النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: شرح كتاب أخصر المختصرات - كتاب الحج والعمرة

  1. شرح كتاب أخصر المختصرات - كتاب الحج والعمرة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
    أما بعد :
    فهذا شرح على كتاب أخصر المختصرات فرغه من الأشرطة أحد الأخوة من طلبة العلم لذا ليعذرني الأخوة بسبب تحرير العبارة .

    [line]
    قوله : ( كتاب الحج والعمرة ) الكتاب هو المكتوب ؛ أي : المجموع ؛ أي : أن هذا الكتاب جمع أحكام الحج ، فسمي كتاب الحج ؛ أي : هنا جُمِعَت أحكام الحج والعمرة .
    والحج : هو القصد في اللغة ، والخليل يقول : هو القصد إلى مُعَظَّم .
    وأما في الشرع : فهو قصد البيت الحرام لأعمال مخصوصة في زمن معيّن .
    والعمرة : الزيارة ، وهي زيارة البيت لعمل مخصوص .
    قوله : ( يَجِبَانِ ) هل الحج والعمرة كلٌّ منهما واجب أم أن الوجوب للحج فقط ؟
    أما الحج فهو واجب بإجماع العلماء لقوله تعالى : (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) (آل عمران: من الآية97) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما : " بُنِيَ الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله " ، فنص على الحج وأنه من أركان الإسلام الخمسة ، وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال : " أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحُجُّوا " ، كتب ؛ أي : فرض . فقام رجل – وفي بعض الروايات الأقرع بن حابس – فقال : يارسول الله ، أفي كل عام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سكت ثلاثاً : " لا ، ولو قلتُ نعم لوجبت ، ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه " وفي بعض الروايات قال : " الحج مرة ، فما زاد فهو تطوع " ، فهو صريح بأن الله كتب الحج وفرضه وأنه مرة واحدة في العمر .
    وقوله : " إن الله كتب عليكم الحج " ؛ أي : فرض عليكم الحج ، والفرض : هل هو الواجب ، أم هو غيره ؟ للأصوليين كلام : فهناك قولٌ بأن الواجب هو الفرض ، ومنهم من يقول : بل الفرض أقوى من الواجب .
    وعلى كل حال الفرض هو التأثير والقطع ، يقال : فَرضة القوس والنهر .
    أما الوجوب فهو السقوط (( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا )) (الحج: من الآية36) ، فيقولون : الواجب أخف من الفرض ، والأولون يقولون : بل الواجب هو الفرض .
    وعلى كل حال واجب أو فرض ، فالمؤَدَّى واحد من أن المسلم محاسب معاقب على ترك هذا الواجب أو الفرض ، والأحاديث في أن الحج واجب كثيرة .
    وبالنسبة للعمرة هل هي واجبة أم ليست واجبة ؟
    ذهب الإمام أحمد والشافعي وجماعات من الصحابة ومن بعدهم : إلى أن العمرة واجبة في العمر مرة ، واستدلوا على ذلك بأدلة منها : قوله تعالى: (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )) (البقرة: من الآية196) ، قالوا : والأمر بإتمام العمرة يدل على أنها مثل الحج ، مع أن الأمر بإتمام الحج والعمرة هو بعد الشروع فيهما ، فليس هذا بدليل صريح بالوجوب ، واستدلوا – أيضاً – بقول صلى الله عليه وسلم : " حج عن أبيك واعتمر " ، وقوله هذا هل هو للوجوب ؟! إنما هو سأله أن أباه لايستطيع أن يحج ولا أن يعتمر فقال : " حج عن أبيك واعتمر " أي يُشرع لك أن تحج وأن تعتمر ، لكن ليس فيه دليل صريح على وجوب العمرة ، واستدلوا بقوله :" الحج والعمرة فريضتان " لكنه حديث ضعيف لا تقوم به حُجَّة.
    وذهب أبو حنيفة ومالك وجماعات من الصحابة والتابعين واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أن العمرة لا تجب وإنما تُستحب ، وذلك لأن الله U ذكر الحج (( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )) فلم يذكر العمرة في هذه الآية ، وأيضاً لما قال : " بني الإسلام على خمس .... " قال : " وحج بيت الله الحرام " ولم يذكر العمرة ، وأيضاً في الحديث وهو ضعيف : " الحج جهاد والعمرة تطوع " لكنه ضعيف ، وفي حديث آخر : " أن تعتمر خير لك " لكنه ضعيف.
    لكن الأصل عدم الوجوب كما قرره الشوكاني وغيره ، فلذا الأصل براءة الذمة من الوجوب ، والأصل عدم الوجوب إلا بدليل ، والأصل عدم التكليف إلا بدليل .
    فالأظهر – والله أعلم – أن العمرة مستحبة .
    أما بالنسبة لأهل مكة فشيخ الإسلام ابن تيمية نُقِل عنه – أيضاً – نقلٌ آخر يوجب العمرة على الآفاقي دون المكي ، ولكن المنقول عنه الواضح أنه لا يوجب العمرة وإنما يستحبها ويقول : إن القول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جداً ، وإنما الخلاف القوي هو في وجوب العمرة وعدم وجوبها في غير المكي ، أما أن يخرج أهل مكة ليعتمروا هذا غير مشروع ، ولم يفعله أحد من السلف وإنما حصل لعائشة – رضي الله عنها – لأن النبي r أراد أن يطيِّب خاطرها لما حزنت على أنها لم تأتِ بعمرة مستقلة كما فعل غيرها ، وهو قد أمرها أن تبقى على إحرامها وأن تكون قارنة ، فهي لم تطب نفسها بالعمرة مع الحج ، فتريد أن تكون لها عمرة مستقلة .
    وهناك من يقول : العمرة مشروعة لمن يخرج من مكة ويعتمر .
    وهناك من يقول : ليست مشروعة .
    والقول الوسط وأشار إليه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: إلى أن من كان مثل حال عائشة يجوز أن يخرج من مكة ، ونحن نقول : إنه من يأتي من خارج البلاد ولا يستطيع أن يأتي مرة أخرى بسهولة ويريد أن يعتمر لأبيه أو أمه أو قريبه فنقول : لا بأس أن يخرج من مكة لذلك ، أما أن يخرج أن يعتمر هو لنفسه فلا ، هذا ما أراه ولم أجد من سبقني إلى هذا الاختيار ، ولكنني رأيت أنه من المناسب أن يُقال : لا يشرع لإنسان يخرج ليعتمر ؛ بل يطوف كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما - لأهل مكة : عمرتكم الطواف . وأعظم أعمال العمرة الطواف ، فأهل مكة يطوفون ولا يحتاجون للخروج إلى التنعيم أو غيره من الْحِل ، ويستطيع أن يُكثر من الطواف ، ويثبت له الأجر العظيم في الطواف بالبيت ولا حاجة إلى أن يعتمر بالخروج من مكة . لكن لو كان – مثلاً – سيعتمر عن أبيه أو عن أمه ولا يتيسر له أن يعتمر في سفرة أخرى فإننا نقول : لا بأس . والدليل على هذا فعل عائشة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبدالرحمن أن يُعمرها من التنعيم .
    قوله : ( عَلَى الْمُسلمِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الْمُستطيعِ ) الحج والعمرة – على القول بالوجوب – يجبان على المسلم الحر ، وتجبان بخمسة شروط :
    الأول : أن يكون الشخص مسلماً .
    الثاني : أن يكون حراً فلا يكون رقيقاً .
    الثالث والرابع : أن يكون مكلفاً ؛ لأن المكلف هو البالغ العاقل .
    الخامس : أن يكون مستطيعاً ، والمستطيع هو الذي يملك الزاد والراحلة وغيرها ، جاء في حديث أن النبي r سئل عن السبيل الوارد في قوله تعالى : (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) ، فقال : " الزاد والراحلة " ، لكن هذا الحديث هناك من صححه وهناك من ضعّفه ، ولكن نقول سواء صح الحديث أو لم يصح : إن الاستطاعة تشمل الزاد فلاشك أن الذي لا يجد زاداً زائداً عن زاد الحضر فهذا غير مستطيع ، كذلك الذي لم يجد وسيلة للنقل ، راحلة وهو البعير الذي يُرتحل ويُركب ، واليوم – مثلاً – الطائرة والقطار والباخرة والسيارة ، فالذي لا يستطيع أن يجد وسيلة للسفر عليها للحج فهذا غير مستطيع ، كذلك العاجز ببدنه هذا غير مستطيع ، وكذلك الذي يخاف من اللصوص ولا يجد من يحميه ، فأمن الطريق شرط فلا يجب على المسلم أن يحج وهو يخاف على نفسه أو ماله أو أهله في الطريق إلى الحج .
    وسيأتي الكلام عن المرأة أنها تزيد بشرط المحرم .
    قوله : ( في العُمْرِ مَرَّةً ) أي لا يجب في العمر إلا مرة كما تقدم عندما قام الأقرع بن حابس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحج مرة فما زاد فهو تطوع " .
    قوله : ( عَلَى الفَوْرِ ) أي أن الحج يجب على الفور ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت قال : " تعجَّلوا إلى الحج – يعني الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " .
    قوله : ( فإنْ زالَ مانِعُ حَجٍّ بعرفةَ ) أي إذا زال الذي يمنع الحج - مثل من كان مملوكًا فأُعتِقَ أو كان صغيرًا فبلغ - وهو بعرفة ، فيعتبر قد وقف بعرفة وهو حُرٌّ أو بالغ فتجزئه .
    قوله : ( وعمرةٍ قَبْلَ طوافِها وفُعِلا إِذَنْ وَقَعَا فَرْضًا ) لو حصل هذا البلوغ أو العتق قبل أن يطوف للعمرة ، وفعل الطواف وأكمل الوقوف بعرفة وهو حر أو بالغ وقع ذلك فرضًا ، لكن لو دفع من عرفة ثم أُعتق أو بلغ فإن عاد إلى عرفة في وقت الوقوف ليلاً قبل الفجر فوقف مرة أخرى وقع فرضًا ، فإن طلع الفجر قبل أن يبلغ أو يُعتق فإنه يعتبر نفلاً .
    فمن حج وهو صغير لم يبلغ أو وهو مملوك ثم بلغ أو أُعتق فعليه أن يحج حجة أخرى وورد بذلك حديث ولكنه ضعيف ، ولهذا يرى بعض أهل العلم ومنهم الشيخ عبدالرحمن السعدي F إلى أن المملوك لا يجب عليه إذا أُعتق أن يحج مرة أخرى .
    قوله : ( وإنْ عَجَزَ لِكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجَى بُرؤه لَزِمَهُ أنْ يُقِيمَ مَن يَحُجُ عنه ويَعتمِر مِن حيث وَجَبَا ) إذا كان الشخص عاجزًا عن الوصول إلى مكة لكبر سِنِّهِ ولا يُرجى له بعد ذلك استطاعة ، أو مَرضٍ لا يرجى له برؤ ولا يستطيع مستقبلاً أن يحج أو يعتمر فإنه يلزمه أن يقيم من يحج عنه ، وأن يدفع مالاً إذا كان يستطيع بماله .
    فإذا كان عاجزًا ببدنه ويستطيع بماله لزمه أن يُنيب من يحج عنه ويعتمر من المكان الذي وجبت عليه فيه العمرة أو الحج .
    والصحيح – وهو قول الشافعي وبعض المحققين – أنه لا يجب إلا من ميقات البلد ، فلا يجب أن يعتمر أو يحج عنه – سواء كان ميِّتًا ، أو مريضًا لا يُرجى له برؤ أو كبيرًا – لايجب أن يكون من نفس البلد ؛ بل لو حج عنه أو اعتمر من الميقات بلد المنيب أو الميت جاز .
    قوله : ( ويُجزِآنِهِ ما لَمْ يَبْرأ قَبْلَ إحرامِ نائبٍ ) ويجزئ الحج والعمرة إذا أداهما النائب أو أحرم بهما قبل أن يبرأ ، لكن لو حصل البرؤ قبل أن يُحرم فإنها لا تصح فرضًا وإنما تقع نفلاً .
    قوله : ( وشُرِطَ لامْرأِةٍ مَحْرَمٌ أيْضًا ) ويشترط للمرأة شرط سادس وهو المحرم ، فلا يجب على المرأة أن تَحُجَّ أو تعتمر إلا إذا وجدَتْ مَحْرَمًا يرافقُها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح خطب فقال : " لايَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأة ولاتسافر امرأة إلا مع ذي محرم " . فقام رجل فقال : يارسول الله r إنَّ امرأتي خرجت حاجَّة وإنني اكْتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " انطلق فحج مع امرأتك " . هذا لعِظَم أمر المحرم ، فهو شرط للوجوب .
    لكن هل يجوز لها أن تحج بدون محرم ؟
    ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجماعات من الفقهاء : إلى أنه يجوز إذا أمِنَتْ على نفسها مع نسوة ثقات أو غير ذلك ، ورأي شيخ الإسلام أنه في كل سفر طاعة ، وذلك لحديث الظعينة في الصحيح البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم مدح زمانًا تخرج منه الظعينة – وهي المرأة على الناقة – من الحِيرة إلى مكة لاتخاف إلا الله سبحانه وتعالى ، فهذا مَدْحٌ ولايُمدح الأمر المنكر ، فدلَّ على أن هذا مشروع إذا أَمِنَتْ على نفسها .
    فالذي نراه جواز السفر للمرأة حتى ولو لم يكن سفر طاعة إذا أَمِنَتْ على نفسها .
    قوله : ( فإنْ أَيِسَتْ منه استنابَت ) فإذا كان المرأة لاترجو أن يحصل لها محرم يسافر معها فإنها تستنيب مثل الكبير والمريض .
    مسألة :هل هناك دليل على وجوب الاستنابة بالنسبة للمرأة في الحج وقد فُقِدَ شرط من شروط الحج بالنسبة لها؟
    الجواب : الذي لا يستطيع بماله أن يحج فلايجب عليه حتى يستطيع بماله ، وأما العاجز عن الحج ببدنه ويستطيع بماله فلابد أن ينيب ؛ لأننا قلنا في الكبير والمريض أنهما يجب عليهما أن يُنيبا ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أخبره ذلك الرجل أن أباه لايستطيع أن يحجَّ وأن يعتمر – وأيضًا – في حديث الخثعمية قالت : إن أبي أدركته فريضة الله شيخًا كبيرًا لايستطيع أن يستوي على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : " نعم حجّي عنه " ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الشيخ الكبير الذي لم يستطع أن يحج ، لو كان غير القادر بنفسه لايجب عليه لما قال حجي عنه ، فدل على أن القادر بماله ولايقدر ببدنه لايجب عليه أن يحج ببدنه لكن يجب عليه أن ينيب بماله ، ونقيس المرأة على الشيخ الكبير والمريض فنقول : هذه المرأة لاتستطيع ببدنها لعدم وجود المحرم ، لكن تستطيع بمالها ، وهذا قياس واضح وصريح .
    قوله : ( وإنْ ماتَ مَن لَزِماهُ أُخْرِجَا مِن تَرِكَتِهِ ) من مات وقد لزمه حج أو عمرة واستطاع ولكنه لم يحج أو يعتمر أُخرج مالٌ من تركته وحُجَّ واعْتُمِرَ عنه منه .


    يتبع إن شاء الله

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    المشاركات
    545
    جزاك الله خير ياشيخ عبدالمحسن على مثل هذه المقالات
    مَنْ تعرض للمصاعب ثبت للمصائب. ‏

  3. #3
    [grade="FF4500 4B0082 0000FF 000000 F4A460"]ياشيخ يوجد لك كلام جيد في التلفاز عن أسامه بن لادن وعن العمليات الأنتحارية ليتك تنزلها لنا لأن فيها خير عظيم
    وأشكرك على مثل هذا المقال وأتمنا من أي شخص يعرف عنوان الشيخ في الرياض يكتب لي العنوان كامل [/grade]
    عبدالرحمن بن قرط الضبعي



  4. #4
    جزى الله خيرا الشيخ الأثري العبيكان وأحسن إليه ووفقه لكل خير

  5. قوله : ( وسُنَّ لِمُريدِ إحرامٍ غُسْلٌ أو تَيممٌ لِعُذْرٍ ) لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه فهو سنة ، لكن إذا لم يستطع أن يغتسل لعدم وجود ماء أو مرض أو شدة برد فهل يتيمم ؟
    الصواب الذي صححه جمع : أنه لايتيمم ولايُشرع له تيمم ، فالغُسل مستحب والتيمم لايقوم مقامه ؛ لأن المقصود بالغُسل التنظف ، والتيمم لايحصل منه نظافة .
    قوله : ( وتَنَظُّفٌ ) أي يسن أن يتنظَّف ، وهل يسن أن يزيل شعره وأظفاره ؟ لا يقال : هذا سنة كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، إنما ممكن أن يزيل الأظفار والشعر ، لكن لا يقال إن هذا سنة عند الإحرام .
    قوله : ( وتَطَيُّبٌ في بَدَنٍ ) فالنبي صلى الله عليه وسلم - كما تقول عائشة رضى الله عنها - كانت تطيِّبُهُ لإحرامه قبل أن يحرم ولِحِلِّهِ قبل أن يطوف بالبيت . لكن يكون الطيب في البدن ، ولذلك كانت تنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم .
    قوله : ( وكُرِهَ في ثَوْبٍ ) أي يُكره له أن يتطيب في الثوب ، فإن تطيب في ثوب فاستدامه فلافدية ، لكن لو خلع الإحرام الذي فيه الطيب ثم لبسه مرة أخرى فَدَى .
    قوله : ( وإحرامٌ بإزارٍ ورِداءٍ ) أي يُسن له أن يُحرم في إزار ورداء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
    قوله : ( أبَيَضَيْنِ ) لأنه في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إلبسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكَفِّنُوا فيها موتاكم " .
    قوله : ( عَقِبَ فريضةٍ ) فالنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح أنه أحرم بعد صلاة الظهر من ذي الحليفة .
    قوله : ( أو رَكعتينِ في غيرِ وقتِ نَهْيٍّ ) أما أنه يُسن للإحرام ركعتين فهذا الذي يقوله بعض الفقهاء ، ولكن المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره يقولون : لايُشرع ولايُسن للإحرام صلاة ولاسنة ، إنما إن أحرم عقب فريضة أو عقب سنة صلاها ، كأن يصلي سنة راتبة أو صلى سنة وضوء أو نحو ذلك فلا بأس . أما أن يقصد أن يصلي ركعتين للإحرام فهذا ليس بمشروع .
    قوله : ( ونِيَّتُهُ شرطٌ ) نية الإحرام شرط فلايصح له أن يُحرم بدون نيّة ، فلابد أن يدخل في الإحرام بنيَّة ، ويُستحب أن يتلفظ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اللهم لبيك عمرة ، أو اللهم لبيك حجَّا ، أو اللهم لبيك عمرة متمعًا بها إلى الحج ونحو ذلك .
    قوله : ( والاشتراط فيه سنة ) على الإطلاق في المذهب وذلك لحديث ضُباعة بنت الزبير أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني أريد الحج وأنا شاكية . فقال : " حِجِّي واشترطي أنَّ مَحِلِّي حيث حَبِسْتَني " .
    وذهب المحققون من أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية : إلى أنه يُفَرَّق بين الخائف وغير الخائف ، فالخائف من المرض أو نحوه يشترط ويسن له الاشتراط ، أما غير الخائف فلا يُسن له الاشتراط ، لأن ضباعة قالت : وأنا شاكية ، ولم يثبت أن أحدًا مثل ذلك .
    لكن مادام أن كل إنسان قد يخاف ، والخوف يحصل لكل أحد ، والإنسان لا يضمن ، فأكثر الفقهاء يقولون : يُستحب على الإطلاق أن يشترط حتى يكون في حِلٍّ ، ولا شك أن هذا هو أرجح والله أعلم .
    قوله : ( وأفضلُ الأنساكِ التمتعُ ) اختلف العلماء في الأفضل :
    فمنهم من قال : الإفراد ؛ لأنه لايُجبر بدم ، والجُبران للنقص ، فدل على أنه ليس بناقص .
    ومنهم من يقول : الدم دم نسك ، والأفضل التمتع ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لَمَا سُقْتُ الهدِي ولَجَعَلْتُها مُتعة " وفي رواية : " عمرة " ، وأمر أصحابه أن يُحِلُّوا من حجهم ويجعلوها عمرة ، فهذا دليل على فضيلة التمتع .
    ومنهم من قال : القِران أفضل ؛ لأنه فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولايفعل إلا ما هو الأفضل .
    وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أتى بقول وسط فقال : إنّ الذي يأتي للحج في سَفرةٍ وللعمرة في سفرة فالإفراد أفضل ، ومن كان لايستطيع أن يأتي إلى الحج في سفرة وإلى العمرة في سفرة ولم يسق الهدي فالتمتع أفضل ، فإن ساق الهدي فالقِران أفضل ، وهذا جمعٌ بين الأقوال جيد .
    قوله : ( وهو أنْ يُحرِمَ بِعُمرةٍ في أشْهُرِ الحجِّ ) لابد أن يُحرم المتمتع في أشهر الحج ، والمقصود بالإحرام أن يُحرم فعلاً ، لكن لو أحرم في رمضان ثم لم يفعل العمرة إلا في شوال فيُعتبر غير متمتع ؛ لأن العبرة بالإحرام .
    قوله : ( ويفرُغَ منها ثم بِهِ في عامِهِ ) أي ثم بعد أن يفرغ من العمرة يحج في عامه ذلك ، فلو حج في عامٍ آخر لايُعتبر متمتعًا .
    قوله : ( ثم الإفرادُ وهو أنْ يُحرمَ بِحجٍّ ثم بعمرةٍ بعدَ فراغِهِ منه ) قالوا : والأفضل بعد التَّمتع الإفراد هذا على المذهب ، ومعنى الإفراد : أن يُحرم بحج .
    قالوا : ثم بعمرة ، هذا ليس بشرط ، ومعنى كلامهم أنه لو أحرم بعمرة بعد فراغه من الحج يعتبر مفرداً ولايعتبر متمتعًا ولا قارنًا ، لكن ليس بشرط أن يحرم بعمرة وأن يعتمر بعد حجه .
    قوله : ( والقِرانُ أنْ يُحرمَ بِهما معًا أو بِها ثم يُدخِلَه عليها قبل الشروعِ في طوافها ) والقران هذا هو الأفضل بعد الإفراد ، فعلى المذهب التمتع أفضل ثم الإفراد ثم القران .
    ومعنى القران : أن يحرم بحج وعمرة فيقول : اللهم لبيك عمرة وحجًّا ، أو بها ؛ أي : بالعمرة ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها كما فعلت عائشة رضى الله عنها ، فقبل أن يبدأ بطواف العمرة يقول : اللهم لبيك حجًّا ؛، فأدخل الحج على العمرة فصار قارِنًا .
    لكن لو طاف ثم أراد بعد ذلك أن يدخل فلا ، إلا لمن ساق الهدي فمن كان قد ساق الهدي فيجوز له أن يدخل الحج حتى ولو بعد الطواف .
    قوله : ( وعلى كلٍّ مِن مُتمتعٍ وقارنٍ إذا كان أُفُقِيًّا دَمُ نُسكٍ بِشرطِهِ ) أي المتمتع والقارن على كلٍّ منهما دمٌ بشرط أن يكون أُفُقِيًّا ، والأُفُقِي : هو الذي ليس من أهل مكة ، ليس من حاضري المسجد الحرام ، واختلف العلماء من هو الذي يُعتبر من حاضري المسجد الحرام :
    فمنهم من قال : هم أهل مكة ومن هم دون مسافة قصر من مكة ، وهذا مذهب أحمد والشافعي .
    ومنهم من يقول : كل من هم دون الميقات يعتبرون من حاضري المسجد الحرام .
    والأظهر – والله أعلم – أن الذي دون مسافة قصر من مكة يعتبر من حاضري المسجد الحرام .
    والشروط لوجوب الدم سبعة :
    · ألا يكون من حاضري المسجد الحرام .
    · وأن يعتمر في أشهر الحج .
    · وأن يحج في نفس العام .
    · وأن لا يسافر بين الحج والعمرة مسافة قصر فأكثر – وهذا على الصحيح – فبعض أهل العلم يرى أنه لو سافر حتى ولو إلى بلده ، ومنهم من يقول : أنه إذا سافر إلى بلده لايعتبر متمتعًا ، ولو سافر إلى بلد آخر وإلى جهة ميقات آخر فهذا يعتبر متمتعًا .
    والأظهر – والله أعلم – هو ألا يسافر مسافة قصر ، فإن سافر مسافة قصر فليس بمتمتع كما ذكره فقهاء
    الحنابلة .
    · وأن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج ، أما لو ما أحل من العمرة فيعتبر قارنًا وليس متمتعًا .
    · وإحرامه بالعمرة يكون من الميقات أو من مسافة قصر فأكثر من مكة .
    · وأن ينوي التمتع في ابتداء العمرة أو أثنائها .
    قوله : ( وإن حاضت متمتعةٌ فخَشِيَتْ فواتَ الحجِّ أحْرَمَتْ به وصارت قارِنَةً ) وإن حاضت متمتعة - كما فعلت عائشة رضى الله عنها - فخشيت فوات الحج أحرمت بالحج وأدخلته على العمرة وصارت قارنة .
    قوله : ( وتُسنُّ التلبيةُ وتتأكدُ إذا عَلا نَشَزًا أو هَبَطَ واديًا أو صلى مكتوبةً أو أقبلَ ليلٌ أو نهارٌ أو الْتَقَتْ الرِّفاقُ أو رَكِبَ أو نَزَلَ أو سَمِعَ مُلَبِّيًا أو رأَى البيتَ أو فعل محظورًا ناسيًا ) يُسن للمسلم أن يلبي وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعوا صوتهم بالتلبية " ، " ويؤجر المسلم على تلبيته ما سمعه حجر أو شجر " ، فيسن رفع الصوت بالتلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك " ، وتتأكد سنيّة التلبية واستحبابها إذا علا نشزًا ؛ يعني مكانًا عاليًا ، أو هبط واديًا : نزل مكانًا منخفضًا مثل الوادي ، أو بعد أن يصلي مكتوبة ، أو إذا أقبل الليل أو أقبل النهار تتأكد السنية وإلا فهو مسنون في كل وقت ، وإذا إلتقى برفاقه تأكدت سنية التلبية ، أو ركب سيارته أو ناقته أو وسيلة النقل ، أو نزل منها ، وإذا سمع الملبي تأكدت السنية فيلبي معه ، أو رأى الكعبة ، أو إذا فعل محظورًا ناسيًا يتأكد له أن يلبي استحضارًا للإحرام .
    قوله : ( وكُرِهَ إحرامٌ قبل ميقاتٍ ) ويجوز أن يحرم قبل الميقات لكنه مكروه فلا يُحرِم إلا إذا وصل الميقات ، وليس معنى الإحرام لبس الرداء والإزار ، إنما الإحرام هو الدخول في النسك بالنية هذا هو المقصود ، فلو قدم إنسان من مكان بعيد وقد ركب طائرة فلبس لباس الإحرام فإنه إذا حاذَى الميقات ينوي ولا يعتبر أنه قد أحرم قبل الميقات ، لأن الإحرام ليس هو التجرد عن المخيط أو لبس الرادء والإزار ؛ بل هو نية الدخول في النسك .
    قوله : ( وبِحَجٍّ قَبْلَ أشهرهِ ) أي ويكره أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج ، كأن يحرم في رمضان بالحج ؛ بل لا يحرم إلا في شوال .
    مسألة : ما الدليل على التفريق بين من أحرم بعد الميقات بأن تلزمه فدية وبين من أحرم قبل الميقات ؟
    الجواب : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن أراد الحج والعمرة " وحدَّد هذه المواقيت حتى لا يتجاوزها شخص ، وقد أجمع العلماء على أن التجاوز هو الذي يوجب الفدية والدم أما قبل ذلك فهذا كما ورد عن عمر وغيره أنه زجر من أحرم قبل الميقات ولم يوجبوا عليه شيء لأن الميقات حدٌّ لا يتعداه ، وليس معنى ذلك أنه ليس له أن يحرم قبله .
    قوله : ( فصل ) في هذا الفصل ذكر المصنف – رحمه الله تعالى – أحكام المواقيت .
    والمواقيت : جمع ميقات ، وهي مواقيت زمانية ومواقيت مكانية .
    المواقيت الزمانية – كما سيذكر – بأن قال : أشهر الحج : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ...
    والمواقيت المكانية هي ما ذكره في هذا الفصل .
    والميقات : هو الذي حدّه النبي صلى الله عليه وسلم لمن أراد حجًّا أو عمرة بألا يتجاوز هذا الميقات إلا وهو محرم وإلا لزمه دمٌ .
    قوله : ( ومِيقاتُ أهلُ المدينةِ الحليفةُ ) فمن جاء عن طريق المدينة فميقاته الحليفة ، وهي من نبت الحلْفاء ، وهو نبت معروف ، وعُرِفت به تلك المنطقة فسميت ذو الحليفة وتسمى الآن آبار علي ، وهي تبعد عن المسجد النبوي ثلاثة عشر كيلاً ، وتبعد الآن عن مكة أربعماْئة وعشرون كيلومترًا .
    وأصبحت الآن داخلة في بناء المدينة .
    قوله : ( والشامِ ومصرَ والمغربِ الجحفةُ ) بالنسبة لأهل الشام ومصر والمغرب وكذلك أهل فلسطين وأهل لبنان ، والذين يأتون عن طريق الساحل فهؤلاء ميقاتهم الجحفة .
    والجحفة هي بلدة جرفها وجحفها السيل فسُميت الجحفة ، ولما خربت هذه البلدة صار الإحرام من رابغ والناس يمرون على رابغ ، ورابغ تبعد عن الجحفة اثنان وعشرون ميلاً ، ورابغ تبعد عن مكة ماْئة وستة وثمانون كيلومتراً ، والذي يأتي من الشرق أو الغرب بدون أن يمر على المدينة ويأتي إلى الطريق السريع فقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء لأن المكان الذي يحاذي الجحفة من الطريق السريع هو ما يبعد عن مكة ماْئتان وثمانية كيلومترات ، فيحرم من هناك لأنه يحاذي الجحفة .
    قوله : ( واليمنِ يَلَمْلَمُ ) وأهل اليمن ميقاتهم يلملم ، وهو وادٍ كبير يصب من جبال السروات وينْزل من هناك ثم يصب في الساحل على البحر الأحمر في مكان يسمى " المجيرمة " وهذا اسم للوادي ، والآن الناس يحرمون من قرية تسمى " السعدية " نسبة إلى فاطمة السعدية التي حفرت بئرًا هناك ، وقرية " السعدية " تبعد عن مكة ماْئة وعشرون كيلومترًا ، وهذا هو ميقات أهل اليمن ومن أتى من تلك الجهة .
    قوله : ( ونَجْدٍ قَرْنٌ ) " قرن المنازل " هو ميقات أهل نجد ، فمن مرَّ على " قرن المنازل " من أهل نجد ومن مرَّ عليها من غير أهل نجد فميقاته " قرن المنازل " ، والذي يسمى الآن " السيل الكبير " .
    وقد بعث الشيخ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – لِجْنَةً علمية درست موضوع هذا الميقات فقالوا : " قرن " إنما هو اسم للوادي ، والوادي أعلاه في " وادي مَحْرَم " على طريق " الْهَدَا " . فالذي يأتي من جهة " الْهَدَا " ومن تلك الجبال يُحرم من " وادي مَحْرَم " ، ووادي محرم يبعد عن مكة خمسةٌ وسبعون كيلومترًا ، والسيل الكبير يبعد ثمانية وسبعون كيلومترًا .
    قوله : ( والمشرقِ ذاتُ عِرْقٍ ) وقَّتها عمر – رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري ، وقد جاءت روايات أنَّ النبي r وقَّتها لأهل العراق وأهل المشرق ، فيُحرمون من ذات عرق وهي تسمى " الضريبة " وتبعد عن مكة ماْئة كيلومترًا ، وجاءت روايات أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّتها وقد كان عمر لم يبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّتها ، فوافق عمر – رضي الله عنه – ما وقَّت به النبي صلى الله عليه وسلم .
    نَظَمَ بعضهم هذه المواقيت فقال :
    " عِرْقُ " العراق ، " يَلَمْلَمُ " اليمـنِ وبـ"ـذي الْحُلَيْفَةَ " يُحرِمُ المدَنـي
    للشـام " جُحْفَـةُ " إنْ مررت بِها ولأهـلِ نَجدٍ " قـرنٌ " فاسْتَبِنِـي
    قوله : ( ويُحْرِمُ مَن بِمكةَ لِحَجٍّ منها ) أي الذي يُحرم من أهل مكة أو مَن استوطن مكة أو أتى إلى مكة لا يريد حجَّا ولا عمرة ثم طرأ عليه الحج وهو بمكة فإنه يحرم من مكة للحج .
    قوله : ( ولِعُمرةٍ مِن الْحِلِّ ) وأهل مكة يعتمرون من الحل وهذا قول كثير من الفقهاء ، وقد حقَّق شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل التحقيق كابن القيم أنه لا يُسن لمن بمكة وهو يريد العمرة أن يخرج ليعتمر ؛ بل عمرته تكون الطواف ، فعليه أن يطوف بالبيت لأن أعظم أعمال العمرة الطواف بالبيت وهو يحصل له بدون أن يخرج لأجل لأن يعتمر ، ولم يحصل هذا أبدًا إلا لعائشة – رضي الله عنها – تطيِيبًا لخاطرها فهذه مسألة خاصة .
    قوله : ( وأشهرِ الحجِّ شوالٌ وذو القَِعْدةِ وعشرٌ من ذي الْحِجَّةِ ) وأشهر الحج شوال وذو القَعدة ، ويُقال : ذو القِعدة – وعشر من ذي الحجة ، هذا هو الميقات الزماني ، فالذي يحرم في أشهر الحج بِحَجٍّ فهو الأصل ، وأيضًا الذي يحرم الميقات هذا هو المطلوب ، لكن لو أحرم شخصٌ قبل الميقات الزماني أو المكاني جازَ مع الكراهة ، وينبغي للمسلم ألاَّ يحرم بِحج إلا في زمانه ومن الميقات المكاني .
    وأما من اعتمر في أشهر الحج وحج من تلك السنة فهو متمتعٌ على خلاف بين أهل العلم إذا سافر بين حَجِّهِ وعمرته وسيأتي – إن شاء الله - في موضعه .
    وأما إذا اعتمر قبل أشهر الحج وانتهى منها أو أحرم قبل أشهر الحج فإنه لا يُعتبر مُتمتعًا ولو بساعات ؛ أي في آخر شهر رمضان ؛ لأن العبرة بإحرامه ، والإحرام المقصود به أن يُهِلَّ بالعمرة .
    مسألة : ألا تُعد ليلة العيد من شهر شوال فتكون تبعًا لأشهر الحج ؟
    الجواب : بلى ، ولكن قبل أن تغيب الشمس ، فإذا أحرم قبل أن تغيب الشمس ليلة العيد في آخر يوم من أيام رمضان فإنه يعتبر قد أحرم بعمرة في غير أشهر الحج .
    مسألة : لماذا قال المؤلف إن أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة مع أن هناك أعمال تعمل بعد عشر من ذي الحجة كرمي الجمار في أيام التشريق والمبي بمِنى وطواف الوداع إلى غير ذلك ؟
    الجواب : المقصود أشهر الحج التي يُحرم الناس فيها بالحج ، والإحرام بالحج ينقطع بطلوع فجر يوم العيد ، ويُقصد من عشر ذي الحجة هي التسعة أيام ولكن يُطلق عليها عشر كما ورد في عدة أحاديث عن فضل العشر والكلام عن العشر وإذا دخلت العشر ، والمقصود التسعة أيام وإلا العاشر هو يوم العيد ويكون قد انتهى وقت الإحرام بالحج .
    قوله : ( ومَحْظوراتُ الإحرامِ تِسْعَةٌ ) التي لا يجوز لمن أحرم بحج أو عمرة أن يفعلها .
    قوله : ( إزالةُ شَعْرٍ ) فلا يجوز له أن يزيل شعر الرأس والبدن مثله أيضًا ، فلا يزيل أي شعر من بدنه .
    قوله : ( وتَقْليمُ أظفارٍ ) فلا يقلِّم أظفاره ، وهذا لا يجوز .
    قوله : ( وتغطيةُ رأسِ ذَكرٍ ) أما الأنثى فمعلوم أها تغطي رأسها ، وإنما تُمنع من النقاب والقفازين ، والذكر لا يغطي رأسه ، أما وجهه فله أن يغطيَه على الصحيح .
    قوله : ( ولُبْسُهُ الْمَخِيطِ ) لايجوز للذكر أن يلبس المخيط على صفته التي خِيطَ عليها .
    قوله : ( إلاَّ سراويلَ لِعَدمِ إِزارٍ ) إذا كان لا يجد إزارًا فله أن يلبس السراويل .
    قوله : ( وخُفَّيْنِ لِعَدمِ نَعْلَيْنِ ) وله أن يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين ، كما جاء في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - .
    قوله : ( والطِّيبُ ) فلا يجوز له أن يتطيَّب بعد أن يلبي وأن يدخل في النسك ويحرم ، أما الطيب قبل النسك فهذا مطلوب للرجل وأخبرت عائشة – رضي الله عنها – أنها كانت تطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولِحِلِّهِ قبل أن يطوف بالبيت لكن يكون الطيب في البدن لا في الثياب ؛ أي لا يطيِّب لباس الإحرام .
    قوله : ( وقَتْلُ صَيْدِ البَرِّ ) فلا يجوز لمن أحرم أن يقتل صيد البر سواء في الحرم أو في غير الحرم ، ولا يجوز له أن يأكل من صيد قَتَلَهُ مُحْرِمٌ أو قَتَلَهُ حلال لأجل الْمُحرِم ، أما إذا قَتَلَهُ الحلال دون أن يكون لأجل المحرمين فيجوز لهم أن يأكلوا منه .
    قوله : ( وعَقْدُ نِكاحٍ ) عقد النكاح أيضًا فلا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح ؛ أي لا يتولى تزويج امرأة وأيضًا هو يتزوج امرأة ، ولا يجوز عقد النكاح على الصحيح .
    قوله : ( وجِماعٌ ومباشرةٌ فيما دون فَرْجٍ ) ولا يجوز للمحرم أن يجامع امرأته ، ولا يجوز له أن يباشر امرأته أو غير امرأته - ويكون أعظم وأشد – فيما دون الفرج .
    قوله : ( فَفِي أقلَّ مِن ثلاثِ شَعْراتٍ وثلاثةِ أظفارٍ في كلِّ واحدٍ فأقلَّ طعامُ مسكينٍ وفي الثلاثِ فأكثرَ دَمٌ ) أي إذا أزال شعرة فعليه طعام مسكين ، وإذا أزال شعرتين فعليه طعام مسكينين ، والثلاث فيها دمٌ ، هذا هو المذهب .
    وذهب الإمام مالك إلى أنه ليس عليه دمٌ إلا إذا أزال الشعر الذي يحصل به التَّرَفُّه وإماطة الأذى ، وقوله قوي .
    وحكّ الشعر ومشطه وتسريحه فهذا جائز ولا حرج فيه والنبي صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم وحرك رأسه بيديه ، والذي يتساقط مع التسريح فهذا إنما يكون من الشعر الميت ، أما الذي يسرِّحه بعنف فربما قطّع الشعر ، والذي يقطّع الشعر عليه الفدية ، أما الذي يسرحه برفق فلو تساقط شعر فهو من الشعر الميت ؛ لأن الشعر الحي لا يسقط إلا بتقطيع أو قصٍّ .
    قوله : ( وفي تغطيةِ الرأسِ بلاصقٍ ولُبْسِ مَخِيطٍ وتَطْيُّبٍ في بَدَنٍ أو ثوبٍ أو شَمٍّ أو دَهْنٍ الفِدْيَةُ ) وقال بلاصق لأنه من الممكن أن يضع شمسية وهي لا تلاصق الرأس فهذا جائز على الصحيح ، فإن استظل بِمَحْمِلٍ أو بخيمة أو بشجرة فلا بأس ، والنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري – لما ذهب ليرمي جمرة العقبة وُضِعَ رداءٌ يُظِلُّه من الشمس ، فهذا دلَّ على أن الاستظلال جائز ولا بأس به .
    إنما يغطي رأسه بملاصق فهذا الذي لا يجوز للمحرم أن يفعله ، فإن فعله أو لبس مخيط أو تطيَّب في بدن أو ثوب أو شمٍّ أو دَهْنٍ ؛ أي شمَّ الطيب أو ادَّهن بالطيب فعليه الفدية .
    والفدية هي المذكورة في حديث كعب بن عجرة وهو مخيّر بين ثلاثة أمور : أن يذبح شاة ، أو يطعم ستة من مساكين الحرم ، أو يصوم ثلاثة أيام في أي مكان .
    قوله : ( وإنْ قَتَلَ صَيدًّا مأكولاً بَرِّيًا ) إن قتل صيدًا مأكولاً ؛ لأنه قد يقتل نَمِر أو كلب أو نحو ذلك فهذا ليس فيه جزاء ، لكن لو قتل صيدًا مأكولاً كالضباء والحمار الوحش والطيور التي تُؤكل ونحو ذلك .
    قوله : ( أصلاً فعليهِ جزاؤُه ) أي ولو استأنس بعد ذلك وصار أهليًّا بعد ذلك ، لكن أصله بريٌّ فإن عليه الجزاء .
    والجزاء هو أن يَحكم به ذوا عدلٍ من المسلمين يعني اثنان يحكمان عليه بالجزاء الذي يناسب الصيد الذي صاده إلا ما قضت به الصحابة ، فالذي قضت به الصحابة يُعمل به مثل الحمامة فيها شاة ونحو ذلك .

    يتبع إن شاء الله

  6. قوله : ( والجماعُ قبلَ التَّحلُّلِ الأولِ في حجٍّ وقبلَ فراغِ سَعْيٍ في عمرةٍ مُفسدٌ لِنُسُكِهِما مُطْلَقًا وفيه لِحجٍّ بَدَنَةٌ ولِعُمرةٍ شاةٌ ويَمْضِيانِ في فاسدِهِ ويَقضيانِهِ مُطلقًا ) يعني لو جامع امرأة قبل التحلل الأول إذا كان في الحج فهذا يُفسد حجّه وعليه أن يمضي في فاسده ، وعليه أيضًا بدنه .
    وفي العمرة إذا جامع قبل أن ينتهي من السعي أيضًا تفسد العمرة وعليه المضي وعليه شاة .
    قوله : ( إنْ كانا مُكَلَّفَيْنِ فورًا ) أي المكلف يجب عليه أن يقضي في الحال ، فعليه أن يقضي الحج في السنة التي بعدها ، والعمرة يقضيها في أي وقت يتيسَّر في الحال .
    وإن كان غير مكلف كأن لم يبلغ فإنه بعد التكليف يقضي ما فسد من حج أو عمرة أداها وفسدت قبل التكليف .
    قوله : ( وإلاَّ بعد التكليفِ وحَجَّةِ الإسلامِ فورًا ) إي بعد أن يبلغ وأن يحج حجة الإسلام ، فأولاً يحج حجة الإسلام بعد أن يُكلَّف ثم يقضي ما فسد .
    مسألة : هل يُتصور أن يجامع غير المكلف إذا كان قبل البلوغ وبالتالي نقول بفساد حجه وعمرته ؟
    الجواب : قد يجامع بلا إنزال ، ولا يشترط الإنزال ، ومن المعلوم أن من الصغار منهم من يجامع لكن لا يحصل الإنزال إلا للبالغ فهو وارد .
    مسألة : إذا فسد حج صبي قبل التكليف إلا تكفي حجة الإسلام وتعتبر قضاء ؟
    الجواب : لا تكفي لأنه عندما حجَّ وهو غير مكلف تعتبر حجته تطوعًا ، فيجب عليه أن يحجَّ تطوعًا للتي فسدت ، وحجة الإسلام باقية على حالها وهي لم تجب بعد .
    قوله : ( ولا يَفسُدُ النّسكُ بِمُباشرةٍ ويجبُ بِها بَدَنَةٌ إنْ أَنْزَلَ وإلاَّ شاةٌ ) أي من باشر امرأته فلا يفسد نسكه ، لكن إن أنزل فعليه بدنه ، وإن لم يُنْزل فعليه شاة .
    قوله : ( ولا بِوطءٍ في حجٍّ بعدَ التَّحلُّلِ الأولِ وقبلَ الثانِي ) والتحلل الأول عند الأكثر يحصل باثنين من ثلاثة : الرمي ، والحلق أو التقصير ، وطواف الإفاضة .
    وابن قدامة يرى أنه يكفي واحد للتحلل الأول ، لكن الأكثر على الاثنين .
    فإذا وطء المرأة وجامعها بعد التحلل الأول في الحج وقبل أن يتحلل التحلل الثاني فعليه شاة ولا يفسد حجه .
    قوله : ( لكنْ يَفسُدُ الإحرامُ فيُحرِمُ مِن الْحِلِّ ليطوفَ للزيارةِ في إحرامٍ صحيحٍ ، ويَسْعَى إنْ لَمْ يكنْ سَعَى وعليه شاةٌ ) قلنا عليه شاة ، لكن الإحرام – هنا – فيه نظر والأرجح أنه ليس عليه أن يذهب إلى الحل فيحرم لطواف الإفاضة ، وهذا لم يذكره في الإقناع ولا في المنتهى .
    قوله : ( وإحرامُ امرأةٍ كرَجُلٍ ) أي المرأة كالرجل في أنها لا تقص شعرها ولا تحلقه من رأسها ولا من بدنها ولا أظفارها ، وتجتنب الطيب إلى غير ذلك .
    قوله : ( إلاّ في لُبْسِ مَخِيطٍ وتَجْتَنِبُ البُرقُعَ والقُفَّازَيْنِ ) يُستثنى لبس المخيط فإنها تلبس المخيط لكن تجتنب البرقع والقفازين ، فإذا لبست البرقع والقفازين فعليها ما على الرجل إذا لبس المخيط .
    قوله : ( وتغطيةَ الوجهِ فإنْ غطَّتْهُ بِلا عُذْرٍ فَدَتْ ) وتجتنب تغطية الوجه ، وهذا في الحقيقة خلاف الصواب ، والصحيح أنها تغطي وجهها وإنما تجتنب البرقع والنقاب والقفازين فقط ، ولها أن تغطي وجهها وتغطي يديها بغير النقاب والقفازين ، وهذا الذي قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه قال : النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعها أن تغطي وجهها وإنما قال : " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين " ، فكيف يقال لا تغطي وجهها ! ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية الوجه ، وحديث عائشة وإن كان فيه ضعف يدل على ستر الوجه ، وإنما تجتنب البرقع والقفازين لأنهما في حكم المخيط للرجل ، فكما أن الرجل يجتنب المخيط فإنها تجتنب المخيط في وجهها ويديها .
    وهذا هو الصحيح الذي ينبغي العمل به واعتماده ، وأيضًا حتى لو لاصق الغطاء وجهها فلا حرج ، ولا يقال تضع شيئًا تبعد به الغطاء عن وجهها ، هذا لا أصل له كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

    قوله : ( فصل في الفدية ) في هذا الفصل يذكر المصنف أحكام الفدية .
    والفدية : هي ما يدفعه الحاج أو المعتمر مقابل ما فعله من محظورات الإحرام .
    قوله : ( يُخيَّرُ بِفَديَةِ حَلْقٍ وتقليمٍ وتغطيةِ رأسٍ وطِيبٍ ) أي إذا حلق شعره أو أزال أي شعر من جسده ، أو قلّم أظفاره ، أو غطَّر رأسه ، أو طَيَّبَ بدنه أو ثوبه .
    قوله : (بين صيامِ ثلاثةِ أيامٍ أو إطعامِ ستةِ مساكينَ كُلِّ مسكينٍ مُدَّ بُرٍّ أو نِصفَ صاعِ تَمْرٍ أو زَبيبٍ أو شعيرٍ أو ذَبْحِ شاةٍ ) أي من فعل محظورًا من هذه المحظورات الأربعة فهو مُخيَّرٌ بين ثلاثة أشياء كما جاء في حديث كعب بن عجرة – رضي الله عنه - .
    · فيُخيَّر بين صيام ثلاثة أيام في أي مكان يريده .
    · أو يُطعم ستة مساكين من مساكين الحرم ولابد ، وكل مسكين مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاع من غير البُرِّ كالتمر أو الزبيب أو الشعير –على الصحيح– أو قوت البلد ؛بل يجوز الخبز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
    فالمحققون يرون أنه يجوز من أي طعام من قوت البلد ؛ بل حتى لو غدّا هؤلاء المساكين أو عشّاهم أجزأه ذلك على الصحيح .
    والْمُدُّ : هو رُبْعُ الصاع . والصاع : هو – تقريبًا – ثلاثة كيلو .
    · أو يُخيّر – أيضًا – من الأمور الثلاثة بأن يذبح شاة ويُطعمها فقراء الحرم ولابد .
    قوله : ( وفي جزاءِ صيدٍ بين مثلِ مِثْلِيٍّ أو تقويمِهِ بدراهمِ يشتري بِها طعامًا يُجزىءُ في فِطرةٍ فيُطعِمُ عن كلِّ مسكينٍ مُدَّ بُرٍّ أو نصف صاعٍ مِن غيرهِ أو يصومُ عن طعامِ كلِّ مسكينٍ يومًا ) أي إذا صاد المحرم صيدًا في الحرم ، أو غير مُحْرِمٍ صاد صيدًا في الحرم ، أو صاد مُحْرِمٌ صيدًا خارج الحرم ، ففيه الفدية ، والفدية هي (( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ )) [المائدة: من الآية95] .
    فجزاء الصيد الذي له مِثْلٌ من النَّعم فإنه يُلزم بالمثل ، أو يُلزم بتقويم هذا المثل بالدراهم ، فماله مِثلٌ كالنعام التي قضى الصحابة – رضي الله عنهم – به .
    فالمثلي نوعان :
    · النوع الأول : ما قضت به الصحابة ، فيُعمل بقضائهم .
    · النوع الثاني : ما لم تقضِ به الصحابة فيه بشيء ، فإنه يُرجع فيه إلى قول عدلين .
    فمثلاً لو قتل نعامة ففيها بدنة ( الناقة ) ، أو قتل ضَبُعًا ففيه كبش ، أو قتل غزالاً ففيه شاة ، أو قتل حمار الوحش ففيه بقرة أو قتل حمامة ففيها شاة ، فهنا يُقال :
    · إما أن يدفع هذا الجزاء البدنة أو البقرة أو الشاة لفقراء الحرم .
    · أو يُقَوَّم هذا الجزاء وهو المثل ، فتُقَوَّم البدنة كم تساوي ؟ فإن كانت تساوي – مثلاً – ألفًا ، فإنه يُشترى بالألف طعام ، والطعام عندهم لابد أن يكون مما يُجزئُ في الفطرة من بُرٍّ أو شعير أو أَقِطٍ أو نحو ذلك ،وقلنا إنَّ الصحيح أنه من قوت البلد .
    فيُقَوَّمُ بالطعام ويُطعَمُ عن كل مسكين مُدّ بُرٍّ أو نصف صاع من غيره .
    فهذه الألف – مثلاً – يُشترى بها الطعام فيُشترى بها بُرٌّ – مثلاً – فيُطعَم عن كل مسكين مُدّ منه ، أو يُشترى بها تمر فيُطعَم كل مسكين نصف صاع من التمر .
    · أو يصوم عن كل طعام مسكين يومًا .
    فإذا أطعمنا – مثلاً – بقيمة هذه البدنة خمسين مسكينًا ، فإننا نقول : إما أن تطعم المساكين ، وإما أن تدفع البدنة ، وإما أن تصوم عن كل طعام مسكين يومًا .
    قوله : ( وبين إطعامٍ أو صيامٍ في غير مِثْلِيٍّ ) الذي لا مِثلَ له لا نستطيع أن نُقَوِّمه ، فليس هناك مِثْلٌ حتى نقوِّم المثلي ، فهناك بدنة فنقَوِّم البدنة ، لكن الذي لا مثل له من الصيد فهذا لا نستطيع أن نقوِّم المثل لعدم وجود المثل .
    فلابد أن نقوِّم الصيد نفسه ، فيُخيّر بين الإطعام أو الصيام .
    مسألة : عن كيفية صوم ما لا مثل له ، فهل يصوم يوم عن كل طعام مسكين ؟ وقد تكون القيمة تُطعم خمسين مسكينًا ، فهل يصوم خمسين يومًا ؟
    الجواب : نعم ، هو مُخيّر إن أراد الصيام فعليه أن يصوم خمسين يومًا – لو فرضنا أنه خمسين مسكينًا – وهذا كمثال لأنه قد لا يصل إلى هذا العدد ، فقد يكون خمسة مساكين أو عشرة مساكين .
    مسألة : من فعل عددًا من المحظورات سواء كانت من جنس واحد أم متعددة ، فكيف يكون الفدي ؟
    الجواب : إذا كانت المحظورات من جنس واحد ولم يُكفِّر فعليه
    قوله : ( وإن عَدِمَ مُتمتِّعٌ أو قارِنٌ الهديَ صامَ ثلاثةَ أيامٍ في الحجِّ والأفضلُ جعلُ آخرِها يومَ عرفةَ ) إذا صار المتمتع أو القارن ليس عنده قيمة هدي ، فإنه يُؤمر بصيام ثلاثة أيام في الحج ، فيُحرم بالحج يوم السابع فيصوم السابع والثامن والتاسع ، وإن أحرم قبل ذلك فلا حرج .
    واختلف العلماء في جواز الصيام قبل الإحرام بالحج وبعد الإحرام بالعمرة :
    · فمنهم من قال : يجوز إذا أحرم بالعمرة ، وهذا قول الأكثر .
    · وذهب الشافعي إلى أنه لابد من أن يكون قد أحرم بالحج .
    والراجح : أنه مادام أحرم بالعمرة وهو متمتع ، أو أحرم بالعمرة مع الحج وهو قارن ، فإنه يجوز له – على الصحيح – أن يصوم الثلاثة أيام .
    ويجوز أن يجعلها يوم السابع والثامن والتاسع ، قالوا : وهو الأفضل .
    قوله : ( وسبعةً إذا رَجَعَ لأهلِهِ ) وسبعة أيام يصومها إذا رجع لأهله .
    فإن ترك الصيام إلى أيام التشريق جاز لقول عائشة – رضي الله عنها - : لم يُرخَّص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي .
    فإن أخَّر الصوم عن أيام الحج وأيام التشريق ، فإنَّ عليه أن يصوم عشرة أيام بعد ذلك ، وعليه دمٌ لتركه ولتأخيره الصيام عن وقته .
    قوله : ( والْمُحْصَرُ إذا لم يَجِدْهُ صامَ عشرةَ أيامٍ ) أي من أُحْصِرَ بمرض أو عدوٍّ أو نحو ذلك – إذا لم يشترط - فإن عليه الهدي ، فإذا لم يجد - هذا المحصر - الهدي ، فإنه – أيضًا – يصوم عشرة أيام .
    قوله : ( ثُمَّ حَلَّ ) فإذا وجد المحصر الهدي ذبحه ثم حلَّ ، فإن لم يجد الهدي ، فإنه يصوم أولاً ثم يحلَّ ، فلا يحل إحرامه إلا بعد أن يصوم عشرة أيام .
    قوله : ( وتسقطُ بِنسيانٍ في لُبسٍ وطِيبٍ وتغطيةِ رأسٍ ) أي تسقط الفدية إذا نسي فلبس ، أو غطّى رأسه ، أو تطيَّب .
    قالوا : تسقط الفدية إذا فعل ذلك ناسيًا .
    والصحيح أنه يسقط بالنسيان كل فدية عن لبس ، أو طِيبٍ ، أو تغطية رأسٍ ، أو إتلاف أيضًا ؛ لأن المشهور في المذهب أنهم يفرِّقون بين ما فيه إتلاف مثل قص الأظفار ، وقص أو حلق الشعر ، والصيد ، وبين ما ليس فيه إتلاف ، فالذي لا إتلاف فيه مثل اللبس وتغطية الرأس والطيب ، قالوا : هذا يسقط بالنسيان ، والذي فيه إتلاف لا يسقط بالنسيان ، والصحيح أنه يسقط الجميع بالنسيان ، وهذا قول المحققين من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، ومن آخرهم ابن سعدي رحمه الله ورحم الجميع ، لعموم قوله – عز وجل – (( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )) [البقرة: من الآية286] قال الله : " قد فعلت " كما في صحيح مسلم ، وقول النبي r : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه ، وهو حديث حسن كما قال النووي وغيره .
    قوله : ( وكُلُّ هَدْيٍ أو طعامٍ فَلِمساكينِ الْحَرَمِ ) أي هدي التمتع ، أو هدي القران ، أو طعام عن هذا الهدي مثل من قتل في الحرم صيدًا ، أو فعل محظورًا في الحرم ، فهذا لمساكين الحرم .
    قوله : ( إلاَّ فِديَةَ أذَىً ولُبسٍ ونحوِها فحيث وُجِدَ سبَبُها ) فالذي يحلق رأسه لأذىً حصل ، أو لَبِسَ ثوبًا لوجود برد شديد لم يتحمله ، أو غطّى رأسه لضرر ، فهذا حيث وُجِدَ السبب ؛ أي في المكان الذي حصل فيه الأذى له ، أو تضرر من عدم اللبس ، أو من بقاء الشعر ونحو ذلك ، فحيث وُجِدَ هذا السبب فإنه يُطعم المساكين الذين في ذلك المكان الذي حصل فيه الأذى عليه .
    قوله : ( ويُجْزِىءُ الصومُ بِكُلِّ مكانٍ ) فأيّ صوم مما مضى فهو يجزئ بكل مكان ، ولا يُشترط أن يكون في الحرم .
    قوله : ( والدَّمُ شاةٌ أو سُبْعُ بَدَنَةٍ أو بَقَرَةٍ ) كل الدم الذي يُذكر ،كدم هدي القران ، والتمتع وغير ذلك ، فهو شاة ، أو سُبْعُ بدنة ، أو سُبْعْ بقرة ، كما صحَّت بذلك الأحاديث ، إلاّ ما كان من المحظورات التي تجب فيها البدنة ، فتلك لها خصوصية .
    قوله : ( ويُرْجَعُ في جزاءِ صيدٍ إلى ما قضتْ فيه الصحابةُ ) كما قلنا يُرجع في جزاء الصيد إلى ما قضت فيه الصحابة – رضي الله عنهم - .
    قوله : ( وفيما لم تقضِ فيه إلى قولِ عَدْلَيْنِ خَبِيرِيْنِ ) بالتقييم .
    قوله : ( وما لا مِثْلَ لهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ مكانَهُ ) وأما ما لا مثل له ؛ أي ليس له مثيل من النعم ، ولا نجد شيئًا يُشبهه ، فإنه يُقَوَّم كما ذكرنا ، ويُقَوَّم في المكان الذي فيه الصيد ، فإذا قتل الصيد في مكان فإننا نأتي بأهل ذلك المكان ، ونقول : كم قيمة هذا الصيد في نفس هذا المكان ؟
    قوله : ( وحَرُمَ مُطلقًا صَيْدُ حَرَمِ مكةَ ) حرم مكة هو المنطقة التي هي قريبة من الكعبة ، ولها حدود معلومة ، فعرفة ليست منها ، والتنعيم ، والجعرانة ليست منها .
    فهذا الحرم يحرم صيده للمحرم وغير المحرم ، فلا يجوز لأحد أن يصيد في حرم مكة صيدًا .
    قوله : ( وقَطْعُ شَجَرِهِ وحَشِيشِهِ إلاَّ الإِذْخِرَ ) ولايجوز لأحد أن يقطع شجره الذي لم ينبته الآدمي ، وكذلك الحشيش الذي لم ينبته الآدمي ، وإنما نبت من المطر ، إلاَّ الإذخر - كما في الأحاديث الصحيحة – لِمّا بيّن النبي r أن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وقال العباس : إلا الإذخر ، فإنه يُجعل لِقَيْنِهم وقبورهم ، فقال : " إلا الإذخر " ، وهو نبات طيّب الرائحة ، فهذا خُصَّ من الحشيش ، فالإذخر يجوز أن يُقطع لوجود النص المخصِّص .
    قوله : ( وفيه الجزاءُ ) أي في الصيد الجزاء – كما تقدم – وكذلك الشجر ، فالشجرة الصغيرة عرفًا فيها شاة ، والشجرة الكبيرة عرفًا فيها بقرة .
    مسألة : من قتل صيد حرم مكة وقطع شجره وحشيشه وهو غير محرم ، فهل عليه فدية ؟
    الجواب : نعم ، لا يُفَرَّق بين المحرم وغيره ، كلاهما سواء ، أما خارج الحرم فهذا الذي يُفرّق في الصيد بين المحرم وغيره .
    قوله : ( وصَيْدُ حَرَمِ المدينةِ وقَطْعُ شَجَرِهِ وحَشِيشِهِ ) كذلك يحرم صيد المدينة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم حرّم مكة وإني أحرم المدينة ما بين لابَتَيْها ، ما بين عَيْرٍ إلى ثور " فما بين لابَتَيْ المدينة حرم ، ولايجوز أن يُصاد صيده ولا أن يُقطع شجره وحشيشه .
    قوله : ( لغيرِ حاجةِ عَلَفٍ وقَتَبٍ ونحوِهما ولا جزاء ) أما حاجة العلف فيجوز فالجميع ، وكذلك القتب الذي يُجعل على ظهر البعير وهو أكبر من الرحل ، ونحوهما ، لكن لا جزاء لِما صِيدَ في المدينة ، أو قُطع من شجر المدينة ، الجزاء إنما هو في صَيْدِ مكة وشجر مكة ، أما المدينة فإن من فعل ذلك عليه أن يستغفر الله عز وجل .
    وقد استشكل بعضهم تحريم صيد المدينة مع ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما فعل النُّغَيْر يا أبا عُمَير " ، ولكن ردَّ ابن القيم عليهم ذلك ، وأَوْضَحَ المسألة فلا إشكال فيها .
    قوله : ( باب دخول مكة ) هذا باب ذكر فيه المصنف – رحمه الله تعالى – أحكام دخول مكة لمن دخلها حاجًّا أو مُعتمرًا .
    قوله : ( يُسنُّ نهارًا ) أي يسن لمن أراد مكة أن يدخلها نهارًا ، وهكذا كل من قدم من سفر فإنه ينبغي أن لا يدخل بيته إلاَّ نهارًا ؛ لأن النبي r كان يفعل ذلك ، وكان يأمر من قدم أن لا يدخله ليلاً يَتَخَوَّنُ أهله ، قال : " حتى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ ، وتَمتشطَ الشَّعِثَةُ " .
    قوله : ( من أعلاها ) من ثَنِيَّةِ " كَدَاء " وتسمى " المعلاة " ، والثنية : هي الفجوة التي تكون بين جبلين ، فالنبي r دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها ، من " باب الشُّبَيْكةِ " ويسمى " المِسْفلة " و " كُدًى " ، فيدخلها من كداء ، ويخرج منها من كُدًى .
    قوله : ( والمسجدُ من بابِ بني شيبةَ ) أي ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة ، وباب بني شيبة كان موجودًا قبل سنوات ، وكان يبعد عن الكعبة ثلاثين مترًا ، وكان هو الباب على المسجد القديم ، ثم لَمّا وُسِّعَ المسجد تُرِكَ الباب على حاله ، مثل عمودين وقوس ، ورأيناه نحن ، ثم بعد ذلك لما أزيل ما على المقام من مبانٍ ، ووُضِعَ عليه هذا الزجاج الموجود الآن ، فإنه أُزيل ما حوله ، ومن ذلك باب بني شيبة الذي يُسمى باب السلام ، وهو من جهة باب الكعبة .
    قوله : ( فإذا رأى البيتَ رفعَ يديهِ ) هذا ورد به حديث ضعيف .
    قوله : ( وقال ما وَرَدَ ) إذا أراد دخول المسجد الحرام يستحب له أن يقول ما يقوله عند دخول أي مسجد ، ويزيد على ذلك ما ورد وهو فيه ضعف " اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، وحَيِّنَا ربَّنا بالسلام " ، " اللهم زد هذا البيت تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومَهابةً وبِرًّا ، وزد من عظَّمه وشرَّفه ممن حجَّه واعتمره تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا ومَهابةً وبِرًّا " ، " الحمدلله رب العالمين كثيرًا كما هو أهله ، كما ينبغي لكرم وجهه وعزِّ جلاله " ، " والحمدلله الذي بلَّغني بيته ورآني لذلك أهلاً ، " الحمدلله على كل حال " ، " اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك " ، " اللهم تقبّل مني واعفُ عني وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت " ، كل هذا لم يثبت فيه شيء ، ولكن لو قاله حسنٌ ، فهو دعاء ، لكن الذي ثبت هو أن يقول ما يقوله عند دخول أي مسجد .
    قوله : ( ثم طافَ مُضْطَبِعًا ) أي ثم يطوف مُضْطَبِعًا ، فيبدأ الطواف بالاضْطِباع فقبل أن يبدأ الطواف يضطبع ، وقبل ذلك لا يضطبع ، والاضْطِباع : يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن ، ويجعل الطرفين على العاتق الأيسر .
    قوله : ( للعمرةِ الْمُعتمرُ وللقدومِ غيرُهُ ) أي يطوف للعمرة المعتمر الذي يتمتع ، أما القارن والمفرد فإنه يطوف للقدوم ، وطواف القدوم سنة .
    وأما المتمتع فإنه تتداخل العبادات ويسقط عنه طواف القدوم بطواف العمرة ، كما تسقط تحية المسجد إذا بدأ في راتبة أو فريضة .
    قوله : ( ويَستلمُ الحجرَ الأسْوَدَ ويُقبِّلُهُ ) ويستلم الحجر الأسود كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود ، فيستلمه بيده ، ويقبِّله بفَمِهِ بدون أن يخرج لذلك صوتًا ، ويَسجد عليه وقد فعله ابن عمر وابن عباس ، ورآه الإمام أحمد ، أي يضع جبهته على الحجر الأسود .
    قوله : ( فإنَّ شَقَّ أشارَ إليهِ) قبل الإشارة إن تيسّر أن يضع طرف عصا على الحجر ثم يقبِّل طرف العصا فعل ذلك ، كما كان النبي r يستلمه بِمِحْجَنٍ ، أو أشار إليه بيده .
    قوله : ( ويقولُ ما وَرَدَ ) عندما يستلم الحجر الأسود ، فالاستلام هو التحية ، والحجر الأسود ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نَزَلَ من الجنة أشد بياضًا من اللبن ، فسوَّدته خطايا بني آدم " ، فيُقبِّل الحجر كما قلنا وإن شق أشار إليه بعد أن لا يمكنه أن يستلمه بعصا ، وعند الاستلام أو عند الإشارة يقول : بسم الله والله أكبر ، هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلما مرَّ أو حاذى الحجر الأسود سمّى وكبّر ، هناك زيادة وردت عن ابن عمر وهو قوله : " اللهم إيمانًا بك ، وتصديقًا بكتابك ، ووفاءً بعهدك ، واتباعًا لسنة نبيّك ، محمدٍ r " فإن قال ذلك فهذا دعاء طيب .
    قوله : ( ويَرْمُلُ الأُفُقِيُ ) الرَّمَلُ : هو الإسراع في المشي والهرولة ، وبعض الناس يجري جريًا وهذا غلط ؛ بل يهرول هرولة ويشتد فيها ، وهذا مشروع للذي يُحرم بعيدًا عن مكة ، أما الذي يُحرم من مكة إذا كان للحج من أهلها أو للعمرة من الحِلِّ فإنه لا يُشرع له الرَّمَل ، فالرَّمَلُ إنما يُشرع للذي يأتي ويحرم من بعيد .
    قوله : ( في هذا الطوافِ ) أي في طواف القدوم أو طواف العمرة لمن كان متمتعًا .
    مسألة : ما الدليل على التفريق بين الأفقي وأهل مكة في سنية الرمل ؟
    الجواب : لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعله عندما قدم من خارج مكة ، ويُقتصر في العبادة على ما ورد به النص ، فالذي يقول إنه يُسن لمن كان بمكة عليه الدليل ، لأن هذا إنما هو للقادم من مكان بعيد حتى يُظهر القوة والجلد وهذا أصله ، ثم أصبح سنة لكل قادم من خارج مكة ، ولم يثبت أن أحدًا فعله عندما أحرم من مكة أو قربها .
    مسألة : الرمل هل يكون في الأشواط الثلاثة الأُوَل أم في جميع الأشواط ؟
    الجواب : الرمل – فقط – في الثلاثة الأشواط الأُوَل ، هذا بالنسبة للطواف ، أما السعي ففي كل شوط .
    مسألة : هل الرمل يكون أيضًا بين الركن اليماني والحجر الأسود ؟
    الجواب : نعم ، الرمل – على الصحيح – يكون من الحجر إلى الحجر ، ومن أهل العلم من قال : إنه إذا وصل إلى الركن اليماني فإنه يترك الرمل إلى الحجر الأسود ، لكن هذا فعله النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء ؛ لأن قريشًا جلسوا في جهة المروة ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يرمُلوا ، لأنهم قالوا : إنه أتاكم أناس وهَنَتْهم حمى يثرب ، فأراد أن يريهم قوة الصحابة – رضوان الله عليهم – وإذا كانوا بين الركنين فإنهم لايراهم الكفار ، فهنا يتركون الرمل راحة لهم ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا حج حجة الوداع رَمَل من الحجر إلى الحجر ، فالأمر الأول تُرِك ، وأصبح الرمل سنة في كل طواف قدومٍ من الحجر إلى الحجر .
    وإذا وصل إلى الركن اليماني فإنه إما أن يستلمه على قول جمهور أهل العلم خلافًا لمن قال إنه لا يُشرع استلامه ، بل في الحديث على استلامه ، وإن لم يتيسر فلا يشير إليه على الصحيح ، وإن كان على الصحيح من المذهب أنه يشير إليه أيضًا ، ولكن قاسوه قياسًا ، ولم يدل حديث صحيح على الإشارة إلى الركن اليماني .
    المسألة : هل يُستلم الحجر بعد الشوط السابع ؟
    الجواب : الحقيقة أن هناك من بدأ يُشكك في بعض الأمور الْمُسلّمة ، وبدأ يتنطّع ويتكلّف ، فيقول : إنه إذا انتهى من الشوط الأخير في الطواف ، أو انتهى من السعية الأخير في السعي ، فإنه لا يُكبّر ولا يشير ولا يدعو .
    وهذا خلاف ما دل عليه الحديث الصحيح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا : كلما حاذى الحجر ، وهل يُعتبر إذا وصل إلى الحجر إنتهى طوافه ؟ لم ينتهِ طوافه إلا بعد أن يمر على الحجر ، فإذا مر على الحجر بعد المحاذاة انتهى طوافه ، إذن فالتكبير هو في نفس العبادة ، ولم يكن خارج العبادة ، فإنه لابد أن يحاذي الحجر في المرة الأخيرة ، والنص ثابت بهذا في صحيح البخاري ومسلم أنه كلما حاذى الحجر سمّى وكبّر قال : بسم الله والله أكبر ، وهذا يدل على أنه كلما حاذاه ، فالذين يريدون أن يُخرجوا هذا من عموم النص عليهم الدليل المخصص ، ولا يوجد شيء من ذلك ، ولا يُلتفت إلى ما يقولونه .
    قوله : ( فإذا فرغَ صلَّى ركعتينِ خلفَ الْمَقامِ ) النبي صلى الله عليه وسلم كما صح عنه في مسلم من حديث جابر : أنه لَمّا فرغ من الطواف أتى إلى مقام إبراهيم وقرأ (( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً )) [البقرة: من الآية125] ، ثم صلى ركعتين قرأ في الأولى بعد الفاتحة قل ( يا أيها الكافرون ) ، وفي الثانية بعد الفاتحة ( قل هو الله أحد ) .
    وهل هاتان الركعتان واجبتان أم مسنونتان ؟
    ذهب الإمام أحمد وجمع إلى أنها مسنونة ، ومن الحنابلة من قال : هي واجبة واستظهره صاحب الفروع فقال : هو الأظهر . ( الفروع لابن مفلح 1/372 ) .
    ويظهر - والله أعلم - أنها مسنونة .
    ويجوز – كما صح بذلك الحديث – أن يطوف عدة أسابيع ولا يصلي إلا بعد أن يفرغ منها فيصلي ركعتين لكل أسبوع من الطواف .
    قوله : ( ثم يستلمُ الحجرَ الأسْوَدَ ) ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الركعتين رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه ، فيُسن لمن تيسر له ذلك أن يفعل .
    مسألة : لم يذكر المصنف التضلع من ماء زمزم قبل الذهاب إلى الصفا ، فهل الشرب من زمزم والتضلع منه يُشرع في العمرة ، وطواف القدوم ؟
    الجواب : الشرب من ماء زمزم ذكره الفقهاء بعد طواف الإفاضة ، ولكن في الحقيقة الشرب من ماء زمزم لا يتعيَّن في وقت ؛ بل الشرب من ماء زمزم مسنون دائمًا ، والشرب منه مفيد ومسنون كما جاء في الحديث : " إنها طعام طُعم وشفاء سقم " ، والتضلع منه مسنون أيضًا ، فهو في كل وقت ، ولكن عادة المصنفين أنهم يذكرونه بعد طواف الإفاضة .
    قوله : ( ويَخرجُ إلى الصَّفا ) ثم يذهب إلى الصفا ويبدأ بالصفا ، وجمهور أهل العلم يرون أنه لا يصح أن يبدأ إلا بالصفا خلافًا لأبي حنيفة – رحمه الله – الذي رأى أنه إن بدأ بالمرة جاز ، ولكن الصحيح ما قاله الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة أنه يبدأ بالصفا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى الصفا فقرأ : (( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )) [البقرة: من الآية158] أبدأُ بما بدأ الله به - وفي بعض الألفاظ : ابدأوا بما بدأ الله به – فهو أَمْرٌ أن يًبدأ بالصفا .
    قوله : ( من بابهِ ) كان قديمًا المسعى خارج المسجد ، فيخرج من المسجد إلى المسعى ، أما اليوم فالمسعى أصبح من المسجد ، وإنما يخرج إلى جهة الصفا من الجهة التي توالي الصفا .
    قوله : ( فيَرْقاهُ حتى يَرى البيتَ فيُكَبِّرُ ثلاثًا ويقولُ ما وَرَدَ ) يعني حتى يرى الكعبة ، ثم يستقبل الكعبة ، ويُكبّر ثلاثًا بدون أن يرفع يديه ، لأنه ما ثبت أنه يرفع يديه في هذه الحال ، ويقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يجيي ويميت – وإن قال : وهو حي لا يموت – وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، يكررها ثلاثًا ، فهذا طيب ، ثم يدعو بما تيسّر من الدعاء .
    فإن لم يرقَ الصفا ووضع عقبه على أسفل جبل الصفا ، وإن رقاه فهو أحسن .
    قوله : ( ثم يَنْزِلُ ماشيًا إلى العَلَمِ الأوَّلِ فيَسْعَى شديدًا إلى الآخَر ) ثم يمشي مشيًا إلى أن يصل إلى العلم الأول الأخضر ؛ بل إلى ما قبله بستة أذرع – ثلاثة أمتار تقريبًا - ، فقبل أن يصل إليه بثلاثة أمتار يسعى سعيًا شديدًا إلى العلم الثاني ؛ لأن هذا بطن الوادي الذي سعت فيه هاجر .
    قوله : ( ثم يَمْشِي ويَرْقَى الْمَرْوِةَ ويقولُ ما قالَهَ على الصَّفا ) ثم يمشي ويستمر في المشي إلى أن يأتي المروة فيرقاها ، والمروة في أسفل جبل "قُعَيْقِعان" ، ويستقبل القبلة – أيضًا – ويقول ما قاله على الصفا ، لكن لم يثبت أن النبي r قال : (( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )) ، إنما فقط يُكبّر ثلاثًا ويدعو بما تقدم ذكره .
    قوله : ( ثم ينْزل فيَمْشِي في موضعِ مَشْيِهِ ويَسعَى في موضعِ سَعْيِهِ إلى الصَّفا ) ثم يمشي إلا إذا أقبل على العلم الأخضر فإنه – كما قلنا – يسعى سعيًا شديدًا .
    قوله : ( يَفعَلُهُ سَبْعًا ويَحسبُ ذهابَهُ ورجوعَهُ ) أي ذهابه سعْيَةٌ ورجوعه سعْيَةٌ ، وليس كما ذكره ابن حزم فإنه لم يحج ولذا أخطأ فجعل السعية أن يبدأ من الصفا ويعود إلى الصفا ، وهذا خطأ فاحش منه .
    قوله : ( ويَتَحللُ متمتعٌ لا هدْيَ معهُ بتقصيرِ شعرهِ ) المتمتع الذي لا هدي معه يُحِلُّ من إحرامه بأن يقصِّر الشعر حتى يبقى شعر يحلقه بعد رمي جمرة العقبة ، فهنا يستحب التقصير لا الحلق ، ودائمًا الحلق أفضل إلاّ في هذا الموضع فإنه يقصر حتى يبقي شعرًا لحجَّه .
    قوله : ( ومن معهُ هديٌ إذا حَجَّ ) ومن ساق الهدي فإنه يبقى على إحرامه ويكون قارنًا ، ولا يتحلل إلا إذا حج ورمى جمرة العقبة .
    قوله : ( والمتمتعُ يقطعُ التَّلْبِيَةَ إذا أخذَ في الطوافِ ) لأنه انتهى وقت التلبية ، فإذا بدأ بالطواف قطع التلبية ، أما القارن أو المفرد فإنه لم يزل على إحرامه وعلى مشروعية تلبيته ، ويستمر في التلبية ، ولا حرج عليه في ذلك ، وإن ترك التلبية ، ثم استأنفها بعد الطواف فحسن .

    قوله : ( فصل في صفة الحج والعمرة ) في هذا المصنف ذكر المؤلف – رحمه الله تعالى – صفة الحج والعمرة .
    قوله : ( يُسَنُّ لِمُحِلٍّ بِمكةَ الإحرامُ بالحجِّ يومَ التَّرْوِيَةِ ) هذا بالنسبة لمن كان متمتعًا ، فإنه سيبقى في مكة فيُحرم الأفضل أن يُحرم يوم التروية ، وكذلك الذي سوف يحج من أهل مكة ، فهؤلاء يُحرمون يوم التروية من المكان الذي هم فيه من جميع منطقة الحرم ، ويكون يوم التروية على وجه الاستحباب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم معه أصحابه فأحرموا يوم التروية من مكانهم بمكة .
    ولايُسن أن يذهب إلى المسجد أو يحرم من تحت الميزاب كما يقوله البعض ، فإن هذا ليس له أصل .
    ويُستثنى من ذلك مَن عليه هدي فلم يجد قيمته ولا يجد الهدي فوجب عليه الصيام فإنه يُشرع له أن يُحرم يوم السابع ليصوم يوم السابع والثامن والتاسع .
    قوله : ( والْمَبِيتُ بِمِنى ) أي يُستحب المبيت بِمنى للحجاج ، وأن يأتي الحجاج إليها قبل الظهر حتى يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يوم عرفة ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
    قوله : ( فإذا طلعت الشمسُ سارَ إلى عرفةَ ) أي إن من السنة إذا طلعت الشمس سار من مِنَى إلى عرفة .
    قوله : ( وكلُّها موقفٌ إلاَّ بطنَ عُرَنَةَ ) أي وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وارفعوا عن بطن عرنة " ، وعرنة معروفة : وادٍ أمام المسجد الموجود والمبني الآن بعرفة ، مسجد نمرة .
    ولا حاجة لأن نبيّن حدود عرفة ، فإن الفقهاء قديمًا كانوا يذكرون الحدود لِيُمَيِّزُوا عرفة من غيرها لحاجة الناس إلى ذلك ، وأما اليوم فإنه قد وُضِعَت أعلام تبيّن حدود عرفة .
    قوله : ( وجَمَعَ فيها بين الظهرِ والعصرِ تقديْمًا ) وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر تقديمًا .
    ولهذا يجوز للمسافر أن يقدِّم الجمع ، ويجوز له أن يؤخر حسب الحاجة ، والنبي صلى الله عليه وسلم جمع في وقت الظهر حتى يتفرغ بعد ذلك للدعاء .
    وخطب خطبته المشهورة قبل أن يصلي الظهر .
    قوله : ( وأكثرَ الدعاءَ مِمّا ورد ) أي ويستحب للمسلم أن يُكثر من الدعاء يوم عرفة مما ورد وهي أدعية كثيرة ومن أصحها : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " وإن زاد : " يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير " فهذا طَيِّبٌ ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيين من قبلي : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " .

    يتبع إن شاء الله

  7. قوله : ( ووقتُ الوقوفِ من فجرِ عرفةَ إلى فجرِ النَّحرِ ) هذا هو المذهب وهو أنه من فجر عرفة إلى فجر النحر .
    أما أول الوقت فقد اختلفوا فيه ، وأما آخر الوقت فلم يختلفوا فيه أنه إلى فجر النحر .
    وذهب جمع ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – إلى أن أول الوقت يبدأ من بعد الزوال ، ولهذا لم يقف النبي r إلا بعد الزوال ، ولا شك أن هذا أصح ، وثمرة الخلاف : أن من وقف قبل الزوال بعرفة ثم خرج منها قبل الزوال :
    · فعلى المذهب : عليه دمٌ وحجه صحيح .
    · وعلى القول الأصح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : أن حجه لا يصح لأنه لم يقف بعرفة .
    وأما إلى فجر يوم النحر فالحديث فيه صريح في أن الوقت إلى الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حضر صلاتنا هذه وقد وقف بعرفة قبل ذلك أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه " فهذا دليل على أن الوقت يمتد إلى طلوع الفجر .
    قوله : ( ثم يدفعُ بعدَ الغروبِ إلى مزدلفةَ ) أي يستحب للمسلم أن لا يدفع إلا بعد الغروب ، فإ خرج قبل الغروب ولم يعد إلى عرفة ليلاً وجب عليه دمٌ لأن الواجب أن يجمع في الوقوف بعرفة بين الليل والنهار ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
    قوله : ( بِسَكِينِةٍ ) السكينة تكون في الحركات ، ويكون عليه التُّؤَدَةُ ، والرزانة ، لا يستعجل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البِّرَّ ليس بالإيضاع " .
    قوله : ( ويَجمعُ فيها بين العشائينِ تأخيرًا ) أي وإذا أتى إلى مزدلفة فإنه يبدأ أولاً بالأذان ثم الإقامة للمغرب ، ثم الإقامة للعشاء ، فيَجمع بين المغرب والعشاء من حين ما يأتي جمعًا ، ولا ينبغي أن يشتغل بغير ذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قبل حطِّ الرحال وتبريك الجمال .
    وهناك من يبدأ بجمع حصى الجمار ، وهذا خطأ ؛ بل ينبغي أن يبدأ أولاً بالصلاة .
    قوله : ( ويَبِيتُ بِها ) والبيات بها واجب عند الجمهور يجب بتركه دمٌ .
    قال مرعي في " غاية المنتهى " : إنه يكفي أكثر الليل ، فإذا بات بها أكثر الليل كفى .
    ويجوز للضعفة ؛ بل يجوز لكل حاجٍّ أن يخرج منه بعد منتصف الليل ، وابن القيم يقول : بل بعد غيبوبة القمر ، والجمهور يقولون : يجوز بعد منتصف الليل . وهو أرجح عندي .
    فيجوز لكل أحد ، ولكن الأفضل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما استمرّ في البقاء في مزدلفة ، وإنما أرسل الضعفة من أهله ومعهم بعض الغِلمان كابن عباس – رضي الله تعالى عنهما - .
    مسألة : ما الدليل على أنه يجوز لكل أحد الدفع من مزدلفة بعد ذهاب أكثر الليل ؟
    الجواب : النبي صلى الله عليه وسلم أَذِنَ للضعفة من أهله أن يدفعوا بعد منتصف الليل ، فهذا دليل على أن معظم الليل يكفي ؛ لأنه دفعوا بعد المنتصف ، وإذا بقوا في مزدلفة أكثر من نصف الليل إذن وهو معظم الليل .
    أما الاستدلال على الجواز لكل أحد فإن الرخصة عامة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرسل معهم من ليس من الضعفة ، ولو كان لا يجوز إلا للضعفة فقط لم يرسل معهم من الحجاج من هو قوي ؛ بل كان أرسل معهم أناسًا لم يَحُجُّوا إن كانوا يحتاجون من يذهب معهم .
    قوله : ( فإذا صلَّى الصبحَ أتى الْمَشْعَرَ الحرامِ ) المشعر الحرام هو جبل صغير وهو معروف الآن وعنده المسجد ، فإذا صلى الصبح أتى المشعر الحرام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وقفت هاهنا ، وجَمْعٌ كلُّها موقف " ؛ أي في أي مكان من مزدلفة ، ويُستحب وليس بشرط أن يأتي إلى المشعر ، وبعضهم يقول المشعر الحرام هو مزدلفة كلها .
    قوله : ( فَرَقاهُ ) قالوا : يُستحب أن يرقى هذا الجبل الصغير .
    قوله : ( ووقفَ عندَهَ وحَمِدَ اللهَ وكَبَّرَ وقَرَأَ (( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ )) الآيتينِ ) أي عند المشعر الحرام .
    قوله : ( ويدعو حتى يُسْفِرَ ثم يَدفعُ إلى مِنى ) أي ويُستحب أن يستمر في الدعاء حتى يُسْفِرُ جدًا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم خالف المشركين فإنهم كانوا يقولون : أشرق ثبير كي ما نُغير . وثبير : جبل ، وكانوا لا يدفعون إلا بعد شروق الشمس ، والنبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فإذا أسفر جدًا قبل شروق الشمس دفع منها إلى منى .
    قوله : ( فإذا بَلَغَ مُحَسِّرًا ) وهو الوادي المعروف ، والآن هناك علامات في بداية منى وانتهاء مزدلفة ، وبينهما مكان لا يوجد فيه خيام ، هذا هو وادي مُحسِّر الذي نزل فيه العذاب على أهل الفيل .
    قوله : ( أسرعَ رَمْيَةَ حَجَرٍ ) أي أسرع بقدر رمية حجر ؛ لأن الوادي ليس بعريض ، ويلاحظه الآن الذي ينظر إلى حجمه .
    ولذلك ينبغي لمن أتى إلى وادي مُحسّر أن يُسرع .
    قوله : ( وأَخَذَ حَصَى الْجِمارِ سَبعينَ ) وأخذ حصى الجمار سبعين فيه نظر ظاهر ، ويجوز أخذ الحصى من منى ، ويجوز من الطريق ، ويجوز من مزدلفة ، وهذا هو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو الصحيح ، ولا يقال إنه يُستحب من مكان دون مكان .
    وأما أن يأخذ سبعين ، فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، إنما عليه أن يأخذ الحصى الذي يرمي به – فقط – جمرة العقبة ، ثم بعد ذلك يأخذه من منى .
    قوله : ( أكْبَر من الْحِمَِّصِ ) وهو هذا الحبُّ المعروف .
    قوله : ( ودون البُندُقِ ) والبندق هو الذي يُكسر وبداخله حبوب تؤكل .
    وهو مثل حصى الخذف – ويُقال : الحذف – والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو قال : " وإياكم والغلوَّ في الدين " ، فينبغي أن يأخذ الحصى المعقول ، ولا يُغالي ويوسوس في كون الحصاة هل هي أصغر من المطلوب أو أكبر من المطلوب ، إنما لا تُجزئ صغيرة جدًا ولا كبيرة جدًا ، وما بين ذلك يجوز .
    قوله : ( فيرمِي جمرةَ العقبةِ وحدَها بِسبعٍ ) أي في اليوم الأول يرمي جمرة العقبة وحدها فقط بدون أن يرمي غيرها بسبع حصيات .
    قوله : ( يرفعُ يُمناهُ حتى يُرى بياضُ إبْطِهِ ويُكبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ ) ينبغي أن يرفع يده اليمنى حتى يُرى بياض إبطه ، ويُكبّر مع كل حصاة يقول : الله أكبر ، الله أكبر . وبعضهم زاد : اللهم اجعله حجًّا مبرورًا ، وذنبًا مغفورًا ، وسعيًّا مشكورًا .
    والتكبير هو الذي صحَّ .
    مسألة : من رمى الجمار فهل يجب عليه التيقن من أنها سقطت في الحوض ، وهذا يُشكل عند الزحام الشديد ؟
    الجواب : لا بد أن يتيقن أن الحصى وقع في الحوض ، فإن شك وهو يرمي في العدد أو في عدم وقوعها في الحوض فعليه أن يزيد حصاة .
    قوله : ( ثم ينحرُ ) هديه إن كان عليه هدي ، أو كان متبرعًا بِهديٍ .
    قوله : ( ويَحلِقُ أوْ يُقَصِّرُ ) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يرمي الجمرة ، ويقطع التلبية عندما يبدأ برميها ، ثم ينحر ، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثًا ثم المقصرين .
    قوله : ( من جميعِ شعرِهِ ) الرجل لابد من التقصير من جميع الشعر ، كما أن الحلق من جميع الشعر .
    وعطاء يرى أن من سنة الحلق أن يستقبل القبلة ويكبّر أثناء حلق الشعر ، وقال أخذته فقهًا من حجّام .
    والذين يقتصرون على بعض الشعر مخالفون للصحيح من أقوال أهل العلم .
    قوله : ( والمرأةُ قَدْرُ انْمُلَةٍ ) والمرأة تقصِّر قدر انملة من شعرها ، ورأس الأصبع هذا هو الذي يقال له الانملة ، فهي – فقط – تجمع شعرها وتقصر منه قدر انملة .
    قوله : ( ثم قدْ حَلَّ لهُ كلُّ شيءٍ إلاَّ النِّساءَ ) أي أنه يتحلل بفعل اثنين من ثلاثة ، رمي جمرة العقبة ، والحلق أو التقصير ، وطواف الإفاضة ، فإذا فعل اثنين حلَّ التحلل الأول وبقي الثاني ، والتحلل الأول أنه يفعل كل شيء إلا النساء وما يتعلق بالنساء .
    قوله : ( ثم يَفيضُ إلى مكةَ ) ثم بعد ذلك يستحب له أن يُفيض إلى مكة ، وإن أخر ذلك إلى ما بعد انتهاء النسك جاز .
    قوله : ( فيطوفُ طوافَ الزيارةِ الذي هو ركنٌ ) أي طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج .
    قوله : ( ثم يسعى إن لم يكنْ سعَى ) بعدما يطوف عليه أن يسعى إن كان لم يسعَ وهو مفرد أو قارن ، فإن كان متمتعًا فإنه لابد أن يسعى على المذهب وقول الأكثر .
    ورأى شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم : أن السعي الواحد الذي في العمرة يجزئ للمتمتع أيضًا عن السعي الآخر .
    والأحوط هو أن يسعى المتمتع ، ويسعى من لم يسعى من مفرد وقارن قبل ذلك بعد طواف القدوم .
    قوله : ( وقد حلَّ لهُ كلُّ شيءٍ ) يعني بعدما يطوف طواف الإفاضة فإنه حلَّ له كل شيء حتى النساء .
    قوله : ( وسُنَّ أن يشربَ من زمزمَ لِمَا أحَبَّ ) ويُسن أن يشرب من ماء زمزم لما أحب كما جاء في الحديث الثابت عن النبي r من قوله : " ماء زمزم لِمَا شُرِبَ له " ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنها طعام طُعم ، وشفاء سُقم " ، فلذلك يُستحب أن يشرب منها ، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وينوي أنه يشرب ماء زمزم إما لحفظ علم وحفظ قرآن ، وشفاء من مرض إلى غير ذلك .
    ويقال إن الشافعي – رحمه الله – شربه لأجل الإصابة ، فكان يصيب بالسهام لا يُخطئ أبدًا .
    قوله : ( ويَتَضَلَّعُ مِنْهُ ) أي حتى إن الماء يملأ أضلاعه .
    قوله : ( ويدعُو بِما وردَ ) الدعاء هنا ضعيف ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يدعو بما شاء .
    وزاد صاحب " التبصرة " : أنه يصب من ماء زمزم على بدنه وثوبه .
    قوله : ( ثم يرجعَ فيَبَيتَ بِمِنى ثلاثَ ليالٍ ) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
    وهل صلى الظهر بِمكة أو بِمنى ؟
    هناك روايات ذكرها ابن القيم في " زاد المعاد " ورجَّح أنه عاد فصلى بِمنى .
    قوله : ( ويرمِي الجمارَ في كلِّ يومٍ من أيامِ التشريقِ ) فمن واجبات الحج رمي الجمار في كل يوم من أيام التشريق ، وأول أيام التشريق اليوم الثاني الذي يلي يوم العيد ثم الذي بعده ثم الذي بعد .
    فهي ثلاثة ، يجب عليه أن يرمي أيام التشريق ، يومين لمن تعجّل وثلاثة أيام لمن تأجّل وتأخر .
    قوله : ( بعدَ الزوالِ ) هذا قول جماهير أهل العلم ، وصحَّت بذلك الأحاديث ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما رمى إلا بعد الزوال وأخبر الصحابي ابن عمر أنهم كانوا يتحيَّنون بعد الزوال فيرمون ، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لأحد أن يرمي قبل الزوال ولم يفعلْهُ فدلّ على أنه لا يجوز قبل الزوال كما قرره المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، وقد صدرت بذلك فتوى من هيئة كبار العلماء قديمًا .
    وهناك رواية عن الإمام أحمد ، وهو مذهب أبي حنيفة : أنه في يوم النَّفْر يجوز قبل الزوال .
    وهناك قول لبعض السلف : أنه يجوز في كل يوم قبل الزوال .
    لكن هذه الأقوال لا دليل عليها ، ولا يُعتمد عليها .
    قوله : ( وقبلَ الصلاةِ ) يستحب أن يرمي إذا زالت الشمس وقبل أن يصلي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أخَّرَه فلا حرج .
    قوله : ( ومن تعجَّلَ في يومينِ إن لم يخرجْ قبلَ الغروبِ لَزِمَهُ المبيتُ والرميُ من الغدِ ) فمن تعجل فلابد أن يخرج قبل الغروب ، فإن تأخر بعد الغروب لزمه المبيت والرمي من الغد .
    لكن إذا رمى وانتهى ثم ركب سيارته ، أو حَمَلَ متاعه على السيارة ، أو سار قليلاً ثم بعد ذلك غربت الشمس وهو لم يزل بِمنى فلا حرج عليه أن يخرج ولا يجب عليه أن يبقى .
    إنما الذي لم يرمِ حتى غربت الشمس ، أو الذي رمى ثم بقي بِمنى ، ولم يركب أو يحمل متاعه في السيارة فهذا يجب عليه المبيت .
    وذكر في " الإقناع " وشرْحِهِ : أنه من أراد أن يخرج – مثلاً – حتى لا يلزمه المبيت فإنه يخرج قبل الغروب من مِنى ، ثم إذا غربت الشمس عاد إلى مِنى ويجوز له أن يبيت بها ، ثم بعد ذلك لا يلزمه لا مبيت ولا رمي ، إن شاء بات ، وإن شاء لم يبت ، زإن شاء خرج منها في الصباح ، فإنه سقط عنه الواجب فلا يعود .
    قوله : ( وطوافُ الوداعِ واجبٌ ) من واجبات الحج ، وهو على الصحيح من واجبات الحج فقط ؛ لأنه لم يرد إلا في الحج ، وليس من واجبات العمرة .
    ومن كانت حائضًا أو نفساء فإنه يسقط عنها .
    وطواف واجب إلا إذا أخَّرَ الطواف ، أو الطواف والسعي ، ففعل ذلك في آخر عمل الحج ، ثم سافر إلى بلده سقط عنه طواف الوداع .
    قوله : ( يفعلُهُ ثم يَقِفُ في الْمُلْتَزَمِ داعيًا بِما وردَ ) وردت هناك أدعية ، وفي حديث حسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى الملتزم الذي بين الباب والحجر الأسود فوضع صدره وخدّه وذراعيه ، وهناك دعاء لابن عباس من فعل ذلك فلا حرج ، والدعاء في الملتزم مُجاب ، وذكر جماعات من أهل العلم أنهم دَعَوُا الله عز وجل في ذلك المكان فاستجيب لهم ، ومن آخرهم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – فذكر أنه دعا بدعوة هامة فأُجِيبَت .
    قوله : ( وتدعُو الحائضُ والنُّفَساءُ على بابِ المسجدِ ) لأنه لا يجوز للحائض أوالنفساء أن تدخل المسجد .
    قوله : ( وسُنَّ زيارةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وقَبْرَيْ صاحِبَيْهِ ) سنيّة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبرَي صاحبيه لمن لم يَشُدَّ الرحل إليها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تُشَدُّ الرِّحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد " كما قرره المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم وغيرهما .
    وإنما من قصد المسجد فإنه يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه ، أو يزوره الذي بالمدينة .
    ويأتي فيقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم عند رأسه ثم يسلّم عليه ، ثم يمشي قليلاً إلى جانبي الأيمن فيُسلّم على أبي بكر ثم على عمر .
    ولا يسن أن يدعو عند القبر لنفسه بشيء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، ولم يكن ذلك من عادة السلف الصالح ، وإنما يسلم عليهم فقط .
    قوله : ( وصفةُ العمرةِ أن يُحرمَ بِها مَنْ بِالحرمِ من أدْنَى الحِلِّ ) وكما قرره المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما : أنه لايُسن لمن بِمكة أن يخرج إلى الحل ليعتمر ، فذاك خاص بعائشة – رضي الله عنها – تطييبًا لخاطرها ، ولذلك لم يفعله غيرها .
    فلا يُشرع لمن بِمكة ؛ بل عليه أن يطوف ويكفيه ذلك .
    ويُستفاد من حديث عائشة أن من ترك الطواف والسعي في آخر عمله كفاه عن طواف الوداع لأنها اعتمرت فطافت وسعت بعمرتها ثم رحلت ولم يثبت أنها طافت للوداع بعد ذلك .
    قوله : ( وغيرُهُ مِن دُوَيْرَةِ أهلهِ إن كانَ دونَ ميقاتٍ وإلاَّ فَمِنْهُ ) أي يُحرم بالعمرة من دويرة أهله إن كان يسكن دون الميقات ، وإن كان يسكن في الميقات فمنه أو يسكن بعد الميقات فمن الميقات الذي يَمُرُّ منه .
    قوله : ( ثم يطوفُ ويَسْعَى ويُقَصِّرُ ) فالإحرام والطواف والسعي هي أركان العمرة ، ثم بعد ذلك يقصّر إذا كان متمتعًا حتى يبقى شعر للحج ، وأما إذا كان غير متمتع فإن الأفضل الحلق .
    قوله : ( فصل ) ففي هذا الفصل ذكر أركان الحج وواجباته وأركان العمرة وواجباتها .
    قوله : ( أركانُ الحجِّ أربعةٌ : إحرامٌ ) فالإحرام ليس المقصود به لبس الإزار والرداء ؛ الإحرام هو : نيّة الدخول في النسك ، هذا هو المقصود ، وهو ركن لايستطيع الحاج أن يدخل في الحج ويكون حجه صحيحًا إلا بالإحرام ، مثل ما يكون في الصلاة من تكبيرة الإحرام ، فلو لم يُكبّر تكبيرة الإحرام ما انعقدت صلاته ولا صحّت .
    إذَن فالحاج أو المعتمر لابد أن ينوي الإحرام ، نية الدخول في النسك . هذا هو الأول .
    قوله : ( ووقوفٌ ) الثاني : الوقوف بعرفة ؛ لأن النبي r قال : " الحج عرفة " ؛ أي أكثر أعمال الحج هي عرفة ، فأعظم أركان الحج الوقوف بعرفة ، فمن لم يقف بعرفة فلا حجَّ له .
    قوله : ( وطوافٌ ) وهو طواف الإفاضة ، ويُسمى طواف الزيارة ، وهذا ركن .
    قوله : ( وسعيٌ ) وسعي الحج هو أيضًا ركن من أركان الحج .
    فهذه الأربعة هي أركان للحج لا يصح الحج إلا بها .
    قوله : ( وواجباتُهُ سبعةٌ : إحرامُ مارٍّ على ميقاتٍ منهُ ) أي والإحرام من الميقات هذا من واجبات الحج .
    قلنا : الإحرام هو نية الدخول في النسك ، وهذا ركن ، لكن أن يحرم من الميقات هذا واجب ، فلو ترك الإحرام من الميقات ولم يحرم إلا بعد تجاوز الميقات فعليه دمٌ .
    قوله : ( ووقوفٌ إلى الليلِ إنْ وقفَ نَهارًا ) أي وعليه أن يقف ليلاً ونهارًا ، فيجمع بين الليل والنهار ، ولو اقتصر على الليل لم يلزمه دمٌ ؛ للحديث : " من شهد صلاتنا هذه وكان قد وقف بعرفة أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجّه وقضى تفثه " ، فهذا يدل على أن الوقوف بالنهار لا يكفي ؛ بل لا بد أن يجمع معه جزءًا من الليل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن اقتصر على الليل أجزأه ذلك وليس عليه دمٌ .
    قوله : ( ومبيتٌ بِمزدلفةَ إلى بعدَ نصفِهِ ) وعليه أن يبيت بمزدلفة إلى بعد منتصف الليل ، هذا هو الواجب ، والسنة أن يبقى إلى أن يسفر جدًا ، لكن لو دفع بعد نصف الليل جاز له ذلك .
    قوله : ( إنْ وافاها قبلَهُ ) أي إن جاء إلى مزدلفة قبل نصف الليل ، ولا بد أن يبيت بمزدلفة أكثر الليل ، فلو لم يأتي إلى مزدلفة إلا متأخرًا فعليه أن يبقى بمزدلفة أكثر الليل ، ولا يصح له أن يذهب بعد نصف الليل وهو لم يأتِ إليها من أول الليل وإلا لزمه دم ؛ لأنه ترك واجبًا .
    قوله : ( وبِمِنَى لياليَها ) أي وأن يبيت بِمِنَى معظم الليل ، فهو واجب من واجبات الحج ، وفي تركه دمٌ .
    مسألة : هل الأدلة على وجوب المبيت بِمِنَى قولية أم فعلية ؟ وإن كانت فعلية أفلا تدل على الاستحباب كما يقول الأصوليون ؟
    الجواب : ما معنى : رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم لأهل السقاية وللرعاة أن يبيتوا خارج مِنَى ؟ والرخصة هل تسمى رخصة لمن ترك المستحب ؟ فما يمكن ، إذَن الدليل صريح ولا يحتاج إلى تأويل ، لأن الترخيص إنما كان في ترك الواجبات .
    قوله : ( والرَّمْيُ مُرَتِّبًا ) وعليه أن يرمي الجمرات مُرَتِّبًا ، فيبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة .
    قوله : ( وحلقٌ أو تقصيرٌ ) إي إذا تم حجه رمى جمرة العقبة ، فعليه من الواجبات أن يحلق أو يقصّر .
    قوله : ( وطوافُ وداعٍ ) وطواف الوداع فى آخر أعمال الحج هو من واجباتها .
    ومن ترك شيئًا من هذه الواجبات فعليه دمٌ .
    قوله : ( وأركانُ العمرةِ ثلاثةٌ : إحرامٌ ) وهو نية الدخول في النسك كما قلنا .
    قوله : ( وطوافٌ وسعيٌ ) وهو طواف وسعي العمرة .
    فهذه الأركان لا تتم العمرة إلا بها .
    قوله : ( وواجبُها اثنانِ : الإحرامُ من الحلِّ ) أي عليه أن يُحرم من الحلِّ إن كان قد أحرم بالعمرة أو نوى الإحرام بالعمرة من مكة ، فعليه أن يخرج إلى الحِلِّ فيحرم وإلا لزمه دمٌ على القول بأن أهل مكة يخرجون للعمرة ومن كان بِها .
    وإن أتى من خارج المواقيت فعليه أن يُحرم من الميقات . وإن كان منزله دون الميقات فعليه أن يُحرم من منزله .
    قوله : ( والحلقُ أو التقصيرُ ) كما قلنا فهو من الواجبات .
    قوله : ( ومن فاتَهُ الوقوفُ فاتَهُ الحجُّ وتحلَّلَ بعمرةٍ وهديٍ إن لم يكن اشترطَ ) من فاته الوقوف بعرفه فلم يأتِ أو تأخر عن المجيء إلى عرفة حتى طلع فجر يوم النحر ، فإنه قد فاته الحج ، وعليه أن يتحلل بعمرة ، وعليه هدي إن لم يكن اشترط ، فإن لم يقل : فإن حبسني حابس فمَحِلِّي حيث حَبَسْتَنِي ، فعليه دمٌ ، وإن كان اشترط فليس عليه دمٌ ، ويتحلل بعمرة ولا دَمَ عليه .
    قوله : ( ومن مُنِعَ البيت هَدَى ثم حلَّ ) أي منعوه أن يصل إلى البيت كما حُصِرَ النبي r في الحديبية فلم يُمَكَّن من دخول الحرم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح هديه ثم حلَّ ، فكذلك من مُنِعَ من البيت فعليه أن يفعل ذلك ، قلنا : فإن اشترط ثم حُصِرَ فلا دمَ عليه .
    والحصر قد يكون بمنع العدوٍّ عن وصوله إلى البيت ، وقد يكون بِمرضٍ ، لما روى الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عُرِجَ أو مَرِضَ فقد حلَّ وعليه حَجَّةٌ أخرى " .
    قوله : ( فإن فَقَدَهُ صامَ عَشَرَةَ إيامٍ ) فإن فقد الدم من وجب عليه صام عشرة أيام ، أي إذا لم يجد دمًا ولا ثمنه صام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .
    قوله : ( ومن صُدَّ عن عرفةَ تحلَّلَ بعمرةٍ ولا دَمَ ) أي من صَدَّه أيُّ صَدٍّ عن عرفة فإنه يتحلل بعمرة وليس عليه دمٌ ؛ لأنه لم يكن منه تقصير ، أما الذي فاته الوقوف فهذا مقصِّر ؛ لأنه لم يحرص على أن يأتي مُبكِّرًا ، أما الذي صدَّه أحدٌ ما ومنعه من الوصول إلى عرفة فإنه معذور ، فيتحلل بعمرة وينقلب إحرامه عمرة ولا دمَ عليه .
    قوله : ( فصل والأُضْحِيَةُ سنةٌ ) هذا هو الراجح والصحيح وليست بواجبة ، وبعض الفقهاء يقولون بالوجوب .
    قوله : ( يُكرهُ تركُها لقادرٍ ) يُكره لمن استطاع أن يضحي أن يترك الأضحية ، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من وجد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلانا " ، فهذا دليل على أن تركها مذموم .
    قوله : ( ووقتُ الذَّبحِ بعدَ صلاةِ العيدِ ) أي لا يصح له أن يذبح قبل صلاة العيد ، ومن ذبحها قبل صلاة العيد فهي شاة لحمٍ ، وإنما يبدأ وقت الذبح الجائز بعد صلاة العيد .
    قوله : ( أو قَدْرِها ) إذا لم يكن في مكان تُصلَّى فيه العيد مثل أهل البادية الذين يعيشون في الصحراء ليس عندهم صلاة عيد ، يُقَدِّرون وقتًا يكفي لأداء صلاة العيد بعد دخول وقتها .
    قوله : ( إلى آخرِ ثانِي التشريقِ ) والصحيح أنه إلى آخر أيام التشريق ، إلى أن تغرب شمس الثالث من أيام التشريق ، وهذا اختيار المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .
    قوله : ( ولا يُعطَى جازِرٌ أُجرتَهُ منها ) فلا يُعطي الأجرة من الأضحية ؛ بل يُعطى من غيرها ، أما إذا أُعْطِيَ له شيء منها من باب التبرع أو أنه من الفقراء الذين يُعْطَوْنَ من ثلث الفقراء ، أو من ثلت الأصدقاء ، فلا بأس ، لكن لايُجعل أجرة .
    قوله : ( ولا يُباعُ جلدُها ولا شيءٌ منها بل يُنتفع بهِ ) أي يُنتفع به أو يُتصدق به ، لكن لايُباع .
    قوله : ( وأفضلُ هَدْيٍ وأُضحيةٍ إِبِلٌ ثُمَّ بَقَرٌ ثُمَّ غَنَمٌ ) وهذا هو الصحيح أن الأفضل الإبل ، خلافًل لمن قال الأفضل الغنم .
    ودليل المذهب ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة " ، ثم ذكر البقرة ، ثم ذكر الكبش الأقرن ، فهذا دليل واضح على تفضيل الإبل .
    هذا إذا ضحَّى ببعير كامل ، أما لو ضحَّى بِسُبْعِ بدنة أو سُيْعِ بقرة ، فلا شك أن الشاة أفضل من سُبْعِ البقرة أو سُبْعِ البدنة ، لكن لو ضحَّب بالبعير كاملاً أو بالبقرة كاملة ، فلاشك أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم .
    قوله : ( ولا يُجزِىءُ إلاَّ جَذَعُ ضَأْنٍ ) الْجَذَعُ هو الذي له ستة أشهر ، فالذي لم يبلغ ستة أشهر فإنه لا يُجزئ .
    قال بعض الأعراب : إنهم يعرفون ذلك بأن ينام صوفه ، فإذا نام الصوف فإنه أجذَعَ ،كما نقله الفقهاء . وأيضًا بأسنانه .
    قوله : ( أو ثَنِيُّ غيرِهِ ) أو إذا كان من الْمَعِزِ فلابد أن يكون ثَنِيًّا ؛ أي له سنة فأكثر .
    قوله : ( فَثَنِيُّ إبِلٍ ما لَهُ خَمْسُ سنينَ وبَقَرٍ سنتانِ ) أي ثَني الإبل الذي له خمس سنين ، والبقر الذي له سنتان .
    قوله : ( وتُجزىءُ الشاةُ عن واحدٍ ) أي تجزئ الشاة عن شخص واحد وعن أهل بيته .
    قوله : ( والبدنةُ والبقرةُ عن سبعةٍ ) أي يجوز أن يشترك سبعة في بدنة وبقرة يُضحِّي كل منهم بِسُبْعِها .
    قوله : ( ولا تُجزىءُ هزيلةٌ ) الهزيلة ضد السمينة التي لا مُخَّ في عظامها .
    قوله : ( وبَيِّنَةُ عَوَرٍ ) أي العوراء الواضح فيها العَوَرُ ، أما إذا لم يكون واضحًا فهو ليس بعيب .
    قوله : ( أو عَرَجٍ ) أو كذلك إذا كان عرج واضح ، أما العرج القليل فهذا لا يؤثر ، والعرج القوي هو الذي يُعيب هذه الشاة ويُنقص من ثمنها فلا تستطيع أن تسير مع بقية الغنم فترعى كما ترعى بقية الغنم ، فعادةً لاتكون مرغوبة ، أما العرج البسيط فهذا لا يؤثّر عليها .
    قوله : ( ولا ذاهبةُ الثَّنايا ) التي قد سقطت ثناياها فإن هذا يُعتبر عيبًا .
    قوله : ( أو أكثرِ أُذُنِها أو قَرْنِها ) هذا المذهب .
    والقول الثاني في المذهب والذي صحّحه صاحب الإنصاف وصوَّبه أن ذهاب الأذن أو القرن لا تأثير له في لحم هذه الشاة ، فذهاب الأذن أو ذهاب القرن لا تأثر له ، فليس بعيب ولا يؤثّر على اللحم ، وهذا هو الأرجح والله أعلم .
    قوله : ( والسنةُ نَحْرُ إبِلٍ قائمةً معقولةً يدُها اليُسرَى ) أي السنة أن تُنحر الإبل لا أن تُذبح ، فلو ذُبحت جاز ، والنحر : هو أن يأتي بسكين أو خنجر أو نحو ذلك فيضربها في اللِّبَّة الاتي تحت العنق ، وهي قائمة معقولة يدها اليسرى (( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا )) (الحج: من الآية36) ، أي سقطت .
    قوله : ( وذَبْحُ غيرِها ) أي والسنة أن يُذبح غير الإبل ؛ أي البقر والغنم ، فالسنة أن تُذبح البقر والغنم لا أن تُنحر .
    قوله : ( ويقولُ : " بسم الله " ، " اللهم هذا مِنْكَ ولَكَ " ) والتسمية واجبة (( وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ )) (الأنعام: من الآية121) ، وقوله : اللهم هذا منك ولك ، هذا مستحب ، ولو قال : هذه أضحية فلان بن فلان ، فهذا مسنون لأن النبي r قال : " هذه عن محمدٍ وآل محمدٍ ، وهذه عمَّن لم يضحِّ من أمة محمدٍ " ، وأيضًا يُكَبِّرُ ويقول : بسم الله والله أكبر .
    مسألة : ما حكم نسيان التسمية على الذبيحة ؟
    الجواب : لا بأس ، ولا فرق بين الذكاة وبين الصيد على الصحيح .
    والمذهب أنه يُفرّق بين الصيد وبين الذبيحة ، فالصيد لا يُعفى عن النسيان فيه ، وأما الذبيحة فيُعفى .
    والصحيح القول الآخر في المذهب وهو قول المحققين : أنه لا فرق بين الذكاة والصيد ، فمن نسي حلَّت له هذه الذبيحة .
    قوله : ( وسُنَّ أن يأكلَ ويُهْدِيَ ويتصدقَ أثلاثًا مُطْلَقًا ) يُسن في الأضحية أن يأكل الثلث ويُهدي الثلث للأصدقاء والأقارب ويتصدق على الفقراء بالثلث .
    مُطْلَقًا : أي الأضحية سواء كانت واجبة بنذرٍ ، أو كانت مسنونة ولم تكن منذورة ، فالحكم واحد لايختلف .
    قوله : ( والحلقُ بعدَها ) أي يُسن أن يكون الحلق بعد الذبح وبعد الأكل منها ، ولا يأكل ذلك اليوم إلا من أضحيته أولاً بخلاف عيد الفطر فإنه يأكل أولاً قبل أن يذهب إلى الصلاة ، أما بالنسبة لعيد الأضحى فإنه لا يأكل حتى يذبح أضحيته ثم يأكل منها .
    فالحلق يكون بعد أن يذبح أضحيته ؛ لأنه ممنوع من الحلق قبل ذلك .
    قوله : ( وإنْ أَكَلَها إلاَّ أُوقِيَّةً جازَ ) أي وأن أكل الأضحية كاملة فإنه يضمن الأوقية ، وإن لم يأكلها كاملة عزل أوقية فأعطاها للفقراء .
    قوله : ( وحَرُمَ على مُرِيدِها أَخْذُ شيءٍ من شَعْرِهِ وظُفُرِهِ وبَشرَتِهِ ) أي لا يجوز على من أراد أن يضحِّيَ أو يُضحَّى عنه ، وهذا هو الصحيح .
    وما قيل من بعض المتأخرين : إن من يُضحَّى عنه فلم يرد في الحديث وليس عليه أن يمسك ، فنَرُدُ عليهم بِمَن هو المضحي ؟ فإذا كان الرجل هو وأهل بيته سيُضحُّون ، فهم كلهم مُضَحُّون ، فإنه يُضحي عنه وعن أهل بيته ، فهم مُضَحًّى عنهم ، وهم يُعتبرون مُضَحُّون ، وإنما الفقهاء يقولون : أو يُضَحَّى عنه ، تفسيرًا وتوضيحًا ، وإلا ما الفرق بين هذا الذي يتولى الأضحية وبين غيره ؟ هو أشركهم معه في الأضحية ، فهل يقال المضحي هو الذي يشتريها ؟ حسنًا ، نقول : إذا أهدى شخص إليه شاة وقال : ضحِّ بهذه الشاة ، فهو لم يدفع فيها ثمنًا . إذَن ينتقض هذا ، أو هل هو الذي يتولى الذبح ؟ الذي يتولى الذبح قد يكون الجازر ، فإذن لا فرق بين صاحب البيت وأهل البيت لأنه أشركهم فأصبحوا مشتركين ، وكلهم مُضَحُّون .
    والصحيح أنهم كلهم يُمسِكون من الشعر والظفر ، ومن أخذ شيئًا فعليه أن يستغفر ربه ولا كفارة عليه .
    والبَشَرَةَ أيضًا ، فلا يأخذ أي لا يقطع من بَشَرَتِهِ ومن جلده ، ولا يأخذ من شعر البدون ، فجميع شعر البدن ممنوع أخذه والظفر والبشرة ؛ لأن بعض الروايات فيها : " ولا من بشَرته شيئًا " .
    قوله : ( في العَشْرِ ) من حين ما تدخل العشر ومن حين ما تغيب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة ، وهذا لغير الحاج على الصحيح ، وهذا الذي نراه .
    ومن المتأخرين من يقول : إن الحاج إذا أراد أن يضحي فهو مثل غير الحاج . وقالوا : نُخصِّص منه من اعتمر مُتمتعًا فإنه يأخذ . فنقول : إذَن انتقض كلامهم بأخذ الشعر للمتمتع .
    وكذلك الحاج إما أن يُهدي ، وإما أن يضحي وهو يُسمى هدي .
    وقيل : إن العلة أو الحكمة من منع المضحي أن يأخذ من شعره وظفره حتى يكون يعتق كامل بدنه من النار .
    وقيل : تشبهًا بالحاج . ونقول : لا يحتاج أن يتشبه ، وكيف يتشبه بغيره وهو حاج !
    وقالوا : أن يكون كاملاً . إذن إذا اعتمر وهو متمتع ذهب الشعر الذي حلقه ، ولا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم منع حاجًّا أو وضَّح للحجاج أن من كان يريد أن يضحي أن يمسك ، وإنما كان كلامه للذين لم يَحُجُّوا وهذا هو الواضح .
    ووضحنا هذا في " غاية المرام " بأكثر من هذا المقام .
    قوله : ( وتُسَنُّ العقيقةُ ) لاشك أن العقيقة مسنونة ، وهي ما يُذبح عن الغلام يوم سابعه ، وتكون يوم السابع على سبيل السنة ، فالمستحب أن تكون يوم السابع .
    قوله : ( وهي عن الغلامِ شاتانِ ) كما بيَّنه النبي r .
    وبعضهم يقول : تجزئه واحدة .
    وبعض العلماء يقولون : إذا لم يكن غنيًّا فتكفي واحدة ؛ لأن النبي r عقَّ عن الحسن والحسين شاةً شاةً .
    قوله : ( وعن الجاريةِ شاةٌ ) وأما الجارية فتكفي شاة واحدة .
    قوله : ( تُذبحُ يومَ السابعِ ) كما جاء في الحديث .
    قوله : ( فإنْ فاتَ فَفِي أربعةَ عَشَرَ فإنْ فاتَ فَفِي أحدَ وعشرينَ ) بعض العلماء يعترض على ذلك ، ويقول : الذي وَرَدَ يوم السابع فقط ، ثم بعد ذلك لم يثبت فيه شيء .
    والأَوْلَى العمل بِهذا فهو أحوط ، فإن فات يوم السابع ففي أربعة عشر ، فإن فات ففي أحد وعشرين ، فإن فات ففي أي يوم .
    قوله : ( ثم لا تعتبرُ الأسابيعُ ) أي بعد الواحد والعشرين .
    وهل يُعَقُّ للجنين إذا سقط ميِّـتًا ؟
    · من أهل العلم من يقول : أنه يُعق عن الجنين الذي بلغ أربعة أشهر في بطن أمه . وهو الذي اختاره سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
    · ومنهم من يقول : إنه لا يُعق عنه إلاّ إذا وُلِدَ .
    · ومنهم من يقول : إذا وُلِدَ حيًا وتَيَقَّنَّا حياته فيُعق عنه .
    · ومنهم من يقول : بل إذا بقي حيًّا إلى السابع لأن هذا وقت العقيقة ، فالذي يموت قبل وقتها لا يُعق عنه .
    وكلٌّ له وجهة نظر ، والعمل بالاحتياط هو الأولى ، وهو أن يُعق لمن بلغ في بطن أمه أربعة أشهر .
    قوله : ( وحكمُها كأُضحيةٍ ) أي يُنظَر في الغنم في أسنانها كما يُنظر في الأضحية ، وكذلك في طريقة الذبح ، وفيما يستحب وفيما يُكره فيها ، وكذلك في تقسيمها إلى ثلاثة أقسام : ثلث للفقراء ، وثلث للأصدقاء والأقارب ، وثلث لأهل البيت .
    واستحب بعض العلماء أشياء لم أجد لها دليلاً : وهي ألا يُكسر لها عظم تفاؤلاً بسلامة الصبي ، وتُنْزَع جَدُولاً ، وتُطبخ في شيء حُلوٍّ ، وهذه كلها يقولون من باب التفاؤل ، وأنا لا أعلم في ذلك دليلاً يُعتمد عليه .

    هذا والحمدالله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    المشاركات
    338
    جزاك الله خيرا يا شيخ عبدالمحسن وبارك الله فيك ونفع بك وبعلمك مجهود طيب جدا وشرح ممتع حقا جعل الله ذلك في ميزان حسناتك فقد استفدنا من اختياراتك والنقولات المؤيدة لذلك كما استفدنا من نقولات لم نكن قد اطلعنا عليها وهكذا هم اهل العلم ما تكاد ان تقرأ لهم حتى تستفيد فوائد اخرى وهكذا فبارك الله فيك يا شيخ ومتعنا بعلمك ..ونرجو ونكرر ان لا تطيلوا علينا ونحن بالانتظار للاستفادة من علمكم وتوجيهاتكم فجزاكم الله خيرا.

  9. #9
    حفظكم الله وبارك الله فيكم .
    قال شيخ الإسلام رحمه الله - : ( وقد اتفق أهل العلم بالأحوال ان اعظم السيوف التى سلت على أهل القبلة ممن ينتسب اليها وأعظم الفساد الذى جرى على المسلمين ممن ينتسب الى أهل القبلة انما هو من الطوائف المنتسبة اليهم فهم أشد ضررا على الدين وأهله ) مجموع الفتاوى ( 28 / 479 )

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    المشاركات
    46
    يرفع .....

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    الإمارات
    المشاركات
    170
    بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا ...
    [frame="2 80"]
    قال الإمام أحمد: أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأمنهم

    الإبانة( 2_ 475)
    [/frame]

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    \\\\\\\\\
    المشاركات
    2,713
    حفظكم الله وبارك الله فيكم .
    قال العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي{{ وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة -شبكة سحاب-المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛
    فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب }}


  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    بلاد الله
    المشاركات
    1,500
    بارك الله فيك
    قال الشيخ العلامة الإمام صالح الفوزان حفظه الله (( فلا يُقاوم البدع إلا العلم والعلماء ، فإذا فقد العلم والعلماء أتيحت الفرصة للبدع أن تظهر وتنتشر ولأهلها ما يشاءون ))


المواضيع المتشابهه

  1. من هم الشيعه ؟ منقول من كتبهم
    بواسطة ابواسحاق حمزه الليبى في المنتدى حقيقة الروافض
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-02-2012, 12:13 AM
  2. مقالات وفتاوى فى حج للامام ابن باز
    بواسطة ابواسحاق حمزه الليبى في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-29-2010, 02:05 PM
  3. من هم الشيعه ؟ منقول من كتبهم
    بواسطة ابواسحاق حمزه الليبى في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-05-2006, 11:54 PM
  4. بين الشيعة وأهل السنة
    بواسطة عسلاوي مصطفى أبو الفداء في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-28-2006, 10:47 PM
  5. عقيدة الشيعة المعاصرين في كتاب الله نرجوا من الجميع المشاركة
    بواسطة عسلاوي مصطفى أبو الفداء في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-21-2006, 08:23 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •