أحكام السلام

تأليف: الشيخ / عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، وصلي الله وسلم علي رسول الله .

أما بعد :

فهذه مسائل تتعلق بأحكام السلام ، كتبتها علي وجه الاختصار ، تذكرة للغافل ، وتعليماً للمبتدى .

وقد كان أصلها محاضرة طبعت فيما سبق، فزدت علي منوالها مباحث وأصلحت ما فيها من أخطاء لفظية اقتضاها " الارتجال " والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

المؤلف

الرياض 10/09/1412 هـ


من يبدأ بالسلام ؟



سنة لم يرعها كثير من الناس ، حتى أوشكت على الاندراس . وكان الأجدر بالمسلمين المحافظة عليها تعظيماً للسنة وإحياءً لها .



وإذا كان البعض يعجب باليهود الغربيين ، لما يرى من تقيدهم بما وضعه أربابهم من أنظمة اجتماعية ، وغيرها فإن المسلمين قد ضبطوا بآدابٍ اجتماعية وغيرها ، وهي أتم وأكمل علي وجه ، مما سواها ، إلا أن العيب فيمن تحملها إذ لم يعمل بها بل استنكف عنها ، ورغب إلي غيرها .

وما هذه السنة – سنة من يبدأ بالسلام – إلا دليل صدق وشاهد عدل علي ما يحظى به المسلمون من آدابٍ عالية ، في دقائق الأمور ، بَلْهَ جليلها .



وقد أخرج الترمذي ( 5/62 ) والبخاري في (( الأدب المفرد )) ( 2/460) من حديث فضالة بن عبيد أن رسول اللهr قال :

(( يسلم الفارس على الماشي . والماشي علي القائم .. )) الحديث ([1])

قال الحافظ وإذا حمل القائم علي المستقر كان أعم من أن يكون جالساً ، أو واقفاً ، أو متكئاً ، أو مضطجعاً . ا هـ ([2])



ويسلم القليل علي الكثير :

والحكمة في ذلك : أن للجماعة فضلاً مطرداً في الشرع ، فناسب أن يبدؤا بالسلام .

أو أن الجماعة لو ابتدؤا لخيف علي الواحد الزهو ، فاحتيط له ([3])



ويسلم الصغير علي الكبير

والحكمة في ذلك مراعاة السن فإنها معتبرة في أمور كثيرة في الشرع .

وإذا عرف هذا الأدب النبوي ، وتبينت حكمه فإن هناك صوراً مشكلة ، أو قد تشكل ، أو لم ينص عليها هذا المقام :

منها : إذا تلاقي مارات : راكبان ، أو ماشيان ، فأيهما يبدأ بالسلام ؟

الصحيح : استواؤهما ، فمن بدأ فهو أفضل . لما روى البخاري في ((الأدب المفرد )) ( 2/458 ) عقيب حديث أبي هريرة (( يسلم الراكب علي الماشي ... )) عن أبي جريج قال : فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول : (( المشاشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل ([4])



ومنها إذا تعارض الصغر المعنوي ، والحسي ، كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً .

فالذي يظهر اعتبار السن ، لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة علي المجاز ([5])

ومنها إذا التقي الكبير والصغير .

فإن كان أحدهما راكباً ، والآخر ماشياً : يبدأ الراكب .

وإن كانا راكبين ، أو ماشيين : بدأ الصغير . قاله ابن رشد ([6])

ومنها : إذا كان المشاة كثير ، والقعود قليلاً فيرجح جانب الماشي ، فيبدأ بالسلام .

وقال في (( الإقناع )) : أما إذا وردوا علي قاعدٍ أو قعودٍ فإن الوارد يبدأ مطلقاً . ا هـ . ([7])



قال النووي في (( الأذكار )):

وهذا الأدب هو فيما إذا تلاقي الاثنان في طريق ، أما إذا ورد علي قعود أو قاعدٍ فإن الوارد يبدأ بالسلام علي كل حال ، سواء كان صغيراً أو كبيراً ، قليلاً أو كثيراً . ا هـ ([8])

وإذا خالف أحد هذا الأدب فسلم الماشي علي الراكب ، والكبير علي الصغير ، والكثير علي القليل : فلهم أجر إفشاء السلام إن شاء الله ، إلا أن العمل بهذا الحديث أولى طلباً للكمال ، وتحصيلاً للسنة .

قال النووي في (( شرح مسلم )) ([9]) :

وهذا الذي جاء به الحديث ... كله للاستحباب ، فلو عكسوا ، جاز وكان خلاف الأفضل . ا هـ .



قال ابن عبد القوي الحنبلي في منظومته :

وإن سلم المأمور بالرد منهم فقد حصل المسنون ، إذا هو مبتدي

وقد استشكل ابن مفلح هذا البيت ، في (( الآداب )) ([10])

وأجاب السفاريني في ((شرح المنظومة )) ([11]) بأن مراد الناظيم : حصل المسنون في الابتداء فقط .

وعلي هذا فإنه لم يحز كمال السنة في البداءة بمن ذكر في الحديث ، فلا . والله أعلم .



وجوب رد السلام

سُئل الإمام أحمد – رحمه الله تعالي – عن رجل مَر بجماعة ، فسلم عليهم ، فلم يردوا عليه السلام ، فقال :

(( يُسرع في خطاهُ ، لا تلحقه اللعنة مع القوم )) ([12])

قال ابن عبد البر في (( التمهيد )) :

الحجة في فرض رد السلام ، قول الله تعالي :

) إِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (

قال : والرد واجب عند جميعهم . ا هـ . ([13])

قال القرطبي :

أجمع العلماء علي أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ، ورده فريضة . ا هـ ([14])

وقد سبقه إلي نقل الإجماع : ابن عبد البر ، وابن حزم .

ونقله – أيضاً – شيخ الإسلام ابن تيمية ([15])

قال : ابن كثير – رحمه الله تعالي – علي قول الحسن البصري : (( السلام تطوع ، والرد فريضة )) .

وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب علي من سلم عليه . فيأثم إن لم يفعل ، لأنه خالف أمر الله تعالي . هـ ([16])

فترك رد السلام منكر شنيع ، بلي به كثير من الناس في هذه الأزمان ، دافعهم إليه الكبر ، والعُجْبُ ، فإليهم جميعاً نقول : رويداً من أنتم ؟ وممن أنتم ؟

) قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ& من أى شيء خلقه &من نطفة خلقه فقدره ( .

أأنتم أعظم قدراً وأعلي مكاناً ، من رسول اللهr ؟ فقد رد السلام ، علي الصغير والكبير ، والحر والعبد . وسلم عليهم ، فليكن لكم في رسول الله أسوة حسنة . نسأل الله التوفيق والهداية للجميع .

تنبيه : إذا قام الإنسان من المجلس ، وسلم وجب الرد عليه ، خلاقاً لبعض العلماء .

قال المستظهري من الشافعية :

السلام سنة عند الانصراف فيكون الجواب واجبا

قال النووي : هذا هو الصواب . ا هـ ([17])



كيفية الرد

إذا كان السلام علي جماعة

أخرج أبو داود في سننه ( 5/387 ) من طريق سعيد بن خالد الخزاعي ، قال : حدثني عبد الله بن الفضل ([18]) حدثنا عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب t – قال أبو داود : رفعه الحسن بن علي ([19]) – قال :

(( يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم ))

قال الحافظ في (( الفتح )) ( 11/7 ) :

وفي سنده ضعف . لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني ، وفي سنده مقال ، وآخر مرسل في (( الموطأ )) عن زيد بن أسلم . ا هـ .

وقول الحافظ (( سنده ضعيف )) لأن فيه علتين :

الأولي : سعيد بن خالد ، فإنه ليس بالقوي ([20]) وقد ضعفه جماعة منهم أبو ذرعة ، وأبو حاتم ، ويعقوب بن شيبة . وجعلوا حديثه هذا منكراً ، لأنه انفرد فيه بهذا الإسناد ([21])

قال ابن حبان :

لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ([22])

والعلة الثانية : الانقطاع بين عبد الله بن الفضل وعبيد الله بن أبي رافع . قال ابن عبد البر : عبد الله ابن الفضل لم يسمع من عبيد الله بن أبي رافع ، بينهما الأعرج في غير ما حديث . ا هـ .

وقد رواه المحاملي في (( أماليه )) ([23]) عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع .

قال الدراقطني في (( العلل )) ( 4/22 ) :

والصواب قول من لم يذكر الأعرج فيه والحديث غير ثابت . ا هـ .

لكن للحديث شواهد – كما قال ابن حجر – وقد قال عبد البر عن حديث علي : (( هو حديث حسن )) ، وقد حسنه من المعاصرين المحدث شيخ الإسلام الألباني ([24]) والله تعالي أعلم بالصواب .

قال ابن مفلح – رحمه الله - :

ويجزئ سلام واحدٍ من جماعة ورد أحدهم ([25])

قال ابن عبد البر :

قال مالك والشافعي ، وأصحابهما ، وهو قول أهل المدينة : إذا سلم رجل علي جماعةٍ من الرجال فرد عليه واحد منهم .

وشبهه الشافعي – رحمه الله – بصلاة الجماعة ، والتفقه في دين الله ، وغسل الموتى ، ودفنهم ، وبالسفر إلي أرض العدو لقتالهم . قال هذه كلها فروض علي الكفاية ، وإذا قام منها بشيء بعض القوم ، أجزأ عن غيرهم . ا هـ . ([26])

وقد خالف في ذلك الحنفية . قال أبو يوسف لا يجزئ إلا أن يردوا جميعاً .

قال أبو جعفر الطحاوي :

ولا نعلم في هذا الباب شيئاً روي عن النبيr غير حديث مالك عن زيد بن اسلم ، وشيء روي فيه عن أبي النضر مولي عمر بن عبيد الله ، عن رسول اللهr وكلا الوجهين لا يحتج به ... ا هـ ([27]) .

إرسال السلام وتبليغه



كان النبيr يحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه . ويتحمل –r – السلام لمن يبلغه إليه .

فمن الأول ما رواه مسلم في صحيحه ( 3/1506 ) عن أنس بن مالك – t – أن فتىً من أسلم قال : يا رسول الله ، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز . قال : ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض . فأتاه فقال : إن رسول اللهr يقرئك السلام ويقول : أعطني الذي تجهزت به . قال : يا فلانة أعطيه الذي تجهزت به . ولا تحبسي عنه شيئاً ، فوا الله لا تحبسي منه شيئاً فيبارك لك فيه .

ففي هذا الحديث مشروعية إرسال السلام إلي الغائب ، وعليه العمل عند المسلمين .

من ذلك ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال :

أراد رسول اللهr الحج ، فقالت أمرأة لزوجها : أحجني مع رسول اللهr فقال : ما عندي ما أحجك عليه قالت أحجني علي جملك فلان . قال ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل فأتي رسول اللهr فقال : إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله ، وأنها سألتني الحج معك ، قالت أحجني مع رسول اللهr فقلت ما عندي ما أحجك عليه قالت أحجني علي جملك فلان . فقلت ذاك حبيس في سبيل الله فقال :

(( أما إنك لو أحججتها عليه كان ذلك في سبيل الله ))

قال : وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجةً معك ، فقال رسول اللهr : (( أقرأها السلام ورحمة الله وبركاته ، وأخبرها أنها تعدل حجة معي )) يعني عمرةً في رمضان ([28]) .

ولا يختص إرسال السلام إلي غائب عند الحاجة إليه ، بل هو عام عند الحاجة ، وغيرها كما وردت بذلك النصوص والآثار ، وسيأتي بعضها .

أما الهدي الثاني وهو تحمل النبيr لمن يبلغه إليه ، فمنه ما في الصحيحين ([29]) عن أبي هريرة - t – قال : أتي جبريل النبيr فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام ، أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقر أ عليها السلام من ربها ، ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصبٍ لا صخب فيه ولا نصب .

وفي الصحيحين ([30]) – أيضاً – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول اللهr يوماً : (( يا عائش : هذا جبريل يقرئك السلام )) فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، ترى ما لا أرى . تريد رسول اللهr . وهذا لفظ البخاري ، وليس في رواية مسلم : (( وبركاته )) .



قال النووي في شرح مسلم ( 15/211 )

وفيه استحباب بعث السلام ويجب علي الرسول تبليغه . ا هـ .

قال العلامة ابن مفلح – رحمه الله – في ( الآداب 1/419 ) :

وهذا ينبغي أن يجب إذا تحمله لأنه مأمور بأداء الأمانة ، وإلا فلا يجب . ا هـ .



قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح 11/38 ) :

والتحقيق أن الرسول إنِ ألتزمه أشبه الأمانة ، وإلا فوديعة ، والودائع إذا لم تقبل لم يلزمه شيء . ا هـ .

فعلي هذا إذا حمل اشخص سلاماً ، فلا يخلوا من أحد أمرين :

الأول : أن يحمل سلاماً ، فلا يتحمله إما بقوله : لا أتحمل سلامك . وإما بقوله إن شاء الله قاصداً التعليق لا التحقيق .وما شابه ذلك .

الثاني : أن لتزم ما حمله . وذلك بقوله : سأبلغ سلامك ، أو سأبلغه إن شاء الله . قاصداً التحقيق وما شابه ذلك .

فالأول : لا يجب عليه تبليغ السلام .

والثاني : يجب لأنه تحمل أمانة ، فأوجب علي نفسه تبليغها والدليل علي ذلك عموم ([31]) الآيات والأحاديث الدالة علي وجوب حفظ الأمانة وتأديتها والله أعلم .





كيفية رد السلام المبلغ

إذا بلغك شخص سلا م شخصٍ عليك ، وجب أن ترد عليه السلام ، فإذا قال لك : فلان يقرأ عليك السلام . أو فلان يسلم عليك قلت : وعليه السلام ، وإن زدت : ورحمة الله وبركاته ، فحسن .

وذلك لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها – أن النبيr قال لها يوماً : (( يا عائش : هذا جبريل يقرئك السلام )) فقالت : وعليه السلام ، ورحمة الله وبركاته . هذا لفظ البخاري .

لأن رد السلام واجب كما هو متقرر ، فيستوي فيه المشافهة ، والإبلاغ .

قال النووي في شرح مسلم ( 15/211 ) علي حديث عائشة :

قال أصحابنا هذا الرد واجب علي الفور . وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ علي الفور إذا قرأه . ا هـ .

وهل يرد السلام علي المرسلل أيضاً ، فيقول عليه وعليك السلام ؟

في حديث عائشة أنها ردت علي جبريل فقط .

فدل ذلك علي أن الواجب رد السلام علي المرسِل

وقد وردت أحاديث في رد السلام علي المرسل والمرسَل وأمثلها ما رواه النسائي في (( عمل اليوم والليلة )) ص 301 من طرف جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ، قال : جاء جبريل إلي النبيr وعنده خديجة ، وقال إن الله يقرئ خديجة السلام . فقالت إن الله هو السلام وعلي جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .

قال الحاكم في (( المستدرك )) ( 3/186 ) :

حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه . ا هـ ([32])

قال ابن مفلح في (( الآداب ( 1/419 ) :

ويستحب أن يسلم علي الرسول . قيل لأحمد : إن فلاناً يقرئك السلام . قال : عليك وعليه السلام . وقال في نوضع آخر : وعليك وعليه السلام . ا هـ .

وقال النووي في الأذكار ص 212

ويستحب أن يرد علي المبلغ أيضاَ ، فيقول : وعليك وعليه السلام . ا . هـ .

قرن المعانقة بالسلام

يعتقد بعض العامة أن من كمال التحية مصاحبة المعانقة لها ، فكلما سلم علي شخص عانقه ، وربما يغضب إذا لم يعامل بذلك وقد جاء النهي الصريح عن هذا العمل . ففي مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي ، وابن ماجة ، عن أنس بن مالك - t – قال :

(( قال رجل : يا رسول الله : أحدنا يلقي صديقه أينحني له ؟ فقال رسول اللهr : لا ، قال : فيلتزمه ويقبله ؟ قال : لا . قال يصافحه ؟ قال : نعم )) .

وفي لفظ أحمد : (( إن شاء )) .

وعند ابن ماجه : (( لا ، ولكن تصافحوا )) قال الترمذي : حديث حسن .

فدل الحديث علي أن الصديق إذا لقي صديقه أكتفي بالمصافحة – مع السلام – ويستنثي من ذلك من قدم من سفر ، فإن معانقته مستحبة عندئذ ، لما ثبت عن أنس بن مالك - t –من قوله : (( كان أصحاب رسول اللهr إذا تلاقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا )) .

رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي في ((المجمع )) : رجاله رجال الصحيح . ا هـ .

فدل الأثر علي أن الصحابة إذا لاقى بعضهم بعضاً اكتفوا بالمصافحة ما لم يكن أحدهم قدم من سفر ففي هذه الحالة يعانقونه ويقبلونه .

تنبيه :

يخطئ كثير من الناس عندما يعانقون أهل الميت حال تعزيتهم ، لأن المعانقة محلها السرور لا الحزن ولما في ذلك من الوقوع في النهي المتقدم ، مع مخالفة السنة النبوية والخروج عن منهج السلف الصالح والله تعالي أعلم .


القيام للداخل عند السلام عليه



مسألة القيام للداخل كثر النزاع فيها ، وطال الجدل حولها . وقبل البدء في تقرير المسألة أشير إلي أمرين ينبغي لطالب العلم استحضارهما عند هذه المسألة ونحوها من المسائل الاجتهادية التي تتنازع الأفهام فيها نصوص الشرع :

الأمر الأول :

أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها .

بمعني أن المسألة إذا تجاذبنها الأدلة ، أو اختلفت الأفهام في مدلول نصوصها ، ولم يكن الصواب واضحاً كالشمس ، فإن علي الطالب أن يذكر ما وصل إليه اجتهاده ، وأداه إليه فهمه ، مع الإجابة عن حجج المخالف ، ويكتفي بهذا القدر لأنه لو أنكر فعل المخالف ، لخرج من يُنكر عليه قوله ، فتصبح المسألة دوراً ، ويشغل المسلمون عما هو أهم من هذه المسائل ، بالإضافة إلي تشتيت أذهان العوام ، وجعلهم في حيرة من أمرهم .

الأمر الثاني

وجوب مراعاة القاعدة الشرعية التالية :

(( إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما ))

وكذا القاعدة القائلة (( درء المفاسد أولي من جلب المصالح )) .

وبعد هذا العرض نقول :

اختلف العلماء رحمهم الله تعالي قديماً وحديثاً في القيام للداخل هل يجوز أم يحرم ، أم يجوز في حق أُناس ، ويحرم في حق آخرين ، إلي غير ذلك من الآراء .

وقبل الدخول في هذا الخلاف نحرر محل النزاع ، فنقول : القيام علي أقسام ، وهي :

1- القيام علي الرجل :

بمعني أن يقوم شخص أو أكثر علي شخص جالسٍ كما هو حال الملوك والجبابرة .

فهذا القيام محرم ، لورود النهي عنه صراحة في حديث جابر بن عبد الله ، ونصه قال :

(( اشتكي رسول اللهr فصلينا وراءه وهو قاعد ، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره ، فالتفت إلينا فرآنا قياماً ، فأشار إلينا فقعدنا ، فصلينا بصلاته قعوداً ، فلما سلم قال : كدتم أنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون علي ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ... )

أخرجه مسلم في صحيحه ( 1/176 ط الحلبي )

ويستثني من ذلك ما إذا كان القيام لفائدة . قال ابن مفلح في ( الآداب ) ( 1/460 ) : (( وأما القيام لمصلحة أو فائدة ، كقيام معقل بن يسارٍ يرفع غصناً من شجرة عن رأس رسول اللهr وقت البيعة . رواه مسلم وقيام أبي بكر يظله من الشمس : فمستحب )) . ا هـ .



2- القيام للتهنئة أو التعزية :

وهذا القيام جائز لأن النبيr أقر طلحة بن عبيد الله علي قيامه لكعب بن مالك تهنئة له بتوبة الله عليه ، وهذا نص الشاهد من القصة . قال كعب :

(( حتى دخلت المسجد فإذا رسول اللهr جالس في المسجد ، وحوله الناس ، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره ، فكان كعب لا ينساها لطلحة ))

ويلحق بذلك التعزية ، لأنه لما جوز القيام في شدة الفرح ، فالقيام في شدة الحزن أولى والله أعلم .



3- القيام لإعانة العاجز :

وهذا القيام مستحب ، لما ثبت في مسند الإمام أحمد عن عائشة – رضي الله عنها – في قصة بني قريظة ، وفيه ( قال أبو سعيد : فلما طلع – يعني سعد بن معاذ – علي رسول اللهr قال : (( قوموا إلي سيدكم فأنزلوه )) ، فقال عمر : سيدنا الله عز وجل . قال : (( أنزلوه )) ، فأنزلوه . قال الحافظ ابن حجر : سنده صحيح ( الفتح 11/51 )

فهذه الرواية تبين أن الأمر بالقيام إليه إنما هو لأجل إعانته ، لأنه كان مصاباً يوم الخندق ، ففيها استحباب القيام لمساعدة العاجز .

ولو كان القيام المأمور به في هذا الحديث لغير المنى المذكور لما خص الأنصار دون غيرهم . قاله ابن الحجاج في المدخل ( 1/159 ) وقال أيضاً : لو كان القيام لسعد علي سبيل البر والإكرام لكان هوr أول من فعله ، وأمر به من حضر من أكابر الصحابة ، فلما لم يأمر به ، ولا فعله ولا فعلوه ، دل علي أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع ، وإنما لينزلوه عن دابته ، لما كان فيه من المرض ... إلخ . ا هـ .



4- قيام الابن لأبيه والزوجة لزوجها ، والعكس :

وهذا القيام جائز ، لما ثبت في صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – في حديث الإفك ، وفيه :

(( فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : والله إني لا أقوم إليه إني لا أحمد إلا الله عز وجل )) فأقر النبيr أم عائشة علي هذا ويستفاد منه - أيضاً – القيام للتهنئة ، وقد سبقت .

وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت :

ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ودلاً وهدياً – وقال الحسن – ( حديثاً وكلاماً ) برسول اللهr من فاطمة – رضي الله عنها – كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه . وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها ))

أخرجه أبو داود في سننه ( 20 / البذل )

وقال ابن مفلح في ( الآداب) بعد أن ساق سنده : إسناد صحيح ، ورواه النسائي والترمذي وقال : صحيح غريب من هذا الوجه . ا هـ .

ففي هذا الحديث جواز قيام الابن لأبيه والعكس . وفي معني الأب : الأم والعم والخال والخالة والله أعلم .

وقد سأل حنبل الإمام أحمد – وهي احدي الروايات عنه – فقال : قلت لعمي تري للرجل أن يقوم للرجل إذا رآه ؟ قال : لا يقوم أحد لأحد إلا الولد لوالده أو لأمه . فأما لغير الوالدين فلا ، تهى النبيr عن ذلك . ا هـ من ( الآداب ) لابن مفلح ( 1/463 )

وسئل الإمام مالك عن المرآة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه ، وتنزع ثيابه ، وتقف حتى يجلس ، فقال أما التلقي فلا بأس وأما القيام حتى يجلس فلا ، فإن هذا فعل الجبابرة . وقد أنكره عمر بن عبد العزيز . ا هـ من ( فتح الباري ) ( 11/51 )



5- القيام للقادم من سفر :

وهذا القيام جائز ، لأن الصحابة كانوا إذا قدموا من سفر تعانقوا . قال ابن مفلح في ( الآداب 1/459 ) : والمعانقة لا تكون إلا بالقيام . ا هـ .

وسأل مُثني أبا عبد الله أحمد بن حنبل : ما تقول في المعانقة ؟ وهل يقوم أحد لأحد في السلام إذا رآه ؟ قال : لا يقوم أحد لأحد في السلام إذا رآه ؟ قال : لا يقوم أحد لأحد وأما إذا قدم من سفر فلا أعلم به بأساً ، إذا كان علي التدين يحبه في الله ، أرجوا ، لحديث جعفر أن النبيr اعتنقه وقبل جلده بين عينيه . ا هـ .



6- القيام للاستقبال عند القدوم :

وهذا القيام لا بأس به وصورته أن يقوم الشخص من مجلسه لاستقبال إنسان قادم عليه . وقد حمل العلامة ابن القيم الأحاديث الواردة في القيام

- كحديث قيام فاطمة للنبيr وقيامها له – علي هذا النوع من القيام . كما قال – رحمه الله تعالي – جمعاً بين الأحاديث الواردة في القيام والناهية عنه :

وأما الأحاديث المتقدمة: فالقيام فيها عارض للقادم ، مع أنه قيام للرجل للقائه ، لا قياماً له وهو وجه حديث فاطمة .

فالمذموم القيام للرجل وأما القيام إليه للتلقي إذا قدم : فلا بأس به . وبهذا تجتمع الأحاديث والله أعلم . ا هـ من (( حاشية السنن )) ( 4/84 )

وقال أيضاً في الحاشية ( 8/93 ) :

ففرق بين القايم للشخص المنهي عنه ، والقيام عليه : المشبه لفعل فارس والروم . والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب ، وأحاديث الجواز تدل عليه فقط . ا هـ .

وقد نقل اللفظ ابن حجر – رحمه الله تعالي – في (( الفتح )) ( 11/51 ) كلاماً لابن القيم وعزاه إلي حاشية السنن )) هذا نصه :

قال – أي ابن القيم – والقيام يتقسم إلى ثلاث مراتب :

قيام علي رأس الرجل . وهو فعل الجبابرة .

وقيام إليه عند قدومه . لا بأس به .

وقيام له عند رؤيته . وهو المتنازع فيه . ا هـ .



7- القيام عند رؤية الرجل :

وذلك بأن يكون الناس في مجلس فيدخل واحد ، فيقومون له ، ويسلمون عليه .

وقد كثر الكلام حول حكم هذه الصورة من صور القيام . والقول الراجح – إن شاء الله تعالي – تحريمها والنهي عنها ، وذلك لورود الأدلة الصحيحة بالزجر عنها ، والترهيب منها ، وما خالف ذلك من الأحاديث فإنه صحيح غير صريح أو صحيح لا دلالة فيه ، أو غير صحيح البتة . ومن الأدلة علي ذلك :

مما رواه الإمام أحمد في مسنده ( 20/353 فتح ) وأبو داود في سننه ( 20/167 بذل ) والترمذي ، وغيرهم ، عن أبي مجلز أن معاوية دخل بيتاً فيه ابن عامر وابن الزبير . فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير . فقال معاوية - t – اجلس فإني سمعت رسول اللهr يقول (( من سره أن يتمثل له العباد قياماً فليتبوأ مقعده من النار )) . هذا لفظ أحمد .

قال الترمذي : حديث حسن . ا هـ .

فدل الحديث علي تحريم القيام للداخل عند رؤيته .

ووجه دلالته أن الصحابي الجليل راوي الحديث : معاوية – t – فهم منه تحرم القيام للداخل ، ولم يعترض عليه من كان حاضراً .

وهذا هو المستقر في أذهان الصحابة – t – ولذا لم يقر ابن الزبير لمعاوية لما دخل .

وقد استدل بهذا الحديث علي تحريم القيام في هذه الصورة : العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالي – ووضح وجه دلالته الحديث علي المراد ، ورد علي من زعم أن الحديث لا يتناول هذه الصورة . وذلك في حاشيته علي السنن ( 8/93 ) . ويتلخص كلامه فيما يلي :

( أ ) الرد علي من زعم أن هذا الحديث يتناول القيام علي الرجل ، كما هو فعل فارس والروم . وذلك من وجوه :

1- سياق حديث معاوية يدل علي خلاف ذلك .

2- أنهr كان ينهي عن القيام له إذا خرج عليهم .

3- لأن العرب لم يكونوا يعرفوا هذا .

4- لأن هذا لا يقال له : قيام للرجل ، وإنما هو قيام عليه .



( ب) أن هذا الحديث يدل علي تحريم القيام للشخص .

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالي – في موضع آخر من (( الحاشية )) ( 8/48 ) علي هذا الحديث :

(( وفيه رد علي من زعم أن معناه : أن يقوم الرجل للرجل في حضرته وهو قاعد ، فإن معاوية روى الخبر لما قاما ([33]) له حين خرج )) . ا هـ .

وقال ابن الحجاج – رحمه الله تعالي – في كتابه (( المدخل )) ( 1/185 ) : (( وانظر – رحمك الله وإيانا – إلي معاوية الذي تلقي الحديث من صاحب الشريعة – صلوات الله وسلامه عليه – كيف نهي عن ذلك علي العموم ، وذلك الذي فهم ، فكان ينبغي أتباعه في فهمه وفقهه )) . ا هـ .

فإن قال قائل : إن قولهr : (( من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار )) .

يدل علي أن الإنسان إذا أحب أن يقوم له الناس ، وقع في الوعيد . أما إذا لم يحب فلا شيء عليه . وكذا لا حرج علي القائم له ، لأن الحديث ليس فيه ذكر له ولا وعيد عليه .

*****

والجواب عن هذه الشبهة يحصل بالمقدمات التالية :

أولاً : أن معرفة من يحب قيام الناس له ، ممن لا يحب ذلك ، أمر يستحيل علي المكلف معرفته .

ثانياً : أن التعاون علي البر والتقوى ، وعدم التعاون علي الإثم والعدوان واجب شرعي ، ويبني عليه من الأحكام ما لا يحصى .

إذا تبين هذا فإن ترك القيام واجب ، سدا للذريعة ، لأنك لا تعلم هل يحب من قمت له ، قيامك ، أم يكرهه . وإذا كنت لا تعلم فترجيح المحظور أحوط ، وهو أنه يحب القيام ، لما جبلت عليه النفوس من محبة التعظيم ، وهذا أحد صوره فيحرم القيام تعاوناً علي البر والتقوى .

ويجلي هذا ويوضحه ما رواه الإمام أحمد في المسند ( 3/132 ) والترمذي ، عن أنس بن مالك – t – قال :

(( ما كان أحد أحب إليهم من رسول اللهr وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك )) .

قال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه . ا هـ .

فانظر غلي هذا الهدي النبوي العظيم وتأمله ، يتبين لك ما كان عليه النبيr من سد أبواب الذرائع المفضية إلي المعاصي وغيرها .

فها هوr يربي أصحابه علي ترك القيام له ، حتى أصبحوا لا يقومون له ، وهو أحب الناس إلي نفوسهم .

فالأولي بأهل العلم أن يأخذوا بهذا الهدي وينهوا العامة عن القيام لهم ، حتى تنتشر السنة ، وتعلوا رايتها . وما يؤمن أحدهم أن يحب قيام الناس له ، فيدخل صراحة في الوعيد الشديد ، الوارد في الحديث

وماذا علي عامة المسلمين لو علموا بهذا الهدي ، فدرأوا عن علمائهم وصلحائهم وكبرائهم الشر والضرر ؟

إنك لتأسف أسفاً شديداً عندما ترى عالماً يتمعر وجهه إذا لم يقم له ، وإن كلم ، تذرع بأحاديث الجواز – التي لا تصح حجة – ونسي أننا لو سلمنا له الجواز ، فأين مفره من هذا الحديث الذي يبين هدي المصطفيr في القيام . أليس هو أحق الناس بالتأسي برسول اللهr ؟

وفي هذا الهدي النبوي أبلغ ردً علي من زعم أن القيام لأهل العلم ونحوهم علي سبيل البر والإكرام ، مسنون ومندوب ( وذلك أن القيام لو كان إكراماً شرعاً ، لم يجز لهr أن يكرهه من أصحابه له ، وهو أحق الناس بالإكرام ، وهو أحق الناس بحقه عليه الصلاة والسلام ) قاله العلامة المحدث الألباني .

وأما قول القائل أن القائم لا حرج عليه لأن الحديث لم يتعرض لذكره ، ولوعيده .

فجوابه : أن معاوية بن أبي سفيان – راوي الحديث – من فقهاء الصحابة ، وقد استدل بهذا الحديث الذي سمعته أذنه من فم رسول اللهr علي المنع من القيام للداخل ، وأقره علي ذلك ابن الزبير وهو من الصحابة ، وغيره ممن حضر . ففهمهما أحق وأولي من فهم غيرهما ..

والمتأمل يجد أن القائم له نصيب من هذا الحديث جزاء إعانة الشيطان علي أخيه القادم والله أعلم .

وقل سئل أئمة الدعوة السؤال الآتي :

ما تقولون في القيام في وجه الأمراء ، والعلماء ، وأهل الفضل ، كما يفعله أهل فارس والروم .

وبعض ( المطاوعة ) يفتون أن القيام جائز في حق العلماء وأهل الفضل ؟

الجواب :

أنه لا يجوز القيام للعلماء ، ولا الأمراء ، بحيث يتخذ ذلك عادة وسنة . بل ذلك من فعل أهل الجاهلية والجبابرة كملوك فارس والروم وغيرهم ، فإنهم كانوا يفعلون ذلك مع عظمائهم .

وقد ثبت عن النبيr أنه قال :

(( من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار )) .

وفي حديث آخر عن أنس بن مالك :

(( لم يكن أحد أحب إليهم من رسول اللهr ، وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك ... )) . ا هـ . ( المجموعة 1/36 ) .

فتقرر بهذا العرض الموجز : تحريم القيام للداخل عند رؤيته . فينبغي للمسلمين أن يجتنبوا هذا القيام وأن يزجروا من فعله وأن ينشئوا أبنائهم علي تركه ، حتى يسلموا من العقاب ويظفروا بمتابعة رسول اللهr ويحافظوا علي المودة والألفة ، التي طالما شتت ( القيام ) شملها وبعثر جمعها .. فإن هذا القيام بغيض إلي النفوس السليمة ، لما أودع فيه من الكلفة والمشقة ، حتى إنك في بعض المجالس لتقوم أكثر من عشرين مرة احتفاءً وإكراماً للقادم وهذا مما بعث الكراهة لهذه المجالس ، ومن ثم هجرها والابتعاد عنها كما هو واقع كثير من الناس اليوم .

وقد أورد ابن العماد في (( شذرات الذهب )) ( 3/123 ) ، واقعة يحسن ذكرها هنا ، فقال :

واجتاز ابن بطة بالأحنف العكبري فقام له فشق ذلك عليه ، فأنشأ الأحنف :

لا تلمني علي القيام فحقي حين تبدوا أن لا أمل القياما

أنت من أكرم البرية عندي ومن الحق أن أجل الكراما



فقال ابن بطة :

أنت إن كنت لا عدمتك ترعى لي حقاً وتظهر الإعظاما

فلك الفضل في التقدم والعلم ولسنا نحي منك احتشاما

فاعفني الآن من قيامك أولا فأجزيك بالقيام قياماً

وأنا كاره لذلك جداً إن فيه تملقاً وأثاما

لا تكلف اخاكا أن يتلقاك بما يستحل فيه الحراما

وإذا صحت الضمائر منا أكتفينا أن نتعب الأجساما

كلنا واثق بود أخيه ففيم انزعاجنا وعلاما



وقد نقلت إلينا مواقف لبعض العلماء من القيام نذكرها ، ليتأسى بهم العلماء ويتقووا بها في إنكار القيام :

منها ما ذكره ابن كثير في (( البداية والنهاية )) ( 10/171 ) في حوادث سنة ست وسبعين ومائة ، قال :

وفيها توفي : فرج بن فضالة التنوخي الحمصي .... ومن مناقبه : أن المنصور دخل يوماً إلي قصر الذهب ، فقام الناس إلا فرج بن فضالة . فقال له ، وقد غضب عليه : لِمَ لَمْ تقم ؟ قال : خفت أن يسألني الله عن ذلك ويسألك : لما رضيت بذلك ، وقد كره رسول اللهr القيام للناس .

قال : فبكي المنصور ، وقربه ، وقضي حوائجه . ا هـ .

وروي الخطيب البغدادي في (( تاريخ بغداد )) ( 11/360/361 ) عن عبد الرزاق بن سليمان بن علي بن الجعد قال : سمعت أبي يقول : لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر ، فناظرهم علي متاع كان معهم ثم نهض المأمون لبعض حاجته ، ثم خرج ، فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد فإنه لم يقم . قال : فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ، ثم استخلاه فقال له : يا شيخ ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك ؟

قال : أجللت أمير المؤمنين ، للحديث الذي ناثره عن رسول اللهr . قال ما هو ؟ قا ل علي بن الجعد : سمعت المبارك بن فضالة يقول : سمعت الحسن يقول : قال النبيr (( من أحب أن يمتثل له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار ))

قال : فأطرق المأمون متفكراً في الحديث ، ثم رفع رأسه فقال : لا يشتري إلا من هذا الشيخ . قال : فاشترى منه في ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار . ا هـ .



قال الشيخ الألباني في (( السلسلة الصحيحة )) ( 1/629 ) :

ونحو هذه القصة ما أخرج الدنيوري في (( المنتقى من المجالسة )) ( ق8/1 – نسخة حلب ) :

حدثنا أحمد بن علي البصري قال وجه المتوكل إلى أحمد بن العدل ، وغيره من العلماء ، فجمعهم في داره ، ثم خرج عليهم ، فقام الناس كلهم إلا أحمد بن العدل . فقال المتوكل لعبيد الله إن هذا الرجل لا يري بيعتنا ، فقال له : بلى يا أمير المؤمنين ، ولكن بصره في سوء .

فقال أحمد بن العدل / يا أمير المؤمنين ما في بصري من سوء ، ولكنني نزهتك عن عذاب الله تعالي . قال النبيr (( من أحب أن يمثل له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار )) فجاء المتوكل فجلس إلي جنبه . ا هـ .

تنبيه :

ينبغي لطلبة العلم القائلين بتحريم القيام للداخل ، تحذير الناس من الوقوع فيه ، وبيان الأدلة علي منعه ، وتوضيح هدي النبيr في هذا المقام مع مراعاة ما يأتي :

أولاً : عدم التشديد في الإنكار بالقول والفعل

ثانياً : إذا كان جلوسهم للقادم يفضي إلي الشحناء والبغضاء – وغير ذلك من الأمور المتفق علي تحريمها ومفسدتها أكبر من مفسدة ما نحن فيه –

فيجب القيام درءً للمفسدة ، وتوقياً من الوقوع فيما هو أعظم ضرر من القيام . لكن ينبغي مع ذلك تبيين الحكم وتوضيحه ، والمحاولة في الإقناع ، بالحكمة واللين وسأكتفي في التدليل لهذين الأمرين بفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي – يتبين من خلالها تلك النظرة التي يتمتع بها هذا الإمام في معاملته للنصوص الشرعية . وهذا نصها :

سئل شيخ الإسلام أوحد الزمان تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية قدس الله وروحه ونور ضريحه :

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين ، في النهوض والقيام الذي يعتاده الناس من الإكرام عند قدوم شخص معين معتبر ؟ وهل يجوز أم لا عند غلبة ظن المتقاعد عن ذلك أن القادم يخجل أو يتأذي باطنه وربما آل ذلك إلي بغض ومقت وعداوة ؟ ... إلخ

الجواب : الحمد لله : لم يكن من عادة السلف على عهد النبيr ، وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كما يردون على السلام ، كما يفعل كثير من الناس ، بل قد قال أنس بن مالك t لم يكن شخص أحب غليهم من رسول اللهr وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلموا من كراهته لذلك ، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبة تلقياً له ، كما روي عن النبيr ، أنه قام لعكرمة وقال للأنصار لما قدم سعد بن عبادة : قوموا إلي سيدكم وكان سعد متمرضاً بالمدينة وكان قد قدم إلي بني قريظة شرقي المدينة

والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف علي ما كانوا عليه في عهد النبي ، r ، فإنهم خير القرون ، وخير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدى محمد ، فلا يعدل أحد عن هدى خير الخلق وهدى خير القرون إلي ما هو دونه وينبغي للمطاع أن يقرر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له ولا يقوم لهم إلا في اللقاء المعتاد فأما القيام من سفر ونحو ذلك تلقياً له فحسن .

وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو ترك ذلك لاعتقد أن ذلك بخس في حقه أو قصد لخفضه ، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة ، فالأصلح أن يقام له ، لأن ذلك إصلاح لذات البين وإزالة للتباغض والشحناء .

وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له ... إلى أن قال – رحمه الله تعالي – وجماع ذلك الذي يصلح إتباعه عادة السلف وأخلاقهم والاجتهاد بحسب الإمكان فمن لم يعتد ذلك أو لم يعرف أنه العادة ، وكان في ترك معاملته بما اعتاده الناس من الاحترام مفسدة راجحة ، فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما كما يجب فعل أعظم الصالحين بتفويت أدناهما ([34])


ترك السلام

علي أهل البدع والفسق



ترك السلام علي أهل البدع والفسقه تعلق كبير بمسألة (( الهجر )) ولذا فإن أحد تعاريف العلماء للهجر : ترك السلام والكلام عند الملاقاة )) وهذا مقتبس من ظاهر حديث عائشة – رضي الله عنها - : أن رسول اللهr قال :

(( لا يكون لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاثة فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرات ، كل ذلك لا يرد عليه ، فقد باء بإثمه )) . رواه أبو داود . وقال ابن مفلح في الآداب ( 1/287 ) : حديث حسن ا هـ .



إذا تقرر هذا فإن لشيخ الإسلام ابن تيمية كلاماً متيناً ، يتبين من خلاله متى يسوغ إيقاع الهجر (( المشروع )) ومتى لا يصح إيقاعه .

قال – رحمه الله تعالي :

(( النوع الثاني : الهجر علي وجه التأديب ، وهو هجر من يظهر المنكرات ، يهجر حتى يتوب منها ...

إلى أن قال : وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم .

فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ، ورجوع العامة عن مثل حاله .

فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة ، بحيث يفضي هجره إلي ضعف الشر ، وخفته ، كان مشروعاً ، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك ، بل يزيد الشر ، والمهاجر ضعيف ، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة علي مصلحته : لم يشرع الهجر ))

بل التأليف لبعض الناس أنفع من التأليف .

ولهذا كان النبيr يتألف قوماً ويهجر آخرين . اهـ ([35])

وقال في موضع آخر :

وأما هجر التعزيز ، فمثل هجر النبيr وأصحابه : الثلاثة الذين خلفوا ، وهجر عمر والمسلمين : لصبيغ .

فهذا من أنواع العقوبات

فإذا كان يحل بهذا الهجر حصول معروف أو اندفاع منكر فهي مشروعة .

وإن كان يحصل بها من الفساد ما يزيد علي فساد الذنب ، فليست مشروعة . . ا هـ ([36])

قال الخلال في كتاب(( المجانبة ))

أبو عبد الله – يعني أحمد بن حنبل - : يهجر أهل المعاصي ، ومن يقارف الأعمال الردية ، أو تعدى حديث رسول اللهr علي معني الإقامة عليه ، والإصرار .

وأما من شرب أو سكر ، أو فعل فعلاً من هذه الأشياء المحظورة ، ثم لم يكاشف بها ، ولم يلق فيها جلباب الحياء فالكف عن إعراضهم وعن المسلمين ، والإمساك عن إعراضهم وعن المسلمين أسلم . ا هـ . ([37])

قال شيخ الإسلام فيمن فعل شيئاً من المنكرات ، كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك : فإن كل الرجال متستراً بذلك ، وليس معلناً له : أنكر عليه سراً ، وستر عليه ، إلا أن يتعدى ضرره ، وإذا نهاه المرء سراً ، فلم ينته : فعل ما ينكف به ، من هجرٍ ، وغيره ، إذا كان ذلك أنفع في الدين . ا هـ ([38])

إذا تقرر هذا وعرف ، فإنه يسوغ لنا الآن أن نتكلم عن قضيتنا فنقول :

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يسلم علي الفاسق ، ولا المبتدع .

قال المهلب : ترك السلام علي أهل المعاصي سنة ماضية . وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع ([39])

فتحصل مما سبق علي أمور ، منها :

1- لأن، الهجر في الشرع إنما وضع للزجر ، فإذا وجدت هذه العلة ، استحب الهجر وذلك كان يهجر الوالد ولده والعالم تلميذه وذو الرياسة من دونه ، وهكذا ممن إذا هجر كان لهجره وقع في نفس المهجور ، بحيث ينكف عما هو سبب لهجره .

2- أن الهجر في الشرع إنما وضع للزجر فإذا لم توجد هذه العلة لم يشرع الهجر ، وقد يحرم ، وقد يكره وقد يباح .

3- أن محل الهجر – علي التفصيل السابق – إنما يكون دائرة المجاهرين بالمعاصي ، أما من استتر ، فالواجب نصحه ، والستر عليه ، فإن لم ينزجر – ففي هذه الحالة – يتخذ معه الآمر ما يناسب حاله ، من هجر أو غيره .

قال الإمام البخاري – رضي الله تتعالي عنه – في صحيحه – كتاب الاستئذان :

باب من لم يسلم على من أقترف ذنباً ، ومن لم يرد سلامه حتى تتبين توبته ، وإلى متى تتبين توبة العاصي ؟

وقال عبد الله بن عمرو :

(( لا تسلموا علي شَرَبة الخمر ))

ثم ساق بسنده عن عبد الله بن كعب قال :

سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك ، ونهى رسول اللهr عن كلامنا ، وآتي رسول اللهr فأسلم عليه ، فأقول في نفسي هل حرك شفتيه برد السلام أم لا حتى كملت خمسون ليلة ، وآن النبيr بتوبة الله علينا حين صلي الفجر )) . ا هـ

وقال – رحمه الله – في (( الأدب المفرد )) ( 2/472 )

باب لا يسلم علي الفاسق .

ثم ساق بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :

(( لا تسلموا على شراب الخمر )) .

وعن الحسن أنه قال :

(( ليس بينك وبين الفاسق حرمة )) وعن علي بن عبد الله بن عباس أنه قال (( لا تسلموا علي من يلعب بها – أي الاشترنج – وهى من الميسر )) . ا هـ .

ثم قال : باب من ترك السلام علي المتخلق ، وأصحاب المعاصي وساق فيه عدة أحاديث منها :

حديث أبي سعيد الخدري – t– قال : أقبل رجل من البحرين إلى النبيr فسلم عليه فلم يرد – وفي يده خاتم من ذهب ، وعليه جبة حرير – فانطلق الرجل مجزونا فشكا إلي امرأته ، فقالت : لعل برسول الله جبتك وخاتمك ، فألقها ثم عد . ففعل فرد السلام ..... الحديث . ا هـ ([40])

وقال أبو داود في سننه – كتاب السنة – ( 5/ 8 ) : باب ترك السلام علي أهل الأهواء .

وساق بسنده إلى يحي بن يعمر ، عن عمار بن ياسر قال ([41]) (( قدمت علي أهلي ليلاً ، وقد تشققت يداي ، فخلقوني بزعفران . فغدوت علي النبيr فلم يرد علي ولم يرحب بي . وقال : (( أذهب فاغسل هذا عنك )) فذهبت فغسلته ، ثم جئت وقد بقي علي منه ردع ، فسلمت فلم يرد علي ، ولم يرحب بي . وقال : (( أذهب فاغسل هذا عنك )) فذهبت فغسلته ، ثم جئت فسلمت عليه ، فرد علي ، ورحب بي ، وقال :

(( إن الملائكة لا تحضر جنازة الكفر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ، ولا الجنب )) قال : ورخص للجنب إذا نام أو أكل ، أو شرب أن يتوضأ . ا هـ . ([42])

وفي مسائل الإمام أحمد - رحمه الله تعالي – لأبي داود قال : قلت لأحمد أمر بالقوم يتقاذفون أسلم عليهم ؟

قال هؤلاء قوم سفهاء ، والسلام من أسماء الله تعالي . ا هـ . ([43])

وقال إسحاق بن منصور للإمام أحمد : نمر علي القوم وهم يلعبون بالنرد أو الشطرنج ، نسلم عليهم ؟ فقال ما هؤلاء بقوم يسلم عليهم ([44]) وعن المنقري قال : كان سعيد بن جبير إذا مر علي أصحاب النردشير ([45]) لم يسلم عليهم .



وعن المعافي بن عمران في رجل يمر بالقوم فيراهم علي بعض المنكر ، ويسلم عليهم ؟ قال : إن أراد أن يأمرهم وينهاهم ، فليسلم ، وإلا فلا يسلم . . ا هـ . ([46])

ففي هذه الأخبار : ترك السلام علي المقيم علي المعصية ، إلا لمن أراد نصحه .

وروى الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجلٍ له جار رافضي يسلم عليه ؟

قال : لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه ([47]) ا هـ

وقال الإمام مالك – رحمه الله تعالي - : لا يسلم علي أهل الأهواء .

قال ابن دقيق العيد : ويكون ذلك علي سبيل التأديب لهم ، والتبري منهم ([48]) . ا هـ

وقال ابن القيم – رحمه الله تعالي : وكان من هديهr ترك السلام ابتداءً ورداً علي من أحدث حدثاً حتى يتوب منه ، كما هجر كعب بن مالك وصاحبيه . وسلم عليه عمار بن ياسر ، وقد خلقه أهله بزعفران ، فلم يرد عليه ، قال (( اذهب فاغسل هذا عنك )) . ا هـ . ([49])


المصافحة بعد الانتهاء

من كل صلاة مفروضة

يتساءل الكثير ن حكم ما يفعله بعض المصلين من المصافحة لمن بجوارهم – يميناً وشمالاً – بعد الفراغ من أداء الفريضة .

وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالي – عن التساؤل فقال :

المصافحة بعد الصلاة ليست مسنونة بل هي بدعة . والله أعلم . ا هـ ( الفتاوى 23/339 )

وما أجمل ما قاله ابن الحاج – رحمه الله تعالي – موصياً طالب العلم :

وينبغي له أن يمنع ما أحدثوه من المصافحة بعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر وبعد صلاة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت : فعل هذا بعد الصلوات الخمس . وذلك كله من البدع .

وموضع المصافحة في الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لأخيه لا في أدبار الصلوات الخمس . وذلك كله من البدع ، فحيث وضعها الشرع نضعها فينهي عن ذلك ، ويزجر فاعله لما أتي من خلاف السنة . ا هـ ( المدخل 2/223 )

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي : ما يفعله الناس من المصافحة عقيب الصلوات الخمس مكروهة لا أصل لها في الشرع . ا هـ .

وقد أشار بعض العلماء إلي أن المصافحة بعد الصلاة ، من سنن الروافض – خذلهم الله – ( السعاية ص 264 للعلامة اللكنوي ) .

وبعد أن سمعت – أيها المسلم – كلام العلماء حول هذه المصافحة فلا يسعك إلا هجرها ومقتها وإرشاد العامة إلي تركها حذراً من الوقوع في البدع التي تخل بدين المرء وتقدح في عمله .

واعلم أن حكم هؤلاء العلماء ، علي هذه ( المصافحة ) بالبدعة ، مبني علي أنها عبادة أحدثت بعد عهد النبيr والقرون المفضلة . وقد قالr : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )

وإنك لتعجب من تشبث البدع في قلوب أبنائها حتى يكونوا لها درعاً واقياً من الهشم أو الخدش . بينما أهل السنة يعتريهم الضعف والخجل في الدفاع عن السنن ، وإحيائها ، والرد والتشديد علي من خالفها .

ألا ترى إلى هذه البدعة كيف حافظ عليها الناس واعتقدوها قربة . حتى لو أن إنسانا لمح بكراهتها لصاح به الناس من كل جانب ورمي بأنه قد جاء بدين جديد !! كل هذا بسبب فتور العلماء عن محاربة البدع – ولو صغرت – والتكاسل عن تطبيق السنة – ولو شقت – فإنا لله وإنا إليه راجعون . وحسبنا الله ونعم الوكيل .



سلام المأمومين علي الإمام بعد كل فريضة



لم ينقل عن النبي r – فيما أعلم – أن أحد سلم عليه بعد انصرافه من صلاته ، قبل أن يقوم من مكانه . وقد كثر نقل الصحابة لما يحدق في الصلاة أو بعدها عن رسول اللهr ، حتى تعلمه الأمة ، فتعمل به ، فقد سبر الصحابة جهة انصرافه من الصلاة ، أمن اليمين أم من الشمال ؟ كما سبروا ألفاظه التي كان يذكرها بعد الصلاة ... إلخ . ولم يذكر فيما نقل سلامه علي أحد ، أو سلام أحد عليه ، بعد انصرافه من كل صلاته .

والمتأمل ما عليه الناس في بعض البلدان يرى عجباً من كثرة إرهاق الإمام بالسلام عليه بعد انصرافه من كل فريضة . والويل كل الويل له إن لم يجب .

إن هذا العمل عمل غير مشروع ، وهو إلى البدع أقرب . ذلك بأن الذي شرع لنا السلام ، وحثنا عليه ، ورغبنا فيه لم يفعله في هذا المقام وهوr أسبق الناس إلي الخير فلما لم يفعل ذلك علم أن ما عليه الناس اليوم محدث ، ليس علي هدى المصطفيr . وقد ثبت أنه قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))

والكلام السابق إنما هو منصب علي أولئك الذين جعلوا ديدنهم بعد كل فريضة السلام علي الإمام ، أما من أتي إلي الإمام في حاجة ، ، أو طالت غيبته أو لعارض ، أو نحو ذلك فقد قامت عموم الأدلة علي جوازه . والله أعلم .


الزيادة بعد (( وبركاته ))

في السلام ابتداء ورداً



المشروع في السلام الكامل هو قول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . بدليل ما رواه أبو داود في سننه ( 20/133 البذل ) عن عمران بن حصين – t– قال : جاء رجل إلي النبي r فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي r (( عشر )) ثم جاء أخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس : فقال : (( عشرون )) ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس . فقال (( ثلاثون )) .

قال الحافظ في ( الفتح 11/6 ) علي هذا الحديث : أخرجه أبو داود والترمذي ، والنسائي بسند قوي ز ا هـ وقال ابن مفلح في ( الآداب 1/383 ) بإسناد جيد . ا هـ .

وقد أخرج البخاري في (( الأدب المفرد )) نحوه وعن أبي هريرة ، وفيه (( عشر حسنات )) (( عشرون حسنة )) (( ثلاثون حسنة )) .

قال العلامة القرطبي – رحمه الله تعالي – في تفسير قوله تعالي في سورة النساء : )إِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ( (النساء: من الآية86)

رد الأحسن أن يزيد فيقول : عليك السلام ورحمة الله لمن قال : سلام عليك . فإن قال : سلام عليك ورحمة الله ، زدت في ردك وبركاته . وهذا هو النهاية ، فلا مزيد عليه . قال تعالي مخبراً عن البيت الكريم : ) رحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ( (هود: من الآية73)

وقال – أيضاً – علي آية هود التي سبقت في كلامه : ودلت الآية – أيضاً – علي أن منتهي السلام (( وبركاته )9 كما أخبر عن صالحي عباده . ا هـ .

وقد ورد ما يدل علي عدم جواز الزيادة علي ( وبركاته ) في السلام . ومن ذلك ما احتج به ابن كثير في تفسير قوله تعالى( و إِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا... ) الآية .

حيث سا4ق سند ابن جرير عن سلمان الفارسي – t – قال :

(( جاء رجل إلي النبي r فقال : السلام عليك يا رسول الله فقال : (( وعليكم السلام ورحمة الله )) ثم جاء آخر فقال السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله ، فقال له النبي r (( وعليك السلام ورحمة الله وبركاته )) ثم جاء آخر فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . فقال له (( وعليك )) فقال له الرجل : يا نبي الله : بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان ، وفلان ، فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما ردت علي . فقال لهr : (( إنك لم تدع لنا شيئاً ))

قال الله تعالي )إِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ( فرددناها عليك ([50])

قال الحافظ ابن كثي – رحمه الله تعالي –

وفي هذا الحديث دلالة علي أنه لا زيادة في السلام علي علي هذه الصفة (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول اللهr . ا هـ ( 1/531 )

ومن ذلك ما رواه الإمام مالك في (( الموطأ )) بسند جيد عن محمد بن عمرو بن عطاء ، أنه قال : كنت جالساً عند عبد الله بن عباس ، فدخل عليه رجل من أهل اليمين فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، وبركاته – ثم زاد شيئاً بعد ذلك قال ابن عباس – وهو يومئذ قد ذهب بصره - :من هذا ؟

قالوا : هذا اليماني الذي يغشاك – فعرفوه إياه – قال : فقال ابن عباس : (( إن السلام انتهي إلي البركة )) .

وأخرجه البيهقي في (( الشعب ))( 6/455 ) ، ولفظه : (( قال محمد بن عمرو بن عطاء : بينا أنا عند ابن عباس وعنده أبنه ، فجاءه سائل فسلم عليه فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه ، وعدد من ذلك .

فقال ابن عباس : ما هذا السلام ؟ وغضب حتى أحمرت وجنتاه .

فقال له ابنه علي : يا أبتاه : إنه سائل من السؤال .

فقال : (( إن الله حد السلام حداً ، ونهي عما وراء ذلك . ثم قرأ ) رحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ( ومن ذلك ما أخرجه البيهقي في (( الشعب )) عن زهرة بن معبد قال : قال عمر – t – (( انتهي السلام إلى وبركاته )) قال الحافظ ابن حجر : - رجاله ثقات . ا هـ ( 11/6 الفتح )

ومن ذلك ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 10/390 ) عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع أو غيره : أن رجلاً كان يلقى ابن عمر فيسلم عليه فيقول : السلام عليك ، ورحمة الله وبركاته ، ومغفرته ، ومعافاته ، فقال له ابن عمر وعليك مئة مرة ، لئن عدت إلي هذا لأسوءنك ))

ومن ذلك ما أخرجه البيهقي في (( الشعب )9 ( 6/456 ) أن رجلاً سلم علي عبد الله بن عمر فقال : سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته

فانتهره ابن عمر وقال :

(( حسبك إذا انتهيت إلي وبركاته ، إلي ما قال الله عز وجل ، وقد )) ا هـ قلت : يعني بما قال الله تعالي :

)رحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ( (هود: من الآية73)

وفي (( الشعب )) أيضاً ( 6/510 ) عن زهرة بن معبد عن عروة بن الزبير أن رجلاً سلم عليه ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

فقال عروة : (( ما ترك لنا فضلاً ، إن السلام انتهي إلي وبركاته )) .

فتقرر من جملة ما تقدم : المنع من الزيادة علي (( وبركاته )) في السلام ابتداءً ورداً

وهذا هو هدي النبيr كما قال المحقق ابن القيم رحمه الله ([51]) وما خالف ذلك من الأحاديث المرفوعة فلا يثبت ، وتفصيل ذلك أن الزيادة علي (( وبركاته )) وردت في أحاديث :

الأول : حديث سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، عن النبيr ، وفيه ثم أتي آخر ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، وبركاته ، ومغفرته . فقال – أسr - : (( أربعون)) قال : هكذا تكون الفضائل )) قوله (( أربعون )9 أي أربعون حسنة أخرجه أبو داود في سننه – كتاب الأدب – باب كيف السلام ( 5/380 ) .

قال العلامة ابن مفلح في (( الآداب الشرعية )) ( 1/382 )

خبر ضعيف وخلاف الأمر المشهور . ا هـ .

قال العلامة ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ( 2/418 ) :

ولا يثبت هذا الحديث .

وقال ابن حجر في (( الفتح )) ( 11/6 ) :

سنده ضعيف . ا هـ .

الحديث الثاني حديث أنس – t – قال : (( كان رجل يمر بالنبيr – يرعى دواب أصحابه – فيقول : السلام عليك يا رسول الله . فيقول النبيr وعليك السلام ، ورحمة الله ، وبركاته ، ومغفرته ورضوانه .. )) الحديث .

قال ابن القيم وهو أضعف من الحديث السابق .

وقال النووي في (( الأذكار )) ص 209 : إسناده ضعيف . ا هـ .

وقال ابن حجر في (( الفتح ))( 11/6 ) إسناده واهٍ ا هـ .

الحديث الثالث : قال البخاري في (( التاريخ الكبير ))( 1/330 )

قال محمد ، حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن شعبة ، عن عن هارون بن سعد ، عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال : كنا إذا سلم النبيr قلنا وعليك السلام ، ورحمة الله ، وبركاته ، ومغفرته . ا هـ .

وهذا إسناد ضعيف جداً ، علته محمد – شيخ البخاري – وهو : ابن حميد .

قال أبو زرعة : تركه محمد بن إسماعيل . وقال النسائي : كذاب . وقال مرة ليس بثقة . وقال ابن خراش : كان والله يكذب . ا هـ من (( التهذيب )) ( 9/127 )

قال ابن حجر : حافظ ضعيف ، كان ابن معين حسن الرأي فيه . ا هـ .

والحديث أخرجه البيهقي في (( شعب الإيمان )) ( 6/45 ) ( ح 8881 ) وقد صرح في السند بأن محمداً هو ابن حميدٍ .

قال البيهقي عقبه : (( تابعه محمد بن غالب – يعني علي بن الحسين – عن محمد بن حميد وهذا إن صح قلنا به ، غير أن في إسناده إلي شعبة من لا يحتج به ، والله أعلم . ا ه.

وقد ضعف الحافظ إسناد البيهقي في (( الفتح )) ( 11/35 ) . ([52]) فتبين مما تقدم أن الزيادة علي ((وبركاته )9 في السلام ، غير مشروعة ، سواء ابتداءً ، أو رداً .

كيف والله تعالي قد انتهي إلي (( وبركاته ))؟

كيف والمستفيض علي النبيr إلى(( وبركاته)) ؟ وما ورد من الزيادة فضعيف لا يقوى مجتمعاً ، فكيف منفرداً ؟ والله الموفق .

السلام علي المسلم بلفظ

(( السلام علي من اتبع الهدى ))

السلام بهذا اللفظ سلام مقيد ، معناه أن السلامة تغشى من اتبع الهدى ، فإن كان المسلم عليه كذلك غشيته ، وإلا فلا .

ولذا فإن النصوص الشرعية لا توجه هذا السلام إلا علي من يرجي هدايته ودخوله في الإسلام .

قال الله سبحانه وتعالي في قصة موسي وهارون – عليهما السلام – مع فرعون ) قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى( (طـه: من الآية47)

وفي كتاب النبي r إلى هرقل : (( بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلي هِرقل عظيم الروم . سلام علي من اتبع الهدى ))

أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال (( السلام علي أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم : (( السلام علي من اتبع الهدى ))

وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين مِثله .

وقد أثار الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالي – سؤالاً عن الآية السابقة ، وكتاب النبي r فقال :

فإن قيل كيف يبدأ الكافر بالسلام ؟

فالجواب :

أن المفسرين قالوا : ليس المراد من هذا التحية ،وإنما معناه : سلم من عذاب الله من أسلم ، ولهذا جاء بعده : ) أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى(

وكذلك جاء في بقية هذا الكتاب : (( فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين )) فمحصل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصداً ، وإن كان اللفظ يشعر به ، لكنه لم يدخل في المراد لأنه ليس ممن اتبع الهدى فلم يسلم عليه . ا هـ .

والحكمة من ابتداء هؤلاء بهذه الصيغة – والله أعلم – استمالة قلوبهم وإشعارهم بالإيمان بشرطه ، وهو : الاهتداء .

وهذا منتفٍ في حق المؤمن ، فإنه من المهتدين قطعاً ، فلم يجز إلقاء هذا اللفظ المحتمل عليه .

ولذا فإن السلام من النبي – r – علي أصحابه ، ومن أصحابه عليه – r – لم يكن إلا بلفظ ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) فتبين أن تحية المؤمنين فيما بينهم هذا اللفظ . وأن ذاك اللفظ خاص بمخاطبة غير المؤمنين . فوجب اجتنابه فيما بين المؤمنين والله أعلم .


السلام بلفظ (( عليك السلام ))

روى الترمذي ، وأبو داود ، وأحمد ،وغيرهم – واللفظ للترمذي – عن أبي تميمة الهجيمي ، عن رجل من قومه – كما هو في الروايات الأخرى : أبو جُري الهجيمي – قال : طلبت النبي r فلم أقدر عليه ، فجلست فإذا نفر هو فيهم ولا أعرفه ، وهو يصلح بينهم . فلم فرغ قام معه بعضهم فقالوا : يا رسول الله . فلما رأيت ذلك قلت عليك السلام يا رسول الله ، عليك السلام يا رسول الله ، عليك السلام يا رسول الله . قال :

(( إن عليك السلام تحية الموتى . إن عليك السلام تحية الموتى إن عليك السلام تحية الموتى )) ثم أقبل علي فقال : (( إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل : السلام عليكم ورحمة الله )) ثم رد علي النبي r: (( وعليك ورحمة الله . وعليك ورحمة الله . وعليك ورحمة الله )).

قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح . ا هـ .

وقد بوب جماعة من أهل العلم علي هذا الحديث : بباب كراهية أن يقول علك السلام كأبي داود والترمذي وفي الحديث دلالة صريحة عن النهي عن ابتداء السلام بهذه الصيغة ، من وجوه :

الأول : أن النبي r لم يرد عليه السلام فوراً

الثاني : أنه r أنكر عليه الصيغة

الثالث : أنه أرشده إلي الصيغة الشرعية للسلام ، فدل علي أن تلك الصيغة ليست شرعية

وقد أشار ابن القيم – رحمه الله تعالي إلي نكتةٍ بديعةٍ في سر النهي عن قول : (( عليك السلام ))


حيث قال – تبعاً للقاضي عياض - :

وهنا نكتة بديعة ينبغي التفطن لها وهي أن السلام شرع علي الأحياء والأموات بتقديم اسمه – أي اسم السلام – علي المُسلم عليهم ، لأنه دعاء بخير

ن والأحسن في دعاء الخير أن يتقدم الدعاء به علي المدعوا له كقوله تعالي : ) رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ( ، )سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ( ، ) سَلامٌ عَلَى نُوحٍ ( ، ) سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ( ، ) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ(

وأما الدعاء باشر فيتقدم فيه المدعوا عليه ، علي المدعوا به غالباً ، كقوله تعالي لإبليس )وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي(، وقوله : ) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ ( وقوله )عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ( وقوله )وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ(



وسر ذلك – والله أعلم – أن في الدعاء بالخير قدموا اسم الدعاء المحبوب ، الذي تشتهيه النفوس ، وتطلبه ويلذ للسمع لفظه فيبدأ السمع بذكر الاسم المحبوب المطلوب ، ويبدأ القلب بتصوره فيفتح له القلب والسمع ، فيقي السامع كالمنتظر لمن يحصل هذا ، وعلي من يحل ، فيأتي باسمه فيقول : عليك أولئك ، فيحصل له من السرور والفرح ما يبعث علي التحاب والتواد والتراحم الذي هو المقصود بالسلام

وأما في الدعاء عليه : ففي تقديم المدعوا عليه إيذان باختصاصه بذلك الدعاء ،وإنه عليه وحده كأنه قيل له : هذا عليك وحدك لا يشركك فيه السامعون

بخلاف الدعاء بالخير فإن المطلوب عمومه ، وكل ما عم به الداعي كان أفضل ..

وفائدة ثانية – أيضاً – وهي أنه في الدعاء عليه إذا قال له عليك ، انفتح سمعه وتشوف قلبه إلي أي شيء يكون عليه ، فإذا ذكر له اسم المدعوا به ، صادف قلبه فارغاً متشوفاً لمعرفته ، فكان أبلغ في نكايته .. إلخ . ا هـ ( بدائع الفوائد 2/174 )

تنبيه :

ليس قوله r : (( فإن عليك السلام تحية الموتى )) تشريعاً ،وإنما هو : إخبار عن واقع الأمر الذي جرى على ألسن الناس ذلك الوقت ( والإخبار عن الواقع لا يدل على جوازه ، فضلاً عن كونه سنة . بل نهيه r عنه مع إخباره بوقوعه يدل علي عدم مشروعيته . وأن السنة في السلام : تقديم لفظه علي لفظ المسلم عليه في السلام علي الأحياء والأموات . فكما لا يقال في السلام علي الأحياء عليكم السلام فكذلك لا يقال في سلام الأموات ، كما جاءت السنة الصحيحة الصريحة علي الأمرين ) . ا هـ من كلام ابن القيم ( البدائع 2/173 ) وقد تبع القاضي عياض في هذا الجمع ، كما أشار إليه الحافظ ابن حجر في ( الفتح 1/5 ) .


إشارة اليد بالسلام

يكتفي كثير من المسلمون بالإشارة عندما يسلم علي غيره ، ولا يقرن هذه الإشارة بلفظ السلام . وقد ورد النهي عن هذا العمل فيما أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده – رفعه :

(( لا تشبهوا باليهود والنصاري ، فإن تسليم اليهود الإشارة بالإصبع ، وتسليم النصارى بالأكف ))

قال الترمذي : حديث غريب . ا هـ

قال الحافظ ابن حجر : وفي إسناده ضعف ، لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر – رفعه : (( لا تسلموا تسليم اليهود ، فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف زالإشارة )) . ا هـ من الفتح ( 11/14 )

وقد ثبت في سنن الترمذي وغيره عن أسماء بنت يزيد – رضي الله عنها – (( أن رسول اللهr مر في المسجد يوماً وعصبة من النساء قعود ، فألوى بيده بالتسليم )) .

قال الترمذي : حديث حسن . ا هـ .

ولا تعارض بين هذا الحديث والحديث الأول ، لأن حديث أسماء محمول علي أنه r جمع بين اللفظ والإشارة .

ويؤيد هذا الجمع ما جاء فيه رواية أبي داود عن أسماء - رضي الله عنها – قالت :

(( مر علينا النبي r في نسوةٍ فسلم علينا ))

أشار إلى ذلك العلامة النووي – رحمه الله – في (( رياض الصالحين ))



تنبيه :

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى - :

والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر علي اللفظ حساً وشرعاً وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام ، كالمصلي ، والبعيد والأخرس ، وكذا السلام علي الأصم . ا هـ .


ترك إفشاء السلام



يزهد كثير من الناس في خير وفير ، عندما يمرون بإخوانهم في الإسلام ، فيبخلون عليهم بالسلام ( ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) .

إنه لمظهر مزري ، وفعل مؤذي . كيف يستمرئ المسلم من نفسه هذا ؟

والرسول r حجب الجنة إلا بالإيمان ، وحجب الإيمان إلا بالمحبة ودلنا علي طريق المحبة فقال : (( أولا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم )) . أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – t- .

وقد أمرنا النبي r بإفشاء السلام ليفشو الخير ، وتتألف القلوب وتتحد الصفوف .

فعن البراء بن عازب – رضي الله عنهما – قال : أمرنا رسول الله r: (( ... وإفشاء السلام .. )) الحديث متفق علي صحته .

وعن عبد الله بن سلام – t–

قال : سمعت رسول الله r يقول : (( أيها الناس أفشوا السلام ، واطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلامٍ )) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

واعلم أيها المسلم – أن في إفشاء السلام بين المسلمين فوائد كثيرة ، ومزايا عظيمة :

منها : إحياء سنة المصطفي – r - .

ومنها : امتثال سنة المصطفي – r - .

ومنها : قوة إيمان مفشية . قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه ( 1/82 ) : باب إفشاء السام من الإسلام . وقال عمار – بن ياسر - : (( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار )) . ا هـ .

وفي بعض ألفاظه عند غير البخاري : (( ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان ))

ووجهه : أن من اتصف بالإنصاف : أدى جميع الحقوق التي عليه لربه وللخلق .

زمن بذ ل السلام تحلى بمكارم الأخلاق فحصل التآلف والتحاب بين المسلمين .

ومن أنفق مع اقتراه ، فقد بلغ ذروة الكرم ووثق بما عند الله ([53])

ومنها نفي صفة البخل الذميمة ، الواردة في قوله r: (( وأبخل الناس من بَخل بالسلام )) . رواه الطبراني ، وهو حديث حسن .

ومنها أنه سبب من أسباب دخول الجنة .

ومنها نشر المحبة والوئام بين المسلمين .

ومنها : أداء حق المسلم فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة – t – أن رسول اللهr قال (( حق المسلم علي المسلم ست : إذا لقيه فسلم عليه ... )) الحديث .

ومنها إغاظة اليهود فقد ثبت في سنن ابن ماجه عن عائشة قالت : قال النبي r (( ما حسدتكم اليهود علي شيء ، ما حسدوكم علي السلام والتأمين ))

ومنها أولوية المسلم بالله كما ثبت في سنن أبي داود عن أبي أمامة قال : قال رسول الله r: (( إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام )) ا هـ .

قال العلامة النووي في (( الأذكار )) وينبغي لكل أحدٍ من المتلاقين أن يحرص على أن يبدأ بالسلام لهذا الحديث . ا هـ .

ومعنى الحديث كما قاله العلامة المناوي في ((الفيض )):

(( أولى الناس بالله )) : أي : من أخصهم برحمته ، وغفرانه والقرب منه في جنانه .

وقيل: أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه بالسلام عند ملاقاته ، لأنه السابق إلي ذكر الله . ا هـ .

لذا قال أبو بكر – t للأغر المزني : (( لا يسبقك أحد إلى السلام )).

رواه الطبراني ،وقال ابن حجر ( 11/16 ) : بسند صحيح . ا هـ .

ومنها الحصول علي ثلاثين حسنة ، إن أتي بالسلام تاماً .

ومنها : تحصيل ثواب الصدقة الواردة في قوله r (( يُصبح كل يومٍ على كل سلامي من ابن آدم صدقة .. وتسليمك علي الناس صدقة .. )) الحديث رواه أحمد بإسناد صحيح وهو في صحيح مسلم بدون ذكر السلام ([54])

هذه بعض فوائد إفشاء السلام ، فهل يجسر عاقل لبيب بعد هذا علي التفريط في إفشاء السلام ؟

فجدير بالمسلم أن يفشي السلام في الأرض محتسباً الأجر في إحياء السنة ، وفي امتثالها . ولا يثنه عن السير في هذا الطريق ما يواجهه من أذىً ، واستهزاءٍ ، وعدم إجابةٍ ، فإن انتشار السنن يحتاج إلى صبر ومصابرةٍ

)إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(

وقد كان الطفيل بن أبي بن كعب يأتي عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – فيغدوا معه إلي السوق . قال الطفيل : فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله علي سقاطٍ ، ولا صاحب بيعةٍ ولا مسكينٍ ولا أحدٍ إلا سلم عليه .

قال الطفيل : فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق . فقلت له : ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف علي البيع ، ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ، ولا تجلس في مجالس السوق ؟ فقال : يا أبا بطن – وكان الطفيل ذا بطن – إنما نغدوا من أجل السلام ، نسلم على من لقيناه .

قال النووي في (0 رياض الصالحين )) : رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيحٍ . ا هـ .



إهمال السلام علي الصبيان


روى الشيخان عن أنس – t– أنه مر علي صبيان فسلم عليهم . وقال : كان النبي r يفعله . وفي لفظ الإمام أحمد عن شعبة عن سيار قال : كنت أمشي مع ثابت البناني فمر بصبيان فسلم عليهم وحدث أنه كان يمشي مع أنس فمر بصبيان فسلم عليهم وحدث أنس أنه كان يمشي مع رسول الله r فمر بصبيان فسلم عليهم .

قال ابن بطال : في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة . وفيه : طرح الأكابر رداء الكبر ، وسلوك التواضع ، ولين الجانب . ا هـ ،

بواسطة نقل ابن حجر في (( الفتح ))( 11/33 )

وقال الكرماني : هذا من خلقه – r – العظيم وأدبه الشريف وفيه تدريب لهم على تعلم السنن ،ورياضة لهم بآداب الشريعة ليبلغوا متأدبين بآدابها . ا هـ ، بواسطة نقل ابن علان في (( الدليل )9

وقد هجر الناس هذه السنة إلا قليلاً منهم فحري بالمؤمن إحياءها إقتداء بالنبي r وصحابته الكرام وتنقية لنفسه من داء الكبر وتعويد للصغار علي السنة والفضيلة .

وإذا تعاظم الإنسان هذا العمل ، ورأى نفسه أعلى من أن يسلم على الصبيان ، فليتذكر رسول الله r سيد ولد آدم وما هو عليه من التواضع ، وخفض الجناح حتى للصبيان .

) لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ(

قال في (( الفتح )) : ويستثني من السلام علي الصبي ما لو كان وضيئاً وخشي من السلام عليه الافتتان ، فلا يشرع . ولا سيما إن كان مراهقاً منفرداً . ا هـ .


ترك السلام

عند الانصراف من المجلس

اعتاد كثير من الناس عند خروجهم ممن مجالسهم ألا يسلموا على من بقي في المجلس ، وإنما يكتفون بقولهم : (( في أمان الله )) أو (( مع السلامة )) وما شابه هذه العبارات .

وهذا العمل فيه مخالفة للهدي النبوي ، الذي أرشدنا إلى السلام عند الخروج من المجلس .

ففي مسند الإمام أحمد – وغيره – عن أبي هريرة t– عن النبي r قال : إذا انتهي أحدكم إلي المجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ثم إذا قام والقوم جلوس : فليسلم ، فليست الأولي بأحق من الآخرة )) . حديث صحيح .

قال الطيبي : قيل كما أن التسليمة الأولي إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فهكذا الثانية إخبار عن سلامتهم عند الغيبة . وليست السلامة عند الحضور أولي من السلامة عند الغيبة ، بل الثانية أولي . ا هـ ، بواسطة نقل ابن علان في (( دليل الفالحين ))

قال شارح الأدب المفرد : أي أن كلا منهما حق وسنة ، مشعرة بحسن المعاشرة ، فإنه إذا رجع ولم يسلم ربما يتشوش أهل المجلس من رجوعه علي طريق السكوت . ا هـ .

فينبغي للمسلمين أن يحيوا هذه السنة في مجالسهم ، وأن يحافظوا عليها فإن خير الهدي هدي محمدr ، ولا مانع من أن يقول المسلم ألفاظاً للوداع مثل (( في أمان الله )) ونحوها ، إذا أتي بالسنة وهي السلام عند الانصراف من المجلس . والله الموفق .

ترك السلام عند قرب اللقاء



يتكرر اللقاء بين الناس في الوظائف والمدارس ، ونحوها . فيسلمون عند أول لقاء ويكتفي كثير منهم بهذا السلام فلو رأى صاحبه مرة أو عدة مرات بعد ذلك لا يسلم عليه .

وهذا العمل مخالف للسنة النبوية إذ قد ثبت أن رجلاً جاء فصلى ، ثم جاء إلي النبي r : فسلم ، فرد عليه – النبي r - السلام فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلي ، ثم جاء فسلم علي النبي r فرد عليه السلام . فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل .... الحديث ، متفق عليه من حديث أبي هريرة .

وقد بوب النووي في (( رياض الصالحين على هذا الحديث ، فقال :

بابا استحباب إعادة السلام علي من تكرر لقاؤه على قرب ، بأن دخل ثم خرج ، ثم دخل في الحال ، أو حال بينهما شجرة أو نحوها . ا هـ .

هذه هي السنة ، فعلي المسلم إذا سلم علي أخيه المسلم ، ثم التقى به بعد قليل أن يكرر السلام ، تحصيلاً للأجر ، وزيادة في الألفة والله الموفق .

السلام علي المصلي وكيف يرد

مسألة السلام علي المصلي ، مسألة بعيدة الأطراف ، يحتاج استقصاؤها إلي مؤلفٍ مفردٍ .

وجامع القول بها :

أن السلام علي المصلي جائز ، لا كراهة فيه .

وإذا سلم علي المصلي فإن رده للسلام لا يخلو من ثلاث حالات :

الأولي : أن يرد نطقاً فيقول : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

أن يرد إشارة دون نطق .

الثالثة : أن يرد بعد الفراغ من الصلاة .

أما الحالة الأولي ، وهي : الرد نطقاً داخل الصلاة ، فإنها مبطلة للصلاة في أصح أقوال العلماء .

قال البخاري – رحمه الله تعالي – في (( صحيحه )) ([55]) : باب ما ينهي عن الكلام في الصلاة . ثم ساق بسنده عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود – t– قال : كنا نسلم علي النبي r وهو في الصلاة ، قيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا وقال : (( إن في الصلاة شغلاً )) .

ورواه مسلم أيضاً في (( صحيحه )) كتاب المساجد ([56]) وبوب عليه النووي فقال : (( باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته )) . ا هـ .

قد روى أبو داود ( 1/568 ) هذا الحديث من طريق أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود – t– بأتم من هذا ولفظه :

كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجتنا ، فقدمت.


السلام عند الاستئذان


السنة في الاستئذان أن يسلم المستأذن على أهل الدار ، وما شابهها ، فيقف يمين الباب ، أو شماله ، ثم يقول - بعد الدق – السلام عليكم يفعل ذلك ثلاثاً ، فإن أذن له دخل ، وإلا رجع .

أما كون الاستئذان بالسلام ، فما ثبت في سنن أبي داود ( 5/369 ) عن ربعي بن حراش قال : حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن علي النبي r وهو في بيت ، فقال : ألج ؟ فقال النبي r لخادمه : أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له قل : السلام عليكم ، أأدخل ؟ )) فسمعه الرجل ، فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن له النبي r فدخل

صححه الدراقطني ، وقال ابن مفلح وابن حجر : إسناد جيد . ا هـ ( فتح 11/3 ) الآداب الشرعية 1/449 ) .

وفي سنن أبي داود ( 5/368 ) عن كلدة بن حنبل ، أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله r بلبن وجداية([57]) وضغابيس ([58]) والنبي r بأعلى مكة فدخلت ولم أسلم فقال : (( ارجع فقل السلام عليكم )) وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية .

أخرجه الترمذي وذاد ( أأدخل ) وقال : - حسن غريب . ا هـ ( 5/65 ) . وقال ابن مفلح : حديث جيد . ا هـ ( الآداب الشرعية 1/449 ) .

وفي مصنف أبي شيبة ( 8/646 ) عن ابن بريدة قال : استأذن رجل علي رجلٍ من أصحاب النبي r وهو قائم علي الباب ، فقال : أأدخل – ثلاث مرات – وهو ينظر إليه ، فلم يأذن له ، ثم قال السلام عليكم أأدخل ، فقال ادخل . ثم قال : لو قمت بالليل يقول : أأدخل ، ما أذنت لك حتى تبدأ بالسلام

وفي الأدب المفرد للبخاري – باب الاستئذان غير السلام – ( 2/505/518 ) أن أبا هريرة – t– قال : جاء أبو موسي إلى عمر بن الخطاب ، فقال : السلام عليكم هذا عبد الله بن قيس . فلم يأذن له فقال : السلام عليكم ، هذا أبو موسي . السلام عليكم ، هذا الأشعري . ثم انصرف فقال ردوا علي ، ردوا علي فجاء فقال يا أبا موسي ما ردك ؟ كنا في شغلٍ . قال سمعت رسول الله r يقول : (( الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك ، وإلا فارجع ))

ولا تنبغي الزيادة علي ثلاث لظاهر هذا الخبر ، ولما روى عبد الرزاق في المصنف ( 10/381 ) والبخاري في الأدب المفرد ( 2/511 ) عن أبي العلانية ([59]) قال : سلمت على أبي سعيد الخدري ثلاثاً فلم يجبني أحد ، فتنحيت في ناحية الدار ، فإذا رسول قد خرج إلي فقال : ادخل فاما دخلت قال لي أبو سعيد : أما إنك لو زدت لم آذن لك . ا هـ .

قال الإمام عبد البر – رحمه الله – في (( التمهيد )) ( 24 /204 ) علي حديث أبي موسي :

وظاهر هذا الحديث يوجب ألا يستأذن الإنسان أكثر من ثلاث ، فإن أذن له ، وإلا رجع .

وهو قول أكثر العلماء .. وقال بعضهم : المرة الأولي من الاستئذان : استئذان . والمرة الثانية مشورة هل يؤذن في الدخول أم لا ؟ والثالثة : علامة جاء يريد الدخول ، فالأول له الاكتفاء بالدق والثاني يسلم والله أعلم .

كراهية السلام

على المشغول بقضاء الحاجة



لما كان السلام اسماً من أسماء الله تعالى ، كره ذكره في الأماكن المستقذرة ، ولهذا منع المسلم من السلام علي من كان مشتغلاً بقضاء حاجته لئلا يفضي ذلك إلى رد السلام في مثل هذا الموطن

وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه ( 4/65 نووي ) عن ابن عمر أن رجلاً مر ، ورسول اللهr يبول ، فسلم ، فلم يرد عليه .

قال ابن مفلح في الآداب ( 1/378 ) : ويكره السلام على من يقضي حاجته ، ورده منه . نص عليه أحمد ، لأن النبي r لم يرد علي الذي سلم عليه وهو يبول . رواه مسلم . ا هـ .

قال النووي : قال أصحابنا ويكره أن يسلم علي المشتغل بقضاء حاجة البول ، والغائط . فإن سلم عليه كره له رد السلام . ا هـ .



استحباب السلام على طهارة

لما كان السلام ذكراً مشروعاً ، استحب أن ينفذه الإنسان وهو علي طهارة .

وقد ثبت في الصحيحين ([60]) من حديث أبي الجهيم – t– قال : (( أقبل النبي r من نحو بئر جملٍ فلقيه رجل فسلم عليه ، فلم يرد عليه النبي r حتى أقبل علي الجدار بوجهه ويديه ، ثم رد عليه السلام )) .

وروى النسائي ( 1/37 ) وأبو داود ( 1/23 ) وابن ماجة ( 1/126 ) جميعاً عن الحسن عن حصين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ أنه سلم على النبي r وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ، فلما توضأ رد عليه . هذا لفظ النسائي . ولفظ ابن ماجة : (( أتيت النبي r وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد علي السلام فلما فرغ من وضوئه قال : (( إنه لم يمنعني من أن أرد إليك إلا أنني كنت علي غير وضوء ))

وقد بوب عليه ابن ماجة فقال : (( باب الرجل يسلم عليه وهو يبول )) . ا هـ .

قال السندي – رحمه الله – في حاشيته علي ابن ماجة ([61])

قوله وهو يتوضأ في رواية النسائي وأبي داود (( وهو يبول )) )) فيحمل قوله وهو يتوضأ . أي : وهو في مقدمات الوضوء . والمصنف نبه علي ذلك بذكر الحديث في هذه الترجمة . ا هـ .

وأخرج الحديث الإمام أحمد في المسند . ( 4/345 ) وفيه : فكان الحسن من أجل هذا الحديث يكره أن يقرأ أو يذكر الله عز وجل حتى يتطهر . ا هـ

والحديث صححه الحاكم ( 1/167 ) وأقره الذهبي . وقال ابن مفلح في (( الآداب ))( 1/377 ) إسناده جيد . ا هـ .

قال ابن حبان عقب إخراجه للحديث ( 3/83 ) الإحسان ) :

قولهr (( إني كرهت أن أذكر الله إلا علي طهرٍ )) أراد بهr الفضل ، لأن الذكر على الطهارة أفضل ، لا أنه يكرهه لنفي جوازه . ا هـ .

ويشهد لما قرره ابن حبان – رحمه الله – ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : كان رسول الله r يذكر الله على كل أحيانه .

قال النووي : (( ... ويكون معظم المقصود أنهr كان يذكر الله متطهراً ومحدثاً ،



ابتداء الكافر بالسلام

لقد بلينا في هذا العصر بكثرة وفود الكفار إلى ديارنا ، مما أضعف واجب البراء والعداوة للكافرين في قلوب كثير من المسلمين . حتى بلغ الحد ببعضهم إلى التسوية بين المؤمنين والكافرين في التحية الإسلامية ، فتراه يبدأ الكافر بالسلام ، كما يبدأ به أخاه المسلم ، ولا يرى في ذلك ضيراً ، بل يظنه من المحامد والآداب .

وقد ورد النهى عن هذا العمل القبيح صراحة . ففي صحيح مسلم – وغيره – عن أبي هريرة – t– أن رسول اللهr قال : (( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام . فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقة ))

ففي ابتداء الكافر بالسلام مفاسد منها :

1- الوقوع في النهي المتقدم .

2- إظهار الاعتناء والتكريم للكفار .

3- إذهاب وهج الحسد من قلوبهم . إذ اليهود لم تحسدنا علي شيء كما حسدتنا على السلام . فإذا سلم عليهم المسلم أدخل على أفئدتهم سروراً لتشريكهم في هذه التحية .

4- مخالفة قول الله تعالي : ( وليجدوا فيكم غلظة )

والابتداء بالسلام علامة الوئام والود لذلك ولغيره منع جمهور العلماء ابتداء الكافر بالسلام . قال النووي – رحمه الله تعالى – في شرح صحيح مسلم :

فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ، ودليلنا في الابتداء قولهr : (( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام )) ، وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا ، قال أكثر العلماء وعامة السلف . ا هـ .

وأما الاحتجاج على جواز ابتدائهم بالسلام بقوله تعالى : ) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(

وبقوله تعالى عن إبراهيم – عليه السلام مخاطباً أباه : ) سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي(

فلا دلالة فيه البتة أما الآية الأولي : فقد نسخت بآية السيف وهي قوله تعالى في سورة ) فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (

وعلي تقدير عدم النسخ فليس المراد بقوله (( سلام )) التحية ، وإنما المراد المتاركة ، والمباعدة ، وعدم مخاطبتهم بما يخاطبوننا به من الكلام الرديء

وأما الآية الثانية : فإن جمهور العلماء يرون أن معنى سلام إبراهيم : المسالمة التي هي المتاركة لا التحية . قال الطبري : معناه : أمنة مني لك . ا هـ .

والأسوة بإبراهيم التي أمرنا بها هي ما لم يرد في الشرع المحمدي خلافه فعلى تسليم القول بأن سلام إإبراهيم تحية ، فلا دلالة فيه ، لورود ما يخالف ذلك في شريعة النبي r ، وهي قوله : (( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ))

وما ورد عن بعض السلف من جواز ابتدائهم بالسلام مطلقاً كما ورد عن أبي أمامة ، وابن عيينة ، أو مقيداً بالحاجة إليهم كما ورد عن ابن مسعود والنخعي ([62])

فإن النقل عن كثير منهم لا يثبت ، وما ثبت فإنه محجوج بحديث الرسولr (( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام )) والله أعلم .

وقد احتج بعضهم بحديث أسامة أن النبي r (( مر علي مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين ، فسلم عليهم )) علي جواز السلام علي الكفار .


كيف يرد المسلم

سلام أهل الكتاب

عن ابن عمر – رضي الله عنهما –قال : قال رسول اللهr : (( إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم : السام عليك . فقل : وعليك )) متفق عليه .

السام : الموت .

وعن أنس – t– قال : قال رسول اللهr : (( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم )) متفق عليه .

وعن عائشة – رضي الله عتها – قالت : استأذن رهط من اليهود علي رسول اللهr فقالوا : السام عليكم . فقالت عائشة – رضي الله عنها – بل عليكم السام واللعنة . فقال رسول اللهr : (( يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله )) قالت : ألم تسمع ما قالوا : قال : (( قد قلت : وعليكم )) وفي بعض الروايات عند مسلم عدم ذكر الواو في قوله : (( وعليكم )) .

قال النووي – رحمه الله تعالى - :

أتفق العلماء علي الرد علي أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم : وعليكم السلام . بل يقال عليكم فقط ، أو وعليكم .

وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم : عليكم وعليكم ، بإثبات الواو ، وحذفها . ا هـ .

ولكل صيغة من الرد معنى يختص بها .

فالصيغة الأولى ، وهي قولنا : ((وعليكم )) تعني أن الموت كما أنه سيقع علينا لا محالة ، فسيقع عليكم كذلك . فالواو هنا للتشريك .

وتحتمل معنى آخر وهو : أن عليكم ما تستحقون من الذم ، فالواو هنا للاستئناف لا للعطف ولا للتشريك .

وأما الصيغة الثانية : وهي قولنا : (( عليكم )) بحذف الواو فمعناها : عليكم السام وحدكم .

قال القاضي عياض – رحمه الله تعالي - اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي : حذف الواو لئلا يقتضي التشريك . وقال غيره بإثباتها ، كما هو في أكثر الروايات . ا هـ ، بواسطة نقل النووي .

قال الخطابي : هكذا يرويه عامة المحدثين (( وعليكم )) بالواو وكان سفيان بن عيينة يرويه (( عليكم )) بحذف الواو . وهو الصواب .

وذلك : أنه إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بعينه مردوداً عليهم ، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم ، والدخول فيما قالوه . لأن الواو حرف العطف والجمع بين الشيئين . ا هـ .

قال النووي رحمه الله - :

هذا كلام الخطابي . والصواب : أن إثبات الواو ، وحذفها جائزان ، كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هي في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه ، لأن السام الموت ، وهو علينا وعليهم . ا هـ .

وقد رد العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالي – قول الخطابي المتقدم فقال :

وأما الحديث في رد السلام فإدخال الواو فيه يقتضي اشتراكاً معهم في مضمون هذا الدعاء – وإن كان كلامين لمتكلمين – بل غايته : التشريك في نفس الدعاء .

وهذا : لأن الدعاء الأول قد وجد منهم ، وإذا رد عليهم نظيره : حصل الاشتراك في نفس الدعاء ولا يستلزم ذلك الاشتراك معهم في مضمونه ومقتضاه ، إذ غايته إنا نرد عليكم كما قلتم لنا .

وإذا كان السام معناه الموت – كما هو المشهور فيه – فالاشتراك ظاهر . والمعني أنا لسنا نموت دونكم ، بل نحن نموت وأنتم أيضاً تموتون .

فلا محذور من دخول الواو علي كل تقدير وقد تقدم أن أكثر الأئمة رووه بالواو . ا هـ من حاشية السنن ( 8/77 ) .

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - قال الترمذي : حديث حسن صحيح . ا هـ .

[2] - الفتح ( 11/16 ) . .

[3] - المصدر السابق .

[4] - قال ابن حجر بسند صحيح . ا هـ .

[5] - الفتح ( 11/17 ) . .

[6] - الفتح ( 11/17 ) . .

[7] - وعنه السفاريني في غذاء الألباب ( 1/383 ) .

[8] - الأذكار ص 219 .

[9] - (14/141 ) وعنه ابن مفلح في الآداب الشرعية ( 1/418 ) .

[10] - غذاء الألباب (1/383 ) .

[11] - الفتح ( 11/17 ) . .

[12] - الآداب الشرعية ( 1/397 ) ، وعنه السفاريتي في (( غذاء الألباب )) ( 1/277 ) .

[13] - التمهيد ( 5/288 - 289 ) .

[14] - تفسير القرطبي ( 5/298 ) .

[15] - الآداب الشرعية ( 1/379 ) .

[16] - تفسير ابن كثير ( 1/532 ) .

[17] - الأذكار للنووي ص 220 ، وعنه ابن حجر في الفتح ( 11/7 ) وعنه نقلت .

[18] - في بعض نسخ أبي داود : ابن المفضل . قال ابن حجر في (( التهذيب )) ( 6/42 ) – صوابه : ابن الفضل . ا هـ .

[19] - شيخ أبي داود في هذا الحديث .

[20] - العلل للدراقطني ( 4/22 ) .

[21] - التمهيد ( 5/290 ) .

[22] - التهذيب ( 4/21 ) .

[23] -(5/62/2) انظر حاشية العلل للدارقطني ( 4/22 ) .

[24] - الإرواء ( 3/242 )

[25] -الآداب ( 1/379) .

[26] - التمهيد ( 5/288 ) .

[27] - نقلاً عن التمهيد ( 5/288 ) .

[28] - سنن أبي داود – كتاب المناسك – ( 2/505 ) وإسناده لا بأس به إن شاء الله وله شواهد .

[29] -البخاري – كتاب مناقب الأنصار – ( 7/133 ) ومسلم – كتاب فضائل الصحابة – 4/1887 ) .

[30] - البخاري – كتاب فضائل الصحابة – ( 7/106 ) ومسلم ( 4/1895 ) .

[31] - وفي عموم هذه الآيات والأحاديث شارح الأدب المفرد الشيخ فضل الجيلاني حيث يقول تعقيباً علي كلام ابن حجر : (( أقول : إن سلمنا مشابهة الأمانة فما الدليل علي الوجوب ؟ )) ا هـ . قلت الدليل عموم قوله تعالي (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها )) وهي عامة في الأمور الحسية كالأموال والمعنوية كالعلم ....

وفي مصنف عبد الرزاق ( 10/393 ) عن أبي قلابة أن رجلاً أتي سليمان الفارسي فقال : إن أبا الدرداء يقول : عليك السلام . قال متي قدمت ؟ قال منذ ثلاث . قال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة عندك .

[32] -الحديث في إسناده : جعفر بن سليمان ، وقد تكلم فيه والصواب في حالة أنه حسن الحديث ، كما قال عنه الحافظ (( صدوق فيه تشيع )) . ا هـ فعلي هذا يكون إسناد الحديث حسناً . وقد سكت عنه الحافظ في الفتح ( 7/139 ) .

[33] - في رواية الترمذي من جهة سفيان الثوري : أنهما قاما ولكن الصحيح أن الذي قام ابن عامر فقط . هذا الذي رواه الأئمة وفيهم شعبة ، وهو أولى من رواية الثوري . انظر : (( الفتح )) للحافظ ابن حجر ( 11/50 ) .

[34] - للعلامة النووي رسالة سماها (( الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام )) وقد أجاد في الرد عليها والإطاحة بحجتها ، العلامة ابن الحاج المالكي في كتابه (( المدخل )) ( 1/157 -187 ) .

[35] - مجموع فتاوي شيخ الإسلام ( 28/204-206 ) .

[36] - الفتاوى ( 28/216-217 ) .

[37] - الآداب الشرعية ( 1/264) .

[38] - مجموع الفتاوى ( 28/217 ) .

[39] - فتح الباري ( 11/40 )

[40] - الحديث أخرجه أحمد ( 3/14-15) والنسائي ( 8/175 ) ، وإسناد النسائي جيد

[41] - السياق هنا من كتاب الترجل – باب في الخلوق للرجال – من سنن أبي داود ( 4/ 402 ) وآثرت هذا السياق لتمامه .

[42] - أخرجه أبو داود عن طريق عطاء الخرساني عن يحي بن يعمر . وقد تابع عطاء : عمر بن عطاء بن أبي الخوار عند أبي داود – أيضاً وهو ثقة ويحي بن يعمر لم يسمع من عمار بن ياسر . وقد أخرجه أبو داود أيضاً عن يحي بن يعمر عن رجل عن عمار . قال الدارقطني : لم يلق عماراً إلا أنه صحيح الحديث عمن لقيه . ا هـ من التهذيب ( 11/305 ) .

[43] - مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص 279 .

[44] - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال ص 94 .

[45] - هو النرد قال الهيتمي في الزواجر 1/173 : سمي نرد شير بالشين المعجمة والراء نسبة لأول ملوك الفرس من حيث كونه أول من وضعه

وهو ما يعرف في هذا العصر بلعبة (( الطاولة ))

قال القرطبي في تفسيره ( 8/338 ) النرد قطع مملوءة من خشب البقس ومن عظم الفيل وكذا هو الشطرنج إذ هو أخوه ، غذي بلبانه والنرد هو الذي يعرف بالطبل ويعرف بالكعاب ويعرف في الجاهلية بالأرز ويعرف أيضاً بالنرد شير . ا هـ .

[46] - مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص 280 .

[47] - الآداب الشرعية ( 1/268 ) .

[48] - فتح الباري ( 11/40 )

[49] - زاد المعاد 2/428 .

[50] - في اسناده ضعيف

[51] - زاد المعاد ( 2/417 ) .

[52] - لفضيلة الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني – حفظه الله – كلام في تصحيح هذا الحديث مقدمة الجزء الثالث من السلسلة الصحيحة بناء علي أن محمد هذا هو ابن سعيد الأنصاري . وهذا البناء لم يقم علي يقنيات لدي الشيخ ، بل هو ترجيح بالقرائن .

والذي أتضح أن حمداً هذا هو ابن حميد كما صرح به البيهقي ، ومخرج حديثه ومخرج حديث البخاري واحد إذ روياه جميعاً عن محمد – أهمله البخاري وقال البيهقي : ابن حميد ، حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن شعبة ، عن هارون بن سعيد ، عن ثمامة بن عقبة ، عن زيد بن أرقم ... بن .

[53] - هذا محصل ما ذكره ابن حجر في الفتح ( 1/83 ) عن ابن سراج وغيره من العلماء . وما ذكره النووي في (0 الأذكار )) ص 208.

[54] - ذكر العلامة السفاريني فوائد السلام في شرح منظومة الآداب وقد زدت عليها هنا . كما حذفت بعض الفوائد التي ذكرها – رحمه الله - .

[55] - كتاب العمل في الصلاة ( 3/72 ) .

[56] - ( 5/26 ) نووي .

[57] - الجداية من أولاد الظباء ما بلغ ستة أشهر أو سبعة بمنزلة الجدي في أولاد المعز .

[58] - هو حشيش يؤكل . قاله الترمذي .

[59] - زاد المعاد ( 2/417 ) .

[60] - البخاري كتاب التيمم ( 1/441 ) ، ومسلم كتاب التيمم ( 4/64 نووي )

[61] - مطبوعة في هامش سنن ابن ماجه . ط 1 ، بالمطبعة العلمية سنة 1313 هـ مصر ( 1/74 ) .

[62] - ثبت ذلك عنهم كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح .