بسم الله الرحمن الرحيم

مسائل في زكاة المال للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله

أن الزكاة واجبةٌ في المال لا في الذمة .لكن الصحيح أنها واجبة في المال، ولها تعلق بالذمة، ويتفرع على هذا فوائد منها:

لو قلنا: إنها واجبة في الذمة لسقطت الزكاة على من عليه دين؛ لأن محل الدين الذمة، وإذا قلنا : محل الزكاة الذمة، وكان عليه ألف وبيده ألف، ولم تجب عليه الزكاة ؛ لأن الحقين تعارضا. والصحيح أنها واجبة في المال لقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً )(التوبة:103)، وقال في هذا الحديث :" أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم" لكن لها تعلق الذمة، بمعنى أنها إذا وجبت وفرط والإنسان فيها فإنه يضمن، فلها تعلق بالذمة.

ومن فوائد هذا الحديث أيضاً: أن الزكاة لا تجب على الفقير ، لقوله : " من أغنيائهم فترد في فقرائهم" ولكن من هو الغني؟ أهو الذي يملك ملايين؟ الغني في هذا الباب هو الذي يملك نصاباً. إذا ملك الإنسان نصاباً فهو غني تجب عليه الزكاة، وإن كان فقيراً من وجه آخر، لكنه غني من حيث وجوب الزكاة عليه.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الزكاة تصرف في فقراء البلد؛ لقوله: فتردّ في فقرائهم" ولا تُخرج عن البلد إلا لسبب، أما ما دام في البلد مستحقون فإنهم أولى من غيرهم .وقد حرم بعض العلماء إخراج الزكاة عن البلد إذا كان فيهم مستحقون، واستدل بهذا الحديث ، وبأن فقراء البلد تتعلق أنفسُهم بما عند أغنيائهم، وبأن الأغنياء إذا صرفوها إلى خارج البلد ربما يتعدي الفقراء عليهم ويقولون: حرمتمونا من حقّنا ، فيتسلطون عليهم بالنهب والإفساد، ولا شك أنه من الخطأ أن يخرج الإنسان زكاة ماله إلى البلاد البعيدة ، مع وجود مستحق في بلده؛ لأن الأقرب أولى بالمعروف . والمراد بالصدقة في هذا الحديث هي الزكاة، وهي بذل النصيب الذي أوجبه الله تعالى في الأموال الزكوية.

وسميت صدقة لأن بذل المال دليلٌ على صدق باذله، فإن المال محبوب إلى النفوس، كما قال الله تعالى : (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) (الفجر:20) ، والإنسان لا يبذل المحبوب إلا لما هو أحب منه، فإذا كان هذا الرجل أو المرأة بذل المال مع حبه له، دلّ ذلك على أنه يحب ما عند الله أكثر من حبه لماله، وهو دليلّ على صدق الإيمان، وفي قوله :" تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" دليلٌ على أن لولي الأمر أن يأخذ الزكاة من أهلها ويصرفها في مصارفها ، وأنه إذا فعل ذلك برئت الذمة.

ولكن لو قال قائل: أنا لا آمن أن يتلاعب بها من ياخذها ثم يصرفها في غير مصرفها ، نقول له : أنت إذا أديت ما عليك ؛ فقد برئت ذمتك سواء صُرفت في مصارفها أم لم تصرف، لكن قال الإمام أحمد: إذا رأى أن الإمام لا يصرفها في مصرفها، فلا يعطه إلا إذا طلب منه ذلك ، وألزمه به، وحينئذ تبرأ ذمته، وبناء على هذا فلا بأس أن يخفي الإنسان شيئاً من ماله إذا كان الذي يأخذها لا يصرفها في مصارفها ، لأجل أن يؤدي هو نفسه الزكاة الواجبة عليه.

وإذا قدر أن ولي الأمر أخذ أكثر مما يجب، فإن ذلك ظلم لا يحل لولي الأمر، أما صاحب المال فعليه السمع والطاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" [336].

وإذا قدر أن ولي الأمر أخذ دون الواجب ، وجب على صاحب المال أن يخرج البقية، ولا يقول إنه أخذ مني وبرئت الذمة؛ لأنه إذا كانت الزكاة ألفا وأخذ ثمانمائه أن تكمل المائتين فتخرجها.

ومن فوائد هذا الحديث : أنه يجوز صرف الزكاة في صنف واحد من أصناف الزكاة، وأصناف ثمانية: الفقراء ، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، فإذا أداه المزكي إلى صنف من هذه الأصناف أجزأ، بل إذا أداها إلى فرد في نوع من هذه الأنواع أجزأ. مثل لو أعطى مُزكٍّ زكاته كلها فقيراً واحداً فلا حرج، فلو قدر مثلاً أن شخصاً عليه مائة ألف ريال ديناً ، وزكاتك مائة ألف ريال وقضيت دينه كله فإن ذمتك تبرأ بهذا.

وعليه فيكون معني قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ)الآية (التوبة: 60)، بيان المصارف فقط، ولا يجب أن تعطي كل الأصناف الثمانية، ولا يجب أن تعطي ثلاثة من كل صنف، بل إذا أديتها لواحد من صنف واحد أجزأ ذلك كما في هذا الحديث.

ويُستفاد منه أن الزكاة تصرف في بلدها أي في بلد المال ، وقد سبق ذكر ذلك وبيان انه لا يجوز أن تخرج الزكاة عن البلد الذي فيه المال، إلا إذا كان هناك مصلحة أ و حاجة أكثر، وأما ما دام فيه مستحقون فلا يخرجها ، بل يؤد الزكاة في نفس البلد.


شرح رياض الصالحين المجلد الثاني