النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: *** منها أربعةٌ حرم ***

  1. #1

    *** منها أربعةٌ حرم ***

    *** منها أربعةٌ حُرم ***

    بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،
    أما بعد ،
    فإن الله جل وعلا يقول " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعةٌ حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين " [التوبة 36]
    وبما أنه قد أظلتنا هذه الأشهر العظيمه التي سماها الله جل وعلا حُرما كان من المناسب الحديث عنها بذكر فضائلها وشيء من أحكامها وما ورد في السنه من العبادات الخاصه فيها وما ابتدعه الناس من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك تعظيما لما عظمه الله سبحانه وتنبيها للناس على حرمتها للحذر من اقتراف الذنوب فيها فقد غفل الكثير عن حرمة هذه الأشهر إلا من رحم الله فتجد المرء فيها كسائر أيامه ولياليه لا يراعي لها حرمه ولا يعظم لها شأنا وقد قال جل وعلا " ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " [جزء من آيه 30 ، الحج] ، وفي آية التوبه الآنفة الذكر يخبر جل وعلا أن عدة الشهور في قضائه وقدره اثنا عشر شهرا من يوم خلق السماوات والأرض وأجرى ليلها ونهارها وقدّر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثنى عشر وبين جل وعلا لعباده أن أربعة منها حرم وهي رجب الفرد وذو القعده وذو الحجه والمحرم وسميت حرما لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها وتحريم القتال فيها ، روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : اختص الله تعالى أربعة أشهر جعلهن حرماً وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم،
    قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى " فلا تظلموا فيهن أنفسكم " : يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا وأن الله تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد وأن تعمر بطاعته ويشكر الله تعالى على منته بها وتقييضها لمصالح العباد فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت لزيادة تحريمها وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها ، ومن ذلك النهي عن القتال فيها على قول من قال إن القتال في الأشهر الحرم لم ينسخ تحريمه عملاً بالنصوص العامه في تحريم القتال فيها ، ومنهم من قال أن تحريم القتال فيها منسوخ أخذا بعموم نحو قوله تعالى " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" ا . هـ [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي]
    وذكر ابن كثير في تفسير آية التوبه حديث أبي بكره أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنه اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعده وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ..." الخ الحديث ، إلى أن قال : وقوله صلى الله عليه وسلم أن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض تقرير منه صلوات الله وسلامه عليه وتثبيت للأمر على ما جعله الله في أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ولا زياده ولا نقص ولا نسيء ولا تبديل ،، ا . هـ
    وذلك أنه من بدع الجاهليه وظلمهم ما كانوا يفعلونه من النسيء فيحافظوا على عدة الأشهر الحرم التي حرم الله عليهم القتال فيها فيقدموا بعضها أو يؤخروه ويجعلون مكانه من أشهر الحل ما أرادوا ، فإذا جعلوه مكانه أحلوا القتال فيه وجعلوا الشهر الحلال حراما وفي ذلك قال قائلهم :
    لقد علمت معدّ بأن قومي ***** كرام الناس إن لهم كراما
    ألسنا الناسئين على معدّ ***** شهور الحل نجعلها حراما
    وهذا كما أخبر الله عنهم زياده في كفرهم وضلالهم قال سبحانه " إنما النسيء زياده في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين " [التوبة 37]
    ولأسماء هذه الأشهر الحرم معاني ذكرها ابن كثير في نفسيره نقلا عن السخاوي ، أما المحرم فسمي بذلك لكونه شهرا محرما ، قال ابن كثير وعندي أنه سمي بذلك تأكيدا لتحريمه لأن العرب كانت تتقلب فيه فتحله عاما وتحرمه عاما [ ا . هـ قول ابن كثير] ويجمع على محرمات ومحاريم
    أما رجب فمن الترجيب وهو التعظيم ويجمع على أرجاب ورجاب ورجبات وذو القعده بفتح القاف [قال ابن كثير : وكسرها ] لقعودهم فيه عن القتال والترحال ويجمع على ذوات القعده
    وذو الحجه بكسر الحاء [قال ابن كثير وفتحها ] سمي بذلك لإقامتهم الحج فيه ويجمع على ذوات الحجه .
    وقد أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر رجب إلى مضر في الحديث وفي سبب ذلك يقول ابن كثير " فإنما أضافه إلى مضر ليبين صحة قولهم في رجب أنه الشهر الذي بين جمادى وشعبان لا كما تظنه ربيعه من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال وهو رمضان اليوم فبين صلى الله عليه وسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعه "
    وعن سبب كون الأشهر الحرم أربعه قال ابن كثير " وإنما كانت الأشهر المحرمه أربعه ثلاثة سرد وواحد فرد لأجل أداء مناسك الحج والعمره فحرم قبل شهر الحج شهرا وهو ذو القعده لأنهم يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون فيه بأداء المناسك وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين ، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيره العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه فيه آمناً "
    وعن معنى ظلم النفس في هذه الأشهر فقد ذكر ابن كثير رحمه الله أيضا عدة أقوال فيها ملخصه ماذكره الشيخ السعدي رحمه الله الذي ذكرناه آنفا وعلى هذا فيحذر المسلم من الاثم والعدوان وظلم النفس والغير في هذه الشهور خاصه ، وفي كل شهور العام عامه ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن هذا الموضوع في خطبة له [ فعظموا رحمكم الله تعالى ما عظمه الله فلقد ذكر أهل العلم أن الحسنات تتضاعف في كل زمان ومكان فاضل وأن السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل ، وشاهد هذا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وقال تعالى في المسجد الحرام " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "
    وإنكم اليوم تستقبلون الأشهر الحرم الثلاثة فلا تظلموا فيهن أنفسكم ، التزموا حدود الله تعالى ، أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه ، أدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم وبين عباده واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد ..] وفي توضيح معنى تعاظم السيئه قال رحمه الله
    في تعليقه على الأربعين النووية في حديث " إن الله كتب الحسنات والسيئات .. " في شرح قوله تعالى عن السيئه " وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحده " قال رحمه الله : [ ويشهد لهذا قوله تعالى " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " وهذا الحكم بالنسبة للسيئة أي أنها تكون سيئة واحده في مكه وغيرها وفي كل زمن إلا الأشهر الحرم ، ولكنها في مكه تكون أشد وأعظم ولهذا قال الله تعالى " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " وقال العلماء إن الحسنات والسيئات تتضاعف في كل زمن فاضل وفي كل مكان فاضل لكن الحسنات تضاعف بالعدد والسيئات تضاعف بالكيف ولا تضاعف بالعدد لقوله تعالى " ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " ولهذا الحديث الذي ساقه المؤلف رحمه الله إن الله يكتبها سيئة واحده ] ا . هـ كلام الشيخ رحمه الله
    وإن أعظم الظلم الشرك بالله جل وعلا فيحذر المسلم أشد الحذر من الوقوع فيه قولا وعملا واعتقادا ويعظم حرمة أيام هذه الأشهر كما عظمها الله فيكون حذره فيها أشد ، ومن الظلم الوقوع في البدع وقد كثرت بعض البدع في هذه الأشهر للأسف من بعض الناس وماذاك إلا لجهلهم وبعدهم عن السنه مع أنه لا يقبل عمل عامل إلا إذا كان خالصا لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    وإن الله جل وعلا كما عظم هذه الأشهر فقد فضل فيها أياما عن غيرها من الأيام، وبعد أن ذكرنا فضلها وتعظيم الله لها آنفاً سنذكر فضل ما فضله الله منها لتكون حافزا للمسارعين في الخيرات ، مع ذكر بعض البدع التي انتشرت فيها كذلك وحذر منها العلماء ويظن الناس أنها من الدين وما هي كذلك فنقول وبالله التوفيق :
    إن شهر المحرم ويوم عاشوراء منه خاصه والعشر الأول من ذي الحجه لها فضل خاص عن باقي أيام الأشهر الحرم إذ شرفها الله جل وعلا بمزيد فضل ومزيه ،،
    أما ماجاء في فضل شهر الله المحرم أن الصوم فيه أفضل الصيام بعد الفريضه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم " [رواه مسلم 1982]
    ويختص يوم العاشر منه بفضل خاص ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم ، يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان " [رواه البخاري 1867]
    ومعنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبه فيه
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم " صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله "[رواه مسلم]
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينه فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال صلى الله عليه وسلم : فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " [البخاري 1865]
    ولأنه يوم كانت تصومه اليهود وتعظمه فقد نوى صلى الله عليه وسلم صيام التاسع معه لمخالفتهم كما في رواية عبدالله بن عباس رضي الله عنهما إذ قال : حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع " قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [رواه مسلم 1916]
    فعلى هذا يستحب صيام التاسع والعاشر جميعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع .
    ومن الحرمان والجهل الحرمان من فضل هذا اليوم فتجد من الناس من ابتدع فيه بدعا ما أنزل الله بها من سلطان ، ومن ذلك اتخاذه يوم مأتم وحزن ونياحه ، أو على النقيض من ذلك اتخاذه عيدا وإظهار شعائر الفرح فيه كالاكتحال والاختضاب وغيرها ، وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحه وطبخ الحبوب وإظهار السرور وغير ذلك ، هل لذلك أصل أم لا ؟ ،،، فأجاب : الحمد لله رب العالمين ، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين ، لا الأئمة الأربعه ولا غيرهم ، ولا روى أهل الكتب المعتمده في ذلك شيئا ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا التابعين لا صحيحا ولا ضعيفا ، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام ، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام وامثال ذلك ، ورووا في حديث موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنه ، ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب ،
    ثم ذكر رحمه الله ملخصاً لما مر بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث ومقتل الحسين رضي الله عنه ، وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك فقال : فصارت طائفة جاهلة ظالمه إما ملحده منافقه وإما ضاله غاويه تظهر موالاته ومولاة أهل بيته تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحه ، وتظهر فيه شعار الجاهليه من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهليه وإنشاد قصائد الحزن ، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير والصدق ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الاسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وشر هؤلاء وضررهم على أهل الاسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد والكذب بالكذب والشر بالشر والبدعه بالبدعه فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمه الخارجه عن العاده ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح ، وأولئك يتخذونه مأتما يقيمون فيه الأحزان والأتراح وكلا الطائفتين مخطئه خارجه عن السنه " [الفتاوى الكبرى بلابن تيميه]
    ومما يجدر التنبيه عليه أيضا على بدعيه الاحتفال برأس السنه الهجريه واتخاذه يوم عيد فلا عيد في الاسلام إلا الفطر والأضحى ، وإن مما يؤسف له أن يستقبل الناس هذا الشهر الحرام بهذه البدعه ولا حول ولا قوة إلا بالله
    # أما عشر ذي الحجة فإنها من نعم الله جل وعلا على أمة الاسلام فهي أفضل أيام الدنيا إذ هي محل أمهات العباده من الصلاة والصيام والصدقة والحج والأضحيه والتكبير فلا تجتمع هذه العبادات إلا فيها ، فكان المسلم مطالباً بأن يعمرها بالصالحات من الأقوال والأعمال ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر " قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟! قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء " [أخرجه البخاري وأبوداود والترمذي ]
    وفي هذا دليل على فضل هذه الأيام على سائر أيام السنه حتى العشر الأواخر من رمضان ، قال ابن كثير رحمه الله " وبالجمله فهذا العشر قد قيل إنه أفضل أيام السنه كما نطق به الحديث ، وفضله كثير على عشر رمضان الأخير لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيرها ، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه ، وقيل ذلك أفضل لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وتوسط آخرون فقالوا : أيام هذا أفضل وليالي ذلك أفضل وبهذا يجتمع شمل الأدله والله أعلم " [تفسير ابن كثير ]
    وكان لهذه العشر هذه الميزة والفضل عن باقي أيام الدنيا لأمور كثيرة منها : * أن الله تعالى أقسم بها والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه ونحو ذلك ، قال تعالى " والفجر وليالٍ عشر " وجمهور المفسرين على أنها عشر ذي الحجه .
    * وأن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد بأنها أفضل أيام الدنيا وحث على العمل الصالح فيها وكثرة التسبيح والتحميد والتكبير إذ قال صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل الصالح فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " [أخرجه أحمد ]
    فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر وإظهار ذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى يجهر به الرجال وتخفيه المرأه إظهارا للعباده وإعلانا بتعظيم الله وفي ذلك يقول سبحانه " .. ويذكروا اسم الله في أيام معلومات .." [ الحج آيه 28]
    كما ورد الأمر بالذكر في أيام التشريق في قوله تعالى " واذكروا الله في أيام معدودات " فالأيام المعلومات عشر ذي الحجه والأيام المعدودات هي أيام التشريق وهي الثلاث أيام التاليه ليوم النحر .
    أما صفة التكبير الوارده فهي أن يقول المسلم " الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " ، وعلى المسلم الذكر الجهر به في مواضعه إحياء للسنه وتذكيرا للغافلين ، لكن ينبغي التنبيه على ألا يكون التكبير جماعيا بحيث تجتمع جماعة على التلفظ بصوت واحد أو يكبر شخص ثم تردد المجموعه خلفه فهذا مما ينبغي اجتنابه والتنبيه على بدعيته وعدم مشروعيته ، قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى " ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبه أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض ، وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو لا يشرع فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور فلنكن على حذر من ذلك " [سلسلة الأحاديث الصحيحه ح1 ص 121]
    ومن العبادات التي ينبغي للمسلم الحرص عليها في هذه الأيام الصيام خاصة يوم عرفه وعدا اليوم العاشر منها لأنه يوم عيد منهي عن صيامه ، وأما يوم عرفه فهو من الأيام التي فضل الله بها هذه العشر عن غيرها ومما ورد في فضله مارواه مسلم عن أبي قتاده الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفه فقال " يكفر السنه الماضيه والسنه القابله" ، فعرفه يوم عظيم تستدر به الرحمات ويرتجى عفو رحمن الأرض والسماوات لذا كان من السنه الإكثار من الدعاء فيه ، قال صلى الله عليه وسلم " خير الدعاء دعاء يوم عرفه وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " [رواه الترمذي وحسنه الألباني]
    وكذلك مما امتازت به عشر ذي الحجه أن فيها الأضحيه ويوم النحر وأداء مناسك الحج ولا يخفى على مسلم ما لهذه العبادات العظيمه من الفضل لكن نشير إلى شيء منها تذكيرا وتحفيزا .
    فالأضحيه اسم لما يذبح بسبب العيد من الإبل والبقر والغنم يوم النحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله تعالى ، وسميت بذلك لأن أفضل زمن لذبحها ضُحى يوم العيد وهي مشروعه بالكتاب والسنه وإجماع الأمه ، قال تعالى " فصل لربك وانحر" [الكوثر]
    ، وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما " ، وقد أجمع المسلمون على مشروعية الأضحيه وأنها من شرائع الدين ولم ينقل عن أحد خلاف ذلك ، وإنما اختلف العلماء في حكمها على أقوال أشهرها قولان :
    الأول : أنها سنة مؤكده يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها وهذا قول جمهور السلف .
    والثاني : أنها واجبه شرعا على المسلم الموسر المقيم ويأثم إن لم يضح ، قال النووي رحمه الله : " اختلف العلماء في وجوب الأضحيه على الموسر فقال جمهورهم : هي سنة في حقه إن تركها بلا عذر لم يأثم ولم يلزمه القضاء وقيل هي واجبه على الموسر " [صحيح مسلم بشرح النووي]
    ووقت الذبح من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق ثالث عشر ذي الحجه .
    والأضحيه عباده عظيمه تتجلى فيها العبوديه الخالصه لله وإحياء للسنه وتوسعه على الأهل والفقراء يوم العيد إلى غير ذلك من الفوائد والحكم في مشروعيتها ، إلى أنه ينبغي للمسلم التنبه على أمور أثناء قيامه بهذه العباده الجليله منها :
    * أن الأصل في الأضحيه أنها مشروعه في حق الأحياء لا الأموات لكن للمضحي أن يشرك في ثوابها من يشاء من الأحياء والأموات ، ومن الخطأ ما يظنه الكثير من أن الأضحيه للميت فقط فيضحي له ويترك نفسه وأولاده وأهله الأحياء ، لكن لو كان الميت قد وصى بالأضحيه فعليه تنفيذ الوصيه ولو لم يضح عن نفسه لأنه مأمور بتنفيذها .
    # وأن الواحده من الغنم لا تجزئ عن شخصين فأكثر يشتركان في ثمنها لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنه كما لا يجزئ أن يشترك أكثر من سبعه في بعير أو بقره لأن العبادات توقيفيه والثابت الاشتراك بين سبعه فأقل ، وهذا في غير الثواب إذ لا حصر للاشتراك فيه لأن فضل الله واسع فيُشرك المضحي من أراد في أضحيته فيقول مثلا " هذا عني وعن أهل بيتي "
    # وأن الذبح هو السنه ، لا التصدق بثمنها فلو عُدل عن الذبح إلى الصدقه بثمن الأضحيه لتعطلت شعيره من شعائر الدين وهُجرت سنه من سنن المرسلين ، والذبح هو سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ولم ينقل أن أحدا منهم أخرج القيمه ولو مره ، ولو علموا أن الصدقه أفضل لعدلوا إليها .
    قال ابن تيميه رحمه الله في مجموع الفتاوى" والأضحيه والعقيقه والهدي أفضل من الصدقه بثمن ذلك ، فإذا كان معه مال يريد التقرب به إلى الله كان له أن يضحي به والأكل من الأضحيه أفضل من الصدقه ، والهدي بمكة أفضل من الصدقه بها "
    وقال ابن القيم " فكان الذبح في موضعه أفضل من الصدقه بثمنه ولو زاد من الهدايا والأضاحي فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود ، فإنه عباده مقرونه بالصلاة كما قال تعالى " فصل لربك وانحر" وقال تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " [الأنعام]
    ففي كل مله صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ولهذا لو تصدق عن دم المتعه والقران أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأُضحيه والله أعلم "
    # وعلى من أراد الأضحيه أن يراعي شروطها الوارده في كتب الفقه والتي لا تجزئ الأضحيه إلا بتوافرها ، كما عليه أن يذبحها طيبة بها نفسه محتسباً لأجرها العظيم ، ويجتنب التضحيه بما نص الفقهاء على كراهية التضحيه به فإن هذا من تعظيم شعائر الله " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " [الحج32] ، وتحقيق معنى التقوى من أجل حكم مشروعية الأضحيه والله جل وعلا يحب إذا عمل العبد عملا أن يتقنه ، قال تعالى " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين " [الحج 37]
    # كما أنه على من أراد أن يضحي عن نفسه وأهل بيته أو أن يتبرع لحي أو ميت ودخل شهر ذي الحجه أن يتجنب الأخذ من أظفاره وشعره وجلده حتى يذبح أضحيته ، ودليل ذلك ما رواه مسلم وغيره عن أم سلمه رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا رأيتم هلال ذي الحجه وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي "
    * هذا ما يسر الله ذكره فيما ورد من فضل هذه الأيام الخاصه في الأشهر الحرم ، وأما ما عدا ذلك فلا أفضليه لها إلا كونها من الأشهر الحرم فيُشرع فيها ما يشرع في باقي الأشهر والأيام من صيام الأثنين والخميس والأيام البيض وصيام يوم وإفطار يوم واجتناب ظلم النفس والغير فيها ، فلم يرد فضل خاص لشهري ذي القعده ورجب إلا كونهما من الأشهر الحرم ، ومما ينبغي التنبيه والحذر منه ما ابتدعه الناس في شهر رجب واعتقاد ليلة الإسراء والمعراج فيه والاحتفال بها وتخصيصها بالصيام والقيام ، فقد سئل الشيخ ابن باز عليه رحمة الله هذا السؤال : يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات كصلاة الرغائب ، وإحياء ليلة سبع وعشرين منه ، فهل لذلك أصل في الشرع جزاكم الله خير ؟
    فأجاب رحمه الله " تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة سبع وعشرين منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج ، كل ذلك بدعه لا يجوز ، وليس له أصل في الشرع ، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم وقد كتبنا في ذلك غير مره وأوضحنا للناس أن صلاة الرغائب بدعه وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعه من رجب ، وهكذا الاحتفال بليلة سبع وعشرين اعتقاداً أنها ليلة الاسراء والمعراج ، كل ذلك بدعه لا أصل له في الشرع ، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها ، ولو عُلمت لم يجز الاحتفال بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها ، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم ، ولو كان ذلك سنه لسبقونا إليها .
    والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم " وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام " من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد " أخرجه مسلم في صحيحه ، ومعنى فهو رد أي مردود على صاحبه وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه : أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعه ضلالة " أخرجه مسلم أيضا ، فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنه والاستقامه عليها والتواصي بها والحذر من البدع كلها عملاً بقول الله عز وجل " وتعاونوا على البر والتقوى " وقوله سبحانه " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" وقول النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحه ، قيل لمن يارسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " أخرجه مسلم في صحيحه ، أما العمره فلا بأس فيها في رجب لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليهوسلم اعتمر في رجب وكان السلف يعتمرون في رجب ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه اللطائف عن عمر وابنه وعائشه رضي الله عنهم ، ونقل عن ابن سيرين أن السلف كانوا يفعلون ذلك ، والله ولي التوفيق " [المصدر: موقع الشيخ ابن باز]
    كما أن تخصيصه بذبح أو دعاء أو ذكر أو صدقة لا يجوز فهو كباقي أشهر العام إلا أنه من الأشهر الحرم فتعظيم حرمته من تعظيم حرمات الله ، أما تخصيصه بمثل تلك العبادات فهو من قبيل البدع ولا أصل له في الكتاب والسنه بل إن إثم الابتداع فيه يعظم كما بينا آنفا فنسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الاتباع ويجنبنا الابتداع وأن يجعلنا ممن يعظمون حرمات الله ويلتزمون سنة رسوله ظاهرا وباطنا وقولا وعملا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    لتكن خطواتك في دروب الخير على رمل ندي ليس لها وقع ولكن آثارها بينة

  2. #2
    جزاك الله خير
    {فَأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} سورة الرعد الآية17.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    \\\\\\\\\
    المشاركات
    2,713
    جزاك الله خير
    قال العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي{{ وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة -شبكة سحاب-المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛
    فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب }}


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    المشاركات
    2,615
    بارك الله فيك
    قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: فمن أعرض عن الله بالكلية أعرض الله عنه بالكلية، ومن أعرض الله عنه لزمه الشقاءُ والبؤس والبخس فى أحواله وأعماله وقارنه سوءُ الحال وفساده فى دينه ومآله، فإن الرب تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس وأظلمت أرجاؤها وانكسفت أنوارها وظهرت عليها وحشة الإعراض وصارت مأْوى للشياطين وهدفاً للشرور ومصباً للبلاءِ، فالمحروم كل المحروم من عرف طريقاً إليه ثم أَعرض عنهاْ....

    موقع فضيلة العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله
    http://www.sh-faleh.com/index.php

المواضيع المتشابهه

  1. بين الشيعة وأهل السنة
    بواسطة عسلاوي مصطفى أبو الفداء في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-28-2006, 11:05 PM
  2. بين الشيعة وأهل السنة
    بواسطة عسلاوي مصطفى أبو الفداء في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-28-2006, 10:47 PM
  3. الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبدالوهاب
    بواسطة عسلاوي مصطفى أبو الفداء في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-07-2006, 10:03 PM
  4. كتاب أصول الإيمان بشرح الشيخ صالح آل الشيخ
    بواسطة عسلاوي مصطفى في المنتدى المنتدى العـام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-24-2006, 10:55 PM
  5. حجاب المرأة المسلمة (الألباني رحمه الله)
    بواسطة الأثري في المنتدى منتدى الأسرة والنساء
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-25-2004, 01:00 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •