النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: البيــع بالتقسيـــط محـــرم بكـــل صــوره

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2003
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    10

    البيــع بالتقسيـــط محـــرم بكـــل صــوره

    السلسلة السلفية لإحياء سنن خير البرية صلى الله عليه وسلم


    (البيــع بالتقسيـــط محـــرم بكـــل صــوره)

    السائـــل: يــوم الخميــس بالذات قبـل يـوم الجمعــة في مجلـس ، باختصــار الحديـث تكلــم أحــد النــاس علــى لسانــك ، قــال: أنــا ذهبــت إلـى الشيــخ ناصــر وأفتانــي بأن البيــع بالتقسيــط حــرام.

    قلــت لــه: يــا أخ ، أجبتــه مــا يلــي: قلــت لــه: هــذه الفتــوى وأرجـــو أن تتقــي الله فيهـــا.
    البيــع بالتقسيـــط ربــما لـم تُعطــي للشيــخ الســؤال الصحيــــح.

    إذا أنــا جئــت علــى الشيــخ ، وقلــت لــه هــذه دار بكــم ثمنهـــا؟
    فقـــال لـي الشيـــخ: طلبـــتُ مثـــلاً بألـــف دينـار.
    قلــت: والله يـا شيــخ أنــا لا أملــك إلا أن أدفـــع (500) ، وأن تُقســـط علـــي مائـــة ، مائـــة (100) (100).
    هـــذا أمــرٌ لا أظــن أن الشيــخ يحرمـــه.

    ولكـــن إذا أنــا قلــتُ لهـذا الشيــخ هــذه الدار بألـف (1000) ، فلمــا علــم الشيـــخ أنــي لا أملــك الألــف (1000).
    قــال لــي: هــذه الدار بألــف ومائتيــن (1200) ، هـذه حـرام.

    فــلا أدري هــذه الصــورة هكــذا وردت ، أم كانــت صــورة البيــع بالتقسيـــط أنـــك حرمتهـــا كليـــــة؟


    الشيـــخ رحــمه الله تعالــى: صـــدق من قـــال ، صـــدق من نقــــل إليــك ، أنــي أحـــرم بيــع التقسيـــط بالكليــة.

    والتفصيــل الذي ذكرتَــه إن كنــتُ فهمتُــه فهـــو غيـــر معقـــول لا شرعــــاً ولا عقــــــــلاً.
    وأنـــا أراك تذكـــر العقـــل كثيــراً ، لأن الحقيقــة الأحكـــام الشرعيــــة لا يمكـــن فهمهـــا إلا بالعقـــل.

    فمــا الفــرق بيـن الصـــورة هــذه التــي لا تجــوز ، والصــورة التــي تجـــوز؟
    ليـــس هنـــاك إلا فـــرق شكلـــي محـــــض.
    بمعنــى: إذا قــال القائـــل هـــذه المسجلـــة بمائـــة (100) دينـــار نقـــداً ، وبمائـــة وعشـــرة (110) دنانيــر نسيئــة.

    لمــاذا هــذا لا يجــوز؟ ، وإذا قـــال لــه ابتــداءاً هــذه المسجلـــة تقسيــط (110) مائتتة وعشــــرة تجــــوز.

    مـــا الفـــرق بيـــن هــذه الصـــورة وتلـــك؟
    ومــا الحكمـــة مـــن التفريــــــق؟

    السائــــل: الجــواب ، إذا سمحـــت لـــي فضيلتــك

    الشيـــخ: تفضــــل.

    السائــــل: جئـــت إليــك فقلــتَ لــي: هــذه المسجلــة بـ (100) دينـــار.
    قلـــتُ لـــك: أدفـــع (50) ، وتُقســـط علـــي الباقـــي ، هــذه الصـــورة ، يعنـــي إذا أنـــا جئتـــك هـــذه (50) وتُقســـط علـــي (50) ، ومــوش شـــارط أعطيـــك (10) دنانيـــر.

    هـــذه الصـــورة هـــل هنـــا صـــار حــرام؟ إيــش حـــرام؟

    أمـــا الحــرام يحـــدث إذا جئــت لــك مباشـــرة وقلــتَ لــي: (200) دينـــار تقسيـــط ، يعنـــي لــما أن قلــت: بكـــم هـــذه السلعــــة؟
    قلــتَ: (200) دينـــار تقسيـــط فمـــا وجـــه الحــرام فيهــــا؟
    أنـــت قلــتَ: (200) دينـــار تقسيـــط ، مـــا اتفقنـــا فـــي السلعـــة ، أنـــت أعطيتنــي السعـــر دون أن نقـــول (100) و (120).

    الشيــــخ رحمــه الله تعالـى: هــذا الـذي قلــتَ آنفـــاً ، قلـتَ: إيـــش الفـــرق بيــن هــذه الصــورة ، وهــذه الصــــورة.

    والآن نمشـــي ، ونمضـــي فـــي التفاهـــم.
    مسجلــــة نقـــول: بالتقسيـــط (200) ، أنـــت بائـــع قلـــت هــــذا؟

    السائـــل: نعــــم.

    الشيــخ رحمـــه الله تعالــى: قلـــتُ لــك: طيـب بكـــم بالنقــــد؟
    قلـــتَ: مائتيـــن إلا عشـــرة (190).

    السائــــل: نعــــم.

    الشيـــخ رحمـــه الله تعالـــى: ثــم بعــد ذلــك ، أنــا اشتريـــت ، إمــا نقـــداً ، وإمـــا نسيئــــة.
    جـــاز هـــذا ولا مـــا جــــاز؟

    السائــــل: طبعـــاً إذا سمحـــت حســـب مــا يقـــول بعـــض الفقهـــــاء.

    الشيـــخ رحمـــه الله تعالــى: دعنـــي ومــا يقولـــون ، قــل أنـــت مـــا تريـــد أن تقولـــه.

    السائـــل: مـــن خلال المقارنـــة الفقهيـــة ، لا أقـــول ذلــك ، لأن تقـــول الربـــا قــد دخـــل.

    الشيـــخ: كويـــس هـــذا ، الــذي نقلـــه إليـــك الرجــل.

    السائـــل: هــو نقــل الصــورة الأولــى ، فأنــا ناقشتـــه قلـــت: إذا جئــت إلــى محــل ، الصـــورة التــي نقلهـــا عنــك ، قلـــتُ: رجـــاء أن تلطـــف فيهـــا ، يعنــي نقــل صـــورة مباشـــرة ، لأنـــي أنـــا جئـــت عنــد أبــو أحمـــد ، ويعــرف أبــو أحمـــد أننــي لا أملـــك الثمــن ، هـــو مسبـــق كــان يعـــرف أنـــي لا أملــك الثمــــن.
    قـــال لــي رأســاً لا نقـــداً أولاً هــذه المائتيــن أقســط لــك فيهـــا تقسيــــط.
    لــم نقـــف علـــى النقـــد.

    الشيـــخ رحمـــه الله تعالـــى: يـــا أخـــي هــذه الصــورة هـــي نفسهـــا ، هـــذا الــذي جـــاء إلــى أبــو زيـــد الهلالــي ، ويعـــرف أبــو زيــد الهلالــي أن هــذا الـــذي جــاء ، الزبـــون مـــا عنـــده فلـــوس ، يـــود أن يشتـــري نقـــداً.
    وهــذا البائـــع عـــادة يبيـــع بسعريــــن.

    السائــــل: نعــــم.

    الشيـــخ رحمـــه الله تعالـــى: فلمــا جـــاء الرجــل عنـــد أبـــو زيـــد ، وأبـــو زيـــد يعـــرف أنــه يريــد أن يشتـــري بالتقسيـــط ، أعطـــاه سعــر التقسيـــط.

    السائـــل: صحيــــح.

    الشيـــخ رحمــه الله تعالـــى: هــذا لا يجــوز ، لأنــه أخــذ منــه زيــادة فــي الثمــن مقابــل الصبــر فــي الوفــاء علــى أخيــه المسلــــم .
    وهــذا الــذي لمــا حققــت معــك ، وقلـــتُ لــك دع مــا يقـــول ، قـل أنــتَ مــا الــذي تــرى؟ قلــتَ: أنــا أرى ، أنــا هــذا مــن بــاب الربــــــا.

    السائـــل: صحيــــح.

    الشيـــخ رحمــه الله تعالــى: فالقضيــة ليســـت علاقـــة شكليـــة أنــه والله ذكــر ثمنيــن نقــداً بكــذا ، وتقسيــط بكــذا هــذا لا يـجوز، لكـــن إذا ذكــر ثمــن التقسيــط فقــط هــذا يجــوز ، هـــذه شكليـــة محضـــة ، مــا يقولهــا إنســـان فقيـــه وعاقـــل.
    لأنـــه لمــا يقـــول: نقـــداً بمائـــة (100) ، وبالتقسيــط مائـــة وعشـــرة (110) ، مفهـــوم أنـــه هـــو أخــذ العشـــرة مقابــــل إيــــش؟ الديـــن ، صَّحْ؟

    السائــــل: صحيـــح.

    الشيـــخ رحـمه الله تعالــى: طيـــب ،ثمـــن النقـــد مــا ذكـــره ، ذكـــر ثمـــن التقسيـــط فــــوراً.
    مثـــل مــا أنـــت حكــى لـــك ذاك الرجـــل ، ذكـــر ثمـــن التقسيـــط فـــوراً ، يعنــــي (110).

    فلـــو قيـــل لـــه: طيـــب بكـــم نقـــداً ، سيقـــول: مائــــة (100).

    السائـــــل: صحيــــح.

    الشيـــخ رحمــه الله تعالــى: لذلـــك ، الصـــورة التـــي نقلهـــا لــك ، فهـــي صـــورة صحيحـــة ، بعـــد مــا أنـــت أوضحـــت بـــأن أبـــو زيـــد يعـــرف أن هـــذا جــــاء ومـــا معــــه فلـــــوس.

    السائـــل: صحيـــــح.

    الشيـــخ رحــمه الله تعالــى: فهـــو رايـــح يقــدم لــه ثمــن التقسيـــط ، أي سيطلـــب منـــه ثمـــن النقـــد زائــد ثمـــن التقسيــــط.

    وهنـــا نحــن نقـــول بهـــذه المناسبـــة ، الـذين يبيعــون بالتقسيـــط يــربحــوا ثلاثـــة أربـــاح ولَّا ربحيــن.

    أولاً: يربـــح ربـــح النقـــد ، الــذي هــو حــلال ، نفتــرض مثــلاً زيـــد مــن النـــاس واضـــع برنامـــج ، يقـــول: أنــا بــودي أربــح فـي المائــة (100) عشــرة (10) يكفينــــي هـــذا.
    لكـــن بالتقسيـــط بـــِدِّي خمســـة عشــر (15).
    فهــذا الــذي يبيــع بالتقسيــط يربــح ربحيــــن:

    - ربـــح النقـــد الــذي هــو بالمائــة عشـــرة
    - وربـــح التقسيـــط الــذي هــو زائــد بالمائــة خمســة ، فهــو يربــح بالمائـــة خمســـة عشـــر ، شايـــف؟

    السائـــــل: صـــــح

    الشيـــخ رحمــه الله تعالــى: هــذه الزيــادة مقابــل مـــاذا؟
    مقابـــل الصبـــر عليــــك.

    السائــــل: نعــــم.

    الشيـــخ رحمـــه الله تعالــى: وهـــذا لا يجــــوز

    وبــهذا القـــدر كفايـــة والحمــد لله رب العالميـــــن.

    انتهـــى كلامـــه رحمـــه الله تعالـــى رحمــة واسعـــة



    الكاتب: أبــو تقـــي الديــن ناصــر الديـــن
    الجزائر يوم: 04/ذو القعدة/1424.




    اللهم ارحم الشيخ العلامة الألباني

  2. #2
    تنبيه المُتَوَرعِين
    إلى جواز التقسيط بإجماع المسلمين

    ( منا قشة للعلامة الألباني – رفع الله منزلته – في تحريمه البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن )










    كتبه
    حمد بن عبد العزيز بن حمد ابن عتيق

    الرياض
    1420هـ






    بسم الله الرحمن الرحيم


    وبعد : فقد ذهب العلامة الألباني _ رحمه الله _ في المجلد الخامس من السلسلة الصحيحة إلى تحريم البيع بالأجل مع زيادة في الثمن واستدل _ رحمه الله _ على ما ذهب إليه بأدلة من السنة ، ثم أردفها بأقوال عن السلف ظاهرها تحريم ذلك مطلقاً .
    ولقد طلب مني أخي وشيخي الفاضل : أبو عمر عبد العزيز بن ريس الريس مراجعة المسألة ، فاستعنت بالله على ذلك ، رغم قلة بضاعتي – والله – لكن حسبي أني بذلت وسعي في ذلك ، فالله أسأل أن يجزي العلامة الألباني خيراً وأن يجزل لأخي أبي عمر المثوبة إنه ولي ذلك والقادر عليه .
    فهذه الأوراق هي خلاصة ما توصلت إليه في هذه المسألة ، راجياً من الله أن يوفقني فيها للصواب ، وأن يجعلها خالصة لوجهه ، ذخراً لي عنده إنه سميع مجيب .
    كتبه : حمد بن عبد العزيز ابن عتيق
    20/9/1420هـ
    الرياض
    المبحث الأول :- بيان صورة المسألة :
    المراد بالمسألة هنا ما إذا أراد البائع أن يبيع سلعته نسيئة بزيادة عن ثمن النقد ، كأن يقول : هذه السيارة بقيمة عشرة آلاف نقداً وبخمسة عشر ألف بعد سنة . فيقع البيع بينهما على أحد العرضين .
    المبحث الثاني :- الأقوال التي ذكرها الألباني في المسألة.(1)
    قال الشيخ الألباني – رحمه الله – لقد اختلف العلماء في ذلك قديماً وحديثاً على ثلاثة أقوال :
    الأول :- أنه باطل مطلقاً . وهو مذهب ابن حزم .
    الثاني:-أنه لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما ، ومثله إذا ذكر سعر التقسيط فقط.
    الثالث:- أنه لا يجوز ، ولكنه إذا وقع ودفع أقل السعرين جاز .
    ثم رجح – رحمه الله – القول الثالث ، وذهب إلى أن أضعف الأقوال هو القول الثاني .
    المبحث الثالث :- الأقوال التي ذكرها غير الألباني في المسألة .
    لقد جمع الألباني – رحمه الله – بين مسألتين فرق بينهما غيره من العلماء ، إحداهما مختلف فيها ، والأخرى متفق عليه كما سيأتي – إن شاء الله – .
    أما الأولى : فهي ما إذا وقعت بيعتان في بيعة واحدة ، بأن يقول البائع : أبيعك هذه السلعة بكذا وكذا نقداً أو بكذا وكذا نسيئة ، ويتم البيع دون تعيين الثمن . فهذه المسألة نقل أهل العلم الخلاف فيها .
    وأما الثانية : فهي أن يعرض البائع للسلعة ثمنين أحدهما نقداً والآخر نسيئة ، ويتفق المتبايعان على أحد الثمنين ، وينعقد البيع على أحدهما ، فهذه قد نقل غير واحد من أهل العلم الإ جماع على جوازها كما سيأتي – إن شاء الله – .

    المبحث الرابع :- الأدلة التي استدل بها الألباني على ما ذهب إليه . والجواب عنها .
    استدل الشيخ الألباني – رحمه الله – على مذهبه بما يلي(1) :
    ( 1) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا . رواه ابن أبي شيبة ، وأبو داود ، وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي(2) من طريق يحيى ابن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو بن أبي سلمة عن أبي هريرة به .
    قال – رحمه الله – ورواه النسائي ،والترمذي وصححه وابن الجارود ، وابن حبان والبغوي في شرح السنة وصححه أيضاً ، وأحمد ، والبيهقي من طرق عن محمد بن عمرو به بلفظ : نهى عن بيعتين في بيعة(3)
    ( 2) قال : ولعل في معنى الحديث قول ابن مسعود : " الصفقة في الصفقتين ربا " أخرجه أحمد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حبان وغيرهم(4) وقد فسر – رحمه الله – هذه الأحاديث بأن من الصور المنهي عنها والداخلة تحت بيعتين في بيعة ، صورة المسألة المذكورة في المبحث الأول .
    وقد عضد ذلك ببعض أقوال السلف . كعبد الوهاب بن عطاء ، وسماك بن حرب وابن سيرين وطاوس والثوري والأوزاعي والنسائي وابن حبان وابن الأثير وابن حزم على ما سيأتي تفصيله حين الجواب – إن شاء الله – .
    والجواب :-
    (1) أما الحديث الأول وهو "من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا " فقد رواه ابن أبي شيبة وأبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي ، كلهم من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به .
    ورواه غير واحد من الثقات الأ ثبات عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة "
    فقد رواه النسائي وأحمد من طريق يحيى بن سعيد قال حدثنا محمد بن عمرو به
    ورواه الترمذي وابن حبان من طريق عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو به .
    ورواه أحمد والبغوي من طريق يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو به .
    ورواه البيهقي من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو به .
    وقال البيهقي : وكذا رواه إسماعيل بن جعفر ومعاذ بن معاذ وعبد العزيز بن محمد الدراوردي .
    فبهذا يتبين – والله أعلم – أن رواية يحي بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عمرو بلفظ " من باع بيعتين في بيعة ، فله أوكسهما أو الربا " ، أنها رواية شاذة .
    قال الشوكاني : حديث أبي هريرة باللفظ الأول – يعني من باع بيعتين في بيعة –في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة ، وقد تكلم فيه غير واحد . قال المنذري : والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أن صلى الله عليه وسلم : نهى عن بيعتين في بيعة(1) ا.هـ.
    وقال المباركفوري : وقد تفرد هو بهذا اللفظ – يعني محمد بن عمرو – وقد رُوي هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم من طرق ليس في واحد منها هذا اللفظ ، فالظاهر أن هذه الرواية بهذا اللفظ ليست صالحة للاحتجاج(2) ا.هـ
    وقال العظيم آبادي – بعد أن ساق روايات الحديث – قال : وبهذا يعرف أن رواية يحيى بن زكريا فيه شذوذ كما لا يخفي(3) ا.هـ
    لكن الذي يتحمل الشذوذ هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ، لا يحي بن زكريا بن أبي زائدة ، فإنه ثقة متقن ، أما محمد بن عمرو بن علقمة ، فقد روى ابن أبي حاتم بسنده في الجرح والتعديل(4) ، ونقلها عنه المزي في تهذيب الكمال ، وعنه ابن حجر في تهذيبه : أن ابن معين سُئل عن محمد بن عمرو فقال : مازال الناس يتقون حديثه ، قيل له : وما علة ذلك ؟ قـــال كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه ، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة .ا.هـ.
    فالظاهر أن روايته الأولى لهذا الحديث – أعني قوله : "من باع بيعتين في بيعة"الحديث – أنها من هذا القبيل ، والله أعلم .
    (2) أما حديث ابن مسعود : " الصفقة في الصفقتين ربا ". فإنه من رواية سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، وأكثر أهل العلم بالحديث يرون أن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود .
    قال أبو عبد الله الحاكم : اتفق مشايخ أهل الحديث أنه لم يسمع من أبيه .ا.هـ . وكلامه إن لم يحمل على الاتفاق فلا أقل من أن يحمل على قول الأكثر .
    وعلى التسليم بسماع عبد الرحمن من أبيه ، فإن الذي يروي عن عبد الرحمن ، سماك بن حرب ، وقد قال فيه أحمد : مضطرب الحديث ، وقال النسائي : كان ربما لقن ، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن ،(1) وقال أبن معين : كان شعبة يضعفه .
    وهذا الحديث مما اضطرب فيه سماك ، فقد رواه كل من إسرائيل وشعبة وسفيان عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود .(2)
    ورواه أبو الأحوص عن سماك عن أبي عبيدة أبو عبد الرحمن بن عبد الله .(3) وهذا الاضطراب إنما يتحمله سماك بن حرب لا أبو الأحوص فإنه ثقة متقن كما قال ابن حجر رحمه الله .
    هذا وقد رواه عن سماك شريك بن عبد الله (4) فأخطأ فيه وخالف الثقات من جهتين :
    الأولى : أنه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأولئك الثقات إنما يروونه من كلام ابن مسعود موقوفاً عليه وقد صوب العقيلي وقفه .(5)
    وإلى هذا أشار الألباني في الإرواء فقال – بعد سياقه لرواية الثقات – قال : وقد خالفهم شريك عن سماك به …، وشريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سيئ الحفظ ، فلا يحتج به لاسيما مع مخالفته لسفيان وشعبة في رفعه .(6)
    الثانية : أنه جعل تفسير الصفقة في الصفقتين من كلام سماك نفسه وأولئك الأثبات إنما يرونه عن سماك عن عبد الرحمن عن عبد الله من كلام عبد الله ، وروايتهم لا شك أنها مقدمة على روايته كما تقدم .
    ولا يصح أن يكون حديث أبي هريرة شاهدأً ومقوياً لأثر ابن مسعود ، ذلك أن في أثر ابن مسعود ، زيادة ليست في حديث أبي هريرة – أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيعتين في بيعة " – ألا وهي تعليل التحريم بكونها ربا، وهذه الزيادة هي التي استدل بها الألباني – رحمه الله – على رد علة القول الثاني في تحريم البيعتين في بيعة وهي جهالة الثمن ، وحتى لو صحت هذه الزيادة لما كان فيها دليلاً على ما ذهب إليه الشيخ كما سيأتي إن شاء الله .
    (3) فلم يبق إلا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن بيعتين في بيعة " وهو حديث حسن له شواهد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (7) . حيث فسره الشيخ الألباني بصورة المسألة المذكورة في المبحث الأول أو بما يسمى ببيع التقسيط ، وقد دلل على هذا التفسير وهذا الفهم أنه هو المراد بأمور :
    الأول : إبطال علة التحريم الذي ذكرها العلماء لمسألة ( بيعتين في بيعة ) – وهي أن يقول الرجل : أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة ، وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعتين – قالوا : وعلة التحريم أنهما يفترقان على بيع بغير ثمن معلوم ، ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه الصفقة .(1)
    قال الألباني : تعليلهم النهي عن بيعتين في بيعة بجهالة الثمن ، مردود ، لأنه مجرد رأي مقابل النص الصريح في حديث أبي هريرة وابن مسعود أنه الربا ، هذا من جهة .
    ومن جهة أخرى أن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول في البيوع وهذا مما لادليل عليه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل يكفي في ذلك التراضي وطيب النفس ، فما أشعر بهما ودل عليهما فهو البيع الشرعي ، وهو المعروف عند بعضهم ببيع المعاطاة ، قال الشوكاني في السيل الجرار : وهذه المعاطاة التي تحقق معها التراضي وطيبة النفس هي البيع الشرعي الذي أذن الله به ، والزيادة عليه هي من إيجاب مالم يوجبه الشرع .
    ثم قال : وإذا كان كذلك ، فالشاري حين ينصرف بما اشتراه ، فإما أن ينقد الثمن، وإما أن يؤجل ، فالبيع في الصورة الأولى صحيح ، وفي الصورة الأخرى ينصرف وعليه ثمن الأجل – وهو موضع الخلاف – فأين الجهالة المدعاة ؟ وبخاصة إذا كان الدفع على أقساط ، فالقسط الأول يدفع نقداً ، والباقي أقساط حسب الاتفاق ، فبطلت علة الجهالة أثراً ونظراً.(2)ا.هـ.
    والجواب عن ما ذكره هنا :
    أولاً : مر معنا آنفاً أن حديث أبي هريرة من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا وحديث ابن مسعود ، لا يصلحان للاحتجاج .
    ثانياً: وعلى التسليم بصحة حديث أبي هريرة وابن مسعود ، فليس فيهما حجة وذلك من جهتين :
    (1) أن البيع إذا وقع على أحد العرضين نقداً أو نسيئة فأين هي صورة البيعتين في بيعة . وانما هو عقد واحد على سلعة واحدة بثمن واحد .
    قال ابن القيم – راداً على من فهم هذا الفهم – : وأبعدَ كل البعد مَن حمل الحديث على البيع بمائة مؤجلة أو خمسين حالة ، وليس ها هنا ربا ولا جهالة ولا غرر ولا قمار ولا شئ من المفاسد ، فإنه خيره بين أي الثمنين شاء .(3)
    وقال أيضاً : ولا صفقتين هنا وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين .(4)
    (2) ما ذكره الشوكاني بقوله : ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج – يعني رواية من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا – لكان احتمالها لتفسير خارجٍ عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان(1)قادحاً في الاستدلال بها على المتنازع فيه ، على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة ، وهي أن يقول : نقداً بكذا ، ونسيئة بكذا ، لا إذا قال من أول الأمر : نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه ، مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ، ولا يدل الحديث على ذلك ، فالدليل أخص من الدعوى (2)ا.هـ
    (3)لا يسلم للشيخ – رحمه الله- قوله : إن تعليل التحريم عند القول الثاني بجهالة الثمن أو المبيع مبني عندهم على القول بوجوب الإيجاب والقبول .
    بل هو مبني على القول بجوازه ووقوعه وفرق بين هذا وذاك ، فالذي لا يرى وجوب الإيجاب والقبول في صحة البيع كابن تيمية والشوكاني ، لا ينفي جوازه ووقوعه ، فلو قال قائل لآخر : بعتك هذا الثوب بدينار فأجابه الآخر : قبلت . فهذه الصورة صحيحة عند من لا يرى وجوب الإيجاب والقبول كابن تيمية والشوكاني رحمهم الله .
    زد على ذلك أن الشوكاني وهو ممن لا يرى وجوب الإيجاب والقبول في صحة البيع قد علل بنفس العلة ، فقال : والعلة في تحريم البيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين (3) ا.هـ

    ثالثاً : ذكر الشيخ بعد ذلك أن علة التحريم التي علل بها أصحاب المذهب الآخر – وهي الجهالة – غير متصورة لا واقعاً ولا نظراً بقوله : فالشاري حين ينصرف بما اشتراه فإما أن ينقد الثمن ، وإما أن يؤجل ، فالبيع في الصورة الأولى صحيح ، وفي الصورة الأخرى ينصرف وعليه ثمن الأجل ، فأين الجهالة المدعاة ؟!(4)
    والجواب : أن الجهالة متصورة ، وإليك مثالاً واضحاً عليها :
    إذا حصل بين البائع والمشتري عقد وكُـتب فيه بعتك هذه الدار بألف دينار نقداً أو ألف وخمسمائة نسيئة . ثم كتبت شهادة الشهود في هذا العقد . وانصرفوا على ذلك فهل هذا العقد تتصور فيه الجهالة أم لا ؟ بلى ، تتصور .
    وذلك لأنه لا يلزم من وقوع البيع تسليم المبيع ولا نقد الثمن حالاً ، فلو فال قائل بعتك داري التي في مكة – وهما في المدينة ، مع اكتمال باقي الشروط – بكذا وكذا ، وقال الأخر : قبلت ، ولم يعطه المشتري الثمن ثم تفرقا ، ألا يلزم البيع كل واحد منهما ؟! بلى .
    فهذه الصورة نفسها أجعلها فيما لو قال البائع بكذا نقداً وبكذا وكذا نسيئة ، وقال المشتري : قبلت ألا ترى أن الثمن هنا صار مجهولاً ؟! والصفقة التي تم عليها البيع مجهولة ؟!
    ويدل على ما تقدم – من أن جهالة الثمن متصورة في هذه المسألة – أن الأئمة الأربعة يفرقون بين ما إذا وقع البيع هكذا دون تعيين لأحد الثمنين وبين ما إذا وقع على أحدهما .
    الثاني (1): ما ذكره الألباني – رفع الله منزلته – عن بعض السلف ، وجعله مؤيداً له في ما ذهب إليه من تحريم الزيادة في الثمن مقابل الأجل .
    والجواب : أنه ليس في كلامهم ما يدل على ما ذهب إليه – رحمه الله – بيان ذلك :
    أن الذين نقل عنهم الألباني ، ونسب إليهم القول بالتحريم هم على أقسام ثلاثة :
    القسم الأول : من لم يثبت عنه النقل في ذلك ، وهو سماك بن حرب فإن النقل إليه في سنده شريك بن عبد الله القاضي ، وهو مع ضعفه قد خالف الثقات فإنهم يجعلون تفسيره من كلام ابن مسعود ، وهو يجعله من كلام سماك بن حرب وكل ذلك لا يثبت كما تقدم .
    القسم الثاني : وهم الذين أرادوا بالتحريم ، ما إذا وقع البيع دون تعيين لأحد الثمنين : وإنما نقل عنهم الألباني ما يشعر بأنهم يذهبون للتحريم مطلقاً ولم يتنبه رحمه الله إلى أنه قد نقل عنهم جواز ذلك في الصورة المختلف فيها أو كان في كلامهم ما يدل لذلك .
    ومن هؤلاء :
    (1) طاوس : نقل عنه الألباني قوله : إذا قال : بكذا وكذا إلى كذا وكذا ، وكذا إلى كذا وكذا، فوقع المبيع على هذا ، فهذا بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين .(2)
    ثم نقل الألباني قول طاوس : لا بأس أن يقول : أبيعك هذا الثوب بعشرة إلى شهر أو بعشرين إلى شهرين ، فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه ، فلا بأس به. لكنه ضعف هذه الرواية عنه لأنها من طريق ليث عن طاوس ، وليث هذا هو ابن أبي سليم وكان قد اختلط .
    لكن رواه عبد الرزاق - بإسناد صحيح - من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال : فذكره .(3)
    ولم يتنبه الألباني لهذه الرواية لأنها متداخلة مع غيرها ، فليراجعها من أراد الوقوف عليها ، وقد نقل هذا عن طاوس ابن عبد البر في الاستذكار (4)، بل إن في ما نقله الألباني ما يشعر بذلك ، فإنه قال : فوقع المبيع على هذا ، يعني دون تعيين لأحد الثمنين ، فتأمله .
    (2) سفيان الثوري : نقل عنه الشيخ الألباني قوله : إذا قلت : أبيعك بالنقد إلى كذا ، وبالنسيئة بكذا وكذا ، فذهب المشتري فهو بالخيار في البيعين ، ما لم يكن وقع بيع على أحدهما ، فإن وقع البيع هكذا ، فهو مكروه ، وهو بيعتان في بيعة ، وهو مردود ، وهو المنهي عنه ، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين ، وأبعد الأجلين (1).ا.هـ وفي هذا النقل ما يدل على أن سفيان – رحمه الله – كان يفرق بين ما إذا وقع البيع دون تعيين لأحد الثمنين ، وبين ما إذا وقع البيع على أحدهما لأنه قال : إذا قلت : أبيعك بالنقد إلى كذا ، وبالنسيئة بكذا وكذا ، فذهب المشتري فهو بالخيار في البيعتين . ثم قال : ما لم يكن وقع بيع على أحدهما ، فاستثنى هذه الصورة ، وهي ما إذا وقع البيع على أحد الثمنين . ثم قال : فإن وقع البيع هكذا فهذا مكروه ، وهو بيعتان في بيعة . يعني : إذا وقع دون تعيين لأحد الثمنين .
    ومما يزيد ذلك بياناً ، نقل ابن جرير الطبري (2) ، وكذا ابن عبد البر ، لكلام الثوري بعبارة أوضح في بيان قصده ، قال ابن عبد البر : قال الثوري : إن بعت بيعاً ، فقلت هو لك بالنقد بكذا ، وبالنسيئة بكذا فذهب به المشتري فهو بالخيار في البيعتين ، فإن لم يكن وقع بيعك على أحدهما ، فهو مكروه ، وهو بيعان في بيعة واحدة ، وهو مردود ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته ، وإن كان قد استهلك ، فلك أوكس الثمنين وأبعد الأجلين ، وإذا ذهب به المشتري على وجه واحد نقداً كان أو نسيئة فلا بأس بذلك .(3)
    (3) الأوزاعي : نقل الشيخ الألباني عنه لما قيل له : فإن ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين ؟ فقال : هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين ا.هـ.
    ولاشك أن الأوزاعي يريد ما إذا تم البيع دون تعيين أحد البيعين أو الثمنين ، وذلك أن الخطابي قد نقل عن الأوزاعي أيضاً أنه قال : لا بأس بذلك ولكن لا يفارقه حتى يباته بأحد البيعتين . وكذا نقل عنه مثل هذا البغوي في شرح السنة(4) ، بل إن الأوزاعي ممن نقل الإجماع على الجواز كما سيأتي .
    (4) ابن حزم : فإن الشيخ – رحمه الله – نقل عنه القول بالتحريم وبطلان العقد.
    ولكن الظاهر أن ابن حزم إنما أراد ما إذا وقع البيع دون تعيين لأحد الثمنين ، بدلالة ما يلي :
    أ – أن ابن حزم مثل للمسألة بكلام لشريح فقال : شرطين في بيع أبيعك إلى شهر بعشرة فإن حبسته شهراً فتأخذ عشرة ، قال شريح : أقل الثمنين وأبعد الأجلين أو الربا ، قال عبد الله : فسألت أبي ؟ فقال : هذا بيع فاسد .
    قال أبو محمد : يريد فإن حبسته شهراً فتأخذ عشرة أخرى .(1)ا.هـ وهذا المثال خارج عن المسألة المتنازع فيها .
    ب – قال ابن حزم : وجائز لمن أتى السوق من أهله أو من غير أهله أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق وبأكثر ولا اعتراض لأهل السوق عليه في ذلك (2) .
    فلم يفرق رحمه الله بين النقد أو النسيئة في الزيادة .
    ج – ومما يدل على أن ابن حزم إنما يريد بالتحريم ما إذا وقع البيع دون تعيين الثمن أنه يرى جواز بيع العينة ما لم تكن مشروطة في العقد ، ومعلوم أن صورة العينة إنما تكون بأن يزيد البائع في ثمن النسيئة ثم يشتريها مرة أخرى نقداً بأقل ، فهي مبنية عند ابن حزم على جواز الزيادة مقابل الأجل .(3)
    القسم الثالث : من السلف الذين عضد بهم الألباني مذهبه في التحريم وهم الذين ليس في كلامهم النص على المسألة المتنازع عليها ، بل كلامهم يحتمل أنهم أرادوا به ما إذا وقع البيع دون تعيين لأحد الثمنين ويحتمل أنهم أرادوا به حتى و لو اتفقا على أحد الثمنين . وهذا الاحتمال مسقط للاستدلال بكلامهم ، فليس حمله على الصورة المتنازع عليها بأولى من حمله على الصورة الأخرى .
    بل لو قال قائل إنهم إنما أرادوا به ما إذا وقع البيع على كلا الثمنين دون تعيين لأحدهما . وأن هذه الصورة هي التي أرادوها بالمنع لكان كلامه هو الأقرب للصواب وذلك لأمور :
    (الأول) : أن من الذين نقل عنهم الجواز عند التفصيل ، قد نقل عنهم التحريم عند الإجمال ، وهؤلاء إنما نقل عنهم التحريم عند الإجمال ، فحمل كلامهم المجمل عند الاحتمال على الكلام المبين لأولئك أولى وأصوب .
    ومن أولئك الذين نقل عنهم التحريم عند الإجمال في مواضع ، والتفصيل في مواضع ، أو لم ينقل عنهم إلا التفصيل والتفريق بين ما إذا وقع البيع دون تعيين لأحد الثمنين وبين ما إذا وقع التعيين والاتفاق على أحدهما :
    أ - الأوزاعي .
    ب - سفيان .
    ج - طاوس : وقد سبق النقل عن هؤلاء الثلاثة .
    د - أبو حنيفة .
    هـ- مالك .
    و- الشافعي : قال ابن عبد البر – فيمن قال أبيعك هذا الثوب بعشرة نقداً أو بخمسة عشر إلى أجل – قال : لا يجوز عند مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة إن افترقا على ذلك بالالتزام ، حتى يفارقه على وجه واحد (4)ا.هـ
    ز- أحمد بن حنبل : قال أبو داود : سمعت أحمد قال في شرطين في بيع : أن يقول : أبيعك إلى شهر بكذا وبنقد بكذا . (1)
    وهذا محمول على ما إذا وقع البيع دون الاتفاق على أحدهما ، لأن ابنه صالح قال له:الرجل يبيع المتاع فيقول:أبيعك بالنقد بألف،وإلى شهر بألف ومائة، وإلى شهرين بألف ومائتين.فقال :هذا مكروه ألا أن يفارقه علىأحد البيوع(2).
    ح- الترمذي : حيث قال بعد أن ساق حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة قال : حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم ، وقد فسره بعض أهل العلم ، قالوا : بيعتين في بيعة أن يقول : أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة ، وبنسيئة بعشرين ، ولا يفارقه على أحد البيعين ، إذا فارقه على أحدهما ، فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما .(3)
    ط - عبد الرزاق صاحب المصنف حيث بوب على الآثار التي ساقها بقوله : باب البيع بالثمن إلى أجلين ولم يتطرق في تبويبه أو تحته لما يشعر بالقول بالتحريم عند البت بأحد الثمنين . (4)
    ي – ابن جرير الطبري : حيث بوب على هذه المسألة في كتابه اختلاف الفقهاء بقوله : " واختلفوا في حكم البيع إذا عقد إلى أجلين مختلفين " . ثم ساق تحته كلام العلماء فيما إذا وقع البيع هكذا دون تعيين لأحد الثمنين ، وهل يصح أم لا ؟ وساق ضمنه تجويز الزيادة مقابل الأجل إذا وقع العقد عليها عن مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأصحبه وأبي ثور رحمهم الله جميعاً ، ولم يذكر أن أحداُ خالفهم في ذلك ، فعلم من ذلك أن
    الخلاف منحصر بين العلماء فيما إذا لم يعين الثمن . (5)
    ك- أبو عبيد القاسم بن سلام : قال بعد أن ساق حديث الصفقتان في صفقة ربا " قال ومعنى صفقتان في صفقة " أن يقول الرجل للرجل أبيعك هذا نقداً بكذا ، ونسيئة بكذا ويفترقان عليه .ا.هـ. فأنت ترى أنه قيد الممنوع بقوله : ويفترقان عليه . (6)
    وعليه فإن ما نقله الشيخ الالباني – رحمه الله – عن مثل عبد الوهاب ابن عطاء وابن قتيبة وابن سيرين وغيرهم ، إنما قصدوا به ما إذا وقع البيع دون تعيين لأحد الثمنين .
    ومما يزيد الأمر تأكيداً وبياناً الأمر الثاني وهو :
    (الثاني) : من الأمور التي تجعلنا نحمل كلام أولئك العلماء الذي ظاهره المنع على البيع الذي ليس فيه تعيين لأحد الثمنين ، أنه قد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على جواز أن يزيد البائع في الثمن مقابل الأجل إذا اتفقا عليه ومن هؤلاء :
    أ – الأوزاعي – رحمه الله – حيث قال : لا بأس به ولكن لا يفارقه حتى يباته بأحدهما فإن فارقه قبل ذلك ، فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين أما إذا باته على أحد الأمرين في المجلس ، فهو صحيح به لا خلاف فيه . ا.هـ
    ونقل ذلك عنه البغوي في شرح السنة ، ولم ينكره .(1)
    ب – وممن نقل الإجماع على الجواز الخطابي ، حيث قال : فإما إذا باته على أحد الأمرين في مجلس العقد فهو صحيح لا خلاف فيه . (2)
    د – ابن قدامه : فإنه قال : وقد روي عن أحمد ، أنه قال : العينة أن يكون عند الرجل المتاع ، فلا يبيعه إلا بنسيئة ، فإن باعه بنقد ونسيئة فلا بأس .. وقال ابن عقيل : إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا ، فإن الغالب أن البائع بنسيئة يقصد الزيادة بالأجل ..، لكن البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفقاً ، ولا يكره إلا أن لا يكون له تجارة غيره . (3)
    هـ – ابن تيميه : فقد صرح بالإجماع والاتفاق على هذه المسألة في أكثر من موضع من الفتاوى منها : أنه سئل عن رجل محتاج إلى تاجر عنده قماش فقال اعطني هذه القطعة ، فقال التاجر مشتراها بثلاثين ، وما أبيعها إلا بخمسين إلى أجل ، فهل يجوز ذلك ؟ أم لا ؟
    فأجاب : المشتري على أنواع :
    أحدها : أن يكون مقصود السلعة فينتفع بها للأكل والشرب واللباس ، والركوب ، وغير ذلك .
    الثاني : أن يكون مقصوده التجارة فيها ، فهذان نوعان جائزان بالكتاب والسنة والإجماع .(4).ا.هـ.
    (الثالث) : من الأمور التي تجعلنا نحمل كلام العلماء الذي فيه احتمال المنع على أن مرادهم به إنما هو إذا افترق البائع والمشتري دون تعيين الثمن ، أني لم أجد – مع بحثي القاصر – من قال من السلف : إنه إذا فارقه على أحد الثمنين أنه من بيعتين في بيعة ، أو أنه ربا ، أو أنه من البيوع المنهي عنها.
    إنما نقل هذا عن بعض المتأخرين ، ومثل هؤلاء المتأخرين لا يلتفت إليهم لمخالفتهم الإجماع المتقدم .
    هذا ما تبين لي ، والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين .
    كتبه : حمد بن عبد العزيز بن حمد ابن عتيق
    الرياض في 20/9/1420هـ
    alateeq111@maktoob.com




    ========================

    الحواشي :

    (1) السلسلة الصحيحة (5/423) .
    (1) السلسلة الصحيحة (5/419-425)
    (2) رواه أبن أبي شيبة في المصنف (6/120) وابو داود (3461) ، وابن حبان (11/347) ، والحاكم (2/45) والبيهقي (5/343) .
    (3) رواه النسائي (4646) والترمذي (1231) واحمد (2/432،475،503) وابن حبان (11/347) والبغوي (4/305) والبيهقي في الكبرى (5/343)
    (4) رواه عبد الرزاق (8/138) وابن أبي شيبة (6/119) وأحمد (1/398) وابن حبان (11/399)
    (1) نيل الأوطار (5/171).
    (2) تحفة الأحوذي (4/359).
    (3) عون المعبود (9/239).
    (4) الجرح والتعديل (8/ترجمة 138).
    (1) تهذيب التهذيب .(2/115).
    (2) حديث إسرائيل رواه عبد الرزاق (8/138) وحديث شعبة رواه أحمد (1/393) وابن حبان (11/399) وحديث سفيان رواه ابن أبي شيبة (6/119) وابن حبان (3/331).
    (3) حديث أبي الأحوص رواه ابن شيبة (6/119).
    (4) حديث شريك رواه أحمد (1/398).
    (5) نصب الراية (4/20).
    (6) الإرواء (5/149).
    (7) أخرجه الترمذي (3/600) وأحمد (2/71)، وغيرها .
    (1) سنن الترمذي (3/534) ، المغني (6/333) ، المجموع (9/411) .
    (2) السلسلة الصحيحة (5/423) .
    (3) أعلام الموقعين (3/162) .
    (4) عون المعبود مع تهذيب السنن (10/247) .
    (1) وتفسير ابن رسلان : هو أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال : يعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين ، فصار ذلك بيعتين لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إلى أو كسهما وهو الأول .
    (2) نيل الأوطار (5/172) .
    (3) نيل الأوطار (5/173) .
    (4) السلسلة الصحيحة (5/424) .
    (1) من الأمور التي استدل بها الألباني على أن المقصود بالنهي عن البيعتين في بيعة هو بيع التقسيط مع زيادة الثمن .
    (2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8/137) وابن أبي شيبة (6/120) .
    (3) وهذا إسناد صحيح أخرجه عبد الزاق (8/136) .
    (4) الاستذكار (20/181). وقد وقع في إسناد الأثر خطأ مطبعي فليصحح من مصنف عبد الرزاق .
    (1) أخرجه عبد الرزاق (8/138) .
    (2) اختلاف الفقهاء لابن جرير (55).
    (3) الاستذكار (20/180) .
    (4) معالم السنن (3/805) ،وشرح السنة للبغوي (4/306) .
    (1) المحلى (9/16) .
    (2) المحلى (9/40) .
    (3) المحلى (9/47) .
    (4) الاستذكار (20/178) .
    (1) مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني .
    (2) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح مسألة (298) .
    (3) سنن الترمذي (3/533) .
    (4) مصنف عبد الرزاق (8/136) .
    (5) اختلاف الفقهاء (54) .
    (6) نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (4/20) وبحثت عنه في غريب الحديث لأبي عبيد فلم أجده .
    (1) شح السنة (4/306) .
    (2) معالم السنن (3/106) .
    (3) المغني (6/262) .
    (4) الفتاوى (29/499) وانظر (29/447و230)



    =======================



    الفهارس


    المقدمة 2
    المبحث الأول :- بيان صورة المسألة : 2
    المبحث الثاني :- الأقوال التي ذكرها الألباني في المسألة. 2
    المبحث الثالث :- الأقوال التي ذكرها غير الألباني في المسألة . 2
    المبحث الرابع :- الأدلة التي استدل بها الألباني والجواب عنها . 3
    (1) حديث أبي هريرة 3
    (2) قول ابن مسعود 3
    الجواب عن حديث أبي هريرة 3
    الجواب عن قول ابن مسعود 4
    (3) حديث أبي هريرة بلفظ :" نهى رسول الله عن بيعتين في بيعة" 5
    الجواب عنه . 6
    أقسام الذين نقل عنهم الألباني القول بالتحريم ، وتحرير نسبته إليهم . 8
    القسم الأول : من لم يثبت النقل عنه . 8
    القسم الثاني : من أخطأ الألباني في نقل التحريم عنهم . 8
    القسم الثالث : من ليس في كلامهم النص على المسألة المتنازع فيها . 10
    ذكر بعض العلماء الذين نقلوا الإجماع على جواز هذه المسألة . 12

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •