جواب شبهة أن التحاكم إلى السنة و اتباعها يقتضي التشريك في الحكم و قد نهى القران عنه{إن الحكم إلا للّه}
جواب:
نقول ما أجرأ هؤلاء على اللّه و على سنة رسوله عليه الصلاة و السلام فهل تبعث الرسل لإحياء الشرك أو لمحوه؟و هل الحكم بالسنة إلا تطبيق لأحكام القران، قال تعالى:{فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما}
يقسم الرب في هذه الآية بذاته عزوجل بأنه لن يذوق طعم الإيمان ما لم يرض بقضائك يا محمد ثم لا يشعر المتحاكمون إليك بحرج أو ضيق في نفوسهم بما قضيت فيهم، بل يجب أن يذعنوا لطاعتك و أن يسرعوا بامتثال حكمك، وهل يؤدي حكمه بعد هذا الخبر الإلهي في القضاء و فصل الخصومات إلى الشرك؟!
بل حكمه عين التوحيد و امتثال للأحكام الإلهية، بل هو حكم اللّه تعالى.
و بعد وفاته تأتي مرحلة التحاكم إلى سنته، لأن التحاكم إلى السنة بمثابة التحاكم إليه، و اظهار الرضاء لحكمها كارضاء لحكمه حيا عليه الصلاة و السلام، و لا سبيل لنا إلى تنفيذ حكم الآية إلا ما ذكرنا، و بذلك تكون الآية قد أشارت إلى الحكم بسنته بعد وفاته عليه الصلاو و السلام، و لو اقتضت الإرادة الإلهية عدم التحاكم إلى السنة كما يزعم هؤلاء لما صح مجيء كاف الخطاب في (يحكموك)و لما جاءت تاء الخطاب(قضيت)للتنصيص على ذلك و لوجدنا مكانهما(حتى يحكموا القرآن)و (مما قضى فيه القرآن) و ما شاكل ذلك من العبارات المختلفة.و اما ما استدل به الخصم بقوله تعالى{إن الحكم إلا للّه}لإخراج السنة عن كونها حكما إلهيا فهو استدلال في غير موضعه، لأن هذه الجملة القرآنية وردت في ثلاثة مواضع من كتاب اللّه ففي الأنعام جاءت ردا على طلب الكفار من النبي بإنزال الآيات و الإسراع بها، فرد اللّه على هذا الطلب موضحا أن ذلك مرجعه إلى اللّه لا إلى رسوله، و أن اللّههو المتفرد في هذه الشئون، لا يشركه فيها ملك مقرب و لا نبي مرسل، قال تعالى:{قل إني على بينة من ربّي و كذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا للّه يقص الحق و هو خير الفاصلين}
و الموضعان الآخران في سورة يوسف أولهما حكاية عن قول يوسف لصاحبيه في السجن، و نصحه لهما بترك الشرك، و أن عبادة الأوثان افتراء و اختلاق على اللّه، و أن اللّه هو المتفرد في الحكم و العبادة قال تعالى:{ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان إن الحكم إلا للّه أمر ألا تعبدوا إلا إياه}
و الموضع الأخير جاء حكاية عن قول يعقوب عليه السلام ينصح أبناه، و يعلمهم آداب الدخول على الملوك، و أنه إن وقع لهم ما يكرهون في الحياة فهو قضاء و قدر، و إن هذا لهو مسلك عباد اللّه الصالحين، قال تعالى:{و قال يا بني لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقة و ما أغني عنكم من اللّه من شيء إن الحكم إلا للّه عليه توكلت و عليه فليتوكل المتوكلون}
و المواضع الثلاثة المتقدمة لا تشير إلى ما ذهب اليه هؤلاء، و لا صلة لها بما قالوه، بل إنها تأمر العبد بالرضا بما قدره اللّه له أو عليه، و إن اللّه هو المتفرد في حكمه، لا يشركه فيه أحد، و هذا لا يتنافي مع الإحتكام إلى السنة، ولا يوصل من حكم بها أو تحاكم إليها إلى دائرة الشرك بل هو عين التوحيد لأن الحكم بالسنة مستمد من اللّه بواسطة رسوله، فالحكم بها في الحقيقة و الواقع حكم اللّه المتفرد في شئون خلقه لا يشركه أحد{ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين}
ثم إن زعمهم أن مصدر السنة هو محمد عليه الصلاة و السلام و أنها ليست وحيا من اللّه خضوع لحكم الهوى و العقل القاصر، و رفض لحكم اللّه في كتابه بوجوب طاعة الرسول عليه الصلاة و السلام، بالأخذ بما أتى به و الإنتهاء عما نهى عنه، قال تعالى{قل أطيعوا اللّه و الرسول}{من يطع الرسول فقد أطاع اللّه}{و ما ءاتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا}