بسم الله الرحمن الرحيم

قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه العظيم فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وقول الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) (13) الآية.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل). أخرجاه. ولهما في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال موسى: يا رب، علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به. قال: يا موسى: قل لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله الله في كفة، مالت بهن لا إله الله) [رواه ابن حبان، والحاكم وصححه].
وللترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).


قال العلامة الإمام عبدالرحمن السعدي رحمه الله

لما ذكر في الترجمة السابقة وجوب التوحيد , وأنه الفرض الأعظم على جميع العبيد ذكر هنا فضله وهو آثاره الحميدة ونتائجه الجميلة وليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل التوحيد فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله .
فقول المؤلف رحمه الله : " وما يكفر من الذنوب " من باب عطف الخاص على العام فإن مغفرة الذنوب وتكفير الذنوب من بعض فضائله وآثاره كما ذكر شواهد ذلك في الترجمة .
ومن فضائله أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما .

ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية ومنها أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة ومنها أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه .

ومن أعظم فضائله أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد . فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت .

ومن فضائله أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات : فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي لما يخشى من سخطه وعقابه .

ومنها أن التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله من الراشدين , ومنها أنه يخفف على العبد المكاره ويهون عليه الآلام , فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح , ونفس مطمئنة , وتسليم ورضى يأقدار الله المؤلمة .

ومن أعظم فضائله أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم , وخوفهم ورجائهم , والعمل لأجلهم , وهذا هو العز الحقيقي , والشرف العالي , ويكون مع ذلك متألها متعبدا لله لا يرجو سواه ولا يخشى إلا إياه , ولا ينيب إلا إليه , وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه .

ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققا كاملا بالإخلاص التام فإنه يصير القليل من عمله كثيرا وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تقابلها السماوات والأرض , وعمارها من جميع خلق الله كما في حديث أبي سعيد المذكور في الترجمة وفي حديث البطاقة التي فيها لا إله إلا الله التي وزنت تسعة وتسعين سجلا من الذنوب , كل سجل يبلغ مد البصر , وذلك لكمال إخلاص قائلها , وكم ممن يقولها ولا تبلغ هذا المبلغ , لأنه لم يكن في قلبه من التوحيد والإخلاص الكامل مثل ولا قريب مما قام بقلب هذا العبد .

ومن فضائل التوحيد أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى , وإصلاح الأحوال , والتسديد في الأقوال والأفعال .

ومنها أن الله يدافع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة , ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره , وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة والله أعلم .


قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله


نُدرك خطأ كثير من الدعاة اليوم، أو من المؤلفين المعاصرين، الذي يزعمون أنهم يكتبون عن الإسلام، وعن الدعوة، ويمدحون الإسلام مدحاً كثيراً، في محاضراتهم، وفي كتبهم، وهذا حق، لكن ما هو الإسلام أوّلاً، لم يبيّنوا ما هو الإسلام، تقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، أو تستمع إلى المحاضرة- أو الشريط- من أوله إلى آخره، وهو مدح للإسلام وثناء عليه، وبيان لمزاياه، لكن ما هو الإسلام، لأن كل واحدة من الفرق الضالة والمنحرفة تفسِّر الإسلام بمذهبها، وينزِّلون هذا المدح، وهذا الثناء على مذهبهم، فلا يكفي أننا نمدح الإسلام ونثني عليه فقط، لابد أن تبيّن ما هو الإسلام، ما هي حقيقة الإسلام الذي يُنجي من الكفر، ويدخل في التّوحيد، ويُنجي من النار ويدخل في الجنة، وما هي نواقض الإسلام التي تُفسد الإسلام، وتُخرج منه، وما هي مكمِّلاته، وما هي منقِّصاته، لابد من هذا، أما مجرد المدح، وذكر الفضائل بدون إنك تبيّن حقيقة الشيء، فهذا خطأ عظيم، والإسلام هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليه صحابته الكرام، وكان عليه القرون المفضلة، أما ما خالف ذلك فليس من الإسلام في شيء، وإن كان صاحبه يدَّعي أنه هو الإسلام، ومن هنا تجدون الشيخ بيّن في الباب الأول حقيقة التّوحيد لئلا يدعي كل واحد أن مذهبه هو التّوحيد، أو ما هو عليه هو التّوحيد، وهذا أمر مهم جدًّا، لأنهم يقولون أدعوا إلى الإسلام وبينوا مزايا الإسلام فقط، ولا تبينوا للناس حقيقة الإسلام، لأن هذا يفرق عنكم الناس