الحمد لله رب العالمي والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا بحث مختصر فيما الناس فيه اليوم متسائلون، فمستقل ومستكثر.
وكما قال النووي:"السنَّة مقدم على ما رآه ...".(تحفة الأحوذي: 3/448).
عنوان البحث:
 النهى عن إفراد يوم السبت بصيامٍ تطوعا 
الحديث الأول:

قال :( صيام يوم السبت لا لك ولا عليك ).

تخريجه:

صحيح: أخرجه: أحمد: ( 6/368 ).

انظر "الصحيحة": ( 1/ الأول /445)

مناسبة الحديث
عن عبيد الأعرج قال : حدثتني جدتي ـ وهي: الصماء ـ :
"أنها دخلت على رسول الله  وهو يتغدَّى , وذلك يوم السبت , فقال: " تعالي فكلي ". فقالت : إني صائمة . فقال لها: " صمتِ أمس ؟". فقالت : لا. فقال : "فكُلي؛ فإن صيام السبت ....." الحديث .

قال شيخنا الألباني ـ رحمه الله ـ في "الصحيحة " : ( 1 / الأول /446 –447):
وقد وجدت ما يشهد لحديث الترجمة، وهو ما أخرجه النسائي في "الكبرى" ( باب النهي عن الصوم يوم السبت ) من طريق معاوية بن يحيى أبو مطيع قال: حدثنا أرطأة قال : سمعت أبا عمر قال : سمعت ثوبان مولى النبي  عن صيام يوم السبت ؟ فقال : سلوا عبد الله بن بسر . فسئل ؟ فقال: ( فذكره موقوفا ).
قلت ـ القائل الألباني ـ: وإسناده جيد ورجاله ثقات، وليس فيهم من ينظر فيه غير معاوية هذا، وهو صدوق له أوهام , كما في التقريب فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبه الحسن وهو وإن كان موقوفا؛ فهو في حكم المرفوع لان الأصل في كل صوم أنه مشروع ما لم يُنْهَ عنه، فلا يُعْقَل لصحابي جليل كعبد الله بن بسر أن ينفي شرعية صيام يوم السبت إلاّ بتوقيف من النبي  وقد صحَّ عنه انه قال :
( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ...) الحديث.
وهو مخرج في "الإرواء" (960) تخريجاً علمياً دقيقاً يتبيَّن منه كل باحث عن الحق؛ انه حديث صحيح، ولذلك صححه الأئمة كما قال النووي؛ فلا تغترَّ بما قيل: إنَّه كذب أو شاذٌ أو مضطربٌ, إذ كل ذلك صدر من قائله دون أن يتتبع طرقه، وفيها ثلاثة طرق صحيحه؛ كما تراه مفصَّلاً هناك .
وهذه طريق جديدة من رواية أبى عامر – واسمه عبدالله بن غابر الألهاني – فهي تؤكد ثبوت ذلك يقيناً عن عبد الله بن بسر , وان كانت موقوفة؛ فهي في حكم المرفوع كما تقدم .

والحديث ظاهره النهي عن صوم السبت مطلقا إلا في الفرض، وقد ذهب إليه قومٌ من أهل العلم كما حكاه الطحاوي , وهو صريح في النهي عن صومه مفرداً، ولا أرى فرقا بين صومه – ولو صادف يوم عرفة أو غيره من الأيام المفضلة – وبين صوم يوم من أيام العيد إذا صادف يوم الاثنين أو الخميس؛ لعموم النهي وهذا قول الجمهور فيما يتعلَّق بالعيد؛ كما في "المحلى" (7 /27 )، وبسط القول في هذه المسألة لا مجال له الآن، فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى .

قلت ـ القائل كاتب هذه السطور ـ: ولعل المناسبة الأخرى التي أشار إليها شيخنا ـ يرحمه الله ـ لبسط القول في هذه المسألة؛ هو ما سطره ـ رحمه الله ـ في "الصحيحة" (2/733-734 )، فقال: قوله :
( لا تصوموا يوم السبت إلاّ فيما افترض عليكم )، وهو حديث صحيح يقينا ومخرج في "الإرواء" ( رقم 960 )، فأشكل هذا على كثير من الناس قديما وحديثا, وقد لقيت مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلاً عن العامة، وتخريجه عندي حديث الجمعة فلا يجوز أن نضيف إليه قيداً آخر غير قيد "الفريضة" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام , أو مفرداً" فانه يشبه الاستدراك على الشارع الحكيم , ولا يخفى قبحه .

وقد جرت بيني وبين مثير من المشايخ، والدكاترة، والطلبة، مناقشات عديدة حول هذا القول, فكنت أذكرهم بالقاعدة السابقة وبالمثال السابق , وهو صوم يو م الاثنين أو الخميس إذا وافق يوم عيد، فيقولون يوم العيد منهي عن صيامه، فأبين لهم أن موقفكم هذا هو تجاوب منكم مع القاعدة، فلماذا لا تتجاوبون معها في هذا الحديث الناهي عن صوم يوم السبت ؟! فلا يُحيرون جواباً؛ إلا قليلاً منهم فقد انصفوا جزاهم الله خيراً، وكنت أحياناً أطمئنهم وأبشرهم بأنه ليس معنى ترك صيام يوم السبت في يوم عرفة أو عاشوراء مثلاً أنه من باب الزهد في فضائل الأعمال، بل هو من تمام الإيمان والتجاوب مع قوله عليه الصلاة والسلام .
( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ) وهو مخرج في "الضعيفة" بسند صحيح تحت الحديث (رقم 5).
هذا؛ وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله  في حديث السبت: ( إلا فيما افترض عليكم ).
ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصوم؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه, فلا يدخل ـ والحالة هذه ـ تحت العموم المذكور, ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيل، فلا يجوز إفراده كما تقدم، كما لو وافق ذلك يوم السبت؛ لأنه ليس ذلك فرضاً عليه .
وأما حديث : ( كان  يكثر صيام يوم السبت ).
فقد تبين أنه لا يصح من قبل إسناده, وقد توليت بيان ذلك في "الضعيفة" برقم (1099) من المجلد الثالث فليراجعه من شاء الوقوف على الحقيقة.

الحديث الثاني:
حديث عبد الله بن بسر المازني، وأخته الصماء ـ واسمها: بهية، أو بُهيمة، ويقال: بُهسة المازنية صميتة الليثية بن بسر، ويقال: هجيمة، أو جهيمة ـ رضي الله عنهم.

قال : ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم, [فإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء عنبةٍ أو عود شجرةٍ فليمضغه]، [ فليفطر عليه] ).

تخريجه:
صحيح: أخرجه: أحمد: (4/189،6/368-369) , وعبد بن حميد: ( 1/182) , والدار مي: (2/32), وأبو داود: ( 2421)، و احمد بن عمر الشيباني في ( الآحاد و المثاني ): (6/184-185) ابن ماجه:( 1726), والترمذي: (744)، والنسائي في "الكبرى": ( أرقام /2759-2772), وابن خزيمة: ( 2163) ، وابن حبان ( 3615)، و الحاكم : ( 1/435)، والطبراني في "الكبير": ( 24/328-330)، ومسند الشاميين له أيضاً: ( 1/245 ,3/89)، وتمام في "الفوائد" : (1/268)و البيهقي: ( 4/302)، والديلمي: ( 5/51) (رقم 7428) ط . الباز, و ( 5/197)، و (رقم 7592 ) ط. الريان، و المقدسي في "المختارة": ( 9/ 58, 64, 104). (تنبيه): قد رتبت المراجع حسب تاريخ الولادة ما أمكن.
قال الترمذي: "حديث حسن، ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام, لأن اليهود تعظم يوم السبت".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط البخاري "، وأقره الذهبي، وقال الألباني: وهو كما قال. ـ يعني: الحاكم ـ "الإرواء": ( 4/118 ).
نقل ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير":(1/337) عن النسائي قوله في هذا الحديث: "مضطرب. وقول أبى داود: منسوخ. وقول مالك: كذب.
ثم قال: قال النووي: لا يقبل هذا منه فقد صححه الأئمة".
وقال الألباني في "الإرواء": ( 4/124):
"من تتبع تحقيقنا هذا – يجد- أن للحديث عن عبدالله بن بسر ثلاثة طرق صحيحة , لا يشك من وقف عليها على هذا التحرير الذي أوردنا، أن الحديث ثابت صحيح عن رسول الله .
نقل الزرعي في "حاشية ابن القيم: ( 7/48، 50 )؛ تحت حديث:
( لا تصوموا يوم السبت .......).
فقال:
" قال الحافظ شمس الدين القيم رحمه الله: حديث عبد الله بن بسر هذا رواه جماعة عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، ورواه النسائي عن عبد الله بن بسر عن النبي  ، ورواه أيضاً عن الصماء عن عائشة عن النبي  .
فهذه ثلاثة أوجه، وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديماً وحديثاً.
واحتج الأثرم بما ذُكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت؛ يعني أن يقال: يمكن حمل النصوص الدّالة على صومه؛ على ما إذا صامه مع غيره، وحديث النهي: على صومه وحده. وعلى هذا تتفق النصوص ، ... ... ...
قالت طائفة وهم أكثر أصحاب أحمد؛ محكم، واخذوا به في كراهية إفراده بالصوم واخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه.
قالوا: وجواب احمد يدل على هذا التفصيل، فانه سئل في رواية الأثرم عنه، فأجاب بالحديث.
وقاعدة مذهبه أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص؛ يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به، لأنه ذكره في معرض الجواب فهو متضمن للجواب والاستدلال معاً.
قالوا: أما ما ذكره عن يحيى بن سعيد، فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث.
قالوا: وإسناده صحيح، ورواته غير مجروحين ولا متهمين، وذلك يوجب العمل به، وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه؛ لأنها تدلُّ على صومه مضافاً، فيحمل النهي على صومه مفرداً كما ثبت في يوم الجمعة" انتهى.
قال القاري في المرقاة :( 4/559):
" (لا تصوموا يوم السبت): أي وحده. قال الطيبي: قالوا: النهي عن الإفراد كما في الجمعة، والمقصود مخالفة اليهود فيهما، والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور"
قال السيوطي في "شرح سنن ابن ماجه": ( 1/124):
" (لا تصوموا يوم السبت ..)؛ المراد بالنهي: إفراد السبت بالصوم؛ لا الصوم مطلقا....".
قلت ـ القائل؛ كاتب هذه السطور ـ:
قد جاءت الأحاديث الصحيحة في صيام يوم السبت مضافاً مع غيره، فمن ذلك:
1- قوله : ( لا تصوموا يوم الجمعة إلاّ قبله يوم أو بعده يوم ).
أخرجه: أحمد (2/ 495) وابن ماجه (1723) والترمذي (743) وابن خزيمة (2158) و البيهقي في "الشعب" : (3866)، وغيرهم.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح ".
والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (981).
وهو في البخاري"1884" بلفظ: ( لا يصومنَّ أحدُكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بهده ).
وفي مسلم برقم" 1144 "؛ بلفظ: ( لا يصُم ...)، جميعهم عن أبي هريرة.

2- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله  يصوم يوم السبت والأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول: ( إنهما يوما عيد للمشركين فانا أحب أن أخالفهم )".
أخرجه: النسائي في "الكبرى" (2776) وابن خزيمة ( 2167) والطبراني في "الكبير" ( 23/402) وفي الأوسط ( 3857) والحاكم ( 1/436 ) و البيهقي ( 4/303)
قال الحاكم : "إسناد صحيح".
وصححه ابن خزيمة في صحيحه.

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله  يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ... ".
أخرجه: الترمذي: ( 746)، وقال: "هذا حديث حسن"، وأخرجه أيضاً في الشمائل (309)، وهو في المختصر للألباني ( برقم 260 )، وصححه وفي "صحيح الجامع" (4847).
قال صاحب " بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني بترتيب مسند الشيباني" ( 10/152):
"ولا منافاة بين هذين الحديثين – يعنى حديث أم سلمة , وعائشة المتقدمين – وبين ما جاء دالا على المنع عند الإمام أحمد من إفراد يوم السبت بالصوم، فقد جمع صاحب "البدر المنير" بين هذه الأحاديث، فقال: " النهي متوجه إلى الإفراد، والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه"، ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه  لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ، وقد ذهب إلى كراهية صوم يوم السبت منفرداً؛ الأئمة: أبو حنيفة والشافعي واحمد وأصحابهم، مستدلين بحديث عبدالله بن بسر قالوا: والحكمة في النهي عنه أن اليهود كانوا يعظمونه باتخاذه عيداً فأراد  مخالفتهم، والحديث قد صححه ابن السكر وغيره، إذا علمت هذا فالقول بكراهة صومه مفرداً؛ هو الراجح. والله اعلم.

هذا ما تيسر جمعه في عجالة، والله ولي التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،
كتبه
جمال بن فريحان الحارثي
ليله السبت الموافق 2/12/1424هـ