........وعليه أسست البدع والضلالات . فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم .

ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها . وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض . وحذروا فتنتهم أشد التحذير . وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش ، والظلم والعدوان . إذ مضرّة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد . وقد أنكر تعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده . بلا برهان من الله فقال : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } .

فكيف بمن نسب أوصافه سبحانه وتعالى ما لم يصف به نفسه ؟ أو نفى عنه منها ما وصف نفسه ؟ ... فذنوب أهل البدع كلها داخلة تحت هذا الجنس فلا تتحقق التوبة منه إلا بالتوبة من البدع .

وأنى بالتوبة منها لمن لم يعلم أنها بدعة ، أو يظنها سنة ، فهو يدعو إليها ، ويحض عليها ، فلا تنكشف لهذا ذنوبه التي تجب التوبة منها إلا بتضلعه من السنة . وكثرة إطلاعه عليها ، ودوام البحث عنها والتفتيش عليها ولا ترى صاحب بدعة كذلك أبدا .

فإن السنة - بالذات - تمحق البدعة . ولا تقوم لها . وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة ، وأزالت ظلمة كل ضلالة . إذ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشمس . ولا يرى العبد الفرق بن السنة والبدعة ، ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة ، إلا المتابعة ، والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله ، بالإستعانة والإخلاص ، وصدق اللجإ إلى الله . والهجرة إلى رسوله ، بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " ومن هاجر إلى غير ذلك فهو حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة . والله المستعان ) اهـ .


منقول من كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين للامام ابن القيم الجوزية رحمه الله .