فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
س : هذا المستمع يقول : بعض الأئمة – هداهم الله – في رمضان يطيل الدعاء والقنوت ولا يقرأ في التراويح إلا نحوا من أربعة أوجه من المصحف ، وبذلك يكون الدعاء عندهم فيه اعتداء وليس من جوامع الكلم فما رأي سماحتكم في ذلك ؟
ج : الحقيقة أن بعض الأئمة هداهم الله يخطئون في إطالة الدعاء في القنوت ويغفلون عن تدبر القرآن والاتعاظ به وقراءته بخشوع وخضوع لله تعالى فيقرؤون القرآن هذا دون تدبر لمعانيه ولا خشوع فيه والله جل وعلا يقول : ( لَوْ أَنْـزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) فحري بنا جميعا أن نحرك الشجون بالقرآن ونقرأه بتدبر وخشوع واعتبار واتعاظ بمواعظه وتحسين الصوت بقراءته قراءة وسطا بين الطول والقصر ، لذلك فإن من الخطأ ترك السنة ما يحصل من بعض الأئمة هداهم الله من الصدود عن القرآن والإخلال بقراءته ، فقد لا يقرأ إلا آيتين أو أربع آيات ونحوها يقرؤها هذا بعجلة ويقصر الركوع والسجود مما يخل بركن الطمأنينة كل ذلك لأجل أن يطيل في الدعاء فتجده يكرر الدعاء ويعيده ويتباكى ويحاول التباكي مما يؤدي إلى إطالة الوقت على المصلين وإيقاعهم في الحرج والمشقة ، لا سيما كبار السن ، فيسأمون الصلاة ويملون الدعاء ، وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله لا يمل حتى تملوا ، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل " رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني ونتيجة للإطالة في الدعاء نجد أنه يستغرق ثلث الوقت الذي تؤدى فيه صلاة التراويح ، وقد يستغرق عند بعض المأمومين نصف وقت الصلاة بل قد يزيد على النصف عند بعضهم وهذا خلاف السنة ، فهلا كانت الإطالة والبكاء والعبرات في قراءة القرآن وفي الركوع والسجود ، وهذا هو الموافق للسنة والذي عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولنا في رسول الله الأسوة والقدوة الحسنة ومن المحاذير التي يقع فيها بعض المأمومين إضافة إلى طول الدعاء أن يدعو بدعاء مخترع لا أصل له ، وقد يشتمل على طلب ما لا يمكن ، أو فيه نظر ، وهذا من الاعتداء في الدعاء ، فبعضهم يقول : اللهم إني أطعتك فيما أمرتني به ، هذه العبارة لم يقلها أبو بكر الصديق رضي الله عنه أفضل الخلق وأتقاهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكيف بنا والتقصير فينا والإساءة حاصلة منا .
يا إخواني ، ننظر في واقعنا ، هل أطعنا الله في كل ما أمرنا به ؟ لا أحد منا يستطيع أن يقول : نعم ، نحن نعرف أنفسنا ، كل يعرف نفسه ، ( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، وهل نستطع أن نقول : اجتنبنا كل ما نهيتنا عنه فاغفر لنا ؟ إخواني هذه أمور لا يجوز أن تصدر منا ، والله سبحانه أعلم بنا من أنفسنا ، ومطلع على جميع أعمالنا وأقوالنا ، لا يخفى عليه منها شيء ونحن نعرف واقع أنفسنا ، وكل فرد منا يعلم أنه مقصر في واجب ومخل بواجب ، أو واقع في محذور ، فلنتق الله في أنفسنا ولندعُ بالدعاء النبوي المأثور ولنأخذه من كتب السلف السليمة مثل : رياض الصالحين في باب الأذكار ، أو الأذكار النووية ، أو مختصر ابن باز (تحفة الأخيار في الأوراد) فلو رجعنا إليها لاستفدنا منها فائدة عظيمة ، ودعونا الله بجوامع الكلم ، يا إخواني يقول أنس بن مالك - رضي الله عنه – خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان عامة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، وإن دعا بغيرها جعلها من ضمن الدعاء ، وتقول عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فبماذا أدعو ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : قولي : " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ، رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي .