السؤال 43 : وقد سئل فضيلة الشيخ احمد بن يحيى النجمي ؛ حفظه الله بما يحفظ به عباده الصالحين سؤالاً شبيهاً بالسؤال السابق ثم عن حكم التمثيليات الإسلامية , ومشاهدتها , فقال السائل في سؤاله جزاه الله خيراً :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : نحمد إليكم الله والذي لا إله إلا هو , وندعوه أن يمدكم بعونه وتوفيقه , ويهبكم القدرة على خدمة الإسلام , ونفع المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم وبعد :
فيعلم فضيلتكم ؛ ما انتشر في هذا الزمان من المشاهد التمثيلية, والأناشيد بين طبقة من الشباب ولا سيما في المراكز الصيفية , وغيرها من المناسبات , ويجعلون الإسلام ستاراً لها , فيقولون : إن المشاهد التمثيلية ؛ تعالج كثيراً من المشكلات ؛ التي عجز عنها الدعاة , والمصلحون , وحجتهم على ذلك : أن المشاهد لهذه التمثيليات ؛ ترسم في عقله الصورة , والصوت , فيكون ذلك دواءً شافياً لما يصيبه من أمراض اجتماعية , وغيرها , ولذلك نراهم يسمونها بالتمثيليات الدينية , والأناشيد الإسلامية , وقد دفعنا ما نسمع من أصحاب هذه الأقوال الزائفة إلى الكتابة إلى فضيلتكم ؛ راجين من الله ثم من فضيلتكم بيان حكم الله ورسوله في هذه التمثيليات , والأناشيد ؛ لتعم الفائدة ويبين الحق سائلين الله تعالى لكم العون , والتوفيق والسداد إنه ولي ذلك , والقادر عليه ؟
الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , ومن الله استمد منه العون , والتوفيق , والسداد :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه , وبعد :
أولاً : التمثيل : فالذي يظهر لي فيه التحريم ؛ لأنه ينبني على أمور محرمة , وهي كالتالي :
1 – الكذب : لأن التمثيل لا يقوم إلا على الكذب , ولا ينبني إلا عليه , ولا يتم إلا به , والكذب حرام لا يشك مسلم في تحريمه , فقد ذمه الله تعالى في كتابه العزيز , وذم فاعليه ؛ بل لعنهم , فقال جل وعلا : { ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } [ آل عمران : 61] وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن الكذب يهدي إلى الفجور , وإن الفجور يهدي إلى النار )) الحديث .
2 – التزوير والإدعاء بالباطل : وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من ادعى ما ليس له فليس منا )) الحديث .
3 – التصنع : فإن الممثل يتصنع البكاء أو الضحك أو الحزن أو الفرح أو الغضب أو الرضى , وهو كاذب .
4 – تقمص الشخصية : فقد يتقمص المسلم شخصية الكافر , وقد يتقمص الكافر أو الفاسق شخصيه مؤمنة من كبار الشخصيات في الإسلام ؛ إما أن يكون صحابياً أو عالماً جليلاً أو ملكاً عادلاً , وهذه جريمة عظمى .
5 – استحلال الممثلين لهذه الأمور المحرمة : علماً بأن حكاية إنسان لإنسان في هيئته أو مشيته أو كلامه غيبة , والغيبة محرمة , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أحب أني حكيت أحداً وأن لي كذا وكذا )) الحديث .
6 – أنها تعلم الخيانات , والفجور : وأن دعوى الإصلاح تسبقها أو تكذبها المفاسد ؛ التي وقعت بسب مشاهد التمثليات الفاسدة .
7 – أن الممثلين ممن ينتمون إلى الإسلام ؛ خدموا المستشرقين ؛ أعداء الإسلام ؛ أعظم خدمة : فهم يأخذون روايات مدسوسة على قادة الإسلام , ورجال الإسلام ؛ والمقصود منها الحط من أقدارهم فيأخذها هؤلاء الممثلون , وينشرونها , فإما أن يفطنوا لها , ويعجبهم ذلك , وإما لا يفطنوا لها , وإما أن يظنوا صحتها , ويكونون بذلك قد خدموا المستشرقين , ووضعوا من شأن الإسلام , ورجاله , وهذا غاية الإساءة إلى الإسلام , وأهل الإسلام ؛ بل قد يصل بفاعله إلى الكفر .
8 – أن الصحابة ومن بعدهم قد تاثروا بسماع القرآن , والسنة , والمواعظ , ولم يحتاجوا إلى التمثيل .
ثانياً : الأناشيد : فنحن نقول : إن الشعر غير المبتذل , والذي يكون فيه تشجيع على الجهاد , وإغراء بالفضائل , وإشادة بالفضلاء أو منع من الرذائل , وتنقص لأصحابها , والذي لا ينتهك فيه عرض المسلم بغير حق , ولا يكون فيه إطراء بغير حق ؛ هذا النوع من الشعر كان يقال عند النبي صلى الله عليه وسلم فيسمعه وقد سمعه في مسجده ؛ لذلك , فنحن نقول : إذا كان شعر الأناشيد من هذا القبيل , وغناه شخص واحد , وكان ذلك في بعض المناسبات غير مستكثر منه , ولا منشغل به عما هو أهم , فلا مانع أما إن اتخذ ديدنا , ولحنه ملحن , وتابعه فرقة , فقالوا بصوت جماعي , فهذا فيه ثلاث بدع :
الأولى : بدعة التلحين : وهو تكسير الصوت على نغمة موسيقية .
الثانية : بدعة الاجتماع على إنشاده ؛ لأن السلف لم يكن عندهم هذا .
الثالثة : أننا لا نعلم أحداً يدين الله بالغناء إلا الصوفية , وإني أخشى إن طال الزمان بعد ذلك أن يتخذوا الغناء عبادة , وقد بدأ الصوفية الغناء بتلحين أشعار الزهد , والتشويق إلى الجنة ثم أضافوا إليه الطقطقة قال الشافعي رحمه الله تعالى : ( خلفت بالعراق شيئاً أحدثته الزنادقة ؛ يسمونه التغيير يشغلون به الناس عن القرآن ) انتهى .
قال ابن الجوزي بعد أن نقل عن الشافعي ما سبق : ( وقد ذكر أبو منصور الأزهري المغيرة , وهم قوم يغيرون بذكر الله بدعاء , وتضرع , وقد سموا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر الله عز وجل تغييراً ) انتهى .
وقال الزجاج : ( سموا مغيرين بتزهيدهم الناس في الفاني وترغيبهم في الآخرة ) انتهى .
وروى أبو الحارث عن الإمام أحمد أنه قال : ( التغيير بدعة ) فقيل له : إنه يرقق القلب , فقال : ( إنه بدعة ) انتهى....
إذا علم هذا , فإني أخشى إن طال بالناس الزمان أن ينقلهم الشيطان إلى اتخاذه عبادة , وان يخلطه لهم بغيره من المحرمات ؛ كالضرب , والرقص كما فعل ذلك مع الصوفية ؛ أعاذنا الله تعالى مما ابتلاهم به وصلى الله على سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه .
هذه فتوه منتقاة من كتاب الاخ حسن بن محمد بن منصور الدغريري وكتابه يحتوي على مجموع من فتاوى الشيخ احمد النجمي وقد اقتطفت لك فتوى بنفس محور الموضوع