236- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ الْمُزَنِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ ثِقَةً , عَنِ الْجُرَيْرِيِّ , عَنْ سَيْفٍ السَّدُوسِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ , قَالَ : (إنَّ مُحَمَّدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ , عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. )

237- أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَيْفٌ السَّدُوسِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ , قَالَ : (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جِيءَ بِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُقْعِدَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَلَى كُرْسِيِّهِ) , فَقُلْتُ : يَا أَبَا مَسْعُودٍ , إِذَا كَانَ عَلَى كُرْسِيِّهِ , فَلَيْسَ هُوَ مَعَهُ , قَالَ : وَيْلَكُمْ , هَذَا أَقَرُّ حَدِيثٍ لِعَيْنَيَّ فِي الدُّنْيَا.

238- وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَكْرَاوِيُّ مِنْ وَلَدِ أَبِي بَكْرَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَيْفٌ السَّدُوسِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ قَالَ : (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جِيءَ بِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُجْلِسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ) , قَالَ : فَقُلْتُ : يَا أَبَا مَسْعُودٍ , فَإِذَا أَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ مَعَهُ , قَالَ : وَيْلَكَ , مَا سَمِعْتُ حَدِيثًا قَطُّ أَقَرَّ لِعَيْنَيَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ , حِينَ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُجْلِسُهُ مَعَهُ.

239- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ : ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ : سَمِعْتُ حَدِيثَ ابْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} , مِنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، عَنْ أَخِيهِ , عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ . قَالَ : فَذَاكَرْتُهُ أَبِي , فَقَالَ : مَا وَقَعَ إِلَيَّ بِعُلُوٍّ , وَجَعَلَ كَأَنَّهُ يَتَلَهَّفُ , يَعْنِي إِذَا لَمْ يَقَعْ إِلَيْهِ بِعُلُوٍّ.

240- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ : أُمْلِيَ عَلَيْنَا هَذَا الْكَلاَمُ وَكَلاَمٌ كَثِيرٌ طَوِيلٌ اخْتَصَرْتُ هَذَا مِنْهُ , أَمْلاَهُ عَلَيْنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ , عَنْ هَارُونَ الْهَاشِمِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَسَمِعْتُ أَيْضًا أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَدَقَةَ أَبو بَكْرٍ شَيْخَنَا الثِّقَةَ الْمَأْمُونَ , قَالَ : ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , فَقَالَ : فَاتَنِي مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ , وَجَعَلَ يَتَلَهَّفُ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ قَدْ سَمِعَ مِنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَسَائِلَ كَثِيرَةً سَمِعْنَاهَا مِنْهُ , وَكَانَ رَجُلاً جَلِيلاً فِي زَمَانِهِ.

241- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} , قَالَ : يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ.

242- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ.

243- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ وَاصِلٍ الْمُقْرِئُ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ . فَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ وَاصِلٍ , قَالَ : مَنْ رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ فَهُوَ جَهْمِيُّ.

244- وَأَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُجْلِسُهُ عَلَى عَرْشِهِ , وَسَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُولُ : مَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ عِنْدَنَا مُتَّهَمٌ , وَقَالَ : مَا زَالَ النَّاسُ يُحَدِّثُونَ بِهَذَا , يُرِيدُونَ مُغَايَظَةَ الْجَهْمِيَّةِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ يُنْكِرُونَ أَنَّ عَلَى الْعَرْشِ شَيْء.

245- وَأَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ , قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ , قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : مَا كُنْتَ لاَعِبًا بِهِ فَلاَ تَلْعَبَنَّ بِدِينِكَ.

246- أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ , قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : مَنْ رَدَّهُ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَمَنْ كَذَّبَ بِفَضِيلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ.

247- وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ الْمُزَنِيُّ , بِهَذَا الْحَدِيثِ , وَقَالَ : مَنْ رَدَّ هَذَا فَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ , وَزَعَمَ أَنَّ مَنَ قَالَ بِهَذَا فَهُوَ ثَنَوِيُّ , فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَالتَّابِعِينَ ثَنَوِيَّةٌ , وَمَنْ قَالَ بِهَذَا فَهُوَ زِنْدِيقٌ يُقْتَلُ.

248- وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ , قَالَ : حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَمْرٍو , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا لَيْثٌ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ : يُقْعِدْهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ.

249- قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ كِتَابَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ فَلَمْ أَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ وَلَمْ آخُذْهُ , وَخَرَجْتُ إِلَى كَرْمَانَ فَرَجَعْتُ وَقَدْ مَاتَ الْمَرُّوذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

250- وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ , وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ , وَبَعْضُهُمَا أَتَمُّ مِنْ بَعْضٍ , قَالاَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَمَّادٍ الْمُقْرِئُ : مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الأَحَادِيثُ فَسَكَتَ فَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلاَمِ , فَكَيْفَ مَنْ طَعَنَ فِيهَا ؟ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الدَّقِيقِيُّ : مَنْ رَدَّهَا فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ , وَحُكْمُ مَنْ رَدَّ هَذَا أَنْ يُتَّقَى , وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ : لاَ يَرُدُّ هَذَا إِلاَّ مُتَّهَمٌ , وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : الإِيمَانُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ , وَقَالَ إِسْحَاقُ لأَبِي عَلِيٍّ الْقُوهُسْتَانِيِّ : مَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ فَهُوَ جَهْمِيُّ , وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ لِلَّذِي رَدَّ فَضِيلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلاَمِ , وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الأَصْبَهَانِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ حَدَّثَ بِهِ الْعُلَمَاءُ مُنْذُ سِتِّينَ وَمِئَةِ سَنَةٍ , وَلاَ يَرُدُّهُ إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ , قَالَ : وَسَأَلْتُ حَمْدَانَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ , فَقَالَ : كَتَبْتُهُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً , وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَرُدُّهُ إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ , وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ , وَمَا يُنْكِرُ هَذَا إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ , قَالَ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ : هَذَا حَدِيثٌ يُسَخِّنُ اللَّهُ بِهِ أَعْيَنَ الزَّنَادِقَةِ , قَالَ : وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيَّ يَقُولُ : مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَوْجِبْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ , قَالَ : وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْخَفَّافَ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُصْعَبٍ يَعْنِي الْعَابِدَ يَقُولُ : نَعَمْ , يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ لِيَرَى الْخَلاَئِقُ مَنْزِلَتَهُ.

251- سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدَقَةَ , يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى النَّاقِدَ , رَحِمَهُ اللَّهُ , يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُصْعَبٍ الْعَابِدَ , وَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ , وَقَالَ فِيهِ : ثُمَّ يَصْرِفُهُ إِلَى أَزْوَاجِهِ وَكَرَامَتِهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

252- وَأَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُصْعَبٍ الْعَابِدَ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , فِي قَوْلِهِ : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ , قَالَ ابْنُ مُصْعَبٍ : يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ لِيَرَى الْخَلاَئِقُ كَرَامَتَهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ يَنْزِلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَزْوَاجِهِ وَجَنَّاتِهِ.

253- وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدَقَةَ , يَقُولُ : حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَبَلِيِّ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيِّ , قَالَ : سَمِعْتُ هَارُونَ بْنَ مَعْرُوفٍ , يَقُولُ : لَيْسَ يُنْكِرُ حَدِيثَ ابْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ إِلاَّ الْجَهْمِيَّةُ.

254- وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدَقَةَ , يَقُولُ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ يَوْمًا , وَذَكَرَ حَدِيثَ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ , فَجَعَلَ يَقُولُ : هَذَا حَدَّثَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ فَكَمْ تَرَى كَانَ فِي الْمَجْلِسِ , عِشْرِينَ أَلْفًا , فَتَرَى لَوْ أَنَّ إِنْسَانًا قَامَ إِلَى عُثْمَانَ , فَقَالَ : لاَ تُحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ , أَوْ أَظْهَرَ إِنْكَارَهُ , تَرَاهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثَمَّ إِلاَّ وَقَدْ قُتِلَ , قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ , وَصَدَقَ , مَا حُكْمُهُ عِنْدِي إِلاَّ الْقَتْلُ.

255- وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدَقَةَ , قَالَ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ شَبِيبٍ الْمُغَازِلِيَّ , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَلْمٍ : أَخْرَجَ التَّفْسِيرَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ بِطَرَسُوسَ , عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ , فَإِنَّ فِيهِ حَدِيثَ أَنَّهُ فَضَلَ مِنَ الْعَرْشِ فَضْلَةٌ , قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ يَعْنِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ عِمْرَانَ أَنَّ الْعَرْشَ يَئِطُّ بِهِ , قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ شَبِيبٍ : قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَلْمٍ : تِلْكَ الْفَضْلَةُ مَجْلِسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَجْلِسُ مَعَهُ.

256- وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ صَدَقَةَ , يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَبَلِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ صَاحِبِ النَّرْسِيِّ قَالَ : ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِسْمَاعِيلَ فَحَدَّثَنِي , قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ , فَقَالَ لِي : هَذَا التِّرْمِذِيُّ , أَنَا جَالِسٌ لَهُ , يُنْكِرُ فَضِيلَتِي.

257- أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ الْعَطَّارُ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ السَّرَّاجِ , قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ , وَعُمَرُ عَنْ يَسَارِهِ , رَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَرِضْوَانُهُ , فَتَقَدَّمْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِ عُمَرَ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ شَيْئًا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ , فَقَالَ : قُلْ , فَقُلْتُ : إِنَّ التِّرْمِذِيَّ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُقْعِدُكَ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ , فَكَيْفَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَأَقْبَلَ عَلَيَّ شِبْهَ الْمُغْضَبِ وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَاقِدًا بِهَا أَرْبَعِينَ , وَهُوَ يَقُولُ : بَلَى وَاللَّهِ , بَلَى وَاللَّهِ , بَلَى وَاللَّهِ , يُقْعِدُنِي مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ , بَلَى وَاللَّهِ يُقْعِدُنِي مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ , بَلَى وَاللَّهِ يُقْعِدُنِي مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ , ثُمَّ انْتَبَهْتُ.

258- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَنَّ أَبَا الْحَارِثِ , حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ , قَالَ : مَا كَانَ أَحْسَنَ رَأْيِهِ.

259- أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قِيلَ لَهُ : لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ يُتَّهَمُ بِالْبِدْعَةِ ؟ قَالَ : لاَ.

260- وَأَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يُونُسَ , قَالَ : سَمِعْتُ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ , يَقُولُ : كَانَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ أَعْلَمَ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالْمَنَاسِكِ.

261- وَأَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو , قَالَ : قِيلَ لإِبْرَاهِيمَ : إِنَّ لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَاكْتَرَى حِمَارًا , فَضَحِكَ إِبْرَاهِيمُ.

262- أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ , عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ , أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا , يَقُولُ : صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ لأَخْدُمَهُ , فَكَانَ هُوَ يَخْدُمُنِي.

263- أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُهَنَّى , قَالَ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ , عَنْ مُجَاهِدٍ , قَالَ : هُوَ مَكِّيٌّ , لَقِيَ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

264- وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَيْمُونِيُّ , قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِ خُصَيْفٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ , سَمِعْتُ صَوْتَ عَائِشَةَ تَقُولُ لِلنِّسَاءِ : عَلَيْكُنَّ بِالْحِجْرِ ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْبَيْتِ , قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا يُثْبِتُ سَمَاعَهُ مِنْهَا.

265- وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , يَقُولُ : قَالَ مُجَاهِدٌ : عَرَضْتُ الْقُرْآنَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

266- قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ : قَرَأْتُ كِتَابَ السُّنَّةِ بِطَرَسُوسَ مَرَّاتٍ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَغَيْرِهِ سِنِينَ , فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ قَرَأْتُهُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ , وَقَرَأْتُ فِيهِ ذِكْرَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ , فَبَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا مِمَّنْ طُرِدَ إِلَى طَرَسُوسَ مِنْ أَصْحَابِ التِّرْمِذِيِّ الْمُبْتَدِعِ أَنْكَرُوهُ , وَرَدُّوا فَضِيلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَظْهَرُوا رَدَّهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِمُ الثِّقَاتُ بِذَلِكَ فَهَجَرْنَاهُمْ , وَبَيَّنَا أَمْرَهُمْ , وَكَتَبْتُ إِلَى شُيُوخِنَا بِبَغْدَادَ , فَكَتَبُوا إِلَيْنَا هَذَا الْكِتَابَ , فَقَرَأْتُهُ بِطَرَسُوسَ عَلَى أَصْحَابِنَا مَرَّاتٍ , وَنَسَخَهُ النَّاسُ , وَسَرَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَهْلَ السُّنَّةِ , وَزَادَهُمْ سُرُورًا عَلَى مَا عِنْدَهُمْ مِنْ صِحَّتِهِ وَقَبُولِهِمْ , وَهَذِهِ نُسْخَتُهُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ , فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ , وَأَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ كِتَابَكُمْ وَرَدَ عَلَيْنَا بِشَرْحِ مَا حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ , وَكَتَبْنَا إِلَيْكُمْ بِمَا تَقِفُونَ عَلَيْهِ , وَبِاللَّهِ نَسْتَعِينُ , وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ , وَبَعْدُ , فَنُوصِيكُمْ وَأَنْفُسَنَا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالإِحْسَانِ , فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ , وَتَقْوَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا يُرْزَقُ الْعِبَادُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُونَ , وَبِهَا يُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ لأَهْلِهَا وَبِهَا تَحِلُّ دَارُهُ , وَبِهَا يُنْظَرُ إِلَى وَجْهِهِ , وَبِهَا تُنَالُ وِلاَيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهِيَ غَايَةُ الْكَرَامَةِ , وَمَنْزِلَةُ الشُّرَفِ , وَمِنْهَاجُ الرُّشْدِ , وَجَوَامِعُ الْخَيْرِ , وَمُنْتَهَى الإِيمَانِ , فَأَسْعَدَكُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ سَعَادَةَ مَنْ رَضِيَ عَمَلَهُ , وَتَوَلاَّكُمْ بِحِفْظِهِ وَحِيَاطَتِهِ , وَشَمَلَكُمْ بِسَتْرِهِ , وَعَصَمَكُمْ بِتَوْفِيقِهِ , وَأَيَّدَكُمْ بِمَا أَيَّدَ بِهِ الْمُتَّقِينَ , وَأَوْصَلَكُمْ أَفْضَلَ مِيرَاثِ الصَّالِحِينَ , وَجَعَلَكُمْ لأَنْعُمِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ , وَاسْتَخْلَصَكُمْ بِأَشْرَفِ عِبَادَةِ الْعَابِدِينَ ,آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ , وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ , وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ , وَعَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَجْمَعِينَ .
كِتَابُنَا أَسْعَدَكُمُ اللَّهُ سَعَادَةَ مَنْ رَضِيَ عَمَلَهُ , وَشَكَرَ سَعْيَهُ , سَعَادَةً لاَ شَقَاءَ بَعْدَهَا , جَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَكُمْ أَهْلاً لِذَلِكَ , وَأَكْرَمَكُمْ بِمَا يُسْتَوْجَبُ بِهِ ثَوَابَهُ , وَيُؤْمَنُ مِنْ عِقَابِهِ , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا وَآخِرِهِ . كَذَلِكَ رُوِيَ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ , قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلَ الْكَلاَمِ , وَآخِرَهُ , وَنَبْتَدِئُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولِهِ وَصَفِيِّهِ كَذَلِكَ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ , اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ , وَوَسَطِ الدُّعَاءِ , وَآخِرِ الدُّعَاءِ . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَمُسْتَحِقُّهُ , وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ بَلَغَنَا مَا حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ مِنْ نابغٍ نَبَغَ بِالزَّيْغِ وَقِيلِ الْبَاطِلِ , فَأَحْدَثَ عِنْدَكُمْ بِدْعَةً اخْتَرَعَهَا , وَشَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ , فَفَرَّقَ جَمَاعَتَكُمْ بِخَبِيثِ قَوْلِهِ , وَسُوءِ لَفْظِهِ , فَلَوْلاَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النُّصْحِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّتِهِمْ , وَحَضَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَوَسِعَنَا السُّكُوتُ , وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخَذَ مِيثَاقَ الْعُلَمَاءِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَكْتُمُونَهُ وَذَلِكِ بِمَا رُوِيَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ , وَلِرَسُولِهِ , وَلِكِتَابِهِ , وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ , وَلِجَمَاعَتِهِمْ) , فَاعْلَمُوا , وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِلسَّدَادِ , وَالرَّشَادِ , وَالصَّوَابِ , فِي الْمَقَالَ بِصِدْقِ الضَّمِيرِ وَصِحَّةِ الْعَزْمِ بِحُسْنِ النِّيَّةِ , فَإِنَّا نَرْضَى لَكُمْ مِنَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْقَوْلِ بِهَا مَا نَرْتَضِيهِ لأَنْفُسِنَا , وَمَا أُرِيدَ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ , إِنْ أُرِيدَ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ , وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ , عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ , وَإِلَيْهِ أُنِيبُ , فَاتَّقَى رَجُلٌ رَبَّهُ , وَنَظَرَ لِنَفْسِهِ فَأَحْسَنَ لَهَا الاِخْتِيَارِ , إِذْ كَانَتْ أَعَزَّ النُّفُوسِ عَلَيْهِ , وَأَوْلاَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ بِلُزُومِ الاِتِّبَاعِ لِصَالِحِ سَلَفِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ , فَاقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ , وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَلَّدَهُمْ مِنْ دِينِهِ مَا تَحَمَّلُوا لَهُ مِنْ ذَلِكَ , وَحَذَرُ امْرِئٍ أَنْ يَبْتَدِعَ وَيَخْتَرِعَ بِالْمَيلِ إِلَى الْهَوَى , وَالْقَوْلِ بِالْخَطَأِ فَيُوبِقُ نَفْسَهُ , وَيُولِغُ دِينَهُ فَيَعْمَهُ فِي طُغْيَانِهِ , وَيَضِلُّ فِي عَمَايَةِ جَهْلِهِ , فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ لاَ يَسْتَنْصِحُ مُرْشِدًا , وَلاَ يُطِيعُ مُسَدَّدًا , أَذْهَبَهُمْ عَلَيْهِ أَجَلُهُ , وَهُوَ كَذَلِكَ , فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ , فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ , إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} , وَالَّذِي حَمَلَ هَذَا الْعَدُوَّ لِلَّهِ الْمَسْلُوبَ أَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَخَالَفَ الأَئِمَّةَ وَأَهْلَ الْعِلْمِ , وَانْسَلَخَ مِنَ الدِّينِ اللَّجَاجُ وَالْكِبْرُ , كَيْ يُقَالَ فُلاَنٌ , فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكِبْرِ , وَالنِّفَاقِ , وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ , وَالَّذِي حَمَلَنَا , أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ , عَلَى الْكِتَابِ إِلَيْكُمْ , مَا حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ مِنْ رَدِّ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُخَالَفَتِهِمْ مَنْ قَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خَيْرُكُمْ قَرْنِيَ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) فَمَالَ أُولُو الزَّيْغِ وَالنِّفَاقِ إِلَى قَوْلِ الْمُلْحِدِينَ , وَبِدْعَةِ الْمُضِلِّينَ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , وَمَا سَبِيلُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ النَّفْيُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي هُمْ فِيهِ , كَمَا أَنَّ صَاحِبَهُمُ الْمُبْتَدِعَ مَنْفِيُّ عَنِ الْجَامِعِ مَطْرُودٌ مِنْهُ , لَيْسَ إِلَى دُخُولِهِ سَبِيلٌ , وَذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَمَنِّهِ , وَمَنْعِ السُّلْطَانِ , أَيَّدَهُ اللَّهُ , إِيَّاهُ عَنْ ذَلِكَ , مُعَمِّمًا أَنَّهُ مَسْلُوبٌ عَقْلُهُ , مَلْزُومٌ بَيْتُهُ , يَصِيحُ بِهِ الصِّبْيَانُ فِي كُلِّ وَقْتٍ , وَهَذَا قَلِيلٌ لأَهْلِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ وَالضَّلاَلِ فِي جَنْبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ , وَسَلَّمَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ بِمَنِّهِ وَقُدْرَتِهِ , وَثَبَّتَنَا وَإِيَاكُمَا عَلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَاتِّبَاعِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَرِضْوَانُهُ , فَقَدْ كَانَ اضْمَحَلَّ ذِكْرُ هَذَا التِّرْمِذِيِّ وَانْدَرَسَ , وَإِنَّمَا هَذَا ضَرْبٌ مِنَ التَّعْرِيضِ وَالْخَوْضِ بِالْبَاطِلِ , فَانْتَهُوا حَيْثُ انْتَهَى اللَّهُ بِكُمْ , وَأَمْسِكُوا عَمَّا لَمْ تُكَلَّفُوا النَّظَرَ فِيهِ , وَضَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ عَنْكُمْ , وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا , فَمَنْ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا , فَإِنَّمَا يَتَحَكَّكُ بِدِينِهِ , وَيَتَوَلَّعُ بِنَفْسِهِ , وَيَتَكَلَّفُ مَا لَمْ يَتَعَبَّدْهُ اللَّهُ بِهِ.
وَقَدْ أَدَّبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُمْ , وَأَرْشَدَهُمْ فَأَنْعَمَ إِرْشَادَهُمْ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ , وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ , ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ , وَاقْبَلُوا وَصِيَّتَهُ , وَأَمْسِكُوا عَنِ الْكَلاَمِ فِي هَذَا , فَإِنَّ الْخَوْضَ فِيهَا بِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ , مَا سَبَقَكُمْ بِهَا سَابِقٌ , وَلاَ نَطَقَ فِيهَا قَبْلَكُمْ نَاطِقٌ , فَتَظُنُّونَ أَنَّكُمُ اهْتَدَيْتُمْ لِمَا ضَلَّ عَنْهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ , هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ , وَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ أَنْ يَكُونُوا كُلَّمَا تَكَلَّمَ جَاهِلٌ بِجَهْلِهِ أَنْ يُجِيبُوهُ , وَيُحَاجُّوهُ , وَيُنَاظِرُوهُ , فَيُشْرِكُوهُ فِي مَأْثَمِهِ , وَيَخُوضُوا مَعَهُ فِي بَحْرِ خَطَايَاهُ , وَلَوْ شَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُنَاظِرَ صَبِيغًا , وَيَجْمَعَ لَهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُنَاظِرُوهُ , وَيُحَاجُّوهُ , وَيَبِينُوا عَلَيْهِ لَفَعَلَ , وَلَكِنَّهُ قَمَعَ جَهْلَهُ , وَأَوْجَعَ ضَرْبَهُ , وَنَفَاهُ فِي جِلْدِهِ , وَتَرَكَهُ يَتَغَصَّصُ بِرِيقِهِ , وَيَنْقَطِعُ قَلْبُهُ حَسْرَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ مَطْرُودًا , مَنْفَيًّا , مُشَرَّدًا , لاَ يُكَلَّمُ وَلاَ يُجَالَسُ , وَلاَ يُشْفَى بِالْحُجَّةِ وَالنَّظَرِ , بَلْ تَرَكَهُ يَخْتَنِقُ عَلَى حِرَّتِهِ , وَلَمْ يُبَلِّعْهُ رِيقَهُ , وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ كَلاَمِهِ وَمُجَالَسَتِهِ , فَهَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْ شَرَعَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ , أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ عَلَى بِدْعَةٍ وَضَلاَلَةٍ , فَيُحَذِّرُ مِنْهُ وَيَنْهَى عَنْ كَلاَمِهِ وَمُجَالَسَتِهِ , فَاسْتَرْشِدُوا الْعِلْمَ , وَاسْتَحِضُّوا الْعُلَمَاءَ , وَاقْبَلُوا نُصْحَهُمْ , وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَزَالَ الْجَاهِلُ بِخَيْرٍ مَا وَجَدَ عَالِمًا يَقْمَعُ جَهْلَهُ , وَيَرُدُّهُ إِلَى صَوَابِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ , إِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ , فَإِذَا تَكَلَّمَ الْجَاهِلُ بِجَهْلِهِ , وَعُدِمَ النَّاسُ الْعَالِمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ , فَقَدْ تَوَدَّعَ مِنَ الْخَلْقِ , وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ , فَاللَّهَ اللَّهَ , ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ يَا إِخْوَتَاهْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ , وَالْمَحَبَّةَ لِلسَّلاَمَةِ وَالْعَافِيَةِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَدْيَانِكُمْ , فَإِنَّمَا هِيَ لُحُومُكُمْ وَدِمَاؤُكُمْ , لاَ تَعْرِضُونَ لِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجَدَلِ وَالْخَوْضِ فِي آيَاتِ اللَّهِ , وَأَكَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَّرَ مِنْهُ , وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الْهُدَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ ارْتَضَاهُمْ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاخْتَارَهُ لَهُمْ , وَكَذَلِكَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ , يَنْهَوْنَ عَنِ الْجَدَلِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ , وَيُحَذِّرُونَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ , حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ فِي ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ , فَكَانَ أَشَدَّ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي ذَلِكَ قَوْلاً , وَأَوْكَدَهُ فِيهِ رَأْيًا , وَآخِذًا بِهِ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنْصَحَهُ لَهُمْ , صَبَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْبَلاَءِ مِنْ فِتْنَتِهِ , وَالضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ , وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ , وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ بَعْدَ طُولِ الْحَبْسِ فِي ضَنْكِ الْحَدِيدِ , فَبَذَلَ لِلَّهِ مُهْجَةَ نَفْسِهِ , وَجَادَ بِالْحَيَاةِ لأَهْلِهَا , وَآثَرَ الْمَوْتَ عَلَى أَصْعَبِ الْعُقُوبَاتِ , يَرْضَى مِنْهُ عَلَى بُلُوغِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنَ الْقِيَامِ بِأَمْرِهِ , وَرَحْمَةً مِنْهُ عَلَى الْخَلْقِ , وَشَفَقًا عَلَيْهِمْ , فَصَبَرَ لَعَظِيمِ جَهْدِ بَلاَءِ الدُّنْيَا نَفْسَهُ , وَاحْتَمَلَ فِي ذَاتِ اللَّهِ كُلَّمَا عَجَزَ الْخَلْقُ أَجْمَعُونَ عَنِ احْتِمَالِ مِثْلِهِ أَوْ بَعْضِهِ , أَخَذَ بِعِنَانِ الْحَقِّ صَابِرًا عَلَى وَعْرِ الطَّرِيقِ وَخُشُونَةِ الْمَسْلَكِ , مُنْفَرِدًا بِالْوَحْدَةِ , عَاضًّا عَلَى لِجَامِ الصَّوَابِ , جَوَّادًا لِمَحْبُوبِ الْعَافِيَةِ لأَهْلِهَا , إِذْ كَانُوا لاَ يَصِلُونَ إِلَيْهَا إِلاَّ بِفِرَاقِ السُّنَّةِ , فَحَالَفَ الْوَحْشَةَ , وَأَنِسَ بِالْوَحْدَةِ , فَمَضَى عَلَى سُنَّتِهِ عَلَى مُعَانَقَةِ الْحَقِّ غَيْرَ مُعَرِّجٍ عَنْهُ , رَضِيَ بِالْحَقِّ صَاحِبًا , وَقَرِينًا , وَمُؤْنِسًا , لاَ يُثْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ خِلاَفُ مَنْ خَالَفَهُ , وَلاَ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُ , لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ , لاَ يُزْعِجُهُ هَلَعٌ , وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ طَمَعٌ , وَلاَ يُزِيغُهُ فَزَعٌ , حَتَّى قَمَعَ بَاطِلَ الْخَلْقِ بِمَا صَبَّرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الأَخْذِ بِعِنَانِ الْحَقِّ , لاَ يَسْتَكْثِرُ لِلَّهِ الْكَثِيرَ , وَلاَ يَرْضَى لَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِالْقَلِيلِ , صَابِرًا مُحْتَسِبًا , غَيْرَ مُدْبِرٍ , مُعَانِقًا لَعِلْمِ الْهُدَى , غَيْرَ تَارِكٍ لَهُ , حَتَّى أَوْرَى زِنَادَ الْحَقِّ , فَاسْتَضَاءَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ فَاتَّبَعُوهُ , وَكَشَفَ عَوْرَاتِ الْبِدَعِ , وَحَذَّرَ مِنْ أَهْلِهَا , فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى رَجَعُوا إِلَى قَوْلِهِ طَوْعًا وَكَرْهًا , فَدَخَلُوا فِي الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ , وَعَادُوا لِلْحَقِّ الَّذِي رَغِبُوا عَنْهُ , وَاعْتَرَفُوا لَهُ بِفَضْلِ مَا فَضَّلُهُ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ , فَأَقَرُّوا لَهُ بِالإِذْعَانِ , وَسَمِعُوا لَهُ وَأَطَاعُوا , إِذْ كَانَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ , وَأَنْظَرَهُمْ لِخَلْقِهِ , وَأَدَلَّهُمْ عَلَى سُبُلِ النَّجَاةِ , وَأَمْنَعَهُمْ لِمَوَاقِعِ الْهَلَكَةِ , فَبَيْنَا الْخَلْقُ بِضِيَائِهِ مُسْتَتِرُونَ , يُحْصِي لَهُمُ الْحَقَّ , وَيَنْفِي عَنْهُمُ الْبَاطِلَ , كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ , إِذْ أَتَاهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَتَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ , وَاسْتَأَثْرَ اللَّهُ بِهِ , وَنَقَلَهُ إِلَى مَا عِنْدِهِ , فَتَحَيَّرَتْ مِنْ بَعْدِهِ الأَدِلاَّءُ , وَتَاهَ الْجَاهِلُونَ فِي سَكَرَاتِ الْخَطَأِ , فَكَانَ خَلْفَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ مِنْ بَعْدِهِ ذَلِكَ الْمَقَامَ , مُنْتَصِبًا لِمَذَاهِبِهِ , ذَابًّا عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ , مُتَشَدِّدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فِي حَقَائِقِ الأُمُورِ , لاَ يَنْعَرِجُ عَنْ مَذَاهِبِهِ , وَلاَ يُدَنِّسُهُ طَمَعُ طَامِعٍ , مُؤْنَسًا بِالْوَحْشَةِ , مُنْفَرِدًا بِالْوَحْدَةِ , صَابِرًا مُحْتَسِبًا , مُبِينًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ , مُشْفِقًا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ , لاَ يَفْزَعُهُ مَيْلُ مَنْ مَالَ إِلَى غَيْرِهِ , لَمْ يَدْعُهُ طَمَعٌ إِلَى أَحَدٍ , صَبَرَ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ , وَاثِقًا بِمَوَاهِبِ اللَّهِ لَهُ مِنْ لُزُومِ أَصْحَابِهِ إِيَّاهُ , قَامِعًا لأَهْلِ الْبِدَعِ , مُحِبًّا لأَهْلِ الْوَرَعِ , فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْمَرُّوذِيِّ , وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ , فَقَدْ كَانَ وَفِيًّا لِصَاحِبِهِ , مُشْفِقًا عَلَى أَصْحَابِهِ , لَمْ تَرَ مِثْلَهُ الْعُيُونُ , فَجَزَاهُ اللَّهُ مِنْ صَاحِبٍ وَأُسْتَاذٍ خَيْرًا , فَأُلْزِمُوا مِنَ الأَمْرِ مَا تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَة اللَّهُ عَلَيْهِ , وَأَبَا بَكْرٍ الْمَرُّوذِيَّ , فَإِنَّهُ الدِّينُ الْوَاضِحُ , وَكُلُّ مَا أَحْدَثَ هَؤُلاَءِ فَبِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ , فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا , وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ , وَعَلَيْكُمْ بِلُزُومِ السُّنَّةِ , وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا , فَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ هَذَا التِّرْمِذِيُّ الْمُبْتَدِعُ بِبَلَدِنَا مَا اتَّصَلَ بِنَا أَنَّهُ حَدَثَ بِبَلَدِكُمْ , وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ كَانَ اضْمَحَلَّ وَأَخْمَلَهُ اللَّهُ , وَأَخْمَلَ أَهْلَهُ وَقَائِلَهُ , وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي النَّاسِ , قَدْ سُلِبَ عَقْلُهُ , أَخْزَاهُ اللَّهُ وَأَخْزَى أَشْيَاعَهُ , وَقَدْ كَانَ الشُّيُوخُ سُئِلُوا عَنْهُ فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وُمَحَدِّثِي بَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ أَنْكَرَهُ , وَكَرِهَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَتَبْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ لِتَقِفُوا عَلَيْهِ , فَأَمَّا مَا قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ عِنْدَ سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهُ وَرَدِّهِ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ : ذَكَرَ أَنَّ هَذَا التِّرْمِذِيَّ الَّذِي رَدَّ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ مَا رَآهُ قَطُّ عِنْدَ مُحَدِّثٍ , وَلاَ يَعْرِفُهُ بِالطَّلَبِ , وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لاَ يُنْكِرْهُ إِلاَّ مُبْتَدِعٌ جَهْمِيُّ , فَنَحْنُ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ بِدْعَتِهِ وَضَلاَلَتِهِ , فَمَا أَعْظَمَ مَا جَاءَ بِهِ هَذَا مِنَ الضَّلاَلَةِ وَالْبِدَعِ , عَمَدَ إِلَى حَدِيثٍ فِيهِ فَضِيلَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُزِيلَهُ وَيَتَكَلَّمُ فِي مَنْ رَوَاهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ , لاَ يَضُرُّهُمُ مَنْ نَاوَأَهُمْ) , وَنَحْنُ نَحْذِرُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ أَنْ تَسْتَمِعُوا مِنْهُ , وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِهِ , أَوْ تُصَدِّقُوهُمْ فِي شَيْءٍ , فَإِنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا إِحْيَاءُ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ , وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا تَرُدُّهُ الْجَهْمِيَّةُ.
وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ , وَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ مَشْيَخَتِنَا , مَا رَأَيْتُ أَحَدًا رَدَّ هَذَا.

267- وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ : لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ , وَلاَ فِي عَصْرِنَا هَذَا إِلاَّ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِمَا أَحْدَثَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رَدِّ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ , فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ , يُهْجَرُ وَنَحْذِرُ عَنْهُ , فَقَدْ حَدَّثَنَا بِهِ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ , قَالَ : يُقْعِدُهُ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ جَلَّ وَعَزَّ , فَقِيلَ لِلْجُرَيْرِيِّ : إِذَا كَانَ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ فَهُوَ مَعَهُ , قَالَ : وَيْحَكُمْ , هَذَا أَقَرُّ لِعَيْنِي فِي الدُّنْيَا , وَقَدْ أَتَى عَلَيَّ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ إِلاَّ جَهْمِيُّ , وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ الأَئِمَّةُ فِي الأَمْصَارِ , وَتَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ مُنْذُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِئَةِ سَنَةٍ , وَبَعْدُ فَإِنِّي لاَ أَعْرِفُ هَذَا التِّرْمِذِيَّ , وَلاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُهُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ , فَعَلَيْكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ بِالتَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالاِتِّبَاعِ.

268- وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ : لاَ أَعْرِفُ هَذَا الْجَهْمِيَّ الْعَجَمِيَّ , لاَ نَعْرِفُهُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ , وَلاَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِنَا , وَلاَ عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ يُقْعِدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَرْشِ , رَوَاهُ الْخَلْقُ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ , وَاحْتَمَلَهُ الْمُحْدِثُونَ الثِّقَاتُ , وَحَدَّثُوا بِهِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ , لاَ يَدْفَعُونَ ذَلِكَ , يَتَلَقَّوْنَهُ بِالْقَبُولِ وَالسُّرُورِ بِذَلِكَ , وَأَنَا فِيمَا أَرَى أَنِّي أَعْقِلُ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً , وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ أَحَدًا رَدَّهُ , وَلاَ يَرُدُّهُ إِلاَّ كُلُّ جَهْمِيٍّ مُبْتَدَعٍ خَبِيثٍ , يَدْعُو إِلَى خِلاَفِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَشْيَاخُنَا وَأَئِمَّتُنَا , عَجَّلَ اللَّهُ لَهُ الْعُقُوبَةَ , وَأَخْرَجَهُ مِنْ جِوَارِنَا , فَإِنَّهُ بَلِيَّةٌ عَلَى مَنِ ابْتُلِيَ بِهِ , فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَدَلَ عَنَّا مَا ابْتَلاَهُ بِهِ وَالَّذِي عِنْدَنَا , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّا نُؤْمِنُ بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَنَقُولُ بِهِ عَلَى مَا جَاءَ , وَنُسْلِمُ الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُخَالِفُ فِيهِ الْجَهْمِيَّةَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالصِّفَاتِ , وَقُرْبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ , وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَيَّ هَذَا الْعَجَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ كِتَابًا بِخَطِّهِ , وَدَفَعْتُهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الْمَرُّوذِيِّ , وَفِيهِ : أَنَّ مَنْ قَالَ بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ فَهُوَ جَهْمِيُّ ثَنَوِيُّ , وَكَذَبَ الْكَذَّابُ الْمُخَالِفُ لِلإِسْلاَمِ , فَحَذَرُوا عَنْهُ , وَأَخْبِرُوا عَنِّي أَنَّهُ مَنْ قَالَ بِخِلاَفِ مَا كَتَبْتُ بِهِ فَهُوَ جَهْمِيُّ , فَلَوْ أَمْكَنَنِي لأَقَمْتُهُ لِلنَّاسِ , وَنَادَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى أُشْهِرَهُ لِيَحْذَرَ النَّاسَ مَا قَدْ أَحْدَثَ فِي الإِسْلاَمِ , فَهَذَا دِينِي الَّذِي أَدِينُ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ , أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُمِيتَنَا وَيُحْيِيَنَا عَلَيْهِ.

269- وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ : أَمَّا بَعْدُ : فَعَلَيْكُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِهَدْيِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَإِنَّهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ لِمَنْ بَعْدَهُ , وَطَعْنٌ لِمَنْ خَالَفَهُ , وَأَنَّ هَذَا التِّرْمِذِيَّ الَّذِي طَعَنَ عَلَى مُجَاهِدٍ بِرَدِّهِ فَضِيلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَدَعٌ , وَلاَ يَرُدُّ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ إِلاَّ جَهْمِيُّ يُهْجَرُ , وَلاَ يُكَلَّمُ وَيُحَذَّرُ عَنْهُ , وَعَنْ كُلِّ مَنْ رَدَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى هَذَا التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ جَهْمِيُّ خَبِيثٌ , لَقَدْ أَتَى عَلَي أَرْبَعٍ وَثَمَانُونَ سَنَةً , مَا رَأَيْتُ أَحَدًا رَدَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ إِلاَّ جَهْمِيُّ , وَمَا أَعْرِفُ هَذَا وَلاَ رَأَيْتُهُ عِنْدَ مُحَدِّثٍ قَطُّ , وَأَنَا مُنْكِرٌ لِمَا أَتَى بِهِ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى مُجَاهِدٍ , وَرَدَّ فَضِيلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْعِدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَرْشِ , وَأَنَّهُ مَنْ قَالَ بِحَدِيثِ مُجَاهِدٍ , فَهُوَ جَهْمِيُّ ثَنَوِيُّ لاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ , وَكَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ , فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ يُهْجَرُ وَلاَ يُكَلَّمُ , وَيُحَذَّرُ عَنْهُ , وَقَدْ حَدَّثَنِي آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ , عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ : صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ لأَخْدُمَهُ , فَكَانَ هُوَ يَخْدُمُنِي فَمِثْلُ هَذَا يَرُدُّ حَدِيثَهُ ؟ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِيَ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) , فَقَدْ سَبَقَتْ شَهَادَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

270- وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : الَّذِي نَعْرِفُ وَنَقُولُ بِهِ وَنَذْهَبُ إِلَيْهِ : أَنَّ مَا سَبِيلُ مَنْ طَعَنَ عَلَى مُجَاهِدٍ وَخَطَّأَهُ إِلاَّ الأَدَبُ وَالْحَبْسُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ , عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ , عَنْ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا , وَمَنْ رَدَّ عَلَى مُجَاهِدٍ مَا قَالَهُ مِنْ قُعُودِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَرْشِ وَغَيْرَهُ , فَقَدْ كَذَبَ , وَلاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا التِّرْمِذِيَّ الَّذِي يُنْكِرُ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ قَطُّ فِي حَدِيثٍ وَلاَ غَيْرِ حَدِيثٍ.

271- وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ : أَرَى أَنْ يُجَانَبَ كُلُّ مَنْ رَدَّ حَدِيثَ لَيْثٍ , عَنْ مُجَاهِدٍ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ , وَيُحَذَّرُ عَنْهُ , حَتَّى يُرَاجِعَ الْحَقَّ , مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُذَكِّرُ بِالسُّنَّةِ يَتَكَلَّمُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلاَّ إِنَّا عَلِمْنَا أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ تُنْكِرُهُ مِنْ جِهَةِ إِثْبَاتِ الْعَرْشِ , فَإِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَمْرَ الْعَرْشِ , وَيَقُولُونَ : الْعَرْشُ عَظَمَةٌ , مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا مِنْهُ فَضِيلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ هَذَا التِّرْمِذِيَّ رَجُلٌ لاَ أَعْرِفُهُ وَرَأَيْتُ مَنْ عِنْدِي مِنْ أَصْحَابِنَا , يَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَهُ فِي الطَّلَبِ , وَلاَ عَرَفْتُهُ أَنَا , وَمُجَاهِدٌ كَانَتْ لَهُ جَلاَلَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ , يَأْخُذُ لَهُ بِالرِّكَابِ , أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا , وَعَلَيْكُمْ بِلُزُومِ السُّنَّةِ , وَالاِقْتِدَاءِ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ , بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَإِنَّهُ أَوْضَحَ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الْمُحْدَثَاتِ مَا هُوَ كِفَايَةٌ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ.

272- قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ : كُلُّ مَنْ ظَنَّ أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَوْجِبْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ , وَإِنَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنْ يَذْكُرَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلاَ يَقْدُمُوا عَلَيْهِ بِأَجْمَعِهِمْ , وَلَوْلاَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْمَرُّوذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ اجْتَهَدَ فِي هَذَا لَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِنَا وَبِمَنْ يَقْصُرُ عَنْ هَذَا الضَّالِّ الْمُضِلِّ عُقُوبَةٌ , فَإِنَّهُ مِنْ شَرِّ الْجَهْمِيَّةِ مَا يُبَالِي مَا تَكَلَّمَ بِهِ , قَالَ : لَيْسَ هَذَا عَرْشَ رَبِّ الْعَالَمِينَ , إِنَّمَا هُوَ مِثْلُ عَرْشِ بِلْقِيسَ , وَعَرْشٌ مِنَ الْعُرُوشِ شَبَّهَ عَرْشَ الآدَمَيِّينَ بِعَرْشِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ , لاَ يَرْعَوِي عَنْ دَفْعِ فَضِيلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَيْفَ بِمَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لاَ شَكَّ فِي تَجَهُّمِهِ , وَلاَ نَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الدُّعَاءِ وَالتَّحْذِيرِ وَتَبْيِينِ أَمْرِهِ , وَنُعَادِي مَنْ يَنْصُرُهُ , أَوْ يَمِيلُ إِلَى مَنْ يَنْصُرُهُ بِتَكْفِيرِ مُجَاهِدٍ , وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ فِي {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} فَإِنَّهُ يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ , فَقَالَ : هَذَا كُفْرٌ , وَمَنْ قَالَ : بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ , سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ.

273- وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ هَارُونُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْهَاشِمِيُّ : مَنْ رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ فَهُوَ عِنْدِي جَهْمِيُّ , وَمَنْ رَدَّ فَضْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عِنْدِي زِنْدِيقٌ لاَ يُسْتَتَابُ , وَيُقْتَلُ , لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَضَّلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ , وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ : لاَ أُذْكَرُ إِلاَّ ذُكِرْتَ مَعِي وَيُرْوَى فِي قَوْلِهِ {لَعَمْرُكَ} قَالَ : بِحَيَاتِكَ , وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ : (يَا مُحَمَّدُ , لَوْلاَكَ مَا خَلَقْتُ آدَمَ) , فَاحْذَرُوا مِنْ رَدِّ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ , وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ , فَمَنْ رَدَّ هَذَا وَحَدِيثَ مُجَاهِدٍ فَلاَ يُكَلَّمُ , وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ.

274- وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ : إِنَّ هَذَا الْمَعْرُوفَ بِالتِّرْمِذِيِّ عِنْدَنَا مُبْتَدَعٌ جَهْمِيُّ , وَمَنْ رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ , فَقَدْ دَفَعَ فَضْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ رَدَّ فَضِيلَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عِنْدَنَا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنِ الإِسْلاَمِ , وَقَدْ كَانَ وَرَدَ عَلَيَّ كِتَابٌ مِنْهُ فِيهِ : أَنَّ الْعَرْشَ سَرِيرٌ مِثْلُ عَرْشِ بِلْقِيسَ , وَعَرْشِ سَبَأٍ , وَعَرْشِ يُوسُفَ , وَعَرْشِ إِبْلِيسَ , فَأَنْكَرْتُ هَذَا وَغَيْرَهُ مِنْ قَوْلِهِ , وَأَنْكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالإِسْلاَمِ إِنْكَارًا شَدِيدًا , وَالَّذِي نَدِينُ للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ : يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ , فَمَنْ رَدَّ هَذَا فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ كَافِرٌ , وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ : الْهَاشِمِيُّونَ مَعِي عَلَى مِثْلِ قَوْلِي , وَكَذَبَ , أَخْزَاهُ اللَّهُ , مَا هَاشِمِيُّ يَدْفَعُ فَضِيلَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ فَخْرَةٌ لَهُ , وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ فَيَجِبُ التَّفْتِيشُ عَنْهُ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِهِ , وَلاَ أَعْرِفُهُ , وَلاَ رَأَيْتُهُ قَطُّ مِنْ حَيْثُ أَعْرِفُهُ , وَلَقَدْ كَانَ عِنْدَ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ , فَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ , ثُمَّ إِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ الْعَدَاءُ لِلَّهِ عَلَى مَا حَبَسَهُ عَلَيْهِ , وَأَطَالَ حَبْسَهُ مِنْ دَفْعِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ , مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ , وَوَضَعَ فِيهِ الْكُتُبَ , وَذَكَرَ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي مُسْلِمٍ أَصَحُّ مِنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَوَضَعَ لآلِ أَبِي طَالِبٍ كِتَابًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ الْعَلَوِيَّةَ أَحَقُّ بِالدَّوْلَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , يَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ , وَقَدْ أَرَادَ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حَبَسَهُ أَرَادَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ ابْنِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ , فَسَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ عَلِيٍّ يَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ عَنْهُ وَيَضَعُهُ , فَيَنْبَغِي لِسَامِعِ ذِكْرِهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , وَيُحَذِّرَ عَنْهُ النَّاسَ , وَيَتَبَيَّنُ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ.