بسم الله الرحمن الرحيم


الاختيارات الفقهية لسماحة الإمام ابن باز في الصيام من فتاوى ورسائل الشيخ رحمه الله تعالى

كتاب الصيام :


1 - يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[1] دلت هذه الآية الكريمة على أن الصيام عبادة قديمة فرضت على من قبلنا كما فرضت علينا ولكن هل هم متقيدون بالصيام في رمضان أم في غيره ؟ هذا لا أعلم له نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم .(15 / 7)
2 - لا أعلم شيئاً معيناً لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط وشكر الله أن بلغه رمضان، ووفقه فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل، فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة من الله . ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان مبيناً فضائله وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثواب العظيم، ويشرع للمسلم استقبال هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح والاستعداد لصيامه وقيامه بنية صالحة وعزيمة صادقة . (15 / 9)
3 - يثبت هلال رمضان بالرؤية عند جميع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين "[2] وفي اللفظ الآخر: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين "[3]. وفي اللفظ الآخر: " فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً "[4] والمقصود أنه يصام بالرؤية ويفطر بالرؤية، فإن لم ير وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً ثم يصومون، ويجب إكمال رمضان ثلاثين ثم يفطرون، إذا لم تحصل الرؤية، أما إذا ثبتت الرؤية فالحمد لله . (15 / 60)
4 - الهلال يثبت بشاهد واحد في دخول رمضان، شاهد عدل عند جمهور أهل العلم؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام "[5]، ولما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أعرابياً شهد عنده بأنه رأى الهلال، فقال صلى الله عليه وسلم: " أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله " قال: نعم، فأمر بالصيام[6] . فالهلال إذا رآه عدل في الدخول وجب الصيام به، أما الخروج فلابد من شاهدين عدلين، وهكذا بقية الشهور لا تثبت إلا بشهادة عدلين؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا "[7] وثبت عن الحارث بن حاطب رضي الله عنه أنه قال: " عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما"[8] . والمقصود أن شهادة العدلين لابد منها في الخروج وفي جميع الشهور، أما رمضان في الدخول فيكتفى فيه بشهادة واحد عدل للحديثين السابقين . واختلف العلماء في المرأة هل تقبل شهادتها في الدخول كالرجل ؟ على قولين: منهم من قبلها كما تقبل روايتها في الحديث الشريف إذا كانت ثقة . ومنهم من لم يقبلها، والأرجح عدم قبولها في هذا الباب؛ لأن هذا المقام مقام الرجال ومما يختص به الرجال، ويشاهده الرجال، ولأنهم أعلم بهذا الأمر وأعرف به . (15 / 61)
5 - إذا تقدم الإنسان وذكر للقاضي أو المسئول انه رأى هلال رمضان ولم يقبل منه، ولم يعمل برؤيته فهذا فيه خلاف بين العلماء، فقد ذهب الأكثرون إلى أن يصوم؛ لأنه ثبت الشهر في حقه برؤيته، فيصوم ويسبق الناس بيوم، ويفطر معهم إذا أفطروا، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يصوم إذا لم يعمل برؤيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون "، وهذا اليوم لم يصمه المسلمون فلا يصومه هو، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وجماعة من أهل العلم، وهو أظهر في الدليل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الصوم يوم تصومون " والمسلمون لم يصوموا فتصبح شهادته لاغية في حقه وحق غيره فلا يصوم، وهذا هو الراجح (15 / 64 ، 73)

[1]- سورة البقرة، الآية 183
[2]- رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته برقم 1081، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمر بن دينار برقم 2124، واللفظ له
[3]- رواه ابن حبان في صحيحه باب ذكر البيان بأن رؤية هلال شوال إذا غم على الناس كان عليهم إتمام رمضان ثلاثين يوماً .
[4]- رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم الهلال فصوموا " برقم 1909.
[5]- رواه أبو داود في (الصوم) باب شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان برقم 2342
[6]- رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في الصوم بالشهادة برقم 691
[7]- رواه أحمد في (مسند الكوفيين) حديث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم 18416، والنسائي في (الصيام) باب قبول شهادة الرجل الواحد على شهر رمضان برقم 2116
[8]- رواه أبو داود في (الصوم) باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال برقم 2338


منقول من كتاب الاختيارات الفقهية من الفتاوى البازية