2- الكتاب : الجنى الداني في حروف المعاني
المؤلف : ابن أُمّ قَاسِم المرادي

الهمزة
حرف مهمل، يكون للاستفهام، وللنداء. وما عدا هذين، من أقسام الهمزة، فليس من حروف المعاني.
فأما همزة الاستفهام فهي حرف مشترك: يدخل على الأسماء والأفعال، لطلب تصديق، نحو: أزيد قائم؟ أو تصور، نحو: أزيد عندك أم عمرو؟ وتساويها هل في طلب التصديق الموجب، لا غير.
فالهمزة أعم، وهي أصل أدوات الاستفهام. ولأصالتها استأثرت بأمور، منها تمام التصدير بتقديمها على الفاء والواو وثم، في نحو " أفلا تعقلون " ، " أو لم يسيروا " ، " أثم إذا ما وقع " . وكان الأصل في ذلك تقديم حرف العطف على الهمزة، لأنها من الجملة المعطوفة. لكن راعوا أصالة الهمزة، في استحقاق التصدير، فقدموها بخلاف هل وسائر أدوات الاستفهام. هذا مذهب الجمهور.
وذهب الزمخشري إلى تقدير جملة، بعد الهمزة، لائقة بالمحل، ليكون كل واحد من الهمزة وحرف العطف في موضعه. والتقدير: أتجهلون فلا تعقلون؟ ونحو ذلك. وضعف بعدم اطراده، إذا لا يمكن في نحو " أفمن هو قائم على كل نفس " ، وبأن فيه حذف جملة معطوف عليها، من غير دليل. قيل: وقد رجع إلى مذهب الجماعة في سورة الأعراف.
ثم إن همزة الاستفهام قد ترد لمعان أخر، بحسب المقام، والأصل في جميع ذلك معنى الاستفهام.
الأول: التسوية: نحو " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " . قال بعض النحويين: لما كان المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم، وكذا المسوي، جرت التسوية بلفظ الاستفهام. وتقع همزة التسوية بعد سواء، وليت شعري، وما أبالي، وما أدري.
الثاني: التقرير: وهو توقيف المخاطب على ما يعلم ثبوته أو نفيه. نحو قوله تعالى " أأنت قلت للناس: اتخذوني " .
الثالث: التوبيخ: نحو " أأذهبتم طيباتكم، في حياتكم الدنيا " . وقد اجتمع التقرير والتوبيخ في قوله تعالى " ألم نر بك فينا وليداً " .
الرابع: التحقيق: نحو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين، بطون راح
الخامس: التذكير: نحو " ألم يجدك يتيماً فآوى " .
السادس: التهديد: نحو " ألم نهلك الأولين " .
السابع: التنبيه: نحو " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء " .
الثامن: التعجب: نحو " ألم تر إلى الذين تولوا قوماً، غضب الله عليهم " .
التاسع: الاستبطاء: نحو: " ألم يأن للذين آمنوا " .
العاشر: الإنكار: نحو " أصطفى البنات على البنين " .
الحادي عشر: التهكم: نحو " قالوا: يا شعيب أصلاتك " .
الثاني عشر: معاقبة حرف القسم: كقولك: آلله لقد كان كذا. فالهمزة في هذا عوض من حرف القسم. وينبغي أن تكون عوضاً من الباء دون غيرها، لأصالة الباء في القسم.