن المدلس تدليس السكوت وقلت: نرجع إلى ترجمة عمر بن علي المقدمي، فننظر من الذي قال هذه المقالة, فبعض الأئمة لا يفوت عليهم التدليس مثل القطان وغيره، فنرجو أن توضح هذه الفائدة.

    الجواب: بعض الأئمة لا ينفق عليه التدليس، فسفيان الثوري أراد أن يدلس على يحيى بن سعيد القطان، وقال ذات مرة: حدثني أبوسهل فقال يحيى بن سعيد القطان: محمد بن سالم، فضحك سفيان الثوري وقال: لا يفوتك شيء يا يحيى.

    السؤال170 الكلام الذي ذكره الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب رغم العدالة. قال: هم اشترطوا العدالة، ولسائل أن يسأل: إذا كنتم تقبلون حديث الداعية المبتدع فلم اشترطتم في العدالة أن يجتمع كذا وكذا؟ فأنا أسأل هم قالوا العدالة: أن يكون سالماً من أسباب الفسق، وخوارم المروءة، ولا شك أن المبتدع حتى وإن كان عاميًّا أو المبتدع الداعية الذي حتى وإن كان متحرّجًا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أليس هذا من خوارم المروءة؟

    الجواب: هو من أسباب الفسق، والذي حملهم على قبول رواية المبتدع أنّها وجدت بدع في كبار المحدثين مثل: الأعمش بالتشيع، وأبي إسحاق بالتشيع، وقتادة بالقدر، فوجد في كبار المحدثين بحيث لو ردّت أحاديثهم لردّت سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحملهم على أن يقبلوا حديثهم، وهو أمر ضروريّ، حتى أبوإسحاق الجوزجاني بعد أن ذكر جماعةً من الشيعة قال: لو رددنا حديث هذا الضرب لرددنا الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    السؤال171 في الحديث الشاذ، ذكروا أن من شروط الصحيح أن لا يكون شاذًا، وكنت أعرف من ذلك أن الشاذ من جملة الضعيف حسب ترتيب ابن الصلاح لأقسام الضعيف، فلما انتهى من الشاذ وذكر هذه الأشياء أنّها من جملة الضعيف قال: هناك فوائد، ولكن الحافظ ابن حجر قال في بعض أقواله: إنه لا يسمي ضعيفًا ولكن مرجوحاً، وكم من صحيح لا يعمل به وهو من جملة الصحيح لمعارض أقوى أو لمرجّح؟

    الجواب: الأمر سهل في هذا، فمؤداه مؤدى الضعيف، فإذا قيل فيه: إنه صحيح لأن سنده ثقات، فصحيح باعتبار سنده، ضعيف باعتبار آخر، إما باعتبار سنده الشاذ، وإما بسبب متنه والله أعلم.

    السؤال172 في حديث قد صححه إمام من الأئمة: مثل ابن حنبل أو الترمذي، أو مثل أبي داود، أو مثل الحافظ ابن حجر، أو الشيخ الألباني، أو الشيخ مقبل، وأنا أستطيع أن أبحث، ولكن ليس عندي الوقت أو من النشاط ما يجعلني أراجع وأقف على مقال، فأعتقد في حديث وقلت: هذا الحديث صحيح أخذًا ومعتقدًا في ذلك لأن الله سبحانه وتعالى قد حثنا على قبول قول أهل العلم، فبعض الإخوة يقول: إن هذا من باب التقليد، لأنك أخذت بقوله دون أن تبحث ما ورائه، فقلت له: إن قول الإمام من الأئمة: هذا حديث صحيح هو كما قال الصنعاني: اختصار لكلام كثير، إن هذا الرجل عدل، أو هذا الحديث رجاله عدول، وحتى لو قال رجاله عدول، فالعدالة أصلاً مختلف فيها، عدول ينتهون من كذا، ويفعلون كذا، وضابطون ومعنى الضبط، وهذا كلام يطول جدًا. فقوله: صحيح يكفينى، لأنه من أئمة الشأن ويعرف معنى كلمة صحيح وعلى أي شيء تقع، ويعرف الاسم ومسماه، ويقول له الإخوة: إن هذا من باب التقليد لأنك أخذت هذا من غير حجة، وبعض الإخوة يقول: إن هذا من باب الاتباع، فماذ ترون؟

    الجواب: هذا ليس من باب التقليد كما ذكره الصنعاني في رسالة "إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد"، إذا عرف من الرجل التحري وأنه لا يصحح إلا ما كان صحيحًا، ولا زال أهل العلم يستعملون هذا، فهذا لا يعتبر إن شاء الله من باب التقليد، والله سبحانه وتعالى يقول: {ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا[21]} مفهومه إذا جاء العدل تقبل.

    السؤال173 إذا قالوا في الرجل: (عالي الإسناد)، قلت: يحتمل أن يكون مدلسًا؟

    الجواب: الأقرب والمتبادر إلى الذهن أنه بمعنى أنه بكر في الطلب فأدرك شيوخًا لم يدركهم غيره، لكن الأخ أبا الحسن أتى بمعنى أنه يحدث عن أناس لم يدركهم، فيكون محتملاً لهذا، ومحتملاً لهذا. والله أعلم.

    السؤال174 الشيخ المعلمي رحمه الله ذكر في مقدمة "الفوائد المجموعة" عند أن تكلم على الأحاديث الموضوعة، ذكر عدة فوائد يقف عليها طالب العلم وقال: ينتفع بها، منها: فائدة أردت أن أذكرها ليتضح لي الخوض فيها، قال: إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنّهم يتطلبون له علة، إذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر، فمن ذلك إعلالهم أن راويه لم يصرّح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبرًا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من "التهذيب"، ونحو ذلك كلامه في حديث عمرو بن دينار في القضاء بالشاهد واليمين، ونحوه أيضًا كلام شيخه علي بن المديني في حديث:((خلق الله التّربة يوم السّبت)) إلخ، كما تراه في "الأسماء والصفات" للبيهقي، وكذلك أعلّ أبوحاتم خبرًا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري كما تراه في "علل أبي حاتم "(ج2 ص353) ومن ذلك إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين، بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني، وكان خالد يدخل على الشيوخ، فليراجع هذا في "معرفة علوم الحديث" للحاكم ص(120)، ومن ذلك الإعلال بالحمل على الخطأ، وإن لم يتبين وجهه، كإعلالهم حديث عبدالملك بن أبي سليمان في الشفعة، ومن ذلك إعلالهم بظن أن الحديث أدخل على الشيخ كما ترى في "لسان الميزان" في ترجمة الفضل بن الحباب، وغيرها، وحجتهم في هذا، بأن عدم القدح في العلة مطلقًا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنّها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها، وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنّهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر، هذه فائدة قرأتها؟

    الجواب: هذه فائدة تساوي الدنيا، وربما أعلوا الحديث ولم يستطيعوا أن يعبروا عن العلة، والفائدة لن أجيب عليها. فلا مزيد عليها.

    فالأمر كما قال، بل أعظم من هذا: أنّهم ربما يعلون الحديث ولا يستطيعون إبراز العلة، ويلزم المتأخر أن يأخذ بقولهم، لأنه ما بلغ مبلغهم في الحفظ ومعرفة الرجال، وحفظ كل طرق الحديث، وكل راو وما روى، يعنى كم له من تلاميذ، وكم روى كل تلميذ عنه، فهم يعتبرون آيةً من آيات الله.

    السؤال175 ذكر السخاوي -رحمه الله تعالى- في "فتح المغيث" (ج2 ص12) أن البزار في "مسنده" وابن القطان في "الوهم والإيهام" ذهبا أن العدالة تثبت برواية جماعة من المشاهير عن الراوي، حتى قال الذهبي في ترجمة مالك ابن الخير الزبادي وقد نقل عن ابن القطان أنه ممن لم تثبت عدالته، ويريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة، قال: وفي رواة "الصحيحين" عدد كثير ما علمنا أن أحدًا نص على توثيقهم. والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فقال: ما نسبه للجمهور لم يصرّح به أحد من أئمة النقد إلا ابن حبان، هو حق فيمن كان مشهورًا بالطلب والانتساب إلى الحديث. والسؤال: إذا كان مذهب البزار وابن القطان مرجوحًا فإذا وجدنا راويًا لم يوثقه غيرهما أو أحدهما، أليس من التواضع أن يكون حكمه مقبولاً حيث يتابع كما يفعل الحافظ في كثير من التراجم أم ماذا تقولون؟

    الجواب: إذا وثقا فهما معتبران، إذا رأينا حديثًا في كتابيهما أو في كتبهما من طريق راو روى عنه جماعة، لم يوثقه معتبر، وليس مشهورًا بالطلب. أو رأيناهما صححا هذا الحديث فيتوقف فيه، يعني عرفت قاعدتهما بحسب ما قرأته في التصحيح لا في التوثيق نفسه، فإذا وجدناهم قد صححا حديثًا فيه راو روى عنه جماعة ولم يوثقه معتبر ولم يشتهر بالطلب توقفنا في تصحيحه. ثم إنه قد علم تساهل البزار في التوثيق وكذا في التصحيح.

    فائدة: قال السخاوي رحمه الله تعالى في "فتح المغيث" (ج2 ص12): وذهب بعضهم إلى أن مما تثبت به العدالة رواية الجماعة من الجلة عن الراوي وهذه طريقة البراز في "مسنده" وجنح إليها ابن القطان في الكلام على حديث قطع السدر من كتابه الوهم والإيهام.

    قلت: ابن القطان ليس له قاعدة مطردة في هذا، فيحتمل أنه حسن حديث السدر لرواية الجماعة عن سعيد بن محمد بن جبير أو أنه ممن عرفت بيته ونسبه أو للأمرين جميعاً.

    وهذا نص كلامه: (...وأما ابن عمه سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم فلا تعرف له حال، وإن كان قد روى عنه جماعة منهم: عثمان المذكور، وعبيدالله بن موهب، وابن أبي ذئب، وعبدالله بن جعفر، وغيرهم كلهم أخذ عنه هذا الحديث، ولا أعرف له من العلم غيره وإن كان معروف البيت والنسب.

    وله أخ أسمه عمر، وأخ ثان اسمه الحارث، يروي أيضًا عن أبيه، وثالث اسمه جبير بن محمد، يروي أيضًا عن أبيه فهم أربعة: سعيد وعمر والحارث وجبير، فالحديث من أجله حسن.

    وإلا فقد حصل بينه وبين الإمام الذهبي خصام في بعض الرواة من هذا الضرب ففي ترجمة حفص بن بغيل من "الميزان": روى عن زائدة وجماعة، وعنه أبوكريب وأحمد بن بديل، قال ابن القطان: لا يعرف له حال، ولا يعرف. قال الذهبي: لم أذكر هذا النوع في كتابي فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته، وهذا شيء كثير، ففي "الصحيحين" من هذا النمط خلق كثير مستورون، ما ضعّفهم أحد ولا هم بمجاهيل. وزاد صاحب "تهذيب التهذيب" ممن روى عنه عبدالرحمن بن صالح الأزدي، وأبا الوليد الكلبي. قال ابن حزم: مجهول.

    وفي ترجمة مالك بن الخير الزبادي نسبه إلى موضع في المغرب يقال: (زباد) بالباء الموحدة قال ابن القطان: وهو ممن لم تثبت عدالته فرد عليه الذهبي قائلاً: (يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة) وفي رواة "الصحيحين" عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم.

    وقد قال فيه الذهبي: (محله الصدق) يروي عن أبي قبيل.. روى عنه حيوة بن شريح، وهو من طبقته، وابن وهب، وزيد بن الحباب، ورشدين. اهـ

    وفي "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (ج1 ص442) أنه سأل عنه أحمد بن صالح: ما تقول في مالك بن الخير الزبادي؟ قال: ثقة. اهـ

    وفي "تهذيب التهذيب" كثير ممن يروي عنه جماعة فيقول: مجهول الحال، فعلى هذا فلا ينبغي أن يعزى توثيق المجاهيل لابن القطان.

    السؤال176 ماذا تقولون في قول الذهبي -رحمه الله تعالى-: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، وكثير من التراجم يختلف فيها ابن معين، وأحمد بن حنبل، وأبوحاتم، وأبوزرعة، بعضهم يقول: ضعيف، والآخر يقول: ثقة، فهو قال: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، ذكر هذا السيوطي؟

    الجواب: هذه العبارة مفسّرة بتفسير لا أذكره الآن، ولعل المراد لا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف لا يخالفهما أحد، أو على تضعيف ثقة لا يخالفهما أحد، والله أعلم.

    السؤال177 في رواية الفرع -وهو ثقة- للحديث ويجحده الأصل ذكروا لذلك تفصيلات كما هو معلوم. وأنا أسأل: إذا جحد الأصل مكذّبًا للفرع وليس شاكًا وقال: أنا ما حدثتك بهذا الحديث. وقال الفرع: أنت حدثتني بهذا الحديث، فهم رجّحوا كلام الأصل قائلين: إنه أعلم بفعل نفسه، والثاني -الفرع- أعلم بسماع نفسه، فهل يترك هذا الحديث من أجل هذا؟

    الجواب: هذه المسألة الذي يظهر أن الراجح فيها، والله أعلم هو: إذا كذبه فيتوقف في ذلك الحديث نفسه، ولا يقدح فيهما في هذا ولا هذا، وأما أبومحمد بن حزم -رحمه الله تعالى- فيقول: وإن كذبه فهو ثقة، والنسيان يطرأ على الشخص، هذا إذا كان قد جحده من دون مسوغ، أما إذا وجد مسوغ لجحوده -كأن يكون في الحديث مضرّة عليه وقال: أنا ما حدثت فلانًا بهذا- فيحمل عليه لكن من دون ما يسوغ له الجحود فيتوقف فيه، وإلا فيقبل، فقد جاء في حديث: ((ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلاّ بالتّكبير)) جاء في هذا الحديث أن عمرو بن دينار سأل شيخه فأنكر أنه حدثه بهذا، فالإمام البخاري ذكره ولم يذكر ترددًا، قال فسألته فقال: ما حدثته بهذا -يعنى لا أذكر هذا- ومع هذا فأورده البخاري في "صحيحه" ولم يورد هذا التردد، وأورده الإمام مسلم في "صحيحه" وأورد هذا التردد، فإذا كان مجرد تردد فلا بأس إن شاء الله وإن جحد الأصل فيتوقف فيه، لأنه يكون محل ريبة. وهذه مسألة اجتهادية.

    السؤال178 وأيضًا ذكروا فيمن ترد روايته: من خالف ثم أصر ولم يرجع -أي خالف في حديثه وخالف من هو أوثق منه أو أكثر منه، ومع ذلك راجعوه فلم يرجع- وقالوا هذا ترد روايته، لكن معلوم أن الإمام مالكًا رحمه الله له في ذلك قصة في مخالفته للثقات، في روايته عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمر بن عثمان عن أسامة مرفوعًا ((لا يرث المسلم الكافر)) وغيره من أصحاب الزهري، رووه عن عمرو بن عثمان -بفتح العين- ومع ذلك لم يرجع الإمام مالك؟

    الجواب: نعم هم جعلوا ذلك من القوادح، لكنه محمول على إذا لم يرجع عنادًا وتكبرًا، أما إذا كان واثقًا بنفسه فلا، والإمام الطبراني رحمه الله تعالى أيضًا وهم في اسم شيخ من شيوخه فقيل له في ذلك، فلم يرجع، وقد ذكروا في ترجمة غير راو أنه لم يرجع لوثوقه بعلمه، والله أعلم.

    السؤال179 قولهم في الرجل: (لا نعلم إلا خيرًا)، يترجم له الحافظ رحمه الله تعالى في "التقريب" بقوله: (مقبول) إذا لم يكن في الرجل إلا كلمة أبي زرعة أو غيره: (فلان لا نعلم إلا خيرًا) قال عنه في "التقريب": (مقبول) إلا أن أبا زرعة سأل دحيمًا: ما تقول في علي بن حوشب الفزاري؟ فقال: لا بأس به. قال أبوزرعة: ولم لا تقول: (ثقة ولا نعلم إلا خيرًا)، قال: قد قلت لك: إنه ثقة. الشاهد في قول أبي زرعة: ولم لا تقول: ثقة ولا نعلم إلا خيرًا، هل هذه العبارة تعني أنه أرفع من أن يترجم له بمقبول؟

    الجواب: العلماء تختلف عباراتهم حتى في الألفاظ، قد يكون اللفظ واحدًا وله معنى عند يحيى بن معين، غير معناه عند البخاري، من أجل هذا كما تقدم قد ألف اللكنوي كتابه "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" وكان الحافظ ابن حجر كما ذكره تلميذه السخاوي يقول: (يا حبذا لو جمعت ألفاظ الجرح والتعديل وفسرت) وقد وفق الله اللكنوي فجمعها، فلا بد أن تحمل على المعنى اللائق بها، فقوله -من حيث المعنى اللغوي-: (لا أعلم إلا خيرًا) الظاهر إذا سئل عنه: أهو ثقة، أم ليس بثقة؟ أنه يقبل، هذا من حيث مؤداها، وهو محتمل أيضًا: أنه لا يعلم إلا خيرًا في الصلاح، وبقي الضبط، (لا أعلم إلا خيرًا) ويكون مستور الحال، لا أعلم إلا خيرًا في الصلاح، لكن إذا سئل مثل يحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، وكذا الإمام أحمد وغيره وليس هناك مانع أنه يأتي بكلام فيه معاريض فيحمل على أنه مقبول -وأعني- أنه ثقة يقبل حديثه، وليس مقبولاً على اصطلاح الحافظ.

    السؤال180 في قولهم في كثير من الرجال: (فلان طويل اللحية) هل يحمل على أنه يرفع المراسيل، ويصل المنقطعات، وإلا فما وجه قولهم؟

    الجواب: عند بعض الأدباء الذين لا خير فيهم أن طول اللحية دليل على خفة العقل، فنحن إن شاء الله ما نحمل كلام المحدثين على هذا النحو السخيف، فالله أعلم بمرادهم، ولعله أيضًا من باب الحيدة عن الجواب الصحيح.

    السؤال181 الشيخ الألباني حفظه الله تعالى في حديث: "الأذنان من الرّأس" ساق إسنادًا من "الفوائد المنتقاه" ثم قال: وهذا سند حسن عندي، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير يحيى بن العريان الهروي، وقد ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، غير أنه وصفه بأنه كان محدثًا، فهل هذا يحسن حديثه لذاته؟

    الجواب: لا يحسن، ولكن يستأنس به، فلفظة كونه محدثًا لا تدل على أن حديثه مقبول، فيجوز أنه محدث وهو ضعيف، محدث وهو كذاب، محدث وهو ثقة، والله أعلم.

    السؤال182 بعضهم يقول: فلان من المحدثين، وفلان من الشيوخ، أيعني أنه من الشيوخ الفقهاء أم ماذا؟

    الجواب: يعني أنه من الشيوخ الذين ليسوا بأثبات. والله أعلم.

    أسئلة شباب لودر
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم أجمعين.

    وبعد: فهذه أسئلة من شباب (لودر) نقدّمها إلى شيخنا العلامة المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله تعالى.

    السؤال183 فضيلة الشيخ: ماهو القول في قول شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام في أهل الحديث: (يا أهل الحديث إن هذا الحديث يشغلكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، وكيف نجمع بين هذا وبين قول الإمام أحمد لما سمع أحدهم يتكلم في أصحاب الحديث، فنفض ثوبه وقال: زنديق؟

    الجواب: الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد: فالجمع بين القولين -على أنه لا يوجد تعارض- أن القول الأول: لا يشغلنكم الحديث عن ذكر الله، فإن من المحدثين من ربما ينهمك في الحديث ويشغل به عن الذكر، ويشغل به عن بعض النوافل، وربما يزدحم المحدثون على الشخص ويقلقونه ويضجرونه، فيضجر ويقول عند ضجره مثل هذا الكلام، مثل ما كان يفعل سفيان الثوري فقد كان يطرد المحدثين من عنده ثم يقول بعد ذلك: لو لم يأتوني لأتيتهم وما أستطيع أن أصبر عنهم.

    وكما جاء عن الأعمش عند أن مات كلبه فأزدحم المحدثون على بابه وعليه وأضجروه حتى قال: مات الذي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر -يقصد كلبه-. وألحّ بعض المحدثين على أبي معاوية فقال لأبي معاوية: الأعمش عمن؟ فقال أبومعاوية: عن إبليس.

    أما قول الإمام أحمد: إنه من تكلّم في أهل الحديث أنه زنديق، ونفض ثوبه وقام، على أن القصة فيها كلام، فنعم، فإن الذي يطعن في أهل الحديث يعتبر طاعنًا في دين الله، فهم نقلة الدين وحماته، كما قال الحافظ الصوري -رحمه الله تعالى- في شأن المحدثين:

    عائباً أهله ومن يدّعيه
    أم بجهل فالجهل خلق السّفيه
    من الترهات والتمويه
    راجـع كـلّ عالم وفقيـه

    قل لمن عاند الحديث وأضحى أبعلم تقول هذا أبن لي
    أيعاب الذين هم حفظوا الدين وإلى قـولهم وما قـد رووه


    السؤال184 بالنسبة للحديث الضعيف إذا كان الضعف راجعًا إلى سوء الحفظ، وتكون له طرق كثيرة فهل يرتقي إلى الصحيح لغيره؟

    الجواب: نعم، إذا لم يشتد ضعفه، فممكن أن يرتقي إلى الحسن لغيره، وإلى الصحيح لغيره إذا جاء من نحو سبع طرق أوست، سيء الحفظ مع سيء الحفظ مع سيء الحفظ، ولكن بشرط ألا يكون ذلك الذي قيل فيه سيء الحفظ قد خالف، وقد ذكر الحديث في ترجمته من "الكامل" لابن عدي، أو ذكر في ترجمته في "ميزان الإعتدال"، أو ذكر في ترجمته من "لسان الميزان" أو في كتب العلل أن هذا الحديث منكر، فمثل هذه الطريق لا تصلح في الشواهد والمتابعات لأنه إذا خالف الثقات المتكاثرين فحديثه منكر والمنكر لا يصلح في الشواهد والمتابعات، فلا بد من اعتبار هذه الشروط. والله المستعان.

    السؤال185 ما هو القول الفصل فيمن قيل فيه من المحدثين: إنه متساهل كالحاكم، وابن حبان، والترمذي، هل هو الحكم على الحديث الحسن بالصحة أم غير ذلك؟

    الجواب: أما ابن حبان فتساهله فيما يختص بالمجهولين، وقاعدته وقاعدة شيخه ابن خزيمة معروفة كما في مقدمة "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر: أنّهما يوثقان المجهول، وعلى هذا بنيا عملهما في صحيحيهما.

    أما في بقية الأمور فربما يحصل منه بعض التساهل، مثل: تصحيح حديث درّاج عن أبي الهيثم أو غيره، ولكن "صحيح ابن حبان" يعتبر مرجعًا من المراجع الكبيرة المفيدة، وأخطاؤه في مسألة توثيق المجهول وتصحيح حديث المجهول لا ينبغي أن يتابع عليها، وتساهله في بعض الأحاديث التي من طرق بعض الرجال لا يتابع عليها أيضًا.

    والترمذي كذلك، مع أن الترمذي أكثر تساهلاً من ابن حبان، فالحافظ الذهبي قال في ترجمة كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف وقد ذكر حديث: ((المسلمون على شروطهم))، قال: وأما الترمذي فصحح حديثه، ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه. لأنه قد كان ذكر في ترجمة كثير بن عبدالله عن الإمام الشافعي وأبي داود، أنه ركن من أركان الكذب.

    وقال في ترجمة يحيى بن يمان: وقد ذكر في ترجمته حديثًا وهو أنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ناراً في المقبرة، وذهب فإذا هم يحفرون بالليل ودفن في الليل، والدفن جائز في الليل لأدلة أخرى ليس الكلام على هذا فقال الترمذي: حسن، فقال الذهبي: حسّنه الترمذي، وفي سنده ثلاثة ضعفاء، فعند المحاققه غالب تحسينات الترمذي ضعاف.

    وروى الترمذي في "جامعه" لمحمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي ولبعض الهلكى، من أجل هذا نزلت رتبته عن "سنن أبي داود" وعن "سنن النسائي"، وأما الحاكم فهو أكثر الثلاثة تساهلاً فربما يصحح حديثًا من طريق أبي حذيفة إسحاق بن بشر البخاري، أو من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي، وربما يصحح حديثًا منقطعًا أو شديد الضعف، وقد تتبع الذهبي -رحمه الله- بعض ما تيسر له، وتتبعنا بحمد الله بعض ما سكت عليه الحافظ الذهبي، في هوامش المستدرك، وقد خرج الكتاب والحمد لله وهو بعنوان "تتبع أوهام الحاكم التي سكت عليها الذهبي".

    والإمام الذهبي رحمه الله يقول في ترجمة الحاكم في شأن "المستدرك": وياليته لم يؤلّفه.

    ويقول أيضًا: إنه محتاج إلى نظر فيه -أي "المستدرك"- لماذا؟ لأن كتاب الذهبي مجرد تلخيص "للمستدرك"، فإذا جاء منه تنبيه على حديث ضعيف فهو عفو وفضل منه -رحمه الله- والعلماء منهم من أسرف في شأن "المستدرك"، فأبوسعد الماليني يقول: ليس في "المستدرك" حديث صحيح على شرطهما. قالوا: وهذا إسراف وغلو.

    والحافظ الذهبي يقول: فيه النصف صحيح، وقدر الربع صالح، والباقي عجائب وغرائب. وقد جمع الحافظ الذهبي نحو مائة حديث من "المستدرك" التي هي موضوعة.

    وأعدل شيء في "المستدرك" هو قول الإمام الذهبي فيه، ولا تطمئن النفس إلى ما تفرد به حتى ينظر من أخرجه، لكثرة أوهامه في هذا الكتاب.

    أما "صحيح ابن حبان" فهو كتاب عظيم يستفاد منه.

    وأما "جامع الترمذي" فقد كان أبوالحسن المقدسي ينصح طلبة العلم بالبدء قبل البخاري ومسلم لسهولته، فإنه يذكر الحديث ويذكر الحكم عليه، ويذكر ما يستنبط منه، ومن قال به من الفقهاء، وإذا ذكر الاسم ذكر الكنية أو النسبة بعد الحديث، وإذا ذكر الكنية ذكر الاسم بعد الحديث، فكتاب الترمذي كتاب عظيم على تساهله هو وابن حبان.

    السؤال186 يقال إن تساهل الحاكم راجع إلى مافي آخر"المستدرك" لأنه قد حرر أوله ولم يحرر آخره، فما مدى صحة هذا القول؟

    الجواب: لعل الأكثر في آخره، وإلا فأوائله وأواخره سواء، ومن أوائل الأحاديث التي في "المستدرك" في كتاب الإيمان يقول: في سنده أبوبلج يحيى بن سليم، أو يحيى بن أبي سليم فهو متساهل في هذا من أوله إلى نهايته، إلا أن التساهل في آخره أكثر.

    والحافظ يقول: إن الحاكم كان في أول "المستدرك" يمليه املاءً فكان التساهل فيه أقل، وفي آخره لا يمليه.

    فعلى هذا فهو إلى نحو نصف المجلد الثالث وهو يمر بنا الإملاء وليس كما يقول الحافظ إنه في أوائله أو في نحو الربع أو النصف.

    السؤال187 يكثر الإمام النووي -رحمه الله- في "شرحه للمهذب" من القول في بعض الأحاديث: (وهذا الحديث قد اتفق الحفاظ على ضعفه)، فهل يقبل منه ذلك، وهل هذا الأمر ممكن أصلاً؟

    الجواب: هو كغيره، فالحافظ يتعقبه في كثير من الأشياء مثل قوله: اتفق الحفاظ على أن زيادة (وبركاته) في التسليم في الصلاة ضعيفة، أو غير صحيحة، وكذلك في حديث آخر، فلا بد من نظر فقد عرف أنه ربما يقول هذا ويتعقبه الحافظ، فالإمام النووي كغيره من العلماء لابد أن ينظر في الحديث بسنده ويحكم عليه بما يستحقه.

    السؤال188 وضع المحدثون قواعد للجرح والتعديل، والحكم على الأحاديث، ومضى عليها من بعدهم فيما ظهر لهم، ولكن بالنظر إلى بعض أحكامهم يجد المحدث أو الباحث أن حكمهم على الحديث بالضعف أو الوضع مخالف لما ظهر له من القواعد، فهل يأخذ بالقواعد التي وضعوها أو يعتمد قولهم في المخالفة؟

    الجواب: إذا قال أبوحاتم: هذا حديث ضعيف، أو هذا حديث منكر، أو هذا حديث موضوع، ولم يخالفه أحد من معاصريه، أو ممن بعد معاصريه كالإمام الدارقطني فنأخذ به، إلا إذا قصد حديثًا بهذا السند نفسه، فلا بأس إذا جاء من طريق أخرى، فإنّهم قد يعلّون الحديث بسند واحد كما ذكرنا هذا في مقدمة "أحاديث معلة ظاهرها الصحة" ونقلناه أيضًا من "الإلزامات والتتبع" ونقلناه من "النكت على ابن الصلاح" للحافظ ابن حجر بتحقيق أخينا الفاضل الشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله- فإن أراد هذا الحديث بهذا السند ضعيف، وعثرت على سند آخر صحيح فلا بأس بذلك، أما إذا قال: الحديث لا يثبت بحال من الأحوال. أو تريد أنت أن تصححه بذلك السند فقد يحكم أبوحاتم بأن الحديث لا يصح لأنه تفرد به فلان، فيأتي الباحث العصري ويقول: وفلان ثقة، فالحديث صحيح، فيامسكين من أنت بجانب ذلك الإمام، أليس الثقة يخالف الثقات؟ أو ليس الثقة يهم أو يغلط؟، فإذا ضعّفوا الحديث وهذا الباحث يريد أن يصححه بذلك السند فلا نقبل، لأنّهم يعرفون حديث المحدث، وحديث شيوخه، وحديث تلاميذه، وهل هذا من حديث فلان أو ليس من حديث فلان، أما إذا عثرت له على سند صحيح فلا بأس، ولم يجزم الحافظ بأنه لا يصح بوجه من الوجوه من ذلك الزمان كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والدارقطني، ومن سلك مسلك هؤلاء من معاصريهم فمن بعدهم من الحفاظ الكبار ولم يخالفهم أحد من معاصريهم فنأخذ به وأنفسنا مطمئنه، ونترك قول المعاصر، فالفرق بينهم وبيننا أن المعاصر لا يعدو أن يكون باحثًا، وهم حفاظ يحفظون حديث المحدث وحديث شيخه، وحديث تلميذه، وهل هذا من حديث فلان أم ليس من حديث فلان.

    السؤال189 ما هو الفرق في التقليد لقول أحد المحدثين في الحكم على حديث، أو أحد الفقهاء في مسألة فقهية، وقد ذكرتم -حفظكم الله- في "المقترح"[22] أنه لا بأس لطالب العلم أن يقلّد الحافظ في التصحيح والتضعيف في "بلوغ المرام"؟

    الجواب: لا أظن أنني قلت: يقلّد، ولو أعلم أنني قلت تقليدًا لشطبتها من الكتاب، بل لا بأس أن يأخذ ويتبع الحافظ في هذا كما أجاب بهذا محمد بن إسماعيل الأمير في كتابه "ارشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد"، فقال: إن قولهم: هذا حديث صحيح معناه: أنه متصل السند يرويه العدل عن مثله غير معلّ ولا شاذّ، ولكنهم يستطيلون هذا، فهم يختصرونه بقولهم: صحيح، فهذا من باب قبول خبر الثقة، وليس من باب التقليد، فإن الله عز وجل يقول في شأن قبول خبر الثقة: {ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين[23]}.

    مفهوم الآية أنه إذا جاءنا العدل بالخبر نقبله، على أن الذي يبحث ويتتبع الطرق تطمئن نفسه أكثر من غيره، ولكن لك أن تأخذ بتصحيح الحافظ ابن حجر، ولك أن تأخذ بتصحيح الشيخ الألباني، وبتصحيح العراقي، أو غيرهم من العلماء، ولك أن تبحث، وهذا الذي أنصحك به، وأن تقف على الحقيقة بنفسك.

    أما التقليد فتذهب إلى العالم ويقول لك: تفعل كذا وكذا، بدون دليل، فتصلي كما صلى مالك، أو تصلي كما صلى ابن حنبل، أو كما صلى الشافعي، أو كما صلى الشيخ المعاصر، والشيخ المعاصر لم يقل: سأصف لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وأما إذا قال: سأصف لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو مستعد للمناقشة بعد أن ينتهي فلا بأس بذلك ولا يعد تقليدًا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يعلّم بالقول والفعل، والتعليم بالفعل يرتسم في الذهن أكثر.

    السؤال190 لربما استخرج المستخرج على "الصحيحين" لفظةً ليست عنده، فهل يرجع فيها إلى النظر، أم تترك لاحتمال أنه تركها لعلّة عنده؟

    الجواب: بل لابد من النظر، هل هذه الزيادة التي زيدت في المستخرج هل الذي زادها يماثل من لم يزدها، أو هو أرجح ممن لم يزدها، فتقبل. أما إذا كان مرجوحًا فيتوقف فيها وترد.

    السؤال191 إذا أورد ابن حبان رجلاً في "الثقات" فوثقه وأورد رجلاً آخر، ولم يوثقه فهل هما في مرتبة واحدة؟ وهل مراتب ابن حبان في التوثيق واحدة؟ بمعنى أن كل من ذكرهم عنده موثقون في توثيق واحد؟

    الجواب: يلتمس، هل وثّقه غيره ممن يعتد به -غير العجلي فإنه متساهل كما تساهل ابن حبان-؟ فإذا وثقه غير ابن حبان مثل: ابن أبي حاتم، أو البخاري، أو يحيى بن معين، أو غيرهم من الأئمة الذين ألّفوا في الرجال فيقبل مثل: يعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة، فمثل هؤلاء يقبل، وإذا تفرد هو بالتوثيق فقول: (ثقة) أرفع من مجرد ذكره في "الثقات"، لأنه قد ذكر في "الثقات" بعض الناس وقيل له من هو؟ فقال: لا أدري من هو ولا ابن من هو؟

    ولكن أيحتج به إذا قال: (ثقة) أم نتوقف فيه؟، وإن كان المعلمي له تقسيم في "التنكيل" فقد قسم من وثقه ابن حبان إلى خمسة أقسام، إذا لم يوافقه أحد، أما نحن فنتوقف فيه لما علم من تساهل ابن حبان -رحمه الله- في توثيق المجهولين.

    السؤال192 بالنسبة للعنعنة في "الصحيحين" ولم نجد لها التصريح بالسماع يقول فيها المزي -رحمه الله-: لا يسعنا إلا تحسين الظن، بصاحبي "الصحيحين"، فكيف نبني على هذا الظن؟ وما الذي أخرج "الصحيحين" عن قواعد المصطلح والجرح والتعديل؟

    الجواب: أخرجهما شروطهما، فشروطهما ليست كغيرهما، والحديث المدلّس يحتمل أنه قد صرح بالتحديث في مكان آخر، والإمام الدارقطني –رحمه الله- قد أجهد نفسه في التتبع لما أخطأ فيه الشيخان، فما بلغ الخطأ إلا نحو مائتي حديث، وبعضها لم يسلّم للدارقطني -رحمه الله تعالى- بأنّها منتقدة، على أن انتقادات الإمام الدارقطني اعتبرها العلماء.

    فقال ابن الصلاح في "المصطلح": إن أحاديث "الصحيحين" تفيد العلم اليقيني النظري إلا أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ كالدارقطني وغيره. فهم يعتبرون انتقاداته -رحمه الله-.

    السؤال193 الذين هذّبوا كتب الرجال واختصروها هل كان عملهم مجرد الاختصار والتهذيب، أم هو قائم علىالترجيح في ألفاظ الجرح والتعديل بالنسبة للرجل؟

    الجواب: منهم من اختصر مجرد اختصار، وربما يذكر أقوالاً متناقضة ولا يلتفت إلى صحيحها من سقيمها، ومنهم من اختصر مع ملاحظة الأسانيد والمتون كما هو شأن الحافظ ابن حجر، وكذلك الحافظ الذهبي رحمهما الله. فهما يلاحظان متون الكلام الذي قيل عن أئمة الجرح والتعديل ويلاحظان السند فرب قصة يسكت عنها الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال" ويتكلم عليها في "السير" أو يسكت عنها في "السير" ويتكلم عنها في "ميزان الإعتدال" أو يسكت عنها فيهما ويتكلم عليها في "تذكرة الحفاظ"، فهذا هو شأن بعض أهل العلم الذين اختصروا.

    وعلى هذا فلا يقال: أن حذفهم الأسانيد يعتبر مخلاً، لأنّهم أرادوا أن يأتوا بفائدة مختصرة، فربما تمرّ بك في الترجمة الواحدة في "تهذيب التهذيب" أو "تهذيب الكمال" عدة مراجع ويقربون هذا لك بأوجز عبارة، على أنك إذا استطعت أن ترجع إلى الأصول فعلت ذلك، فربما اختصروا كلمةً وحذفوها ولها تعلّق بجرح أو تعديل، وربما ذكروا الكلام بالمعنى، ولو ذكر باللفظ لكان فيه زيادة أو نقص، فهذه هي نصيحة الشيخ عبدالرحمن المعلمي -رحمه الله- في "التنكيل" ونعم ما نصح به.

    السؤال194 بالنسبة لكتاب "تقريب التهذيب" هل يستطيع أحد في هذا العصر أن يحققه ويخالف الحافظ ابن حجر فيه، علمًا بأنه ليس هناك حافظ في هذا العصر؟

    الجواب: أما وضع الكتاب فلا يستطيع أحد أن يضع مثله، لأنه جهود حافظ كبير، وإذا أشكلت علينا عبارات أهل العلم ولم نستطع الجمع والترجيح بينها رجعنا إلى عبارة الحافظ في "تقريب التهذيب".

    وأما الأخطاء التي وقعت للحافظ فلأنه جهد كبير، وبعضها أخطاء كبيرة جدًا حتى أن شيخنا محمد الأمين المصري -رحمه الله- طلب منا ونحن في الجامعة الإسلامية أن يكتب كل واحد منا في عشرة من كل حرف، وكان قد أعطاني مقبولين من حرف الهمزة، فرأيت أن بعضهم يستحق أن يقال فيه: مجهول العين، وبعضهم صدوق، وبعضهم ثقة، وليس لديّ من المراجع في ذلك إلا "تهذيب التهذيب"، فما ظنك لو راجع شخص جميع المصادر التي قد طبعت الآن.

    فالانتقادات في موضعها، ومن ذلك الزمان، وأنا أتمنى أن ييسر الله بأخ يقوم بتعقبات للحافظ ابن حجر -رحمه الله- في هذا الكتاب القيم.

    وأنا في بحوثي من ذلك الوقت إلى الآن أرجع إلى "تهذيب التهذيب"، ولا أرجع إلى "تقريب التهذيب" إلا إذا لم أستطع الجمع بين أقوالهم، فعندئذ أرجع إلى عبارة "التقريب" وأكتبها.

    السؤال195 ما هو القول الفصل فيما رمي به الأئمة مثل: الحاكم، وعبدالرزاق بالتشيع؟ وهل ثبت أن عكرمة قال بالقدر؟

    الجواب: أما عبدالرزاق الصنعاني -رحمه الله- فقد دخل عليه شيء من التشيع، وقد قيل له: من أين لك هذا؟ مع أن أستاذيك أصحاب سنة؟ فقال: أتى إلينا جعفر بن سليمان الضبعي، وكان ذا هدي وسمت حسن فتأثرنا به فدخل علينا شيء من التشيع، ولم يبلغ به الحال إلى أن يتنقص الأئمة والخلفاء الراشدين والصحابة، بل هو سنيّ من أهل السنة.

    وقد جاء في ترجمة عبدالرزاق أنه قال في كلام عمر أنه قال: لفاطمة: جئت تطلبين ميراثك من أبيك وقال للعباس: جئت تطلب ميراثك من ولد أخيك. فقال عبدالرزاق: أنظروا إلى هذا الأحمق لم يقل: جئت تطلبين ميراثك من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    فينظر هل ثبت عن عبدالرزاق أم لم يثبت، فإن ثبت فهو يعتبر خطأ لا يجوز أن يتّبع عليه، وقد قال الإمام الذهبي: أن عمر تكلم بهذا الكلام بناءً على قسمة الفرائض أن شخصًا مات عن ابنة وعن عم، فما لكل واحد منهما؟ ولم يقصد أن يتنقص رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه ليس نبيًا ولا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وأما الحاكم فقد جاء عنه بعض الانزواء وبعض الانحراف عن معاوية رضي الله عنه، وقد قال أبوطاهر عن عبدالله بن محمد الهروي أبي إسماعيل أنه قال: إمام في الحديث لكنه رافضي خبيث.

    وقال أيضًا كما في "العلل المتناهية" لابن الجوزي وقد ذكر حديث الطير أو حديثًا غيره وذكر ابن الجوزي ما فيه من الضعف، ثم ساق بسنده إلى أبي طاهر المقدسي وهو محمد بن طاهر عن شيخه قال: لا يخلو الحاكم إما أن يكون جاهلاً فهذا لا يؤخذ عنه العلم وإما أن يكون كذابًا دساسًا، وهذا أيضًا لا يؤخذ عنه العلم.

    والحق أنه لا يثبت لا ذا ولا ذاك، فالحاكم ليس بجاهل، عرفنا هذا من ترجمته، وعرف العلماء منْزلته الرفيعة كما في "سير أعلام النبلاء" وفي "تذكرة الحفاظ" وفي "الإرشاد" للخليلي، فهو إمام متفق على جلالته.

    فالحاصل أن بهما شيئًا من التشيع لا يخرجهما إلى الرفض كما قال الحافظ الذهبي عند أن ذكر هذا الكلام عن أبي إسماعيل الهروي، قال: إن الله يحب الإنصاف ما الرجل برافضي ولكن به شيء من التشيع.

    وقال المعلمي في "التنكيل" عندما ذكر كلام أبي إسماعيل الهروي: إمام في الحديث رافضيّ خبيث، قال المعلمي: لعل السجعة هي التي حملت قائلها إلى أن يقول ما قال. وما أشبهها بما كتب الصاحب بن عباد إلى قاض (بقم) -وهي بلدة كانت سنية ثم أصبحت رافضية- فكتب الصاحب بن عباد:

    أيها القاضي بقم قد عزلناك فقم

    فلما وصلت إلى القاضي تذكر ذنوبه ماهو الذي فعله؟ فلم يجد أنه أذنب ولا فعل شيئًا، فقال: والله ما عزلتني إلا السجعة.

    وأما عكرمة فقد رمي برأي الخوارج وليس بالقدر، فإن الذي رمي بالقدر هو قتادة، وقد دافع عن عكرمة الحافظ ابن حجر وبرّأه وذكر في "فتح الباري" في الكلام على سبب نزول قول الله تعالى: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيرًا[24]} أنه قيل لعكرمة وقد سأله شخص: أأخرج مع هؤلاء الذين يخرجون؟ أي: للقتال، والقتال بين مسلمين، فقال له عكرمة: لا تخرج، ثم استدل بهذه الآية أي: لا تكثر سواد أهل الباطل ولا تخرج. قال: في هذا دليل على أن عكرمة لا يرى رأي الخوارج.

    السؤال196 ذكر الشيخ عمرو بن عبدالمنعم في كتابه: "لا دفاعًا عن الألباني فحسب بل دفاعًا عن السلفية": أن ابن معين قد يطلق لفظة: (ثقة)، ولا يريد بها إلا إثبات صفة الصدق والعدالة للراوي فما تقولون؟

    الجواب: الأصل في (الثقة) أنّها توضع لمن اجتمع فيه الحفظ والعدالة، فإذا نص ابن معين على ذلك قبل عنه ذلك، وإلا فهذا هو الأصل في هذه اللفظة، إذا قالوا: (ثقة) بمعنى أنه حافظ وعدل، وأن حديثه ينبغي أن يصحح.

    السؤال197 ماهو مقصود الحاكم -رحمه الله- بقوله: (على شرطهما) وقوله: (على شرط الشيخين)؟

    الجواب: هما بمعنى واحد على شرطهما أو على شرط الشيخين، أي: البخاري ومسلم، والصحيح من أقوال أهل العلم أن المقصود بهذا هو أن رجال هذا السند هم رجال الشيخين، أو قال: على شرط البخاري، أن رجال هذا السند هم رجال البخاري، أو فيهم واحد من رجال البخاري فقط، والباقون متفق عليهما أو على شرط مسلم، كما يقول الحاكم في بعض الأوقات: على شرط مسلم فقد روى لسماك، أو على شرط البخاري فقد روى لعكرمة، أو صحيح فإن البخاري قد أخرج لعكرمة، ومسلم قد أخرج لسماك، وبعضهم يقول: إن معنى على شرطهما، أي: أن هذا الحديث قد توفرت فيه الشروط التي يشترطونها في "صحيح البخاري ومسلم"، وإن لم يكن رجاله رجالهما، وهذا ليس بصحيح فقد ذكرنا أمثلةً بحمد الله في مقدمة "المستدرك" متكاثرة، وذكر الحافظ ابن حجر مثالاً أو مثالين في "النكت"، قال: فإن قلت: إن الحاكم قد يقول: على شرطهما، ويوجد فيه رجل ليس من رجالهما، أو يوجد فيه رجل ضعيف، يقول الحافظ: فنعده من أوهام الحاكم المتكاثرة.

    وهذا الذي قاله الحافظ كلام حق، فعرفنا من هذا أن قوله على شرطهما، أو على شرط الشيخين، أي: أن رجال هذا السند رجال الشيخين، كما قد صرح الحاكم بهذا في غير موضع.

    السؤال198 قول يحيى بن سعيد القطان: كل من هو عاصم فهو ضعيف، هل هذه القاعدة على إطلاقها، وكيف نفعل بعاصم بن بهدلة؟

    الجواب: وهناك أقوى من عاصم بن بهدلة، عاصم بن سليمان الأحول، فلا تسلّم له هذه القاعدة.

    السؤال199 عندنا حديث مرسل قد جاء من طريقين، فهل يقوى بهما أم له شروط؟

    الجواب: هذه مسألة اجتهادية والشافعي -رحمه الله- يقول: إن مرسلاً مع مرسل يرتقي إلى الحجية. ويشترط أيضًا ألا يتحد المخرج فمثل مرسل قتادة مع مرسل سعيد بن المسيب يحتمل أنّهما مرسل واحد، وأن قتادة رواه عن سعيد بن المسيب.

    وإذا روى همام بن منبه وروى قتادة فهذا روى مرسلاً، وذاك روى مرسلاً، فهذا عند الإمام الشافعي يرتقي إلى الحجية، لأن همام ابن منبه يمنيّ وقتادة بصريّ، وهذا مجرد مثال.

    فهذه مسألة اجتهادية وليست بملزمة لأن مسألة التصحيح والتضعيف مبناهما على غلبة الظن.

    السؤال200 يقول ابن معين -رحمه الله- في الرجل: ثقة، ثم يقول في موضع آخر: صدوق، فكيف نجمع بينهما؟

    الجواب: إن علم المتقدم من المتأخر من كلام يحيى بن معين فتأخذ بالمتأخر، وإن لم يعلم تنظر أسباب كلامه، فربما قال: ثقة، وقد قورن بضعيف، فهو ثقة بالنسبة إلى هذا الضعيف، وربما قال: صدوق وقد قورن بثقة أرفع منه فقال: صدوق، فتكون الإجابة كما ذكر صاحب "فتح المغيث" بحسب من قورن به، بحيث لو سئل يحيى بن معين عن الرجل بمفرده استقر رأيه على أنه صدوق أو أنه ثقة، فإذا لم يظهر لا هذا ولا ذاك، أخذت رتبة وسطى وهي: جيد، وقلت في حديثه: جيد، أو فلان جيد، فهي رتبة بين الحسن والصحة.

    السؤال201 ماذا يقصد الإمام أحمد بلفظة: (منكر) في الحديث أو في الرجل؟

    الجواب: أما إذا قال في الحديث: (منكر) فهو محمول على النكارة وعلى التفرد، فقد يتفرد راو من بين سائر الرواة، وربما أطلق الإمام أحمد النكارة بمعنى التفرد، حتى ولو تفرد به راو ثقة وهو محتج به مثل قوله في محمد بن إبراهيم التيمي: روى مناكير، ومحمد بن إبراهيم التيمي هو حامل لواء حديث ((إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ أمرئ ما نوى)) فهو يرويه عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب.

    فربما يطلقها على الثقة وهو يعني أنه يتفرد بأحاديث، ولا يعني أنّها ترد، وهكذا الإمام النسائي -رحمه الله- وربما يطلقها على النكارة التي هي ضد المعروف، فإذا لم يظهر لا ذا ولا ذاك من تصرفه، حملت على النكارة التي هي ضد المعروف وتوقّف فيه.

    لكن مثل قوله في محمد بن إبراهيم التيمي: يروي المناكير، ومن كان على شاكلة محمد بن إبراهيم التيمي فهو يعني أنه يتفرد ببعض الأحاديث، والتفرد لا شيء فيه إذا لم يخالف من هو أرجح منه.

    السؤال202 قولهم في الرجل: متروك، هل هو جرح مفسّر؟

    الجواب: الصحيح أنه جرح مفسر، لأنّهم يعنون بأنه متّهم بالكذب أو أوهامه أكثر من صوابه، وقد توسع بعضهم في غير المفسر فجعل منه كذابًا وقال: إنه جرح غير مفسر، كما قاله حسين السياغي، وكما نقله عن محمد بن إبراهيم الوزير من "تنقيح الأنظار"، وكما في "تدريب الراوي" (ج1 ص306) نقلاً عن الصيرفي.

    السؤال203 ماهو القول الفصل في الحارث الأعور؟

    الجواب: لا يحتج بحديثه، فتلميذه الشعبي يقول: حدثنا الحارث الأعور وكان كذابًا، وأما قول من قال: إن ضعفه من أجل رأيه لا في روايته، فالصحيح أنه لا يحتج به، فهل احتج به البخاري، ومسلم، وابن حبان، وابن خزيمة، فلا يحتج بالحارث الأعور، ولا يصلح في الشواهد والمتابعات، وكذّاب جرح مفسر.

    السؤال204 أيهما ترجّح على الآخر ابن خزيمة أم تلميذه ابن حبان لأن السيوطي في "التدريب" قدم ابن خزيمة، وشعيب الأرناؤوط نافح عن ابن حبان وقدمه؟

    الجواب: لا شك أن ابن خزيمة أرجح، وأن ابن حبان توسع في القاعدة وإن كان قد شارك شيخه في توثيق المجهولين.

    "فصحيح ابن خزيمة" يعتبر أرجح من "صحيح ابن حبان".

    السؤال205 بالنسبة لحديث الآحاد هل يفيد العلم، وهل تقبل قراءة القرآن بخبر الآحاد؟

    الجواب: أما تقسيم الحديث إلى آحاد ومتواتر، فهو تقسيم مبتدع، وأول من ابتدع هذا هو عبدالرحمن بن كيسان الأصم الذي قال فيه بعضهم: وهو عن الحق أصم. وتبعه على ذلك تلميذه إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الشهير بابن علية، ووالده هو المشهور بابن علية وهو -أي والده إسماعيل- من مشايخ الإمام أحمد ومن رجال الشيخين، أما إبراهيم بن إسماعيل فجهميّ جلد، وأما ما جاء عن الشافعي أنه استعمل في "الرسالة" متواترًا فلعله أخذها عن أهل الكلام.

    فتقسيم الحديث إلى آحاد ومتواتر يهون من قيمة السنة المطهرة في نفوس كثير من الباحثين، وهو باب للشر قد فتح، فحالق اللحية يحلق لحيته وتريد أن تنصحه فيقول: أحاديث إعفاء اللحية أحاديث آحاد، والمصور يصور فتنصحه، ثم يقول: أحاديث تحريم الصور أحاديث آحاد. فقد فتحوا بابًا من أبواب الشر.

    والصحيح أن الحديث إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب قبوله، ونقول يجب قبوله ولا نقول: يجب العمل به، لأن العمل قد يكون واجبًا، وقد يكون محرمًا وقد يكون مكروهًا، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون مباحًا.

    ولكننا نقول: يجب قبوله، إذا ثبت سنده، وسلم من العلة والشذوذ، ولا يضرنا أأفاد علمًا أم أفاد ظنًا، فالناس يختلفون في معرفتهم للرجال، ويختلفون في معرفتهم لأوهام الرجال، فقد يهم الحفاظ أمثال: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وغير هذين الحافظين، وإنما مثّلت بهما لكونهما غاية في الإتقان.

    فعلى هذا إذا ثبت سند الحديث وسلم من العلة والشذوذ وجب قبوله، سواء أفاد علمًا أم أفاد ظنًا.

    وأبومحمد بن حزم يقول: إنه يفيد علمًا، واستدل بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} والصنعاني في تعليقه على "المحلى" عند كلام أبي محمد بن حزم المتقدم يقول: إنه يفيد ظنًّا، واستدل بحديث ((لا يموتنّ أحدكم إلاّ وهو يحسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ)) وليس كل الظن ممقوتًا، لأن ابن حزم -رحمه الله- استدل بقوله تعالى: {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وإنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا[25]}.

    فقال الصنعاني: إن المراد بالظن ههنا: الذي هو بمعنى الشك، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (( لا يموتنّ أحدكم إلاّ وهو يحسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ )).

    ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب))، أي: مبناها على التحري وهي من أشرف العبادات.

    ويقول أيضًا في شأن بيان العمل بالظن: ((إنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئًا، فإنّما أقطع له قطعةً من النّار)).

    شاهدنا من هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يحكم بغير العلم، ويحكم بالظن، ويجوز أن يكون في حكمه مصيبًا وأن يكون مخطئًا.

    السؤال206 ما حكم من يغلط في ضبط الحديث مثل ما ذكره الخطابي -رحمه الله- في غلط المحدثين في حديث ذي اليدين فقال: سرعان، وسرْعان، وسرْعان الناس، ونحن كطلبة علم ربما قرأنا الحديث فربما أخطأنا فيه فما حكم ذلك؟

    الجواب: الواجب هو التحري أما المعروف والذي رجّحه الخطابي فهو: سرعان.

    وهذا لا يدخل في حكم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو الوعيد على الكذب، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار)).

    وقد جاء عن الأصمعي وهو عبدالملك بن قريب أن الذي يلحن يتناوله أو يخشى عليه قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار)).

    ولكن الصحيح أن الذي يلحن أو يصحّف غير متعمد فلا يشمله الوعيد، لكن الواجب عليه أن يتعلّم وأن يصلح لسانه.

    السؤال207 ما حال حديث: ((يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله))؟

    الجواب: الذي يظهر أنه مرسل من مراسيل إبراهيم العذري، وجاء من طرق أخرى لا ترتقي إلى الحجية، وجاء عن الإمام أحمد أنه يقول: إنه صحيح، وقد خولف الإمام أحمد -رحمه الله-، ثم لو صح فهو على الأمر لا على الإخبار، بمعنى: ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. قال بهذا بعض أهل العلم.

    وقد استدل ابن عبدالبر بهذا الحديث على أن حملة العلم أو المحدثين عدول، وهذا مخالف لما جاء في تراجم المحدثين، فمثلاً سليمان ابن داود الشاذكوني أبوأيوب وكان حافظًا، جاء عنه أنه كان يشرب الخمر، وقال فيه الإمام البخاري: إنه أضعف من كل ضعيف.

    وكذلك محمد بن عمر الجعابي نقل عنه أنه كان لا يصلي، فالواقع يخالف ما قاله ابن عبدالبر -رحمه الله-: أن حملة علم الحديث كلهم ثقات.

    وعندنا بحمد الله "ميزان الاعتدال"، والإمام الشافعي –رحمه الله- يقول: من روى عن البياضي بيض الله عيونه.

    ويقول أيضًا في حرام بن عثمان: الرواية عن حرام بن عثمان، حرام.

    وما أكثر المحدثين الذين يعتبرون من حملة الحديث ومن حفاظه الكبار، ومع ذلك فهم مضعّفون مثل: أحمد بن محمد بن سعيد الشهير بابن عقدة، فهو حافظ كبير أمثاله قليل في الحفظ من معاصريه، ومع هذا فهو ضعيف.

    السؤال208 ((أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيّك يا أبا ذرّ))، هل هذا حديث وإن كان حديثًا فما حاله؟

    الجواب: هو حديث، لكنه ضعيف، فيه إبراهيم بن هشام بن يحيى ابن يحيى الغساني وقد كذّبه أبوحاتم، وأبوزرعة، كما في "الميزان".

    السؤال209 ما صحة نسبة كتاب "الروح" للإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-؟

    الجواب: هو صحيح، والعلماء يثبتونه، وقد حصلت له أخطاء فيه لا ينبغي أن يتابع عليها، وبعضهم يقول: لعله ألّفه قبل أن يثبت عقيدته.

    وآخرون يقولون: لعله ألّفه قبل أن يجالس شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكنه ينقل في هذا الكتاب عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذا دليل على أنه كان يجالسه، وعلى كلّ فيتوقف فيما يرى مخالفًا لأصول الشرع والأحاديث الصحيحة.

    أسئلة متفرقة في المصطلح
    السؤال210 ما سبب اختلاف العلماء في زيادة الثقة؟ وما الراجح في ذلك؟

    الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعد:

    فسبب اختلاف العلماء، اختلاف تصرف جهابذتهم الكبار، فليس لهم قانون متّبع في زيادة الثقة، فرب زيادة ثقة يقبلونها، ويردون مماثلةً لها في ذلك السند نفسه، أو ما يماثل ذلك السند نفسه.

    والسبب في هذا أن العلماء المتقدمين حفاظ، يحفظون رواية الشيخ، ورواية طلبته، ورواية شيخه، ولا أقصد الرواية الواحدة، بل يحفظون كم روى الشيخ، وكم روى التلميذ، وكم روى تلميذ التلميذ، فإذا زاد واحد منهم زيادة وهم يعلمون أنّها ليست من حديث ذلك الشيخ حكموا عليها بأنّها غير مقبولة، وإذا تفرد واحد منهم بزيادة وهم قد عرفوا أنّها من رواية ذلك الشيخ فإنّهم يقبلونها، أما إذا اختلف حفاظ الحديث في شأن زيادة الثقة أتقبل أم لا؟ فإنا نرجع إلى الترجيح، وهو أن تقارن بين الرواة، ثم تجعل المرجوح شاذًّا، والراجح محفوظًا، وتأخذ بالمحفوظ، وهكذا إذا وجدت زيادة ثقة ولم تجد للعلماء المتقدمين فيها كلامًا لا تصحيحًا ولا تضعيفًا ترجع إلى تعريف الإمام الشافعي في الشاذ، أن الشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وتقارن بين الصفات وبين العدد، فربّ شخص يعدل خمسة، فلا تقارن بين العدد فقط.

    مثل يحيى بن سعيد القطان، أو سفيان بن سعيد الثوري لو خالفه اثنان أو ثلاثة ممكن أن تجعل الحديث مرويًّا على الوجهين، وقد قال الدارقطني في "التتبع" بعد أن ذكر جماعةً خالفوا يحيى بن سعيد القطان يرويه عن عبيدالله عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.

    وجماعة يروونه عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة.

    فيحيى بن سعيد تفرد بزيادة عن أبيه. ثم بعد أن ذكر الدارقطني الجمع الكثير الذين يخالفون يحيى بن سعيد قال: ولعل الحديث روي على الوجهين، فقد هاب الدارقطني أن يقول: إن يحيى بن سعيد شاذ.

    إذا تساوت الصفتان يحمل على أن الحديث روي على الوجهين وأنصح أن يرجع إلى ما ذكره الحافظ ابن رجب في شرحه "علل الحديث للترمذي" و"توضيح الأفكار" للصنعاني وما كتبته في "الإلزامات والتتبع".

    السؤال211 ما الفرق بين الشهادة والرواية؟

    الجواب: سيأتي بعض ذلك في كلام الخطيب -رحمه الله- ص (189)، وقد ذكر الإمام الشافعي -رحمه الله- ص (161) إلى (172) ومن جملة ما ذكره: أن الرواية قد يتحرى فيها ما لا يتحرى في الشهادة، بألا يقبل إلا من ثقة حافظ عالم بما يحيل المعنى. اهـ المراد منه.

    وقد أتى السيوطي -رحمه الله- بخلاصة ما يجتمعان فيه، وما يختلفان، فقال -رحمه الله تعالى- في "التدريب" ص(222): فائدة ثم ذكرها. وبعضها عليه دليل، وبعضها لا دليل عليه. ومن أجل هذا لم أنقلها.

    فأنصح الأخ السائل بمراجعة كتب المحدثين، فإن فيها ما يحتاج إليه الباحث، وإذا ثبتت سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم استسلم لها واتّهم نفسه. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

    السؤال212 إذا قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، هل يكون الرجال هم الذين في البخاري ومسلم؟ أم ليسوا في البخاري ومسلم؟

    الجواب: هذا هو الذي ينبغي أن يفهم منه، أن قوله: على شرط الشيخين، معناه: أن رجاله رجال الشيخين. وقد يهم الحاكم، ويكون في السند من ليس من رجال الشيخين، أو هو من رجال أحدهما، وقد يهم ويكون في السند من هو كذاب أو وضّاع.

    وربما يتساهل الحاكم ويقول في حديث من طريق محمد بن إسحاق: صحيح على شرط مسلم، ومن طريق سماك عن عكرمة صحيح على شرط مسلم، مع أن رواية سماك عن عكرمة مضطربة ويأتي بأناس روى لهم البخاري في المتابعات ويقول: صحيح على شرط البخاري، أو روى لهم مسلم في الشواهد والمتابعات، ويقول: صحيح على شرط مسلم، على أن البخاري ومسلم ربما ينتقيان لبعض المشايخ، فمثل هشيم عن الزهري لا يقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم، مع أن البخاري ومسلمًا قد رويا لهشيم، ورويا للزهري، لكن لم يرويا بهذه السلسلة، ولعلهما رويا قدر أربعة أحاديث، يقولون: الذي حفظه هشيم عن الزهري قدر أربعة أحاديث.

    من أجل هذا فنحن ننصح الإخوة في شأن "مستدرك الحاكم" أن ينظروا السند، وأن يبحثوا عنه رجلاً رجلاً، وما أحوجه إلى من يحققه ويخرّج أحاديثه، فإنه لا يزال محتاجًا إلى خدمة.

    أما أنا فالذي أعمله هو تتبع مثل هذا الذي تقدم، فربما يقول: صحيح على شرط الشيخين، ويكون قد أخرجه أحدهما، أو يقول: صحيح على شرط البخاري، وفي السند من ليس من رجال البخاري، أو صحيح على شرط مسلم، وفي السند من ليس من رجال مسلم، أو صحيح الإسناد، ويكون من طريق درّاج عن أبي الهيثم، ودرّاج منهم من يضعّف حديثه مطلقًا، ومنهم من يضعّفه في أبي الهيثم، وربما يكون في السند من هو كذّاب فأنا أتتبّع هذا، والله المستعان.

    ولكن ينبغي أن يعلم أنني الآن قد كتبت نحو ألفين وما أراها شيئًا بالنسبة إلى ما بقي فيه. فهو محتاج إلى جهود وعناية، يسر الله ذلك إنه على كل شيء قدير.[26]

    وسأذكر إن شاء الله في مقدمة "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" جملة من أوهام الحاكم -رحمه الله- الفاحشة، وإنكار الذهبي عليه، يسر الله ذلك إنه على كل شيء قدير. [1]

    هذا، ومما ينبغي أن يعلم أن سكوت الحافظ الذهبي على بعض الأحاديث التى يصحّحها الحاكم وهي ضعيفة لا يعد تقريرًا للحاكم، بل الذي ينبغي أن يقول الكاتب: صححه الحاكم، وسكت عليه الذهبي. لأمور، منها: أن الذهبي -رحمه الله- لم يذكر في مقدمة تلخيصه (ما سكتّ عليه فأنا مقرّ للحاكم).

    ومنها: أنه ذكر في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة الحاكم أن كتابه التلخيص محتاج إلى نظر.

    ومنها: أن الحاكم قد يقول: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، أو صحيح على شرط أحدهما، أو صحيح ولم يخرجاه، ويكون في سنده من قال الذهبي في "الميزان": إنه كذّاب أو ضعيف وربما يذكر الحديث في ترجمته من "الميزان".

    فعلى هذا فلا تقل: (صحّحه الحاكم وأقره الذهبي)، بل تقول: (صححه الحاكم وسكت عنه الذهبي)، على أني وقعت في كثير من هذا قبل أن أتنبّه لهذا، والحمد لله، ونسأله المزيد من فضله، إنه على كل شيء قدير.

    السؤال213 هل يعمل بالحديث الضعيف؟

    الجواب: الحديث الضعيف لسنا متعبّدين به على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن الله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {ولا تقف ما ليس لك به علم[27]} فنحن نأخذ ديننا بتثبّت. والعلماء الذين فصلوا بين الحديث الضعيف في فضائل الأعمال وبينه في الأحكام والعقائد، يقول الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- في كتابه "الفوائد المجموعة": إنه شرع، ومن ادعى التفصيل فعليه البرهان. والأمر كما يقول الشوكاني -رحمه الله تعالى- والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من حدّث عنّي بحديث يرى أنّه كذب، فهو أحد الكاذبين)).

    فالحديث الضعيف لا يحتاج إليه، وفي كتاب الله وفي الصحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يغني عن الضعيف. ثم إن هؤلاء الذين يقولون: يعمل به -خصوصًا من العصريين- تجده لا يعرف الحديث الضعيف، ولا يدرى لماذا ضعّف؟ أضعّف لأن في سنده سيء الحفظ؟ أم لأن في سنده كذابًا؟ أم لأن في سنده صدوقاً يخطئ كثيرًا...إلخ؟ فتجده يأخذ الأحاديث الضعيفة ويقول: يعمل به في فضائل الأعمال، والذين أجازوا العمل بالضعيف اشترطوا شروطاً:

    o لا بد أن يكون مندرجًا تحت أصل، كأن يأتي حديث في فضل ركعتي الضحى ويكون ضعيفًا، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضلها وقد ورد القرآن بالترغيب في الصلاة من حيث هي. وأيضًا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أسألك مرافقتك في الجنّة، قال: ((أو غير ذلك))؟ قلت: هو ذاك، قال: ((فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود)).

    o ألا يشتد ضعفه، أي: لا يكون في سنده من قيل فيه: ضعيف جدًا، أو قيل فيه: إنه كذاب، أو قيل فيه: إنه متروك، وهذا الشرط لا يعرفه إلا المحدثون.

    o أن يعمل به في خاصة نفسه.

    السؤال214 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد: فقد وصل إليّ سؤال يتضمن طلب الإفادة في قبول المحدثين رواية المرأة، والله عز وجل يقول في كتابه الكريم: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى[28]}

    الجواب: والله الموفق للخير والصواب: إن هذه المسألة بحمد الله قد بيّن أهل المصطلح رحمهم الله شأنها، فقال الخطيب رحمه الله في "الكفاية" ص (58): باب ذكر ما يستوي فيه المحدث والشاهد، ثم ساق بسنده إلى أبي الطيب -رحمه الله- أنه لا خلاف في قبول خبر من توفرت فيه صفات الشاهد في الحقوق: من الإسلام، والبلوغ، والعقل، والضبط، والصدق، والأمانة، والعدالة، إلى ما شاكل ذلك.

    ولا خلاف أيضًا في وجوب اتفاق المخبر والشاهد في العقل، والتيقظ, والذكر.

    فأما ما يفترقان فيه: فوجوب كون الشاهد حراً، وغير والد، ولا مولود، ولا قريب قرابة تؤدي إلى ظنّة، وغير صديق ملاطف، وكونه رجلاً إذا كان في بعض الشهادات، وأن يكونا اثنين في بعض الشهادات، وأربعة في بعضها، وكل ذلك غير معتبر في المخبر لأننا نقبل خبر العبد، والمرأة، والصديق، وغيره ثم ذكر حديث: ((لا تكتبوا العلم إلاّ عمّن تجوز شهادته)) ثم ذكر أنه لا يثبت، لأنه من طريق صالح بن حسان، وقد ترك نقاد الحديث الاحتجاج به.

    قال أبوعبدالرحمن: ويمكن أن يستدل بما جاء عن عمر, أنه قال في حديث فاطمة بنت قيس الذي فيه: أنّ زوجها طلّقها طلاقًا بائنًا وأنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لها: ((ليس لك نفقة ولا سكنى)) فقال عمر: لا ندع كتاب ربّنا لقول امرأة لعلّها نسيت. ويجاب عنه بأنّها لم تنس، بل عمر رضي الله عنه لم تبلغه هذه السنة.

    ثم قال الخطيب رحمه الله ص (162): باب ما جاء في كون المعدّل امرأةً أو عبدًا أو صبيًّا. وذكر سؤال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بريرة عن عائشة: ((هل علمْت على عائشة شيئًا يريبك، أو رأيت شيئًا تكرهينه))؟ قالت: أحمي سمعي وبصري.. عائشة أطيب من طيب الذّهب.

    قال أبوعبدالرحمن: هكذا هذه الرواية. وفي "الصحيح": ما رأيت عليها أمرًا قطّ أغمصه، غير أنّها جارية حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن فتأكله. اهـ المراد من "الكفاية".

    وهناك أدلة تدل على قبول رواية المرأة التي توفرت فيها شروط القبول من إسلام، وبلوغ، وعدالة، وضبط، كما تقدم في شروط الرجال، منها:

    A قوله تعالى: {ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا[29]} مفهوم الآية: أنه إذا جاءنا العدل نأخذ به. والعدل يشمل الذكر والأنثى، إذ الأصل عموم التشريع.

    يدل على ذلك تصديق موسى، إذ قالت له ابنة الرجل الصالح: {إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا[30]}.

    وتصديق الرجل الصالح، لابنته حيث قالت: {ياأبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين[31]}.

    B قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعائشة: ((مري أبا بكر فليصلّ للنّاس))، ولو كان خبرها غير كاف لأرسل معها من يعززها.

    C إقراره صلى الله عليه وعلى آله وسلم عائشة، إذ تعلم المرأة كيف تزيل أثر الحيض. والحديثان في "الصحيح".

    D ما رواه أبوداود (ج4 ص215) والإمام أحمد (ج6 ص37) عن الشفاء رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: ((ألا تعلّمين هذه رقية النّملة[32]، كما علّمتيها الكتابة))؟ سنده حسن.

    وأخرجه أحمد (ج6 ص286) من حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها. وسنده صحيح.

    E في "صحيح مسلم" (ج2 ص779)، أن عمر بن أبي سلمة سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((سل هذه)) لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك. الحديث.

    F قال البخاري -رحمه الله تعالى- (ج13 ص243): باب خبر المرأة. حدّثنا محمّد بن الوليد، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن توبة العنبريّ قال: قال لي الشّعبيّ: أرأيت حديث الحسن عن النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقاعدت ابن عمر قريبًا من سنتين، أو سنة ونصف، فلم أسمعه يحدّث عن صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير هذا، قال: كان ناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم فنادتْهم امرأة من بعض أزواج النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنّه لحم ضبّ، فأمسكوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كلوا، أو اطعموا، فإنّه حلال -أو قال:- لا بأس به -شكّ فيه- ولكنّه ليس من طعامي)).

    G حديث عقبة بن الحارث: أنّه تزوّج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إنّي قد أرضعت عقبة والّتي تزوّج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنّك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كيف وقد قيل))، ففارقها عقبة.

    سواء أكان هذا من قبيل الشهادة، أم من قبيل الإخبار، إذ قد قبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خبرها، وأمره بفراق امرأته.

    ففي هذه الأدلة دليل على قبول خبر المرأة، ويجب أن تكون من وراء حجاب لحديث: ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشّيطان)) رواه الترمذي من حديث ابن مسعود.

    ولا يجوز لها أن ترقّق صوتها لقوله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض[33]}.

    وليس هذا من تقديم قول أئمة الجرح والتعديل -رحمهم الله- على كتاب الله، فإنّهم لا يذكرون اصطلاحاتهم في الغالب إلا بأدلة، كما في كتاب العلم من "صحيح البخاري"، ومقدمة "الضعفاء والمجروحين" لابن حبان، وأوائل كتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، "وإحكام الأحكام" لأبي محمد بن حزم -رحمهم الله-.

    السؤال215 ماذا تعرفون عن هذا الحديث: ((لعن الله امرأةً رفعت صوتها ولو بذكر الله))؟

    الجواب: الحديث لا يثبت، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {وقلن قولاً معروفًا} ويقول في كتابه الكريم: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الّذي في قلبه مرض} فلو قالت المرأة بصوت خشن: سبحان الله، الله أكبر، وذكرت الله سبحانه وتعالى فلا شيء في هذا إن شاء الله.

    السؤال216 عندي كتاب "بلوغ المرام" ومعتمد عليه، فهل هو قويّ أم ضعيف؟

    الجواب: نعم الكتاب، "بلوغ المرام" من أحسن الكتب للحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - فقد حكم على غالب أسانيده بالصحة، أو الضعف أو الحسن أو النكارة، فهو كتاب قيّم، وليس معنى هذا أنه لا يوجد فيه حديث ضعيف، لكن إذا عملت به فأنت إن شاء الله على خير. وقد اهتم العلماء بالكتاب فقام بشرحه غير واحد ومن أحسنها "سبل السلام".

    السؤال217 أخبرونا عن صحة هذه الأحاديث: (1) ((إذا رأيتم الرّجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان)). (2) ((من كنت مولاه فعليّ مولاه))

    الجواب: أما ((إذا رأيتم الرّجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان)) فرواه الترمذي والحاكم. روياه من طريق درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودرّاج ضعيف، هذا الحديث صححه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد، فتعقبه الذهبي فقال: فيه دراج وهو ذو مناكير، هذا في (كتاب الصلاة)، ثم ذكره الحاكم في (التفسير) في سورة التوبة، وقال: صحيح الإسناد، وسكت الذهبي على هذا، فلا أدري هل اعتمد على ما تقدم أم سها، فدراج لا يعتمد عليه خصوصًا في روايته عن أبي الهيثم.

    الحديث الثاني: ((من كنت مولاه فعليّ مولاه)) حديث صحيح، رواه الترمذي وغيره وقد ساق الشيخ ناصر الدين الألباني -حفطه الله تعالى- طرقه المتكاثرة فى "السلسلة الصحيحة" ولكن فهمته الشيعة فهمًا باطلاً، فهموا أنّ عليًا أحق بالخلافة، ونشأ عن هذا تخطئة أبي بكر وعمر وتخطئة الصحابة كلهم.

    والإمام الشافعي والإمام الطحاوي وغيرهما يقولون فى هذا الحديث: إنه ولاء الإسلام، بمعنى قول الله عز وجل: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[34]} هكذا يقول الإمام الشافعي، والإمام الطحاوي وغيرهما، أما صاحب "نصب الراية" وهكذا فيما يظهر شيخ الإسلام ابن تيمية فإنّهما حكما على الحديث بالضعف ولا مجال لتضعيفه فهو مرويّ من طرق كثيرة متكاثرة لا يستطاع أن يحكم عليه بالضعف. والله المستعان.

    السؤال218 نرجو أن ترشدونا إلى كتاب فيه أحاديث صحيحة وإلى كتاب فيه معرفة الأحاديث الضعيفة؟

    الجواب: سؤال حسن. كنت أحب أن أعرف المستوى العلمي للسائل، ولكن إذا كان مبتدئًا فأنصحه "برياض الصالحين"، وإن كان قد ارتفع قليلاً كذلك مع "رياض الصالحين": "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" فإن كان قد ارتفع قليلاً فننصحه باقتناء "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" و"تفسير ابن كثير"، ومن الكتب القيمة التى لا يستغني عنها مسلم، كتاب: "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" كتاب "التوحيد" للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى- و"فتح المجيد" لأحد أحفاده.

    أنت تأخذ الحق ممن جاءك، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر الشيطان على كلمة الحق، لما قال الشيطان لأبي هريرة: ((إنّك إذا قرأت آية الكرسيّ عند نومك لا يقربك شيطان)) قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لقد صدقك وهو كذوب)) وفى "سنن النسائي" بسند صحيح عن قتيلة امرأة من جهينة أنّ يهوديًّا أتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إنّكم تندّدون، وإنّكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربّ الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثمّ شئت.

    فالمسلم يقبل الحق ممن جاء به. والشيخ محمد بن عبدالوهاب هو عالم من علماء المسلمين يصيب ويخطئ.

    الدين ليس فيه محاباة، الآن تحكمت الأهواء في الدين وأصبح اليمني لا يثق إلا باليمني. والنجدي لا يثق إلا بالنجدي، والمصري لا يثق إلا بالمصري. بخلاف ما عليه علماؤنا المتقدمون، فقد رحل العلماء إلى عبدالرزاق الصنعاني من بغداد، ومن نيسابور، ومن مصر، ومن مكة، ومن جميع البلاد الإسلامية، حتى قيل: إنه لم يرحل إلى عالم أكثر مما رحل إلى عبدالرزاق الصنعاني.

    وهكذا تجدون اليماني يثني على العالم البغدادي، والمصري يثني على العالم المصري، والنيسابوري يثني على العالم الشامي، والكوفي يثني على البصري، والبصري يثني على الحجازي وعلى اليماني. الآن أصبح الهوى يتحكم والدعايات الملعونة من شيوعيين، وبعثيين، ومرتزقة، يرتزقون من الحروز والعزائم، نعم، كنا قبل خدمًا لهم فساءهم هذا، حتى نساؤنا كن يطلعن بالحطب إلى باب المركز في عهد أولئك الذين تعرفون، وذاك بالرشوة، وذاك بالدجل والشعوذة، فلما جاء الدعاة إلى الله يبينون الحق قامت قيامتهم، وصاروا تارةً يقولون: ذاك وهابيّ، وذاك عميل للسعودية، وذاك عميل، ربما قالوا لأمريكا، شنقوا السيد قطب -رحمه الله تعالى- وقالوا: إنه عميل لأمريكا !!

    كان هناك شابّ يعلم الله بحاله، أستطيع أن أقسم لكم إنه كان لا يملك ألف ريال ذهب للدعوة إلى الله وسكن في ماوية[35] في هذا الزمن فوصل إليهم ودعاهم إلى الحق، فقامت قيامة بعض المتأكلة سواء أكانوا من مشايخ القبائل أم من غيرهم، قالوا: هذا شيوعي، وبقي ما شاء الله واتضح وعرف من هو عميل الشيوعية ومن هو الداعي إلى الله، وفى نهاية أمره قتله الشيوعيون لا جزاهم الله خيرًا.

    أقصد إخواني في الله أنّهم يريدون أن يحرموكم الخير، ويريدون أن يجعلوا بينكم وبين علمائكم فاصلاً، أستطيع أن أقول: إن أعداء الإسلام يخافون من العلماء أعظم مما يخافون من طائراتنا ومن صواريخنا، لأن عندهم أكبر منها وأكثر، لكنهم يخافون من العلماء، وما أكثر ما يدخلون البلدة ويبدؤون بقتل العلماء، كما حصل هذا في جنوب اليمن قبل الوحدة.

    ونحن نقولها لكم، مشفقين عليكم ونحب لكم الخير، ونريد لكم العزة والكرامة ولوطنكم الأمن، وإلا فالحمد لله أرض الله واسعة، لا تظنوا أنني مستريح باليمن، أنا أؤلف الكتاب ثم بعد ذلك يعرض للضياع، يبقى ثلاث أو أربع سنوات ولم يطبع، وربما بعد الطبع يخرج بطبعة رديئة، وعند أن نزلت في مصر، والله لو أستطيع أن أؤلف فى اليوم كتابًا أو أحقق في اليوم كتابًا لنشر، فلا تظنوا أننا ههنا في وطننا وفي بلدنا مستريحون، نحن نعتبر أنفسنا غرباء، ولكننا نرى هذه الوجوه المباركة الكريمة، وإقبالها على الخير فهذا هو الذي يصبرنا بين أظهركم وإلا فأرض الله واسعة والله المستعان.

    السؤال219 ماحال ابن لهيعة؟

    الجواب: عبدالله بن لهيعة، من أهل العلم من يرده، ومنهم من يقبله كـ(أحمد شاكر( ومنهم من يفصل يقول: إذا روى عنه العبادلة:

    § عبدالله بن يزيد المقرئ.

    § وعبدالله بن وهب.

    § عبدالله بن المبارك.

    § وأضاف بعضهم عبدالله بن مسلمة وليس بصحيح لأنه صغير، والصحيح أنه يضعف ابن لهيعة مطلقًا.

    وقد رأيت بحثًا قيّمًا في كتاب "الأذان" لأخينا في الله أسامة القوصي، يقول فيه: الصحيح أن ابن لهيعة مضعف سواء روى عنه العبادلة أم غيرهم، وأنه إذا روى عنه العبادلة أحسن حالاً مما إذا روى عنه غير العبادلة، وإلا فالصحيح أنه مضعف، وأنصح بقراءة ما كتبه أخونا أسامة في كتاب "الأذان".

    ويا سبحان الله كيف يتلقى الناس العبارات ولا يبحثون، أنا من فضل الله ما أعلم حديثًا واحدًا قد قبلته لابن لهيعة، ولو روى عنه العبادلة، أقصد من هذا أنني من أول الأمر والحمد لله لا أقبل حديثه. وهو يصلح في الشواهد والمتابعات والله المستعان.

    السؤال220 الحديث الذي يأتي من طريقين بصحابي واحد أقوى؟ أم الحديث الذي يأتي من طريقين وصحابيين، مع ذكر اسم كل منهما؟

    الجواب: الذي يظهر، أن الذي يأتي عن صحابيين أقوى من الذي يأتي عن صحابي.


    كيف تتعلم البحث


    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب[36]}.

    وروى البخاري ومسلم في "صحيحيهما": عن معاوية رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين)). ورويا في "صحيحيهما": عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يبق عالمًا اتّخذ النّاس رءوسًا جهّالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا )).

    وفي حديث أنس المتفق عليه، وحديث أبي هريرة المتفق عليه أيضًا: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر من أمارات الساعة: ((رفْع العلم، وظهور الجهل))، أو بهذا المعنى.

    ونحن في هذا الزمن قد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ظهور الجهل وتفشّيه، حتى إنه أصبح كثير من المسلمين لا يميّز بين العالم والمنجّم، بل لا يميز بين المسلم والشيوعي، وكل هذا بسبب بعد المسلمين عن تعلّم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    إذا عرفت هذا، -ومعرفته بإذن الله تعالى نافعة للباحث- أعني أن الباحث إذا نظر إلى أحوال المسلمين وإلى حاجتهم، ونظر إلى تفشي الجهل، أنه يحتسب الأجر والثواب ويصبر، فإن طلب العلم يحتاج إلى صبر، ورضي الله عن عبدالله بن عمر إذ يقول: قل لطالب العلم يتخذ نعلين من حديد[37]. وكذا يحيى بن أبي كثير -رحمه الله تعالى- يقول لولده عبدالله: لا يستطاع العلم براحة الجسم. ذكره الإمام مسلم في (كتاب الصلاة).

    أما إذا لم يصحب الشخص الصبر والاحتساب فإنه يوشك أن يملّ، ويسأم، بل ربما إذا حصل على فائدة وأخرجها للمسلمين، ولم ير المسلمين يتقبلونها، ربما يحمله ذلك على أن يترك، كما حصل لغير واحد من المتقدمين، وربّ شخص يحرق كتابه، وآخر يدفن كتبه، إما لخلل في كتبه، وإما لعدم إقبال الناس عليها، كما قال بعضهم:

    غزلت لهم غزلاً نسيجًا فلم أر لغزلي نسّاجًا فكسّرت مغزلي

    فالشخص الذي لا يصبر ولا يحتسب ربما تأخذه السآمة، ويأخذه الفتور، سيما ونحن في مجتمع وعصر لا يشجع على العلم.

    فربّ ولد محبّ للعلم يحول بينه وبين العلم والده الجاهل، وربّ شخص محبّ للعلم يحول بينه وبين العلم أهله الجاهلون، فمجتمعنا لا يشجّع على العلم، لكن ينبغي أن نصبر، وأن نحتسب، ولا نبالي، فرب العزة يقول في كتابه الكريم: {ياأيّها الّذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا الله لعلّكم تفلحون[38]}.

    ويقول سبحانه وتعالى: {وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا لمّا صبروا[39]}.

    فطالب العلم لابد أن يصبر، حتى وإن تراكمت عليه الأمور والمشاكل، ووجد ضيقًا في صدره، وربما يكلّف نفسه من الحفظ ومن الاهتمام بطلب العلم، حتى يجد قسوةً في قلبه، فلا ينبغي أن يثنيه عن هذا، فالشيطان لا يريد لك الخير، يريد أن يصرفك عن طلب العلم لأن طلب العلم في هذا الزمن أعظم حصن بإذن الله تعالى، يقيك من الفتن، فهو يعتبر حصنًا حصينًا، كما أن الذكر يعتبر حصنًا حصينًا، فكذلك العلم في هذا الزمن.

    والذي ننصح به طالب العلم والمحب لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأخذ من اللغة العربية ما يستقيم به لسانه، وما يعرف به ارتباط المعاني، فإن القرآن الكريم كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: {قرءانًا عربيًّا غير ذي عوج[40]} وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عربية.

    كما ننصحه أن يتعلم الخط والإملاء، فإنه ينبغي أن يؤهل نفسه للتحقيق والتأليف، والرد على المنحرفين، سواء كان في صحافة، أو في إذاعة، أو كان في كتب عصرية. ينبغي أن تكون همته عاليةً كما قال الشاعر:

    فكن رجلاً رجله في الثرى وهامة همّته في الثريا

    ومن رزقه الله فهمًا وحفظًا، ثم قصّر في نفسه، وفي طلب العلم، فقد حرم خيرًا كثيرًا، كما ذكره الحافظ الخطيب رحمه الله تعالى في كتابه "الفقية والمتفقه".

    إذا أخذ من اللغة العربية ما يستقيم به لسانه، ويمكن أن يكتفي "بقطر الندى" وأخذ من الخط ما يفهم لأن الخط عبارة عن نقوش اصطلح عليها الناس للتفاهم، فإذا كان خطه يقرأ، وقد عرف الإملاء، ولو أن يفهم "المفرد العلم" من أجل أن يعرف أصحاب المطابع الخط، ويعرف الناس الآخرون إذا أراد أن يكتب. والمنحرفون يعيرون أصحاب المساجد، يقولون: لا يستطيع أحدهم أن يكتب اسمه، أو لا يستطيع أن يكتب إلى أبيه أو إلى قريبه, ينبغي أن نقطع ألسنتهم، والكتابة مما امتن الله سبحانه وتعالى بها، قال الله سبحانه وتعالى: {ن * والقلم وما يسطرون [41]} وقال سبحانه وتعالى: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم * الّذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم [42]}.

    وينبغي أن يحرص كل الحرص على تكوين مكتبة، فإن وجد علماء يثق بهم من علماء السنة، فننصحه أن يجلس إليهم، فرب جلسة عند عالم، خير من قراءة شهر، ويحرص على مجالستهم، فإذا لم يكونوا في بلده ينبغي أن يرحل إليهم، والرحلة مشروعة، ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرغّب في الرحلة في طلب العلم، والصحابة رضوان الله عليهم كان أحدهم يرحل في المسألة الواحدة، فالإمام البخاري رحمه الله تعالى قال: باب الرحلة في العلم، في كتاب العلم من "صحيحه" ثم ذكر حديث الرجل الذي أتى يسأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن امرأة سوداء زعمت أنّها أرضعته وأرضعت امرأته.

    وفي "الأدب المفرد" للبخاري: أن جابر بن عبدالله رحل من أجل حديث واحد إلى عبدالله بن أنيس إلى الشام، فلما حدثه به رجع.

    وقد ألف الخطيب -رحمه الله تعالى- كتابًا في الرحلة، فإن تيسر له أن يرحل إلى أهل العلم، ويجالس أهل العلم، فمجلس واحد ربما يكون خيرًا من قراءة شهر، ويا سبحان الله لا تزال عبارة علمائنا الذين سمعنا منهم واستفدنا منهم، في أذهاننا إلى الآن فجزاهم الله خيرًا، فلا أزال أذكر من شيخنا محمد بن عبدالله الصومالي -حفظه الله تعالى-: إذا رأيت شعبة عن عمرو فهو ابن مرة، وإذا رأيت سفيان عن عمرو فهو ابن دينار، وإذا رأيت عبدالله بن وهب عن عمرو فهو ابن الحارث، وهكذا إذا جاء سفيان في السند في "صحيح مسلم" في الثالث أي: بينه وبين مسلم اثنان، قال: في الغالب بأنه سفيان الثوري، وإذا جاء في "صحيح مسلم" بينه وبين مسلم واحد، قال: فالغالب أنه سفيان بن عيينة. لا أزال أذكر مثل هذه الفوائد التي استفدناها منه حفظه الله تعالى، تلقين الشيخ له أثر لا سيما الشيخ الذى يعمل لله ويعلّم لله، أما الشيخ المستأجر الذى يدرس بأجرة فالفائدة قليلة، فقد كنا في الجامعة الإسلامية، وبعض المشايخ يشرح الدرس حتى كأننا نشاهد الألفاظ بأعيننا، ونخرج بسبب عدم الثقة في الشيخ فلا نستفيد الفائدة التي ينبغي أن تستفاد.

    فإن لم يتيسر له الحضور عند المشايخ ومجالستهم، فننصحه بتكوين مكتبة، والحمد لله الوجادة من طرق التحمل التي أجازها علماؤنا المتقدمون على الصحيح، يكون مكتبة من كتب السنة، ومن كتب الرجال، ومن كتب العقيدة، ومن كتب الفقه، ومن كتب التفسير، ينبغي أن يحرص كل الحرص على أن لا يترك كتابًا من كتب المراجع الإسلامية إلا ويكون موجودًا في مكتبته بحسب القدرة والطاقة، والفائدة الواحدة من الكتاب تساوي الدنيا عند الذي يعرف قدر العلم، وعند من أصبح العلم أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين، كما قاله شعبة في حديث تعب في الرحلة من أجل أن يتحصل عليه، وانتهى به الأمر إلى أن الحديث من طريق شهر بن حوشب، فقال: أفسده عليّ شهر، ولو صح هذا لكان أحب إليّ من أهلي ومالي وولدي والناس أجمعين. أو بهذا المعنى. ذكر هذا الإمام الخطيب في كتابه "الرحلة" وكتابه "الكفاية" وذكر بعضه ابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل[43]" في ترجمة شعبة. فالفائدة الواحدة عند المحب للعلم والذي يعرف قدر العلم خير من الدنيا وما فيها، بل عبّر بعض أهل العلم بأن تحصيل الفوائد لا يعادلها شيء في نفسه فيقول شعرًا:

    من وصل غانية وطيب عناقي
    أشهى وأحلى من مدامة ساقي
    أحلى من الدوكاة والعشاق
    نقري لألقي الرّمل عن أوراقي
    نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي

    سهري لتنقيح العلوم ألذّ لي
    وتمايلي طربًا لحلّ عويصة
    وصرير أقلامي على أوراقها
    وألذّ من نقر الفتاة لدفّها
    أأبيت سهران الدّجا وتبيته


    ثم بعد هذا جمْع ما تيسر من كتب اللغة، الكتب التى تشرح المفردات سواء كانت متعلقة بالحديث "كالنهاية" لابن الأثير و "الفائق" للزمخشري، أم كانت من قواميس اللغة "كالقاموس" و"تاج العروس" و"لسان العرب" وغير ذلك من الكتب التي لا بد أن يقتنيها فهو يحتاج إلى البحث فيها.

    بقي كيف يستفيد من هذه الكتب؟ وهذا هو الذي يهمنا كيف يستفيد من هذه الكتب؟ يستفيد أحسن استفادة بالممارسة، وبالقراءة من كتب أصحاب التخاريج مثل "التلخيص الحبير" ومثل: "نصب الراية" ومثل "تفسير ابن كثير" يعتبر أيضًا من أعظم كتب التخاريج يبين طرق الحديث وإن كان تفسيرًا، وطالب العلم المحب للعلم والذي لديه غيرة يستطيع أن يكتب، ويستفيد من مكتبته الصغيرة فقد كنت في مكة، وكان عندي مكتبة في دولاب صغير من الخشب، والحمد لله كتبت "الطليعة في الرد على غلاة الشيعة" والله المستعان. فإن تيسر توفير الكتب فبها ونعمت، وإن لم يتيسر فينبغي أن تستفيد من مكتبتك الصغيرة، وأن تصبر، إلا أنه فرق بين توفر الكتب وبين عدم توفرها، فتوفر الكتب يوفر عليك وقتك فرب مسألة قد ألّف العلماء فيها المؤلفات من أمثال هذا: {بسم الله الرحمن الرحيم}أيجهر بها في الصلاة أم لا يجهر بها؟ الحافظ ابن عبدالبر له كتاب "الإنصاف في مسألة الخلاف" في هذا الموضوع، كذلك الدارقطني له كتاب في هذا الموضوع. يؤيد الجهر في {بسم الله الرحمن الرحيم}، والخطيب أيضًا له كتاب في هذا الموضوع بعض علمائنا المتقدمين مما لا أذكره، لأنه حصل صراع في هذه المسألة بين الشافعية وبين الحنابلة، الحنابلة يرون الإسرار، والشافعية يرون الجهر، فحصل صراع في هذه المسألة فكثرت التآليف فيها، والإسرار أصح لما رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما": عن أنس -رضي الله عنه- قال: صلّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم فكانوا يستفتحون القراءة بـ{الحمد لله ربّ العالمين}. وفي رواية: في "صحيح مسلم": لا يجهرون بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}.

    والجهر وارد لما رواه الحاكم في "مستدركه": عن أبي هريرة أنه صلى بأصحابه وقال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وليس كما يقول بعض الناس: إن نعيمًا المجمر تفرد به، بل تابعه عبدالرحمن بن يعقوب، وتابعه رجل آخر، فالحديث صحيح في الجهر، وحديث الإسرار أصح.

    إنما أتينا بمثال من هذه المسائل ليعلم أن بعض المسائل قد ألّف علماؤنا فيها، وإذا كان قد ألف في المسألة وفّر عليك الوقت، وكذلك أيضًا الأحاديث الواردة في فضل رجب، ربما تتعب وأنت تتتبعها من الكتب، قد ألف الحافظ ابن حجر كتابًا -رحمه الله تعالى- في هذا وسماه "تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب" وهكذا أيضًا القراءة خلف الإمام، ألف الإمام البخاري جزءًا، وألف الإمام البيهقي جزءًا.

    والمسائل التى خصّت بالتأليف كثيرة، فهذا يوفر عليك وقتك. إذا علمت هذا فكيفية الاستفادة من الكتب، ذكرنا لك فائدة وهي أن ترجع إلى التخاريج، وتنظر كيف يستفيدون.

    شيء آخر، ترجع إلى معاني الحديث، فإن كان الحديث يتعلق بالطلاق رجعت إلى كتب الطلاق من "صحيح البخاري" ومن "صحيح مسلم" ومن "سنن أبي داود"، ومن "جامع الترمذي"، ومن "سنن النسائي"، ومن "سنن ابن ماجه"، إلى غير ذلك، وهكذا "سنن البيهقي" وإن كنت تعرف صحابيه يمكن أن ترجع إلى "تحفة الأشراف" لتعرف من أخرجه، أو ترجع إذا لم تجده في "تحفة الأشراف" إلى المسانيد كـ"مسند الإمام أحمد" و"مسند البزار" و"مسند الحميدي" إلى غير ذلك من كتب المسانيد.

    وبقي شيء، ما إذا كان الحديث مشهورًا فعلماؤنا أيضًا ألفوا في هذا، فهناك كتاب "المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة" للإمام السخاوي وهناك "كشف الخفا ومزيل الإلباس عما أشتهر على ألسنة الناس" للعجلوني، والعجلوني ربما يذكر الحديث ولا يذكر الحكم، وربما يكون حديثًا مخلاًّ بالعقيدة مثل حديث: ((إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور)) ذكره وسكت عليه، وهو دعوة إلى التمسح بأتربة الموتى، وإلى العقيدة الشركية، وإن كان يمكن أن يحمل الحديث أي: أنكم تزورون القبور، فإنّها تزهد في الدنيا، وتذكر في الآخرة، كما في حديث بريدة مرفوعاً ((إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّركم الآخرة)). رواه مسلم.

    إن العجلوني ربما يذكر بعض الأحاديث فلا يتكلم عليها، بل هو نفسه مخرّف، فقد ذكر في مقدمة كتابه: "كشف الخفا ومزيل الإلباس" أنه يمكن أن يعرف الحديث أنه صحيح ويكون عند المحدثين ليس بصحيح، كيف يعرفه؟ بواسطة الكشف بأنه يكشف للولي إذا نزل جبريل بالحديث إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكشف له، ويكشف له بأنه ليس بصحيح ويكون عند المحدثين صحيحًا، ما هذا؟ إذًا فما فائدة كتابك "كشف الخفا" لم لا تعتمد على الكشف الذي هو أوهام وخرافات وخزعبلات، فرحم الله علماءنا المحدثين.

    ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ياأيّها الّذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا [44]} وأوهام الصوفية وخرافاتهم وخزعبلاتهم تهدم علم الحديث.

    وإن كنت مبتدئًا وكانت هذه الطريقة أو الطرق التى ذكرناها بعيدةً عليك، فننصحك بأن تأخذ سندًا من "سنن أبي داود" ثم تتبع رجاله رجلاً رجلاً، وينبغي أن تتحرى في ابتداء أمرك حتى لا يلتبس عليك الأمر، فربما تجد وأنت تبحث عن محمد بن علي فتجد في "التقريب" جماعةً ممن يسمون محمد بن علي، فلا تدري من هو الذي في السند فكيف تستطيع التمييز؟.

    بأمور منها: الطبقات، ومنها: الرموز، فأنت تبحث في "سنن أبي داود"، فإذا رأيت محمد بن علي لم يكن من رجال الجماعة، ولا من رجال أصحاب "السنن" ولا من رجال أبي داود عرفت أن هذا الرجل ليس هو الذي تبحث عنه. بعد هذا بالطبقة، ثم ترجع أيضًا إلى المشايخ تنظر إلى مشايخه ثم إلى الرواة من هو، وهم يميزون لك من هو، فإذا لم يتيسر لك هذا، فاجمع طرق الحديث فرب طريق يكون قد نسب فيها المحدث ويقولون مثلاً: محمد بن علي النيسابوري، أو مثلاً محمد بن علي يذكرون لقبه أو يذكرون كنيته. جمع الطرق أيضًا ربما تستطيع أن تميز بها.

    فإذا لم تستطع أن تميز، وقد سلكت هذه المسالك فإن كانا ثقتين فلا يضر. من الأمثلة على هذا: علي بن محمد، شيخان لابن ماجة أكثر ابن ماجة عن علي بن محمد الطنافسي، وهناك علي بن محمد آخر أحدهما ثقة، والآخر صدوق، فلا يضر.

    وإن اشتبه عليك ضعيف بثقة. ومن الأمثلة على هذا: إسماعيل ابن أبان المقرئ من مشايخ البخاري في طبقته إسماعيل بن أبان الغنوي متروك، والمقرئ من مشايخ البخاري. مثال آخر: الليثان: ليث بن سعد، وليث بن أبي سليم، ليث بن أبي سليم مختلط، وليث ابن سعد إمام.

    مثال ثالث: عبدالكريم بن مالك الجزري، وعبدالكريم بن أبي المخارق اشتركا في كثير من المشايخ، واشترك كثير من الطلبة في الأخذ عنهما. الجزري من رجال البخاري، وابن أبي المخارق ضعيف.

    مثال آخر أيضًا: أسامة بن زيد الليثي، وأسامة بن زيد بن أسلم، أسامة بن زيد الليثي يحسن حديثه عند بعضهم، وأسامة بن زيد بن أسلم ضعيف، فإذا كان أحدهما ضعيفًا والآخر ثقة توقفت.

    فإذا انتهيت من رجال السند وعرفتهم، ووجدتهم ثقات ينبغي أن تجمع طرق الحديث، فرب حديث يكون سنده كالشمس، ثم بعد ذلك تظهر به علة أو يكون شاذًّا، ومع جمعك للطرق فإنك تعرف الشذوذ، وتعرف العلة، ورحم الله علي بن المديني، إذ يقول: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)، ورب حديث كما تقدم يكون سنده كالشمس، وهو شاذّ، أو معل، فجمع الطرق أمر مهم.

    كيف تستطيع أن تجمع الطرق؟ تقدم شيء من هذا، إن كان الحديث يتعلق مثلاً بفضيلة الوضوء، ترجع إلى أبواب الوضوء وأبواب الطهارة في الكتب على الأبواب.

    فإن كنت تعرف صحابيّه رجعت أيضًا إلى "تحفة الأشراف" وإلى المسانيد.

    ما عرفت لا ذا، ولا ذاك، لكنك الآن قد خرجت إلى طريق أخرى، لكن لو ذكرت حديثًا ولم تعرف صحابيه ولم تعرف إلا معناه، فينبغي أن ترجع إلى "المعجم المفهرس" فهو يتكلم عن المعاني، ويرشد، ولكن لا ينبغي أن تقتصر على "المعجم المفهرس"، بل هناك كتب لم تذكر في "المعجم المفهرس" من الأمثلة على هذا "مسند الحميدي" ومعاجم الطبراني الثلاثة "المعجم الكبير والمعجم الأوسط والمعجم الصغير" وكيفية الاستفادة من هذه الثلاثة المعاجم.

    الاستفادة منها: أما "المعجم الصغير" فإنه على ترتيب شيوخه، وقد فهرس والحمد لله ونشرت فهرسته، فأما "المعجم الكبير" فإنه كالمسانيد على الصحابة، وإن كان يذكر فوائد ليست من الأحاديث و"المعجم الكبير" يخالف المسانيد، هو مثل المسانيد، بأنه على ترتيب الصحابة، يخالفهم ربما يذكر فوائد وآثار عن الصحابة، ويذكر تفسيرًا له إن كان من أئمة التفسير.

    ومعرفة كيفية الاستفادة من الكتب أمر مهم، أذكر أننا في ذات مرة سألت بعض أهل العلم كيف أستطيع أن أستفيد من "التمهيد" لابن عبدالبر فجزاه الله خيرًا، كان لا يعرف مثلي كيف يستفاد لكن أعطاه الله بصيرة، قال: ائتنا بكتابه فأتينا بالكتاب، فإذا هو على ترتيب مشايخ الإمام مالك، فشيخ الإمام مالك في الحديث اسمه إبراهيم فارجع إلى "التمهيد" تجد خيرًا كثيرًا لأن التمهيد يعتبر من أحسن الكتب في جمع الطرق والكلام على المعاني والجمع بين الأدلة.

    ونسيت شيئًا مهمًا مما يستفاد من "التمهيد" وهو ذكر الاختلاف في وصل الحديث وإرساله، أو وصل الحديث وانقطاعه، أو رفْع الحديث ووقفه، وطريقة الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- قريبة أو أنه استفاد الحافظ ابن حجر من "التمهيد" ومن طريقة "التمهيد" وفي طريقة إخراج الحديث، ثم الجمع بين الأدلة، ثم استنباط الأحكام، فجزاه الله خيرًا.

    معرفة الاستفادة من الكتب من الأمور المهمة، فرب شخص يستطيع أن يستخرج الحديث في قدر نصف ساعة، ويخرج الحديث والحمد لله، لكن شخص آخر ممكن أن يبقى فيه سبعة أيام، وممكن أن يبقى فيه شهرًا.

    وعند أن كنت مبتدئا مرّ بي حديث: ((يا عليّ لولا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى لقلت فيك مقالاً لا تمرّ بأحد إلا أخذوا التّراب من أثرك لطلب البركة)) وأنا كنت أكتب في "الطليعة في الرد على غلاة الشيعة" فوجدت في السند يحيى ابن يعلى، ووجدت جماعةً في "تهذيب التهذيب" ممن يسمون يحيى بن يعلى فما استطعت التمييز وصرت أسأل العلماء في الحرم، وغالبهم لا يهتم بالحديث فلم أجد منهم إجابة، حتى سألت بعض الباحثين فقال: هو يحيى بن يعلى الأسلمي القطواني قال: استفدت من "تهذيب الكمال" قلت: أين هو "تهذيب الكمال"؟ قال: في مكتبة الحرم المكي، ثم بعد ذلك ذهبت أهرول إلى مكتبة الحرم المكي حتى أنقله بعلوّ وأراجع ترجمة يحيى بن يعلى الأسلمي القطواني في "ميزان الاعتدال" إلى غير ذلك، فمعرفة الكتب ومعرفة الاستفادة من الكتب مهم.

    وذات مرة كنت أبحث، فمرت بي كلمة لغوية، وكان عندي أخ في الله متخرّج من الجامعة الإسلامية كلية الشريعة، فأعطيته "القاموس المحيط" ليخرجها، فأخذ الكتاب ووضعه على فخذه، وأنا كما يقولون: واحرّ قلباه ممن قلبه شبم، فأنا استحييت أن أقول له: أعطني الكتاب من أجل أن أخرج الكلمة، وهو أيضًا استحيى أن يردّ لي الكتاب، ويقول لا أستطيع استخراجها فقلت له: مالك يا أخي ما تخرج الكلمة؟ قال: أنا لا أعرف كيف أستخرجها، وصار يضحك جزاه الله خيرًا.

    فمعرفة الاستفادة من الكتب توفر عليك وقتك. بقي المواضيع، فرب حديث يتعلق بالعقيدة وأنت تريد أن تخرجه وما وجدته في "السنن" ولا في "صحيح البخاري" أنصحك أن ترجع إلى كتب العقيدة مثل "الأسماء والصفات" للبيهقي وكتاب "التوحيد" لابن خزيمة و"الرد على الجهمية" لعثمان الدارمي و"الرد على الجهمية" لابن منده، وإذا كان الحديث يتعلق بالترغيب والترهيب ترجع إلى "الترغيب والترهيب" للمنذري ليدلك على مخرجه، لأن "الترغيب والترهيب" ليس كافيًا. إذا كان الحديث يتعلق بالطب ترجع إلى كتب الطب التي ألفت في هذا ككتاب "الطب" للحافظ ابن القيم وكتاب "الطب" للحافظ الذهبي، وكتاب "الطب" لأبي نعيم إلى غير ذلك من الكتب التي ألفت.

    فينبغي أن تنظر وتفكر في الموضوع الذى تريد أن تخرجه.

    فإذا لم تر الحديث فلا توقف بحثك من أجل أنك ما رأيت الحديث، أو من أجل أنك ما رأيت ترجمة الراوي، فكيف تعمل؟ تترك بياضًا كما كان علماؤنا الأولون، يتركون بياضًا فابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" ربما يترك بياضًا. حتى تنتهي من البحث وتراجع، فإن وجدته وإلا قلت: لم أجده، كما يقول الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" وكما يقول الحافظ الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد" يقول: في سنده فلان ابن فلان ولم أجده أو لم أجد له ترجمة، والحافظ أيضًا في "تخريج الكشاف" ربما يقول: الحديث لم أجده، لأن الزمخشري يعتبر حاطب ليل، وكذا الغزالي يعتبر حاطب ليل، وربما يأتيك شخص بكلام يظنه حديثًا، كما كنا نسمع ونحن في مكة عند أن أخبر الناس بأن اثنين صعدا إلى القمر، فإذا قائل يقول: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى يصعد اثنان إلى ظهر القمر". أو بهذا المعنى. والحديث من موضوعات العصريين، فلا تتعب نفسك في البحث عنه، ومن الأمثلة على هذا أيضًا قول بعض الأئمة "استووا فإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" وهكذا أيضًا "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم" حديث ليس له أصل، ثم يطالبونك أن تخرجه من كتب السنة. ثم هب أنه في كتب السنة التي لم تطلع عليها، وهنا أمر أريد أن أنبّه عليه، فربما يقع فيه كثير من الناس ونحن من أولئك، ربما يستدل المستدل بجملة من الحديث وأنت تريد أن تستخرج هذا الحديث فتذهب وتبحث في كتب الفهارس في كتب الحديث وتتعب نفسك فلا تجد الحديث.

    فإذا ذهبت تبحث في أوائل الحديث في كتاب مثل: "معجم الطبراني" فأحاديثه ليست موجودة في "المعجم المفهرس" وليست موجودة في "تحفة الأشراف" فكيف تعمل؟ ترجع إلى كتب الفقه إن كان يتعلق بالفقه، وهكذا سائر الفنون في الحديث.

    بقى شيء في طريقة البحث، فإذا كنت تريد أن تكتب موضوعًا باستيعاب، والموضوع يستحق هذا فكيف تعمل؟ الذي أنصحك به أن تطالع كتب السنة كلها، وكلما وجدت حديثًا يتعلق بموضوعك كتبته، فإن كنت لا تريد الاستيعاب وتريد أن تكتب جملةً من الأدلة نظرت إلى الكتب التى ألّفت في هذا الموضوع.

    وسآتي بمثال: فإذا كنت تريد أن تكتب في القدر، ومن جملة أبواب القدر المشيئة، فعليك أن ترجع إلى الكتب التى كتبت في القدر تجد أحاديث يسيرة في المشيئة، لكن لو ألّف أحد كتابًا في المشيئة من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لخرج الكتاب مجلدًا. وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، والحمد الله رب العالمين.

    علم الحديث


    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن علم الحديث لا يستطيع المتكلم أن يفي بمهماته ومقاصده، لا بكلمة، أو كلمتين، أو ثلاث، ولا شريط، ولا شريطين، ولا ثلاثة، لكن الذي يشتغل في علم الحديث تبدو له أشياء وأشياء. من تلكم مسألة ما إذا اختلف العلماء في راو في توثيقه وتجريحه، وهذه المسألة يدندن بها المقلّدة ودعاة التقليد، فيقولون: المحدثون ما تركوا أحدًا إلا وطعنوا فيه، وليس الأمر كذلك، فإن كثيرًا من أئمة الحديث لم يتكلم فيهم، ثم ليس كل كلام يكون معتبرًا.

    أي إذا اختلفوا في الراوي ومنهم من يجرّحه، فإن كان الجرح مفسّرًا أخذ بالجرح المفسر، لأن الجارح اطّلع على ما لم يطلع عليه المعدّل، فمثلاً رجل يقول: فلان محدّث. وهو سنيّ من أهل السنة ويفهم، فجاء آخر ممن يعتمد قوله وقال: هو كذّاب. فالذي حكم عليه أنه كذاب اطلع على ما لم يطلع عليه المعدل، فعنده زيادة يجب الأخذ بها، ثم بعد ذلك ينظر.

    إذا لم يكن الجرح مفسرًا ينظر في الموثق، والمجرح، فيخشى أن يكون جرحه بما لم يكن جارحًا، وأئمة الجرح والتعديل منهم المتشدد ومنهم المتوسط، فقد ذكر العلماء من المتشدّدين شعبة، ويقابله: سفيان الثوري وهو من المتوسطين، ومنهم أي: المتشددين يحيى بن سعيد القطان، يقابله عبدالرحمن بن مهدي من المتوسطين، ومن المتشددين أيضًا يحيى بن معين، ويقابله أيضًا أحمد بن حنبل من المتوسطين، ومن المتشددين أبوحاتم، ويقابله البخاري من المتوسطين. فإذا عدل المتشدد في الجرح عضضت عليه بالنواجذ، فهو لا يعدّل إلا عن تثبّت، كذا من الموثقين من هو متساهل كابن حبان، وشيخه ابن خزيمة في توثيق المجاهيل، والعجلي كذلك في توثيق المجاهيل، فمنهم من هو متساهل في التوثيق.

    ودراسة أحوال المحدثين من الأمور المهمة، حتى تعلم من المتشدد منهم ومن المتساهل. بل دراسة حال المؤلف الذي تقرأ في كتابه من الأمور المهمة ماذا عن عقيدته؟ وماذا عن تساهله في الجرح والتعديل؟ وهكذا أيضًا اختلاف الأحاديث والمترجمين. هذا وقد ذكر الحافظ الحازمي -رحمه الله تعالى- في كتابه "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" جملةً من المرجّحات، وشروح الحديث التي تعين على المرجحات مثل "فتح الباري" وغيره من الكتب التي اهتمت بهذا، ومثل كتب العلل تعين على المرجحات.

    ومما ينبغي أن يعلم أن من الكتب التي يستفاد منها في علم الحديث كتب الشيخ ناصر الدين الألباني، لا ينبغي لطالب علم أن تخلو مكتبته من كتب الشيخ ناصر الدين الألباني غير مقلّد له في المسائل التي يستنبطها. أما إذا قبلت قوله في التصحيح والتضعيف فهو ثقة، لك أن تقبل قوله، وإذا احتطت لنفسك وبحثت عن الحديث وعن صحته وعن ضعفه فهو أفضل، وإن قبلت حكمه على الأحاديث فذاك، أما استنباطه وفهمه من كتب الحديث كغيره من العلماء، فإننا نستعين بالله سبحانه وتعالى، ثم بفهم الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين وأئمة المذاهب وغيرهم من المؤلفين.

    فمثلاً كتاب "المجموع" للنووي وكتاب "المغني" لابن قدامة وغيرهما من كتب الفقه لا ينبغي أن تخلو مكتبة طالب علم منهما، لكن الاعتماد على ما في كتاب الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهكذا "المحلى" لأبي محمد بن حزم يعتبر كتاب فقه، وكتاب جرح وتعديل، وكتاب تصحيح وتضعيف، وكتاب ردود على أباطيل، فأنصح كل طالب علم أن يقتنيه، ويحذر من بعض تصحيحاته أو بعض تضعيفاته لبعض الأحاديث. ثم أيضًا يحذر من تهجّمه على العلماء، التهجّم الذي فيه مجازفة غير مقبول من أبي محمد بن حزم -رحمه الله تعالى- فربما تحامل على الإمام مالك، أو على أبي حنيفة، أو على غيره من الأئمة. نستفيد من كتابه، أما تحامله فلا. وكذلك لا يعتمد عليه في الأسماء والصفات فإنه أوّل كثيرًا منها.

    ومسألة التقليد إذا كنا نقول: الأئمة -رضوان الله عليهم- كمالك والشافعي وأحمد لا يجوز أن يقلدوا, فكذلك لا يقلّد الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- وكتابه "الإحكام في أصول الأحكام" يعتبر من أحسن كتب أصول الفقه، وكتب أصول الفقه تقول: هذا جائز، وافعل ولا تفعل، وهذا يقتضي الوجوب، وهذا يقتضي الإباحة إلى غير ذلك، وقليل ما يأتون بالأدلة بخلاف أبي محمد بن حزم -رحمه الله تعالى- فإنه يذكر الأدلة من كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع التصحيح للتي هي صحيحة، والتضعيف للأحاديث التي لا يراها صحيحة، وهو في مسألة التصحيح والتضعيف كغيره من العلماء، ونقله حجة. أما في فهمه فكغيره من سائر العلماء الذين نستفيد من أفهامهم، ولا نقلدهم، لأن التقليد حرام.

    ولا يجوز لمسلم أن يقلد في دين الله، حتى ولا العامي يسأل عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعامي ممن يشمله قول الله تعالى: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون[45]} ومما يشمله قوله تعالى: {وما ءاتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[46]} وممن يشمله قوله تعالى: {فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم[47]} فهل العامي ممن تشمله هذه الأدلة أو ممن لا تشمله؟ فلماذا يقولون العامي يقلد؟ العامي ممن يشمله قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبينًا[48]}.

    العامي ينبغي أن يعلّم، وأن يذهب إلى العالم يستفتيه: ما حكم الله في هذه المسألة؟ ثم يذكر له الدليل، فإن فهم العامي فذاك، وإن لم يفهم ذكرت له حكم الله في هذه المسألة، وبحمد الله أننا نجد كثيرًا من العامة الذين بعضهم يشتغل في صناعة البلوك والآجر ويشتغل حمالاً، ويشتغل مزارعًا، أنواع من أنواع المهن التي يزاولها كثير من العامة ثم هم يسألون عن الدليل، وهم الذين يعجزون المخرّفين، رب زارعي حرث وهو يقف أمام المبتدع: ما دليلك على هذه المسألة؟ ماذا يقول المبتدع؟ يقول: ما أتعبنا إلا الدليل، وما أعجزنا إلا الدليل. فأنا أنصح كل مسلم بمطالبة الدليل.

    أنأ أسالكم -إخواني في الله- العامة أكثر أم أهل العلم؟ العامة، فلماذا نفرط في الكثرة الكاثرة ونتركهم فريسةً للشيوعية، وللبعثية، والناصرية، ولأعداء الإسلام؟ لماذا لا نربطهم بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ ونعلّمهم أن الله افترض عليهم طلب العلم، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((طلب العلم فريضة على كلّ مسلم)) هل قال إلا العامة؟ فلم يقل: طلب العلم فريضة على كل مسلم إلا العامة، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين))، هل قال إلا العامة؟

    نترك الكثير من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشباه الأنعام أتباع كل ناعق، بل نصرخ بين ظهرانيهم أنّهم متعبّدون بكتاب الله، ومتعبدون بسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يشعروا بأنّهم مسؤولون عن هذا، ويطالبون من يحتفل بالموالد، ومن يدعو غير الله، ومن يتمسح بأتربة الموتى، ويطالبون أصحاب الحروز والعزائم، بالأدلة.

    وماذا تكون أيها الداعي إلى الله في المجتمع؟ والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحضر خطبه العامي والعالم والجاهل، وكان يقول في كثير من المجالس: ((رحم الله امرأً سمع مقالتي فوعاها، ثمّ أدّاها كما سمعها)).

    ويقول أيضًا في كثير من المجالس: ((ليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه)) يحث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على التبليغ.

    هذا شأن المسلم، وشأن الداعي إلى الله، ألا يخص بدعوته طبقة من الطبقات، والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول الله له: {قل ياأيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعًا[49]} فهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المكلفين جميعًا، وليس مقصورًا على فلان وفلان، كما هو شأن بعض الدعوات، وكما هو شأن دعاة التقليد، ودعاة الضلال, فإن كثيرًا من دعاة الضلال يهمهم جدًا أن تبقى الشعوب عمياء، من أجل ما إذا دعوا إلى الشيوعية باسم ماذا؟ باسم العدالة، وإلى اشتراكية باسم العدالة، استجابوا، وإن دعوا إلى تبرج وسفور باسم الحرية، وإلى بنوك ربوية من أجل الاقتصاد استجابوا، وإن دعوا إلى أي شيء باسم الفساد استجابوا.

    يجب أن نتقي الله في العامة وأن نشعرهم بأنّهم مسؤولون عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    ومما ينبغي للباحث أن يستفيد منه، كتب الفهارس، لكن كتب الفهارس أخي في الله متى ترجع إليها؟ إذا كنت مستعجلاً أو ليست لك بصيرة في البحث، أما إذا كنت تريد أن تبحث، فأنا أنصح كل أخ بالبحث، قبل أن يرجع إلى كتب الفهارس فرب مسألة تبحث عنها، أو رب مسألة تعثر عليها، أحسن من المسألة التى تبحث عنها، وربما تبحث عن حديث ضعيف، فتجد في المسألة آيةً قرآنيةً قد استدل بها العلماء على ذلك الحكم، أو تجد حديثًا صحيحًا في "صحيح البخاري"، أو تجد شاهدًا لذلك الحديث الذي تبحث عنه إلى غير ذلك. فمن استطاع أن يبحث في كتب علمائنا المتقدمين فليفعل، ومن لا، فلا بأس أن يرجع إلى كتب الفهارس، وقد اهتم بها في هذا العصر، والحمد لله.

    بقي أمر نبهنا عليه، وهو مسألة المصطلح للباحث، ولمن يريد أن يستفيد من كتب السنة، لأنه يمرّ بك في بعض الأحاديث حديث منكر، وفي بعض الرواة منكر الحديث، ويمر بك في بعض الأحاديث: معضل، أو حديث منقطع، أو حديث مرسل، أو حديث شاذّ إلى غير ذلك من الألقاب التي تمر بك، وأحسن كتاب هو "مختصر مقدمة ابن الصلاح" للحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ممكن أن تكتفي به، وإن كنت تريد التزود رجعت إلى أصله، وهو كتاب "المقدمة" لابن الصلاح، وإن كنت تريد أن تتزود فارجع إلى أصولها وهو "الكفاية" وكتاب الرامهرمزي "المحدث الفاصل" إلى غير ذلك من الكتب التي سيشير إليها أو يعزو إليها ابن الصلاح.

    أما ألفاظ الجرح والتعديل فـ"الرفع والتكميل" للكنوي[50] مع الحذر من تعصّبه، وهو حنفيّ جامد يتعصب لأبي حنيفة، ويحمل على شيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى الشوكاني، وغيرهما من أئمة أهل السنة. ماذا تستفيد من كتابه؟ تستفيد ألفاظ الجرح والتعديل، وماذا يعني بها العلماء؟ وتستفيد بيان مقاصدهم، أما حملاته على أئمة الهدى فلا تقبلها، وهكذا ترويجه وتزيينه للمذهب الحنفي، فإن المذهب الحنفي يعتبر أبعد المذاهب الثلاثة عن كتاب الله، وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لست أقصد أنه ليس له صلة بالكتاب والسنة، أقصد أنه أبعد المذاهب الثلاثة عن الكتاب والسنة، حتى قال بعض العلماء: إذا أردت أن تصيب الحقّ فخالف أبا حنيفة، والحافظ الإمام ابن أبي شيبة -رحمه الله تعالى- ذكر جزءًا كبيرًا من المجلد الرابع من كتاب "المصنف" فيما خالف فيه أبوحنيفة الحديث، وأبوحنيفة عالم من علماء المسلمين، ولكنه التقليد فكن على حذر من تقليده، ومن تقليد غيره، فقد أدى التعصب ببعضهم إلى أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أجل التعصب لأبي حنيفة فقد قيل لبعضهم: ألا ترى مذهب محمد بن إدريس كيف قد انتشر في البلاد، قال: لأخزينّه، حدثني فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((ليأتينّ رجل من أمّتي وهو أضرّ عليهم من إبليس، اسمه محمّد بن إدريس، وأبوحنيفة سراج أمّتي وأبوحنيفة سراج أمّتي وأبوحنيفة سراج أمّتي )) فتعصب شديد عند الأتباع، وننصح كل أخ أن يرجع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويرضاه. وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    أبوعبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] طه، الآية:114.

    [2] الرعد، الآية:19.

    [3] الروم، الآية:22.

    [4] العنكبوت، الآية:43.

    [5] المائدة، الآية:4.

    [6] النمل، الآية:22.

    [7] المجادلة، الآية:11.

    [8] فاطر، الآية:28.

    [9] عبد الله الوادعية كتاب قيّم لا أعلم له نظيرا "العلم والعلماء".

    [10] الأعراف، الآية:3.

    [11] الملك، الآية:16.

    [12] طه، الآية:5.

    [13] المحاضرة ألقيت في إب قبل أن ينسلخ محمد المهدي من السنة، وأما الآن فيخشى عليه أن ينسلخ من الدين فقد تعلق بالسياسة الكذابة، فقد حصل خصام بين أهل قريتين، فأحيلت المسألة إلى محمد المهدي ومدير الناحية وشخص يقال له: عبدالكريم، فألزم المحكمون أحد الطرفين أن يذبح أربعة أثوار، فانظر إلى هذه الانتكاسة كيف يأمرون بالذبح لغير الله فنعوذ بالله من أن نرد على أعقابنا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    [14] حديث: ((يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين)) وهو حديث إما مرسل أو معضل، وجاء من حديث أبي أمامة، وعلي ابن أبي طالب، وأبي هريرة، وغيرهم، وكلها ضعيفة لايثبت منها شيء، وليس فيها شيء يقوي المرسل المذكور. قاله العراقي في "التقييد والإيضاح".

    [15] قلت، ثم رأيت الحفاظ يكتفون بتصريح المدلس تدليس التسوية من شيخه وشيخ شيخه، فعملهم هو الصواب أنه يكتفي بتصريحه بالتحديث من شيخه وشيخ شيخه.

    [16] الحجرات، الآية:6.

    [17] كتاب "السنن" برقم (1036).

    [18] هذا السؤال والجواب عليه كما في السؤال 48 ص(61).

    [19] البقرة، الآية:166.

    [20] وهو من رجال الصحيح فيكونون قد علموا أنه لم يدلس في هذا -أقصد قبله الحفاظ أي: في "الصحيحين" لأنّهما التزما الصحة-.

    [21] سورةالحجرات، الآية:6.

    [22] أي الطبعة الأولى منه، وهذه الأسئلة إنما أضيفت في هذه الطبعة.

    [23] سورة الحجرات، الآية:6.

    [24] سورة النساء، الآية:97.

    [25] سورة النجم، الآية:28.

    [26] وقد طبع والحمد لله.

    [27] سورة الإسراء، الآية:36.

    [28] سورة البقرة، الآية:282.

    [29] سورة الحجرات، الآية:6.

    [30] سورة القصص، الآية:25.

    [31] سورة القصص، الآية:26.

    [32] النملة: قروح تخرج في الجنبين. ويقال: إنّها تخرج أيضًا في غير الجنب، ترقى فتذهب بإذن الله.

    [33] سورة الأحزاب، الآية:32.

    [34] سورة التوبة، الآية:71.

    [35] قرية من قرى محافظة تعز.

    [36] سورة الرعد، الآية:19.

    [37] ثم ظهر لي أنه ضعيف.

    [38] سورة آل عمران، الآية:200.

    [39] سورة السجدة، الآية:24.

    [40] سورةالزمر، الآية:28.

    [41] سورة القلم، الآية:1-2.

    [42] سورة العلق، الآية:1-5.

    [43] الصحيح منه ما ذكره ابن أبي حاتم في المقدمة.

    [44] سورة الحجرات، الآية:6.

    [45] سورة الأعراف، الآية:3.

    [46] سورة الحشر، الآية:7.

    [47] سورة النور، الآية:63.

    [48] سورة الأحزاب، الآية:36.

    [49] سورة الأعراف، الآية:158.

    [50] ولأخينا أبي الحسن كتاب قيم في هذا "شفاء العليل".
    منقول من موقع فضيلة الشيخ مقبل بن الهادى الوادعى.
    محب السلفية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    1,500
    بارك الله فيك
    قال الشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله (( فلا يُقاوم البدع إلا العلم والعلماء ، فإذا فقد العلم والعلماء أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر ولأهلها ما يشاءون ))


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    المشاركات
    2,615
    جزاك الله خيرا ورحم الله الشيخ مقبل
    قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: فمن أعرض عن الله بالكلية أعرض الله عنه بالكلية، ومن أعرض الله عنه لزمه الشقاءُ والبؤس والبخس فى أحواله وأعماله وقارنه سوءُ الحال وفساده فى دينه ومآله، فإن الرب تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس وأظلمت أرجاؤها وانكسفت أنوارها وظهرت عليها وحشة الإعراض وصارت مأْوى للشياطين وهدفاً للشرور ومصباً للبلاءِ، فالمحروم كل المحروم من عرف طريقاً إليه ثم أَعرض عنهاْ....

    موقع فضيلة العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله
    http://www.sh-faleh.com/index.php

المواضيع المتشابهه

  1. جديد /// المجموع البديع في الرد على شنشنة التمييع /// ؟؟؟.....
    بواسطة محمد الصميلي في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 04-15-2007, 09:07 PM
  2. سئل الــــــــــــــعلامة فالح الحربي ما نصه :
    بواسطة شكيب الأثري في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 01-19-2005, 05:32 PM
  3. إضاءات: الشيخ عبد المحسن العبيكان
    بواسطة مشعل عبدالله في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-12-2004, 07:30 PM
  4. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-27-2004, 12:40 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •