بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
فهذا شرح على كتاب أخصر المختصرات فرغه من الأشرطة أحد الأخوة من طلبة العلم لذا ليعذرني الأخوة بسبب تحرير العبارة .

[line]
قوله : ( كتاب الحج والعمرة ) الكتاب هو المكتوب ؛ أي : المجموع ؛ أي : أن هذا الكتاب جمع أحكام الحج ، فسمي كتاب الحج ؛ أي : هنا جُمِعَت أحكام الحج والعمرة .
والحج : هو القصد في اللغة ، والخليل يقول : هو القصد إلى مُعَظَّم .
وأما في الشرع : فهو قصد البيت الحرام لأعمال مخصوصة في زمن معيّن .
والعمرة : الزيارة ، وهي زيارة البيت لعمل مخصوص .
قوله : ( يَجِبَانِ ) هل الحج والعمرة كلٌّ منهما واجب أم أن الوجوب للحج فقط ؟
أما الحج فهو واجب بإجماع العلماء لقوله تعالى : (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) (آل عمران: من الآية97) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما : " بُنِيَ الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله " ، فنص على الحج وأنه من أركان الإسلام الخمسة ، وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال : " أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحُجُّوا " ، كتب ؛ أي : فرض . فقام رجل – وفي بعض الروايات الأقرع بن حابس – فقال : يارسول الله ، أفي كل عام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سكت ثلاثاً : " لا ، ولو قلتُ نعم لوجبت ، ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " وفي بعض الروايات قال : " الحج مرة ، فما زاد فهو تطوع " ، فهو صريح بأن الله كتب الحج وفرضه وأنه مرة واحدة في العمر .
وقوله : " إن الله كتب عليكم الحج " ؛ أي : فرض عليكم الحج ، والفرض : هل هو الواجب ، أم هو غيره ؟ للأصوليين كلام : فهناك قولٌ بأن الواجب هو الفرض ، ومنهم من يقول : بل الفرض أقوى من الواجب .
وعلى كل حال الفرض هو التأثير والقطع ، يقال : فَرضة القوس والنهر .
أما الوجوب فهو السقوط (( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا )) (الحج: من الآية36) ، فيقولون : الواجب أخف من الفرض ، والأولون يقولون : بل الواجب هو الفرض .
وعلى كل حال واجب أو فرض ، فالمؤَدَّى واحد من أن المسلم محاسب معاقب على ترك هذا الواجب أو الفرض ، والأحاديث في أن الحج واجب كثيرة .
وبالنسبة للعمرة هل هي واجبة أم ليست واجبة ؟
ذهب الإمام أحمد والشافعي وجماعات من الصحابة ومن بعدهم : إلى أن العمرة واجبة في العمر مرة ، واستدلوا على ذلك بأدلة منها : قوله تعالى: (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )) (البقرة: من الآية196) ، قالوا : والأمر بإتمام العمرة يدل على أنها مثل الحج ، مع أن الأمر بإتمام الحج والعمرة هو بعد الشروع فيهما ، فليس هذا بدليل صريح بالوجوب ، واستدلوا – أيضاً – بقول صلى الله عليه وسلم : " حج عن أبيك واعتمر " ، وقوله هذا هل هو للوجوب ؟! إنما هو سأله أن أباه لايستطيع أن يحج ولا أن يعتمر فقال : " حج عن أبيك واعتمر " أي يُشرع لك أن تحج وأن تعتمر ، لكن ليس فيه دليل صريح على وجوب العمرة ، واستدلوا بقوله :" الحج والعمرة فريضتان " لكنه حديث ضعيف لا تقوم به حُجَّة.
وذهب أبو حنيفة ومالك وجماعات من الصحابة والتابعين واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أن العمرة لا تجب وإنما تُستحب ، وذلك لأن الله U ذكر الحج (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )) فلم يذكر العمرة في هذه الآية ، وأيضاً لما قال : " بني الإسلام على خمس .... " قال : " وحج بيت الله الحرام " ولم يذكر العمرة ، وأيضاً في الحديث وهو ضعيف : " الحج جهاد والعمرة تطوع " لكنه ضعيف ، وفي حديث آخر : " أن تعتمر خير لك " لكنه ضعيف.
لكن الأصل عدم الوجوب كما قرره الشوكاني وغيره ، فلذا الأصل براءة الذمة من الوجوب ، والأصل عدم الوجوب إلا بدليل ، والأصل عدم التكليف إلا بدليل .
فالأظهر – والله أعلم – أن العمرة مستحبة .
أما بالنسبة لأهل مكة فشيخ الإسلام ابن تيمية نُقِل عنه – أيضاً – نقلٌ آخر يوجب العمرة على الآفاقي دون المكي ، ولكن المنقول عنه الواضح أنه لا يوجب العمرة وإنما يستحبها ويقول : إن القول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جداً ، وإنما الخلاف القوي هو في وجوب العمرة وعدم وجوبها في غير المكي ، أما أن يخرج أهل مكة ليعتمروا هذا غير مشروع ، ولم يفعله أحد من السلف وإنما حصل لعائشة – رضي الله عنها – لأن النبي r أراد أن يطيِّب خاطرها لما حزنت على أنها لم تأتِ بعمرة مستقلة كما فعل غيرها ، وهو قد أمرها أن تبقى على إحرامها وأن تكون قارنة ، فهي لم تطب نفسها بالعمرة مع الحج ، فتريد أن تكون لها عمرة مستقلة .
وهناك من يقول : العمرة مشروعة لمن يخرج من مكة ويعتمر .
وهناك من يقول : ليست مشروعة .
والقول الوسط وأشار إليه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: إلى أن من كان مثل حال عائشة يجوز أن يخرج من مكة ، ونحن نقول : إنه من يأتي من خارج البلاد ولا يستطيع أن يأتي مرة أخرى بسهولة ويريد أن يعتمر لأبيه أو أمه أو قريبه فنقول : لا بأس أن يخرج من مكة لذلك ، أما أن يخرج أن يعتمر هو لنفسه فلا ، هذا ما أراه ولم أجد من سبقني إلى هذا الاختيار ، ولكنني رأيت أنه من المناسب أن يُقال : لا يشرع لإنسان يخرج ليعتمر ؛ بل يطوف كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - لأهل مكة : عمرتكم الطواف . وأعظم أعمال العمرة الطواف ، فأهل مكة يطوفون ولا يحتاجون للخروج إلى التنعيم أو غيره من الْحِل ، ويستطيع أن يُكثر من الطواف ، ويثبت له الأجر العظيم في الطواف بالبيت ولا حاجة إلى أن يعتمر بالخروج من مكة . لكن لو كان – مثلاً – سيعتمر عن أبيه أو عن أمه ولا يتيسر له أن يعتمر في سفرة أخرى فإننا نقول : لا بأس . والدليل على هذا فعل عائشة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبدالرحمن أن يُعمرها من التنعيم .
قوله : ( عَلَى الْمُسلمِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الْمُستطيعِ ) الحج والعمرة – على القول بالوجوب – يجبان على المسلم الحر ، وتجبان بخمسة شروط :
الأول : أن يكون الشخص مسلماً .
الثاني : أن يكون حراً فلا يكون رقيقاً .
الثالث والرابع : أن يكون مكلفاً ؛ لأن المكلف هو البالغ العاقل .
الخامس : أن يكون مستطيعاً ، والمستطيع هو الذي يملك الزاد والراحلة وغيرها ، جاء في حديث أن النبي r سئل عن السبيل الوارد في قوله تعالى : (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) ، فقال : " الزاد والراحلة " ، لكن هذا الحديث هناك من صححه وهناك من ضعّفه ، ولكن نقول سواء صح الحديث أو لم يصح : إن الاستطاعة تشمل الزاد فلاشك أن الذي لا يجد زاداً زائداً عن زاد الحضر فهذا غير مستطيع ، كذلك الذي لم يجد وسيلة للنقل ، راحلة وهو البعير الذي يُرتحل ويُركب ، واليوم – مثلاً – الطائرة والقطار والباخرة والسيارة ، فالذي لا يستطيع أن يجد وسيلة للسفر عليها للحج فهذا غير مستطيع ، كذلك العاجز ببدنه هذا غير مستطيع ، وكذلك الذي يخاف من اللصوص ولا يجد من يحميه ، فأمن الطريق شرط فلا يجب على المسلم أن يحج وهو يخاف على نفسه أو ماله أو أهله في الطريق إلى الحج .
وسيأتي الكلام عن المرأة أنها تزيد بشرط المحرم .
قوله : ( في العُمْرِ مَرَّةً ) أي لا يجب في العمر إلا مرة كما تقدم عندما قام الأقرع بن حابس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحج مرة فما زاد فهو تطوع " .
قوله : ( عَلَى الفَوْرِ ) أي أن الحج يجب على الفور ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت قال : " تعجَّلوا إلى الحج – يعني الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " .
قوله : ( فإنْ زالَ مانِعُ حَجٍّ بعرفةَ ) أي إذا زال الذي يمنع الحج - مثل من كان مملوكًا فأُعتِقَ أو كان صغيرًا فبلغ - وهو بعرفة ، فيعتبر قد وقف بعرفة وهو حُرٌّ أو بالغ فتجزئه .
قوله : ( وعمرةٍ قَبْلَ طوافِها وفُعِلا إِذَنْ وَقَعَا فَرْضًا ) لو حصل هذا البلوغ أو العتق قبل أن يطوف للعمرة ، وفعل الطواف وأكمل الوقوف بعرفة وهو حر أو بالغ وقع ذلك فرضًا ، لكن لو دفع من عرفة ثم أُعتق أو بلغ فإن عاد إلى عرفة في وقت الوقوف ليلاً قبل الفجر فوقف مرة أخرى وقع فرضًا ، فإن طلع الفجر قبل أن يبلغ أو يُعتق فإنه يعتبر نفلاً .
فمن حج وهو صغير لم يبلغ أو وهو مملوك ثم بلغ أو أُعتق فعليه أن يحج حجة أخرى وورد بذلك حديث ولكنه ضعيف ، ولهذا يرى بعض أهل العلم ومنهم الشيخ عبدالرحمن السعدي F إلى أن المملوك لا يجب عليه إذا أُعتق أن يحج مرة أخرى .
قوله : ( وإنْ عَجَزَ لِكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجَى بُرؤه لَزِمَهُ أنْ يُقِيمَ مَن يَحُجُ عنه ويَعتمِر مِن حيث وَجَبَا ) إذا كان الشخص عاجزًا عن الوصول إلى مكة لكبر سِنِّهِ ولا يُرجى له بعد ذلك استطاعة ، أو مَرضٍ لا يرجى له برؤ ولا يستطيع مستقبلاً أن يحج أو يعتمر فإنه يلزمه أن يقيم من يحج عنه ، وأن يدفع مالاً إذا كان يستطيع بماله .
فإذا كان عاجزًا ببدنه ويستطيع بماله لزمه أن يُنيب من يحج عنه ويعتمر من المكان الذي وجبت عليه فيه العمرة أو الحج .
والصحيح – وهو قول الشافعي وبعض المحققين – أنه لا يجب إلا من ميقات البلد ، فلا يجب أن يعتمر أو يحج عنه – سواء كان ميِّتًا ، أو مريضًا لا يُرجى له برؤ أو كبيرًا – لايجب أن يكون من نفس البلد ؛ بل لو حج عنه أو اعتمر من الميقات بلد المنيب أو الميت جاز .
قوله : ( ويُجزِآنِهِ ما لَمْ يَبْرأ قَبْلَ إحرامِ نائبٍ ) ويجزئ الحج والعمرة إذا أداهما النائب أو أحرم بهما قبل أن يبرأ ، لكن لو حصل البرؤ قبل أن يُحرم فإنها لا تصح فرضًا وإنما تقع نفلاً .
قوله : ( وشُرِطَ لامْرأِةٍ مَحْرَمٌ أيْضًا ) ويشترط للمرأة شرط سادس وهو المحرم ، فلا يجب على المرأة أن تَحُجَّ أو تعتمر إلا إذا وجدَتْ مَحْرَمًا يرافقُها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح خطب فقال : " لايَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأة ولاتسافر امرأة إلا مع ذي محرم " . فقام رجل فقال : يارسول الله r إنَّ امرأتي خرجت حاجَّة وإنني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " انطلق فحج مع امرأتك " . هذا لعِظَم أمر المحرم ، فهو شرط للوجوب .
لكن هل يجوز لها أن تحج بدون محرم ؟
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعات من الفقهاء : إلى أنه يجوز إذا أمِنَتْ على نفسها مع نسوة ثقات أو غير ذلك ، ورأي شيخ الإسلام أنه في كل سفر طاعة ، وذلك لحديث الظعينة في الصحيح البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدح زمانًا تخرج منه الظعينة – وهي المرأة على الناقة – من الحِيرة إلى مكة لاتخاف إلا الله سبحانه وتعالى ، فهذا مَدْحٌ ولايُمدح الأمر المنكر ، فدلَّ على أن هذا مشروع إذا أَمِنَتْ على نفسها .
فالذي نراه جواز السفر للمرأة حتى ولو لم يكن سفر طاعة إذا أَمِنَتْ على نفسها .
قوله : ( فإنْ أَيِسَتْ منه استنابَت ) فإذا كان المرأة لاترجو أن يحصل لها محرم يسافر معها فإنها تستنيب مثل الكبير والمريض .
مسألة :هل هناك دليل على وجوب الاستنابة بالنسبة للمرأة في الحج وقد فُقِدَ شرط من شروط الحج بالنسبة لها؟
الجواب : الذي لا يستطيع بماله أن يحج فلايجب عليه حتى يستطيع بماله ، وأما العاجز عن الحج ببدنه ويستطيع بماله فلابد أن ينيب ؛ لأننا قلنا في الكبير والمريض أنهما يجب عليهما أن يُنيبا ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أخبره ذلك الرجل أن أباه لايستطيع أن يحجَّ وأن يعتمر – وأيضًا – في حديث الخثعمية قالت : إن أبي أدركته فريضة الله شيخًا كبيرًا لايستطيع أن يستوي على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : " نعم حجّي عنه " ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الشيخ الكبير الذي لم يستطع أن يحج ، لو كان غير القادر بنفسه لايجب عليه لما قال حجي عنه ، فدل على أن القادر بماله ولايقدر ببدنه لايجب عليه أن يحج ببدنه لكن يجب عليه أن ينيب بماله ، ونقيس المرأة على الشيخ الكبير والمريض فنقول : هذه المرأة لاتستطيع ببدنها لعدم وجود المحرم ، لكن تستطيع بمالها ، وهذا قياس واضح وصريح .
قوله : ( وإنْ ماتَ مَن لَزِماهُ أُخْرِجَا مِن تَرِكَتِهِ ) من مات وقد لزمه حج أو عمرة واستطاع ولكنه لم يحج أو يعتمر أُخرج مالٌ من تركته وحُجَّ واعْتُمِرَ عنه منه .


يتبع إن شاء الله