س: قرأت في كتاب ألف في لغتنا حيث يقول مؤلفه: إن موقف الأئمة أصحاب المذاهب في الإسلام ( أبو حنيفة ، وأحمد ، ومالك ، والشافعي ) وغيرهم كموقف بولس في دين المسيح ، إذ يصرفون الناس من الحقيقة إلى أهوائهم مع وجود الأدلة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاءوا بآرائهم بعد هذه الأدلة ، فما هو الرد عليه؟ ويقول: إن مقلدهم وتابعهم كافر حيث يتبعون الناس ويتركون ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم .

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد:
ج: أولا: إن أئمة المذاهب الأربعة وهم أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل من فضلاء أهل العلم ، ومن أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أهل الاجتهاد والاستنباط للأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية . وما قاله المؤلف المذكور من أنهم يصرفون الناس عن الحقيقة ، ويتبعون أهواءهم ، كذب وبهتان عليهم ، وليس مقلدهم بكافر . فإن الإنسان إذا لم يكن من أهل المعرفة بالأحكام واتبع أحد المذاهب الأربعة فإنه لا حرج عليه في ذلك ، وقد صدر منا فتوى في المذاهب الأربعة هذا نصها: " المجتهدون من الفقهاء كثير ، وخاصة في القرون الثلاثة التي شهد لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخير ، وقد اشتهر من بينهم على مر السنين أربعة: أبو حنيفة النعمان بن ثابت في العراق ، وأبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي في المدينة المنورة ، وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي القرشي عالم قريش وفخرها ، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، إمام أهل الحديث وقدوتهم وفقيه أهل العراق في زمانه .
وأسباب شهرتهم كثيرة ، منها: انتشار مذهبهم في البلد الذي نشئوا فيه أو ارتحلوا إليه على مقتضى السنة الكونية ، كأبي حنيفة وأحمد رحمهما الله في العراق ، ومالك في المدينة ، والشافعي في مكة ومصر .
ومنها: نشاط تلاميذهم ومن أخذ بمذهبهم وبنى على أصولهم واجتهادهم في الدعوة إلى مذهبهم في بلادهم ، أو البلاد التي رحلوا إليها ، كمحمد بن الحسن وأبي يوسف مثلا في العراق ، وابن القاسم وأشهب في مصر ، وسحنون في المغرب ، والربيع بن سليمان في مصر ، وتلاميذ الإمام أحمد في الشام والعراق .
ومنها: تبني الحكومات للمذهب ولعلمائه ، وتوليتهم إياهم المناصب ، كالقضاء ، وفتحهم المدارس لهم ، وإغداق الخير عليهم من أوقاف وغيرها . ولم يدع أحد منهم إلى مذهبه ، ولم يتعصب له ، ولم يلزم غيره العمل به أو بمذهب معين ، إنما كانوا يدعون إلى العمل بالكتاب والسنة ، ويشرحون نصوص الدين ، ويبينون قواعده ، ويفرعون عليها ، ويفتون فيما يسألون عنه ، دون أن يلزموا أحدا من تلاميذهم أو غيرهم برأي بعض ، بل يعيبون على من فعل ذلك ، ويأمرون أن يضرب برأيهم عرض الحائط إذا خالف الحديث الصحيح ، ويقول قائلهم: " إذا صح الحديث فهو مذهبي " .
ولا يجب على أحد اتباع مذهب بعينه من هذه المذاهب ، بل عليه أن يجتهد في معرفة الحق إن أمكنه ، ويستعين في ذلك بالله ثم الثروة العلمية التي خلفها السابقون من علماء المسلمين لمن بعدهم ، ويسروا لهم بها طريق فهم النصوص وتطبيقها ، ومن لم يمكنه استنباط الأحكام من النصوص ونحوها لأمر ما عاقه عن ذلك ، سأل أهل العلم الموثوق بهم عما يحتاجه من أحكام الشريعة ، لقوله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وعليه أن يتحرى في سؤاله من يثق به من المشهورين بالعلم والفضل والتقوى والصلاح " .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .


اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء


الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس : عبد الرزاق عفيفي
عضو : عبد الله بن غديان
عضو : عبد الله بن قعود