بسم الله الرحمن الرحيم
قال رحمه الله في كتابه "النقض الرشيد في الرد على مدعي التشديد" ص 10 ، و هو يرد قول سلمان العودة الآتي :" ومن صور التكليف العقدي التفصيلية ما يحدث أحياناً من مبالغة البعض في السؤال عن عقائد الناس وشكهم في الآخرين واتهامهم في عقيدتهم بكل سهولة وبدون أي دليل حتى يقول البعض الأصل في هؤلاء الشك والإتهام حتى تثبت براءتهم وحتى تجد البعض لا يصلون خلف إنسان حتى يسألوا : عن عقيدته ويختبروه وما أدري ما موقف هؤلاء من الحديث الصحيح الذي فيه أنّ إعرابياً أخبر النبي صلى الله عليه و سلم برؤية الهلال فسأله النبي e أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال نعم قال: يا فلان فأذن في الناس بالصوم ، هكذا هدى الأنبياء وقد خاب قوم لم يسهم ما وسع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن زعموا أنهم أتباعه وحراس عقيدته .. إلخ ."
قال :"والجواب يقال: هذا كلام من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فإنّ هذا قليل فقلّ أن يوجد من يفعل ذلك فإن وجد فإن من يُسأل عنهم مشتهر في بلادهم الاعتقاد في أهل القبور وطلب الحوائج منهم والذبح لهم والنذر لهم ولا يخفى أن هذا شرك أكبر وهذا لا ينكره عاقل. فإذا كان الإنسان إذا ولد وجد أهله على ذلك أتراه لا يعتقد معتقدهم ويسير سيرهم بلى والله إلا إن وفق لمن يعلمه التوحيد فيفعله والشرك فيجتنبه فيسلم من ذلك .
ولكن هذا نادر ولا أقول أن جميع أهل هذه البلاد مشركون ولكن الأغلب كذلك فارجع النظر تعرف مصداق ذلك هذا فيما يتعلق بتوحيد الألوهية . وأما توحيد الأسماء والصفات فغالبهم لا يسلم من بدعة . وأحسنهم اعتقاداً الذي على مذهب الأشاعرة . والسني فيهم قليل.
وأسألك بالله أيها الكاتب هل قرينة الحال تقتضي أن أكثر من يأتي يتعلم التوحيد ويسأل عن ضده أو الأمر بعكس ذلك بلى والله إن الأمر بعكس ذلك . وإذا كان العلماء قد اختلفوا في صحة إمامة الفاسق الذي عرفت صحة عقيدته فكيف بهؤلاء وأنا أنقل لك بعض كلام العلماء على وجه الاختصار .
قال في الاختيارات شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ولا تصح الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة مع القدرة خلف غيرهم . أ.هـ.
فإذا كان الغالب على هؤلاء القادمين التلبس بشرك أو بدعة أو معصية والسالم قليل فلا يناسب تخطئة من يسأل عن حالهم وهكذا كان علماؤنا وسلفنا الصالح كما يعرفه من استقرأ أحوالهم وإنما ينطبق اللوم على من ترك صلاة الجماعة أو توقف في حق شخص صحيح العقيدة سالم من الفسق . أما من تحرى واجتنب من أصر على الفسق أو الغالب عليه فساد العقيدة فهذا لا لوم عليه . بل هو ساع فيما يصحح صلاته على قول من لا يصحح الصلاة . أو تكميلها على قول من يصححها.
وأما استدلاله بحديث الأعرابي ففيه نظر فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلم منه ما يوجب رد قوله فلما أتى بالشهادتين قبل خبره لأنه لم يظهر منه ما ينافي ذلك وفي ذلك الوقت كان من أسلم خلع الشرك وتبرأ منه لعلمهم بمعنى لا إله إلا الله كما في قصة أبي طالب وأما أهل هذه الأزمان فإنهم لا يعرفون معناها بل يقولونها وهم متلبسون بالشرك كما لا يخفى . أين هذا من هذا ؟!
وأيضاً الصحابة ما وقعوا في البدع ولا حدثت في وقت النبي صلى الله عليه و سلم . وأما أهل الأمصار فهم متلبسون بالبدع والسالم قليل فأين أحدهما من الآخر . ولهذا فرّق العلماء بين الصحابة ومن بعدهم فكيف بهذه الأزمان فقالوا الصحابة عدول وقبلوا رواياتهم وأما من بعدهم ففصلوا فيهم وبينوا مراتبهم ولم يقبلوهم مطلقاً . كما لا يخفى على من نظر في كتب الجرح والتعديل وأسماء الرواة . ثم اقتدى بهم علماؤنا المحققون أئمة هذه الدعوة فصاروا لا يولون المناصب الدينية إلا من سلمت عقيدته نصحاً للأمة ولئلا يؤدي التساهل في ذلك إلى توليه أهل البدع والمتلبسين ببعض الشركيات والمجاهرين بالمعاصي فاستقام أمر الدين فلما ضعف هذا الأمر أو كاد يذهب صار يولي من ليس أهلاً لذلك فترى أكثرهم يشرب الدخان ويحلق لحيته ويتلذذ بسماع الآلات المطربة أو أعظم من ذلك بأن نشأ بين من يعبدون أهل القبور ولم يعرف منه مباينة لهم فإن استمر هذا الضعف فسوف ترى ما هو أعظم من ذلك إلا إن رجع العلماء والقادة إلى طريقة سلفهم الصالح فكيف يلام من اقتدى بهم في هذا الأمر خصوصاً في هذه الأزمان التي اشتدت فيها غربة الإسلام ."
و قال رحمه الله في الصفحة33 فما بعدها رادا قول سلمان العودة الآتي : ( فمن الأصول التي لا يجوز نقضها بهذه السهولة مثلاً أن الأصل في المسلم السلامة والعدالة والبراءة وهكذا يجب أن يعامل وإن الصلاة لها شأن عظيم عظيم ، من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وجبت محبته وحسن الظن به والبعد عن الإساءة إليه أو ظلمه أو هضمه .. ومن الأصول إعطاء المسائل من الأهمية بحسب مكانتها في الوحي فما كرر الله ذكره وحث عليه وحذر من ضده في كتابه وعلى لسان رسوله علمنا شدة أهميته ولا يقاس به أمراً لا تجد له أثراً في نصوص الوحيين إنما هو تفريع أوحته بعض العقول وزعمت أنه أصل الأصول .


فالجواب أن يقال: هذا كلام باطل ساقط يدل على إفلاس صاحبه من العلم النافع خصوصاً ما يتعلق بأصول الدين لأن مضمونه وجوب محبة جميع المصلين على الإطلاق وهذا يعم المنافقين وأهل البدع والفساق ويعم المنتسبين إلى الإسلام إذا صلوا وهم متلبسون بشركيات كالاعتقاد في الأموات والاستغاثة بهم كغالب الذين يأتون من الآفاق فإنهم يصلون ويصومون ويحجون ثم يرجعون إلى بلادهم متلبسين بهذه الشركيات ومعلوم أن محبة هؤلاء مخالفة للكتاب والسنة وإجماع العلماء قال تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ( وقال تعالى ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ( الآية . وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ( ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( (المرء مع من أحب) متفق عليه . وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال قال رسول الله ( (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) رواه الإمام أحمد . وعن علي مرفوعاً (لا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم) رواه الطبراني بإسناد جيد . والأحاديث في هذا الباب كثيرة . وكذلك الآثار عن السلف .
وقد بسط ذلك في الرسالة السادسة من مجموعة التوحيد بعنوان أوثق عرى الإيمان (ص 158) بسطاً شافياً وافياً .
ومفهوم كلامه أن الخوارج يحبون وكذلك سائر أهل البدع إذا فعلوا الصلاة . ومعلوم أن هذا خلاف ما ثبت من الأمر بقتال الخوارج وخلاف فعل السلف مع أهل البدع من بغضهم وهجرهم والابتعاد عنهم .
قال الموفق في لمعة الاعتقاد ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم قال كالرافضة والجهمية والخوارج والمعتزلة والقدرية والمرجئة والكرامية والكلابية والسالمية ونظائرهم . انتهى .
انظر كيف صرح بهجرهم مع كونهم يصلون .

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عقيدته لما سأله أهل القصيم (وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله .. انتهى من الدرر السنية (ج1 ص30 .)
فتلخص من هذا بطلان كلمه في وجوب محبة كل من صلى وأن من ارتكب منهم ما يوجب عدواته وجبت عدواته وبغضه حتى يتوب مما ارتكبه سواءٌ كان كفراً أو بدعة أو معصية إلا أن ذلك يتفاوت بتفاوت المخالفة فلا يسوي بينهم بالبغض بل كل يبغض على قدر ذنبه وهذا هو هدي رسول الله ( لا معاملة الفساق معاملة الكفار فعل الخوارج . ولا مداهنتهم والتساهل معهم فعل المرجئة بل يحبون على ما معهم من الإيمان ويبغضون وينكر عليهم لما ارتكبوه من العصيان وأما استدلاله بحديث (من صلى صلاتنا .. إلخ) فلا حجة فيه على ادعاءه محبة كل من صلى وعدم بغضه .
قال الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف والشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله قالوا هذا الحديث فرضه ومحله في أهل الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام كالخوارج ونحوهم فهؤلاء لا يكفرون لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول منافٍ لحقيقته مناقضٍ لأصله والعمدة استصحاب الأصل وجوداً وعدماً لكنهم يبدعون ويضللون ويجب هجرهم وتضليلهم والتحذير عن مجالسهم ومجامعتهم كما هو طريقة السلف في هذا الصنف .. انتهى من الدرر السنية (ج8 ص344 ).
فانظر كيف بينوا أن استقبالهم القبلة لا يمنع من هجرهم وبغضهم إذا ارتكبوا ما يوجب ذلك فأين هذا من استدلالك به على وجوب محبته وتحريم بغضه فالله المستعان .