فاكهة مباركة :

اختارها الله تبارك وتعالى طعاماً لمريم البتول وقت مخاضها, فيقول في محكم آياته:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }مريم25. وأوصانا رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن نبدأ به فطورنا بعد الصيام, وهذه السنة النبوية المطهرة فيها إرشاد طبي وفوائد وحكماً عظيمة. فعن أنس – - "أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات, فإن لم تكن رطبات فتمرات, فإن لم تكن تمرات حسـا حسـوات من الماء". رواه أبو داود والترمذي. عندما يبدأ الصائم في تناول إفطاره فإنه يحتاج في تلك اللحظات إلى مصدر طاقة سريع يدفع عنه الجوع ويصل بأسرع ما يمكن إلى المخ وسائر الأعضاء لإمدادها بالطاقة. وأسرع المواد الغذائية في الهضم والامتصاص والإمداد بالطاقة هي السكريات, فالجسم يستطيع امتصاصها بسهولة خلال دقائق معدودة, خاصة لو كانت المعدة والأمعاء خالية كما هو الحال في الصيام وكانت تلك السكريات في الصورة الأحادية.

وإذا أمعنا النظر في نص الحديث الشريف السالف الذكر فإننا نجد أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدم الرطبات على التمرات للصائم عند فطوره, خلافاً لأحاديث أخرى تقدم التمر عند التصبح بها (لقوله صلى الله عليه وسلم " من تصبح بسبع تمرات لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر " الحديث, وقوله صلى الله عليه وسلم "نعم سحور المؤمن التمر" رواه ابن حيان والبيهقي), ولعل في ذلك رحمة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالمسلمين, فنوعية السكريات الغالبة بالرطب تختلف عن تلك الغالبة بالتمر. وبصفة عامة فإن السكريات الموجودة في التمر أغلبها من نوعين السكريات الأحادية (الجلوكوز) والسكريات الثنائية (السكروز). وتعتبر السكريات الأحادية الأسهل امتصاصا والأسرع انتقالا للدم مباشرة، ولا يستغرق امتصاص هذه النوعية من السكريات وانتقالها في الدم ووصولها إلى أعضاء الجسم المختلفة إلا دقائق معدودة. أما السكريات الثنائية (السكروز) فيجب أن تمر بعمليات كيميائية حيوية تتحول فيها هذه السكريات الثنائية إلى سكريات أحادية حتى يمكنها التحرك في الدم لتحقيق الغاية المطلوبة منها. ومن البديهي أن الوقت اللازم لاستفادة الجسم من السكريات الثنائية أطول مقارنة بالسكريات الأحادية. ويوضح لنا جدول (2) أن الرطبات تحتوي على نسبة عالية جداَ من السكريات الأحادية فيكون تأثيرها أسرع بينما تحتوي ثمار التمر على نسبة عالية من السكريات الثنائية مما يتطلب وقت أطول لتحويلها عن طريق الهضم إلى سكريات أحادية وهنا تجلت عظمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما طلب من المسلمين أن يكون فطورهم في شهر رمضان على رطبات، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم آياته [ "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}" سورة النجم]. ولعل الله تعالى قد أمر مريم أن تأكل رطبات وقت مخاضها لحاجتها السريعة للطاقة التي تعينها على عملية المخاض.