النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الفرقة والجماعة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    18

    الفرقة والجماعة

    الحمد لله الذي أمر بالجماعة والإئتلاف ونهي عن التفرق والإختلاف وحض علي التعاون علي البر والإيمان وحذر من التعاون علي الإثم والعدوان والصلاة والسلام علي الرحمة المهداة والنعمة المجتباة الذي جمع الله به الصحابة بعد تفرق وفناء وألف بين قلوبهم بعد عداوة وبغضاء فكانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله
    وبعد :
    فقد كان الناس قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وفتنة رعناء وقد نظر الله إليهم عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب وكان من ضلالهم ما ذكره جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه عند ملك الحبشة قال :<أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيئ الجوار ويأكل منا القوي الضعيف . فكنا علي ذلك حتي بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلي الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وءاباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعدد له أمور الإسلام .....>
    فأرسل الله رسوله محمدا صلي الله عليه وسلم علي حين فترة من الرسل مبشرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ صلي الله عليه وسلم الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه اليقين من ربه كما قال الله عنه :
    ‏(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
    ‏(لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)
    ‏(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم)
    ‏(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم علي فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله علي كل شئ قدير)
    ‏(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والإغلال التي كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اؤلئك هم المفلحون . قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)
    ‏(هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهر علي الدين كله وكفي بالله شهيدا)
    فأرسله الله عز وجل بأحسن العلوم وأحسن الشرائع فهدي الله به قلوبا غلفا وفتح به أعينا عميا وآذانا صما ودخل الناس في دين الله أفواجا وظهر دين الله علي سائر الأديان وطمس الشرك والنفاق والكفر والبهتان وقد جمع الله به سائر الناس العربي والعجمي والأحمر والأسود والغني والفقير والأمير والخفير لا فضل لأحد علي أحد إلا بالتقوي وكان أعظم اجتماع شهدته البشرية علي مدار تأريخها في حجة الوداع إذ اجتمع مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يزيد علي مائة ألف كلهم يأتم برسول الله صلي الله عليه وسلم فهو الرسول المتبع والقائد المطاع
    ففي ذلك اليوم إجتمعت الأبدان واكتمل القرآن
    واجتماع الأبدان من المقاصد الشرعية العظيمة والأسس المرعية الجسيمة وقد ذكر الله عباده بهذه النعمة وامتن عليهم بها وهو يوصيهم بالحفاظ علي روحها وأساسها [التقوي] والإعتصام بأصلها وسببها (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)
    وأخبر أن هذا محض فضله ومنته (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين . وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)
    يتبع(إن شاء الله)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    18
    وفي ذلك اليوم العظيم يوم عرفة أعلن الملك العلام إكتمال بناء الإسلام وتمام المنة والإنعام فنزل قوله عز وجل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فما أعظم ذلك اليوم وما أكرمه وما أجله وما أعظمه حتي أن يهود قالت لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه : <آية لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.....)> فقال عمر رضي الله عنه : <والله إني لأعلم متي نزلت وأين نزلت ؛ نزلت في عرفة يوم جمعة> فقد وافق نزول هذه الآية عيدان من أعياد المسلمين وليس عيدا واحدا عيد الجمعة ويوم عرفة
    فدين الإسلام دين أكمل الله بنيانه وثبت أركانه ووطد دعائمه فليس لأحد أن يدخل فيه شيئ أو ينزع منه شيئ ولو كان رسولا مكلما أو إماما معلما كيف والله عز وجل يقول لسيد الأولين والآخرين : (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين . فما منكم من أحد عنه حاجزين)
    وهذا الأصل -كمال الدين- أصل عظيم من أصول الأسلام وحصن حصين لرد البدع والإحداث والإقحام
    قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ليس من شئ يقربكم إلي الجنة إلا وقد أمرتكم به وليس ومن شئ يقربك من النار إلا وقد نهيتكم عنه)
    وقال أيضا :(إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه إن يدل أمته علي خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه ....)
    وقد قالت يهود لسلمان رضي الله عنه : <لقد علمكم نبيكم كل شئ حتي الخراءة>
    وقال أبوذر -رضي الله عنه- <توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا أفادنا منه علما>
    ففي هذه الأحاديث وأمثالها رد لكل بدعة ورد علي كل مبتدع فإن لسان حال المبتدع أن الدين ناقص ويحتاج إلي إكمال وهذه الأحاديث تحجه وتقطع لسانه وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تحتاج إلي تعليق أو تبيان
    واعلم يا عبد الله أن الإبتداع أصل من أصول التفرق والإختلاف والتنافر والتقاطع والتشاحن والتدابر فجل التفرق الذي وقع في المسلمين سببه الإبتداع في الدين وسيأتي لهذا المبحث مزيد بسط بإذن الله
    ومن أصول هذا الإسلام ؛ الوضوح والبيان والإعلام ، كما قال عز وجل :(هذا بيان للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب)
    وقال تعالي :(قد تبين الرشد من الغي) وقال (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتي يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم) وقال (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)
    وخاطب الله نبيه بهذه الوظيفة المنيفة فقال (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)
    وقال عليه الصلاة والسلام :(لقد تركتكم علي مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)
    فقد تركنا بأبي هو وأمي علي محجة بيضاء وطريق أبلج وضاء فمن زاغ عنه لا بد أن يهلك لأنه من الوضوح والظهور بمكان فلا يمكن أن تخفي علي أحد أماراته وعلاماته ودلائله فليس باستطاعة أحد إدعاء الجهل به إذ ليس بعد بيان رسول الله صلي الله عليه وسلم بيان فمن زاغ عنه وانحرف فإنما لسوء قصده وفساد طويته لا لجهله وعدم معرفته فحجة الله بالغة فقد كانت أركان البيان وأسس البلاغة والتبيان متوفرة فيه صلي الله عليه وسلم من حسن العبارة وحسن القصد وحسن الهمة
    وقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم أن هذا الظهور والعلو ماض الي قيام الساعة كما قال : (لا تزال طائفة من أمتي علي الحق ظاهرين ...)
    فمن لم يتضح له سبيل الحق والهدي فلغبش في سعيه وطلبه لا لغبش في الحق وسربه
    واعلم يا عبد الله أن الجهل بالحق سبب عظيم من أسباب التفرق والإختلاف كما أن كثرة العلم سبب عظيم من أسباب التوحد والإئتلاف .
    يتبع (إن شاء الله)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    18
    ولما نزل قوله عز وجل:(اليوم أكملت لكم دينكم ...) ذكر أن ابا بكر الصديق -رضي الله عنه- بكي ، فقد علم -وكان أبو بكر أعلمنا- أن ما من أمر تم إلا ونقص وما من بداية إلا ولها نهاية ، فقد <كان المسلمون عند وفاة رسول الله -صلي الله عليه وسلم- علي منهاج واحد في أصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا>(الفرق للخطيب البغدادي)
    وذلك أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- كان هو عصمتهم فعند بابه يفصل كل نزاع ، ويحل كل خلاف ، وتقتل كل فتنة ، فقد كان هو حكومتهم التي إليها يردون وعنها يصدرون <وكان الأصل الذي أسسوه هو ما أمرهم الله به في قوله : (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله إن الله سميع عليم)(لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)> وكلما ابتعد العهد عن شمس النبوة ونأي زمانها وحجبت سحب الجهل أنوارها وذهب ضوءها وأسدل الظلام ستاره ، سترا بعد ستر حتي أغشي العيون فعميت عن طريق الحق وتنكبت سبيل الهدي وركبت سبل الهوي والضلالة فنهشتها كلاب الخوارج ولدغتها عقارب الشيعة ولسعتها حيات الإرجاء و تلا عبت بها شبه القدرية ولم ينج إلا من رحم الله .
    قال عليه الصلاة والسلام : (إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها تجيئ فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه ثم تنكشف فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلي الناس الذي يحب أن يؤتي إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع وإذا جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر)
    وقال عليه الصلاة والسلام : (لا يأتيكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتي تلقوا ربكم) أي شر منه في العلم والدين .
    وقال أيضا : (إن بين يدي الساعة سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)
    وقال أيضا : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)
    فعند غياب العلماء يغيب العلم الذي به العصمة والسداد وإذا غاب العلم تسلط الجهل والجهال فحكموا بجورهم وقضوا بظلمهم وأفتوا بجهلهم فغيروا دين الله وبدلوا شرعه وأبعدوا الناس عن الصراط المستقيم .
    فالعلم أصل الهداية وعنوان الثبات قال تعالي عن فتنة قارون (فخرج علي قومه في زينة قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم . قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون)
    وفي حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- المشهور بيان لما ستؤول إليه الأمة بعد عزها ومجدها وخيرها وأن هذا التحول يزداد سوءا كلما بعد عهد النبوة لتعلم أن القرب من أنوار العلم كاشف للسبيل وأن النأي عنه درك وبيل ، قال : (كان الناس يسألون رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يارسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال : نعم قلت : وهل بعد ذاك الشر من خير قال : نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال : قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر قلت : فهل بعد ذاك الخير من شر قال : نعم دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها قلت : صفهم لنا قال : هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت : فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض علي أصل شجرة حتي يدركك الموت وأنت علي ذلك)
    ففي أثر حذيفة هذا بيان للخط العام الذي تسير عليه أمة الإسلام وهو في مظهره العام سير منحدر شديد الإنحدار ، فهناك عهد الخيرية التامة وهو عهد النبي صلي الله عليه وسلم وعهد الصديق وعهد عمر ، ثم يليه عهد تفتح فيه أبواب الفتن وهو ما بعد عهد عمر -رضي الله عنه- فقد كان بابا يحول دون الشر فلما كسر إندلقت الفتن ووقعت المحن فكانت الجمل وكانت صفين -وهي فتن منزعها الإجتهاد- ثم خرجت الخوارج وتشيعت الشيعة وهؤلاء وإن كانوا شرا إلا أن شرهم -في ذلك الوقت- لم يكن خفيا وشبههم كانت داحضة فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- متوافرون وكانوا ينخلون هذه الشرور نخلا ويقتلونها طفلا فلم تقم لها قائمة ؛ فقد ناظر ابن عباس -رضي الله عنه- الخوارج فرجمهم بشهب العلم وأتي علي بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ، فهتك أستارهم وأزهق شبههم وأمات جهالاتهم . وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر والحميري قالا : كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني فانطلقت أنا صاحبي حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت : إنه قد ظهر قبلنا نفر يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم ويزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف فقال عبد الله بن عمر : أخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برءاء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتي يؤمن بالقدر ..... )
    ولهذا لم يكن لهذا الشر خطر عظيم علي عقول المسلمين بقدر ما كان خطره علي أبدانهم فمهما كانت الشبهات فقد كان لها رجالها ، وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقتال الخوارج وحض علي ذلك لا لاشتباه أمرهم وإنما لأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وإلا فلو كان الأمر مجرد اشتباه لأمر بتعليمهم وإرشادهم إذ هذا هو أصل الرسالة .
    ثم يأتي عهد يختلط فيه الباطل بالحق بغير إلتباس (فيه دخن) .
    ثم يأتي عهد يلتبس فيه الحق بالباطل إلتباسا عظيم ويشتبه به اشتباها كبيرا بحيث يصور من يدعو إلي الجنة كأنه يدعو إلي النار ومن يدعو إلي النار كأنه يدعو إلي الجنة (دعاة علي أبواب جهنم ..) فيصدق الكاذب ويكذب الصادق ويؤتمن الخائن ويخون الأمين وينقلب الحق باطلا والباطل حقا والمعروف منكرا والمنكر معروفا والسنة بدعة والبدعة سنة فتتم الغربة التي أخبر عنها رسول الله -صلي الله عليه وسلم- (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبي للغرباء) فكما كان الإسلام في أول شأنه غريبا مضطهدا فما لبث أن دانت له الرقاب وعز له جناب ولكن أبت سنة الله إلا أن تكون لكل بداية نهاية ولكل علو نزول فعاد غريبا كما بدأ
    غربة في الإعتقاد
    وغربة في التعبد والمتابعة
    وغربة في الأخلاق والسلوك
    حتي تنكر له أهله وأنكروه فتبعوا الهوي وما ألفوه .
    يتبع إن شاء الله

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    18
    ومن أبرز ثمار البعد عن أنوار النبوة وغياب العلم : التفرق الذي نزل بساحة المسلمين ، وضرب باطنابه في جميع أمورهم ، فتفرقوا في عقيدتهم ، وتفرقوا في عباداتهم ، وتفرقوا في مناهجهم ، وتفرقوا في أوطانهم ، وفارقوا دينهم أخلاقا وسلوكا وتعاملا .
    والمفارقة أساس التفرق وعموده ، قال الله تعالي : ( فلما نسوا ما ذكروا به أغرينا بينهم العداوة والبغضاء ) وقال تعالي : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا . وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما . ولهديناهم صراطا مستقيما ) .
    وكلما كانت المفارقة شديدة كان التفرق شديدا ، ولهذا تجد أهل السنة أقل الناس فرقة وأهل الحديث منهم لا تكاد تجد بينهم فرقة في الإعتقاد ولو دق وهم في أمور المنهج علي كلمة سواء ، وأهل الكلام والرأي والبدع أعظم الطوائف فرقة وتفرقا لا يكاد يتفق إثنان منهم علي أمر من الأمور ، بل الخلاف دينهم وديدنهم ، ففي كل صباح تنشق طائفة عن أختها ثم تكر عليها بالقدح والذم بخلاف أهل الحديث فالخلاف فيهم قليل ، وإذا وقع فلأسباب يعذرون بها فلا قدح ولا ذم بل كما قال عليه الصلاة والسلام : ( إذا حكم الحاكم فأصاب له أجران وإذا حكم الحاكم فأخطأ له أجر ) فهم بين الأجر والأجرين .
    والتفرق سنة قديمة ، وليست هذه الأمة بمعزل عنها ، بل سيصيبها ما أصاب الأمم قبلها مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتي لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه . قالوا : آليهود والنصاري ، قال : فمن ) .
    وفي هذا يقول النبي - صلي الله عليه وسلم - (افترقت اليهود والنصاري علي ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) وهذا التفرق تفرق أديان لا تفرق أبدان لأنه قال : ( كلها في النار ) فلا يحمد بحال من الأحوال ، فمن ظن أن تفرق المسلمين إلي جماعات وطوائف حالة صحية فقد أخطأ سهمه ، وخاب فهمه لأن ( الخلاف شر ) علي كل حال كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - ولهذا جاء النهي عنه والبراءة من أهله في كتاب الله ، قال تعالي : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ) وقال عز وجل : ( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) وقال ربنا : ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيئ إنما أمرهم إلي الله ....) وقال سبحانه : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) وفي الحديث : ( إن الله يرضي لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضي لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ) .
    وأما ما ورد مثل : ( إختلاف أمتي رحمة ) ( وأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) فضعيف لا حجة فيه ويرده نص قوله تعالي : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ..) فإذا كان من رحم ربك لا يختلفون فكيف يكون الخلاف رحمة .
    والتفرق الذي سيصيب الأمة - أو أصابها - تفرق عظيم وقعه شديد نقعه واسع نطاقه كما هو نص قوله - صلي الله عليه وسلم - ( من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا..... ) وتأمل قوله : ( بعدي ) لتعلم أن زمانه - صلي الله عليه وسلم - بريئ من الخلاف بل كان زمانه - صلي الله عليه وسلم - زمان عصمة لأن الرسول - صلي الله عليه وسلم - كان هو أصل التشريع وأساس الأحكام وكان ينهي نهيا عظيما عن الإختلاف وقال : ( إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم علي أنبياءهم ) .
    أما بعد زمانه - صلي الله عليه وسلم - فلم تكن هناك عصمة لأحد ولهذا برز الخلاف والإختلاف لأن الأفهام تتفاوت والأذواق تتباين ، ولكن القوم كانوا هم أصحاب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وكانوا يعلمون أن كل خلاف سبيله الرد إلي الله والرسول ولهذا لم يكن للخلاف حينئذ أثر لأنه حينئذ كان يرفع بنص من آية أو حديث ولم يكن ثمت تعنت بل كان قصدهم - رضي الله عنهم - الإنتصار للحق لا لأنفسهم فمتي استبان رجعوا إليه معهم أو عليهم .
    أما بعد عصرهم فقد أشرأبت الأهواء وعلت الآراء وغلت العصبية ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون . وانفتح باب التفرق والإنقسام والتحزب والإنفصام فظهرت الطوائف الكلامية والمذاهب الفقهية والفرق الصوفية وصار لكل طائفة ومذهب وفرقة رأس وقام الرأس فيهم مقام رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وألبسوه لباس العصمة وضللوا مخالفيهم وبدعوهم وكفروهم وظهر في الإسلام شر عظيم .
    وأمام هذا الطوفان وبين هذا الدخان كان هناك نور يلمع وضياء يسطع يتوهج أحيانا ويخفت حينا لكنه لا يختفي بالكلية .
    الله أكبر ! إنه وعد الله لهذه الأمة ببقاء الحق الخالص فيها إلي قيام الساعة مهما اشرأبت الفتن وتتابعت المحن قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ( لا تزال طائفة من أمتي علي الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم )
    وهذه الطائفة علي قلة عددها وقلة ذات يدها إلا أن أعلامها منشورة وحجتها قائمة منصورة وأدلتها ظاهرة غير مستورة .
    فهي السواد الأعظم وهي الجماعة و ( الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك ) .
    وهي الخط المستقيم الذي خطه رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لأصحابه بيده الشريفة ، وسواها وإن كثرت أعدادهم وزاد عتادهم فهم خطوط قصار علي جانبي الخط المستقيم . قال ابن مسعود - رضي الله عنه - خط لنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - خطا مستقيما وقال : ( هذا صراط الله ) وخط علي جانبيه خطوطا قصارا قال : ( هذه السبل وعلي كل رأس سبيل منها شيطان يدعو إليه ) ثم تلي هذه الآية ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .
    ولهذا الخط المستقيم دلالات عظيمة من أجلها : أن منهج أهل الحق متفق غير مفترق ومتناسق غير متباين ولا متضاد يشد بعضه بعضا ويأخذ بعضه برقاب بعض وهذا لأنه رباني المصدر والله عز وجل يقول : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) .
    ومن هذه الدلالات أيضا أن الإختلاف في أهله قليل يسير له أسبابه التي لا تخرجهم عن خطه العام وليس له أثر من عداوة أو بغضاء لأن الخلاف عندهم ليس قصدا وإنما ضرورة أملتها أحوال معينة وظروف خاصة ريثما ترتفع هذه الأحوال وتزول تلك الظروف يزول الخلاف . وأما السبل فإن أصل بناءها هو الخلاف ولهذا فخلافهم دائم واسع شاسع وأثره عميق ودركه سحيق فيسفكون بسببه الدماء ويستبيحون الحرمات ويهتكون الأعراض ولا حول ولا قوة إلا بالله .
    يتبع بإذن الله
    _____________

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    18
    وأثمر هذا التفرق الذي حل بالمسلمين ثمارا مرة كأنها علقم ، ونتنة كأنها جيفة ، ومن أمر هذه الثمار طعما وأنتنها رائحة وأبشعها منظرا وأحطها قيمة وأرذلها قدرا : الذل الذي ضرب ديار الإسلام بأغلال من حديد ، والهوان الذي أصابهم جراء تنازعهم وتفرقهم .
    وقد أخبر الله ورسوله أن التنازع سبب للفشل والضياع والهوان ، قال الله تعالي : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) وقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ( إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم علي أنبياءهم ) .
    ولا شك أن حال الأمة الإسلامية اليوم يمثل الذل أعظم تمثيل ويعرف الهوان أدق تعريف ،
    وقد تنبأ رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بهذا الواقع المزري حينما قال : ( يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها ، قالوا : ومن قلة نحن يؤمئذ يا رسول الله ، قال : أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قالوا : وما الوهن ، قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .
    إنه نبأ صادق من نبي مصدوق يبين فيه المعصوم - صلي الله عليه وسلم - أن هذه الأمة موعودة بخطر عظيم وشر مستطير حيث تجتمع ملل الكفر علي غزوها والنيل منها طمعا في خيراتها ورغبة في إضلالها ، إذ قد خص الله عز وجل ديار الإسلام بخيرات عظيمة ونعم جسيمة ؛ من موقع إستراتيجي يتوسط دول العالم ويسهل الوصول إلي كل بقعة منه مما يحسن فرص التجارة والسياحة والمواصلات ؛ ومن خصوبة أرضها وصلاحها للزراعة والفواكه والثمار ،
    وكذلك أغناها بالبترول الذي يعتبر في عالم اليوم من أهم السلع الحيوية ، فديار الإسلام تحوي إحتياطات ضخمة من هذا المقوم الحيوي ،
    وفوق ذلك فقد طمعوا في التبشير بالنصرانية وأديانهم الباطلة وأفكارهم الخاوية .
    وقد أقبل الغرب بجحافله وعدده وعتاده ورمي أمة الإسلام عن قوس واحد فاستولوا علي أرضها واحتلوا ديارها وكبلوا حرياتها ونهبوا خياراتها ، وفوق ذلك وأكبر من ذلك وأعظم من ذلك : غيروا أفكارها وبدلوا ثقافاتها وأضعفوا يقينها بدينها وثقتها بربها ؛ فبعد أن خرجوا عنا ديارنا بأبدانهم بقيت فينا أفكارهم وثقافاتهم - من ماركسية ورأسمالية وديموقراطية وليبرالية وشيطانية - تشل المسلمين وتقعدهم عن النهوض والعودة ، فقد نشأ بين المسلمين جيل رضع أفكار الغرب ولبس ثقافة الغرب وتشبع بحب الغرب فهم ( من جلدتنا ويتكلمون بألسنت ) ولكن أفكارهم من هناك وآراءهم من هناك ( قلوب شياطين في جثمان إنس ) ، فعن طريق هؤلاء ومن تسلق منهم سور الحكم ؛ أحكم الغرب قبضته علي أهل الإسلام ، وإلي زماننا هذا مازالوا بالمسلمين يسومونهم سوء العذاب ويقتلونهم في كشمير والشيشان والبوسنة والهرسك والعراق وأفغانستان والصومال .
    كل ذلك والمسلمون أمة عظيمة كثير عددها ؛ قد ملأت مشارق الأرض ومغاربها ولكنها - للأسف - أمة بلا روح ولا معني ، ولا لون لها ولا طعم ولا رائحة ، أمة يكفي فيها وصف الصادق المصدوق - صلي الله عليه وسلم - : ( ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) ، ما أصدق هذا المثال وما أوضح هذا التمثيل ، إنه وصف أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء ، ولا شك أنه يمثل واقعنا أعظم تمثيل فما أشبه أمتنا بالغثاء .
    أتدري - أخي - ما الغثاء ؟ إنه النتن والأفن الذي يحمله السيل ، إنه جيف الكلاب وبقايا بني آدم ، إنه الوسخ والثياب البالية ومخلفات البهائم ، إنه الزبد ، إنه ...... إنه ...... إنه كل مايحمله السيل مما لا فائدة فيه ولا نفع يحتويه .
    إن الغثاء لا فائدة منه ولا نفع فيه ولا قدر له ولا وزن عنده ولا قيمة له فوجوده وعدمه سواء وخير منه أن لو عدم ؛ إذا لارتاح الناس من أذاه .
    وأمة الإسلام اليوم لا نفع لها ولا قدر لها ، فلا نفعت ولا انتفعت فهي أحط أمم الأرض في كل نواحي الحياة علميا ، واقتصاديا ، وسياسيا ، بل ورياضيا - ذكرت الرياضة لا لإعلاء شأنها ولكن لأبين أننا أمة ميتة صرنا لا نحسن حتي اللهو واللعب - .
    ولا شك أن هذا كله ثمرة لانحطاطنا الديني وتضعضعنا الإيماني وانفلاتنا الأخلاقي ، وهذا جعل منا أمة بلا قيمة ولا وزن ولا قرار بعد أن كان سلفنا - رحمهم الله - قادة ورادة كما قال عز وجل ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ...) .
    فأمة الإسلام اليوم في ركن قصي من أركان التأريخ لا ذكر لها ينشر ولا صوت لها يسمع ، فلا تأثير لها في حياة الناس اليوم ولا قرار لها ، فهي أمة مضطهدة ،مهانة ، ذليلة .
    وقد خسر العالم كثيرا بانحطاط المسلمين فهي الأمة التي كان منوطا بها إخراج الناس من الظلمات إلي النور وإعلاء رايات التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها ، ونشر دين الله في الآفاق وتعريف الناس بأحكامه وآدابه وسماحته ، ولكن - للأسف - فقد نكست رايات التوحيد داخل بلدان المسلمين وجهل المسلمون معني كلمته ودلالة شهادته فضلا عن أركانها وواجباتها وحقوقها وتوابعها ، فكيف بأمة هذا حالها أن يرجي نفعها أو يطلب خيرها أو ينشد فضلها ، لا فإنها كما قال نبينا - صلي الله عليه وسلم - : ( غثاء كغثاء السيل ) .
    ومن صفات ( الغثاء ) أنه لا جذور له ولا أصول له فهو يسير مع السيل حيث سار ، فهو منبت عن الأرض ولهذا فلا قرار له ولا ثبات له فأمره يبد السيل يوجهه أني شاء فتارة ذات الشمال وتارة ذات اليمين ومرة شرقية وأخري غربية .
    وهذا الحال يصدق علي أمة الإسلام اليوم فهي مقطوعة عن كتاب ربها وسنة نبيها ومقطوعة عن سلفها ، ففقدت الأمة بوصلتها وفقد دليلها فتأرجح سيرها وحارت سبيلها وضلت طريقها وتاهت في بيداء الحيرة والظلام فليس ثم إلا قطاع الطريق الذين يقطعون المرأ عن دينه ودنياه ، وإذا كان السالك للطريق الموحشة لا يحمل معه سلاحا كان نهبة لكل طارق ، وأمة الإسلام فقدت سلاحها - سلاح الكتاب والسنة - فبهما تحمي نفسها من قطاع الطريق الذين يقطعونها عن العقيدة الصحيحة والمنهج القويم .
    فإن النبي - صلي الله عليه وسلم ضمن لمن تمسك بالكتاب والسنة تمام الهداية وعدم الضلال فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لقد تركت فيكم - ما إن تمسكتم بهما - لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي ...... ) ، ولازم ذلك أن الإعراض عن الكتاب والسنة يوجب الشقاء والضلال كما قال عز وجل : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ....) .
    ولما فقدت الأمة بوصلة الكتاب والسنة تخبطت في سيرها وترنحت في نهجها فارتضت نظم الغرب تارة ونظم الشرق تارة لما رأت ما للمعسكرين من رقي ورفاهية ونماء فحسبت أن سبيله هو أحسن السبل لتحصيل الرقي والرفاهية وما علمت أن ذلك بهرج فاني وأحلام وأماني .
    يتبع إن شاء الله

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    السودان
    المشاركات
    18
    وقد غفلوا عن إشارات وتنبيهات القرآن والسنة في ذلك .
    قال الله تعالي : ( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) وقال سبحانه : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون . وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) وقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) وقال أيضا : ( لو كانت الدنيا تسوي عند الله جناح بعوضة ما سقي منها الكافر شربة ماء ) وقال أيضا : ( ما أنا إلا كراكب استظل بظل شجرة ثم تركها ) وقال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ( أما ترضي أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ) .
    أين هؤلاء الذين يلهثون خلف سراب الحضارة الغربية ، أين هم من هذه النصوص الشرعية التي تحقر شأن هذه الحضارة وتسفه أحلامها ، وما ذلك إلا لأنها حضارة قامت علي باطل وليست هي علامة ولا أمارة علي رضي الله عنهم وإنما هي استدراج وإمداد في الغي والضلال .
    وإلا فإن السعادة والرفاهية وفوق ذلك الأمن والأمان في عرف القرآن السنة ما كان الإيمان والتقوي سبب فيها ، وليست السعادة في عرفهما محض سعادة البدن بل معناها أكبر من ذلك فهي تشمل أصالة سعادة القلب بربه وطمأنينته بخالقه بل هذا هو أصل السعادة وعنوانها .
    قال الله تعالي : ( ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) وقال عز وجل : ( فأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون فمتعناهم إلي حين ) وقال سبحانه : ( وألو استقاموا علي الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا . لنفتنهم فيه ) .
    فالإيمان والتقوي وسعادة القلب هو الأصل وأما الرقي والرفاهية ففرع عن الأصل وقد ينمو هذا الفرع وقد لا ينمو فليس بعلامة ولا أمارة علي رضي الله عز وجل وإنما فضل من الله إن شاء أمضاه وإن شاء أمسك بحسب حكمته - سبحانه - لهذا توفي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يوم توفي ودرعه مرهون عند يهودي مع أنه أعظم الناس إيمانا وأكملهم تقوي فلو كانت الرفاهية مقصدا شرعيا وهدفا أصليا لكان أحق الناس بها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ولكنها فضل من الله إن شاء أمضاه كما وقع لسليمان - عليه السلام - وإن شاء أمسك بحسب حكمته .
    ولكن المقصد الأسمي والهدف الأعلي أن يكون الدين كله لله وقد قام رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بهذا حق القيام حتي عبد الله وحده وكسرت الأصنام ، ثم جاهد أصحابه من بعده ففتحوا البلدان ونشروا الحق والإيمان حتي نودي بالأذان في مشارق الأرض ومغاربها وحتي أمنت الأوطان وخرجت الظعينة تقصد بيت الله لا تخاف إلا الله ، وحتي أصبح عميد أهل الصفة أميرا علي البحرين .
    ثم فسر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سبت هذه الغثائية واللا فائدية بقوله : ( وليقذفن في قلوبكم الوهن ) ثم فسره بأمرين : حب الدنيا
    وكراهية الموت
    وحب الدنيا مرض يقود صاحبه إلي الإنشغال بها والرضي بها وجعلها أكبر همه وغاية أمره فيركب كل صعب وذلول من أجلها ويستحل ما حرم الله في سبيلها والنتيجة النهائية : إهمال الغاية الكبري : عبودية الله سبحانه وتعالي لأن من كان هذا حاله لا بد أن يصيب قلبه من والوهن والضعف ما يجعله عاجزا عن الإستجابة لله ورسوله لأن الإنسان إنما يتحرك بقلبه فإذا مات القلب همدت حركة الإنسان وصار كالغثاء .
    وأما كراهية الموت لأنه يقطع عليه لذته وينغص عليه ومعيشته ويسلمه إلي دار لم يعمل لها فهو خائف علي حاله ومن مئاله ، ولهذا فهو يتجنب مظان الموت ولو كان فيما يرضي الله كالجهاد في سبيل الله .
    وينتظم هذه المعاني قوله - صلي الله عليه وسلم - : ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتي ترجعوا إلي دينكم ) فهذه الأمور التي أوجبت الذل ؛ كلها من ثمار حب الدنيا وكراهية الموت فهي من علامات الوهن الذي فسر به النبي - صلي الله عليه وسلم الغثاء الذي أوجب الذل والهوان .
    فكيف نرفع الذل والهوان عن أمة الإسلام ؟ وما هو السبيل إلي ذلك ؟ .
    يتبع إن شاء الله

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    الدولة
    الحرمين
    المشاركات
    16
    جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •