اقرأ كلام شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله من اوله تفهم ماذا يقصد ولا تأخذ مايشبه به المرجئة نصرة لمذهبهم الخبيث
قال شيخ الاسلام ابن تيمية الحراني رحمة الله تعالى, في الفتاوى 10/354-355:
<< فَصْلٌ :
وَاعْلَمْ أَنَّ عَامَّةَ الْبِدَعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُلُومِ وَالْعِبَادَاتِ فِي هَذَا الْقَدَرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْأُمَّةِ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ : { مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي } . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا اسْتَقَامَ " وُلَاةُ الْأُمُورِ " الَّذِينَ يَحْكُمُونَ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ اسْتَقَامَ عَامَّةُ النَّاسِ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لِلْمَرْأَةِ الأحمسية لَمَّا سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ : " مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ " ؟ قَالَ : " مَا اسْتَقَامَتْ لَكُمْ أَئِمَّتُكُمْ " وَفِي الْأَثَرِ { صِنْفَانِ إذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ : الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ } أَهْلُ الْكِتَابِ وَأَهْلُ الْحَدِيدِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا } الْآيَةَ . وَهُمْ " أُولُو الْأَمْرِ " فِي قَوْلِهِ : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } .
وَكَذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِمْ يَقَعُ الْفَسَادُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ { إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ زَلَّةُ عَالِمٍ وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ } فَالْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ هُمْ الْأُمَرَاءُ ، وَالْعَالِمُ وَالْمُجَادِلُ هُمْ الْعُلَمَاءُ لَكِنَّ ( أَحَدَهُمَا ) صَحِيحُ الِاعْتِقَادِ يَزِلُّ وَهُوَ الْعَالِمُ كَمَا يَقَعُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ . و ( الثَّانِي ) كَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ منسلخون مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَإِنَّمَا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ دَفْعًا لِلْخَصْمِ لَا اهْتِدَاءً بِهِ وَاعْتِمَادًا عَلَيْهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ : { جِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ } فَإِنَّ السُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ تَدْفَعُ شُبْهَتَهُ .
وَالدِّينُ الْقَائِمُ بِالْقَلْبِ مِنْ الْإِيمَانِ عِلْمًا وَحَالًا هُوَ " الْأَصْلُ " وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ هِيَ " الْفُرُوعُ " وَهِيَ كَمَالُ الْإِيمَانِ .
فَالدِّينُ أَوَّلُ مَا يُبْنَى مِنْ أُصُولِهِ وَيَكْمُلُ بِفُرُوعِهِ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِمَكَّةَ أُصُولَهُ مِنْ التَّوْحِيدِ وَالْأَمْثَالِ الَّتِي هِيَ الْمَقَايِيسُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْقِصَصُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ثُمَّ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ - لَمَّا صَارَ لَهُ قُوَّةٌ - فُرُوعَهُ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجِهَادِ وَالصِّيَامِ وَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْمَيْسِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِهِ وَمُحَرَّمَاتِهِ .
فَأُصُولُهُ تَمُدُّ فُرُوعَهُ وَتُثَبِّتُهَا وَفُرُوعُهُ تُكْمِلُ أُصُولَهُ وَتَحْفَظُهَا فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ نَقْصٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّمَا يَقَعُ ابْتِدَاءً مِنْ جِهَةِ فُرُوعِهِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الصَّلَاةُ } وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ الْحُكْمُ بِالْأَمَانَةِ } و " الْحُكْمُ " هُوَ عَمَلُ الْأُمَرَاءِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } .
وَأَمَّا " الصَّلَاةُ " فَهِيَ أَوَّلُ فَرْضٍ وَهِيَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ مَقْرُونَةً بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا تَذْهَبُ إلَّا فِي الْآخِرِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ } فَأَخْبَرَ أَنَّ عَوْدَهُ كَبَدْئِهِ >>.