من مختارات الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله وغفر له.

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله وصحبه ومن ولاه أمابعد.
فهده فوائد قيمة من مختارات الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى وغفر له من كتاب***فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن***
قال رحمه الله
*من علوم القرآن ومقاصده
علم الآداب والأخلاق الكاملة


القرآن الكريم كتاب تعليم وإرشاد، وكتاب تربية على أكمل الأخلاق، وأحسن الآداب، وأسمى الأوصاف، وحث عليها بكلِّ وسيلة، وزجر عن ضدها، لا يوجد خلق كامل وإلا وقد دلّ عليه القرآن، ولا أدب حميد إلا وقد دعا إليه وبيّنه، والأخلاق الكاملة والآداب السامية تجعل صاحبها مستقيم الظاهر والباطن، معتدل الأحوال، مكتمل الأوصاف الحسنة، طاهر القلب نقيّه من كلِّ درن وآفة ونقص، قوي القلب، متوجهاً قلبه إلى أعلى الأمور وأنفعها، قائماً بالحقوق الواجبة والمستحبة، محموداً عند الله وعند خلقه، قد حاز الشرف والاعتبار الحقيقي، وسلم من كلِّ دنس وآفة، قد تواطأ ظاهره وباطنه على الاستقامة، وسلوكِ طريق الفلاح، وعلُوُ مكانة المتخلق بأخلاق القرآن وآدابه لا يمتري فيه من له أدنى مسكةٍ من عقل، لأنَّ العقل من أكبر الشواهد على حسن ما جاء به الشرع.
ولهذا ينبّه الله أولي العقول والألباب، ويوجّه إليهم الخطاب، لأنَّه كلَّما كمل عقل الإنسان عرف كمال ما جاء به الشرع، وأنَّه يستحيل وجود قانون أو نظام أو غيرها يقارب ما جاء به القرآن كمالاً وفضلاً، ورفعة وعلواً ونزاهةً، ويُعرف ذلك بتتبع ما جاء به القرآن.
فمن أخلاقه وآدابه التي فاقت جميع الأخلاق: الحثُ على
الإخلاص لله في الأقوال والأفعال، والإنابة إلى الله في جميع الأحوال،
كما أمر الله بالإخلاص في آيات عديدة، وأثنى على المخلصين والمنيبين إليه، وأخبر أنَّهم المنتفعون بالآيات.
فالإنابة هي انجذاب القلب، وإقباله التام على الله، ويتحقَّق ذلك بالإخلاص لله في كلِّ ما يأتي العبد وما يذر، في معاملته لله والقيام بعبوديته، وفي معاملته للخلق والقيام بحقوقهم. فأصل استقامة القلب بهذين الأمرين، فإنَّ المنيب المخلص لله تعالى قد استقام على الصراط المستقيم، وقد تواطأ ظاهره وباطنه على الخير المحض، وقد سهلت عليه الأعمال بما في قلبه من قوة الإنابة، وما يرجو من ربه من جزيل الثواب.
ولا يخفى أنَّ النصيحة التي هي الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» ( ) ثلاثاً، لا يمكن وجودها ولا تمامها إلا بهذين الأمرين. فالمنيب المخلص لله لا تجده إلا ناصحاً لله ولرسوله، ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } [الزمر: 54] {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } [الروم: 31]،{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)} [سبأ: 9] ، {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ } [ق: 33] .
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة: 5] {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [الزمر: 3] .
وقال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار أفضلِ هذه الأمة: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } [المائدة: 2] .
وقال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء] .
فالمخلص لله قد علق قلبه بأكمل ما تعلقت به القلوب من رضوان
ربه وطلب ثوابه، وعمل على هذا المقصد الأعلى فهانت عليه المشقات وسهلت عليه النفقات، وسمحت نفسه بأداء الحقوق كاملة موفرة، وعلم أنَّه قد تعوض عما فقده أفضل الأعواض وأجزل الثواب وخير الغنائم.
وأيضاً من ثمرات الإخلاص أنَّه يمنع منعاً باتاً من قصد مراءاة الناس وطلب محمدتهم، والهرب من ذمهم، والعمل لأجلهم، والوقوف عند رضاهم وسخطهم، والتقيد بإرادتهم ومرادهم، وهذا هو الحرية الصحيحة أن لا يكون القلب متقيداً متعلقاً بأحدٍ من الخلق.
ومن ثمرات الإخلاص أنَّ العمل القليل من المخلص يعادل الأعمال الكثيرة من غيره، وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال: «لا إله إلا الله خالصاً من قلبه» ( )، وأنَّه أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ( ). وأنَّ المخلص يصرف الله عنه من السوء والفحشاء ما لا يصرفه عن غيره. قال تعالى عن يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24] قرئ بكسر اللام وفتحها، وهما متلازمتان، لأنَّ الله تعالى لإخلاصهم جعلهم من المخْلَصين.
فالمخلصون هم خلاصة الخلق وصفوتهم، وهل يوجد أكمل ممن خلصت إرادتهم ومقاصدهم لله وحده، طلباً لرضاه وثوابه، وتفرعت أعمالهم الظاهرة والباطنة على هذا الأصل الطيب الجليل، ومثلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } [إبراهيم: 24، 25] .
ومن ثمرات الإخلاص الطيبة: أنَّ المخلص إذا عمل مع الناس


إحساناً قولياً، أو فعلياً أو مالياً أو غيره، لم يبال بجزائهم ولا شكرهم لأنَّه عامل الله تعالى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يثني عزمه ونشاطه قلة شكرهم له، فقد قال تعالى في حق المخلصين: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) } [الإنسان] .
التوكل على الله والاستعانة به
خلق جليل يضطر إليه العبد في أموره كلِّها دينيِّها ودنيويها، لأنَّه وإن كان الله تعالى قد أعطى العبد قدرة وإرادة تقع بها أفعاله الاختيارية، ولم يجبره على شيء منها، فإنَّه لا حول له ولا قوة إلا بالله، فإذا اعتمد بقلبه اعتماداً كلياً قوياً على ربه في تحصيل وتكميل ما يريد فعله من أمور دينه ودنياه، ووثق به أعانه وقوّى إرادته وقدرته، ويسّر له الأمر الذي قصده، وصرف عنه الموانع أو خففها، وتضاعفت قوة العبد وازدادت قدرته، لأنَّه استمد واستماح ( ) من قوة الله التي لا تنفد ولا تبيد.
والتوكل الحقيقي يطرد عن العبد الكسل، ويوجب له النشاط التام على الأمر الذي توكل على الله به، ولا يتصاعب شاقاً، ولا يستثقل أي عمل، ولا ييأس من النجاح وحصول مطلوبه، عكس ما يظنه بعض المنحرفين الذين لم يفهموا معنى التوكل، أو فهموه لكن إنكار القدر والقضاء صرفهم عن الحق، فحسبوا أنَّ التوكل يضعف الهمة والإرادة، وأساؤوا غاية الإساءة حيث ظنوا بربهم الظن السوء، فإنَّ الله أمر بالتوكل في آيات كثيرة.
وأخبر أنَّه من لوازم الإيمان ووعد المتوكلين: الكفاية وحصول المطلوب، وأخبر أنَّه يحبهم، وأنَّه لا يتم الدين إلا به، ولا تتم الأمور إلا به، فالدين والدنيا مفتقرات إلى التوكل.
قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة: 23] ، {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } [هود: 123] ، {فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } [التوبة: 129] ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا } [الأعراف: 89] ، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق: 3] ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) }.
وللتوكل فوائد عظيمة:
منها: أنَّه لا يتم الإيمان والدين إلا به، وكذلك لا تتم الأقوال والأفعال والإرادات إلا به.
ومنها: أنَّ من توكل على الله كفاه، فإذا وعد الله عبده بالكفاية إذا توكل عليه، عُلِمَ أنَّ ما يحصل من الأمور الدينية والدنيوية، وأحوال الرزق وغيرها بالتوكل أعظم بكثير مما يحصل إن حصل إذا انقطع قلب العبد من التوكل.
ومنها: أنَّ التوكل على الله أكبر سبب لتيسير الأمر الذي تُوكِّل عليه ( ) وتكميلِه وتتميمِه، ودفع الموانع الحائلة بينه وبين تكميله.
ومنها: أنَّ المتوكل على الله قد علم أنَّه اعتمد في توكله، واستند إلى من جميعُ الأمور كلِّها في ملكه، وتحت تصريفه وتدبيره، ومن جملتها: فعل العبد، فكلما فترت همته وضعف نشاطه أَمَدَّه هذا التوكل بقوة إلى قوته، وقد وثق بكفاية ربه، والوثوق والطمع في حصول المطلوب لا شك أنَّه من أعظم الأسباب الباعثة على الأعمال المرغبة فيها، وهذا أمر مشاهد معلوم.
ومنها: أنَّ المتوكل على الله حقيقة قد أبدى الافتقار التام إلى ربه، وتبرأ من حوله وقوته، ولم يعجب بشيء من عمله، ولم يتكل على نفسه لعلمه أنَّها ضعيفة مهينة، سريعة الانحلال، بل لجأ في ذلك إلى ربه، مستعيناً به في حصول مطلوبه.
وهذا هو الغنى الحقيقي، لأنَّه استغنى بربه وكفايته، وهو مع ذلك قد أبدى غاية المجهود، فتبين أنَّ التوكل لا ينافي القيام بالأسباب الدينية والدنيوية، بل تمامه بفعلها بقوة صادقة وهمة عالية، معتمدة على قوة القوي العزيز.
النصـيحـة
أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ الدين النصيحة، كررها ثلاثاً، وفسّرها بأنَّها النصيحة لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ( ).
وأخبر تعالى أنَّ النصيحة طريقة أنبيائه وأصفيائه، وأخبر أنَّ الحرج منفي عمن نصح لله ولرسوله. فالنصيحة لله هي القيام التام بحقوقه علماً وعملاً، ودعوة وتنفيذاً، والنصيحة لكتابه: الاجتهاد في معرفة ألفاظه ومعانيه، والعمل به والدعوة لذلك.
والنصيحة لرسوله: الإيمان به، ومحبته واتباعه، ونصر سنته، وتقديم هديه على هدي كلِّ أحد، والاجتهاد في كلِّ ما يحبه.
والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم: أن يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويسعى في ذلك بحسب مقدوره، فيعلّم جاهلهم، ويرشد منحرفهم، ويذكر غافلهم، ويعظ معرضهم ومعارضهم، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ويسلك كلَّ طريق فيه صلاح لإخوانه المسلمين، ويسعى في تأليف ذات بينهم، وفي إرشادهم على اختلاف طبقاتهم لمصالح دينهم ودنياهم، كلُّ أحد على حسب حاله.
وللنصيحة فوائد عظيمة:
منها:أنَّ الدين لا يتم إلا بها، بل هي الدين كما ذكره صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنَّ الناصح لله ولرسوله ولكتابه وللخلق نفسُ عملِ قلـبه هـذا
واستعداده وتهيئته للنصيحة من أكبر الأعمال المقربة إلى رب العالمين، فما تقرّب أحد إلى الله بمثل توطين النفس على النصيحة الشرعية المذكورة، فالناصح في عبادة مستمرة إن قام أو قعد، أو عمل، أو ترك العمل.
ومنها: أنَّ من عجز عن العمل الديني إذا كان ناصحاً لله ولرسوله، ناوياً الخير إذا تيسر له، فإنَّه لا حرج عليه، ويشارك العاملين في عملهم، فإنَّما الأعمال بالنيات.
ومنها: أنَّ الله ييسر للناصح الصادق أموراً لا تخطر له على بال، وأنَّ الساعي في نفع المسلمين إذا كان قصده النصيحة، فإنَّه يفلح وينجح، فإنْ تم ما سعى له فعلاً وهو الغالب وإلا تمَّ أجرُهُ، فمن عجز عن بعض عمل قد شرع فيه تمّم له ذلك العمل. قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [النساء: 100] .
ومنها: السلامة من الغش، فإنَّ من غشّ المسلمين في دينهم ودنياهم فليس منهم، والغش من أشنع الخصال القبيحة في حق القريب والبعيد، والمخالف والموافق.
فهذا القرآن العظيم يدعو إلى هذا الخلق الذي هو أفضل الأخلاق، وهو النصيحة التي أسس عليها دين الإسلام، وقام عليها بنيانه، وبان بها فضله على كلِّ شيء، فإنَّ النصح لكلِّ أحد محمود شرعاً وعقلاً وفطرة، وضده قبيح شرعاً وعقلاً وفطرة.
الصدق في الأقوال والأفعال وجميع الأحوال
قد أمر الله بالصدق ومدح الصادقين، وأخبر أنَّ الصدق ينفع أهله في الدنيا والآخرة، وأنَّ لهم المغفرة والأجر العظيم.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) } [التوبة] ، {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)} [الزمر] ، {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } [محمد: 21] ، {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } [المائدة: 119] ، والآيات في مدح الصدق كثيرة جداً.
والصدق يهدي إلى كلِّ برّ وخير، كما أنَّ الكذب يهدي إلى كلِّ شر وفجور. والصادق حبيب إلى الله، حبيب إلى عباد الله، معتبر في شرف دينه ودنياه، بل عنوانُ الشرف والاعتبار وعلوِ المنزلة الصدقُ.
وللصدق فوائد عظيمة: منها هذه الأمور العظيمة التي أشرنا إليها من امتثال أمر الله، وحصول الأجر والثواب العظيم والمغفرة، وأنَّ الصادق ينتفع بصدقه في الدنيا والآخرة، وأنَّه يدعو إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً في أعلى الدرجات وأرفع المقامات.
ومن عُرف تحريه للصدق ارتفع مقامه عند الخلق، كما كان مرتفعاً عند الخالق واطمأن الناس لأقواله وأفعاله، وصار له مرتبة عالية في الشرف، وحسن الاعتبار والثناء الجميل، وأمن الناس من بوائقه ومكره وغدره.
ففي جميع المقامات الدينية والدنيوية لا تجد الصادق إلا في الذروة العليا، إن كان في مقام الإفتاء والتعليم والإرشاد لم يعدل الناس بقوله لقول أحد، واطمأنوا إلى إرشاداته وتعليمه وتفهيمه، لأنَّه مؤسس على الصدق، وإن شهد شهادة عامة أو شهادة خاصة ثبتت الأحكام بشهادته، وإن أخبر بخبر خاص أو عام وثق الناس لخبره وعظّموه واحترموه، حتى لو أخطأ في شيء من ذلك لوجدوا له محملاً صالحاً، وإن عامل الناس معاملة دنيوية ببيع أو شراء وإجارة أو تجارة أو حق من الحقوق الكبيرة والصغيرة، تسابق الناس إلى معاملته واطمأنوا لذلك غير مرتابين.
وحسبك بهذا الخُلُق الذي يخضع لحسنه وكماله ألبّاء الرجال، ويعترف بكماله أهل الفضل والكمال، فهو من جملة البراهين على صدق الرسول، وكمال ما جاء به من هذا الدين القيّم الذي هذا الخلق العظيم من أخلاقه، وكلُّ أخلاقه على هذا النمط، والله أعلم.*
انتهى كلامه رحمه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين
__________________