الحمد لله الذي أمر بالجماعة والإئتلاف ونهي عن التفرق والإختلاف وحض علي التعاون علي البر والإيمان وحذر من التعاون علي الإثم والعدوان والصلاة والسلام علي الرحمة المهداة والنعمة المجتباة الذي جمع الله به الصحابة بعد تفرق وفناء وألف بين قلوبهم بعد عداوة وبغضاء فكانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله
وبعد :
فقد كان الناس قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وفتنة رعناء وقد نظر الله إليهم عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب وكان من ضلالهم ما ذكره جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه عند ملك الحبشة قال :<أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيئ الجوار ويأكل منا القوي الضعيف . فكنا علي ذلك حتي بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلي الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وءاباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام وعدد له أمور الإسلام .....>
فأرسل الله رسوله محمدا صلي الله عليه وسلم علي حين فترة من الرسل مبشرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا فبلغ صلي الله عليه وسلم الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه اليقين من ربه كما قال الله عنه :
‏(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
‏(لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)
‏(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم)
‏(يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم علي فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله علي كل شئ قدير)
‏(الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والإغلال التي كانت عليهم فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اؤلئك هم المفلحون . قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون)
‏(هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهر علي الدين كله وكفي بالله شهيدا)
فأرسله الله عز وجل بأحسن العلوم وأحسن الشرائع فهدي الله به قلوبا غلفا وفتح به أعينا عميا وآذانا صما ودخل الناس في دين الله أفواجا وظهر دين الله علي سائر الأديان وطمس الشرك والنفاق والكفر والبهتان وقد جمع الله به سائر الناس العربي والعجمي والأحمر والأسود والغني والفقير والأمير والخفير لا فضل لأحد علي أحد إلا بالتقوي وكان أعظم اجتماع شهدته البشرية علي مدار تأريخها في حجة الوداع إذ اجتمع مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ما يزيد علي مائة ألف كلهم يأتم برسول الله صلي الله عليه وسلم فهو الرسول المتبع والقائد المطاع
ففي ذلك اليوم إجتمعت الأبدان واكتمل القرآن
واجتماع الأبدان من المقاصد الشرعية العظيمة والأسس المرعية الجسيمة وقد ذكر الله عباده بهذه النعمة وامتن عليهم بها وهو يوصيهم بالحفاظ علي روحها وأساسها [التقوي] والإعتصام بأصلها وسببها (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)
وأخبر أن هذا محض فضله ومنته (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين . وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)
يتبع(إن شاء الله)