المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان
المنتقى من فتاوى
فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء - عضو اللجنة الدائمة للإفتاء
الجزء الأول
• الشهادتان
o هل يعد مسلما من نطق بالشهادتين فقط دون عمل؟
o حكمة تلازم الشهادتين والمقصود بشهادة: أن محمدا رسول الله
o هل يفهم من تلك الشهادتين أن للرسول صلى الله عليه وسلم حقوقًا توازي حق الله سبحانه وتعالى؟ وما هي الحقوق الخاصة بالله سبحانه وتعالى؟ وما هي الحقوق الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
o الحكمة من ترتيب الرسول صلى الله عليه وسلم لأركان الإيمان بالتيب الوارد في الأحاديث النبوية المشرفة
• الأسماء والصفات
o هل معرفة أسماء الله وصفاته جزء من العقيدة ؟ وهل يجب علينا وجوبًا أن ننبه الناس على ما في بعض التفاسير من التأويل والتحريف والتعطيل ؟
o هل ثبت في الشرع المطهر تحديد أسماء الله الحسنى ؟ وهل يمكن ذكرها ؟ وما هو اسم الله الأعظم؟
o هل صفات الله عز وجل من قبيل المتشابه أو من قبيل المحكم ؟
o ما القول في قوم ينكرون توحيد الأسماء والصفات، ويعتبرون ذلك مما أحدثه المتأخرون ؟
o ما المقصود بالإلحاد في أسماء الله؛ كما جاء في قوله تعالى: {وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ}؟
o هل يجوز الحلف بالقرآن الكريم؟ وهل علي الحالف به كفارة يمين؟
o ما الحكمة في أن السؤال بوجه الله لا يكون إلا للجنة ؟ وهل من سأل بوجه الله غير الجنة في أمور الدنيا يعتبر عاصيًا مذنبًا ؟
o هل يوصف الله تعالى بالقِدَم؛ كأن يقول القائل: يا قديم! ارحمني! أو ما أشبه ذلك ؟ وهل الفرد من أسماء الله تعالى ؟ أفتوني مأجورين.
o هل يجوز التسمية بإضافة (عبد) إلى اسم من غير أسماء الله الثابتة؛ مثل: (عبد الناصر)، أو (عبد المتعال)، أو (عبد الستار)؟ وهل يلزم تغيير من كان اسمه من أحد هذه الأسماء؟ والله يحفظكم.
o قراءة أسماء الله الحسنى بعد الصلوات وترديد كلمة: يا لطيف
• التوكل على الله
o ما المقصود بالتوكل ؟ وما حقيقته ؟ وهل التوكل على الله يكون في الشدائد فقط ؟ أم هو في كل الأمور ؟
o كيف يكون الإنسان متوكلاً على الله ؟
o ما هي الأسباب المُعِينَةُ على تعليق القلب بالله عز وجل؟
o هل شراء الأطعمة ووضعها في البيت في هذه الأيام ينافي التوكل على الله عز وجل؟
• الدعاء وبعض الألفاظ المنهية
o إذا كانت هناك أوقات تكون إجابة الدعاء فيها أحرى من غيرها فما هي؟ وماذا يشترط لإجابة الدعاء؟
o هل يجوز الدعاء بالهداية للمشركين من عُبّاد القبور ونحوهم أم لا؟
o وجدت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏اثنتي عشرة ركعة تُصلين من ليل أو نهار، وتتشهّد بين كل ركعتين... إلخ) هل هذه الصلاة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم حقًا بهذه الصفة، وماذا تسمى‏؟‏
o هناك أناس يدعون بدعاء يعتقدون أنه يشفي من مرض السُّكر، فهل يجوز أن يردد هذا الدعاء‏؟‏ وهل فيه فائدة كما يزعمون‏؟‏ أرشدونا بارك الله فيكم‏.‏
o هل يجوز أن يدعو الدّاعي فيقول: سبحان من لا يصفه الواصفون، ولا تدركه العقول... وما أشبه ذلك؟
o هل يجوز أن نقول في الدعاء: اللهم بجاه نبيك ؟
o يقول بعض الناس لبعض: أنت لا ترحم، ولا تترك رحمة الله تنزل. فهل في هذا القول محذور شرعي؟
o هل يُعتبر التحسُّر والتأسُّف على ما مضى مما لم يُدرك أمرًا مذمومًا؟ وما حكمة منع استعمال كلمة (لو)؟
o أرى بعض الناس يكتب في رسائله لأخيه أو لوالده فيقول: والدي العزيز، أو: أخي الكريم، أو: أختي الكريمة... وغير ذلك من أسماء الله الحسنى؛ هل هذا فيه شيء؟
o ما حكم قول بعضهم: ما صدَّقت على الله يحصُل كذا...؟ وإذا كان لا يجوز؛ فما العبارة الجائزة البديلة للمتكلِّم؟
• الحلف
o ما القول في قوم اعتادوا على الحلف بالله، واتخذوه مؤكّدًا لكل قول يقولونه، سواء كان مهمًا أو غير مهم؟
o حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم
o حينما يريد بعض الناس أن يؤكد كلامًا كذبًا قاله لشخص؛ يحلف له بغير الله؛ معتقدًا بأن الحلف بالله سبحانه لا يليق معه الكذب، فيحلف بغيره؛ فهل لهذا العمل وجه في الشرع المطهر؟
o ما الفرق بين هذه الأقسام، وهل هي جائزة: أقسم بآيات الله، أقسم بكلمات الله، أقسم بالقرآن، أقسم برب القرآن؟
• القضاء والقدر
o ما حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر مع ذكر الدليل؟
o هل الإنسان مخيَّرٌ في دنياه أو مسيّرٌ؟
o ما المقصود بقوله تعالى في سورة هود: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34.].
• فيما يخص المصطفى صلى الله عليه وسلم
o ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ‏(‏من رآني في منامه؛ فقد رآني حقًا؛ فإنَّ الشيطان لا يتمثل بي‏)‏ يدَّعي بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في المنام، وأعطاه وِردًا يكرِّره كذا مرة ‏(‏أي‏:‏ يتعبَّدُ به ويخبر به الناس‏)‏، وهذا ينافي الآية
o ما الذي تضمَّنته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من بيان الحق في أصول الدين وفروعه على وجه الإجمال؟
o هل كان الإسراء والمعراج بالجسم؟ فإن كان بالجسم؛ فهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى بالعين؟ وله يكفرُ من ينكر الإسراء والمعراج بالجسم، ويدَّعي عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم لله تبارك وتعالى بالعين المجرَّدة؟
o هل لكم يا فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم؟
o من هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم المقصودون بقوله جل وعلا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33.]؟ وما المقصود بقوله: {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ
o هل يعني انتقادُنا اليهوديَّة أو النصرانيّة الآن أننا ننال من موسى وعيسى عليهم السلام؟ وما موقف المسلم تُجاه أنبياء الله تعالى ورسله عليهم السلام؟
o قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ...} الآية [آل عمران: 144.]؛ متى نزلت هذه الآية؟ ولماذا ذكر لفظ {قُتِلَ}؛ رغم علمِ الله أن الرسول صلى الله عليه
o لا نختلف في منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في مكانته العظيمة التي تفوق كل النبيين والمرسلين والخلق أجمعين، ولكن تراني أتوقف عند قوله تعالى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285.]؛ فما هو تفسير هذه الآية؟ وما المقصود منها؟
• نواقض الإسلام
o من أقرَّ من الناس بوجود الله، وأنّه الخالق الرازق، ولكنَّه يجعل بينه وبين الله في العبادة وسيطًا؛ كنبيٍّ أو وليٍّ أو غير ذلك؛ فهل يُخرَجُ هذا من دائرة الإسلام والإيمان؟
o إذا كان هناك شخص يعتقد أو يقرُّ التوسُّل بالصَّالحين؛ فهل تصحّ الصلاة خلفه؟
o إذا كانت أفعال شخص كلُّها تناقض (لا إله إلا الله)؛ فهل يجوز لنا تكفيرُهُ مع أنه ينطقُ الشَّهادتين؟
o حكم تغيير الديانة في جواز السفر من أجل الحصول على عمل، وحكم المال المكتسب بهذه الطريقة.
o حكم من يطلب من أهله خدمته وقت شربه الخمر، وحكم سخريته منهم إذا رآهم يصلون، وواجب الأبناء نحوه.
o هل يكفر الحج الفوائت من صلاة وصيام؟
o لدي أخ لا يواظب على الصلاة، ولا يحرص على صلة الرَّحم، ويرافق جلساء السُّوء؛ فهل يجب عليَّ أن أهجره ولا أحادثه، خاصة وأنني نصحته عدة ومراتٍ، ولم يمتثل؟
o ما حكم زيارة تارك الصلاة في مرضه، أو محاولة علاجه والسعي لذلك، أو تشييع جنازته إذا مات؟
o حكم تارك الصلاة وحكم دفنه في مقابر المسلمين، وهل الصلاة عليه مقبولة أم مردودة‏؟‏
o أنا شابٌّ، وأهلي لا أشاهدهم يصلُّون، وكلَّما نصحت لهم وقلت لهم: صلُّوا؛ لا يستمعون إليَّ، وهم لا يصلُّون؛ هل عليَّ إثم أم لا؟
o كثيرًا ما أترك صلاة الفجر - والعياذ بالله - فلا أصليها في المسجد، والسبب هو ثِقَلُ النَّوم، وخاصَّة إذا تغيَّر الوقت من الصَّيف إلى الشِّتاء؟
o هل إذا ذهب المرء إلى المسجد، ووجد أناسًا عند المسجد، ودخل المسجد، ولم يقل لهم: صلُّوا؛ هل عليه إثم أم لا؟
o هل يصحُّ للمرأة أن تصلّي عند صورة في كتاب أو صحيفة، وإذا وضع شيء على الصُّورة أو أغلق الكتاب؛ فهل تصحَّ الصلاة؟
o هل تجوز الصلاة على الملائكة لفضلهم ورفعة قدرهم؟ وإذا كانت تجوز؛ هل يجوز أن أُلحق الصلاة بهم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهُّد في الصلاة أولا؟
o هل يجوز أن أُلحق الصلاة عليهم بالصّلاة على الرسول في التّشهُّد؟
o هل يجوز للمسلمين أن يؤدُّوا صلاة الجنازة على مسلم مات منتحرًا؟
• الردة والجاهلية
o يُلاحظ على بعض طلبة العلم التَّساهل في إطلاق لفظ (الرِّدَّة) على المسلم، بل قد يطالبون المسلمون بانتداب من يرون لإقامة حدِّ الرِّدَّة في المحكوم بردَّته عندهم إذا لم يقم بها السُّلطان؟
o من هو المرتدُّ فضيلة الشيخ؟ نرجو تحديده بشكل واضح؛ فقد يُحكم بردَّة شخص لديه شبهة.
o هناك من يطلق لفظ الجاهلية على المجتمعات المسلمة؛ لما فيها من فساد، ويرتِّب على هذا اللفظ ما تعرفون؛ فهل هذا الاتجاه صحيح؟
o يُلاحظ على من يطلق لفظ الجاهلية على المجتمعات الإسلامية أنه يريد به تكفير تلك المجتمعات، وبالتالي الخروج؟
• السحر والكهانة والعرافة والشعوذة والتنجيم
o نرجو إيضاح حقيقة السحر، وهل يُباح شيء منه؟ وهل يُعتبر عمل السِّحر مخرجًا عن دين الإسلام؟
o هل صحيح ما يقال: إنَّ السَّحرة والكهنة والعرَّافين والمنجِّمين يعرفون كثيرًا من علم الغيب؟ وكيف نردُّ على إخبارهم ببعض الحوادث المستقبليَّة ووقوعها بعد ذلك؟
o الاستعانة بالسَّحرة لقضاء بعض الحوائج من غير مضرَّةِ الآخرين؛ هل هو جائز؟
o هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ؟ وإذا ثبت ذلك؛ فكيف كان تعامُلُه عليه الصلاة والسلام مع السّحر ومع من سَحَرَهُ؟
o من الطُّرُق الشرعيَّة التي يُنصح بها للوقاية من السحر؟ وما علاجُ من ابتُلِيَ بشيء من ذلك؟
o السِّحر والكِهانة والتنجيم والعرافة؛ هل بينها اختلاف في المعنى؟ وهل هي سواء في الحكم؟
o مثلُ الخطِّ في الرَّمل أو قراءة الفنجان أو قراءة الكفِّ؛ كما يحدث عن بعض لمخرِّفين اليوم، والإثم لا يقتصر على مرتكب هذه الأعمال نفسه، بل يَلحَقُ حتى من ذهب إليهم أو صدَّقهم؟
o ما مدى صحة الحديثين عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال: (كَذبَ المنجِّمون ولو صدقوا) [قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده.]، وحديث: (كان نبي من الأنبياء يخُطُّ؛ فمن وافق خطَّهُ؛ فذاك)
o ما حكم من يقوم بعمل استعراضات مثيرة؛ كأن يُدخل سيفًا أو سكينًا في بطنه دون أن يتأثر
o إمام يكتب حُجُبًا فيها المحبَّة وسيطرة الزوجة على الزَّوج والتفريق بينهما؛ فهل هذا هو السِّحر؟ أفيدونا مأجورين.
o بعض الناس يذهبون إلى بعض الأئمَّة والدَّراويش، ويقولون: إن بأيديهم نزع السِّحر! ما مدى صحة هذا القول؟!
o ما تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُع
• الجن والصرع وعلاجه
o ما حكم من ينكر تلبس الجن بالإنسان وما حكم من ينكر وجود الجن بالكلية؟ وهل ورد ما يلزم بالإيمان بالجنِّ‏؟‏ ثم ما الفرق بينهم وبين الملائكة‏؟‏
o ما حكم علاج الصرع والمس والعين وغير ذلك بالقرآن الكريم؟ وما الشُّروط التي ينبغي أن تكون موجودة فيمن يعالج بالقرآن‏؟‏ وهل أُثِرَ عن بعض السَّلف علاج المسحورين والمصروعين وغيره بالقرآن‏؟‏
o يسأل عن كتاب آكام المرجان في غرائب وأحكام الجانّ ؟
o ما علاج الحسد وكيفيَّة الوقاية منه شرعًا؟
• الغيبة والرّياء
o ما هو مدى صحة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّ كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته؛ تقول: اللهم اغفر لنا وله؟ وما هو معنى الغيبة؟
o حكم الغيبة والنميمة والتكلم ببذيء القول
o حكم السخرية من الناس وحكم الإنكار على من يفعل ذلك
o هل للرياء علامات يعرف بها المرائي؟ وما حكم الإسلام فيمن يترك بعض أعمال الإسلام - سواء كانت واجبات أو مستحبَّات - خوف الرِّياء؟ ومن ابتُلي بالرِّياء؛ فبم تنصحونه؟
o الفتور في العبادة حين الانفراد والنشاط حين يكون المرء بين إخوانه هل يعد من الرياء؟
• معنى كل من: القنوط، عزم الأمور
o ما هو القنوط من رحمة الله؟ وما معنى قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}؟ فما هو اليأس من روح الله؟ وهل الذي ييأس من رَوحِ الله كافر؟ وهل هناك فرق بين اليأس والقُنوط؟
o قال الله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، وقال تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} فما هو عزم الأمور؟ وما مفهوم هذه العزيمة وأهمِّيَّتُها؟
• العين والحسد والوسوسة
o هل على الحاسد شيء إذا سبب ضررا للمحسود؟ وهل هناك دواء شرعي لذلك للحاسد والمحسود‏؟‏
o ما الحكم في وسواس النفس؟ وهل يؤاخذ بما توسوس به نفسه من أشياء خبيثة؟‏
o أنا شاب يوسوس لي الشيطان أحيانًا؛ ماذا أعمل لردِّ وسوسته؟
• تعليق التمائم
o ما حكمُ التمائم التي تُعلَّقُ في أعناق الصبيان وغيرهم، والتي تكون من الآيات القرآنيَّة والأدعية النبويَّة، وأشباهِ ذلك من الدَّعواتِ المشروعةِ؟
o نرى بعض القلائد التي تكتبُ عليها بعض الآيات القرآنيَّة؛ فهل يجوز بيعها وشراؤها ولُبسُها وهي على هذه الحالة؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا.
o حكم تعليق الأساور أو لُبسُها، وربط الخيوط من الشعر أو غيره والاعتقاد أنها سبب في دفع ضررٍ قد يأتي من الجانِّ أو غيرهم
o حكم تعليق التعاويذ والكتابات والأدعية وما تيسر من القرآن الكريم
• البدع وما يتصل بالأموات والقبور
o ما حكم تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
o حكم التساهل في النهي عن البدع، وحكم مشاركة بعض النيابيين في برلمانات الحكومة التي لا تطبق الشريعة‏؟‏
o حكم من يبتدع أشياء يستحسنها محتجا بحديث: (مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً...)
o حكم تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام: بدعة واجبة، وبدعة مندوبة، وبدعة محرَّمة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة
o إذا كان التَّنبيهُ على البدعة المتأصِّلة سيُحدِثُ فتنةً؛ فهل السكوتُ عليها أولى؟ أم يجب التّنبيه ويحدث ما يحدُثُ؟
o نطلب من فضيلة الشيخ توضيح موقف السَّلف من المبتدعة، وجزاكم الله خيرًا.
o حكم الموالد التي ابتدعت في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم
o حكم نحر الذبائح لوجه الله والاجتماع على ذكر الله تعالى وذكر النبي صلى الله عليه وسلم
o حكم من يصر على الاحتفال بالمولد وهل يجب هجره أم تجوز مصاحبته؟
o قوم يعتقدون في كهف ببلدتهم أنه الكهف المذكور في القرآن ويُقرِّبون عنده القرابين، ويذبحون عنده، فما حكم هذا الفعل؟
o حكم التيمن بالأجداد الصالحين وزيارة قبورهم و النذر لروح النبي صلى الله عليه وسلم ولأرواح الموتى
o حكم تخصيص بعض الأسر أرضًا تكون مقبرة لأفرادها
o حكم السكن في المقابر أو قريبا منها
o يضع بعض الناس علامة حجر كبير من الرُّخام أو وسمًا معينًا لمعرفة قبر الميِّت حتى تتمَّ زيارته بدون التبرُّك وخلافه؟
o هل يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو كتابة آية من القرآن في ذلك؟
o حكم نَصب الخيام، والاجتماع الكبير، والتوسُّع في صنعة الطَّعام والولائم عند التعزية، والصَّحيح في أمر التَّعزية من جهة المدَّة والمكان والأدعية التي تقال في ذلك المقام
o حكم الوقوف على قبر الميت وتلقينه
o أسمعُ من بعض الناس أنَّ هناك صلاة تسمَّى صلاة الفدية أو الهديَّة، تنفعُ الميِّتَ في قبره؛ فما صحَّةُ تلك الأقاويل؟
o ما حكم بناء القبور في المساجد؟ وخاصَّة أنَّ شخصًا قال لي: إنَّ قبر الرَّسول صلى الله عليه وسلم موجود في المسجد النبوي؟
o هل هناك مزية خاصة بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وهل لزيارة قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أدبٌ خاصٌّ‏؟‏
o حكم بناء المساجد على القبور أو دفن الأموات في المساجد، وحكم الصلاة في المساجد التي بها قبور
o حكم إزالة القبر المبنيّ داخل المسجد
o لو فُرِضَ أن المسجد هو السابق قبل القبر؛ فما حكم الصلاة فيه قبل أن يُنبشَ القبر؟
o حكم الصلاة على الميِّت في المقبرة قبل دفنه
o حكم النياحة على الميت، واتباع النساء الجنازة ودخولهن المقبرة، ووضع الطعام على القبر واعتقاد أن الميت يأكل منه، وحكم عمل وليمة بعد الأربعين بقصد العزاء
o حكم إقامة أسبوع للميت وعلى رأس الأربعين والحول، وذبح الذبائح ولطم الخدود والبكاء وشق الثياب وترديد محاسِن الميت وذر الرماد على الرؤوس
o حكم بناء القباب على قبور الصَّالحين والزُّعماء والقادة
o حكم الطواف بالقبر أو المزار أو الشجر ونحو تحت زعم أنه لمجرد التقرُّب إلى الله بذلك العمل؛ لأن صاحب القبر له خصائص وفضائل
o حكم السُّجود على تربة قبر الوليِّ
o لماذا بقي فرعون ببدنه من بين الطَّواغيت والجبَّارين‏؟‏ وأين محلُّ غرقه‏؟‏ وأين يوجد هذا الجسد الآن‏؟‏ وهل يُستَحَبُّ النَّظرُ إليه‏؟
o هل صحيح أن شهر رجب يُفرَدُ بعبادةٍ معينة أو بخصوصية؟ وهل يُفرَدُ أيضًا زيارة للمسجد النبوي فيه؟
o من الملاحظ اليوم بروز ظاهرة الغُلُوِّ، واتِّجاه العامَّة للتَّجاوب مع هذا الغُلُوِّ؛ ما السُّبُلُ للحدِّ من هذه الظَّاهرة؟ ومَن المسؤولُ؟
o تحدثتم فضيلتكم عن الغلو؛ فأرجو تعريف هذه الكلمة؟ أثابكم الله.
o بعض الأخيار يجلب التلفاز إلى بيته، ويقول بأنه لا يحب أن يُتَّهم بالغلو؛ فما توجيه فضيلتكم؟
o ما حكم الإسلام في زيارة المرأة للقبور؛ حيث إنَّ الشَّيخ ابن باز قال بعدم الجواز، بينما الشَّيخُ الألبانيُّ في كتابه أحكام الجنائز أجاز زيارتها؛ لعدَّة أحاديث أوردها.
o ما حكم سِباب وشتم الميت؟ وهل ذلك يؤذيه أو له تأثير عليه؟
o حضرت درسًا لأحد طلبة العلم في أحد المساجد؛ حيث قال: الأذانُ الأوَّل في صلاة الفجر والجمعة بدعة، وكذلك الرَّكعتين بعد الأذان؛ فما رأيُكم في ذلك؟
o لديَّ عادة أداومُ على فعلها، وهي أنني أصلي ركعتين قبل النَّوم، أقرأ فيهما الفاتحة وبعض السُّور القصيرة؛ فهل ذلك جائز أم بدعة؟
o حكم مُلازمة دعاء بعينه بعد الصلاة والمداومة عليه
o بعض الناس يقرؤون الفاتحة بعد الصلاة على أساس أنها دعاء؛ فهل هذا من السُّنَّة في شيء؟ ثم قراءتها مرَّة أخرى لأرواح الموتى؛ فما هو الحكم في ذلك؟
• الولاء والبراء
o ما هو السّبيل لموالاة إخواننا المسلمين في فلسطين والصُّومال والبوسنة والهيرسك؟
o كيف يمكن الجمع بين عدم خلود المصرّ على الكبيرة في النار وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مدمنُ خمر كعابد وثنٍ) ومعلوم أنَّ عابد الوثن مشرك، والمشرك مخلَّد في النار‏؟‏
o هل يُحكم بالنار على من عُرف من خلال سيرته بأنه ظالم للعباد، ومستهتر بشرع الله، ومات على ذلك، ولم يُعرف عنه توبة؟ وما حكم لعن الشَّخص المعيَّن من الكفَّار؟
o هل المجاهر بالمعصية إذا تاب تُقبَلُ توبتُه؟
o إنَّ أصحابي ليس منهم رجل صالح أبدًا؛ ماذا عليَّ أن أفعل؛ وعلى ما قالوا: زيارة الأصحاب تكون فيها سعةُ الصَّدر والفرحُ؟
o مجاهرة البعض بالمعاصي وارتكاب الآثام؛ ما حكمُها؟
• البراء من أصحاب المعاصي
o هل يجوز لعن أصحاب المعاصي أو الظَّلمة، كأن يظلمني شخص بالقول أو الفعل، فألعنه؛ فهل ذلك جائز أم لا؟
o إذا نوى شخص أن يعمل سوءًا، ولم يفعله؛ فهل تُكتَبُ عليه سيئة أو لا؟
o ما هو الفسوق؟ وما تعريفه؟ وكيف يحذر المسلم أن يكون من القوم الفاسقين؟
o ما الموقف الصَّحيح تُجاه العصاة من المسلمين؟
o هل للكفر أنواع ودرجات بعضها أعظم من بعض أم أنه درجة واحدة؟ وإذا كان له درجات؛ فمن أيها يكون سبُّ الدين أو الرّبِّ أو الرَّسولِ والعياذ بالله من ذلك؟
• معاملة الكفار والسفر إلى بلادهم ودخولهم بلاد الإسلام
o مخالطة الجيران الكفار والأنس بهم والاطمئنان إليهم
o ما هو الأسلوب الذي نقابل به الكفَّار الذين قَدِموا إلينا؛ هل نعاديهم؟ أم نُقابِلُهم بالخُلُقِ وندعوهم إلى الله؟
o ما حكم التعامل مع الكفار والمشركين في البيع والشراء؟ وما حكم أرباح تجارتنا إذا كان بعضها من أموالهم نتيجة تعاملنا معهم؟
o ما رأيُ فضيلتكم فيمن يتقرَّب إلى الكفَّار ويواليهم بحجَّة أنهم يفهمون في أمور المادَّة أكثر منَّا؟ وكيف يكون التعامل معه؟
o ما حكم من خاف من اعتداء الكفار والمشركين وجاملهم في بعض أفعالهم المنكرات؛ خوفًا منهم، وليس إقرارًا أو رضاء بما يفعلون؟
o ما حكم زيارة الكفَّار وقبول هداياهم والقيام لجنائزهم وتهنئتهم في المناسبات؟
o ما حكم الاعتداء على الكافر في بلاد المسلمين بالضرب أو القتل وإن كان ذلك بسبب ما يقوم به من إفساد أو فسق؟
o هل يجوز للمسلم أن يسكن مع مسيحي في غرفة واحدة لظروف العمل أو الأكل معًا؟ أفيدونا في ذلك.
o هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يُعتبَرُ من موالاة النصارى؟
o ما حكم السَّفر إلى بلاد غير إسلامية بقصد السُّكنى والاستيطان فيها؟
o معنى هذا أنه لو كان مثلاً لغرض التجارة فقط؛ فيجوزُ له ذلك؟
o السَّفر إلى بلاد الكفَّار من أجل النُّزهة، وهل تطيع المرأة زوجها إذا أمرها بذلك السفر؟
o هل يجوز للابن أن يحجر على أبيه الذي يسافر إلى بلاد الكفر للفسق والفجور ويمنعه من السفر؟
o ماذا ترون فيمن يُصادق الرَّافضة، وعند تنبيهه بخطرهم؛ فإنه يصفُهم بحسن الأخلاق وحسن الصُّحبة؟
o هل هو صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى قبل وفاته ألا يجتمع في أرض الجزيرة دينان؟
o هل يجوز دخول الخادمات والسَّائقين غير المسلمين الجزيرة العربيَّة؟
• بر الوالدين والطاعة
o إذا تعارضت طاعة المرأة لزوجها مع طاعتها لوالديها فأيَّهما تقدِّمُ؟
o ما حكم معصية الله تعالى إرضاء لذي قوة وسلطان، بقصد الحصول على متعة خاصَّة أو دفع مضرَّة دنيويَّة؛ فهل يُعتَبَرُ ذلك من اتِّخاذ الأنداد من دون الله؟
o رئيسي في العمل يُجبرني على القيام بأعمال فيها إخلال بالنظام والأمانة فإذا أطعته؛ ففيه إخلال بهما، وإن عصيتُه عن القيام بذلك أوقع عليَّ جزاء؛ فما الذي أعمله؟
o والد أصيب بمرض، ويحتاج إلى عمليَّة جراحيَّة، ولكنه لا يرغب في ذلك خوفا على حياته، فما حكم إجبار الابن ذلك الوالد أو احتياله عليه ليجري له العملية؛ هل عليه في ذلك إثمٌ‏؟ وما الحكم إذا توفي من أثر هذه العملية؟
• الهجر وقطيعة الرحم
o حكم هجر المسلم الذي لا يصلي ولا يصوم ويفعل المنكرات
o أقارب جرت بينهم القطيعة حتى إن بعضهم لا يُكلِّم بعضًا ولا يرد عليه السلام، فكيف السبيل إلى إصلاحهم مع بعضهم‏؟‏ وهل أعمالهم مقبولة وهم بهذه الحالة رغم تقاربهم في النسب والجوار‏؟
• التوبة
o حكم شتم الوالدين، وماذا يفعل الابن إذا ندم على ذلك واستسمح والديه ولكنهما لم يرضيا
o أنا شابٌّ أريد أن أتوب إلى الله؛ فماذا أفعل لأتجنَّب المعاصي؟
o حكم إمامة رجل كان يتعاطى شرب الخمر وكثيرًا من المعاصي، ولكنه تاب إلى الله
o حكم من يتوب ثم يعود إلى الذنب، وحكم تقديم صيام الثلاثة أيام على إطعام العشرة مساكين
• العلم وتعلمه
o حكم انصراف كثير من الشَّباب عن تعلم العقيدة ومدارستها
o المصادر التي تؤخذُ منها العقيدة
o حكم انصراف كثير من الشباب عن متابعة الدُّروس العلميَّة المسجَّلة ولزوم دروس أهل العلم الموثوقين، والانشغال بالمحاضرات العصريَّة التي تتحدَّث عن السياسة وأوضاع العالم
o حكم الأخذ بمناهج دعويَّة مستوردة وافدة
o أهمية علم العقيدة والمقصود بالعقيدة والإيمان والتوحيد؟ والرد على من يزعم أنه لا جدوى من دراسة العقيدة
o حكم إعراض بعض الناس عن دروس العقيدة
o كيف تنعكس العقيدة على حياة المسلم وتصرُّفاته؟
o حكم تعدد الفرق والجماعات
o أهمِّيَّة العقيدة للمسلم، وكيف تنعكس عليه في حياته وفي علاقاته مع نفسه ومجتمعه ومع غيره المسلمين‏؟‏
o ما الواجب على المسلم أن يعرفه من دينه عقيدة وشريعة؟
o حكم عزوف كثير من الناس عن مجالس العلم، وحكم صدّ طلبة العلم وتشويه دورهم ودَورِ أهل الخير
o أفضل الكتب وأسهلها التي أُلِّفَت في العقيدة
• الدعوة والدعاة
o حكم الذهاب إلى الدول البعيدة التي يوجد بها مسلمون يجهلون الدين للدعوة إلى العقيدة الصحيحة
o حكم التراشق المكتوب والمسموع الذي حدث بين بعض العلماء
o ما هي أوصاف العلماء الذين يُقتَدَى بهم؟
o من هم العلماء الذين تنصح الشّباب بالاستفادة منهم ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجَّلة وأخذ العلم عنهم والرُّجوع إليهم في المهمَّات والنَّوازل وأوقات الفتن‏؟‏
o هل أساليب الدَّعوة محدَّدة بضوابط معيَّنة؟
o حكم من يهتمّ بأمور المسلمين المهمَّة؛ كالدَّعوة إلى الله وتربية الشَّباب على التمسُّكِ بالقرآن والسُّنَّة المطّهَّرة، ولا يجد الوقت لحفظ القرآن الكريم
o هل الدَّعوة واجبة على الجميع في هذه الأيام بسبب الجهل وانتشار الفساد‏؟‏
o حكم اهتمام كثير من الدعاة بفضائل الأعمال وعدم التعرض لواقع المسلمين
o حكم الخروج في سبيل الله للدعوة وادعاء البعض أن العلم ليس شرطا أساسيا في هذا الأمر
o حكم تكفير المجتمعات والأفراد، وتسويغ العُنف ضدّ العُصاة والفُسّاق من المسلمين
o هل العلماء المسلمون كعلماء الطِّبِّ والعلوم والأحياء وغير ذلك من العلوم يدخلون تحت الآية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} أم لا؟
o حكم من يتعلَّمُ من المسلمين الطِّبَّ والمخترعات الحديثة بقصد إغناء المسلمين عن الحاجة إلى الكفّار والمشركين
o حكم اتفاق آراء بعض العلمانيين مع آراء السلفيين في بعض الأمور
• الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
o ما هو منهجُنا في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟
o هل الأمر بالمعروف والنَّهيُ عن المنكر واجبٌ على كل مسلم؟ وكيف يكون ذلك؟
o حكم خروج بعض المشتغلين في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن القاعدة القرآنية التي تقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}
o إنكار المنكر... كيف نحققه بما يخدم المصلحة العامة؟
o ما أهمية تغيير المنكر في الإسلام؟ وما الرد على الذين يُقصِّرون في ذلك؟
o ما هو المنكر الذي ينبغي تغييره؟
o ما مراتب تغيير المنكر ودرجاته؟
o من المسؤول عن تغيير المنكر؟ وكيف يمكن ضبط هذه المسؤولية؟
o ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر؟ وكيف يمكن علاجها؟
• السلفية
o حكم القول بأن مذهب السلف فيه سطحيَّة
o ما المقصود بالمذهب السلفي‏؟‏ ومن أبرز من دعا إليه من علماء المسلمين‏؟‏ وهل يمكن تسميتهم بأهل السنة والجماعة أو الفرقة الناجية‏؟‏ ثم ألا يُعتبَرُ هذا من باب التّزكية للنفس‏؟‏
o ما هي الضّوابط الشرعية التي يحافظ بها المسلم على التزامه وتمسُّكه بمنهج السّلف الصّالح وعدم الانحراف عنه والتّأثُّر بالمناهج الدّخيلة المنحرفة؟
o يزعم بعض الناس أنَّ منهج أهل السّنة والجماعة لم يعد مناسبًا لهذا العصر، مستدلّين بأنّ الضّوابط الشرعيّة التي يراها أهل السنة والجماعة لا يمكن أن تتحقَّق اليوم.
• الجماعات
o حكم القول بأنّ السّلفيّة تعتبر جماعة من الجماعات العاملة على السّاحة، وحكمها حكم باقي الجماعات
o ما وجه صحّة نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام، أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاقة لفظ الجماعات عليهم
o حكم وجود الجماعات المسماة بالإسلامية بزعم أن وجودها لازم للقيام بالدّعوة إلى الله، خصوصًا في المجتمعات التي لا تكون شوكةُ الدّين فيها ظاهرة
o حكم من ينتمي إلى تلك الجماعات، خصوصًا تلك التي تقوم على السّرّية والبيعة
o حكم أخذ البيعة لجماعة من الجماعات، وهل يختلف الحكم في بلاد الكفّار أو تلك التي لا تحكم بما أنزل الله‏؟‏
o هل كتابات سيد قطب هي المعوّل الحقيقي لفكر الجماعات ولظهور الفكر التكفيري؟ وهل العدالة مع الرجل أن يُستفادَ من بعض الجيد من رؤاه وكتاباته أم يُنبذ بكلّيَّته؟
o ما قولكم لمن يقول: إن الاستنتاجات الدالة على فساد فكر البعض (البنا وقطب وسرور) مجرد تحميل ووهم وإن ما ذُكِرَ يضيع وسط خيرهم الكثير؟
o بعض المنتمين لـ الإخوان مثلاً يقولون: إن غايتنا الإسلام لا الكرسي وإننا الصوت المتعقل في الوسط؟ وإننا ننادي بطلب العلم وتطبيق السنن كما غيرنا من السلف؟
o حكم الانضواء تحت الجماعات ، وحكم قول البعض: إن الخلاف في منهج الدعوة فقط أما الأسس فنحن متفقون عليها
o هل لكم يا فضيلة الشيخ بكلمة توجيهية حول هذه الجماعات الموجودة على الساحة...؟
o فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى: نطلب منكم كلمة توجيهية ختامية لطلبة العلم بخصوص الأحزاب والجماعات المغرضة التي بدأت تظهر الدعوة إليها بين صفوف الشباب وجزاكم الله خيرًا.
o ما هي جماعة التّبليغ؟ وما هو منهجُها الذي تسير عليه؟ وهل يجوز الانضمام إليها والخروج مع أفرادها - كما يقولون - للدّعوة، ولو كانوا متعلّمين وأهل عقيدة صحيحة كأبناء هذه البلاد مثلاً؟
o ما حكم وجود مثل هذه الفرق - التَّبليغ والإخوان وغيرها - في بلاد المسلمين عامَّة؟
o في الختام نشكر لفضيلتكم التّكرُّم بالإجابة على الأسئلة، ونودُّ التّكرُّم بتوجيهٍ للذين اغترُّوا بمثل هذه الجماعات وانضمُوا إليها أو دَعوا بدعوتها.
• ولي أمر المسلمين
o حكم ذكر أخطاء الحكام على المنابر وفي المحاضرات العامَّة
o حكم من تعدى على حق السلطان ونفَّذ حدًّا على أحد من الناس
o ماذا عن الحدِّ تعزيرًا؟
o معنى النّصيحة لولاة الأمر، وحدودها، وكيف تُبذلُ‏؟‏ وكيف يُتدرَّجُ‏ فيها؟‏ وحكم تغيير المنكر باليد
o هناك من يسوّغُ للشّباب الخروج على الحكومات دون الضّوابط الشّرعيّة؛ ما هو منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم وغير المسلم؟
o هل المقصود بالقوّة هنا القوّة اليقينيّة أم الظّنّيّةُ؟
o بعض الناس يعيب على خطباء الجوامع الدعاء لولاة الأمر على المنبر؛ فما توجيه فضيلتكم حيال ذلك؟
o العلاقة بولي الأمر حددها الإسلام دون شك؛ فهل نستطيع القول: إن له حقوقًا ملزمة لا يجوز للمسلم تجاوزها، كما أن للوالد حقًا لا يجوز تجاوزه؟
o وهل ترون أن التقصير في مناصحة ولاة الأمر أيًّا كانوا تفريط بحق الإسلام والمسلمين ونزعة هوى تؤذن بالشر؟ وكيف؟ ولكن البعض يظن أنه لا يجد أذنًا سامعة أو سيجد إجابات دبلوماسية؟
• الشباب
o كيف يختار الشّباب المسلم قُدرته؟ وما هو السّبيل إلى السّعادة والطّمأنينة في نفوس الشّباب؟
o نصيحة للشباب في كيفية طلب العلم وكيف ينهجون خاصة في بداية تعلمهم‏
o الرَّجاء منكم إعطاؤنا كلمة تؤلِّفُ بين الشّباب، وتُبعِدُهُم عن الفرقة والاختلاف؛ لأنّ الفرقة والاختلاف شرٌّ؛ كما لا يخفى عن فضيلتكم.
o أمسى الشباب الذين كانوا موضع الفرح بصحوتهم محل استهجان البعض؛ لعدم انضباط الشباب بالضابط الشرعي الرزين؛ فما هو تعليقكم؟
o ما هي توجيهات فضيلتكم لبعض شباب الصّحوة الذين يستعجلون في ممارسة الدّعوة وإصدار الفتاوى بغير علم؟
o هل لكم يا فضيلة الشيخ أن تُبيِّنوا لنا علاقة الشباب بالعلماء وما الذي ينبغي أن يكونوا عليه؛ لأنه يوجد من ينتقص من علمائنا الكبار ويختار دعاة الشباب؟
o الرد على من يقو: لا نُبَدِّعُ من أظهر بدعة حتى نقيم عليه الحُجَّة، ولا نبدِّعُهُ حتى يقتنع ببدعته؛ دون الرُّجوع إلى أهل العلم والفتوى
o حكم تحذير الناس من أهل البدع الذين ماتوا وهل يعتبر ذلك من البدع المحرمة
o من الأشياء المؤسفة اليوم ما نجده من حرص البعض على تصنيف الناس والاستمتاع بهذا؟
o ما هي المسائل التي يجوز الاختلاف فيها؟ وتلك التي ينبغي التّوقُّفُ عن الخلاف فيها؟ وما واجب المسلمين تُجاه دينهم؟
o الصّحوة الإسلاميّة تعبير شائع هذه الأيام لما نُطلِقُ عليه المدّ الإسلامي والعودة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ماذا تقولون عنه؟ وبماذا تنصحون الشّباب؟
• الأمة
o فضيلة الشيخ: المتابع لوضع الأمة العام لا يجد أن حمل الإسلام ونصرته همًّا عامًّا على مستوى الحكومات، بل العكس قد يتدارى من نازعته العاطفة الإسلامية لخدمة الإسلام... لماذا؟
o هل نستطيع القول: إن جذوة العزة بالإسلام قد انطفأت في الصدور؟
o نسمع من يقول بتجديد الإسلام؛ فهل هو محق في قوله؟
o ما سبيلنا لإحياء معاني الانتماء للإسلام وسط هذه الغربة والمؤاخذة العالمية للدول المتعاطفة مع الإسلام؟
o أصبح الإسلام رديفًا لمعاني الإرهاب والوحشية، ألا ترى أن أخطاء بعض المسلمين هي المورِّث الحقيقي لهذه الصورة المنكرة؟ وما طريق الخلاص؟
o ما هي أبرزُ القضايا التي تحتاج إلى وقفة المسلمين في هذا العصر؟
o الأخطار تُحدق بالأمّة الإسلاميّة من كلّ جانب؛ فما هو أشدُّها خطرًا على الأمّة؟ وكيف السّبيلُ إلى صدّ هذا الخطر؟
o ماذا تقولون في الغياب عن قضايا العصر؟ واختلاف العلماء؟ وصوم الصِّغار؟ هل تضعوا النُّقط على الحروف حول هذه المسائل؟
o يقول البعض: إن ذهاب ثمرة الجهاد الأفغاني هو نتيجة طبيعية لعدم اعتماد المنهج الصحيح، ما ردكم؟
o إن أعداء الدين يسيرون بخطة مرسومة ونظريات حتى إن طاغوتًا من كبار طواغيتهم قال: إنّه في سنة 2000م ستصبح إفريقيّة كلّها مسيحيّة؛ فلماذا المسلمون لا يتّخذون خططًا مكافئةً لها؟
• الجامع في مسائل العقيدة
o ما الحكمة في أنّ القرآن العظيم محفوظ من التّبديل والتّحريف، في حين إنّ الكتب الأخرى كالتّوراة والإنجيل ليست كذلك؟ وهل يعني الإيمان بالكتب الإيمان بما فيها على ما هي عليه الآن، خاصّة وأنّ بعضها دَخَلَهُ التَّحريفُ؟
o هل يتمُّ الحساب يوم القيامة في يوم واحد لكافّة الخلائق؟ أم ماذا؟ أم لا يجوز لنا أن نفكِّرَ في هذا؟
o ما حكم من يجهل كثيرا من أحكام الدين كالصلاة مثلا؟ وما الحكم فيما مضى من صلواتهم التي كانوا يؤدونها بصورة خاطئة؟ وحكم من مات منهم وهو على تلك الحالة‏
o حكم الأحاديث الواردة في الكرامات التي يعطاها الشهيد
o هل يجوز للفرد الذي يدخل الإسلام أن يقوم بتغيير اسمه؟
o إذا أسلم كافر وتاب إلى الله عز وجل وفي ذمته بعض الحقوق للناس، فهل الإسلام يمحو ذنب تلك المظالم دون أن يردها إلى أهلها أم لابد من ذلك؟
o حكم ظلم الكفيل لمكفوله
o المراد بالأنداد في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}
o حكم تعليق بعض الأذكار والأدعية التي تُلصَقُ على الأبواب أو السّيّارة وغيرها، وذلك للتذكير بها
o حكم أخذ كتاب أو جريدة في دورة المياه
الشهادتان
1 ـ شهادة أن لا إله إلا الله هي مفتاح دين الإسلام، وأصله الأصيل؛ فهل من نطق بها فقط؛ دخل في دائرة المسلمين؛ دون عمل يذكر‏؟‏ وهل الأديان السماوية - غير دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم - جاءت بنفس هذا الأصل الأصيل‏؟‏
* من نطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ حكم بإسلامه بادي ذي بدء، وحقن دمه‏:‏
فإن عمل بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا؛ فهذا مسلم حقًا، له البشرى في الحياة الدنيا والآخرة‏.‏
وإن عمل بمقتضاها ظاهرًا فقط؛ حكم بإسلامه في الظاهر، وعومل معاملة المسلمين، وفي الباطن هو منافق، يتولى الله حسابه‏.‏
وأما إذا لم يعمل بمقتضى لا إله إلا الله، واكتفى بمجرد النطق بها، أو عمل بخلافها؛ فإنه يحكم بردته، ويعامل معاملة المرتدين‏.‏
وإن عمل بمقتضاها في شيء دون شيء؛ فإنه يُنظَر‏:‏ فإن كان هذا الذي تركه يقتضي تركه الردة؛ فإنه يحكم بردته، كمن ترك الصلاة متعمدًا، أو صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله‏.‏ وإن كان هذا الذي تركه لا يقتضي الردة؛ فإنه يُعتبر مؤمنًا ناقص الإيمان بحسب ما تركه؛ كأصحاب الذنوب التي هي دون الشرك‏.‏
وهذا الحكم التفصيلي جاءت به جميع الشرائع السماوية‏.‏
2 ـ تأتي شهادة أن محمدًا رسول الله ملازمة في الغالب لشهادة أن لا إله إلا الله‏:‏ ما المقصود بشهادة أن محمدًا رسول الله‏؟‏ وما حكمة تلازمهما‏؟‏
* نعم؛ شهادة أن محمدًا رسول الله لا بد منها مع شهادة أن لا إله إلا الله‏:‏ إما نطقًا بها مع شهادة أن لا إله إلا الله، وأما تضمنًا؛ فإذا ذكرت شهادة أن لا إله إلا الله وحدها؛ فهي متضمنة لشهادة أن محمدًا رسول الله‏.‏
ولا تصح شهادة أن لا إله إلا الله بدون شهادة أن محمدًا رسول الله، ولا تقبل، ولا يحكم بإسلام من جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏
ومعنى شهادة أن محمدًا رسول الله‏:‏ الاعتراف برسالته ظاهرًا وباطنًا، وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، والاعتراف كذلك بعموم رسالته إلى جميع الثقلين، وأنه خاتم النبيين، لا نبي بعده، إلى أن تقوم الساعة‏.‏
3 ـ هل يفهم من تلك الشهادتين أن للرسول صلى الله عليه وسلم حقوقًا توازي حق الله سبحانه وتعالى كما يتوهم بعض من يدعي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ وإذا لم يفهم ذلك؛ فما هي الحقوق الخاصة بالله سبحانه وتعالى‏؟‏ وما هي الحقوق الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ وهي هناك حقوق مشتركة ‏؟‏
لا شك أن للرسول صلى الله عليه وسلم حقوقًا خاصة به، لكنها لا ترقى إلى مرتبة حقوق الله؛ لأن حقوق الله تعالى لا يشاركه فيها أحد؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا ولي من الأولياء، أو صالح من الصالحين‏.‏
ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله‏:‏
لله حق لا يكون لعبده ** ولعبده حق هما حقان
لا تجعلوا الحقين حقًا واحدًا ** من غير تمييز ولا برهان (1)
فحق الله تعالى عبادته وحده لا شريك له بما شرعه، وحق الرسول صلى الله عليه وسلم محبته وطاعته وتوقيره واتباعه وتقديم أمره وطاعته على طاعة غيره من المخلوقين‏.‏
وليس هناك حق مشترك بين الله وبين رسوله، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏80‏]‏؛ لأن طاعة الرسول طاعة لله الذي أرسله؛ كما أن مبايعة الرسول مبايعة لله؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏10‏]‏؛ فأصل الطاعة لله عز وجل، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لطاعة الله عز وجل‏.‏
4 ـ رتب الرسول صلى الله عليه وسلم أركان الإيمان في عدة أحاديث - خاصة حديث جبريل - بأنها‏:‏ الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره؛ فهل هنا حكمة معلومة من هذا الترتيب ‏؟‏
* هناك حكمة - والله أعلم - في ترتيب أركان الإيمان في الآيات والأحاديث، وإن كانت الواو لا تقتضي ترتيبًا‏:‏
فقد بدئت هذه الأركان بالإيمان بالله؛ لأن الإيمان بالله هو الأساس، وما سواه من الأركان تابع له‏.‏
ثم ذكر الإيمان بالملائكة والرسل؛ لأنهم الواسطة بين الله وخلقه في تبليغ رسالاته؛ فالملائكة تنزل بالوحي على الرسل، والرسل يبلغون ذلك للناس؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏2‏]‏‏.‏
ثم ذكر الإيمان بالكتب؛ لأنها الحُجّة والمرجع الذي جاءت به الرُّسل من الملائكة والنبيِّين من عند الله للحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏213‏]‏‏.‏
ثم ذكر الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه ميعاد الجزاء على الأعمال التي هي نتيجة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله أو التكذيب بذلك؛ فكان مقتضى العدالة الإلهية إقامة هذا اليوم للفصل بين الظالم والمظلوم، وإقامة العدل بين الناس‏.‏
ثم ذكر الإيمان بالقضاء والقدر لأهميته في دفع المؤمن إلى العمل الصالح، واتخاذ الأسباب النافعة، مع الاعتماد على الله سبحانه، وبيان أنه لا تناقض بين شرع الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه وبين قضائه وقدره؛ خلافًا لمن زعم ذلك من المبتدعة والمشركين الذين قالوا‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏35‏]‏؛ سوغوا ما هم عليه من الكفر بأن الله قدّره عليهم، وإذا قدّره عليهم؛ فقد رضيه منهم - بزعمهم -، فردّ الله عليهم بأنه لو رضيه منهم؛ ما بعث رسله بإنكاره، فقال‏:‏ ‏{‏فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏35‏]‏‏.‏
الأسماء والصفات
5 ـ هل معرفة أسماء الله وصفاته جزء من العقيدة ‏؟‏ وهل يجب علينا وجوبًا أن ننبه الناس على ما في بعض التفاسير من التأويل والتحريف والتعطيل ‏؟‏
* نعم؛ أسماء الله وصفاته والإيمان بذلك نوع من أنواع التوحيد، لأن التوحيد ثلاثة أنواع‏:‏ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات‏:‏
توحيد الربوبية‏:‏ المراد به إفراد الله تعالى بأفعاله؛ كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وتدبير الخلق‏.‏
وتوحيد الألوهية‏:‏ إفراد الله تعالى بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه، إذا كانت على وفق ما جاءت به الشريعة؛ تخلص لله، ولا يكون فيها شرك‏.‏ هذا توحيد الألوهية‏.‏
وتوحيد الأسماء والصفات‏:‏ أن نثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، نثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، أو ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل‏.‏
أما قضية ذكر ما في بعض التفاسير من بعض التأويلات؛ فهذا يبيَّن لطلبة العلم، أما أن يبيَّن لعموم الناس الذين لا يستفيدون من هذا؛ فهذا لا ينبغي؛ لأن هذا يكون من التشويش ومن إشغال الناس بما لا يعرفون، وفي الأثر‏:‏ ‏(‏حَدِّثوا النّاسَ بِمَا يَعرِفونَ، أتريدونَ أن يُكَذَّبَ الله ورسولُهُ ‏؟‏‏(2).‏
فالعوام لهم طريقة، وطلبة العلم لهم طريقة‏:‏
العوامُّ يبلغون مجملات العقيدة ومجملات الأوامر والنواهي والوعد والوعيد والموعظة، ويعلمون أصول الدين وأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان، يُدَرَّسُون هذه الأصول، ويُحَفَّظُون إياها؛ كما كان في هذه البلاد إلى عهد قريب، كانوا يُحَفَّظُون في المساجد الدين؛ يُحَفَّظُون أركان الإسلام، وأركان الإيمان، ومعنى الشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله، يُحَفَّظُون أركان الصلاة وشروط الصلاة وواجباتها، ويُحَفَّظُون ما يحتاجون إليه من أمور دينهم‏.‏
أما طلبة العلم؛ فعند الشرح لهم والتوضيح يُبَيَّن لهم التأويل، لكن من غير أن يتعرض للمؤلف، ويقال‏:‏ المؤلف مبتدع وضال‏.‏ بل يقال‏:‏ هذا التفسير خطأ، والصواب كذا، فيه تأويل الآية الفلانية، فيه تأويل الصفة الفلانية؛ من غير أن يتعرض للعلماء، فيبَدَّعون، ويتناول أشخاصهم، هذا لا يستفيد الناس منه، بل هذا يسبب نفرة طلبة العلم من العلماء، ويسبب سوء الظن بالعلماء، والغرض هو بيان الصواب في هذا الخطأ فقط، وليس تناول الأشخاص بالتبديع أو بالتجهيل أو بالتضليل؛ فهذا لا يفيد شيئًا، بل يفيد أمورًا عكسية، ويفيد سوء الظن بالعلماء، ويفيد بلبلة الأفكار، والخوض في أعراض العلماء الميتين والأحياء، هذا لا يأتي بخير‏.‏
يُبَيَّنُ الحق لمن يتحمل هذا الشيء من طلبة العلم الذين يفهمون هذا الشيء، أما العوامُّ، فلا يتحملون هذا الشيء، ولا وصلوا إليه، وإنما يُبيَّن لهم ما هم بحاجة إليه من أمور دينهم وأمور عبادتهم وأمور صلاتهم وأمور زكاتهم وأمور صيامهم، وأهم شيء توضيح العقيدة لهم بمعنى مختصر؛ يستفيدون منه، ولا يكون فيه تطويل يثقلهم ويملهم، بل يكون بطريقة مختصرة‏.‏
6 ـ هل ثبت في الشرع المطهر تحديد أسماء الله الحسنى ‏؟‏ وهل يمكن ذكرها ‏؟‏ وما هو اسم الله الأعظم‏؟‏
* قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏180‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏8‏]‏‏.‏
وأسماء الله الحسنى لا يعلم عددها إلا الله سبحانه وتعالى، وليس في القرآن والسنة وحصر لها، ويمكن حصر ما ورد في الكتاب والسنة منها‏.‏
وقد جمع كثيرًا منها بعض العلماء في رسائل، ونظمها بعضهم؛ كابن القيم في ‏"‏ النونية ‏"‏، والشيخ حسين بن علي آل الشيخ في منظومته ‏"‏القول الأسنى في نظم الأسماء الحسنى‏"‏، وهي مطبوعة ومتداولة‏.‏
وأما اسم الله الأعظم؛ فقد ورد أنه في هاتين الآيتين‏:‏ ‏{‏اللَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏255‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الم، اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 1-2‏]‏، وورد أنه أيضًا في أيةٍ ثالثةٍ هي قوله تعالى في سورة طه‏:‏ ‏{‏وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ‏}‏ ‏[‏طه‏:‏111‏]‏، وذكر ذلك ابن كثير في ‏"‏تفسيره‏"‏ (3).‏
7 ـ هل صفات الله عز وجل من قبيل المتشابه أو من قبيل المحكم ‏؟‏
* صفات الله سبحانه وتعالى من قبيل المحكم الذي يعلم معناه العلماء ويفسرونه، أما كيفيتها؛ فهي من قبيل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله‏.‏
وهذا كما قال الإمام مالك رحمه الله وقال غيره من الأئمة‏:‏ ‏"‏الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة‏"‏ (4)‏.‏
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة؛ لا أحمد بن حنبل ولا غيره؛ أنه جعل ذلك من المتشابه‏"‏ (5)‏.‏
ومعنى ذلك أن علماء أهل السنة وأئمتها أجمعوا على أن نصوص الصفات ليست من المتشابه، وإنما ذلك قول المبتدعة والفرق المنحرفة عن منهج السلف‏.‏ والله أعلم‏.‏
8 ـ ما القول في قوم ينكرون توحيد الأسماء والصفات، ويعتبرون ذلك مما أحدثه المتأخرون ‏؟‏
* توحيد الأسماء والصفات هو أحد أنواع التوحيد الثلاثة‏:‏ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات‏.‏
فالذي ينكر توحيد الأسماء والصفات منكر لنوع من أنواع التوحيد، والذين ينكرون هذا التوحيد لا يخلون من أحد حالين‏:‏
الحال الأولى‏:‏ أن ينكروا ذلك بعدما عرفوا أنه حق، فأنكروه عنادًا، ودعوا إلى إنكاره؛ فهؤلاء كفار؛ لأنهم أنكروا ما أثبته الله لنفسه - وهم يعلمونه - من غير تأويل‏.‏
والحال الثانية‏:‏ أن يكونوا مقلدين لغيرهم؛ لثقتهم بهم، وظنهم أنهم على حق، أو فعلوا ذلك لتأويل ظنوه صحيحًا، ولم يفعلوا ذلك عن عناد، بل فعلوه من أجل تنزيه الرب بزعمهم؛ فهؤلاء ضُلاّل مُخطئون، لا يُكَفَّرون؛ لأنهم مقلدون أو متأولون‏.‏
والدليل على كفر الأولين قوله تعالى عن المشركين‏:‏ ‏{‏وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏30‏]‏‏.‏
قال الشيخ سليمان بن عبد الله في ‏"‏تيسير العزيز الحميد‏"‏‏:‏ ‏"‏لأن الله تعالى سمى جحود اسم من أسمائه كفرًا، فدل على أن جحود شيء من أسماء الله وصفاته كفر، فمن جحد شيئًا من أسمائه وصفاته من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة ونحوهم؛ فله نصيب من الكفر بقدر ما جحد من الاسم أو الصفة‏"‏ (6).‏
وقال أيضًا‏:‏ ‏"‏بل نقول‏:‏ من لم يؤمن بذلك؛ فليس من المؤمنين، ومن وجد في قلبه حرجًا من ذلك؛ فهو من المنافقين‏"‏ (7).‏
وتوحيد الأسماء والصفات ليس مما أحدثه المتأخرون؛ فقد سمعت حكم الله فيمن أنكر اسمه الرحمن، والإيمان بهذا النوع موجود في كلام الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من السلف‏:‏
قال الإمام مالك لما سئل عن استواء الله على عرشه‏:‏ ‏"‏الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة‏"‏ (8).‏
وقال عبد الله بن المبارك‏:‏ ‏"‏نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات، على العرش مستو، بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية‏"‏ (9)‏.‏
وقال الإمام الأوزاعي‏:‏ ‏"‏كنا والتابعون متوافرون نقول‏:‏ إن الله تعالى ذِكْرُهُ فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السّنّة‏"‏ (10)‏‏.‏
وقال الإمام أبو حنيفة‏:‏ ‏"‏ومن قال‏:‏ لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض‏؟‏ فقد كفر؛ لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏5‏]‏، عرشه فوق سبع سماواته‏"‏ (11).‏
وذكرنا قول الإمام مالك‏.‏
وإذا أردت الاستزادة من كلام السلف في هذا الموضوع؛ فراجع كتاب ‏"‏اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية‏"‏ للإمام ابن القيم‏.‏
لكن بعض العلماء يدخل توحيد الأسماء والصفات في توحيد الربوبية، ويقول‏:‏ التوحيد نوعان‏:‏ توحيد في المعرفة والإثبات، وهو توحيد الربوبية، وتوحيد في الطلب والقصد، وهو توحيد الألوهية، ولما وجد من ينكر الأسماء والصفات؛ جعل هذا النوع مستقلاً من أجل التنبيه على إثباته والرد على من أنكره‏.‏
وأنواع التوحيد الثلاثة موجودة في القرآن الكريم وبالأخص في أول سورة، وعليك أن تراجع أول كتاب ‏"‏مدارج السالكين‏"‏ لابن القيم ‏(12).‏
9 ـ ما المقصود بالإلحاد في أسماء الله؛ كما جاء في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏180‏]‏‏؟‏
* الإلحاد في اللغة‏:‏ الميل والعدول عن الشيء، والإلحاد في أسماء الله وآياته‏:‏ معناه‏:‏ العدول والميل بها عن حقائقها ومعانيها الصحيحة إلى معان باطلة لا تدل عليها؛ كما فعلته الجهمية والمعتزلة وأتباعهم، وقالوا‏:‏ إنها ألفاظ مجردة، لا تتضمن صفات ولا معاني؛ فالسميع لا يدل على سمع، والبصير لا يدل على بصر، ونحو ذلك‏.‏
وقد توعد الله الذين يلحدون في آياته وفي أسمائه، فقال‏:‏ ‏{‏وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏180‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏40‏]‏، وكقول الأشاعرة‏:‏ المراد باليد النعمة، والمراد بالوجه الذات، وما أشبه ذلك من التأويلات الباطلة التي هي في حقيقتها إلحاد في أسماء الله وصفاته، والواجب أن تثبت كما جاءت، ويعتقد ما دلت عليه من المعاني الحقيقية‏.‏
10 ـ هل يجوز الحلف بالقرآن الكريم‏؟‏ فقد حلفت بالقرآن على أن لا يكون أمر ما، ولكنه حصل على الرغم مني؛ فهل علي كفارة عن هذا اليمين‏؟‏
يجوز الحلف بالقرآن الكريم لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وكلامه صفة من صفاته، واليمين المشروع هو الحلف بالله أو بصفة من صفاته‏.‏
فإذا حلفت بالقرآن الكريم على أمر مستقبل؛ انعقدت يمينك، وكانت صحيحة؛ فإذا خالفتها مختارًا ذاكرًا؛ وجبت عليك الكفارة، وهي‏:‏ عتق رقبة إذا تمكنت من ذلك، أو تطعم عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام البلد وقوت البلد، أو تكسو عشرة مساكين، أنت مخير بين أحد هذه الخصال الثلاثة‏:‏ العتق، أو الإطعام، أو الكسوة؛ فإذا لم تجد ولم تقدر على واحدة منها؛ فإنك تصوم ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏‏.‏
11 ـ ما الحكمة في أن السؤال بوجه الله لا يكون إلا للجنة ‏؟‏ وهل من سأل بوجه الله غير الجنة في أمور الدنيا يعتبر عاصيًا مذنبًا ‏؟‏
* روى أبو داود عن جابر رضي الله عنه؛ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يُسْألُ بِوَجْهِ الله إلا الجَنَّة‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/131‏)‏ من حديث جابر رضي الله عنه‏]‏‏.‏
والحديث فيه مقال، وهو نهي أو نفي عن سؤال شيء بوجه الله إلا الجنة؛ تعظيمًا لوجه الله، واحترامًا أن تسأل به الأشياء الحقيرة من مطالب الدنيا‏.‏
قال بعض العلماء‏:‏ لا يسأل بوجه الله إلا الجنة التي هي غاية المطالب، أو ما هو وسيلة إلى الجنة؛ كما في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏اللَّهمَّ ‏!‏ إنِّي أسْأَلُكَ الجَنَّةَ وما قَرَّبَ إليها مِنْ قَوْلٍ أو عَمَلٍ‏)‏ ‏[‏رواه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ‏(‏1/521، 522‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو جزء من الحديث‏]‏‏.‏
ولا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل بوجه الله حوائج الدنيا؛ إعظامًا لوجه الله وإجلالاً له؛ فمن سأل بوجه الله أمرًا من أمور الدنيا؛ كان عاصيًا مخالفًا لهذا النهي، وهذا يدل على نقصان توحيده وعدم تعظيمه لوجه الله تعالى‏.‏
12 ـ هل يوصف الله تعالى بالقِدَم؛ كأن يقول القائل‏:‏ يا قديم‏!‏ ارحمني‏!‏ أو ما أشبه ذلك ‏؟‏ وهل الفرد من أسماء الله تعالى ‏؟‏ أفتوني مأجورين‏.‏
* ليس من أسماء الله تعالى القديم، وإنما من أسمائه الأول، وكذلك ليس من أسمائه الفرد، وإنما من أسمائه الواحد الأحد؛ فلا يجوز أن يقال‏:‏ يا قديم‏!‏ أو‏:‏ يا فرد‏!‏ ارحمني‏!‏ وإنما يقال‏:‏ يا من هو الأول والآخر والظاهر والباطن‏!‏ يا واحد أحد فرد صمد‏!‏ ارحمني واهدني‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية، لا يجوز لأحد أن يثبت شيئًا منها إلا بدليل‏.‏ والله أعلم‏.‏
13 ـ هل يجوز التسمية بإضافة ‏(‏عبد‏)‏ إلى اسم من غير أسماء الله الثابتة؛ مثل‏:‏ ‏(‏عب الناصر‏)‏، أو ‏(‏عبد المتعال‏)‏، أو ‏(‏عبد الستار‏)‏‏؟‏ وهل يلزم تغيير من كان اسمه من أحد هذه الأسماء‏؟‏ والله يحفظكم‏.‏
* لا أعلم ما يمنع من التسمي بهذه الأسماء، والله أعلم، وإن كان الأحسن والأحوط التعبيد لله بأسمائه الثابتة، فيقال مثلاً‏:‏ عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الكريم، وعبد الرحيم‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك‏.‏
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أحَبُّ الأسماءِ إلى الله‏:‏ عبدُ الله، وعبدُ الرَّحمن‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1682‏)‏ من حديث ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏"‏إن أحب أسمائكم إلى‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/289‏)‏ من حديث ابن عمر، ورواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏6/218‏)‏ من حديث أبي وهب الجشمي‏.‏‏]‏‏.‏
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن‏.‏
وندب صلى الله عليه وسلم أمته إلى التسمي بأسماء الأنبياء؛ كما جاء في ‏"‏ سنن أبي داود ‏"‏ والنسائي عنه صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال‏:‏ ‏(‏تَسَمَّوا بأسماءِ الأنبياء‏)‏ ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏سنن أبي داود‏"‏ ‏(‏4/289‏)‏ من حديث أبي وهب الجشمي، وانظر ‏"‏سنن النسائي‏"‏ ‏(‏6/218‏)‏ من حديث أبي وهب الجشمي‏.‏‏]‏‏.‏
وقد خالف كثير من الناس اليوم الهدي النبوي، فصاروا يسمون أولادهم بأسماء أجنبية غريبة، وبأسماء بعيدة عن أسرهم ومجتمعهم، وهذا من مظاهر النقص، وحب التقليد الأعمى، والولع بالاستيراد من الخارج، حتى في الأسماء‏.‏
14 ـ في المسجد الذي نصلي فيه بعد قراءة الجزء - وهو راتب يومي - يقرؤون أسماء الله الحسنى، وبعدها يرددون جميعًا اسم ‏(‏يا لطيف‏)‏ مئة وتسعًا وعشرين مرة؛ فهل هذا مشروع أم بدعة ‏؟‏
* هذا من البدع؛ قراءة أسماء الله الحسنى بعد الصلوات، واعتياد ذلك، وترديد كلمة ‏(‏يا لطيف‏)‏ بعدد معين وبصفة معينة؛ كل هذا من البدع المحدثة في الإسلام، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة‏.‏
فهذه الأذكار المحدثة - كقراءة أسماء الله الحسنى أدبار الصوات، وترديد كلمة ‏(‏يا لطيف‏)‏ بصوت مرتفع، وما أشبه ذلك من الأوراد، التي ليس لها دليل من الكتاب والسنة ولا من هدي السلف الصالح - هي بدع يجب تركها والابتعاد عنها والتحذير منها‏.‏
أما أسماء الله الحسنى؛ فالله يقول‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 180‏.‏‏]‏؛ فدعاء الله بأسمائه وصفاته والتوسل إليه بذلك؛ هذا شيء مشروع، لكن لا يجعل هذا في وقت معين أو بعد فريضة؛ إلا بدليل يدل على ذلك، ولا دليل يدل على التخصيص‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏
التوكل على الله
15 ـ ما المقصود بالتوكل ‏؟‏ وما حقيقته ‏؟‏ وهل التوكل على الله يكون في الشدائد فقط ‏؟‏ أم هو في كل الأمور ‏؟‏ وما ردكم على من يفهم التوكل بمعنى التواكل وعدم بذل الأسباب ‏؟‏
* التوكل لغة هو الاعتماد والتفويض؛ فالتوكل على الله سبحانه هو الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه‏.‏
وهو فريضة يجب إخلاصه لله‏:‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 23‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 84‏.‏‏]‏؛ فجعل التوكل شرطًا للإيمان والإسلام، مما يدل على أهميته؛ فهو أجمع أنواع العبادة، وأعلى مقامات التوحيد وأعظمها وأجلها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة‏.‏
والتوكل على الله سبحانه يكون في جميع الأمور لا في بعض الأحوال‏.‏
وليس معنى التوكل على الله إهمال الأسباب؛ فإن الله أمر بالتوكل وأمر باتخاذ الأسباب، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 60‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏خُذُواْ حِذْرَكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 71‏.‏‏]‏، لكن لا يعتمد على الأسباب في حصول النتائج‏.‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم المتوكلين، وكان يحمل السلاح، ويلبس الدروع، ويضع المِغْفَرَ على رأسه صلى الله عليه وسلم (13).‏
ولما كان أناس يحجون، ولا يأخذون معهم الزاد، ويصبحون عالة على غيرهم، ويسمون أنفسهم بالمتوكلين؛ أنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197(14)‏‏]‏‏.‏
ولهذا قيل‏:‏ الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب قدح في الشريعة، لا تجعلوا توكلكم عجزًا، ولا عجزكم توكلاً، بل إن الجنة لا تحصل إلا بسبب، وهو العمل الصالح‏.‏ والله أعلم‏.‏
16 ـ كيف يكون الإنسان متوكلاً على الله ‏؟‏
يكون الإنسان متوكلاً على الله؛ بأن يصدق الاعتماد على ربه عز وجل؛ حيث يعلم أنه سبحانه وتعالى بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس‏:‏ ‏(‏يا غُلام‏!‏ إني أُعلّمُكَ كلماتٍ، احفظِ الله؛ يحفظك، احفظ الله؛ تجِدهُ تُجَاهكَ، إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنتَ؛ فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏1/293‏)‏ من حديث عبد الله بن عباس، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/203‏)‏ من حديث عبد الله بن عباس‏.‏ (15)]‏‏.‏
بهذه العقيدة يكون الإنسان معتمدًا على الله جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه‏.‏
ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تبارك وتعالى سببًا، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا - سواء كانت شرعية أم حسية - هي من تمام التوكل، ومن تمام الإيمان بحكمة الله عز وجل؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم - وهو سيد المتوكلين - كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب؛ لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أُحد لبس درعين (16).‏
فهؤلاء الذين يزعمون حقيقة التوكل تكون بترك الأسباب والاعتماد على الله عز وجل هم في الواقع خاطئون؛ فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سببًا تحصل به‏.‏
ولهذا؛ لو قال قائل‏:‏ أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي، لا أبحث عن الرزق‏!‏ قلنا‏:‏ عن هذا ليس بصحيح، وليس توكلاً حقيقيًا؛ فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 15‏]‏‏.‏
ولو قال قائل‏:‏ أنا سأتوكل على الله في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يسع في طلب الزوجة وخطبتها‏!‏ لعده الناس سفيهًا، ولكان فعله هذا منافيًا لما تقتضيه حكمة الله عز وجل‏.‏
ولو أن أحدًا أكل السم، وقال‏:‏ إني أتوكل على الله تعالى في ألا يضرني هذا السم‏!‏ لكان هذا غير متوكل على الله حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى هو الذي قال لنا‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 29‏]‏‏.‏
والمهم أن فعل الأسباب، التي جعلها الله أسبابًا، لا ينفي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله عز وجل به، بل مما نهى الله عنه‏.‏
17 ـ ما هي الأسباب المُعِينَةُ على تعليق القلب بالله عز وجل‏؟‏
الأسباب المعينة على تعليق القلب بالله هي الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وتذكر نعم الله سبحانه، والخوف من عقاب الله، والطمع في ثوابه، والإكثار من ذكر الله؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 28‏]‏‏.‏
وكذلك من الأسباب التي تعين على تعلق القلب بالله النظر في آياته الكونية، والتفكر فيها؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 190، 191‏]‏‏.‏
18 ـ هل شراء الأطعمة ووضعها في البيت في هذه الأيام ينافي التوكل على الله عز وجل‏؟‏
شراء الأطعمة ووضعها في البيت من أجل الاستهلاك لا بأس به، ولا ينافي التوكل؛ لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه؛ إلا إذا ترتب على ذلك إضرار بالآخرين؛ بأن تكون السلع قليلة، وفي شرائها وتخزينها تضييق على الناس، أو إغلاء للسعر‏.‏

الدعاء وبعض الألفاظ المنهية
19 ـ إذا كانت هناك أوقات تكون إجابة الدعاء فيها أحرى من غيرها فما هي‏؟‏ وماذا يشترط لإجابة الدعاء‏؟‏
نعم هناك أوقات وأحوال يستجاب فيها الدعاء كما دلت على ذلك الأدلة‏:‏
فمن الأوقات‏:‏
الدعاء في جوف الليل إذا قام الإنسان إلى صلاة الليل وصلى ودعا الله سبحانه وتعالى‏.‏
وفي وقت السحر أيضًا‏.‏
الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة؛ فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله وهو قائم يصلي إلى استجيب له؛ كما جاء في الحديث ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏صحيح الإمام البخاري‏"‏ ‏(‏1/224‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وكذلك أوقات كثيرة يستجاب فيها الدعاء؛ مثل ليلة القدر، وفي الأزمنة الفاضلة؛ كشهر رمضان، ويوم عرفة، وغير ذلك من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء‏.‏
ومن الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء‏:‏
في السجود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وأمّا السُّجُودُ؛ فأكثِرُوا فيه مِن الدُّعاءِ؛ فقَمِنٌ أن يُستجابَ لكم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/348‏)‏ من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
ويقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أقرَبُ ما يكونُ العبدُ من ربِّهِ وهو ساجِدٌ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/350‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ ففي حالة السجود خضوع بين يدي الله عز وجل، وقرب من الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا يقول لنبيه‏:‏ ‏{‏وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 19‏]‏؛ فالسجود فيه قرب من الله سبحانه وتعالى، والخضوع له، والانكسار بين يديه‏.‏
وكذلك يستجاب الدعاء في حالة الضرورة والشدة؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 62‏]‏‏.‏
ولإجابة الدعاء شروط كثيرة وعظيمة‏:‏
من أعظمها‏:‏ الإخلاص لله تعالى في الدعاء؛ بأن لا يشرك مع الله أحدًا؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 14‏]‏؛ فالإخلاص في الدعاء بأن يدعو العبد ربه وحده لا شريك له، ولا يدعو معه غيره‏.‏ هذا رأس الشروط‏.‏
ومن ذلك أكل الحلال؛ بأن يكون الإنسان مأكله من الحلال وملبسه من الحلال وما يستعمله حلال، أما إذا كان يستعمل الحرام أكلاً ولبسًا وركوبًا وغير ذلك؛ فهذا لا يستجاب له الدعاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المسافر‏:‏ ‏(‏أشعثَ أغبرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء‏:‏ يا رب‏!‏ يا رب‏!‏ ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام؛ فأنّى يُستجاب لذلك‏؟‏‏!‏‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/703‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فمن أسباب قبول الدعاء أكل الحلال واستعمال الحلال، ومن موانعه أكل الحرام‏.‏
ومن أسباب قبول الدعاء أيضًا أن لا يدعو بإثم أو بقطيعة رحم، وإنما يدعو بأمور نافعة؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 55، 56‏]‏‏.‏
ومن أسباب قبول الدعاء أو شروط قبول الدعاء إقبال القلب على الله سبحانه وتعالى؛ بأن يدعو وهو موقن بالإجابة، ولا يدعو وهو في حالة غفلة وفي حالة إعراض، يتكلم بما لا يحضره قلبه ويوقن به إيمانه، ولهذا ورد في الحديث‏:‏ ‏(‏ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة؛ فإن الدعاء لا يُستجاب من قلب غافل لاه‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏9/156‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه‏.‏‏]‏‏.‏
هذا؛ والدعاء أمره عظيم، ولهذا يقول سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏]‏‏.‏
20 ـ هل يجوز الدعاء بالهداية للمشركين من عُبّاد القبور ونحوهم أم لا‏؟‏
نعم، يجوز طلب الهداية للمشركين والكفار بأن يهديهم الله عز وجل، بمعنى يوفقهم الله لقبول الحق؛ لأن الهداية أنواع كثيرة‏:‏ تطلق الهداية ويراد بها البيان والإرشاد، وهذا شيء حاصل؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرشد كل الناس للحق وبينه لهم، وهداية بمعنى التوفيق لقبول الحق والعمل به؛ فيجوز أن ندعو للكفار بأن يهديهم الله لقبول الحق والدخول في الإسلام‏.‏
إنما الممنوع أن ندعو لهم بالمغفرة؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 113‏]‏؛ فالمشرك والكافر لا يجوز الاستغفار له والترحم عليه‏.‏
21 ـ وجدت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏اثنتي عشرة ركعة تُصلين من ليل أو نهار، وتتشهّد بين كل ركعتين؛ فإذا تشهدت في آخر صلاتك؛ فأثن على الله عز وجل، وصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات، وآية الكرسي سبع مرات، وقل‏:‏ لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وهو على كل شيء قدير؛ عشر مرات، ثم قل‏:‏ اللهم‏!‏ إني أسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى، وكلماتك التامة ‏[‏للفائدة انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ‏"‏مجموع الفتاوى‏"‏ ‏(‏1/344، 345‏)‏‏.‏‏]‏، ثم سل حاجتك، ثم ارفع رأسك، ثم سلم يمينًا وشمالاً‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ولا تُعلّموها السفهاء؛ فإن يدعوا بها؛ يُستجابُ لهم‏)‏ أو ما معناه، رواه الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه، وقال أحمد بن حرب‏:‏ قد جربته فوجدته صحيحًا‏:‏ وقال إبراهيم بن علي‏:‏ قد جربته فوجدته حقًا‏.‏ وقال الحاكم‏:‏ قال لنا زكريا‏:‏ قد جربته فوجدته ‏[‏لم أجده‏.‏‏]‏ حقًا‏.‏ أفيدونا جزاكم الله خيرًا، هل هذه الصلاة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم حقًا بهذه الصفة، وماذا تسمى‏؟‏ وما المقصود بالسفهاء الذين نهينا أن نعلمهم هذه الصلاة‏؟‏ بينما هناك حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عليًا عن تلاوة القرآن وهو راكع أو ساجد، أخرجه ابن جرير ‏[‏لم أجده‏.‏‏]‏؛ فأيهما الصحيح‏؟‏ وإن كانا صحيحين؛ فكيف الجمع بينهما‏؟‏
هذا الحديث فيه من الغرابة كما ذكر السائل من أنه شرع قراءة الفاتحة في غير القيام في الركوع أو في السجود، وتكرار ذلك، وأيضًا في السؤال بمعاقد العز من العرش وغير ذلك، وكلها أمور غريبة، فالذي ينبغي للسائل أن لا يعمل بهذا الحديث، وفي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا إشكال فيها، وفيها من نوافل العبادات والصلوات والطاعات، ما فيه الخير والكفاية إن شاء الله‏.‏
وأما ما ذكر من أن فلانًا جربه فوجده صحيحًا، وفلانًا جربه فوجده صحيحًا؛ هذا كله لا يدل على صحة الحديث، فكون الإنسان يُجرِّب الشيء ويحصل له مقصوده لا يدل على صحة ما قيل فيه أو ما ورد فيه؛ لأنه قد يصادف حصول هذا الشيء قضاءً وقدرًا، أو يصادف ابتلاءً وامتحانًا للفاعل، فحصول الشيء لا يدل على صحة ما ورد به‏.‏
22 ـ هناك أناس يدعون بدعاء يعتقدون أنه يشفي من مرض السُّكر، وهو كما يلي‏:‏ الصلاة والسلام عليكم وعلى آلك يا سيدي يا رسول الله‏!‏ أنت وسيلتي، خذ بيدي، قلَّت حيلتي، فأدركني‏.‏ ويقول هذا القول‏:‏ يا رسول الله‏!‏ اشفع لي‏.‏ وبمعنى آخر‏:‏ ادع الله يا رسول الله لي بالشفاء‏.‏ فهل يجوز أن يردد هذا الدعاء‏؟‏ وهل فيه فائدة كما يزعمون‏؟‏ أرشدونا بارك الله فيكم‏.‏
هذا الدعاء من الشرك الأكبر؛ لأنه دعاء للرسول صلى الله عليه وسلم، وطلب لكشف الضرر والمرض من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى؛ فطلبه من غير الله شرك أكبر، وكذلك طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وسلم بعد موته، هذا من الشرك الأكبر؛ لأن المشركين الأولين كانوا يعبدون الأولياء، ويقولون‏:‏ هؤلاء شفعاؤنا عند الله؛ فالله سبحانه وتعالى عاب ذلك عليهم، ونهاهُم عن ذلك‏!‏
‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏.‏ (17)‏‏]‏، ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏.‏ (18)]‏‏.‏
وكل هذا من الشرك الأكبر والذنب الذي لا يُغفر إلا بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى منه، والتزام التوحيد وعقيدة الإسلام؛ فهو دعاء شركيّ، لا يجوز للمسلم أن يتلفَّظ به، ولا أن يدعو به، ولا أن يستعمله، ويجب على المسلم أن ينهى عنه، وأن يُحَذِّر منه‏.‏
والأدعية الشرعية التي يُدعى بها للمريض ويُرقى بها المريض أدعية ثابتة ومعلومة، يُرجع إليها في مظانِّها من دواوين الإسلام الصحيحة؛ كـ‏"‏صحيح البخاري‏"‏ (19) "، و‏"‏صحيح مسلم‏"‏ (20).‏
وكذلك قراءة القرآن الكريم على المريض مرض السُّكَّر أو غير مرض السُّكَّر، قراءة القرآن الكريم - وبالذات قراءة سورة الفاتحة - على المريض فيها شفاء وأجر وخير كثير‏.‏
والله سبحانه وتعالى أغنانا بذلك عن الأمور الشركية، والمسلم لا يجوز له أن يتعاطى شيئًا من الشركيَّات، ولا أن يقدم على عمل من الأعمال أو على دعاء من الأدعية؛ إلا إذا ثبت لديه وتحقَّق أنه من شريعة الله وشريعة رسوله ‏(‏، وذلك بسؤال أهل العلم، وبالرجوع إلى أصول الإسلام الصحيحة‏.‏
فالذي أنصحك به ترك هذا الدعاء، والابتعاد عنه، والنهي عنه، والتحذير منه‏.‏
23 ـ هل يجوز أن يدعو الدّاعي فيقول‏:‏ سبحان من لا يصفه الواصفون، ولا تدركه العقول‏.‏‏.‏‏.‏ وما أشبه ذلك‏؟‏ لأننا نسمع بعض الأئمة يدعون بهذا الدُّعاء؛ فهل يصح ذلك‏؟‏
يُشرع الدعاء بما ورد من أسماء الله وصفاته؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 180‏.‏‏]‏‏.‏
أما ما ذُكر في السؤال؛ فلم يرد في كلام الله وكلام رسوله فيما أعلم؛ فلا ينبغي الدُّعاء به‏.‏
وأيضًا؛ في كلمة‏:‏ لا يصفه الواصفون‏!‏ نظرٌ ظاهرٌ؛ لأن الله سبحانه يوصف بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا اللفظ منقولاً عن نفاة الصِّفات‏.‏
24 ـ هل يجوز أن نقول في الدعاء‏:‏ ‏"‏اللهم بجاه نبيك‏"‏‏؟‏
لا يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ولا بجاه غيره؛ لأن هذا بدعة، لا دليل عليه، وهو الشرك‏.‏
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏جاه المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق؛ فإنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه؛ فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له‏"‏ انتهى (21) ".‏
والله سبحانه أمرنا أن ندعوه مباشرة، ولم يأمرنا أن ندعوه بجاه أحد؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُوا رَبَّكُمْ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 55‏.‏‏]‏، ‏{‏وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 60‏.‏‏]‏، ‏{‏فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 14‏.‏‏]‏؛ كما أمرنا أن ندعوه بأسمائه سبحانه، فقال‏:‏ ‏{‏وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 180‏]‏‏.‏
وما يُروى‏:‏ ‏"‏إذا سألتُم الله؛ فاسألوه بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عظيم‏"‏؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله‏:‏ ‏"‏إنه حديث كذب، ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث‏"‏ انتهى (22).‏
25 ـ يقول بعض الناس لبعض‏:‏ أنت لا ترحم، ولا تترك رحمة الله تنزل‏.‏ فهل في هذا القول محذور شرعي‏؟‏
قول بعض الناس‏:‏ أنت لا ترحم‏!‏ لا بأس به، وهو من باب الإنكار على الجبابرة العُتاة‏.‏
ولكن قولهم‏:‏ ولا تترك رحمة الله تنزل‏!‏ قول خطأ وضلال، ولا يجوز النطق به؛ لأنه لا أحد يمنع رحمة الله النازلة؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 2‏.‏‏]‏، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول مخاطبًا ربه عز وجل‏:‏ ‏(‏لا مانعَ لِما أعطيتَ، ولا معطيَ لِما منعتَ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/205‏)‏ من حديث المغيرة بن شعبة، وهو جزء من الحديث‏.‏‏]‏‏.‏
وإن كان قصد القائل أنَّ المخاطب يكره نزول رحمة الله على عباده؛ فهذا هو الحسد المذموم الذي يُنكَرُ على صاحبه؛ فالمعنى صحيح، ولكنَّ اللفظ خطأ، والصَّواب أن يُقال‏:‏ وتكرهُ أن تنزل رحمة الله على عبده‏.‏
26 ـ هل يُعتبر التحسُّر والتأسُّف على ما مضى مما لم يُدرك أمرًا مذمومًا‏؟‏ وما حكمة منع استعمال كلمة ‏(‏لو‏)‏‏؟‏
لا يجوز التحسُّر والتأسُّفُ على ما لم يدرك الإنسان إذا كان عمل السبب لحصوله ولم يحصل؛ فإنه لا يدري؛ لعل عدم حصوله خير له، ولأن هذا يدل على التسخُّط على قضاء الله وقدره؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏ 22-23‏.‏‏]‏‏.‏
أما قوله‏:‏ لو أني فعلت كذا؛ لكان كذا‏!‏ فقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ففي ‏"‏الصحيح‏"‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعُك، واستعن بالله، ولا تَعجِزَن، وإن أصابك شيء؛ فلا تقل‏:‏ لو أني فعلتُ؛ لكان كذا وكذا، ولكن قُل‏:‏ قدَّرَ الله، وما شاء فعل‏.‏ فإنَّ ‏(‏لو‏)‏ تفتحُ عمل الشيطان‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2052‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
فكلمة ‏(‏لو‏)‏ تفتح عمل الشيطان لما فيها من التأسُّف على ما فات والتحسُّر ولوم القدر، وذلك ينافي الصَّبر والرِّضى بالقضاء والقدر‏.‏
وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ؛ ما سُقت الهديَ‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/879‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو جزء من الحديث‏.‏‏]‏؛ فهو إخبار عن مستقبل، وليس فيه اعتراض على قدر؛ فهو إخبار عمَّا سيفعل في المستقبل لو حصل‏.‏
27 ـ أرى بعض الناس يكتب في رسائله لأخيه أو لوالده فيقول‏:‏ والدي العزيز، أو‏:‏ أخي الكريم، أو‏:‏ أختي الكريمة‏.‏‏.‏‏.‏ وغير ذلك من أسماء الله الحسنى؛ هل هذا فيه شيء‏؟‏
هذا ليس فيه شيء، بل هو جائز؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 128‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 23‏.‏‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/161‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ هذا دليل على أن مثل هذه الأوصاف تصح لله ولغيره، ولكن اتصاف الله بها لا يماثِلُه شيء من اتصاف المخلوق بها؛ فإن صفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به، وقول القائل لأبيه أو أمه أو صديقه‏:‏ العزيز‏.‏ لأنه عزيز عليه، غالٍ عنده، ولا يقصد بها أبدًا الصفة التي تكون لله عز وجل‏.‏
28 ـ ما حكم قول بعضهم‏:‏ ما صدَّقت على الله يحصُل كذا‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏ وإذا كان لا يجوز؛ فما العبارة الجائزة البديلة للمتكلِّم‏؟‏
هذه الكلمة ‏(‏ما صدَّقتُ على الله‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلخ‏:‏ لا أعلم لها أصلاً، ولا معنى لها؛ فالأولى تركها، وأن يقتصر المتكلم على كلمة ‏(‏ما صدَّقتُ أنه يحصُلُ كذا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ وما أشبه ذلك من الألفاظ المعروفة؛ كأن يقول‏:‏ أستبعد أنه يحصُلُ كذا، أو‏:‏ أستغرب، أو ما أشبه ذلك‏.‏
الحلف
29 ـ ما القول في قوم اعتادوا على الحلف بالله، واتخذوه مؤكّدًا لكل قول يقولونه، سواء كان مهمًا أو غير مهم‏؟‏
لا يجوز الإكثار من الحلف؛ لأن ذلك يدل على الاستهانة به وعدم احترامه، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 10‏.‏‏]‏‏.‏
وفي الحديث الصحيح‏:‏ أن من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏:‏ رجلاً جعل الله بضاعته؛ لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه (23).‏
وقد ورد في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏.‏‏]‏؛ يريد‏:‏ لا تحلفوا؛ فهو نهي عن الحلف إلا عند الحاجة وفي حالة البر والصدق‏.‏
30 ـ اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم في معاملاتهم، وأصبح الأمر عاديًا؛ فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي؛ أجابني بأن هذا تعظيم للرسول، وهذا ليس فيه شيء؛ ما الحكم في ذلك‏؟‏
الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين أو بصفة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المخلوقين محرم، بل هو نوع من الشرك؛ فإذا أقسم أحد بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ والنبي، أو قال‏:‏ والرسول، أو‏:‏ أقسم بالكعبة، أو‏:‏ بجبريل، أو‏:‏ بإسرافيل، أو‏:‏ أقسم بغير هؤلاء؛ فقد عصى الله ورسوله ووقع في الشرك‏.‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من كان حالفًا؛ فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/221‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏
وقال‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/125‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏5/253‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏4/297‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه غيرهم بدون ذكر‏:‏ ‏"‏كفر‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏
وقول الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن هذا تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم‏!‏ جوابه أن نقول‏:‏ هذا النوع من التعظيم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أنه نوع من الشرك؛ فتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن هذا الحلف؛ لأن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، بل في امتثال أمره واجتناب نهيه، وهذا الامتثال يدل على محبته صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى في قوم ادعوا محبة الله‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏.‏‏]‏؛ فإذا أردت أن تعظم النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم الذي يستحقه عليه الصلاة والسلام؛ فامتثل أمره، واجتنب نهيه، في كل ما تقول وتفعل، وبذلك تكون معظمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
فنصيحتي لإخواني الذين يكثرون من الحلف بغير الله، بل الذين يحلفون بغير الله، نصيحتي لهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا يحلفوا بأحد سوى الله سبحانه وتعالى؛ امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقول‏:‏ ‏(‏مَن كان حالِفًا، فليحلف بالله‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/221‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏.‏‏]‏، واتقاء للوقوع في الشرك الذي دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن حلفَ بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/221‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏
31 ـ حينما يريد بعض الناس أن يؤكد كلامًا كذبًا قاله لشخص؛ يحلف له بغير الله؛ معتقدًا بأن الحلف بالله سبحانه لا يليق معه الكذب، فيحلف بغيره؛ فهل لهذا العمل وجه في الشرع المطهر‏؟‏
هذا الذي كذب وحلف ليسوغ الكذب؛ جمع بين سيئتين‏:‏ سيئة الكذب، وسيئة الحلف بغير الله‏.‏
لأن الحلف بغير الله لا يجوز بحال من الأحوال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله؛ فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/125‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏5/253‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏4/297‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ورواه غيرهم بدون ذكر‏:‏ ‏"‏كفر‏"‏‏.‏‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من كان حالفً؛ فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/221‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏
والكذب أخف إثمًا من الحلف بغير الله؛ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا‏"‏ (24) "؛ لأن سيئة الكذب أخف من سيئة الشرك؛ فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالنبي، ولا بالأمانة، ولا غيرهما، ومن كان معتادًا أن يحلف بغير الله؛ فإنه يجب عليه أن يتوب من ذلك ويتركه؛ فلا يجوز الحلف بغير الله، ولو كان كاذبًا في حلفه‏.‏
32 ـ ما الفرق بين هذه الأقسام، وهل هي جائزة‏:‏ أقسم بآيات الله، أقسم بكلمات الله، أقسم بالقرآن، أقسم برب القرآن‏؟‏
كلها جائزة إلا الأخير ‏(‏برب القرآن‏)‏، لا يقال‏:‏ رب القرآن، بل يقال‏:‏ منزل القرآن‏.‏
أما الإقسام بآيات الله، الإقسام بالقرآن‏.‏‏.‏‏.‏ هذا كله جائز؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى؛ فهو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، والقسم إنما يكون بالله جل وعلا أو بصفة من صفاته، وكلامه من صفاته، ولكن الإقسام بالآيات إذا كان المقصود بها الآيات الكونية؛ الشمس والقمر والسماء والأرض؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه حلف بالمخلوق‏.‏
القضاء والقدر
33 ـ ما حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر مع ذكر الدليل‏؟‏
الإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإيمان‏:‏ أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/36، 37، 38‏)‏ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو جزء من الحديث‏.‏‏]‏‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏احرص على ما ينفعك، ولا تعجزنَّ، فإن أصابك شيء؛ فلا تقل‏:‏ لو أني فعلت كذا؛ لكان كذا وكذا، ولكن قل‏:‏ قدَّر الله وما شاء فعل‏.‏ فإن ‏(‏لو‏)‏ تفتح عمل الشيطان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2052‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو جزء من حديث طرفه‏:‏ ‏"‏ المؤمن القوي خيرٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏
والله جل وعلا يقول‏:‏ ‏{‏إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 49‏.‏‏]‏‏.‏
فالإيمان بالقضاء والقدر هو أحد أركان الإيمان الستة، ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر؛ فإنه يكون قد ترك أحد أركان الإيمان الستة؛ فلا بد من الإيمان بالقضاء والقدر‏.‏
وليس معنى هذا أننا نقول‏:‏ العبد مجبر‏!‏ ونلغي الأعمال والأسباب كما تقول الجبريَّةُ، لكننا نؤمن بالقدر، ونعمل بالأسباب؛ لأن الله أمرنا باتخاذ الأسباب وبالعمل وبتجنُّب الأشياء المضرَّة؛ فالذي أخبرنا أن كل شيء بقضائه وقدره؛ أمرنا بالأعمال، وأمرنا بفعل الأسباب، والأعمال والأسباب من قضاء الله وقدره؛ فالقضاء والقدر يعالَجُ بالقضاء والقدر، ولهذا لمَّا سافر عمر بن الخطاب إلى الشام، وبلغه وقوع الوباء فيه، وعزم على الرجوع؛ قال له بعض أصحابه‏:‏ أتفرُّ من قدر الله يا أمير المؤمنين‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ نعم؛ نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏صحيح البخاري‏"‏ ‏(‏7/20-21‏)‏ من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
والمؤمن لا يزال في قدر الله عز وجل؛ فهل يعمل ويكتسب ويتسبَّب، وكل هذا من قدر الله عز وجل، أمَّا أن نقول‏:‏ إن العبد مجبَرٌ، وإن كان مقدَّرٌ له شيء سوف يحصل، وإلا لم يحصل له‏!‏ ونترك الأسباب‏!‏ هذا هو قول الجبريّة الضَّالّة‏.‏
34 ـ أرجو إفادتي هل الإنسان مخيَّرٌ في دنياه أو مسيّرٌ؛ ففي الآية الكريمة التالية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 29‏.‏‏]‏؛ تفيد أن الإنسان مخيَّر، وفي الآية الكريمة الأخرى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 29‏.‏‏]‏؛ تفيد أن الإنسان مسير؛ فما معنى الآيتين‏؟‏ وهل بينهما تعارض كما يظهر أم لا‏؟‏
الإنسان مسيَّر ومخيَّر، يجتمع فيه الأمران‏:‏
فهو مسير من حيث جريان أقدار الله وقضائه عليه، وخضوعه لذلك كونًا وقدرًا، وأنه لا يمكنه التخلُّص من قضاء الله وقدره الذي قدَّره عليه؛ فهو من هذه الناحية مسيَّرٌ‏.‏
أما من ناحية أفعاله هو وحركاته وتصرُّفاته؛ فهو مخيَّرٌ؛ لأنه يأتي ويذرُ من الأعمال بإرادته وقصده واختياره؛ فهو مخيَّرٌ‏.‏
فالعبد له مشيئة، وله اختيار، ولكنه تابع لمشيئة الله سبحانه وتعالى وقضائه وقدره، ولذلك يُثاب على الطَّاعة ويعاقب على المعصية التي يفعلها باختياره وإرادته، أما الإنسان الذي ليس له اختيار ولا إرادة - كالمكره والناسي والعاجز عن فعل الطاعة -؛ فهذا لا يعاقب؛ لأنه مسلوب الإرادة والاختيار‏:‏ إما بالعجز، أو بفقدان العقل؛ كالمجنون والمعتوه؛ فهو في هذه الأحوال لا يعاقب على تصرُّفاته؛ لأنه فاقد للاختيار، فاقد للإرادة‏.‏
أما ما أشرت إليه من الآيتين الكريمتين‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 29‏.‏‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 29‏.‏‏]‏؛ فهذا يؤيد ما ذكرنا؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة واختيارًا، وأثبت لنفسه سبحانه وتعالى مشيئة، وجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل، فدلت الآية الكريمة على إثبات المشيئتين‏:‏ إثبات المشيئة للعبد، وإثبات المشيئة لله، وأنَّ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل‏.‏
وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏؛ فهذا ليس معناه التَّخيير، بل هذا معناه الزَّجر والتهديد والتوبيخ؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا‏}‏؛ هذا معناه التهديد والتوبيخ، وأنَّ الإنسان إذا عصى الله سبحانه وتعالى، وكفر بالله؛ فإنَّ الله يعاقبه؛ لأنه فعل الكفر باختياره، وفعل الكفر بإرادته ومشيئته؛ فهو يستحقُّ عقاب الله ودخول النار‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا‏}‏؛ فهو سبحانه أعدَّ لهم هذه النار لظلمهم‏.‏
35 ـ ما المقصود بقوله تعالى في سورة هود‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 34‏.‏‏]‏‏.‏
يقول نوح عليه السلام لقومه‏:‏ عن كان الله سبحانه وتعالى أراد إضلالكم ودماركم بسبب كفركم وإعراضكم؛ فلا رادَّ لقضائه‏.‏
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في ‏"‏تفسيره‏"‏‏:‏ ‏"‏أي‏:‏ إنَّ إرادة الله غالبة، فإنه إذا أراد أن يُغويكم لردِّكم الحق؛ فلو حرصت غاية مجهودي ونصحت لكم أتمَّ النُّصح - وهو قد فعل عليه السلام -؛ فليس ذلك بنافع لكم شيئًا‏"‏ (25) انتهى‏.‏
وكأنه عليه السلام لما رأى عنادهم وإصرارهم على الكفر؛ عرف أن الله سبحانه سيعاقبهم؛ كما هي سنَّةُ الله في خلقه؛ أنَّ من أعرض عن قبول الحقِّ بعد وضوحه ودعوته إليه؛ فإنَّ ذلك علامة على نزول العقوبة به‏.‏
ونوح عليه السلام قال ذلك لقومه لما طلبوا منه إيقاع العقوبة التي كان يخوِّفهم منها، فطلبوا منه إيقاعها بهم من باب التحدِّي له، فبيَّن عليه السلام لهم أنَّ ذلك ليس بيده، وإنَّما هو بيد الله، وأنه سبحانه إذا أراد عقوبتهم؛ فلا رادَّ لما أراده‏.‏
فيما يخص المصطفى صلى الله عليه وسلم
36 ـ ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ‏(‏من رآني في منامه؛ فقد رآني حقًا؛ فإنَّ الشيطان لا يتمثل بي‏)‏ يدَّعي بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه في المنام، وأعطاه وِردًا يكرِّره كذا مرة ‏(‏أي‏:‏ يتعبَّدُ به ويخبر به الناس‏)‏، وهذا ينافي الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏.‏‏]‏؛ فهل يُصدَّق مثل هذا أم يُكذَّبُ‏؟‏
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قد تحصل، والحديث الوارد فيها صحيح (26)‏.لكن هذا في حق من يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف صفاته صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ الشيطان لا يتشبَّه به في صفاته وشخصه عليه الصلاة والسلام، فمن كان يعرفُهُ حقَّ المعرفة، ويُميِّزُهُ حقَّ التَّمييز عن غيره؛ فهذا قد يراه في المنام، أما الذي لا يعرف صفات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يُميِّزُ شخصيَّته الكريمة عليه الصَّلاة والسلام؛ فهذا قد يأتيه الشيطان، ويدَّعي أنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يُضَلِّلُهُ في دينه؛ فليس الأمر على إطلاقه‏.‏
أما الناحية الثانية، وهي أنَّ الرسول علَّمه وِردًا في رُؤياه؛ فهذا - كما تفضل السائل - أمر باطل؛ لأنَّ التشريع قد انتهى بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏.‏‏]‏، ولا يُرِدُ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم تشريع شيء وزيادة شيء على ما كان قبل وفاته عليه الصلاة والسلام؛ لا وِردٌ ولا غيره؛ فليُتَنبَّه لهذا‏.‏
37 ـ ما الذي تضمَّنته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من بيان الحق في أصول الدين وفروعه على وجه الإجمال‏؟‏
تتضمَّن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كل ما يحتاجه البشر إلى أن تقوم الساعة في بيان أصول الدين وقواعده؛ من علاقة العبد برِّبه، وكيف يعبُدُهُ العبادة الصحيحة المقرِّبة إليه، ومن علاقة العبد مع نفسه وأقاربه وأهله وجيرانه ومواطنيه، وما عليه لهؤلاء من الحقوق والواجبات، وتوجيه الإنسان؛ كيف يتعامل مع الحياة‏؟‏ وكيف يكسِبُ المال، ويُنَمِّيه، وينفِقُه‏؟‏ ومن يخلفه فيه بعد وفاته‏.‏‏.‏‏.‏
وهكذا جاءت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم شاملة وكاملة ومستوعبة لجميع جوانب الحياة؛ كما أنَّ فيها الحلَّ الناجح لكل ما يتعرَّضُ له الإنسان من مشكلات‏:‏ ‏{‏وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 89‏.‏‏]‏، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم كل ما يحتاجه العباد في أمر دينهم بيانًا كاملاً وكافيًا؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 3‏.‏‏]‏‏.‏
38 ـ هل كان الإسراء والمعراج بالجسم‏؟‏ فإن كان بالجسم؛ فهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى بالعين‏؟‏ وله يكفرُ من ينكر الإسراء والمعراج بالجسم، ويدَّعي عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم لله تبارك وتعالى بالعين المجرَّدة‏؟‏
الإسراء والمعراج كانا بالجسم والروح معًا، هذا قول الجمهور من أهل العلم، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 1‏.‏‏]‏، والعبد اسم للروح والجسم، وليس اسمًا للرُّوح فقط، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الإسراء والمعراج (27)؛ أنه جاءه جبريل بدابَّة اسمها البُراق، وأركبه عليها، وذهب إلى بيت المقدس، وصلى بالأنبياء هنا‏.‏‏.‏‏.‏ كل هذا يعطي أنه بالجسم والرُّوح معًا، وهذا قول الجماهير من أهل العلم، ولم يخالفهم فيه إلا طائفة يسيرة‏.‏
وأما هل رأى ربَّه ليلة المعراج بعينه؛ فالجمهور على أنه لم يره بعينه، وإنما رآه بقلبه، وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه رآه بعينه، ولكن الصحيح الأول، وأنه لم يره بعينه، وإنما رآه بقلبه، ولما سُئِل صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ قيل‏:‏ هل رأيت ربَّك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نورٌ أنّى أراهُ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/161‏)‏ من حديث أبي ذر رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وأما من أنكر الإسراء بالجسم؛ فهو لا يكفر؛ لأنه قال به بعض السَّلف؛ قالوا‏:‏ إنَّ الإسراء بالرُّوح فقط، يقظة لا منامًا‏.‏ وإن كان هذا القول مرجوحًا وضعيفًا، لكن من أخذ به؛ فإنه يكون مُخطئًا، ولا يكفر بذلك‏.‏
وكذلك من أنكر رؤية النبي لربِّه لا يكفر من باب أولى؛ لأن الصحيح - كما ذكرنا - أنه لم يره بعينه، وإنما رآه بقلبه‏.‏
وأما رؤية الله جل وعلا بالأبصار؛ فهي ثابتة للمؤمنين في الدَّار الآخرة، متواترة فيها النُّصوص في القرآن والسّنَّة، وإجماع أهل السُّنَّة على أنّ المؤمنين يرون ربَّهم يوم القيامة رؤية حقيقة، أما في الدنيا؛ فلم يثبت أن أحدًا رآه جل وعلا‏.‏
39 ـ هل لكم يا فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم‏؟‏
معجزات النبي صلى الله عليه وسلم - هي الآيات الدّالة على رسالته صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقًا - كثيرة جدًّا‏:‏
ـ فأعظم الآيات التي جاء بها هذا القرآن الكريم؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 50، 51‏.‏‏]‏؛ فالقرآن العظيم أعظم آية جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفع آية لمن تدبَّرها واقتدى بها؛ لأنها باقية إلى يوم القيامة‏.‏
ـ أما الآيات الأخرى الحسِّيَّة التي مضت وانقضت أو لا تزال تحدث؛ فهي كثيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله جملة صالحة منها في آخر كتابه ‏"‏الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح‏"‏، هذا الكتاب الذي ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه؛ لأنه بيَّن فيه شطح النصارى الذين بدَّلوا دين المسيح عليه الصلاة والسلام وخطأهم وضلالهم، وأنهم ليسوا على شيء مما كانوا عليه فيما حرَّفوه وبدَّلوه وغيَّروه، والكتاب مطبوع، وبإمكان كل إنسان الحصول عليه، وفيه فوائد عظيمة، منها ما أشرت إليه؛ بيانُ الشيء الكثير من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ابن كثير رحمه الله في ‏"‏ البداية والنهاية ‏"‏ ذكر كثيرًا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمن أحبَّ؛ فليرجع إليه (28).‏
40 ـ من هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم المقصودون بقوله جل وعلا‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 33‏.‏‏]‏‏؟‏ وما المقصود بقوله‏:‏ ‏{‏قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 33‏.‏‏]‏‏.‏
المقصود بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ بالدرجة الأولى زوجاته عليهن رضوان الله؛ لأن الآية نزلت بسببهن والخطاب لهنَّ كما قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 33‏.‏‏]‏؛ فسياق الآيات كله في نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أول الآيات يقول‏:‏ ‏{‏يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 30-33‏.‏‏]‏؛ فأهل بيته صلى الله عليه وسلم في هذه الآية في الدرجة الأولى أزواجه، وتشمل ذلك قرابته عليه الصلاة والسلام، ولكن نساؤه في هذه الآية داخلات من باب أولى لأنهن سبب النزول‏.‏
وأما قوله‏:‏ ‏{‏قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 23‏.‏‏]‏‏.‏ فالعلماء ذكروا في معنى ‏{‏إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى‏}‏ ثلاثة تفاسير‏:‏
الأول‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشًا إلى الإسلام وعارضوه وعاندوه وآذوه؛ خاطبهم بقوله‏:‏ ‏{‏قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى‏}‏؛ يعني‏:‏ لا أسألكم على هذه الدعوة وعلى هذا التبليغ مالاً من أموالكم وطمعًا دنيويًا ‏{‏إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى‏}‏؛ أي‏:‏ أن تُراعوني في قرابتي منكم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له قرابة مع قريش، ما من بيت من بيوت قريش إلا وللرسول صلى الله عليه وسلم قرابة فيه؛ فالرسول أمره الله جل وعلا أن يناشدهم بهذه القرابة أن يراعوها في حق النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤذوه‏.‏
والقول الثاني‏:‏ أن المراد بالمودة في القربى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ أي‏:‏ إلا التحبب إلى الله عز وجل بالتقرب بالطاعة؛ فأنا لا أريد منكم مالاً، وإنما أريد منكم أن تعبدوا الله عز وجل وتتحببوا إليه بالطاعة‏.‏
والقول الثالث‏:‏ أن المراد بالقربى أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وأن معنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من الأمة أن يحبوا أهل بيته وأن يوقروهم، وهذا حق؛ فإن أهل بيت النبوة الصالحين منهم والمستقيمين على دين الله لهم حق تجب مراعاته بمودتهم واحترامهم وتوقيرهم بمقتضى الشريعة الإسلامية‏.‏
41 ـ هل يعني انتقادُنا اليهوديَّة أو النصرانيّة الآن أننا ننال من موسى وعيسى عليهم السلام‏؟‏ وما موقف المسلم تُجاه أنبياء الله تعالى ورسله عليهم السلام‏؟‏
لا يعني انتقادُنا اليهود والنصارى انتقاد موسى وعيسى عليهما السلام، وذلك لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل لكفرهم بموسى وعيسى؛ حيث أمرا باتِّباع محمد صلى الله عليه وسلم عند بعثته؛ لأنه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وجب عليهم اتِّباعُه؛ لأنهم من أمة الدعوة المحمَّديَّة، وقال الله تعالى لنبيه‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 158‏.‏‏]‏؛ فكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم كفر بموسى وعيسى عليهما السلام، فلم يبقوا من أتباعهما ولا من أتباع أحد من الرُّسل، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 150، 151‏.‏‏]‏‏.‏
وهؤلاء كفروا بأفضل الرُّسل وخاتمهم، الذي نسخت شريعته جميع ما سبقها من الشَّرائع - وبالأخص شريعة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام -، والبقاء على الدِّين المنسوخ بقاء على غير دين، وبناء على ذلك أصبحوا من غير أتباع موسى وعيسى، فذمُّهم ليس ذمًّا لدين موسى وعيسى، وإنما هو ذمٌّ لهم هم‏.‏
وموقف المسلم تجاه الأنبياء عليهم السلام أن يؤمن بهم جميعًا، من أولهم إلى آخرهم، لا يفرِّق بين أحد منهم؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 285‏.‏‏]‏‏.‏
42 ـ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية ‏[‏آل عمران‏:‏ 144‏.‏‏]‏؛ متى نزلت هذه الآية‏؟‏ ولماذا ذكر لفظ ‏{‏قُتِلَ‏}‏؛ رغم علمِ الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يقتل‏؟‏
نزلت هذه الآية عندما أصيب المسلمون في وقعة أحد، وأشاع الشَّيطان في الناس أن محمدًا قتل، يريد تخذيل المسلمين‏.‏
ومعنى الآية أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كغيره من الرسل، يجري عليه ما يجري على البشر من الموت أو القتل، وطاعته واتباع ما جاء به واجبان في حال حياته وحال موته، فليس بقاؤه شرطًا في امتثال ما جاء به من عند الله عز وجل، بل الواجب على الأمة عبادة الله دائمًا، ولهذا قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم مات الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن كان يعبدُ محمدًا؛ فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله؛ فإنّ الله حيٌّ لا يموتُ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في صحيحه ‏(‏4/193، 194‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
وجاء في الآية لفظ‏:‏ ‏{‏أَوْ قُتِلَ‏}‏‏:‏ من أجل الإشاعة التي حصلت أنَّ محمدًا قتل؛ أي‏:‏ لو صحَّ أنه قتل؛ فإنَّ ذلك لا يمنع المسلمين ولا يُضعِف موقفهم من جهاد عدوِّهم والثَّبات على إيمانهم‏.‏
43 ـ لا نختلف في منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في مكانته العظيمة التي تفوق كل النبيين والمرسلين والخلق أجمعين، ولكن تراني أتوقف عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 285‏.‏‏]‏؛ فما هو تفسير هذه الآية‏؟‏ وما المقصود منها‏؟‏
يجب الإيمان بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم، ويجب محبتهم وتعظيمهم وتوقيرهم واحترامهم؛ لأنهم أفضل الخلق، ولأنهم جاؤوا بالرسالة من عند الله سبحانه وتعالى لهداية الخلق، وأنقذ الله بهم من شاء من عباده من النار وهداهم إلى الصراط المستقيم؛ فالإيمان بالرسل جميعًا ومحبتهم وتوقيرهم واحترامهم واجب، وهو ركن من أركان الإيمان؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الإيمان‏:‏ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/36، 37، 38‏)‏ من حديث عمر بن الخطاب، وهو جزء من الحديث‏.‏‏]‏‏.‏
وأما التفريق بين الرسل فهو يعني الإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم كما فعلت اليهود وكما فعلت النصارى‏:‏
فاليهود موقفهم من الرسل أنهم آمنوا بالبعض وكفروا بالبعض، حيث كفروا بعيسى وبمحمد عليهما الصلاة والسلام، والبعض الآخر من الرسل قتلوه؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 87‏.‏‏]‏‏.‏
فاليهود هذا موقفهم من الرسل؛ فرَّقوا بينهم فكفروا ببعضهم وقتلوا بعضهم، وحتى الذين آمنوا به منهم لم يؤمنوا به إيمانًا صحيحًا؛ لأنهم لا يؤمنون إلا بما يوافق أهواءهم مما جاء به، وما خالف أهواءهم كفروا به وتركوه‏.‏
والنصارى أيضًا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ فهم فرّقوا بين الرسل‏.‏
أما أهل الإيمان الصحيح؛ فإنهم آمنوا بجميع الرسل من أولهم إلى آخرهم‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 285‏.‏‏]‏‏.‏
فالذي كفر ببعض وآمن ببعض يكون كافرًا بالجميع؛ لأن الذي كفرَ به معه من الدليل ومن الحجة والبرهان على نبوته مثل ما مع الرسل الذين آمن بهم، فكفره به يكون كفرًا ببقيتهم‏.‏
وكذلك التفريق بين الرسل يعني تفضيل بعضهم على بعض من باب المفاخرة والتنقيص من حق بقية الأنبياء؛ فهذا لا يجوز أيضًا، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏ ‏(‏لا تُفاضلوا بين الأنبياء‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1843، 1844‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏لا تفضِّلوا بين أنبياء الله‏"‏‏.‏‏]‏؛ بمعنى‏:‏ لا تفاضلوا بينهم على وجه الافتخار وتنقيص المفضول‏.‏
وأما ذكر أن بعضهم أفضل من بعض من غير فخر ومن غير تنقيص للآخرين من الأنبياء؛ فلا بأس بذلك؛ قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 253‏.‏‏]‏؛ فلا شك أن الرسل يتفاضلون وهذا فضل من الله سبحانه وتعالى‏.‏
فالتفريق بين الرسل يعني أمرين‏:‏
الأول‏:‏ الإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم كما فعل اليهود والنصارى‏.‏
والثاني‏:‏ تفضيل بعضهم على بعض من باب المفاخرة والتنقيص للمفضول‏.‏
والله أعلم‏.‏
نواقض الإسلام
44 ـ من أقرَّ من الناس بوجود الله، وأنّه الخالق الرازق، ولكنَّه يجعل بينه وبين الله في العبادة وسيطًا؛ كنبيٍّ أو وليٍّ أو غير ذلك؛ فهل يُخرَجُ هذا من دائرة الإسلام والإيمان‏؟‏
من آمن بأن الله هو الخالق الرازق، ولكنَّه يجعل بينه وبين الله وسائط في العبادة؛ فقد ابتدع في دين الله ما لم يأذن به الله؛ لأن الله سبحانه أمر بعبادته بدون اتِّخاذ وسائط‏.‏
ثم إن كان هذا يتقرَّب إلى الوسائط بشيء من العبادة كالذبح للأولياء والصَّالحين والنذَّر لهم وطلب قضاء الحوائج من الموتى، ويستغيث بهم؛ فهذا شرك أكبر يخرج من الملة‏.‏
وإن كان يتوسَّل بالوسائط لحقهم أو جاههم دون أن يصرف لهم شيئًا من العبادة؛ فهذا يعتبر بدعة محرَّمة ووسيلة من وسائل الشرك‏.‏
وعلى كل حال؛ لا يجوز اتخاذ الوسائط بين الله وبين العبد في العبادة والدُّعاء؛ لأن الله أمر بعبادته ودعائه؛ دون اتخاذ وسائط، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو ردٌّ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/156‏)‏ معلقًا، ورواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1343-1344‏)‏؛ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏.‏‏]‏؛ فسمَّاهم باتِّخاذ الوسائط مشركين، ويقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏.‏‏]‏، فسماهم باتخاذ الوسائط كفارًا وكاذبين‏.‏ والله أعلم‏.‏
45 ـ إذا كان هناك شخص يعتقد أو يقرُّ التوسُّل بالصَّالحين؛ فهل تصحّ الصلاة خلفه‏؟‏
يُشترط في الإمام أن يكون مسلمًا عدلاً في دينه وأخلاقه واستقامته، وأن يكون مثالاً طيِّبًا في التمسُّكِ بالسُّنَّة والابتعاد عن البدعة وترك الشِّرك ووسائله؛ فالذي يتَّخذ التوسُّل بالصَّالحين أو الأولياء أو الأموات على ما اعتاده عبَّاد القبور اليوم، ويستعمل هذا، أو يدَّعي أنَّ هذا أمر جائز؛ فهذا لا تصحُّ الصلاة خلفه؛ لأنه مختلُّ العقيدة، وإذا كان يتوسَّل بالصَّالحين؛ بمعنى أنه يطلُبُ منهم الحوائج وتفريج الكربات وينادي بأسمائهم ويستغيث بهم؛ فهذا مشركٌ الشِّرك الأكبر المخرج من الملَّة؛ فليس بمسلم، فضلاً عن أن يتَّخذ إمامًا لمسجد‏.‏
فالواجب على المسلمين أن ينتبهوا لهذا، وأن لا يقدِّموا لدينهم وصلاتهم إلا سالم العقيدة، مستقيم السُّلوك، على الكتاب والسنة، ومتجنِّبًا للبدع والفسق‏.‏
حتى المسلم الفاسق لا تصحُّ إمامته عند كثير من أهل العلم، الذي فسقُه فسقٌ عمليٌّ‏!‏ فكيف بالفسق أو المبتدع الذي عنده خللٌ في عقيدته‏؟‏‏!‏ هذا أشدُّ، ولا سيَّما إذا كان كما ذكرنا ممَّن يتوسَّلون بالأموات ويطلُبون منهم الحوائج؛ فهذا مشركٌ الشِّرك الأكبر، لا تصحُّ صلاته، ولا صلاة من خلفه، حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويرجع إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل‏.‏
نسأل الله عز وجل أن يوقِظَ المسلمين لمعرفة دينهم، والتمسُّكِ بكتاب ربهم وسنة نبيهم، وترك ما خالف ذلك من البدع والخرافات والمحدَثات التي ظنُّوها من الدِّين واعتقدوها من الدِّين، وهي بعيدة كل البعد عن الدِّين‏.‏
46 ـ إذا كانت أفعال شخص كلُّها تناقض ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏؛ فهل يجوز لنا تكفيرُهُ مع أنه ينطقُ الشَّهادتين‏؟‏
من أتى بناقض من نواقض الإسلام؛ كترك الصلاة متعمِّدًا، أو الذَّبح لغير الله، والنَّذر لغير الله؛ كما يُفعلُ عند الأضرحة، أو دعاء غير الله، والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو سبّ الله أو رسوله، أو سبِّ الدين، أو الاستهزاء بالقرآن أو بالسُّنَّة؛ فهذا مرتدٌّ عن دين الإسلام، يُحكم بكفره، ولو كان يقول‏:‏ لا إله إلا الله؛ لأن هذه الكلمة العظيمة ليست مجرَّد قول يقال باللسان، وإنما لها معنى ومقتضىً تجبُ معرفتهما والعمل بهما‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من قال‏:‏ لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبَدُ من دون الله‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/53‏)‏ من حديث أبي مالك عن أبيه‏.‏‏]‏؛ فلم يجعل النُّطق بـ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ كافيًا في عِصمته الدَّم والمال، حتى يضيف إليه الكفر بما يُعبَدُ من دون الله‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 256‏.‏‏]‏؛ فقدَّم الكفر بالطَّاغوت على الإيمان بالله‏.‏
إلى غير ذلك من الأدلة‏.‏
47 ـ سائل يقول‏:‏ إنه شاب مسلم يحمل مؤهلاً جامعيًّا في الهندسة، وقد سافر إلى إحدى الدول العربية للبحث عن عمل، ولكنه لم يفلح في ذلك، بينما وجد أن غير المسلمين لهم قبول أكثر، وفي مثل تخصصه ذلك ويُفَضَّلونَ على غيرهم من المسلمين، أي أن عدم حصوله على عمل راجع إلى كونه يدين بالإسلام، فقرر أن يعود إلى بلده في محاولة لتغيير مُسمى الديانة في جواز سفره، وفعلاً سافر إلى إحدى البلاد الإفريقية، وحصل على جواز سفر منها بديانة غير الإسلام، ثم سافر مرة أخرى إلى إحدى البلاد العربية، فوجد القبول والحصول على وظيفة، ولكنه متألم لتغيير اسم الديانة في جواز سفره، وإن كان هو في داخله يدين بالإسلام ويفخر به دينًا، لذلك هو يسأل‏:‏ ما حكم عمله هذا‏؟‏ وما حكم كسبه المال بهذه الطريقة‏؟‏
أولاً‏:‏ يجب على المسلم أن يتمسك بدينه وأن لا يتنازل عنه لأي ظرفٍ من الظروف؛ لأن الدين هو رأس الماس، وهو الذي تترتب عليه النجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى، وهو الذي خُلِقَ الإنسان من أجله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56‏.‏‏]‏؛ فيجب على المسلم أن يتمسك بدينه مهما كلفه الثمن‏.‏
وما فعلته فيما ذكرت في السؤال من أنك ذهبت وغيره من مسمى الديانة إلى ديانة غير الإسلام لتحصل على عمل؛ فهذا شيء خطير، ويعتبر ردة عن دين الإسلام؛ لأنك فعلت هذا، وتظاهرت بغير دين الإسلام، وانتسبت إلى غير دين الإسلام، والمسلم لا يجوز له ذلك، ويجب عليه أن يتمسك بدينه، وأن يعتزَّ بدينه، وأن لا يتنازل عنه لطمعٍ من أطماع الدنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يستثن في أن يتلفظ الإنسان بشيء من ألفاظ الكفر؛ إلا في حالة الإكراه المُلجئ؛ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 106-107‏.‏‏]‏‏.‏
فأنت تظاهرت بغير دين الإسلام وانتسبت لغير دين الإسلام لأجل الدنيا وطمع الدنيا، لم تصل إلى حد الإكراه الذي تُعذَرُ به؛ فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والمبادرة إلى تغيير هذا الانتساب، والمبادرة إلى كتابة الديانة الإسلامية في ورقة عملك، مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما فات، والعزم على أن لا تعود لمثل هذا الشيء؛ لعلَّ الله أن يتوب علينا وعليك‏.‏
ثم على الجهات المسؤولة من المسلمين وحكومات المسلمين أن لا يُحرجُوا المسلمين إلى هذا الحد؛ بحيث إنهم يُقدِّمون أهل الديانات الكافرة على المسلمين في توظيفهم في الأعمال وتوليتهم الأعمال؛ لأن هذا ربما يكون دسيسة من أعداء المسلمين؛ ليصرفوا الناس عن دينهم؛ كما حصل لهذا السائل؛ فالواجب على الجهات المسلمة والحكومات الإسلامية أن تنتبه لهذا، وأن لا تُحرِج المسلمين إلى مثل هذه الحالة التي وقع فيها هذا الإنسان، وأن تتابع الموظفين الذين يفرضون على المسلمين هذه الفرضيات الخبيثة‏.‏ وفق الله الجميع‏.‏
48 ـ كثيرًا ما يطلب والدي من أهلي خدمته في وقت شربه الخمر؛ من إحضاره له وتغسيل آنيته ونحو ذلك، وكذلك يسخر منهم إذا رآهم يصلون؛ فما الحكم في ذلك، وأنا أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة أشخاص ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج4 ص296‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج2 ص1122‏)‏؛ كلاهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فماذا يجب علينا نحو والدنا‏؟‏
هذا الوالد مستهتر، وإذا بلغ من استهتاره أنه يستهزئ بالصلاة وبالمصلين؛ فهذا ردة عن دين الإسلام، فيجب عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يرجع إلى دينه من جديد، وأنت لا يجوز لك إعانته على المعصية كما ذكرنا في أول الجواب؛ فلا تُحضروا له ما يستعين به على معصية الله، والواجب إنكار هذا المنكر والتغليظ عليه في ذلك ومضايقته في ذلك لعله يتوب إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏
49 ـ أفيدكم أني أبلُغُ من العمر الخمسة والأربعين، وقد مضى عليَّ أربع سنين من عمري دون أن أصلي ودون أن أصوم رمضان، ولكنّي في العام الماضي أدَّيت فريضة الحجِّ؛ فهل تكفّر عمَّا فاتني من صوم وصلاة‏؟‏ وإن كانت لا تكفِّر؛ فماذا عليَّ أن أفعله الآن‏؟‏ أرشدونا وفَّقكم الله‏.‏
ترك الصلاة متعمِّدًا خطير جدًّ؛ لأن الصلاة هي الرُّكن الثاني من أركان الإسلام، وإذا تركها المسلم متعمِّدًا؛ فإنّ ذلك كفر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بينَ العبد وبين الكفر ترك الصلاة‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/88‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله بنحوه‏.‏‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة؛ فمن تركها؛ فقد كفر‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏5/346‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/283‏)‏، ورواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/231-232‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/342‏)‏؛ كلهم من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه‏.‏‏]‏، والله تعالى يقول في الكفار‏:‏ ‏{‏فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 5‏.‏‏]‏، ويقول عن أهل النار‏:‏ ‏{‏مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 42-44‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من النصوص التي تدلُّ على كفر تارك الصلاة، وإن لم يجحد وجوبها، وهو الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله‏.‏
فما ذكرت من أنك تركتها متعمِّدًا مدَّة أربع سنوات؛ هذا يقتضي الكفر، ولكن إذا تُبت إلى الله عز وجل توبة صحيحة، وحافظت على الصلاة في مستقبل حياتك؛ فإن الله يمحو ما كان من ذي قبلُ، والتوبة الصادقة تَجُبُّ ما قبلها‏.‏
أما الحجُّ؛ فلا يكفِّرُ ترك الصلاة ولا ترك الصيام؛ لأن هذه كبائر موبقة لا يكفِّرها الحجُّ‏.‏
وكذلك الحجُّ إذا كنت أدَّيته وأنت لا تُصلِّي؛ فإنه لا يصحُّ؛ لأن الذي لا يصلي ليس له دين، وليس له إسلام؛ ولا يصحُّ منه عمل إلى أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإذا تُبت إلى الله توبة صحيحة، وحافظت على الصلاة؛ فإنَّ هذا يكفِّر ما سبق، ولكن عليك بالصِّدق والاستمرار على التَّوبة والاهتمام بالصلاة‏.‏
وإذا كانت أدَّيت الحجَّ في حالة تركك للصلاة؛ فإنَّ الأحوط لك أن تعيده، أمَّا إذا كنت أدَّيته بعدما تُبت؛ فهو حجٌّ صحيح إن شاء الله‏.‏
وما مضى من المعصية وترك الصلاة والصيام تكفِّره التَّوبة الصَّادقة‏.‏
50 ـ لدي أخ لا يواظب على الصلاة، ولا يحرص على صلة الرَّحم، ويرافق جلساء السُّوء؛ فهل يجب عليَّ أن أهجره ولا أحادثه، خاصة وأنني نصحته عدة ومراتٍ، ولم يمتثل‏؟‏
من يترك الصلاة ويقطع الرحم؛ فإنه تجب مناصحته، فإن لم يقبل؛ وجب هجره حتى يتوب إلى الله؛ لأن ترك الصلاة كفر، وقطيعة الرحم من كبائر الذنوب، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏.‏‏]‏‏.‏
51 ـ ما حكم زيارة تارك الصلاة في مرضه، أو محاولة علاجه والسعي لذلك، أو تشييع جنازته إذا مات‏؟‏
أما مسألة زيارته والسعي في علاجه؛ فإذا كان هذا سببًا لهدايته ودعوته إلى التَّوبة والرُّجوع عمَّا هو علي؛ فهذا شيء طيِّبٌ؛ فأنتم تزورونه، وتنصحونه، وتدعونه للتَّوبة، لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يمُنَّ عليه بها، وتكونون سببًا في ذلك، ويُختَم له بخير إن مات أو إن شفاه الله من مرضه‏.‏
وكذلك السَّعي في علاجه إذا كان هذا يترتَّبُ عليه أو يُرجى منه أو يؤثِّر ذلك على سلوكه وتوبته ورجوعه عمّا هو فيه؛ فهذا شيء طيِّبٌ‏.‏
أمَّا اتِّباع جنازته إذا مات، وأنتم تعلمون أنَّه لا يصلِّي أبدًا ويترك الصلاة ونهائيًّا متعمِّدًا؛ فهذا لا يجوز لكم اتِّباع جنازته؛ لأنه بذلك يكون كافرًا، ويكون مات على الكفر، والكافر لا يتَّبِعُ جنازته المسلم ولا يصلِّي عليه، بل ولا يُدفن في مقابر المسلمين، إذا ثبت أنه لا يصلِّي أبدًا، وأنه ترك الصلاة متعمِّدًا، ومات على ذلك؛ فإنَّه مات ميتة الكافر والعياذُ بالله؛ فلا يجوز اتِّباع جنازته‏.‏
هذا هو الراجح، ومن العلماء من يفصِّل بين من تركها جَحدًا لوجوبها؛ فإنه يكون كافرًا، وبين من يتركها كسلاً مع اعترافه بوجوبها؛ فلا يكفر‏.‏
52 ـ في هذا الوقت مع الأسف الشديد نرى كثيرًا من الناس يقولون كلمة التوحيد لا إله إلا الله، ولكنهم لا يحافظون على الصلوات إلا في يوم الجمعة أو في رمضان، والبعض منهم لا يصلي مطلقًا إلا مرة واحدة في العام كله، وهي صلاة عيد الفطر المبارك لكي يراه الناس، مع أن هذه الصلاة فرض كفاية أو سنة مؤكدة، والبعض لا يصلي أبدًا ولا يعرف القبلة أي هي؛ إلا أننا نراهم في ليلة السابع والعشرين من رمضان يذهبون إلى مكة لأداء العمرة، أو في الحج يذهبون مع الناس إلى الحج؛ فما حكم هؤلاء‏؟‏ وقد يموت أحدهم ويأتي أهلهم بجنائزهم فيصَلِّي عليهم المسلمون لأنهم يُحسنون الظن بهم، أليس في هذا غش للمسلمين يجعلهم يصلون عليه ويُدفَنَ في مقابرهم‏؟‏ وهل الصلاة عليه مقبولة أم مردودة‏؟‏ وهل أهل الميت آثمون بعملهم هذا أم لا‏؟‏
هذا وضع خطير وشر كبير يجب التنبه له، وقول السائل وفقه الله‏:‏ إن هناك أناسًا يشهدون أن لا إله إلا الله ولكنهم لا يصلون إلا في أوقات معينة؛ كرمضان أو الجمعة أو العيد، هذا فيه تفصيل‏:‏
إن كان المراد أنهم لا يصلون مع الجماعة ويصلون في بيوتهم ولا يتركون الفرائض؛ فهؤلاء قد ارتكبوا أمرًا كبيرًا؛ لأن ترك صلاة الجماعة ترك لواجب عظيم يأثمون عليه، ويجب الأخذ على أيديهم وإلزامهم بصلاة الجماعة مع المسلمين، ولكن صلاتهم صحيحة، ولا يخرجون من الإسلام بهذا العمل الذي هو ترك صلاة الجماعة؛ لأن ترك صلاة الجماعة ترك لواجب لا يقتضي الردة‏.‏
أما إذا كان قصده من ذلك أنم لا يصلون أبدًا، بل يتركون الصلاة تركًا نهائيًا، فإن هذا ردة عن دين الإسلام، فإن كانوا تركوا الصلاة لأنهم لا يرَون وجوبها؛ فهذا ردة عن الإسلام بإجماع أهل العلم، وإن تركوها مع اعترافهم بوجوبها، ولكنهم تركوها تكاسلاً، وداوموا على تركها متعمدين لذلك؛ فهذا أيضًا ردة على الصحيح من قولي العلماء؛ لأن الصلاة هي عمود الإسلام، والأدلة على كفر تاركها بدون تفصيل أدلة كثيرة من الكتاب والسنة‏.‏
وعلى كل حال؛ من ترك الصلاة فأمره خطير، وهذا إذا مات على هذه الحالة؛ فإنه لا تجوز الصلاة عليه؛ لأنه مات على غير الإسلام، ومثل هذا يُدفَنُ بدون صلاة وبدون إجراءات جنائز المسلمين؛ لأنه يعتبر مرتدًا عن دين المسلمين، بل لا يُدفَنُ مع المسلمين في مقابرهم؛ لأنه ليس منهم‏.‏
وهذا أمر خطير، والصلاة لا تجب في رمضان فقط أو يوم العيد فقط أو يوم الجمعة فقط، بل الصلاة جعلها الله عز وجل خمس صلوات في اليوم والليلة، كما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏خمسُ صلواتٍ فَرَضَهُنَّ الله في اليوم والليلة‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج2 ص63‏)‏، ورواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج1 ص230‏)‏؛ كلاهما من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وكما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 103‏.‏‏]‏، فالصلوات تجب المحافظة عليها في مواقيتها في اليوم والليلة في جماعات المسلمين في المساجد، هذا هو دين الإسلام، وما ذكره السائل من التغرير‏.‏
53 ـ أنا شابٌّ، وأهلي لا أشاهدهم يصلُّون، وكلَّما نصحت لهم وقلت لهم‏:‏ صلُّوا؛ لا يستمعون إليَّ، وهم لا يصلُّون؛ هل عليَّ إثم أم لا‏؟‏
الصلاة ركن من أركان الإسلام، بل هي آكدُ أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المؤمن والكافر؛ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بين العبد وبينَ الكُفرِ والشِّركِ‏:‏ تركُ الصلاة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/88‏)‏؛ بلفظ‏:‏ ‏"‏بين الرجل‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
والمرأة التي لا تصلِّي‏:‏ إن كانت لا ترى وجوب الصلاة عليها؛ فهي كافرة بإجماع أهل العلم، وإن كانت ترى وجوبها وتركتها تكاسُلاً؛ فإنها تكفر على الصحيح من قولي العلماء‏.‏
فعلى هذا لا يصحُّ للمسلم أن يتزوَّجها، وإذا كان قد تزوَّجها؛ فلا يجوز له إمساكها؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 10‏.‏‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 221‏.‏‏]‏؛ فإن تابت توبة صحيحة، وحافظة على الصلاة؛ فإنه يجدِّد العقد عليها‏.‏ والله أعلم‏.‏
54 ـ كثيرًا ما أترك صلاة الفجر - والعياذ بالله - فلا أصليها في المسجد، والسبب هو ثِقَلُ النَّوم، وخاصَّة إذا تغيَّر الوقت من الصَّيف إلى الشِّتاء‏؟‏
تجب المحافظة على الصلاة في الجماعة في الفجر وغيرها، والنوم ليس بعذر دائمًا؛ فالذي يعتاد النَّوم ويترك الصلاة ليس بمعذور، والواجب عليه أن يعمل الأسباب التي توقظُهُ؛ من النوم مبكِّرًا، والعزم على القيام للصلاة، وإيصاء من يوقظه من أهله أو جيرانه، أو اتِّخاذ ساعة تنبِّهُهُ للصَّلاة، ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 2‏.‏‏]‏؛ فالأمر راجع إلى اهتمام العبد وعدم إهماله‏.‏
وقد همَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلِّفين عن صلاة الفجر (1).‏ والله أعلم‏.‏
55 ـ هل إذا ذهب المرء إلى المسجد، ووجد أناسًا عند المسجد، ودخل المسجد، ولم يقل لهم‏:‏ صلُّوا؛ هل عليه إثم أم لا‏؟‏
يجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب استطاعته‏:‏ إمَّا باليد، وإمَّا باللسان، وإمَّا بالقلب، ولا يجوز للمسلم ترك إنكار المنكر، فإذا رأى أناسًا لا يصلون؛ فإنه يأمرهم بالصلاة؛ فإن امتثلوا، وإلا؛ فإن كان له سلطة عليهم؛ ألزمهم وأدَّبهم، وإن لم يكن له سلطة؛ فإنه يبلِّغ أهل السلطة عن وضعهم، ولا يجوز له السُّكوت على المنكر وإقراره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم مُنكرًا، فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69‏)‏ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
56 ـ هل يصحُّ للمرأة أن تصلّي عند صورة في كتاب أو صحيفة، وإذا وضع شيء على الصُّورة أو أغلق الكتاب؛ فهل تصحَّ الصلاة‏؟‏
يُكره للمسلم أن يصلِّي مستقبل الصورة، ويُكره أن يصلي في مكان قد عُلِّقت ونُصبت فيه الصُّور، أما الصور الممتهنة والمُلقاة على الأرض؛ فلا تأثير لها، ولا يجوز الاحتفاظ بالصُّور للذِّكريات أو الهواية؛ لأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطمس الصُّور (2).‏
57 ـ هل تجوز الصلاة على الملائكة لفضلهم ورفعة قدرهم‏؟‏ وإذا كانت تجوز؛ هل يجوز أن أُلحق الصلاة بهم بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهُّد في الصلاة أولا‏؟‏
السلام على الملائكة مشروع؛ بأن تقول‏:‏ عليهم السلام؛ لأنهم عباد مكرمون، وهم خلق من خلق الله، فضَّلهم الله سبحانه وتعالى على غيرهم؛ كما قال تعالى في حقِّهم‏:‏ ‏{‏بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 26‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ‏}‏ ‏[‏عبس‏:‏ 15-16‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك؛ فهم لهم قَدرُهم وفضلُهم وشرفُهم، ويُشرع الصلاة والسلام عليهم‏.‏
58 ـ هل يجوز أن أُلحق الصلاة عليهم بالصّلاة على الرسول في التّشهُّد‏؟‏
لا؛ الصّلاة التي في التشهُّد يقتصر فيها على الوارد، ولكن في قولنا‏:‏ السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين‏:‏ ما يشمَلُ كلَّ عبد صالح في السماء أو في الأرض، وتدخل فيه الملائكة من باب أولى‏.‏
59 ـ هل يجوز للمسلمين أن يؤدُّوا صلاة الجنازة على مسلم مات منتحرًا‏؟‏
تجب الصلاة على جنازة كل مسلم، ولو كان قاتلاً لنفسه؛ لأنَّ قتله لنفسه كبيرة لا تخرجه عن الإسلام؛ فالقاتل لنفسه عاص، له ما للمسلمين من الصلاة عليه والاستغفار له وتغسيله وتكفينه ودفنه في مقابر المسلمين‏.‏

الردة والجاهلية
60 ـ يُلاحظ على بعض طلبة العلم التَّساهل في إطلاق لفظ ‏(‏الرِّدَّة‏)‏ على المسلم، بل قد يطالبون المسلمون بانتداب من يرون لإقامة حدِّ الرِّدَّة في المحكوم بردَّته عندهم إذا لم يقم بها السُّلطان‏؟‏
إقامة الحدود من صلاحيَّات سلطان المسلمين، وليس لكل أحد أن يقيم الحدَّ؛ لأنَّ هذا يلزم منه الفوضى والفساد، ويلزم منه تفكُّكُ المجتمع، وحدوث الثارات، وحدوث الفتن؛ فالحدود من صلاحيَّات السُّلطان المسلم‏.‏
يقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تعافَوا الحدود فيما بينكم، فإذا بلغت الحدود السلطان؛ فلعنَ الله الشّافعَ والمشفِع‏)‏ ‏[‏انظر الهيثمي في ‏"‏مجمع الزوائد‏"‏ ‏(‏6/259‏)‏ من حديث الزبير، وانظر‏:‏ ‏"‏المستدرك‏"‏ للحاكم ‏(‏4/383‏)‏ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وانظر‏:‏ ‏"‏سنن أبي داود‏"‏ ‏(‏4/131‏)‏ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وانظر‏:‏ ‏"‏سنن النسائي‏"‏ ‏(‏8/70‏)‏ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص‏.‏‏]‏‏.‏
ومن وظائف السلطان في الإسلام ومن صلاحياته إقامة الحدود بعدما تثبت شرعًا لدى المحاكم الشرعيَّة على من وقع في جريمة رتَّب الشارعُ عليها حدًّا؛ كحدِّ الرِّدَّة، وحدّ السرقة‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏
فالحاصل أن إقامة الحدود من صلاحيات السلطان، وإذا لم يكن هناك في المسلمين سلطان؛ فإنه يُكتفى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوى إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولا يجوز للأفراد أن تقيم الحدود؛ لأن هذا - كما ذكرنا - يلزم منه الفوضى ويلزم منه حدوث الثَّارات والفتن، وفيه مفسدة أعظم مما فيه من المصلحة، ومن القواعد الشرعيّة المسلَّم بها أنَّ درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح‏.‏
61 ـ من هو المرتدُّ فضيلة الشيخ‏؟‏ نرجو تحديده بشكل واضح؛ فقد يُحكم بردَّة شخص لديه شبهة‏.‏
الحكم بالرِّدَّة والخروج من الدِّين من صلاحيَّات أهل العلم الرَّاسخين في العلم، وهم القضاة في المحاكم الشرعيَّة؛ كغيرها من القضايا، وليس من حق كل أحد، أو من حقِّ أنصاف المتعلِّمين، أو المنتسبين إلى العلم، والذين ينقصُهم الفقه في الدِّين، ليس من صلاحيَّاتهم أن يحكُموا بالرِّدَّة؛ لأن هذا يلزم منه الفساد، وقد يحكمون على المسلم بالرِّدَّة، وهو ليس كذلك، وتفكيرُ المسلم الذي لم يرتكب ناقضًا من نواقض الإسلام فيه خطورة عظيمة، ومن قال لأخيه‏:‏ يا كافر‏!‏ أو‏:‏ يا فاسق‏!‏ وهو ليس كذلك؛ فإنَّ هذا الكلام يعود على قائله؛ فالذين يحكمون بالرِّدَّة هم القضاة الشرعيُّون، والذين ينفِّذون هذا الحكم هم ولاة أمور المسلمين، وما عدا هذا؛ فهو فوضى وشرٌّ‏.‏
62 ـ هناك من يطلق لفظ الجاهلية على المجتمعات المسلمة؛ لما فيها من فساد، ويرتِّب على هذا اللفظ ما تعرفون؛ فهل هذا الاتجاه صحيح‏؟‏
الجاهلية العامة انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ببعثته صلى الله عليه وسلم انتهت الجاهلية العامة ولله الحمد، وجاء الإسلام، وجاء العلم، وجاء النُّور، وسيبقى ويستمرُّ إلى يوم القيامة؛ فليس بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جاهليَّةٌ عامَّةٌ، لكن تكون هناك بقايا من الجاهليَّة، لكنها جاهلية جزئيَّة، وجاهلية بمن قامت به، أمَّا الجاهليَّة العامَّة؛ فقد انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن تعود إلى قيام السَّاعة‏.‏
أما وجود الجاهليَّة في بعض الأفراد أو الجماعات أو بعض المجتمعات؛ فهذا أمر واقع، لكنَّه جاهليَّةٌ خاصَّةٌ بمن وُجِدت فيه، وليس عامَّة؛ فلا يجوز إطلاق الجاهليَّة على وجه العموم؛ كما نبَّه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ‏"‏اقتضاء الصِّراط المستقيم‏"‏ (3)‏.‏
63 ـ يُلاحظ على من يطلق لفظ الجاهلية على المجتمعات الإسلامية أنه يريد به تكفير تلك المجتمعات، وبالتالي الخروج‏؟‏
ليس من حقِّ كلِّ أحد أن يُطلق التكفير أو أن يتكلَّم بالتفكير على الجماعات أو على الأفراد، التَّكفير له ضوابط، فمن يرتكب ناقضًا من نواقض الإسلام؛ فإنه يُحكم بكُفره، ونواقض الإسلام معروفة، أعظمها الشِّرك بالله عز وجل، وادِّعاء علم الغيب، والحكم بغير ما أنزل الله؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 44‏.‏‏]‏‏.‏
فالتكفير خطير، ولا يجوز لكل أحد أن يتفوَّه به في حقِّ غيره، إنما هذا من صلاحيَّات المحاكم الشرعيَّة، ومن صلاحيَّات أهل العلم الرَّاسخين في العلم، الذين يعرفون الإسلام، ويعرفون نواقض الإسلام، ويعرفون الأحوال، ويدرسُون واقع الناس والمجتمعات؛ فهم أهل الحكم بالتفكير وغيره‏.‏
أمَّا الجهَّال وأفراد الناس وأنصاف المتعلِّمين؛ فهؤلاء ليس من حقِّهم إطلاق التَّكفير على الأشخاص أو على الجماعات أو على الدُّول؛ لأنهم غير مؤهَّلين لهذا الحكم‏.‏
السحر والكهانة والعرافة والشعوذة والتنجيم
64 ـ نرجو إيضاح حقيقة السحر، وهل يُباح شيء منه‏؟‏ وهل يُعتبر عمل السِّحر مخرجًا عن دين الإسلام‏؟‏
السِّحر في اللغة عبارة عمَّا لَطُفَ وخَفِيَ سببُه‏.‏
وحقيقة السحر كما بيَّنها الموفَقُ في ‏"‏الكافي‏"(4) عبارة عن عزائم ورُقىً وعُقدٍ يؤثِّرُ في القلوب والأبدان، فيُمرِضُ ويَقتُلُ ويفرِّق بين المرء وزوجه‏.‏
والسحر كله حرام، لا يُباح شيء منه؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏.‏‏]‏؛ أي‏:‏ ليس له نصيب، وقال الحسن‏:‏ ‏"‏ليس له دين‏"‏ (5)، وهذا يدلّ على تحريم السحر، وكفر متعاطيه، وقد عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من السَّبع الموبقات (6).‏
ويجب قتل السَّاحر؛ قال الإمام أحمد رحمه الله‏:‏ ‏"‏قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏ (7)‏؛ أي‏:‏ صحَّ قتل السَّاحر عن ثلاثة من الصَّحابة، وهم‏:‏ عمر، وحفصةُ، وجُندَب رضي الله عنهم‏.‏
فعمل السحر تعلُّمًا وتعليمًا واحترافًا‏:‏ كفر بالله، يُخرِج من المِلَّة، ويجب قتل الساحر لإراحة الناس من شرِّه إذا ثبت أنه ساحر؛ لأنه كافر، ولأنَّ شرَّه يتعدَّى إلى المجتمع‏.‏
65 ـ هل صحيح ما يقال‏:‏ إنَّ السَّحرة والكهنة والعرَّافين والمنجِّمين يعرفون كثيرًا من علم الغيب‏؟‏ وكيف نردُّ على إخبارهم ببعض الحوادث المستقبليَّة ووقوعها بعد ذلك‏؟‏
هؤلاء قد يخبرون الناس بأشياء يتلقَّونها من الشَّياطين مما يسترقونه من السَّمع، أو عن أشياء غائبة عن الناس ويطَّلع عليها الشَّياطين فيُخبرون عُملاءهم من شياطين الإنس، وهذا بالنسبة للشياطين ليس غيبًا؛ لأنهم سمعوه أو اطَّلعوا عليه‏.‏
لكن الشياطين يكذبون مع الكلمة الواحدة التي يسمعونها مئة كذبة، ويصدِّقُهُم الناس في كل ما يقولون بسبب هذه الكلمة التي سمعوها من السماء؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 221-223‏.‏‏]‏‏.‏
أمَّا علم الغيب؛ فهو من خصائص الله سبحانه، لا يعلمه إلا هو؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 65‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 59‏.‏‏]‏‏.‏
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله‏:‏ ‏"‏والمقصود من هذا معرفة أنَّ من يدَّعي علم شيء من المغيَّبات؛ فهو إمَّا داخل في اسم الكاهن، وإمَّا مشارك له في المعنى، فيُلحق به، وذلك أنَّ إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان‏:‏ يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشّياطين، ويكون بالفأل، والزَّجر، والطَّرق، والضَّرب بالحصى، والخطِّ في الأرض، والتنجيم، والكِهانة، والسِّحر‏.‏‏.‏‏.‏ ونحو هذا من علوم الجاهلية، ونعني بالجاهلي‏:‏ كل من ليس من أتباع الرسل؛ كالفلاسفة والكهَّان والمنجِّمين وجاهليَّة العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ هذه علوم قوم ليس لهم علم بما جاءت به الرُّسل عليهم السلام، وكل هذه الأمور يسمَّى صاحبها كهَّانًا وعرَّافًا أو ما في معناهما، فمن أتاهم فصدَّقهم بما يقولون؛ لحقه الوعيد‏"‏ (8) انتهى‏.‏
66 ـ الاستعانة بالسَّحرة لقضاء بعض الحوائج من غير مضرَّةِ الآخرين؛ هل هو جائز‏؟‏
السحر محرَّمٌ وكفرٌ؛ تعلُّمه وتعليمُه؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏.‏‏]‏‏.‏
ولا يجوز استعمال السحر لقضاء بعض الحوائج؛ لأنه محرَّم وكفر، والمحرَّم والكفر لا يجوز للمسلم أن يستعمله، بل يجب إنكاره والقضاء عليه، ويجب قتل السَّاحر وإراحة المسلمين من شرِّه‏.‏
67 ـ هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ‏؟‏ وإذا ثبت ذلك؛ فكيف كان تعامُلُه عليه الصلاة والسلام مع السّحر ومع من سَحَرَهُ‏؟‏
نعم؛ ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ؛ فعن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِرَ، حتى ليُخيَّلُ إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يومٍ‏:‏ ‏(‏أتاني ملَكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال‏:‏ ما وَجَعُ الرجل‏؟‏ قال‏:‏ مطبوبٌ‏.‏ قال‏:‏ ومن طبَّه‏؟‏ قال‏:‏ لبيدُ بن الأعصم، في مُشطٍ ومُشاطةٍ وجُفِّ طلعةِ ذَكَرٍ في بئر ذروانَ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/30‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
قال الإمام ابن القيِّم‏:‏ ‏"‏وقد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا‏:‏ لا يجوز هذا عليه، وظنُّوهُ نقصًا وعيبًا، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يُؤثِّرُ فيه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع، وهو مرضٌ من الأمراض، وإصابتُه به كإصابته بالسُّمِّ، لا فرقَ بينهما‏"‏ ‏(9).‏
وذكر رحمه الله عن القاضي عياض أنه قال‏:‏ ‏"‏ولا يَقدَحُ في نبوَّتِه، وأما كونه يُخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعلهُ؛ فليس في هذا ما يُدخِلُ عليه داخِلةً في شيء من صدقه؛ لقيام الدَّليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوزُ طُرُوُّهُ عليه في أمر دنياه التي لم يُبعث لسببها ولا فضِّلَ من أجلها، وهو فيها عُرضةٌ للآفات كسائر البشر؛ فغيُ بعيد أن يُخيَّلَ إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان‏"‏ (10) انتهى‏.‏
ولما علم صلى الله عليه وسلم أنه قد سُحِرَ؛ سأل الله تعالى، فدلَّه على مكان السحر، فاستخرجه وأبطله، فذهب ما به، حتى كأنما نُشِطَ من عقال، ولم يعاقب صلى الله عليه وسلم من سحره، بل لما قالوا له‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أفلا نأخذ الخبيث نقتُلُه‏؟‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أمَّا أنا؛ فقد شفاني الله، وأكرَهُ أن يُثيرَ على الناس شرًّا‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/30‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
68 ـ من الطُّرُق الشرعيَّة التي يُنصح بها للوقاية من السحر‏؟‏ وما علاجُ من ابتُلِيَ بشيء من ذلك‏؟‏
الطُّرق الشرعية للعلاج من السحر ما ذكره العلامة ابن القيِّم رحمه الله؛ قال‏:‏
‏"‏وقد رُوِي عنه ‏(‏يعني‏:‏ النبيَّ صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيه نوعان‏:‏
أحدهما‏:‏ وهو أبلغُهما‏:‏ استخراج السِّحر وإبطالُه؛ كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربَّه سبحانه في ذلك، فدلَّه عليه، فاستخرجه من بئر، فلما استخرجه؛ ذهب ما به، حتى كأنما نُشِطَ من عقالٍ‏"‏ (11)‏.‏
إلى أن قال‏:‏ ‏"‏ومن أنفع علاجات السِّحر الأدوية الإلهيَّة، وذلك بالأذكار والآيات والدَّعوات‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏ (12) انتهى‏.‏
وهذا النوع الثاني لعلاج السِّحر، وذلك بالدَّعوات الشرعيَّة، وقراءة القرآن على المسحور؛ بأن يقرأ القارئ الفاتحة، و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، والمعوِّذتين، وغير ذلك من القرآن، ويَنفُثَ على المصاب، فيُشفى بإذن الله‏.‏
69 ـ السِّحر والكِهانة والتنجيم والعرافة؛ هل بينها اختلاف في المعنى‏؟‏ وهل هي سواء في الحكم‏؟‏
السِّحر عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد يعملها السَّحرة بقصد التأثير على الناس بالقتل أو الأمراض أو التفريق بين الزَّوجين، وهو كفر وعمل خبيث ومرض اجتماعي شنيع يجب استئصاله وإزالته؛ إراحة للمسلمين من شرِّه‏.‏
والكِهانة‏:‏ ادِّعاء علم الغيب بواسطة استخدام الجنِّ‏.‏
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في ‏"‏فتح المجيد‏"‏‏:‏ ‏"‏وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر به الجنُّ أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبار، فيظنُّه الجاهل كشفًا وكرامة، وقد اغترَّ بذلك كثير من الناس، يظنُّون المخبر بذلك عن الجنِّ وليًّا لله، وهو من أولياء الشيطان‏"‏ (13).‏ انتهى‏.‏
ولا يجوز الذَّهاب إلى الكهَّان‏:‏
روى مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أتى عرَّافًا، فسأله عن شيء، فصدَّقه بما يقولُ؛ لم تُقبل صلاته أربعين يومًا‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1751‏)‏ عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر‏:‏ ‏"‏فصدقه بما يقول‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏ ‏(‏من أتى عرَّافًا، فسأله عن شيء، فصدَّقه بما يقول؛ لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1751‏)‏، لكن ليس عن أبي هريرة، وإنما عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏‏]‏‏.‏
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏ ‏(‏مَن أتى كاهنًا، فصدَّقه بما يقولُ؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏[‏عند أبي داود ‏(‏4/14‏)‏ بلفظ‏:‏ ‏"‏فقد برئ‏"‏؛ بدل‏:‏ ‏"‏كفر‏"‏، وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/408‏)‏ بلفظ‏:‏ ‏"‏فقد برئ‏"‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/164‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/209‏)‏، ورواه الدارمي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/275-276‏)‏، وكذلك البخاري في ‏"‏التاريخ الكبير‏"‏ ‏(‏3/16-17‏)‏، وكلهم من حديث أبي هريرة‏.‏‏]‏، رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏
وروى الأربعة والحاكم، وقال‏:‏ ‏(‏صحيح على شرطهما‏)‏ ‏:‏ ‏(‏من أتى عرَّافًا أو كاهنًا، فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/429‏)‏ من حديث أبي هريرة، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏1/8‏)‏ من حديث أبي هريرة‏.‏‏]‏‏.‏
قال البغويُّ‏:‏ ‏"‏والعرَّافُ هو الذي يدَّعي معرفة الأمور بمقدِّمات يستدلُّ بها على المسروق ومكان الضّالَّة، وقيل‏:‏ هو الكاهن‏"‏ (14).‏
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية‏:‏ ‏"‏العرَّاف اسمٌ للكاهن والمنجِّم والرَّمَّال ونحوهم ممَّن يتكلَّم في معرفة الأمور بهذه الطُّرق‏"‏ (15) انتهى‏.‏
والتَّنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكيَّة على الحوادث الأرضيَّة، وهو من أعمال الجاهليَّة، وهو شرك أكبر، إذا اعتقد أن النُّجوم تتصرَّفُ في الكون‏.‏
70 ـ مثلُ الخطِّ في الرَّمل أو قراءة الفنجان أو قراءة الكفِّ؛ كما يحدث عن بعض لمخرِّفين اليوم، والإثم لا يقتصر على مرتكب هذه الأعمال نفسه، بل يَلحَقُ حتى من ذهب إليهم أو صدَّقهم‏؟‏
لا شكَّ أنَّ هذه الخرافات والأوهام الجاهليَّة والأعمال الشركيَّة كلَّها من أعمال الشيطان، وكلها من طرق الشرك وأعمال الشرك، لا يجوز للمسلم الذي يؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يذهب إلى هؤلاء، ولا أن يصدِّقهم‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أتى كاهِنًا أو عرَّافًا، فصدَّقهُ بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/429‏)‏ من حديث أبي هريرة والحسن رضي الله عنهما، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏1/8‏)‏ من حديث أبي هريرة، ورواه البيهقي في ‏"‏السنن الكبرى‏"‏ ‏(‏8/135‏)‏ من حديث أبي هريرة‏.‏‏]‏؛ فلا يجوز الذَّهاب إليهم؛ ولا سؤالهم، ولا تصديقهم‏.‏
وعلى المؤمن أن يعتمد على الله، وأن يتوكَّل على الله، وأن يرتبط بالله سبحانه وتعالى، وأن يحذر ممَّا يُفسد دينه، أو يخلخِلُ عقيدته، أو يضلُّه عن الصِّراط المستقيم‏.‏
71 ـ ما مدى صحة الحديثين عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ قال‏:‏ ‏(‏كَذبَ المنجِّمون ولو صدقوا‏)‏ (16)‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏"‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "‏قد بحثت عنه فيما عندي من مراجع ولم أجده‏.‏‏ "، وحديث آخر، وهو‏:‏ ‏(‏كان نبي من الأنبياء يخُطُّ؛ فمن وافق خطَّهُ؛ فذاك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1749‏)‏ من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏؟‏ وما حكم الشرع في ضرب الرمل والتنجيم‏؟‏ وهل هناك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرِّم هذه الأعمال‏؟‏
أما قضية التنجيم؛ فالتنجيم إذا أُريد به الاستدلال بالنُّجوم على الحوادث المستقبليَّة، وأن النُّجوم لها تأثير في الكائنات، وفي نزول الأمطار، أو نزول المرض، أو غير ذلك؛ فهذا شرك أكبر، وهو من اعتقاد الجاهلية، والتنجيم على هذا النَّحو محرَّم أشدَّ التَّحريم‏.‏
وأما الحديث الذي سألت عنه‏:‏ ‏(‏كذبَ المنجِّمون ولو صدقوا‏)‏ (17)؛ فلا أعرفُ له أصلاً من ناحية السَّند، ولم أقف عليه‏.‏
وأما معناهُ؛ فهو صحيح؛ فإنَّ المنجمين يتخرَّصون ويكذبون على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا علاقة للنُّجوم بتدبير الكون، إنما المدبِّرُ هو الله سبحانه وتعالى، هو الذي خلق النُّجوم وخلق غيرها، والنُّجوم خلقها الله لثلاث‏:‏ زينةً للسَّماء، ورجومًا للشَّياطين، وعلامات يُهتدى بها، هذا ما دلَّ عليه القرآن الكريم، فمن طلب منها غير ذلك؛ فقد أخطأ وأضاع نصيبه‏.‏
هذا في ما يتعلَّق بالتَّنجيم‏.‏
وكذلك بقيَّة الأمور التي هي من الخرافات والشَّعوذة ‏(‏الخط في الرَّمل، وغير ذلك من الأمور التي تستعمل لادِّعاء علم الغيب، والإخبار عمَّا يحدث، أو لشفاء الأمراض، أو غير ذلك‏)‏ كلُّ هذا يدخل في حكم التنجيم، ويدخل في الكهانة، ويدخل في الأمور الشِّركيَّة؛ لأنَّ القلوب يجب أن تتعلَّق بالله خالقها ومدبِّرها، الذي يملك الضرر والنفع والخير والشَّرَّ، وبيده الخير، وهو على كل شيء قدير، أما هذه الكائنات وهذه المخلوقات؛ فإنها مدبَّرة، ليس لها من الأمر شيء، ‏{‏وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 37‏.‏‏]‏، ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 54‏.‏‏]‏؛ فكلُّها كائنات مخلوقة مدبَّرة، لها مصالح ربطها الله سبحانه وتعالى بها، وهي تؤدِّي وظائفها طاعة لله وتسخيرًا من الله سبحانه وتعالى، أمَّا أنَّها يُتعَلَّق بها ويُطلَبُ منها رفعً الضَّرر أو جلب الخير؛ فهذا شركٌ أكبر واعتقادٌ جاهليٌّ‏.‏
أما حديث ‏(‏كان نبي من الأنبياء يخطُّ، فمن وافق خطَّه؛ فذاك‏)‏‏:‏ هذا حديث صحيح، رواه الإمام مسلم ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1749‏)‏ من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه‏.‏‏]‏ وأحمد ‏[‏ورواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏5/447‏)‏ من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه‏.‏‏]‏ وغيرهما‏.‏
قال العلماء‏:‏ ومعناه أن هذا من اختصاص ذلك النبيِّ ومن معجزاته، وأن واحدًا لا يمكن أن يوافقه؛ لأنَّ هذا من خصائصه ومن معجزاته؛ فالمراد بهذا نفي أن يكون الخطُّ في الرَّمل يتعلَّق به أمرٌ من الأمور؛ لأنَّ هذا من خصائص ذلك النبيّ، وخصائص الأنبياء ومعجزاتهم لا يشاركهم فيها غيرهم عليهم الصلاة والسلام؛ فالمراد بهذا نفي أن يكون للخطَّاطين أو للرَّمَّالين شيء من الحقائق التي يدَّعونها، وإنما هي أكاذيب؛ لأنّه لا يمكن أن يوافق ذلك النبي في خطِّهِ أحدٌ‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏
72 ـ يحدُث في بعض البلاد أن يقوم شخص في جمعٍ من الناس يعمل استعراضات مثيرة؛ كأن يُدخل سيفًا أو سكينًا في بطنه دون أن يتأثر، وغير ذلك من الحركات التي لا تُصدَّق في حياة الناس العاديَّة؛ فما حكم الشَّرع في مثل هذه الأعمال‏؟‏
هذا مُشعوذ وكذَّاب، وعمله هذا من السِّحر التخييلي؛ فهو من جنس ما ذكره الله عن سحرة فرعون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 66‏.‏‏]‏، وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 116‏.‏‏]‏‏.‏
وهؤلاء يستعملون ما يسمَّى بالقمرَةِ، وهي التخييل للناس خلاف الحقيقة، أو يعملون شيئًا من الحيل الخفيَّة التي تظهر للناس كأنها حقيقة، وهي كذب؛ بأن يُظهِرَ للناس أنه يطعنُ نفسه، أو أنه يقتلُ شخصًا، ثم يردُّهُ كما كان، وفي واقع الأمر لم يحصل شيء من ذلك، أو يُظهر للناس أنه يدخل النار، ولا تضرُّهُ، وهو لم يدخُلها، وإنما عمل حيلةً خفيَّةً ظنَّها الناس حقيقة‏.‏
ولا يجوز السَّماح لهؤلاء بمزاولة هذا الباطل والتَّدجيل على المسلمين بحيلهم الباطلة؛ لأن هذا يؤثِّر على العوامِّ‏.‏
وكان عند بعض الأمراء من بني أمية رجل يلعب بمثل هذا، فذبح إنسانًا، وأبان رأسه، ثم ردَّه كما كان، فعجب الحاضرون، فجاء جُندَبُ الخير الأزديُّ رضي الله عنه، فقتله، وقال‏:‏ ‏(‏إن كان صادقًا؛ فليُحي نفسه‏)‏ (18).‏
ولا يجوز للمسلم أن يحضر هذا الدَّجل والشَّعوذة، أو يصدِّق بها، بل يجب إنكار ذلك، ويجب على ولاة المسلمين منعه والتنكيل بمن يفعَلُه، ولو سمِّي لعبًا وفنًا‏!‏‏!‏ فالأسماء لا تغيِّرُ الحقائق، ولا تُبيحُ الحرام، ومثله الذي يُظهر للناس أنه يجذُبُ السيَّارة بشعره، أو ينام تحت كفرات السيارة وهي تمشي، أو غير ذلك من أنواع التديل والتَّخييل والسِّحر‏.‏
73 ـ إمام يكتب حُجُبًا فيها المحبَّة وسيطرة الزوجة على الزَّوج والتفريق بينهما؛ فهل هذا هو السِّحر‏؟‏ أفيدونا مأجورين‏.‏
الذي يكتب هذا النَّوع من الكتاب يكتب كتابة ليحبِّب بها الزَّوجين بعضهما ببعض أو يفرِّق بين الزَّوجين المتحابَّين، هذا ساحرٌّ؛ كما قال الله تعالى في السّحرة الذين يعلمون السحر وفي الذين يتعلمون منهم؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏.‏‏]‏، وهذا ما يسمى بالصرف والعطف؛ فهذا سحر‏.‏
والسحر كفر بالله عز وجل، والساحر كافر؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه أن السحر كفر في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏.‏‏]‏؛ فالأدلة دلّت على أن السحر كفر، وأن تعلُّمه كفر، وأن الساحر كافر؛ في مواضع من هذه الآية الكريمة‏.‏
وجاء في الحديث أن حدَّ الساحر ضربة بالسيف؛ أي‏:‏ أنه يُقتل مرتدًّا عن دين الإسلام على الصحيح‏.‏
فمثل هذا لا يصلح أن يكون إمامًا في الصلاة؛ لأنه ليس على دين المسلمين، ولا يجوز الاقتداء بكافر، ولا تصحُّ الصلاة خلفه‏.‏
ويجب على ولاة أمور المسلمين الأخذ على يد هذا الساحر، وإجراء الحكم اللازم عليه؛ لئلاً يضرَّ بهم وبمجتمعهم؛ لأن السحر إذا فشا بمجتمع؛ فإن هذا المجتمع ينهار، وتدخلُهُ الذِّلَّةُ، وتسيطر عليه الخرافة، ويسيطر عليه هؤلاء الخرافيُّون، والعياذُ بالله‏.‏
74 ـ بعض الناس يذهبون إلى بعض الأئمَّة والدَّراويش، ويقولون‏:‏ إن بأيديهم نزع السِّحر‏!‏ ما مدى صحة هذا القول‏؟‏‏!‏
لا يجوز الذَّهاب إلى السَّحرة، ولا تصديقُهُم، وحتى لو أن المسلم أصابه شيء من السحر؛ فإنه لا يَحُلّهُ بسحر مثله، ولكن على المسلم إذا ابتُلي بشيء من هذا أن يلجأ إلى الله عز وجل، وأن يستعيذ به، وأن يستعمل الأدعية الشرعيَّة ويستعمل قراءة القرآن الكريم؛ تشافيًا به، وطلبًا للشفاء من الله عز وجل بآياته وكلماته التامَّة، هذا الذي ينبغي للمسلم، ومن توكَّل على الله كفاه، ومن لجأ إليه حماه‏.‏
أمَّا أنّ المسلم يذهب إلى المخرِّفين والسحرة والدَّجَّالين والمُشعوذين؛ فهذا مما يزيده مرضًا نفسيًا ومرضًا جسميًّا، ويسيطر عليه شياطين الإنس والجن، ويكدِّرون عليه حياته، ويفسدون عليه عقيدته؛ فلا ملجأ للمؤمن من الله إلا إليه‏.‏
فالواجب على المسلم أن يعتصم بالله، وأن يلجأ إليه، ويتوكّل عليه، وأن يتلُوَ آياته، ولا سيَّما قراءة آية الكرسي والمعوِّذتين؛ فإنَّ في كتاب الله عز وجل الشِّفاء والكفاية للمسلمين‏.‏
وهؤلاء الأئمة الدَّراويش أغلبهم أئمَّة ضلال ومخرِّفون، لا يُوثَقُ بعقيدتهم، ولا يجوزُ الذَّهاب إليهم‏.‏
75 ـ ما تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 102‏.‏‏]‏‏.‏
تفسير الآية الكريمة أن اليهود لما نبذوا التّوراة التي فيها إثبات نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم؛ اعتاضوا عنها بكتب السِّحر الذي كانت الشياطين تعمله على عهد سليمان بن داود عليهما السلام، وتنسبُهُ إلى سليمان كذبًا وافتراء، مع أن سليمان عليه السلام بريءٌ منه كلَّ البراءة؛ لأنّ السحر كفر وضلال، وسليمان نبيٌّ من أنبياء الله، لا يتعاطى ما فيه كفر وضلال، وإنما هذا عمل الشياطين والكفرة من بني آدم، يقصدون به الإفساد والتَّفريق بين الزَّوجين وتشتيت الأسر وإلقاء العداوة بين الناس‏.‏ وأنَّ الملكين اللذين يعلِّمان السِّحر في أرض بابل من العراق إنما يفعلان ذلك من باب الابتلاء والامتحان للناس، مع أنَّهما ينصحان من أراد أن يتعلَّم منهما بترك التعلُّم؛ لأنه كفر، وأنهما إنما يعلّمانه للابتلاء والامتحان به، لا إقرارًا له، ثم مع هذه النَّصيحة من الملكين؛ فإن الذين يتعلمون السحر منهما يستعملون السحر بما يضرُّ الناس، فارتكبوا مخالفتين‏:‏ أولاً‏:‏ تعلُّمَه وهو كفر لا يجوز‏.‏ وثانيًا‏:‏ استعماله للإضرار بالناس‏.‏ ثم أخبر سبحانه أن الأمر بيده سبحانه، وأنه لا يكون نفع ولا ضرر إلا بإذنه القدريَّة؛ فعلى المؤمن أن يتوكَّل على الله، ويعتمد عليه في دفع شرِّ السَّحرة والمفسدين‏.‏ ثم أخبر سبحانه أن اليهود يعلمون أنَّ تعلُّمَ السحر كفرٌ يوجب الحرمان من الجنة في الآخرة، ومع هذا أقدموا عليه كفرًا وعِنادًا‏.‏
الجن والصرع وعلاجه
76 ـ في عصرنا الحاضر كثُرَ حديث الناس عن تلبُّس الجنِّ بالإنس، ودخولهم فيهم، ومن الناس من ينكر ذلك، بل إنّ البعض ينكر الجنَّ إطلاقًا؛ فهل لهذا تأثير على عقيدة المسلم‏؟‏ وهل ورد ما يلزم بالإيمان بالجنِّ‏؟‏ ثم ما الفرق بينهم وبين الملائكة‏؟‏
إنكار وجود الجنِّ كفر وردَّةٌ عن الإسلام؛ لأنه إنكارٌ لما تواتر في الكتاب والسنة من الأخبار عن وجودهم؛ فالإيمان بوجودهم من الإيمان بالغيب؛ لأننا لا نراهم، وإنما نعتمد في إثبات وجودهم على الخبر الصَّادق؛ قال تعالى في إبليس وجنوده‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 27‏.‏‏]‏‏.‏
أمَّا إنكار دخولهم في الإنس؛ فلا يقتضي الكفر، لكنه خطأ، وتكذيب لما ثبت في الأدلَّة الشرعيَّة والواقع المتكرِّر وجوده، لكن لِخفاء هذه المسألة لا يُكفَّر المخالف فيها، ولكن يخطَّأ؛ لأنه لا يعتمد في إنكار ذلك على دليل، وإنما يعتمد على عقله وإدراكه، والعقل لا يُتَّخذ مقياسًا في الأمور الغيبيَّة، وكذلك لا يكون العقل مقدَّمًا على أدلَّة الشرع؛ إلا عند أهل الضلال‏.‏
والفرق بين الجنِّ والملائكة من وجوه‏:‏
الوجه الأول‏:‏ من وجه أصل الخِلقة؛ فالجنُّ خُلِقوا من نار السَّموم، والملائكة خُلِقوا من نور‏.‏
الوجه الثاني‏:‏ أن الملائكة عبادٌ مطيعون لله، مقرَّبون، مكرَمون؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 26، 27‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 6‏.‏‏]‏‏.‏ أما الجنُّ؛ فمنهم المؤمن ومنهم الكافر؛ كما قال تعالى إخبارًا عنهم‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 14‏.‏‏]‏، ومنهم المطيع ومنهم العاصي؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏الجن‏:‏ 11‏.‏‏]‏ إلى غير ذلك من الآيات‏.‏
77 ـ نسمع في هذه الأيام عن أناس يعالجون بالقرآن مرضى الصَّرع والمَسِّ والعين وغير ذلك، وقد وجد بعض الناس نتيجة مُرضية عند هؤلاء؛ فهل في عمل هؤلاء محذور شرعيٌّ‏؟‏ وهل يأثم من ذهب إليهم‏؟‏ وما الشُّروط التي ترون أنها ينبغي أن تكون موجودة فيمن يعالج بالقرآن‏؟‏ وهل أُثِرَ عن بعض السَّلف علاج المسحورين والمصروعين وغيره بالقرآن‏؟‏
لا بأس بعلاج مرضى الصَّرع والعين والسِّحر بالقرآن، وذلك ما يسمَّى بالرُّقية؛ بأن يقرأ القارئ وينفُثَ على المصاب؛ فإنَّ الرُّقيةَ بالقرآن وبالأدعية جائزة، وإنما الممنوع الرُّقيةُ الشِّركيَّةُ، وهي التي فيها دعاء لغير الله، واستعانة بالجنِّ والشياطين؛ كعمل المشعوذين والدَّجَّالين، أو بأسماءٍ مجهولةٍ، أمَّا الرُّقيةُ بالقرآن والأدعية الواردة؛ فهي مشروعة‏.‏
وقد جعل الله القرآن شفاء للأمراض الحسيَّة والمعنويَّة من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، لكن بشرط إخلاص النّيَّة من الرَّاقي والمَرقي، وأن يعتقد كل منهما أنَّ الشِّفاء من عند الله، وأنَّ الرُّقيةَ بكلام الله سببٌ من الأسباب النَّافعة‏.‏
ولا بأس بالذَّهاب إلى الذين يعالجون بالقرآن إذا عُرفوا بالاستقامة وسلامة العقيدة، وعُرف عنهم أنَّهم لا يعملون الرُّقى الشِّركيَّة، ولا يستعينون بالجنِّ والشَّياطين، وإنما يعالجون بالرُّقية الشَّرعيَّة‏.‏
والعلاج بالرُّقية القرآنية من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل السَّلَفِ؛ فقد كانوا يعالجون بها المصاب بالعين والصَّرع والسِّحر وسائر الأمراض، ويعتقدون أنّها من الأسباب النَّافعة المباحة، وأن الشَّافي هو الله وحده‏.‏
ولا بدَّ من التَّنبيه على أن بعض المشعوذين والسَّحرة قد يذكرون شيئًا من القرآن أو الأدعية، لكنَّهم يخلُطون ذلك بالشِّرك والاستعانة بالجنِّ والشَّياطين، فيسمعُهُم بعض الجهَّال، ويظنُّ أنهم يعالجون بالقرآن، وهذا من الخداع الذي يجب التنبُّه له والحذر منه‏.‏
78 ـ يسأل عن كتاب ‏"‏آكام المرجان في غرائب وأحكام الجانّ‏"‏‏؟‏
‏"‏آكام المَرجان في غرائب وأحكام الجانّ‏"‏‏:‏ هذا كتابٌ معروف، يبحث في موضوع الجنِّ؛ من حيث أحكامُهم، وأشكالهم، وتصرُّفاتهم، ويعطي فكرة موسَّعة عنهم، وفيه فائدة للقارئ، وفيه أحكام شرعيَّة؛ فهو كتاب جيِّد في الجملة‏.‏
79 ـ ما علاج الحسد وكيفيَّة الوقاية منه شرعًا‏؟‏
الحسد داء خطير، ونقص عظيم، وهو تمنِّي زوال نعمة الله عمَّن أنعم عليه من خلقه، وهو اعتراض على الله، وهو من صفات اليهود والكفار‏:‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 105‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 109‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى عن اليهود الذين حسدوا محمدًا صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 54‏.‏‏]‏‏.‏
وعلاج الحسد ليذهب عن الإنسان أن يستعيذ بالله منه، ويسأله أن يعافيه منه، ويكثر من ذكر الله عندما يرى ما يُعجبه‏.‏
وأمَّا علاجه بالنسبة للمحسود؛ فهو أن يستعيذ بالله من شرّ الحاسد، ويقرأ المعوِّذتين، ويدعو الله سبحانه وتعالى، ويتوكَّل عليه‏.‏
الغيبة والرّياء
80 ـ ما هو مدى صحة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّ كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته؛ تقول‏:‏ اللهم اغفر لنا وله‏؟‏ وما هو معنى الغيبة (1)‏‏انظر‏:‏ ‏ ‏الأذكار‏ ‏ للنووي ‏(‏ص 308-309‏)‏، وكذلك ‏ ‏المقاصد الحسنة‏ ‏ للسخاوي ‏(‏ص506‏)‏، وكذلك ‏ ‏الغماز على اللماز‏ ‏ للسمهودي ‏(‏ص 166‏)‏‏"‏‏انظر‏:‏ ‏ ‏الأذكار‏ ‏ للنووي ‏(‏ص 308-309‏)‏، وكذلك ‏ ‏المقاصد الحسنة‏ ‏ للسخاوي ‏(‏ص506‏)‏، وكذلك ‏ ‏الغماز على اللماز‏ ‏ للسمهودي ‏(‏ص 166‏)‏‏.‏‏ "‏‏انظر‏:‏ ‏ ‏الأذكار‏ ‏ للنووي ‏(‏ص 308-309‏)‏، وكذلك ‏ ‏المقاصد الحسنة‏ ‏ للسخاوي ‏(‏ص506‏)‏، وكذلك ‏ ‏الغماز على اللماز‏ ‏ للسمهودي ‏(‏ص 166‏)‏‏.‏‏ "‏‏انظر‏:‏ ‏ ‏الأذكار‏ ‏ للنووي ‏(‏ص 308-309‏)‏، وكذلك ‏ ‏المقاصد الحسنة‏ ‏ للسخاوي ‏(‏ص506‏)‏، وكذلك ‏ ‏الغماز على اللماز‏ ‏ للسمهودي ‏(‏ص 166‏)‏‏.‏‏ "‏‏؟‏
أمَّا الحديث؛ فلا يحضُرُني الآن حوله شيء، ولا أدري عنه‏.‏
وأمَّا الغيبة في حدّ ذاتها؛ فهي محرَّمة وكبيرة من كبائر الذُّنوب، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عباده عن فعلها؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 12‏.‏‏]‏، وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل المؤمنِ على المؤمنِ حرامٌ؛ دمُه، ومالُه، وعِرضُهُ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1986‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ بلفظ‏:‏ ‏"‏كل المسلم على المسلم‏"‏‏.‏‏]‏؛ فالغيبة محرَّمة وكبيرة من كبائر الذُّنوب وشنيعةٌ‏.‏
وأمَّا ما هي الغيبة‏؟‏ فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم معناها لمَّا سُئِلَ عنها، فقال‏:‏ ‏(‏الغيبةُ‏:‏ ذِكرُكَ أخاكَ بما يَكرَهُ‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ أرأيت إن كان في أخي ما أقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إن كان فيه ما تقول؛ فقد اغتبتَهُ، وإن لم يكن فيه ما تقولُ؛ فقد بَهَتَّهُ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2001‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
والغيبة هي الكلام في عرض الغائب كما بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ أنها ذكرك أخاك بما يكره؛ فإذا كان أخوك غائبًا، وأنت وقعت في عرضه ووصفته بما يكره؛ فقد اغتبتَهُ، وأثمت في ذلك إثمًا عظيمًا، وإذا ندمت وتُبتَ إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإن باب التوبة مفتوح، ولكن هذا حقُّ مخلوق، ومن شروط التوبة فيه أن تستبيح صاحبه؛ فعليك أن تتَّصل بأخيك، وأن تذكُرَ له ذلك، وتطلُب منه المسامحة؛ إلا إذا خشيت من إخباره أن يترتَّب على ذلك مفسدة أعظم؛ فإنَّه يكفي أن تستغفر له، وأن تُثني عليه وتمدحه بما فيه، لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن يغفر لك‏.‏
81 ـ لي صديق كبير في السن، لا يحلو له المجلس إلا بالتَّحدُّث عن الآخرين بكلام بذيء، ويجعل الغيبة والنميمة هي حديثه؛ فكيف أعمل مع هذا الصَّديق حتى يترك هذه العادة السَّيِّئة‏؟‏
الغيبة والنميمة معصيتان كبيرتان، وفيهما مفاسد عظيمة، وعليك أن تنصح هذا الشخص عنهما، وتبيِّن له خطورتهما، والآثام المترتِّبة عليهما، وتقرأ عليه النصوص الواردة في ذلك من الكتاب والسّنة (2)، فإن لم يمتثل؛ فلا تصاحبه ولا تجالسه إلى أن يتوب‏.‏
82 ـ لي ولد كثيرًا ما يُعلِّق على الناس، وقد حرجته على أن لا يتكلم عن أحد وأن لا يُضحِك إخوانه بتعليق أو غيبة أو تقليد، وأنا حللته بقلبي، وكان قصدي أن أخوفه ويتوب عن ذلك؛ فما حكم التحليل في هذه المسألة وهو الحرج‏؟‏ جزاكم الله عنا خير الجزاء‏.‏
لا جوز للإنسان أن يسخر من الناس وأن يغتابهم وأن يهمزهم أو يلمزهم ويتنقصهم ليُضحِك الناس؛ لأنهم لا يرضون بذلك، وهذا من الغيبة، بل هو من أشد الغيبة‏.‏
قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 12‏.‏‏]‏، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الغيبة بأنها ذِكرُكَ أخاكَ بما يكرهُ في غيبتِهِ، قالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ إذا كان فيه ما تقول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إن كان فيه ما تقولُ؛ فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول؛ فقد بهتَّهُ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2001‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السخرية بالناس، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 11‏.‏‏]‏؛ يعني لا يلمز بعضكم بعضًا ويتنقص بعضكم بعضًا‏.‏
وتمثيل الأشخاص بحركاتهم وكلامهم إذا كانوا غائبين أو حاضرين ويكرهون ذلك؛ فإن هذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه أذية للمسلمين، والله جل وعلا يقول‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ‏}‏ ‏[‏الهمزة‏:‏ 1‏.‏‏]‏؛ فهذا الذي يفعله هذا الشخص أمر مُحرَّم، وعليه أن يتوب إلى الله‏.‏
وما فعلتيه من الإنكار عليه والتغليظ عليه شيء واجب عليك تؤجرين عليه إن شاء الله؛ لأنه من إنكار المنكر، ولا يلزمك شيء في هذا، بل هذا من إنكار المنكر الذي تثابين عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
83 ـ هل للرياء علامات يعرف بها المرائي‏؟‏ وما حكم الإسلام فيمن يترك بعض أعمال الإسلام - سواء كانت واجبات أو مستحبَّات - خوف الرِّياء‏؟‏ ومن ابتُلي بالرِّياء؛ فبم تنصحونه‏؟‏
الرّياء هو أن يعمل الإنسان العمل الصالح لأجل أن يراه الناس فيمدحوه، وهو محبط للعمل، وموجب للعقاب، وهو شيء في القلب، وقد سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم الشِّرك الخفيَّ ‏(3)
ومن علاماته أن يَنشَط الإنسان في العمل إذا كان يراه الناس، وإذا كانوا لا يرونه؛ ترك العمل‏.‏
والذي يُبتَلى بالرِّياء يُنصحُ بالخوف من الله، ويُذّكَّرُ باطّلاع الله على ما في قلبه، وشدَّة عقوبته للمُرائين، وبأنَّ عمله سيكون تعبًا بلا فائدة، وبأنَّ الناس الذين عمل من أجل مدحهم سيذمُّونه ويمقتونه ولا ينفعونه بشيء‏.‏
84 ـ قرأت في بعض الكتب أن من علامات الرياء أن يقوى إيمان الشخص إذا كان عند أشخاص أو جماعة، ويضعف إذا كان لوحده، وأنا في الحقيقة أحيانًا أصلي وأحيانًا لا أصلي، وأنا لا أقصد بذلك الرياء، ولكن وجودي مع إخواني يجعلني أنشط عندما أراهم يصلون‏.‏ أرجو أن توضحوا هذا الأمر وجزاكم الله خير‏.‏
هذا ليس من الرياء، هذا من الاقتداء بأهل الخير، ولا شك أن المسلم إذا كان مع أهل الخير؛ فإنه يقتدي بهم ويؤثرون عليه لرغبته في الخير والنشاط في العبادة، وإذا انفرد؛ فإنه يكسل ويفتر عن العبادة؛ نظرًا لأن نفس الإنسان تميل إلى الكسل وإلى الراحة‏.‏
الحاصل أن نشاطك إذا كنت مع أهل الخير وفتورك إذا كنت وحدك؛ هذا لا يدل على الرياء، وإنما هذا يدل على طبيعة النفس البشرية، ويدل على استحباب مخالطة أهل الخير؛ لأنهم ينشطون على فعل الخير‏.‏
وأما الرياء؛ فإنه من أعمال القلوب ومقاصد القلوب التي لا يعلمها إلا الله؛ فإذا كان قصدك بذلك أن يُثنوا عليك ويمدحوك؛ هذا هو الرياء، وأما إذا كان قصدك لوجه الله عز وجل، وإنما تنشط إذا كنت مع المصلين ومع الذاكرين لله ومع المتعبدين؛ فهذا شيء طيب، وهذا من القدوة الحسنة‏.‏

معنى كل من‏:‏ القنوط، عزم الأمور
85 ـ ما هو القنوط من رحمة الله‏؟‏ وما معنى قوله تعالى في سورة يوسف‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 87‏.‏‏]‏‏؟‏ فما هو اليأس من روح الله‏؟‏ وهل الذي ييأس من رَوحِ الله كافر‏؟‏ وهل هناك فرق بين اليأس والقُنوط‏؟‏
الله سبحانه وتعالى ذو رحمة واسعة، ذو رحمة خاصة بالمؤمنين، وعلى العباد أن يتَّقوه وأن يعبدون؛ راجين رحمته، خائفين من عقابه‏.‏
فالمؤمنُ يكون بين الخوف والرَّجاء؛ لا يُغَلِّبُ جانب الخوف حتى يَقنَطَ من رحمة الله أو ييأس من رَوحِ الله، ولا يُغلِّبُ جانب الرَّجاء حتى يأمن مِن مكر الله عز وجل؛ فإنَّ طريقة الأنبياء والمرسلين أنهم يدعون ربَّهُم رَغَبًا ورَهَبًا؛ كما ذكر الله تعالى ذلك عنهم‏.‏
وقال أيضًا‏:‏ ‏{‏أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 57‏.‏‏]‏‏.‏
فإذا أخذ الإنسان جانب الخوف فقط، وبالغ في ذلك، حتى يقنَطَ من رحمة الله؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد حكم عليه بالضَّلال، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 56‏.‏‏]‏، وكذلك إذا أيسَ من رحمة الله؛ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 87‏.‏‏]‏، وهذه طريقة الوعيديَّة من الخوارج وغيرهم، الذين غلَّبوا جانب الوعيد، وشدَّدوا في ذلك، حتى ضَلُّوا والعياذُ بالله‏.‏
وأما قولُك‏:‏ هل هناك فرق بين القُنوط من رحمة الله واليأس من رَوحِ الله؛ فالظَّاهر أنه لا فرق بينهما، والضَّلالُ والكفرُ يجتمعان، ويقال‏:‏ هو ضالٌّ، ويقال‏:‏ هو كافر؛ فهما وصفان مترادفان؛ فالكفر يسمَّى ضلالاً؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 7‏.‏‏]‏‏.‏
ومن العلماء من فرَّق بينهما، واعتبر أنَّ اليأس أشدَّ من القنوط؛ استنباطًا من الآيتين الكريمتين؛ حيث إنَّ الله سبحانه قال‏:‏ ‏{‏وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 56‏.‏‏]‏؛ فوصف القانطين بالضلال، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 87‏.‏‏]‏؛ فوصف اليائسين من الرحمة بالكفر‏.‏
86 ـ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 17‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 43‏.‏‏]‏؛ فما هو عزم الأمور‏؟‏ وما مفهوم هذه العزيمة وأهمِّيَّتُها‏؟‏
عزم الأمور‏:‏ الأمور التي يُعزَمُ عليها ويُنافَسُ فيها ولا يُوفَّقُ لها إلا أهل العزائم والهمم العالية‏.‏

العين والحسد والوسوسة
87 ـ عين الحاسد إذا أصابت شيئًا لأحد وأتلفته أو أضرت به؛ فهل عليه شيء، وإن لم يكن ذلك عن قصد منه أو حسد فعلاً، ولكن ذلك خارج عن إرادته‏؟‏ وهل هناك دواء شرعي لذلك للحاسد والمحسود يخفف من أثرِها أو يقطع أثرها بالكلية‏؟‏
العين حق كما في الحديث، وهذا من عجيب صنع الله سبحانه وتعالى أن يجعل في نظر بعض الأشخاص إصابة تضر بما تقع عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏العينُ حقٌّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج4 ص1719‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وهناك علاج شرعي للعائن وللمصاب، أما العائن فإذا كان يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين؛ فليدفع شرها بقوله‏:‏ اللهم‏!‏ بارك عليه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لمَّا عان سهل بن حنيف‏:‏ ‏(‏ألا برَّكتَ‏؟‏‏)‏ أي‏:‏ قُلتَ‏:‏ اللهم‏!‏ بارِك عليه ‏[‏رواه الإمام مالك في ‏"‏موطئه‏"‏ ‏(‏ج2 ص938، 939‏)‏، ورواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏ج3 ص486، 487‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج2 ص1160‏)‏ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، وانظر الذهبي في ‏"‏سير أعلام النبلاء‏"‏ ‏(‏ج2 ص326‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
فإذا خشي العائن أن يضر المنظور؛ فإنه يقول‏:‏ اللهم‏!‏ بارك عليه‏.‏ وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول‏:‏ ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ؛ قال‏:‏ ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله ‏(4).‏
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله‏.‏
أمَّا إذا تعمد إصابة الشخص؛ فإنه يأثم بذلك؛ لأنه يكون معتديًا بهذا، حتى إن الفقهاء رحمهم الله قالوا‏:‏ إذا تعمد قتل شخص بعينه، وأقر بذلك؛ فإنه يُقتَصُّ منه؛ لأن هذا يُعتبرُ من قتل العمد‏.‏
وأما نفس المصاب؛ فإنه يستعمل الرقية التي رقى بها جبريل النبي عليه الصلاة والسلام، وهي أن يقول‏:‏ ‏(‏بسم الله أرقيك، من كل شيء يُؤذيك، من شر كل نفسٍ أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك، بسم الله أرقيك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج4 ص1718، 1719‏)‏ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ يقول هذا الدعاء بنفسه أو يقوله أحد من إخوانه وينفث عليه، هذا مما تُدفَعُ به العين بإذن الله‏.‏ والله أعلم‏.‏
وكذلك تُعالج إصابة العين بالاستغسال؛ بأن يغتسل العائن بماء ويغسل داخلة سراويله، ثم تُصَبُّ الغسالة على المصاب بالعين؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك (5)‏.‏
88 ـ ما الحكم في وسواس النفس‏؟‏ وإذا كانت النفس توسوس بأشياء خبيثة، والشخص يتألم ويتأثر تأثيرًا شديدًا خوفًا من هذا الوسواس، علمًا أنه ربما لا يعتقده ولا يعمل به، بل هو أمر خارج عن إرادته تحدثه به نفسه؛ هل يؤاخذ على ذلك‏؟‏
الوسواس لا يضر الإنسان ولا يؤاخذ به ما لم يتكلم أو يعمل؛ كما في الحديث‏:‏ ‏(‏عُفِيَ لأمَّتي ما حدَّثت به أنفُسَها ما لم تتكلَّم أو تعمل‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏6/169‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ قريب من هذا‏.‏‏]‏؛ فالوسواس الذي يدخل على الإنسان هو من الشيطان، يريد به أن يُحزنَ هذا المسلم وأن يشغله عن طاعة الله سبحانه وتعالى؛ فعلى المسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان، وأن لا يلتفت لهذا الوسواس ولا يعتبره شيئًا ويرفضه رفضًا باتًّا ولا يضره بإذن الله‏.‏
89 ـ أنا شاب يوسوس لي الشيطان أحيانًا؛ ماذا أعمل لردِّ وسوسته‏؟‏
وسوسة الشَّيطان تُرَدُّ بالاستعاذة بالله من الشَّيطان، وعدم الالتفات إلى وسوسته، والوسوسة لا تضرُّ ما لم يتكلَّم الإنسان؛ فعلى المسلم أن يرفُضَها ويترُكها ولا يلتفت إليها، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرَّجيم‏.‏

تعليق التمائم
90 ـ ما حكمُ التمائم التي تُعلَّقُ في أعناق الصبيان وغيرهم، والتي تكون من الآيات القرآنيَّة والأدعية النبويَّة، وأشباهِ ذلك من الدَّعواتِ المشروعةِ‏؟‏
الصَّحيحُ من قولي العلماءِ أنه لا يجوزُ تعليقُ مثل هذه التمائم لعدَّة أمور‏:‏
1ـ أنه ليس هناك دليلٌ على جواز ذلك، والأصلُ المنعُ؛ لعموم النهي عن تعليق التمائم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من تَعَلَّقَ تميمةً؛ فلا أتمَّ الله له‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/154‏)‏ من حديث عقبة بن نافع، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏4/216‏)‏ من حديث عقبة بن نافع‏.‏‏]‏، ونحوه‏.‏
2ـ أن السماحَ بتعليق هذه التمائم يكون وسيلة لتعليق التمائم المشتملة على الشرك والألفاظ المحرَّمة‏.‏
3ـ أن السماح بتعليق التمائم وسيلة لامتهان القرآن وتعريضه للدُّخول في المواطن غير المناسبة، وقد يعلَّق على أطفال لا يحترزون من النّجاسة‏.‏
‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من المحاذير‏.‏
وفي رُقية المريض مباشرةً وقراءة القرآن على المصاب غُنيَةٌ عن تعليق التَّمائمِ، والحمد لله‏.‏
91 ـ نرى بعض القلائد التي تكتبُ عليها بعض الآيات القرآنيَّة؛ فهل يجوز بيعها وشراؤها ولُبسُها وهي على هذه الحالة‏؟‏ أفتونا جزاكم الله خيرًا‏.‏
لا يجوز بيعُ ولا لبسُ القلائد التي يُكتَبُ فيها شيء من القرآن، ولا تجوزُ هذه الكتابة؛ لأن في ذلك امتهانًا للقرآن، ولأنَّ هذا قد يتَّخذُ حُجُبًا وتمائم يُعتقَدُ فيها الشِّفاء من الأمراض، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق التَّمائم (6)، وهذا النهيُ يعمُّ المعلَّقَ من القرآن وغيره على الصحيح‏.‏ والله أعلم‏.‏
92 ـ نُلاحظ أن بعض الناس يعلِّقون في رقابهم أو أيديهم أساورَ مطليَّةً ببعض الأصباغ المعيَّنة، أو خيوطًا مصنوعة من شعر بعض الحيوانات أو غيرها، ويزعم هؤلاء أنها سبب في دفع ضررٍ قد يأتي من الجانِّ أو غيرهم؛ فهل هذا عمل جائز‏؟‏ وما نصيحتُكم لهؤلاء‏؟‏
تعليق الأساور أو لُبسُها، وربط الخيوط من الشعر أو غيره؛ من يفعل ذلك، يعتقدُ أنَّ هذه الأشياء تمنع الضرر أو ترفع بذاتها عمَّن لبسها؛ فهذا شرك أكبر، يُخرِجُ من الملَّة؛ لأنه اعتقد في هذه الأشياء أنَّها تنفع وتدفع الضَّرر، وهذا لا يقدرُ عليه أحدٌ إلا الله سبحانه‏.‏
وإن كان يعتقد أنَّ الله هو النَّافعُ، وهو الذي يدفعُ الضَّرر، إنما هذه الأشياء أسباب فقط؛ فهذا محرَّمٌ وشركٌ أصغر يجرُّ إلى الشرك الأكبر؛ لأنه اعتقد السببيَّة فيما لم يجعلهُ الله سببًا للشِّفاء؛ لأنَّ هذه الأشياء ليست أسبابًا، والله جعل أسباب الشِّفاء في الأدوية النافعة المباحة والرُّقى الشرعيَّة، وهذه ليست منها‏.‏
وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بابًا في ‏"‏كتاب التوحيد‏"‏ في هذا الموضوع، فقال‏:‏ ‏"‏باب‏:‏ مِن الشِّرك لُبسُ الحَلقةِ والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعهِ‏"‏، أورد فيه أدلةً؛ منها‏:‏
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأي رجلاً، في يده حلقةٌ من صُفر، فقال‏:‏ ‏(‏ما هذه ‏؟‏‏)‏‏.‏ قال‏:‏ من الواهنةِ‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏انزعها؛ فإنها لا تزيدُكَ إلا وَهنًا؛ فإنك لو متَّ وهي عليكَ؛ ما أفلحتَ أبدًا‏)‏‏.‏
رواه أحمد بسند لا بأس به ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/445‏)‏ من حديث عمران بن حصين‏.‏‏]‏، وصحَّحه ابن حِبَّان والحاكم ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏مستدرك الحاكم‏"‏ ‏(‏4/216‏)‏‏.‏‏]‏، وأقرَّه الذهبي‏.‏
ولابن أبي حاتم عن حذيفة؛ أنه رأى رجلاً في يده خيطٌ من الحمَّى ‏(‏أي‏:‏ لدفع الحمَّى‏)‏، فقطعه ‏(7)، وتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 106‏.‏‏]‏‏.‏
وإن كان يعتقدُ أنَّ هذا يدفعُ شرَّ الجنِّ؛ فالجنُّ لا يدفعُ شرَّهم إلا الله سبحانه؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 200‏.‏‏]‏‏.‏
93 ـ عندما يُرزق أحدُنا بمولود يُكتَبُ له دعاء وما تيسَّر من القرآن الكريم ويُعلَّق في كتف أو رقبة الطفل، وفعلاً يكون الطفل في راحة نفسية ظاهرة، فهل يجوز ذلك‏؟‏
تعليق التعاويذ والكتابات على الكبار أو الأطفال لا يجوز؛ لأنه تعليق للتمائم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليق التمائم (8) ‏:‏
فإذا كانت هذه التمائم من الخزعبلات أو من الطلاسم أو يُكتَبُ فيها بكلامٍ لا يُعرَفُ معناه أو أسماء شياطين أو أسماء جن أو أسماء مجهولة أو غير ذلك؛ فهذا حرام؛ لأنه يُخِلُّ بالعقيدة ويجر إلى الشرك قطعًا بإجماع المسلمين‏.‏
وإن كانت هذه التمائم من القرآن أو من الأدعية الشرعية؛ فالصحيح من قولي العلماء أنه لا يجوز تعليقها أيضًا؛ لأن تعليقها وسيلة إلى تعليق ما لا يجوز من التمائم؛ فإذا فُتِحَ البابُ؛ توسّعَ الناس في هذا الشيء، وعلَّقوا ما لا يجوز‏.‏ هذا من ناحية، والناحية الثانية؛ أنه يكون في تعليق القرآن على الطفل إهانة للقرآن؛ لأن الطفل لا يتحرز من دخول الخلاء ومن النجاسة وغير ذلك؛ ففي تعليق كلام الله عليه إهانة للقرآن الكريم فلا يجوز تعليق هذه الأشياء‏.‏
وكونه يحصل راحة نفسية بذلك أو يحصل شفاء من مرض؛ هذا لا يدل على جواز هذا الشيء؛ لأن حصول الراحة أو شفاء المريض بعد تعليق هذه الأشياء‏:‏ قد يكون وافق قضاءً وقدرًا وهم يظنون أنه بسبب هذا التعليق، وقد يكون هذا من باب الاستدراج لهم ومن باب العقوبة لهم حتى يقعوا فيما هو شر من ذلك؛ فحصول المقصود للإنسان الذي يعمل هذه الأشياء غير المشروعة لا يدل على جوازها؛ لأنه إما أن يكون هذا من باب الاستدراج والعقوبة والإملاء، وإما أن يكون هذا وافق قضاء وقدرًا لا علاقة له بتعليق هذا الشيء، فيظن الناس أنه بسبب تعليق هذا الشيء، فيُفتَتنونَ فيه‏.
البدع وما يتصل بالأموات والقبور
94 ـ ما حكم تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة‏؟‏ وهل يصِحُّ لمن رأى هذا التقسيم أن يحتجَّ بقول الرسول‏:‏ ‏(‏مَن سنَّ سُنَّةً حسنةً في الإسلام‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث، وبقول عمرَ‏:‏ ‏(‏نعمتِ البدعةُ هذه‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏؟‏ نرجو في ذلك الإفادة، جزاكم الله خيرًا‏.‏
ليس مع من قسَّم البدعة إلى بدعةٍ حسنة وبدعةٍ سيئةٍ دليلٌ؛ لأن البدع كلَّها سيئةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار‏)‏ ‏[‏رواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/188-189‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله بنحوه، ورواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/592‏)‏ بدون ذكر‏:‏ ‏"‏وكل ضلالة في النار‏"‏ من حديث جابر بن عبد الله‏.‏ (1)]‏‏.‏
وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/704-705‏)‏ من حديث جرير بن عبد الله‏.‏‏]‏؛ فالمرادُ به‏:‏ من أحيا سنَّةً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بمناسبة ما فعلَهُ أحد الصَّحابة من مجيئه بالصَّدقة في أزمةٍ من الأزمات، حتى اقتدى به الناس وتتابعوا في تقديم الصَّدقات‏.‏
وأما قول عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏نعمتِ البدعةُ هذه‏"‏ (2)؛ فالمراد بذلك البدعة اللغويَّة لا البدعة الشرعيَّةُ؛ لأنَّ عمر قال ذلك بمناسبة جمعه الناس على إمام واحد في صلاة التَّراويح، وصلاة التَّراويح جماعة قد شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث صلاها بأصحابه ليالي، ثم تخلَّفَ عنهم خشية أن تُفرضَ عليهم (3)، وبقي الناس يصلُّونها فرادى وجماعات متفرِّقة، فجمعهم عمر على إمام واحد كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي التي صلاها بهم، فأحيى عمر تلك السُّنَّة، فيكون قد أعاد شيئًا قد انقطع، فيُعتبَرُ فعله هذا بدعة لغويَّة لا شرعيَّةً؛ لأنَّ البدعة الشرعية محرَّمة، لا يمكن لعمر ولا لغيره أن يفعلها، وهم يعلمون تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من البدع (4).‏
95 ـ التساهل في النهي عن البدع والأخطار أمر شائع عند الكثير من المثقفين الإسلاميين، حتى إن أحدهم يمر والناس يطوفون بالأضرحة وبالقباب دون أو يوجه كلمة؛ لأنه مشغول ومتوجه إلى قبة البرلمان كما يقول‏!‏ ما تعليقكم‏؟‏‏!‏ وما هو رأيكم في مشاركة بعض النيابيين في برلمانات الحكومة التي لا تطبق الشريعة‏؟‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم مُنكرًا؛ فليُغيِّرهُ بيدِه، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج1 ص69-70‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
والطواف على القبور ودعاء أصحابها هو أعظم المنكر، ولا بدَّ لكل مسلم من إنكاره حسب استطاعته؛ فإن لم ينكره ولا بقلبه؛ فهذا دليل على عدم إيمانه‏.‏
وأما مشاركة المسلم في البرلمانات الكافرة؛ فهذه قضية تجب دراستها والإجابة عن حكمها لدى المجامع العلمية وجهات الفتوى‏.‏
96 ـ أخذ الناس يبتدعون أشياء ويستحسنونها، وذلك أخذًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن سنَّ سُنَّةً حسنةً في الإسلام؛ فله أجرها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلى آخر الحديث؛ فهل هم مُحقُّون فيما يقولون‏؟‏ فإن لم يكونوا على حق؛ فما مدلول الحديث السابق ذكره‏؟‏ وهل يجوز الابتداع بأشياء مستحسنة‏؟‏ أجيبونا عن ذلك أثابكم الله‏؟‏
البدعة هي ما لم يكن له دليل من الكتاب والسنة من الأشياء التي يُتَقرَّب بها إلى الله‏.‏
قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏مَن أحدثَ في أمرُنا هذا ما ليس منه؛ فهو رَدّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج3 ص167‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏مَن عملَ عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو رَدّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج3 ص1343-1344‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏وإيَّاكُم ومُحدثاتِ الأمور؛ فإن كلَّ مُحدثةٍ بدعةٌ وكلَّ بدعةٍ ضلالة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في مسنده ‏(‏4/126، 127‏)‏ ورواه أبو داود في سننه ‏(‏4/200‏)‏ ورواه الترمذي في سننه ‏(‏7/319، 320‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية‏.‏‏]‏‏.‏
والأحاديث في النهي عن البدع والمحدثات أحاديث كثيرة ومشهورة، وكلام أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من المحققين كلام معلوم ومشهور وليس هناك بدعة حسنة أبدًا، بل البدع كلها ضلالة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ‏)‏‏.‏
فالذي يزعم أن هناك بدعة حسنة يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإن كلَّ مُحدثةٍ بدعةٌ وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ‏)‏، وهذا يقول‏:‏ هناك بدعة ليست ضلالة‏!‏ ولا شك أن هذا محادٌّ لله ولرسوله‏.‏
أما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً؛ فلهُ أجرُها وأجرُ مَن عمِلَ بها‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/704-705‏)‏ من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فهذا لا يدل على ما يقوله هؤلاء؛ لأن الرسول لم يقل من ابتدع بدعة حسنة، وإنما قال‏:‏ ‏(‏مَن سنَّ سُنَّةً حسنةً‏)‏، والسنة غير البدعة، السنة هي ما كان موافقًا للكتاب والسنة، موافقًا للدليل، هذا هو السنة؛ فمن عمل بالسنة التي دل عليها الكتاب والسنة؛ يكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؛ يعني‏:‏ من أحيى هذه السنة وعلمها للناس وبينها للناس وعملوا بها اقتداءً به؛ فإنه يكون له من الأجر مثل أجورهم، وسبب الحديث معروف، وهو أنه لما جاء أناس محتاجون إلى النبي صلى الله عليه وسلم من العرب، عند ذلك رقَّ لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصابه شيء من الكآبة من حالتهم، فأمر بالصدقة وحث عليها، فقام رجل من الصحابة وتصدق بمال كثير، ثم تتابع الناس وتصدقوا اقتداءً به؛ لأنه بدأ لهم الطريق، عند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً؛ فلهُ أجرُها وأجرُ من عمِلَ بها‏)‏؛ فهذا الرجل عمل بسنة، وهي الصدقة ومساعدة المحتاجين، والصدقة ليست بدعة؛ لأنها مأمور بها بالكتاب والسنة؛ فهي سنة حسنة، من أحياها وعمل بها وبيّنها للناس حتى عملوا بها واقتدوا به فيها؛ كان له من الأجر مثل أجورهم‏.‏
97 ـ ذكرتم فضيلتكم أنَّ كلَّ بدعة ضلالة، وأنه ليس هناك بدعة حسنة، والبعض قسَّم البدعة إلى خمسة أقسام‏:‏ بدعة واجبة، وبدعة مندوبة، وبدعة محرَّمة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة؛ فما هو الرَّدُّ على هؤلاء‏؟‏
الرَّدُّ أنَّ هذه فلسفة وجدل مخالفان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لك بدعة ضلالة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/592‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو جزء من حديث طرفه‏:‏ ‏"‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏‏]‏، وهم يقولون‏:‏ ما كلُّ بدعة محرَّمة‏!‏ فهذه فلسفة في مقابل كلام الرَّسول صلى الله عليه وسلم وتعقيب على كلامه‏.‏
أمَّا ما ذكروه من بعض الأمثلة، وأنها بدعة حسنة؛ مثل جمع القرآن ونسخ القرآن؛ فهذه ليست بدعة، هذه كلُّها تابعة لكتابة القرآن، والقرآن كان يُكتَبُ ويُجمَعُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه متمِّمات للمشروع الذي بدأه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهي داخلة فيما شرعَهُ‏.‏
كذلك ما قالوه من بناء المدارس، هذا كلُّه في تعليم العلم، والله أمر بتعليم العلم، وإعداد العُدَّة له، والرَّسول أمر بذلك؛ فهذا من توابع ما أمر الله به‏.‏
لكنَّ البدعة هي التي تحدُثُ في الدِّين، وهي ليست منه؛ كأن يُؤتى بعبادة من العبادات ليس لها دليل من الشرع، هذه هي البدعة‏.‏
98 ـ إذا كان التَّنبيهُ على البدعة المتأصِّلة سيُحدِثُ فتنةً؛ فهل السكوتُ عليها أولى‏؟‏ أم يجب التّنبيه ويحدث ما يحدُثُ‏؟‏
حسبَ الظُّروف، إذا كان يترتَّبُ مضرَّةٌ أكثر من المصلحة؛ فهنا ارتكاب أخفِّ الضَّررين لدفع أعلاهما هو الأنسب، لكن لا تسكت عن البيان والدَّعوة إلى الله بالموعظة الحسنة وتعليم الناس شيئًا فشيئًا؛ فالله يقول جلَّ وعلا‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏.‏‏]‏؛ فإذا كان مثلاً إظهارُ الإنكار يُحدِثُ مفسدة أكبر؛ فنحن لا نُظهِر الإنكار أوَّل مرة، ولكن نعلِّمُ الناس، ونخبرُ ونبيِّنُ، ونبصِّرُ الناس حتى يترُكوا هذا الشيء من أنفسهم، والله جلَّ وعلا يقول‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏؛ فالجاهل يُبدأ معه بالحكمة واللين، وإذا رأينا منه بعض النُّفور؛ يوعَظُ ويُخوَّفُ بالله عز وجل، وإذا رأينا منه أنَّه لا يقبل الحقَّ ويريد أن يدافع الحقَّ بالقوَّة؛ فإنَّه يقابل بالقوَّة عند ذلك‏.‏
فالحاصل أنَّ القاعدة الشرعيَّة أنَّه يجوز ارتكاب أخفّ الضَّررين لتفادي أعلاهما، كذلك درءُ المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح‏.‏
ولكن هذا شيء مؤقَّتٌ؛ فنحن نتعامل مع هؤلاء الذين اعتادوا على هذا الشيء وأصرُّوا عليه، نتعامل معهم بالرِّفق واللِّين، ونبيِّن لهم أنَّ هذا خطأ لا يجوز، ومع كثرة التَّذكير والتَّكرار؛ فإن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء؛ فربَّما يتأثَّرون بالموعظة والتَّذكير، ويتركون هذا الشيء من أنفسهم؛ فنحن نتَّبِعُ الطُّرق الكفيلة لإنجاح المهمَّة، ونستعمل الحكمة في موضعها، والموعظة في موضعها، ونستعمل الشِّدَّة في موضعها، وهكذا يكون الدّاعية إلى الله عز وجل؛ فلكلِّ مقام مقال‏.‏
99 ـ نطلب من فضيلة الشيخ توضيح موقف السَّلف من المبتدعة، وجزاكم الله خيرًا‏.‏
السَّلفُ لا يبدِّعون كل أحد، ولا يسرفون في إطلاق كلمة البدعة على كل أحد خالف بعض المخالفات، إنما يصفون بالبدعة من فعل فعلاً لا دليل عليه يتقرَّبُ به إلى الله؛ من عبادة لم يشرَعها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أخذًا مِن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو رَدّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1343-1344‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏مَن أحدثَ في أمرنا ما ليس منه؛ فهو رَدّ‏)‏ ‏[‏رواها الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/167‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
فالبدعة هي إحداث شيء جديد في الدِّين، لا دليل عليه من كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه هي البدعة‏.‏
وإذا ثبت أنَّ شخصًا ابتدع بدعةً في الدين، وأبى أن يرجع؛ فإنَّ منهج السَّلف أنَّهم يهجرونه ويبتعدون عنه، ولم يكونوا يجالسونه‏.‏
هذا منهجهم، لكن كما ذكرت، بعد أن يثبُت أنَّه مبتدع، وبعد أن يُناصح ولا يرجع عن بدعته؛ فحينئذٍ يُهجَرُ؛ لئلاً يتعدَّى ضرره إلى من جالسه وإلى من اتَّصل به، ومِن أجلِ أن يحذر الناس من المبتدعة ومن البدع‏.‏
أمَّا المغالاة في إطلاق البدعة على كلِّ من خالف أحدًا في الرأي، فيقال‏:‏ هذا مبتدعٌ‏!‏ كل واحد يسمِّي الآخر مبتدعًا، وهو لم يحدث في الدِّين شيئًا؛ إلا أنه تخالف هو وشخص، أو تخالف هو وجماعة من الجماعات، هذا لا يكون مبتدعًا‏.‏
ومن فعل محرَّمًا أو معصية؛ يسمَّى عاصيًا، وما كلُّ عاصٍ مبتدع، وما كلُّ مخطئ مبتدع، لأنَّ المبتدع من أحدث في الدِّين ما ليس منه، هذا هو المبتدع، أمَّا المغالاة في اسم البدعة بإطلاقها على كلِّ من خالف شخصًا؛ فليس هذا بصحيح؛ فقد يكون الصَّواب مع المخالف، وهذا ليس من منهج السَّلف‏.‏
100 ـ ما الحكم في الموالد التي ابتدعت في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم والتي يدعي من يقوم بها ويحييها من الناس أنك إذا أنكرت ذلك أو لم تشاركهم فيه؛ فلست بمحبٍّ للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأن في المولد الصلاة على النبي والمدائح؛ فأنت بفعلك هذا معارض للصلاة وكاره للنبي‏؟‏
الموالد هي من البدع المُحدَثة في الدين، والبدع مرفوضة ومردودة على أصحابها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهوَ رَدّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/167‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته إحياء الموالد لا في مولده صلى الله عليه وسلم ولا في مولد غيره، ولم يكن الصحابة يعملون هذه الموالد ولا التابعون لهم بإحسان ولم يكن في القرون المفضَّلة شيء من هذا، وإنما حدث هذا على أيدي الفاطميين الذين جلبوا هذه البدع والخرافات ودسوها على المسلمين، وتابعهم على ذلك بعض الملوك عن جهل وتقليد، حتى فشت في الناس وكثُرت، وظن الجُهَّال أنها من الدين وأنها عبادة، وهي في الحقيقة بدعة مضلّلة وتؤثِم أصحابها إثمًا كبيرًا، هذا إذا كانت مقتصرة على الاحتفال والذكر كما يقولون، أما إذا شملت على شيء من الشرك ونداء الرسول ‏(‏ والاستغاثة به كما هو الواقع في كثير منها؛ فإنها تتجاوز كونها بدعة إلى كونها تجر إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله، وكذلك ما يخالطها من فعل المحرَّمات كالرقص والغناء، وقد يكون فيها شيء من الآلات المُطرِبَة، وقد يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من المفاسد؛ فهي بدعة ومحفوفة بمفاسد ومنكرات‏.‏
وهذا الذي يريده أعداء الدين؛ يريدون أن يُفسدوا على المسلمين دينهم بهذه البدع وما يصاحبها من هذه المنكرات، حتى ينشغلوا بها عن السنة وعن الواجبات‏.‏
فهذه الموالد لا أصل لها في دين الإسلام، وهي مُحدَثَة وضلالة، وهي مباءة أيضًا لأعمال شركية وأعمال محرمة كما هو الواقع‏.‏
وأما محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمحبته عليه الصّلاة والسَّلام فرض على كل مسلم أن يحبه أحب مما يحب نفسه وأحب من ولده ووالديه والناس أجمعين عليه الصلاة والسلام‏.‏
ولكن ليس دليل محبته إحداث الموالد والبدع التي نهى عنها عليه الصلاة والسلام، بل دليل محبته اتباعه عليه الصلاة والسلام والعمل بما جاء به؛ كما قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏.‏‏]‏؛ فدليل المحبة هو الاتباع والاقتداء وتطبيق سنته عليه الصلاة والسلام وترك ما نهى عنه وحذّر منه، وقد حذّر من البدع والخرافات، وحذّر من الشرك وحذّر من وسائل الشرك؛ فالذي يعمل هذه الأشياء لا يكون محبًّا للرسول صلى الله عليه وسلم، ولو ادعى ذلك؛ لأنه لو كان محبًّا له؛ لتبعه؛ فهذه مخالفات وليست اتباعًا للرسول صلى الله عليه وسلم، والمحب يطيع محبوبه ويتبع محبوبه ولا يخالفه‏.‏
فمحبته صلى الله عليه وسلم تقتضي من الناس أن يتَّبعوه، وأن يقدِّموا سنته على كل شيء، وأن يعملوا بسنته، وأن يُنهى عن كل ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم‏.‏ هذه هي المحبة الصحيحة، وهذا هو دليلها‏.‏
أما الذي يدَّعي محبته عليه الصلاة والسلام، ويخالف أمره؛ فيعصي ما أمر به، ويفعل ما نهى عنه، ويحدث البدع من الموالد وغيرها، ويقول‏:‏ هذه محبة الرسول صلى الله عليه وسلم‏!‏ هذا كاذب في دعواه ومُضلِّل يريد أن يُضلِّل الناس والعوام بهذه الدعوة‏.‏
ومن حقه صلى الله عليه وسلم علينا بعد اتباعه الصلاةُ والسلام عليه؛ فهي مشروعة، وتجب في بعض الأحيان وفي بعض الأحوال؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 56‏.‏‏]‏، فنصلي عليه في الأحوال التي شرع الله ورسوله الصلاة عليه فيها‏.‏
وأما البدع والمنكرات؛ فهذه ليست محلاً للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم‏!‏ كيف يصلي عليه؛ وهو يخالف أمره، ويعصي نهيه، ويرتكب ما حرَّمه الله ورسوله‏؟‏‏!‏ كيف يصلي عليه؛ وهو يحدث الموالد والبدع، ويترك السنة، بل ويُضَيِّع الفرائض‏؟‏‏!‏
101 ـ سائل يقول‏:‏ نقيم بين حين وآخر مأدبة عشاء، وننحر الذبائح لوجه الله تعالى، ونجتمع على بركة الله، ونقيم ليلة نذكر فيها الله سبحانه وتعالى وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاء القصائد في مدح الرسول وآله وأصحابه الأطهار، ويرافقها ضرب الدفوف؛ فهل هذا العمل جائز أم لا‏؟‏
هذا من البدع والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تُباعد عن الله عز وجل، وتُوجِب سخطه وعذابه؛ لأن هذه الاحتفالات وما يجري فيها من ذبح الذبائح وإنشاد المدائح كما تقول، وربما تكون مدائح شركية؛ كما في ‏"‏البُردة‏"‏ وغيرها من الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وإطرائه الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏لا تطرُوني كما أطرَت النَّصارى ابنَ مريم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/142‏)‏ من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وهذا الذكر التي تقول‏:‏ إنه يُعمَلُ في هذه الليلة‏!‏ هذا من البدع؛ لأن الذكر لابد أن يكون على الوجه الشرعي، ولابد أن تتبع فيه الأدلة الشرعية؛ بدون أن تحدث له صفة خاصة أو في وقتٍ خاص أو في ليلة خاصة إلا بدليل من الكتاب والسنة‏.‏
ذكر الله لا شك أنه مشروع، ولكن ذكر الله حسب ما ورد في الأدلة في الحالات وفي الصفات وفي الأزمنة التي شرع الله ذكره فيها، أما أن نبتدع ونخصِّص وقتًا أو ليلة لذكر الله عز وجل بدون دليل؛ فهذا من البدع المُحرَّمة‏.‏
وكذلك ما ذكرت من ضرب الدفوف وغير ذلك؛ هذا من المحرَّمِ؛ لأن الدفوف من اللهو من آلات اللهو، وآلات اللهو مُحرَّمة؛ كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يكونُ في أمتي أقوامٌ يستحِلُّونَ الحِرَّ والحريرَ والخَمْرَ والمعازِفَ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج6 ص243‏)‏ من حديث أبو عامر أو أبو مالك الأشعري بلفظ ‏(‏ليكونن من أمتي‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وللحديث بقية‏.‏‏.‏‏]‏، والمعازف هي آلات اللهو باختلاف ألوانها، ومنها الدفوف؛ لأنها آلة لهو؛ فهذا أيضًا من المنكرات‏.‏
فهذه الليلة التي تقولها لا يجوز إحياؤها وعملها؛ لأنها تشتمل على بدع وتشتمل على منكرات ومخالفات‏.‏
102 ـ يوجد لدينا رجل في العمل يقرُّ الاحتفال بالمَولد ‏(‏أي‏:‏ مولد النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏، ويدافع عنه، ويصرُّ على ذلك؛ هل أهجُرُه في الله أم لا‏؟‏ ماذا أفعل‏؟‏ وجزاكم الله خيرًا‏.‏
الاحتفال بالمولد النبويِّ بدعة، والذي يصوِّبه ويرغِّبُ فيه مبتدع، إذا أصرَّ على ذلك، ولم يقبل النَّصيحة، واستمرَّ على الدَّعوة إلى المولد والتَّرغيب فيه؛ فإنَّه يجب هجره؛ لأنَّه مبتدع، المبتدع لا تجوز مصاحبته‏.‏
103 ـ يوجد في بلدنا جبل، وفي هذا الجبل كهف صغير، ويعتقد بعض الناس أنه الكهف المذكور في القرآن، ولذلك تراهم دائمًا مجتمعين عنده، ويُقرِّبون عنده القرابين، ويذبحون عنده، ويضعون فيه العشرات من الأكفان وهذا الاعتقاد موجود منذ أكثر من مئتي سنة؛ فما هي نصيحتكم لهؤلاء الناس‏؟‏ وما هي قصة الكهف الحقيقي‏؟‏ وأين هو‏؟‏ وفي أي زمان كانت قصة أصحاب الكهف‏؟‏
الكهف الذي ذكر الله في القرآن قصة أصحابه لم يبين الله سبحانه وتعالى في أي زمان هو ولا في أي مكانٍ هو؛ لأنه ليس لنا مصلحة في ذلك، وإنما العبرة فيما حصل لهم من النوم الطويل على حالتهم التي ذكرها الله، ثم إن الله سبحانه وتعالى بعثهم ليكون بذلك عبرة للعباد، ويستدلوا بذلك على البعث من القبور؛ لأن الذي أنام هؤلاء الفتية زمنًا طويلاً ثم بعثهم بعد مدة مع بقاء أجسادهم وشعورهم لم يضع منها شيء؛ هذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى وعلى أنه يبعث من القبور‏.‏
هذا موطن العبرة من هذه القصة، أما معرفة مكان الكهف، أو زمان حصول هذه القصة؛ فهذا ما لم يبينه الله جل وعلا؛ لأنه لا حاجة لنا بذلك‏.‏
وهذا الكهف الذي تذكر لا دليل على أنه الكهف المذكور في القرآن، والكهوف كثيرة في الأرض؛ فما الذي يُميز هذا عن غيره من الكهوف، ويجعله هو الكهف المعني في القرآن‏؟‏‏!‏
وحتى لو ثبت أن هذا هو الكهف المذكور في القرآن؛ فإنه لا يجوز لنا أن نعمل حوله شيئًا من العبادات والطاعات؛ لأن العبادات توقيفية، لا يجوز الإقدام على شيء منها في زمان أو مكان أو نوعية العبادة إلا بتوقيف وأمر من الشارع، أما من أحدث شيئًا لم يأمر به الشارع من العبادات أو مكانها أو زمانها أو صفتها؛ فهي بدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/592‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ويقول عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخُلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعدي؛ تمسَّكُوا بها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمور؛ فإنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بدعةٌ، وكُلَّ بدعَةٍ ضلالةٌ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126، 127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ 7/319، 320‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ويقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رَدّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/167‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏مَن عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو رَدّ‏)‏ ‏[‏رواها الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/156‏)‏ مُعلقًا، ورواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1343، 1344‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
بل إن هذه الأعمال التي ذكرتها تتجاوز البدعة إلى الشرك؛ لأن التقرب إلى الأمكنة أو التقرب إلى الأموات أو التقرب إلى أي مخلوقٍ بنوع من العبادة يُعتبر شركًا أكبر مُخرِجًا من المِلَّة‏.‏
فالواجب عليكم أن تنصحوا وتبينوا لهم عقيدة التوحيد، وأن المؤمن يجب عليه إخلاص العقيدة وإخلاص التوحيد، وإخلاص العبادة لله عز وجل، كما يجب عليه أن يتجنب البدع والمُحدَثَات، ولا يعتمد على حكايات العوام وأخبار العوام، ولا يقتدي بأفعال العوام والجُهّال ولا العلماء المُضلِّلين، وإنما يعتمد على ما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يستطيع معرفة ذلك من الكتاب والسنة؛ فعليه أن يسأل المحقِّقين من أهل العلم والراسخين في العلم والناصحين لعباد الله المُتَمَسِّكين بالعقيدة الصحيحة الذين يُمَيِّزون بين الحق والباطل وبين الهُدى والضلال، حتى يكون على بصيرة من أمره، ولا سيما أمر العقيدة؛ فإنَّ العقيدة هي ضمانة النجاح في الدنيا والآخرة والخلاص من عذاب الله؛ فمن فسدت عقيدته؛ فإنه يكون خاسرًا في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، ومن صلُحت عقيدته؛ يكون هو السعيد في الدنيا والآخرة‏.‏
إذن؛ فالأمر ليس أمرًا سهلاً، وإنما أمرٌ تترتب عليه النجاة أو الهلاك‏.‏
فعلى المسلم أن يهتم بعقيدته، وأن يحافظ عليها، وأن يسأل عما أشكلَ عليه أهل العلم المخلصين الذين هم القدوة وبهم الأسوة، يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 43‏.‏‏]‏‏.‏ وبالله التوفيق‏.‏
104 ـ سائلة تقول‏:‏ أنا من عائلة ديِّنة، وأقيم الفرائض والحمد لله على هدايته، وقد كان أجدادي في حياتهم محافظين على المبادئ الدينية الصحيحة، وتيمنًا بهم فإننا نقوم بزيارة لقبورهم أنا وأولادي بين فترةٍ وأخرى، وننذر لوجه الله تعالى ولروح النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والآل الكرام، ونفي لهم بالنذور بإطعام المساكين أو توزيع الطعام لوجه الله ولروح النبي صلى الله عليه وسلم ولأرواحهم؛ فهل يجوز لنا ذلك‏؟‏
أمَّا ما ذكرت السائلة من صلاح آبائها وصلاحها؛ فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك صحيحًا، وأن يتقبل منا ومنهم‏.‏
وأما ما ذكرت من التيمن بزيارة قبورهم؛ فهذا لا يجوز؛ لأن التيمن بزيارة القبور يعتبر من البدع أو من وسائل الشرك، وإذا كان القصد التبرك بزيارة قبورهم والاستغاثة بهم؛ فهذا شرك أكبر‏.‏
وإنما تُزَارُ القبورُ لأحد أمرين‏:‏
إما للدعاء للأموات والاستغفار لهم والترحم عليهم‏.‏
وإما للاعتبار بحالهم وتذكر الآخرة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏زُورُوا القُبورَ؛ فإنّها تُذَكِّرُ بالآخرة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/671‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏ فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/9‏)‏ من حديث بريدة بلفظ‏:‏ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏ فزوروها‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/216‏)‏ من حديث بريدة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏ فزوروها؛ فإن في زيارتها تذكرة‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
وأما أن تُزَارَ للتيمن بها؛ فهذا لا يجوز ولا يُقرّه الإسلام‏.‏
وأما ما ذكرت من فعل النذور لروح النبي صلى الله عليه وسلم ولأرواح الموتى؛ فهذا أيضًا لا يجوز؛ لأنه لم يكن من هدي السلف الصالح والقرون المُفَضَّلة أنهم ينذرون لروح النبي صلى الله عليه وسلم، وربما يكون هذا شركًا أكبر إذا كان النذر لروح النبي من باب التقرب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النذر عبادة، وصرفها لغير الله من الشرك الأكبر، وإن كان القصد أنهم ينذرون لله عز وجل ويهدون ثوابه لروح النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا من البدع؛ لأنه شيء لا دليل عليه من الكتاب والسنة ولم يفعله السلف الصالح، وإنما الواجب للنبي صلى الله عليه وسلم علينا محبته واتباعه والاقتداء به والصلاة والسلام عليه وسؤال الله الوسيلة له بعد الأذان‏.‏
وكذلك النذر لأرواح الموتى؛ إما أنه من وسائل الشرك، أو من الشرك‏.‏
إذا كان النذر يُقصَدُ به التقرب إلى الموتى فإنه يكون شركًا أكبر يُخرِجُ من المِلَّة، وإن كان النذر لله سبحانه وتعالى ويُهدى ثوابُهُ للموتى؛ فهذا أيضًا لم يَرِد به دليلٌ؛ فهو بدعة ووسيلة للشرك‏.‏
وإنما الذي ينبغي أن يُتصَدَّق عن الميت على المحتاجين؛ فالمشروع هو الصدقة عن الميت والدعاء للميت والاستغفار له، هذا هو المشروع لأموات المسلمين، وكذلك زيارة قبورهم على ما ذكرنا بالدعاء لهم والاستغفار لهم والترحم عليهم والاعتبار بحالهم، وهذا خاص بالرجال، أما المرأة؛ فلا يجوز لها أن تزور القبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَعَنَ الله زوَّاراتِ القبورِ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏المسند‏"‏ ‏(‏2/337‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/12‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/502‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏لَعَنَ الله زائراتِ القُبُورِ‏)‏ ‏[‏رواها الإمام أحمد في ‏"‏المسند‏"‏ ‏(‏1/229‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/216‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/4‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏
واللعن يقتضي أن هذا كبيرة من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمرأة أن تزور القبور، وإنما هذا خاص بالرجال‏.‏
105 ـ في مجتمعنا عادة بالنسبة للمقابر؛ فكل أسرة من الأسر تخصص لها مكانًا من أرضها مقبرة لا يُقبَرُ فيها إلا من كان من تلك الأسرة، وأحيانًا تكون الأرض المخصصة للمقبرة صغيرة، فيدفنون في القبر الواحد أكثر من ميت، إلى أن يصير أحيانًا أربع طبقات أو خمس، إضافة إلى نوع آخر من القبور تسمية ‏"‏الفاسقية‏"‏، وهذه لا يكون فيها من الموتى عدد كبير؛ فهل يجوز هذا العمل أم لا‏؟‏
من حيث المبدأ؛ لا مانع أن تُخصِّص الأسرة أرضًا تكون مقبرة لأفرادها، ما دام أن هذه البقعة صالحة للدفن وواسعة تسع أمواتًا كثيرين؛ فإذا انتهت وضاقت ولم يبق فيها محل للقبور المستقبلة؛ فإن الموتى يُدفنون في مكان آخر ولا يُدفنون في القبور التي سبقوا إليها؛ لأنه لا يجوز أن يُدفن في القبر المتقدم ميت جديد إلا بعد أن يتحلل جسم الأول ويفنى ولا يبقى له بقية، أما ما دام الجسم الأول له بقية وله رفات؛ فإنه لا يجوز أن يُدفَن معه ميت آخر؛ لأن الأول سبق إلى هذا وصار مًختصًا به‏.‏
وكذلك لا يجوز أن يُدفَن في الأرض المملوكة لأشخاص أو الموقوفة لأموات أسرة معينة أن يُدفن معهم غيرهم‏.‏
وإذا كان القتلى كثيرين، وليس هناك من يستطيع دفن كل ميت على حدة؛ فعند الحاجة لا بأس أن يُدفنَ في القبر الواحد أكثر من ميت؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في شهداء أُحد رضي الله عنهم (5).‏
106 ـ آبائي وأجدادي كانوا يقيمون الفرائض الدينية، ولنا مقبرة خاصة كانوا قد دُفِنُوا فيها، ودُفِنَ معهم من أبناء منطقتنا وأبناء العشائر الأخرى، وشُيدت لبعض المتمسِّكين منهم بالدين كثيرًا بعضُ القبور المتميزة؛ فهل يجوز لنا أن نسكن بالقرب منهم على المقبرة، وإن كان بعض منا قد سكن منذ مدة؛ فماذا يفعل‏؟‏
إن كان القصد أنه بُني على بعض هذه القبور قباب وبُني عليها بنايات تعظيمًا لها؛ فهذا لا يجوز، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتخذون القبور مساجد (6)، ونهى عن البناء على القبور (7)؛ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج‏:‏ ‏(‏ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن لا تَدَعَ قبرًا مُشرِفًا إلا سوَّيتَه ولا صورةً إلا طمستها‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/666‏)‏ من حديث أبي الهياج الأسدي رضي الله عنه‏.‏‏]‏، والقبر المُشرف هو المرفوع بالبناء وغيره؛ لأن هذا يلفت النظر إليه، وربما يكون وسيلة للشرك به مع تطاول الزمن وفشوّ الجهل بين الناس كما هو الواقع‏.‏
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور، ونهى عن تجصيصها (8)، ونهى عن الكتابة (9) عليها، ونهى عن إسراجها بالسرج والقناديل؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَعَنَ الله زوَّارات القبورِ والمُتَّخذين عليها المساجدَ والسُّرُجَ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏المسند‏"‏ ‏(‏2/337‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/12‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/502‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
أما إذا كان القصد أنها بُني عليها مساكن، وجُعل طابقٌ فوق القبور؛ فهذا لا يجوز؛ لأن فيه إهانة للقبور، أما السكن في المساكن القريبة؛ فلا مانع منه، إذا لم يحصل منه أذية للقبور وامتهان لها‏.‏
107 ـ يضع بعض الناس علامة حجر كبير من الرُّخام أو وسمًا معينًا لمعرفة قبر الميِّت حتى تتمَّ زيارته بدون التبرُّك وخلافه‏؟‏
لا بأس بوضع الحجر على القبر؛ ليكون علامة يُعرَفُ بها عند زيارته؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا في قبر عثمان (10)، أمَّا الكتابة على القبر؛ فإنَّها لا تجوز؛ لنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك (11)، ولأنَّ هذا وسيلة إلى الشِّرك والغلوِّ فيها‏.‏
108 ـ هل يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو كتابة آية من القرآن في ذلك‏؟‏
لا يجوز كتاب اسم الميت على حجر عند القبر أو على القبر؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك (12)، حتى ولو آية من القرآن، ولو كلمة واحدة، ولو حرف واحد؛ لا يجوز‏.‏
أمَّا إذا علَّم القبر بعلامة غير الكتاب؛ لكي يُعرف للزِّيارة والسَّلام عليه، كأن يخطَّ خطًّا، أو يضع حجرًا على القبر ليس فيه كتابة، من أجل أن يزور القبر ويسلِّم عليه؛ لا بأس بذلك‏.‏
أمَّا الكتابةُ؛ فلا يجوز؛ لأنَّ الكتابة وسيلة من وسائل الشِّرك؛ فقد يأتي جيلٌ من الناس فيما بعد، ويقول‏:‏ إنَّ هذا القبر ما كُتِبَ عليه إلا لأنَّ صاحبه فيه خيرٌ ونفعٌ للناس، وبهذا حدثت عبادة القبور‏.‏
109 ـ يوجد لدينا في بعض المناطق، وخصوصًا عشيرتي التي أنتمي إليها، ما يلي في موضوع العزاء والوفياتِ‏:‏ يقومون بالتَّوافُدِ لدى أقرباء الميت في أعداد كبيرة، وقد يقومون بنصب الخيام في بعض الأحيان لكثرة الزِّحام، ويستقبلون الوفود من العشائر الأخرى، وكل عشيرة معهم شخص يقومُ بالتحدُّث، ويسرد جمعًا من الآيات في الموت والصَّبر، قبل أن يتناول القهوة، ويقول من العبارات كثيرًا؛ مثل‏:‏ ‏"‏بلغنا مَن تقدَّست روحُه إلى الجنَّةِ‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏ وأشباهِها ممَّا هو كثير لا يتَّسع المقام لذكره؛ نأمل منكم إخبارنا عن حكم ذلك‏؟‏ وإيضاح الصَّحيح في أمر التَّعزية من جهة المدَّة والمكان والأدعية التي يقولُها من يقدم على مثل هذه الجموع، نُريدُ ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم، كما أنّني آمُلُ وأرجو من الله أولاً ثمَّ من أصحاب الفضيلة العلماء وفَّقهم الله الاطلاع على هذه المخالفات في التَّعازي عند كثير من العشائر، وكتابة رسائل في ذلك إذا أمكن ذلك؛ ليعِيَ الناسُ الأحكام الشرعيَّة‏.‏
التَّعزية عند الوفاة مشروعة؛ لأنَّها من باب المواساة، وفيها دعاء للميِّت، وذلك بأن يقول المعزِّي لمَن أُصيب بوفاة قريبٍ‏:‏ أحسنَ الله عزاءَك، وجَبَر مصيبَتَكَ، وغفرَ لميِّتِك‏.‏
ولا ينبغي أن يكون هناك مبالغات في العزاء؛ من نَصبِ الخيام، والاجتماع الكبير، والتوسُّع في صنعة الطَّعام والولائم؛ قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏كُنَّا نَعُدُّ صنعة الطَّعام والاجتماع إلى أهل الميِّت مِن النِّياحة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/204‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/514‏)‏؛ من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وإنَّما السُّنَّة أن يُصنَعَ طعامٌ من أحد أقارب المُصابين أو جيرانهم، يُقَدَّمُ إليهم بقدر حاجتهم، من باب المواساة لهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم لأهله لمَّا بلَغَهُ استشهادُ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏اصنعوا لآل جعفرٍ طعامًا؛ فإنَّه جاءَهم ما يشغَلُهم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏1/205‏)‏ من حديث عبد الله بن جعفر، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/379‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/191‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/514‏)‏؛ كلهم من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
ثم إنه لا ينبغي الجلوس للعزاء في مكان مخصَّص والإعلان عن ذلك، وإنما يعزَّى المصاب إذا التقي به في أيِّ مكان، ويكون في الوقت القريب من حصول الوفاة‏.‏ والله أعلم‏.‏
110 ـ في مدينتنا عادةٌ غريبٌ، وذلك أنهم إذا دفنوا الميِّتَ، وانتهوا من دفنه؛ وقف رجل على القبر، وقال‏:‏ يا فلان ابن فلان‏!‏ إذا سُئِلتَ‏:‏ مَن ربُّك‏؟‏ فقل‏:‏ ربِّي الله‏.‏ وإذا سُئِلتَ‏:‏ ما دينُك‏؟‏ فقل‏:‏ ديني الإسلام‏.‏ وإذا سُئلتَ‏:‏ من نبيُّك‏؟‏ فقل‏:‏ محمد صلى الله عليه وسلم فهل لهذه العادة أصل في دين الله عز وجل من قريب أو بعيد‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏
هذا ما يسمَّى بالتَّلقين، ويُروى فيه حديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يجوز فعله، ويجب إنكاره؛ لأنه بدعة‏.‏
والثَّابتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه إذا فُرِغَ من دفن الميِّتِ؛ وقف على قبره وهو وأصحابه، وقال‏:‏ ‏(‏استغفروا لأخيكم، واسألوا له التَّثبيت؛ فإنه الآن يُسأل‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/213‏)‏ من حديث هانئ مولى عثمان بن عفان، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏1/370‏)‏ من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وذلك بأن يُقال‏:‏ اللهم‏!‏ اغفر له، واللهم‏!‏ ثبِّتهُ‏.‏ ولا يُنادى الميِّت ويلقَّنُ كما يفعل هؤلاء الجهَّالُ‏.‏ والله أعلم‏.‏
111 ـ أسمعُ من بعض الناس أنَّ هناك صلاة تسمَّى صلاة الفدية أو الهديَّة، تنفعُ الميِّتَ في قبره؛ فما صحَّةُ تلك الأقاويل‏؟‏
ليس هناك صلاة تسمَّى صلاة الفدية أو الهدية تنفع الميِّتَ، وهذه الصلاة مُبتدعَةٌ مكذوبة، والذي ينفعُ الميِّت أن يُعملَ له ما شرعَهُ الله من الصَّدقة والدُّعاء والاستغفار له والحج والعمرة له، وما لم يثبُت بدليل صحيح؛ فهو بدعة يضرُّ ولا ينفع؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن عملَ عملاً ليس عليه أمرُنا؛ فهو رَدٌّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1343-1344‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
112 ـ ما حكم بناء القبور في المساجد‏؟‏ وخاصَّة أنَّ شخصًا قال لي‏:‏ إنَّ قبر الرَّسول صلى الله عليه وسلم موجود في المسجد النبوي‏؟‏
نهى النبيُّ عن البناء على القبور، وأمر بتسويتها (13)؛ لأنَّ البناء على القبور وسيلة إلى عبادتها من دون الله؛ كما حصل للأمم السابقة، وكما حصل في الإسلام، لمَّا بنى الجهَّال والضُّلاَّل على القبور؛ حصل من الشرك بسبب ذلك ما هو معلوم‏.‏
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُبْنَ على قبره، وإنَّما دُفن في بيته صلى الله عليه وسلم خوفًا من أن يُتَّخَذَ مسجدًا لو دُفِنَ بارزًا مع أصحابه؛ كما قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها‏:‏ لما نُزلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يعني‏:‏ نزل به الموتُ‏)‏؛ جعل يطرحُ خميصةً لهُ على وجهه، فإذا اغتمَّ بها؛ كشفها، فقال وهو كذلك‏:‏ ‏(‏لعنةُ الله على اليهودِ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ‏)‏؛ يحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك؛ لأبرزَ قبره؛ غير أنَّه خُشِيَ أن يُتَّخذ مسجدًا‏.‏ رواه الشَّيخان (14)
وبه يُعلَمُ أنه لم يُبنَ على قبر النبي صلى الله عليه وسلم قصدًا، وإنما دُفن في بيته؛ حفاظًا عليه من الغلوِّ فيه وافتتان العوامِّ به‏.‏ والله أعلم‏.‏
113 ـ يرى البعض من الناس أنَّ لقبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم مزيَّةً خاصَّة على غيره، تُبرِّرُ الطَّواف به والدُّعاء والصلاة إليه، إلى أيِّ حدٍّ يصحُّ هذا القول‏؟‏ وهل لزيارة قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أدبٌ خاصٌّ‏؟‏
قبر النبي صلى الله عليه وسلم تُشرعُ زيارته لمن زار مسجده صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز السَّفر لقصد زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وإنَّما يُشرع السَّفر من أجل زيارة مسجده الشَّريف والصلاة فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثة مساجدَ‏:‏ المسجدِ الحرامِ، ومسجدي هذا، والمسجدِ الأقصى‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/56‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏لا تَشُدُّوا‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/976‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري‏.‏‏]‏؛ بالنَّهي‏.‏
فلا يجوز السَّفر لزيارة القبور؛ لا قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره من الأنبياء والصَّالحين، ولا يجوز السَّفر من أجل الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة، ومن باب أولى منع السَّفر للمساجد المبنيَّة على القبور؛ لأنها مشاهد بُنِيَت للشِّرك وعبادة غير الله‏.‏
وآداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنَّ مَن زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يسلِّمُ عليه، فيقول‏:‏ السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته‏.‏ ثم يسلِّم على صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (15)، ثم لِينصرف‏.‏
ولا يجوز الطَّواف بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا بقبر غيره من الأولياء والصَّالحين؛ لأنَّ الطَّواف من خصائص الكعبة المشرَّفة، وهو عبادة لله سبحانه، لم يَشرَعها في غير الكعبة‏.‏
ولا يجوز الدُّعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره، وإنَّما يكون الدُّعاء في المساجد والمشاعر المقدَّسة في عرفات ومزدلفة ومنى وفي الطَّواف بالبيت والسَّعي بين الصَّفا والمروة، هذه هي الأماكن المخصَّصة للدُّعاء، وما سواها لا مزيَّة له؛ فلا يجوز تخصيصه إلا بدليل، والدُّعاء عند القبور وسيلةٌ إلى الشِّرك؛ فالدُّعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم وعند قبر غيره بدعة ووسيلة من وسائل الشِّرك‏.‏
والأدب الذي ينبغي عند زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم هو الهدوء وعدم رفع الصَّوت، ويجب تجنُّبُ البدع التي يفعلها بعض الجهَّال عند قبره صلى الله عليه وسلم وطلب الحوائج منه، وهذا شركٌ أكبر‏.‏
وكذلك يُكره تكرار زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلَّما دخل المسجد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال‏:‏ ‏(‏لا تتَّخذوا قبري عيدًا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/367‏)‏ من حديث أبي هريرة، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/225‏)‏ من حديث أبي هريرة‏.‏‏]‏، ولم يكن الصَّحابة رضي الله عنهم يزورون قبره كلَّما دخلوا المسجد، وإنما كان بعضُهم يفعل ذلك إذا قدم من سفر؛ كابن عمر رضي الله عنه (16)، والله أعلم‏.‏
114 ـ كان يوجد في قريتنا رجل صالح، فلمَّا مات؛ قام أهلُه بدفنه بالمسجد الصَّغير الذي نؤدِّي به الصلاة، والذي بناه هذا الرجل في حياته، ورفعوا القبر عن الأرض ما يقارب المتر، وربَّما أكثر، وبعد عدَّة سنوات قام ابنُه الكبير بهدم المسجد الصَّغير، وإعادة بنائه على شكل مسجد جامع أكبر من الأوَّل، وجعل هذا القبر في غرفة منعزلة داخل المسجد؛ فما حكم هذا العمل والصلاة في المسجد‏؟‏
بناء المساجد على القبور أو دفن الأموات في المساجد؛ هذا أمر يحرِّمه الله ورسوله وإجماع المسلمين، وهذا من رواسب الجاهليَّة، وقد كان النَّصارى يبنون على أنبيائهم وصالحيهم المساجد؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا ذكرت له أمُّ سلمة كنيسةً رأتها بأرض الحبشة وما فيها من التصاوير؛ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أولئكَ إذا ماتَ فيهمُ العبدُ الصَّالحُ ‏(‏أو‏:‏ الرَّجُلُ الصَّالحُ‏)‏؛ بَنَوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك التَّصاوير، أولئك شِرارُ الخلق عند الله‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/112‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/377، 378‏)‏ من حديث جندب رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من الأحاديث التي حذَّر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسلُكَ هذه الأمة ما سلكت النَّصارى والمشركون قبلهم من البناء على القبور؛ لأنَّ هذا يُفضي إلى جعلها آلهة تُعبَدُ من دون الله عز وجل؛ كما هو الواقع المشاهد اليوم؛ فإنَّ هذه القبور والأضرحة أصبحت أوثانًا عادت فيها الوثنيَّة على أشدِّها؛ فلا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم‏.‏
والواجب على المسلمين أن يحذَروا من ذلك، وأن يبتعدوا عن هذا العمل الشَّنيع، وأن يزيلوا هذه البنايات الشِّركيَّة، وأن يجعلوا المقابر مبتعدة عن المساجد، المساجد للعبادة والإخلاص والتوحيد، ‏{‏فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 36‏.‏‏]‏، والمقابر تكون لأموات المسلمين، وتكون متَّحدة؛ كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرون المفضَّلة‏.‏
أمَّا أن يُدفنَ الميِّتُ في المسجد، أو يُقام المسجد على القبر بعد دفنه؛ فهذا مخالف لدين الإسلام، مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، وهو وسيلة للشِّرك الأكبر الذي تفشَّى ووقع في هذه الأمة بسبب ذلك‏.‏
والحاصل أنَّه يجب عليكم أيُّها السائل، وكلَّ من يسمعُ من المسلمين، يجب عليهم إزالة هذا المنكر الشنيع‏.‏
فهذا الميِّتُ الذي دُفِنَ في المسجد بعد بناء المسجد واستعماله مسجدًا، ثم دُفِنَ فيه هذا الميت، الواجب أن يُنبشَ هذا الميت، ويُنقلَ، ويُدفَنَ في المقابر، ويُخلَّى المسجد من هذا القبر، ويُفرَّغَ للصلاة وللتَّوحيد وللعبادة، هذا هو الواجب عليكم‏.‏
115 ـ في قريتنا مسجد، وبداخله قبر شيخ يُدعى البُستانيَّ؛ فهل يجوز إزالة هذا القبر المبنيّ بداخل المسجد، ويُدخَلَ مكانه في ساحة المسجد‏؟‏ فهناك أناس يقولون‏:‏ إنَّ هذا خطأ‏.‏ وأناس يقولون‏:‏ الشيخ لا يضرُّ ولا ينفعُ؛ فلا داعي لإزالته‏.‏ علمًا بأنَّ فيه حجرة تُذبح فيها الذَّبائح من نذور وغيره؛ فماذا علينا أن نفعل به‏؟‏ أرشدونا وفَّقكم الله‏.‏
لقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من بناء المساجد على القبور واتِّخاذها معابد‏:‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اشتدَّ غضبُ الله على قومٍ اتَّخذوا مقابر أنبيائهم وصالحيهم مساجد‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مالك في ‏"‏الموطأ‏"‏ ‏(‏1/172‏)‏ من حديث عطاء بن يسار، ورواه عبد الرزاق الصنعاني في ‏"‏مصنفه‏"‏ ‏(‏1/406‏)‏ من حديث زيد بن أسلم بدون ذكر ‏(‏وصالحيهم‏)‏‏.‏‏]‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنَّ مَن كان قبلَكُم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا؛ فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد؛ فإنِّي أنهاكُم عن ذلك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/377-378‏)‏ من حديث جندب‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ وغير ذلك من الأحاديث الواردة في منع هذا العمل القبيح الذي يؤول بالقبور إلى أن تكون أوثانًا تُعبَدُ من دون الله، وتُذبحُ لها القرابين، وتُقرَّبُ لها النُّذور؛ كما ذكر السّائل؛ فإنّ هذا من أفعال الجاهليَّة، ومن فعل اليهود والنَّصارى مع أنبيائهم والصَّالحين منهم، وهذا هو الذي أوقع الشِّرك في قوم نوح عليه السَّلام لمَّا غلَوا في الصَّالحين والأموات، وعبدوهم من دون الله، فنسأل الله العافية والسَّلامة‏.‏
وقد وقع ما حذَّر منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة، فاتُّخذت القبور مساجد في كثير من الأمصار، وبُنِيَت عليها القباب، وصُرِفَت لها كثيرٌ من أنواع العبادات، وطُلِبَت منها الحوائج من دون الله عز وجل؛ فلا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم‏.‏
أمَّا ما سأل عنه من أنه‏:‏ هل يُخرجُ القبر من المسجد أو لا‏؟‏ فالواجب على المسلمين أن ينظروا في هذا الأمر‏:‏ فإن كان القبر سابقًا على المسجد، وبُني المسجد عليه بعد ذلك؛ فالواجب هدمُ المسجد وإبقاءُ القبر على ما هو عليه؛ لأن الأحقِّيَّة للقبر، والمسجد هذا مسجد أسِّسَ على الشِّرك وعلى معصية الله ورسوله، ويجب هدمُهُ‏.‏ أمَّا إذا كان العكس، وهو أنَّ المسجد بُنِيَ من الأوَّل على أساس شرعيٍّ وعقيدة سليمة، ثمَّ دفن فيه بعد ذلك؛ فالواجب نبشُ القبر، وإخراجه من المسجد، ودفنه في المقابر، وعود المسجد إلى شرعيَّته، والتخلُّص من هذا الجرم العظيم‏.‏
هذا هو ما يجب على المسلمين، وفَّق الله الجميع لما يحبُّه ويرضاه، ووفَّق هذه الأمة إلى أن تطبِّقَ أحكام دينها وما وصَّى به رسولها صلى الله عليه وسلم‏.‏
116 ـ لو فُرِضَ أن المسجد هو السابق قبل القبر؛ فما حكم الصلاة فيه قبل أن يُنبشَ القبر‏؟‏
ما دام المسجد فيه القبر، ويُقصَدُ للعبادة وذبح النُّذور؛ فلا تجوز الصلاة فيه؛ لأنه أصبح أثرًا شركيًّا ومعبدًا جاهليًّا لا تجوز الصلاة فيه‏.‏
117 ـ وجدت في كتاب ‏"‏الرَّوض المُربِع‏"‏ للإمام أحمد بن حنبل أنَّ سبعة أماكن لا تجوز فيها الصلاة، ومن هذه الأماكن المقبرة، وعندنا في بلدنا يصلُّون على الميِّت في المقبرة قبل الدَّفن؛ فما حكم ذلك‏؟‏
السائل يقول‏:‏ وجدتُ في ‏"‏الرَّوض المُربِع‏"‏ للإمام أحمد بن حنبل، والكتاب المذكور ليس للإمام أحمد بن حنبل، لكنَّه لأحد مشايخ مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو منصور بن يونُسَ البَهوتيُّ، شرح فيه ‏"‏زاد المُستنقع‏"‏ للشيخ موسى بن سالم الحجاويِّ، والكتاب المذكور وأصله كلاهما على المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل عند المتأخِّرين من أصحابه‏.‏
ومن المواضع التي ذُكر أنَّ الصلاة لا تصحُّ فيها‏:‏ المقبرة، وهي مَدفَنُ الموتى‏.‏
وقد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه الترمذيُّ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الأرضُ كلُّها مسجدٌ؛ إلا المقبرة والحمَّام‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/431-432‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/130‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وروى مسلم عن أبي مرثدٍ الغنويِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تجلسوا على القبور، ولا تُصلُّوا إليها‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/668‏)‏ من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وعلى هذا؛ فإن الصلاة في المقبرة لا تجوز، والصلاة إلى القبور لا تجوز؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّنَ أنَّ المقبرة ليست محلاً للصَّلاة، ونهى عن الصَّلاة إلى القبر، والحكمة من ذلك أنَّ الصلاة في المقبرة أو إلى القبر ذريعة إلى الشِّرك، وما كان ذريعة إلى الشِّرك؛ كان محرَّمًا؛ لأنَّ الشارع قد سدَّ كلَّ طريق تؤدِّي إلى الشِّرك، والشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، فيبدأ أولاً في الذَّرائع والوسائل، ثم يبلغ به الغايات‏.‏
فلو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى صلاة فريضة أو صلاة تطوُّع في مقبرة أو إلى قبر؛ فصلاته غير صحيحة‏.‏
أما الصلاة على جنازة؛ فلا بأس بها؛ فقد ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر في قصَّة المرأة أو الرجل الذي كان يقمُّ المسجد، فمات ليلاً، فلم يخبر الصَّحابة النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فلمَّا أصبح؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏دُلُّوني على قبره _أو‏:‏ قبرها_‏)‏‏.‏ فدلُّوه، فصلَّى عليه صلوات الله وسلامُه عليه ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏صحيح البخاري‏"‏ ‏(‏2/92‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
فيُستثنى من الصلاة الصلاة على القبر، وكذلك الصلاة على جنازة قبل دفنها؛ لأن هذه صلاة خاصَّة تتعلَّق بالميِّت؛ فكما جازت الصلاة بعد الدَّفن على الميت؛ فإنها تجوز الصلاة عليها قبل الدَّفن‏.‏
118 ـ
في بلدتي عادات جاهلية، وخاصة عندما يموت أحد الناس، تقوم النساء بالحضور عند أهل الميت، ويقمن بالنياحة الشديدة والبكاء المتواصل، وعندما تسير الجنازة بعد غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه؛ يتبعها النساء باللطم والنياحة ووضع التراب على رؤوسهن، دون أن ينكر عليهن أو ينهاهن أحد خشية من أن يقمن بالدعاء عليه، وتبقى النساء كذلك حتى الانتهاء من دفنه، ثم تقوم أم الميت أو أخته بوضع نوع من الطعام أو الفاكهة على قبره، مدعيات أن الميت يأكلها في الليل؛ حيث إنهم إذا وضعوها لا يجدون منها في الصباح إلا القليل، ولكن الحقيقة أن الحيوانات البرية المطلقة هي التي تأكل ذلك دون علم أهل الميت، وبعد أربعين يومًا من وفاته يقوم أهله أو أقرباؤه بعمل عشاء كبير، يحضره لفيف من الأهل والأقرباء والغرباء أحيانًا، وبعد الأكل تُشربُ القهوة والشاي، وما تبقى يُسكَبُ على الأرض حُزنًا على الميت، وبعدها تنتهي التعزية، ويذهب الناس، ويفعلون ذلك بكل إنسان يموت‏.‏
والسؤال‏:‏ ما هو حكم هذه الأفعال‏؟‏ وما حكم من يفعلها‏؟‏ وما هي نصيحتكم لهؤلاء الناس‏؟‏
هذا السؤال يتكون من ذكر عدة أمور، وكلها منكرات يفعلونها‏:‏
الأمر الأول‏:‏ النياحة على الميت، والنياحة مُحرَّمة وكبيرة من كبائر الذنوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏النائحَةُ إذا لم تَتُب قبل موتها؛ تُقام يوم القيامة وعليها سربالٌ من قطران ودرع من جَرَبٍ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج2 ص644‏)‏ من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ولعن صلى الله عليه وسلم الحالقة والصالقة والشاقة (17)، والحالقة هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والشاقة هي التي تشق ثوبها عند المصيبة‏.‏
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن النياحة من أمر الجاهليَّة (18)؛ فالواجب التوبة من ذلك وترك النياحة على الميت؛ لأن هذا من التسخط على قدر الله وقضائه، والواجب عند ذلك إظهار الصبر والتحمل والاحتساب؛ يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 155-157‏.‏‏]‏، ويقول سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 11‏.‏‏]‏؛ قال بعض السلف‏:‏ ‏{‏يُؤْمِن بِاللَّهِ‏}‏‏:‏ يعلمُ أن المصيبة من عند الله فيرضى ويُسلِّم ‏(19).‏
الأمر الثاني‏:‏ اتباع النساء الجنازة ودخولهن المقبرة، والنساء ممنوعات من اتباع الجنائز ومن دخول المقابر وزيارتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَعَنَ الله زائراتِ القُبُورِ والمتَّخذينَ عليه المساجد والسُّرج‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏المسند‏"‏ ‏(‏1/229‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏"‏لن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/216‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
فاتباع الجنائز وزيارة القبور من خصائص الرجال، أما النساء؛ فهي ممنوعة من ذلك؛ لأنهن ضعيفات، ولا يتحملن، ويظهرن من الجزع والتسخط ما لا يجوز، ولأنهن يفتن الأحياء ويُؤذينَ الأموات‏.‏
الأمر الثالث‏:‏ وضع الطعام على القبر، واعتقاد أن الميت يأكل منه، وهذا خرافة من أمور الجاهليَّة وإضاعة للمال؛ فإنه لا يجوز عمل مثل هذا ووضع الطعام على القبر؛ لأن هذا فيه اعتقاد جاهلي، وفيه إضاعة للمال، بل فيه إهانة للميت أيضًا؛ لأن هذا الطعام سوف يجتمع عليه الحشرات والكلاب والحيوانات والمؤذيات؛ فهذا من السخرية ومن الأمور المضحكة المبكية في الواقع؛ لأنه لا يجوز أن يصدر من المسلمين مثل هذا الذي يضحكُ منه العقلاء؛ فماذا يستفيد الميت من وضع الطعام على قبره‏؟‏‏!‏ واعتقاد أنه يأكل منه؛ هذا اعتقاد باطل؛ لأن الميت قد انتهى من الدنيا، وانتهى من الأكل والشرب، وانتقل إلى الدار الآخرة، ولا يأكل ولا يشرب كما يشرب الأحياء ويأكل الأحياء، وإنما هو في قبره إما في روضةٍ من رياض الجنة وإما في حفرة من حفر النار، وماذا يستفيد من وضع الطعام على قبره‏؟‏‏!‏ ولكن هذا من تلاعب الشيطان بالجُهَّال والأغرار‏.‏
الأمر الرابع‏:‏ عمل وليمة بعد الأربعين بقصد العزاء، وهذا بدعة مُحرَّمة وإضاعة للمال، وفيه إقامة للمآتم التي تشتمل على المُحرَّمات والسخط والجزع من قضاء الله وقدره، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يتأذى بذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنَّ الميِّتَ يُعذَّبُ بما نِيحَ عليه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/81، 82‏)‏ من حديث المغيرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏من نيح عليه يعذب بما نيح عليه‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏الميت يعذب في قبره بما نيح عليه‏)‏ من حديث عمر بن الخطاب‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏
فهذه الاجتماعات وهذا العزاء كما يسمونه وعمل هذه الوليمة؛ كل هذا من الأمور المُبتدعة التي ليست من هَدي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وإنَّما سنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أيام المصيبة أن يُعملَ طعامٌ يُبعَثُ به إلى أهل الميت مساعدةً لهم ومواساةً لهم؛ لأنهم مشغولون بالمصيبة عن عمل الطعام لهم، فيُشرَع لإخوانهم المسلمين أن يعملوا طعامًا يكفيهم ويُرسلون به إليهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اصنَعُوا لآلِ جَعفَر طعامًا؛ فإنهم قد جاءهُم ما يشغَلُهم‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج3 ص379‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج3 ص191‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏ج1 ص514‏)‏، ورواه البيهقي في ‏"‏سننه الكبرى‏"‏ ‏(‏ج4 ص61‏)‏، ورواه الإمام أحمد في ‏"‏المسند‏"‏ ‏(‏ج1 ص205‏)‏؛ كلهم من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما‏.‏‏]‏‏.‏
هذا الذي شرعه صلى الله عليه وسلم، وهو في أيام المصيبة، أما عمل الوليمة بعد الأربعين؛ فهذا لا أصل له في دين الإسلام، وهو من البدع، وإذا انضاف إلى هذا كثرة الاجتماع وتضخيم الولائم؛ فهذا كله من أمور الجاهليَّة‏.‏
119 ـ في بلدنا عادات في المآتم، وهي إقامة أسبوع للميت وعلى رأس الأربعين والحول وفي كل مناسبة من هذه تُذبحُ الذبائح ويحضر الرجال والنساء وتقوم النساء بلطم الخدود والبكاء وشق الثياب وترديد محاسِن الميت وذر الرماد على الرؤوس؛ فما الحكم في إحياء هذه المناسبات والحكم فيما يُفعل فيها مما ذكرت‏؟‏
هذه المناسبات وهذه المآتم من الآصار والأغلال والمنكرات التي يجب على المسلمين تركها والحذر منها والمنع من الإقدام عليها؛ لأنها من المنكرات الظاهرة؛ لما فيها من المنكرات، وهي‏:‏
أولاً‏:‏ إقامة هذه الحفلات والإسراف في هذا الإنفاق إنفاق للمال بالباطل، فهو حرام ومنكر، ولأنه إنفاق لإقامة بدع ومنكرات‏.‏
ثانيًا‏:‏ إقامة هذه الحفلات في الأربعين وفي كذا وفي كذا؛ كل هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان‏.‏
ثالثًا‏:‏ ما يحصل في هذه البدع من المنكرات الأخرى؛ من لطم الخدود وشق الجيوب وذر الرماد على الرؤوس، كل هذا من النياحة التي حرَّمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهى عنها أشد النهي، وقال‏:‏ ‏(‏ليس مِنَّا من ضَربَ الخُدُودَ وشقَّ الجيوبَ ودعا بدعوى الجاهليَّة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج2 ص82‏)‏ من حديث عمر بن الخطاب، بدون ذكر ‏(‏إن‏)‏‏.‏‏]‏، وأخبر‏:‏ ‏(‏أن النائحة إذا لم تَتُب قبل موتها؛ تُقامُ يوم القيامة وعليها سِربَالٌ من قَطرانٍ ودِرعٌ من جَرَبٍ‏)‏ ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏صحيح الإمام مسلم‏"‏ ‏(‏ج2 ص644‏)‏ من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من الأحاديث التي تُحرِّمُ النياحة، سواءٌ عند وفاة الميت مباشرة أو بعد ذلك بمدة‏.‏
والواجب على المسلم أن يصبر ويحتسب؛ كما قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 155-157‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 11‏.‏‏]‏‏.‏
قال بعض السلف في معنى ‏{‏يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏‏:‏ ‏"‏إنه المسلم تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلِّم‏"‏ ‏[‏يروى عن الإمام الحافظ أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك، وانظر ‏"‏تفسير القرآن العظيم‏"‏ لابن كثير ‏(‏ج4 ص375‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
وهذا هو الواجب على المسلمين عند نزول المصائب‏.‏
أما إقامة هذه المآتم وهذه الحفلات وهذه المنكرات بمناسبة موت الأموات؛ فهذا من البدع والمنكرات والمحرمات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهي بالتالي من الآصار والأغلال التي تُحمِّلُ كاهِلَ أهل الميت بالنفقات، وربما يكون هذا من تركة الميت ويكون له ورثة قصّار، فتؤخذ ظلمًا وعدوانًا من حقهم‏.‏
وبعض الجُهَّال يجعل نفقة هذه المآتم المبتدعة المُحرَّمة من الحقوق المتعلقة بتركة الميت مثل تغسيله وتكفينه ودفنه، وهذا خطأ واضح؛ لأن هذه المآتم غير مشروعة، فلا تجوز إقامتها أصلاً ولا تمويلها من تركة الميت ولا من غيرها؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏.‏‏]‏؛ فالواجب منعها والقضاء عليها وبيان هذا للناس حتى يتركوها‏.‏
120 ـ تنفق بعض الجماعات والدُّول أموالاً كثيرة لبناء غُرفٍ وقباب ذات تربة خاصّة على قبور زعمائهم وقادتهم، ويخصُّون ذلك القبر بزيارات منتظمة في كلِّ عامٍ؛ فما حكم الشَّرع في مثل ذلك العمل‏؟‏
بناء القباب على قبور الصَّالحين والزُّعماء والقادة ليس من دين الإسلام، وإنما هو دين اليهود والنصارى والمشركين‏.‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أزواجه لمَّا ذَكَرَت كنيسة بالحبشة فيها من التَّصاوير‏:‏ ‏(‏أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح؛ بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصُّور، أولئك شرار الخلق عند الله‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/375-376‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
قال الإمام الشَّوكاني رحمه الله‏:‏ ‏"‏اعلم أنه قد اتفق الناس؛ سابقُهم ولاحقُهم، وأوَّلُهم وآخرهم، مِن لَدُن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت‏:‏ أنَّ رفع القبور والبناء عليها من البدع، التي ثبت النهي عنها، واشتدَّ وعيدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاعلها؛ كما يأتي بيانه، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏ وذكر الأدلَّة من السُّنَّة، إلى أن قال‏:‏ ‏"‏وفي ‏"‏صحيح مسلم‏"‏ وغيره من أبي الهيَّاج الأسدي؛ قال‏:‏ قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ ألا أبعثكَ على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ ألا أدعَ تمثالاً إلا طمستُه، ولا قبرًا مشرفًا إلا سوَّيتُهُ‏.‏ وفي ‏"‏صحيح مسلم‏"‏ أيضًا عن ثُمامة بن شفيٍّ نحو ذلك ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏صحيح مسلم‏"‏ ‏(‏2/666‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وفي هذا أعظم دلالة على أنَّ تسوية كل قبر مشرف بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع واجبة متعمِّمة؛ فمن إشراف القبور أن يُرفع سَمْكُها، أو يجعل عليها القِباب أو المساجدُ؛ فإنَّ ذلك من المنهيِّ عنه بلا شك ولا شبهة، ولهذا فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث لهدمها أمير المؤمنين، ثم إنَّ أمير المؤمنين بعث لهدمها أبا الهيَّاج الأسديَّ في أيَّام خلافته‏"‏ انتهى كلام الشوكاني رحمه الله (20).‏
والبناء على القبور وسيلة إلى الشرك؛ لأن الناس إذا رأوا هذا البناء وهذه الزَّخارف على القبور؛ اعتقدوا أنها تنفع وتضرُّ، وأنها يُتَبَرَّكُ بها، فزاروها من أجل ذلك، وقدَّموا لها القرابين والنُّذور، وطافوا بها وتمسَّحوا بجُدرانها؛ كما هو الواقع اليوم، وهذا هو الشِّركُ الصَّريح والمنكرُ القبيحُ، وسببُه البناء على القبور وزخرفتها‏.‏
121 ـ يعلِّلُ بعض الناس طوافهم بالقبر أو المزار أو الشجر ونحوه بأنه لمجرَّد التقرُّب بذلك العمل لله سبحانه لخصائص معيَّنة في صاحب ذلك القبر أو المزار أو تلك الشجرة؛ فعملهم لله وليس لذلك الشيء؛ فما حكمُ ذلك‏؟‏
قول بعض الناس‏:‏ إنَّ طوافهم بالقبر أو المزار أو الشجر ونحوه؛ إنه لمجرد التقرُّب إلى الله بذلك العمل؛ لأن صاحب القبر له خصائص وفضائل، ونحن نسأل الله به، وعملُنا لله، وليس ذلك المخلوق؛ هذا القول هو بعينه قول المشركين الأوَّلين‏.‏
كما حكى الله ذلك عنهم بقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 18‏.‏‏]‏، فسمَّى عملهم هذا شركًا وعبادة لغير الله، مع أنهم يقولون‏:‏ فنحن لا نعبد هؤلاء، وإنما نتَّخذُهم وسائط بيننا وبين الله في قضاء حوائجنا‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 3‏.‏‏]‏؛ سمَّاهم كَذَبَةً، وحكم عليهم بالكفر، مع أنهم يقولون‏:‏ نحن لا نعبد هؤلاء المخلوقين، وإنما نريد منهم أن يقرِّبونا إلى الله؛ بأن يتوسَّطوا لنا عنده، ويشفعوا لنا لديه‏.‏
وهذه هي مقالة القبوريين اليوم تمامًا، وقد حكم عليهم الله بالكفر والكذب والشرك، ونزَّهَ نفسه عن فعلهم وعملهم، مع ما في فعلهم هذا من الابتداع في الدِّين، وذلك لأنَّ الله لم يشرع ولا رسولُه الطَّواف بشيء أو زيارة شيء من الأمكنة من أجل العبادة فيها أو الطَّواف بها غير الكعبة المشرَّفة والمساجد الثَّلاثة‏.‏
فمن زعم أنَّ زيارة هذه القبور أو المزارات والطَّواف بها أمر مشروع؛ فهو مبتدع في دين الله‏.‏
122 ـ يقول بعض الناس‏:‏ إن السُّجود على تربة قبر الوليِّ قربة وطاعة؛ لاعتقادهم بقدسيَّة ذلك التُّراب وطهارته؛ فهل لهذا أصل في الشَّرع المطهَّر‏؟‏
السُّجود على التُّربة المسمَّاة تربة الوليِّ‏:‏ إن كان المقصود منه التّبرُّك بهذه التربة والتقرُّب إلى الوليِّ؛ فهذا شرك أكبر‏.‏ وإن كان المقصود التقرُّب إلى الله، مع اعتقاد فضيلة هذه التُّربة، وأن في السُّجود عليها فضيلة كالفضيلة التي جعلها الله في الأرض المقدَّسة في المسجد الحرام والمسجد النبويِّ والمسجد الأقصى؛ فهذا ابتداع في الدين، وقولٌ على الله بلا علم، وشرع دين لم يأذن به الله، ووسيلة من وسائل الشِّرك؛ لأن الله لم يجعل لبقعة من البقاع خاصَّةً على غيرها؛ غير المشاعر المقدَّسة والمساجد الثلاثة، وحتى هذه المشاعر وهذه المساجد لم يُشرَع لنا أخذ تربة منها لنسجد عليها، وإنما لنا حج بيته العتيق والصلاة في هذه المساجد الثلاثة، وما عداها من بقاع الأرض؛ فليس له قدسيَّةٌ ولا خاصيَّةٌ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/86‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ولم يخصص بقعة دون بقعة، ولا تربة دون تربة، وإنما هذا من افتراء الذين لا يعلمون، وتضليل الدَّجَّالين والمبطلين، الذين يشرعون للناس ما لم يأذن به الله، وليس لهذا العمل أصل في الشَّرع؛ فهو مردود على أصحابه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرنا؛ فهو ردٌّ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/156‏)‏ معلقًا، ورواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1343-1344‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏‏.‏
123 ـ قال الله تعالى في القرآن الكريم‏:‏ ‏{‏فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 92‏.‏‏]‏؛ فلماذا بقي فرعون ببدنه من بين الطَّواغيت والجبَّارين‏؟‏ وأين محلُّ غرقه‏؟‏ وأين يوجد هذا الجسد الآن‏؟‏ وهل يُستَحَبُّ النَّظرُ إليه‏؟‏
قال ابن عبَّاس وغيره من السَّلف‏:‏ إنَّ بعض بني إسرائيل شكُّوا في موت فرعون، فأمر الله تعالى البحر أن يُلقيه بجسده سويًّا بلا روح وعليه درعه المعروفة على نجوةٍ من الأرض ‏(‏وهو المكان المرتفع‏)‏ ليتحقَّقوا من موته وهلاكه‏.‏ انتهى (21)‏.‏
ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً‏}‏؛ أي‏:‏ لتكون لبني إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك، وأن الله هو القادر الذي ناصيةُ كل دابَّة بيده، لا يقدر أحد على التخلُّص من عقوبته، ولو كان ذا سُلطة ومكانة بين الناس‏.‏
ولا يلزم من هذا أن تبقى جثَّةُ فرعون إلى هذا الزَّمان كما يظنُّهُ الجُهَّالُ؛ لأن الغرض من إظهار بدنه من البحر معرفةُ هلاكه وتحقُّقُ ذلك لمن شكَّ فيه من بني إسرائيل، وهذا الغرض قد انتهى، وجسم فرعون كغيره من الأجسام، يأتي عليه الفناء، ولا يبقى منه إلا ما يبقى من غيره، وهو عجب الذَّنَبِ، الذي منه يُرَكَّبُ خلقُ الإنسان يوم القيامة؛ كما في الحديث (22)؛ فليس لجسم فرعون ميزةٌ على غيره من الأجسام‏.‏ والله أعلم‏.‏
124 ـ هل صحيح أن شهر رجب يُفرَدُ بعبادةٍ معينة أو بخصوصية‏؟‏ أرجو إفادتنا؛ حيث إن هذا الأمر مُلتبسٌ علينا، وهل يُفرَدُ أيضًا زيارة للمسجد النبوي فيه‏؟‏
شهر رجب كغيره من الشهور، لا يُخصَّص بعبادة دون غيره من الشهور؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصه لا بصلاة ولا صيام ولا بعمرة ولا بذبيحة ولا غير ذلك، وإنما كانت هذه الأمور تُفعل في الجاهلية فأبطلها الإسلام؛ فشهر رجب كغيره من الشهور، لم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصه بشيء من العبادات؛ فمن أحدث فيه عبادة من العبادات وخصه بها؛ فإنه يكون مبتدعًا؛ لأنه أحدث في الدين ما ليس منه، والعبادة توقيفية؛ لا يقدم على شيء منها؛ إلا إذا كان له دليل من الكتاب والسنة، ولم يرد في شهر رجب بخصوصيته دليل يُعتمد عليه، وكل ما ورد فيه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الصحابة ينهون عن ذلك ويُحذِّرون من صيام شيء من رجب خاصة‏.‏
أما الإنسان الذي له صلاة مستمر عليها، وله صيام مستمر عليه؛ فهذا لا مانع من استمراره في رجب كغيره، ويدخل تبعًا‏.‏
125 ـ من الملاحظ اليوم بروز ظاهرة الغُلُوِّ، واتِّجاه العامَّة للتَّجاوب مع هذا الغُلُوِّ؛ ما السُّبُلُ للحدِّ من هذه الظَّاهرة‏؟‏ ومَن المسؤولُ‏؟‏
النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر أمَّته من الغلوِّ؛ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏إيَّاكُم والغُلُوَّ؛ فإنما أهلَكَ مَن كان قبلَكُمُ الغُلُوُّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏1/347‏)‏، ورواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏5/268‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/1008‏)‏، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏1/466‏)‏؛ كلهم من حديث ابن عباس‏.‏‏]‏، وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏هلكَ المتنطِّعونَ، هلكَ المتنطِّعونَ، هلكَ المتنطِّعونَ‏)‏؛ قالها ثلاثًا ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2055‏)‏ من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏.‏‏]‏، والمتنطِّعون هم المتشدِّدون الغالون في دينهم‏.‏
وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 171‏.‏‏]‏، والواجب هو الاستقامة، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 77‏.‏‏]‏؛ من غير غُلُوٍّ ومن غير تساهل، وقال تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه‏:‏ ‏{‏فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 112‏.‏‏]‏؛ يعني‏:‏ لا تزيدوا ولا تتشدَّدوا‏.‏
فالمطلوب من المسلمين الاستقامة، وهي الاعتدال بين التَّساهُلِ وبين التَّشدُّد، هذا هو منهج الإسلام، وهو منهج الأنبياء جميعًا، وهو الاستقامة على دين الله سبحانه وتعالى، من غير تشدُّدٍ وتنطُّع وغلوٍّ، ومن غير تساهل وتفسُّخٍ‏.‏
126 ـ تحدثتم فضيلتكم عن الغلو؛ فأرجو تعريف هذه الكلمة‏؟‏ أثابكم الله‏.‏
الغلو‏:‏ الزيادة في الدين أو في التدين والخروج عن الحد المشروع؛ لأن الدين وسط بين الغلو والتساهل، وسط بين الجفاء وبين الزيادة، هذا هو الغلو‏.‏
ومن مظاهر الغلو اليوم بين الشباب ما يظهر بين بعضهم في الصلاة من تفريق رجليه إذا وقف في الصلاة حتى يضايق من بجانبيه، وحني رأسه في حال القيام في الصلاة إلى قريب من الركوع، ومد ظهره في السجود حتى يكون كالمنبطح على الأرض‏.‏
ومن مظاهر الغلو عندهم المبالغة في الصلاة إلى السترة حتى إن بعضهم إذا دخل المسجد قبل الإقامة؛ فإنه يترك الصف ويذهب إلى عمود أو جدار ليصلي إليه صلاة النافلة، مع أن السترة سنة ليست بواجبة، إن تيسرت، وإلا؛ فلا يتكلفها ويترك فضيلة القيام في الصف، خصوصًا الصف الأول وحصول مكانه فيه وقربه من الإمام، كل هذه فضائل لا ينبغي إهدارها، بل إن بعضهم يدافع الناس عن المرور أمامه إذا قام يصلي في المسجد الحرام في وقت الزحام، مع أن المرور أمام المصلي في المسجد الحرام والمواطن شديدة الزحام لا بأس به دفعًا للحرج ولله الحمد، وديننا دين اليسر، والمشقة تجلب التيسير‏.‏
ومن مظاهر الغلو تقصير الثياب إلى قريب من الركبتين، مما يُخشى معه انكشاف العورة، والمشروع تقصيرها إلى نصف الساق أو إلى الكعبين‏.‏
127 ـ بعض الأخيار يجلب التلفاز إلى بيته، ويقول بأنه لا يحب أن يُتَّهم بالغلو؛ فما توجيه فضيلتكم‏؟‏
ترك التلفاز ليس غلوًّا، وإنما هو احتياط للدين وللأسرة وللأولاد؛ فهو تجنب للأسباب الضارة؛ لأنه يترتب على وجوده مضارّ على الأولاد والنساء، مضار حتى على صاحب البيت‏.‏
من الذي يأمن على نفسه من الفتنة‏؟‏‏!‏
فكلما سلم الإنسان من أسباب الفتنة؛ كان ذلك أحسن له حالاً ومآلاً، وليس ترك التلفاز من الغلو، وإنما هو من الوقاية‏.‏
128 ـ ما حكم الإسلام في زيارة المرأة للقبور؛ حيث إنَّ الشَّيخ ابن باز قال بعدم الجواز، بينما الشَّيخُ الألبانيُّ في كتابه ‏"‏أحكام الجنائز‏"‏ أجاز زيارتها؛ لعدَّة أحاديث أوردها‏.‏
المسألة خلافيَّةٌ، ولكنَّ القول الصَّحيح أنَّ المرأة لا يجوز لها زيارة القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏لعن زوَّارات القبور‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏2/337‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/12‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/502‏)‏؛ كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏لعن زائرات القبور‏)‏ ‏[‏رواها الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏1/229‏)‏، ورواها أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/216‏)‏، ورواها الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/4‏)‏، ورواها النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/94-95‏)‏؛ كلهم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه‏.‏‏]‏، واللعن لا يكون إلا على أمر محرَّم وكبير في التَّحريم، بل هو على كبيرة من كبائر الذُّنوب؛ لأنَّ ضوابط الكبيرة أن يُرَتَّب عليها لعنةٌ أو غضب أو نار أو وعيد أو حدٌّ في الدُّنيا؛ فكون النبيِّ صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور دلَّ على أنَّ زيارة المرأة للقبور كبيرة من كبائر الذُّنوب‏.‏
فعلى هذا يكون الحديث مخصِّصًا لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏زوروا القبورَ؛ فإنَّها تذكِّرُكُم بالآخرة‏)‏ ‏[‏عند مسلم ‏(‏2/671‏)‏ بلفظ‏:‏ ‏"‏‏.‏‏.‏‏.‏ فزوروا القبور؛ فإنها تذكركم الموت‏"‏، من حديث أبي هريرة، وانظر‏:‏ ‏"‏سنن الترمذي‏"‏ ‏(‏4/9‏)‏ من حديث بريدة رضي الله عنه‏.‏‏]‏، فيكون هذا الحديث خاصًّا بالرِّجال؛ بدليل حديث لعن الله زائرات القبور‏.‏
هذا هو القول الصَّحيح الذي يجب أن تسير عليه المرأة المسلمة‏.‏
ولأنَّ المرأة ضعيفة، ويُخشى منها أن تُظهِرَ الجزع والنِّياحة عند القبور إذا رأت قبر زوجها أو أخيها أو قريبها أن لا تصبر وأن تظهِرَ النِّياحة والجزع‏.‏
ولأنَّ المرأة عورة، ويُخشى عليها إذا ذهبت إلى المقبرة، وأنتم تعلمون أنه حتى المسجد الذي هو موطن العبادة، الأفضل للمرأة أن لا تذهب إليه وتصلِّيَ في بيتها؛ فكيف إلى المقبرة والخوفُ عليها أشدُّ‏؟‏‏!‏
فالحاصل أنَّ الحقَّ مع من قال‏:‏ إنَّ المرأة يحرُمُ عليها زيارة القبور‏.‏
129 ـ ما حكم سِباب وشتم الميت‏؟‏ وهل ذلك يؤذيه أو له تأثير عليه‏؟‏
ورد النهي عن سب الأموات (23) لأنهم أفضَوا إلى ما عملوا؛ فلا يجوز سب الأموات؛ إلا إذا ترتب على ذكرهم مصلحة شرعية؛ كأن يكون هذا الميت من علماء الضلال أو الرواة الكذابين أو له آثار سيئة؛ فإنه يجب تنبيه المسلمين عن آثاره وضلاله؛ ليحذروا من ذلك، أما ذكره مجرد غيبة ومجرد سباب لا مصلحة من ورائه؛ فإنه لا يجوز‏.‏
130 ـ حضرت درسًا لأحد طلبة العلم في أحد المساجد؛ حيث قال‏:‏ الأذانُ الأوَّل في صلاة الفجر والجمعة بدعة، وكذلك الرَّكعتين بعد الأذان؛ فما رأيُكم في ذلك‏؟‏
الأذان الأوَّل لصلاة الفجر ليس بدعة؛ لوجوده في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنَّ بلالاً يؤذِّنُ بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ‏)‏، وكان رجلاً أعمى لا يؤذِّنُ حتى يقال له‏:‏ أصبحت أصبحت ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/153‏)‏‏.‏‏]‏، ولأجل أنَّ الناس بحاجة إلى الأذان الأوَّل قبل الفجر من أجل أن يستيقظ النَّائم ويرجع التَّالي‏.‏
وكذلك الأذان الأوَّلُ يوم الجمعة، الذي أمر به أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، ثالثُ الخلفاء الرَّاشدين (24)‏، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاءِ الرِّاشدينَ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319-320‏)‏، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/15/16‏)‏، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏1/97‏)‏، ورواه الدارمي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/57‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
131 ـ لديَّ عادة أداومُ على فعلها، وهي أنني أصلي ركعتين قبل النَّوم، أقرأ فيهما الفاتحة وبعض السُّور القصيرة؛ فهل ذلك جائز أم بدعة‏؟‏
الوارد قبل النوم عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآداب التي يُستحبُّ فعلها‏:‏ أن يتوضَّأ الإنسان، وينام على طهارة، وينام على جنبه الأيمن، ويقرأ بآية الكرسي وبالآيتين من آخر سورة البقرة، وبالمعوِّذتين، وأن يدعو بالدُّعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أدعية كثيرة وجوامع (25)‏، أما الصلاة قبل النوم، والتزام هذا؛ فأنا لا أعلم له أصلاً من السنة النبويَّة‏.‏
لكن إذا فعله على أنه سنَّةُ الوضوء؛ فلا بأس؛ لثبوت الدليل بذلك‏.‏
132 ـ أخبركم أني بعدما أنتهي من صلاتي أدعو بالدُّعاء الآتي، فأقول‏:‏ ‏"‏ اللهم‏!‏ تقبَّل صلاتنا، وطهِّر قلوبنا، وارحم والدينا، واغفر لأمواتنا، وفرِّج همَّنا، ورازقنا بالخيرات، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ‏"‏؛ أدعو بهذا بعدما أنتهي من الصلاة، وبصفة دائمة؛ هل هذا الدُّعاء يجوز أم لا‏؟‏ أفيدونا أفادكُمُ الله‏.‏
الدُّعاء بعد الصلاة مشروع في الجملة بما تيسَّر بعد الذِّكر المشروع، أما مُلازمة هذا الدُّعاء، والمُداومة عليه؛ فهي غير مشروعة؛ لأنَّ هذا لم يرد - فيما أعلم - عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن، أمَّا إذا دعوت به بعض المرَّات، أو بغيره، ولم تلتزمهُ دائمًا؛ فلا حرج في ذلك إن شاء الله، ويكون بدون رفع صوت‏.‏
133 ـ بعض الناس يقرؤون الفاتحة بعد الصلاة على أساس أنها دعاء؛ فهل هذا من السُّنَّة في شيء‏؟‏ ثم قراءتها مرَّة أخرى لأرواح الموتى؛ فما هو الحكم في ذلك‏؟‏
أمَّا قراءتها أدبار الصَّلوات؛ فلا أعلم له دليلاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ورد هو قراءة آية الكرسي (26)، و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، و ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ‏}‏، و ‏{‏قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏}‏ (27)؛ وردت الأحاديث بقراءة هذه السُّور بعد الصَّلوات الخمس، وأمَّا الفاتحة؛ فلا أعلم دليلاً على مشروعيَّة قراءتها بعد الصَّلاة‏.‏
والسُّورُ التي ذكرناها لا تُقرأ على صفة جماعيَّةٍ وبصوتٍ مرتفعٍ، وإنما يقرؤها كلُّ مسلم لنفسه فيما بينه وبين نفسه‏.‏
وأمَّا قراءة الفاتحة لأرواح الأموات؛ فهذا من البدع، وأرواح الأموات لا تُقرأ لها الفاتحة؛ لأنَّ هذا لم يَرِد من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل سلف هذه الأمة، وإنما هو شيء مبتدع؛ لا في المسجد، ولا في المقبرة، ولا في البيت، ولا في غيره، وإنما المشروع للأموات الدُّعاء لهم إذا كانوا مسلمين بالمغفرة والرحمة، والتصدُّقُ عنهم، والحجُّ عنهم، هذا هو الذي وردت به الأدلَّةُ، أمَّا قراءة القرآن الكريم لأرواح الأموات، أو قراءة الفاتحة لأرواح الأموات؛ فهذا شيء مُحدَثٌ وبدعة‏.
الولاء والبراء
134 ـ ما هو السّبيل لموالاة إخواننا المسلمين في فلسطين والصُّومال والبوسنة والهيرسك‏؟‏
المسلمون في أيِّ مكان تجبُ محبَّتُهم في القلوب، والدُّعاء لهم بالنصر والهداية والتَّوفيق، وكذلك مساعدتهم بالمال عبر الوسائل المعدَّة لذلك من هيئات الإغاثة، هيئات الإغاثة الآن موجودة، وله حسابات في المصارف؛ فمن أراد الإحسان إلى هؤلاء؛ فليدفع مالاً، ويكتب أنَّه للجهة الفلانيَّة؛ لإخواننا في كذا وكذا، يكتب عليها، أو يُبلغُ أنَّ هذا المال لإخواننا في فلسطين، في البوسنة، في الصومال، في أيِّ مكان، باب الخير مفتوح ولله الحمد، مع الدُّعاء لهم بالنَّصر والتَّوفيق، مع محبَّتِهم في القلوب‏.‏
135 ـ معلوم أنَّ المصرَّ على الكبيرة لا يُخلَّدُ في النار كما هو اعتقادُ أهل السُّنَّة والجماعة، لكن كيف يمكن الجمع بين ذلك وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مدمنُ خمر كعابد وثنٍ‏)‏ ‏[‏رواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/1120‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه البخاري في ‏"‏التاريخ الكبير‏"‏ ‏(‏1/129‏)‏ من حديث أبي هريرة‏.‏‏]‏، ومعلوم أنَّ عابد الوثن مشرك، والمشرك مخلَّد في النار‏؟‏
قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مدمنُ الخمرِ كعابدِ وثنٍ‏)‏‏:‏ هو من أحاديث الوعيد التي تُمَرُّ كما جاءت، ومعناه الزَّجرُ عن شُرب الخمر، والتَّغليظ في شأنه، وليس المراد منه أنَّ المداوم على شُرب الخمر يُخَلَّدُ في النَّار كما يُخلَّدُ المشرك والكافر؛ لأنه مؤمن ناقص الإيمان، وليس كافر كما تقوله الخوارج‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 48‏.‏‏]‏، وشُرب الخمر داخل فيما دون الشِّرك، فيشمله هذا الوعيد من الله تعالى بالمغفرة‏.‏
والحديث فيه تشبيه مدمن الخمر بعابد الوثن، وهو لا يقتضي التشبيه من كلِّ الوجوه؛ إلا إذا استحلَّ الخمر؛ فإنه يكون كافرًا‏.‏
وعلى كلِّ حالٍ؛ فالخمر أمُّ الخبائث، وقد قَرَنَها الله بالمَيسر والأنصاب والأزلام، وأخبر أنها رجسٌ من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها (1)، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة (2)؛ ممَّا يدلُّ على شناعتها وشدَّة خطورتها وما تسبِّبه من أضرار بالغة، وقد رتَّب الشَّارع الحدَّ على شاربها، والخمر هي المادَّة المُسكرة؛ من أيِّ شيء كانت، وبأيِّ اسم سمِّيت‏.‏
136 ـ هل يُحكم بالنار على من عُرف من خلال سيرته بأنه ظالم للعباد، ومستهتر بشرع الله، ومات على ذلك، ولم يُعرف عنه توبة‏؟‏ وما حكم لعن الشَّخص المعيَّن من الكفَّار‏؟‏
العاصي من المسلمين يُخافُ عليه من النار، أما الحكم عليه بالنار؛ فهذا إلى الله سبحانه‏:‏ إن شاء عذَّبه، وإن شاء عفا عنه، هذا إذا لم تكن معصيتُه كفرًا أو شركًا‏.‏
أمَّا الكافر والمشرك إذا ماتا على ذلك؛ فهما خالدان مخلَّدان في النَّار‏.‏
أمَّا اللعنُ؛ فالصحيح أنه يجوز لعنُ الجنس، فيُقال‏:‏ لعنةُ الله على الظَّلمين، لعنة الله على الكاذبين‏.‏‏.‏‏.‏
وأما جواز لعن المعيَّنِ؛ ففيه خلافٌ بين العلماء‏.‏
137 ـ هل المجاهر بالمعصية إذا تاب تُقبَلُ توبتُه‏؟‏
لا شكَّ أنَّ الله يقبل التَّوبة من جميع الذُّنوب؛ من المجاهرين وغيرهم، حتى الكفار، ‏{‏ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 38‏.‏‏]‏، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏التَّوبةُ تجبُّ ما قبلها‏)‏ ‏[‏ذكره الإمام ابن كثير في ‏"‏تفسيره‏"‏ ‏(‏3/126‏)‏‏.‏‏]‏، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 53‏.‏‏]‏؛ فالتوبة الصادقة تكفِّرُ الذُّنوب جميعًا؛ الشِّرك، والكفر، والنِّفاق، وكل المعاصي، من تاب؛ تاب الله عليه‏.‏
138 ـ إنَّ أصحابي ليس منهم رجل صالح أبدًا؛ ماذا عليَّ أن أفعل؛ وعلى ما قالوا‏:‏ زيارة الأصحاب تكون فيها سعةُ الصَّدر والفرحُ‏؟‏
لا يجوز للمسلم أن يصاحب العصاة؛ إلا إذا كان يناصحهم وينكر عليهم ويطمع في هدايتهم، وإلا؛ فإنَّه يجب عليه أن يبتعد عنهم، ولا يصاحبهم، ولا يزورهم؛ إلا إذا تابوا‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 11‏.‏‏]‏، ومفهوم الآية أنهم إذا لم يتوبوا؛ فليسوا إخواننا في الدين؛ فلا نصاحبُهم ولا نزورُهم؛ إلا من أجل دعوتهم وطلب هدايتهم‏.‏
139 ـ مجاهرة البعض بالمعاصي وارتكاب الآثام؛ ما حكمُها‏؟‏
لا يجوز ارتكاب المعاصي لا سرًّا ولا جهرًا؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 33‏.‏‏]‏، والمجاهرة بالمعاصي فيها زيادة إثمٍ على المعاصي الخفيَّة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلُّ أمَّتي معافىً إلا المجاهرينَ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/89‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ لأن المجاهرة تدلُّ على عدم المبالاة، وتسبِّب الاقتداء بالمعاصي‏.‏
البراء من أصحاب المعاصي
140 ـ هل يجوز لعن أصحاب المعاصي أو الظَّلمة، كأن يظلمني شخص بالقول أو الفعل، فألعنه؛ فهل ذلك جائز أم لا‏؟‏
لا يليق بالمسلم أن يكون لعّانًا ولا فاحشًا ولا متفحشًا؛ فينبغي له حفظ لسانه من السب والشتم، حتى ولو سابه أحد أو شاتمه أحد؛ فينبغي له أن لا يرد عليه بالمثل؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 34‏.‏‏]‏، وربما يكون الذي لعنته لا يستحق اللعنة، فيرجع إثمها عليك‏.‏
141 ـ إذا نوى شخص أن يعمل سوءًا، ولم يفعله؛ فهل تُكتَبُ عليه سيئة أو لا‏؟‏
ورد في الحديث‏:‏ ‏(‏أن المسلم إذا همَّ بالسّيِّئة ولم يعملها؛ فإنها تُكتَبُ له حسنة‏)‏ ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏صحيح البخاري‏"‏ ‏(‏7/187‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه، وهو معنى جزء من حديث قدسي‏.‏‏]‏، وهذا إذا ترك العمل بها خوفًا من الله سبحانه وتعالى‏.‏
أمَّا إذا ترك العمل بها لأنَّه لم يتمكَّن من فعلها، وهو ينوي أنه لو تمكن أن يفعلها؛ فهذا يكون عليه الإثم بسبب نيَّته؛ كما دلَّت على ذلك الأحاديث، ومنها‏:‏ ‏(‏إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ يا رسول الله‏!‏ هذا شأن القاتل؛ فما بالُ المقتول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إنه كان حريصًا على قتل صاحبه‏)‏ ‏[‏رواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/125‏)‏ من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، ورواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/1311‏)‏ من حديث أبي موصى رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
142 ـ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 7‏.‏‏]‏، وذكر الفسوق والفاسقون مرَّات عديدة في القرآن والسُّنَّة؛ فما هو الفسوق‏؟‏ وما تعريفه‏؟‏ وكيف يحذر المسلم أن يكون من القوم الفاسقين‏؟‏
قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ‏}‏‏:‏ ذكر سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنواع المعاصي الثلاثة‏:‏ المعاصي التي تُخرِجُ من الملَّة؛ كالكفر والشِّرك بالله عز وجل، والمعاصي الكبائر التي هي دون الشِّرك والكفر؛ فلا تخرج من الملَّة، ولكنها تُنقِصُ الإيمان نقصًا ظاهرًا؛ كالزِّنى والسَّرقة وشرب الخمر وغير ذلك من الكبائر، وسُمِّيت فسوقًا، وصاحبُها فاسقًا، لأنَّ الفسق معناه الخروج عن طاعة الله عز وجل، وذكر المعاصي التي هي دون الكبائر، ولا تقتضي الفِسقَ، وهي صغائرُ الذُّنوب‏.‏
فأخبر سبحانه أنه كرَّهَ هذه الأنواع الثلاثة إلى أهل الإيمان، وحبَّبَ إليهم أنواع الطاعات والقُرُبات‏.‏
143 ـ ما الموقف الصَّحيح تُجاه العصاة من المسلمين‏؟‏
الموقف الصَّحيح للعصاة من المسلمين نصيحتهم، ننصحهم في ترك المعاصي والتَّوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون ذلك بحكمة وطريقة لَبِقَةٍ، من غير تنفير ومن غير تشديد، وإنما يكون بالتَّرغيب بالتَّوبة والتَّرهيب من المعصية، هكذا النَّصيحة‏.‏
وتكون النصيحة سرًّا بين النَّاصح والمنصوح، من أجل أن يكون ذلك أدعى على قبوله، أمَّا إذا أشهرت به عند الناس، أو تكلَّمت في عِرضِه وهو غائب، وقلت‏:‏ فلانٌ يعمل كذا، وفلانٌ ما فيه خير، وفلان‏.‏‏.‏‏.‏ هذا يزيد الشَّرَّ شرًّا، وليس هذا من النَّصيحة، هذا من الفضيحة‏.‏
فتعامُلُنا مع العُصاة هي النَّصيحة، وتكون النَّصيحة بحكمة وموعظة حسنة، وبرفق ولين، وتبشيره بالخير إذا تاب، وكذلك تحذيره من العقوبة‏.‏
النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏بشِّروا ولا تُنفِّروا، ويسِّروا ولا تُعسِّروا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/101‏)‏ من حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ‏:‏ يسرا ولا تعسرا‏.‏‏]‏، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏، ولما جيء للنبي صلى الله عليه وسلم بشاربٍ للخمر، فأمر بجلده - لأنَّ شارب الخمر يُجلَدُ، فقال بعض الحاضرين‏:‏ لَعَنَهُ الله، ما أكثر ما يُؤتى به‏!‏ قال النبيُّ‏:‏ ‏(‏لا تقل، أما علمت أنه يحبُّ الله ورسوله‏؟‏‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/14‏)‏ بنحوه‏.‏‏]‏، وفي رواية أخرى‏:‏ ‏(‏لا تعينوا عليه الشيطان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/14‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
فالعاصي يُنصَحُ ويُرَغَّب ويُحَذَّر من العقوبة، توصل إليه النَّصيحة بطريقة يقبلها لا بطريقة ينفِرُ منها، هذا هو الصَّحيحُ‏.‏
144 ـ هل للكفر أنواع ودرجات بعضها أعظم من بعض أم أنه درجة واحدة‏؟‏ إذا كان له درجات؛ فمن أيها يكون سبُّ الدين أو الرّبِّ أو الرَّسولِ والعياذ بالله من ذلك‏؟‏
نعم؛ الكفر - والعياذ بالله - درجات، بعضها أشد من بعض، منه كفر يُخرِجُ من الملَّة، ومنه كفر دون ذلك، وسبُّ الدين أو سب الله أو رسوله من الكفر الأكبر المُخرِج من الملَّةِ والعياذ بالله، وأمَّا الكفر الأصغر مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏سِبابُ المُسلِم فُسُوقٌ وقِتالُهُ كُفرٌ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/91‏)‏ من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا ترجِعُوا بعدي كُفَّارً يضرِبُ بعضُكُم رِقَابَ بعضٍ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/91‏)‏ من حديث ابن عمر رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فهذا من الكفر الأصغر الذي لا يُخرِجُ من الملَّة‏.‏

معاملة الكفار والسفر إلى بلادهم ودخولهم بلاد الإسلام
145 ـ يجاورنا بعض الأسر من هذا البلد ‏(‏كركوف في بولندا‏)‏، وهم يُحسنُون جوارنا ويعاملونا معاملة طيبة، ونحن كذلك؛ فهل يجوز لنا الاختلاط بهم عائليًّا ومجالستهم ومؤاكلتهم؛ رغم أنهم يحترمون ديننا، فلا يفعلون شيئًا من المنكرات بحضورنا، فهل يجوز لنا ذلك‏؟‏
لا ينبغي مخالطة الكفار والأنس بهم والاطمئنان إليهم، ولو كانوا من الجيران، ولكن الجار يُحسَنُ إليه ولا يُساءُ إليه، ولو كان كافرًا؛ لأنَّ الجيران ثلاثة‏:‏
1ـ جار له ثلاثة حقوق‏:‏ وهو الجار المسلم القريب؛ له حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة‏.‏
2ـ وجارٌ له حقان‏:‏ وهو الجار المسلم غير القريب - يعني في النسب -؛ فله حقان؛ حق الإسلام وحق الجوار‏.‏
3ـ وجارٌ له حقٌّ واحد‏:‏ وهو الجار الكافر؛ له حق الجوار، الجوار فقط؛ بأن تحسن إليه، ولا يصدر منك أذى في حقه أو سوء جوار، أما الانبساط معهم والاطمئنان إليهم ومحبتهم؛ فلا يجوز للمسلم أن يود الكافر أو أن ينبسط معه أو أن يأمنه أو أن يختلط به؛ لأنهم قد يؤثِّرون - ولو على المدى البعيد - عليكم أو على ذُرِّيَّتِكُم‏.‏
146 ـ ما هو الأسلوب الذي نقابل به الكفَّار الذين قَدِموا إلينا؛ هل نعاديهم‏؟‏ أم نُقابِلُهم بالخُلُقِ وندعوهم إلى الله‏؟‏ أفيدونا جزاكم الله خيرًا‏.‏
إذا استقدمناهم وأعطيناهم الأمان؛ لا يجوز أن نعتدي عليهم أو نضرَّهُم، بل يجبُ العدل حتى يذهبوا ويُنهوا عقدهم ويذهبوا إلى بلادهم؛ لأنهم دخلوا بأمان، ونحن استقدمناهُم؛ فيجب أن نتعامل معهم بالعدل، ولا نظلمهم، ونعطيهم حقوقهم، أمَّا محبَّتُهم؛ فنحن لا نُحبُّهم، لكن كوننا نبغضُهم في الله لا يقتضي أننا نظلمُهم أو نبخس شيئًا من حقهم أو نعتدي عليهم؛ لأنّ الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 8‏.‏‏]‏، لكن في المستقبل يجب أن نُنهِيَ استقدامهم، ونستبدلهم بإخواننا المسلمين من العمَّال في البلاد الأخرى‏.‏
147 ـ يكثر بيننا الكفار والمشركون، ويكثر التعامل معهم في بيع وشراء؛ فما حكم ذلك‏؟‏ وما حكم أرباح تجارتنا إذا كان بعضها من أموالهم نتيجة تعاملنا معهم؛ هل هي حلال أم حرام‏؟‏
التعامل مع الكفار من المشركين والكتابيين وغيرهم إذا كان من التعامل المُباح الذي ليس فيه ربًا وليس فيه ميسر وليس فيه شيء من المكاسِب المحرَّمة‏:‏ لا بأس به؛ فلا بأس أن نبيع ونشتري مع الكفار في حدود ما أباحته الشريعة الإسلامية‏.‏
أما التعامل مع الكفار فيما حرَّم الله من الربا والمكاسب المحرَّمة كالقمار والميسر والمكاسب المحرمة؛ فهذا لا يجوز للمسلم أن يتعامل به لا مع الكفار ولا مع المسلمين، وما ينتج عن ذلك من كسبٍ يكون حرامًا؛ لا يجوز للمسلم أن يأكله أو أن يستعمله أو أن ينتفع به‏.‏
148 ـ ما رأيُ فضيلتكم فيمن يتقرَّب إلى الكفَّار ويواليهم بحجَّة أنهم يفهمون في أمور المادَّة أكثر منَّا‏؟‏ وكيف يكون التعامل معه‏؟‏
التودُّدُ إلى الكفار لا يجوز، لا تجوز محبَّتُهم في القلوب؛ لأنهم أعداءُ الله ورسوله، تجبُ عداوتهم؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 22‏.‏‏]‏؛ فلا يجوز للمسلم أن يحبَّ الكافر‏.‏
أما التعامل معه في الأمور المباحة؛ فلا بأس إذا كان الكافر عنده تجارة تبيع معه وتشتري، لا بأس بالبيع والشِّراء معه، هذا من المعاملات المباحة، النبي صلى الله عليه وسلم تعامل مع اليهود، اشترى منهم، استدان منهم عليه السلام، كذلك إذا كان عندهم خبرات في بعض الأمور، ولا يوجد عند المسلمين من يقوم بها؛ فلا بأس أن نستفيد من خبراتهم، لكن لا نحبُّهُم، ولا نواليهم، وإنما نؤاجِرُهم أجرةً، يؤدُّون لنا عملاً بالأجرة، مع بغضهم ومع عداوتهم‏.‏
149 ـ ما حكم من خاف من اعتداء الكفار والمشركين وجاملهم في بعض أفعالهم المنكرات؛ خوفًا منهم، وليس إقرارًا أو رضاء بما يفعلون‏؟‏
لا يجوز للمسلم أن يجامل الكفار على حساب دينه، أو أن يوافقهم في أفعالهم؛ لأن أفعالهم ربما تكون كفرًا وشركًا وكبائر من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمسلم أن يوافقهم على ذلك، أو أن يشاركهم في ذلك باختياره، بل الواجب عليه أن يُظهِرَ دينه‏.‏
ولا يجوز له الإقامة مع الكفار والبقاء في بلادهم إلا إذا كان يقدر على إظهار دينه؛ بأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله عز وجل، هذا هو إظهار الدين؛ فإذا كان لا يستطيع ذلك؛ وجب عليه أن يُهاجِر إلى بلاد المسلمين من بلاد الكفار، ولا يبقى فيها على حساب دينه وعقيدته‏.‏
وحالة الإكراه لها حكم خاص؛ قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 106‏.‏‏]‏، والمسموح به في هذه الحالة إنما هو القول باللسان دون موافقة القلب‏.‏
150 ـ ما حكم زيارة الكفَّار وقبول هداياهم والقيام لجنائزهم وتهنئتهم في المناسبات‏؟‏
زيارة الكفار من أجل دعوتهم إلى الإسلام لا بأس بها؛ فقد زار النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمَّه أبا طالب وهو يحتضرُ، ودعاه إلى الإسلام (3)، وزار اليهوديَّ، ودعاه إلى الإسلام (4)، أما زيارة الكافر للانبساط له والأنس به؛ فإنها لا تجوزُ؛ لأنَّ الواجب بغضهم وهجرهم‏.‏
ويجوز قبول هداياهم؛ لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل هدايا بعض الكفَّار؛ مثل هديَّة المقوقس ملك مصر (5).‏
ولا تجوز تهنئتُهم بمناسبة أعيادهم؛ لأنَّ ذلك موالاة لهم وإقرارًا لباطلهم‏.‏
151 ـ ما حكم الاعتداء على الكافر في بلاد المسلمين بالضرب أو القتل وإن كان ذلك بسبب ما يقوم به من إفساد أو فسق‏؟‏
لا يجوز الاعتداء على الكافر إذا دخل بلاد المسلمين بالأمان والعهد؛ لأنه في ذمة المسلمين، ولا يجوز غدر ذمة المسلمين؛ فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالوفاء بالعهود؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 6‏.‏‏]‏، وأما إذا ارتكب شيئًا يقتضي العقوبة؛ فإن الذي يتولى ذلك هو ولي الأمر، ولا يجوز لأفراد الناس أن يعاقبوه؛ لأن هذا يحصل منه الفوضى والاعتداء، ولكن من حصل منه شيء يُخلُّ بدين المسلمين أو يضر بأحد من المسلمين؛ فإنه يُرفَعُ إلى ولي الأمر ليتولَّى هو مجازاة هذا المُعتدي‏.‏
152 ـ هل يجوز للمسلم أن يسكن مع مسيحي في غرفة واحدة لظروف العمل أو الأكل معًا‏؟‏ أفيدونا في ذلك‏.‏
الأفضل أن لا يسكن مع كافر ولا يخالطه؛ فإن كان هناك ضرورة؛ فلا مانع من ذلك؛ أن يسكن المسلم مع مسيحي في غرفة واحدة، وأن يأكل معه أيضًا؛ بشرط أن يحافظ المسلم على دينه‏.‏
153 ـ هل التأريخ بالتاريخ الميلادي يُعتبَرُ من موالاة النصارى‏؟‏
لا يُعتبَرُ موالاة، لكن يعتبر تشبُّهًا بهم‏.‏
والصَّحابة رضي الله عنهم كان التاريخ الميلادي موجودًا، ولم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجريِّ، وضعوا التاريخ الهجريَّ، ولم يستعملوا التاريخ الميلادي، مع أنه كان موجودًا في عهدهم، هذا دليل على أنَّ المسلمين يجب أن يستقلُّوا عن عادات الكفَّار وتقاليد الكفَّار، لا سيَّما وأنَّ التَّاريخ الميلاديَّ رمز على دينهم؛ لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السَّنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى؛ فنحن لا نشاركهم ولا نشجِّعهم على هذا الشيء، وإذا أرَّخنا بتاريخهم؛ فمعناه أنَّنا نتشبَّه بهم، وعندنا ولله الحمد التاريخ الهجريُّ، الذي وضعه لنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الرَّاشد بحضرة المهاجرين والأنصار، هذا يغنينا‏.‏
154 ـ ما حكم السَّفر إلى بلاد غير إسلامية بقصد السُّكنى والاستيطان فيها‏؟‏
الأصل أنَّ السفر إلى بلاد الكفَّار لا يجوز لمن لا يقدر على إظهار دينه، ولا يجوز إلا لضرورة؛ كالعلاج وما أشبه ذلك؛ مع القدرة على إظهار الدِّين، والقيام بما أوجب الله سبحانه وتعالى، وأن لا يداهن ولا يُماري في دينه، ولا يتكاسل عن أداء ما أوجب الله عليه‏.‏
أمَّا السُّكنى؛ فهي أشدُّ، السُّكنى بين أظهر المشركين لا تجوز للمسلم؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلم أن يقيم بين أظهر المشركين (6)؛ إلا إذا كان في إقامته مصلحة شرعيَّة؛ كأن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون لوجوده بين أظهر الكفَّار تأثير بالدَّعوة إلى الله وإظهار دينه ونشر الإسلام؛ فهذا شيء طيبٌ لهذا الغرض، وهو الدَّعوة على الله سبحانه وتعالى، ونشر دينه، وتقويةُ المسلمين الموجودين هناك، أمَّا إذا كان لمجرَّد الإقامة والبقاء معهم من غير أن يكون هناك مصلحة شرعيَّة؛ فإنه لا يجوز له الإقامة في بلاد المشركين‏.‏
ومن الأغراض المُبيحة للسَّفر إلى بلاد الكفَّار تعلُّمُ العلوم التي يحتاج إليها المسلمون؛ كالطِّبِّ، والصناعة؛ مما لا يمكن تعلُّمه في بلاد المسلمين‏.‏
155 ـ معنى هذا أنه لو كان مثلاً لغرض التجارة فقط؛ فيجوزُ له ذلك‏؟‏
يجوز السَّفر لبلاد المشركين بشرطين‏:‏ بشرط أن يكون هذا السَّفر لحاجة، وأن يكون يقدر على إظهار دينه؛ بأن يدعو إلى الله، ويؤدِّي الواجبات، ولا يترُكَ أيَّ شيء ممَّا أوجب الله تعالى عليه، ولا يُخالط الكفَّار في محلاَّت فسقهم ومجونهم، ولا يغشى المجامع الفاسدة التي توجد في بلاد الكفَّار‏.‏
بهذه الشُّروط لا بأس أن يسافر، أمَّا إذا اختلَّ شرطٌ منها؛ فلا يجوز له‏.‏
156 ـ زوجي يصرُّ عليَّ أن أسافر معه إلى خارج المملكة لدولة أوروبّيَّة لقضاء الإجازة هناك، وأنا لا أرغب بالذَّهاب إلى بلاد الكفَّار، ولا أريد أن يذهب لوحده؛ فما العمل الذي يمكن أن أقوم به‏؟‏ وهل يلحقُني إثم لمعصيتي زوجي عند ذهابي معه‏؟‏
لا يجوز السَّفر إلى بلاد الكفَّار من أجل النُّزهة؛ لما في ذلك من الخطر على العقيدة والأخلاق، ولا يجوزُ للمرأة أن تطيع زوجها في السَّفر في هذه الحالة؛ لأنه معصية، ولا طاعة للمخلوق في معصية الخالق‏.‏
157 ـ والدي فوق السّتِّين عامًا من عُمُره، ويسافر كثيرًا إلى بلاد الكفر للفسق والسفور، وقد نصحته كثيرًا، وهو يوبِّخُني بأنه يريدُ أن يمتع نفسه؛ فهل عليَّ أن أطلب الحجر عليه ومنعه من السفر‏؟‏ أم أتركُهُ وشأنه مرضاة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 23‏.‏‏]‏‏؟‏
يجب عليك مناصحة والدك عن السفر إلى بلاد الكفر، وحثُّه على التَّوبة، وإذا كان بإمكانك منعه من ذلك؛ وجب عليك منعه؛ لأنَّ ذلك من أجل مصلحته، ومن التعاون معه على البرِّ والتَّقوى، ومن إنكار المنكر، أما إذا كنت لا تستطيع منعه؛ فيكفيك مناصحتُه والإنكار عليه‏.‏
وعلى كل حال؛ مناصحتك له ومنعه إن أمكن هو من أعظم الإحسان إليه؛ فهو داخل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏‏.‏
158 ـ ماذا ترون فيمن يُصادق الرَّافضة، وعند تنبيهه بخطرهم؛ فإنه يصفُهم بحسن الأخلاق وحسن الصُّحبة‏؟‏ وجزاكم الله خيرًا‏.‏
يجب أن يُبَيَّنَ له حقيقة هؤلاء، فيجب أن يُبَيَّنَ له ما هم عليه، ومذهبهم، وعداوتهم لأهل السُّنَّة، يجب أن يُبَيَّنَ له؛ لأني أعتقد أنه لو عرف ما هم عليه، وفي قلبه إيمان؛ أنه لن يستمرَّ على هذا الشيء؛ فيجب أن يُبَيَّنَ له، لكن البيان يكون بطريقة صحيحة‏:‏
أولاً‏:‏ يكون البيان مدعَّمًا بالأدلة المقنعة‏.‏
وثانيًا‏:‏ يكون هذا البيان سرّيًّا‏:‏ إمَّا أن يؤدَّى إليه بالمشافهة، وإمَّا بالكتابة سرًّا إليه‏.‏ فهذا هو الطَّريقُ الصَّحيح‏.‏
159 ـ هل هو صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى قبل وفاته ألا يجتمع في أرض الجزيرة دينان‏؟‏
نعم؛ أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود من جزيرة العرب، وقال‏:‏ ‏(‏لا يبقى في جزيرة العرب دينان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مالك في ‏"‏الموطأ‏"‏ ‏(‏2/892-893‏)‏ بنحوه، وانظر‏:‏ ‏"‏صحيح مسلم‏"‏ ‏(‏3/1258‏)(7)]‏، وقد نفَّذ هذا الأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه (8)، وذلك لأنَّ الجزيرة هي مصدر الدِّين الحقّ، الذي هو دين الإسلام؛ فلا يليق أن يبقى فيها ويصدر منها دينٌ غيره‏.‏
160 ـ هل يجوز دخول الخادمات والسَّائقين غير المسلمين الجزيرة العربيَّة‏؟‏
هذا لا يجوز، دخول الكفَّار إلى الجزيرة العربيَّة؛ بمعنى أنَّنا نستقدمُهم ونولِّيهم أمورنا وسرائرنا، ونُطلِعُهُم على أحوالنا؛ هذا لا يجوزُ؛ لأنهم أعداءٌ؛ فاستقدام الأيدي العاملة من الكفرة هذا أمر لا يجوز، وذلك لأمور‏:‏
الأمر الأول‏:‏ أن هذا إعانة للكفَّار على المسلمين، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ‏}‏؛ يعني‏:‏ من غيركم؛ يعني‏:‏ من الكفَّار، ‏{‏لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 118‏.‏‏]‏؛ ففي إعطائنا أموالنا لهم تقوية لهم على كفرهم وإعانة لهم‏.‏
وثانيًا‏:‏ أن في استقدامهم إلى بلاد المسلمين أثرًا سيِّئًا على المسلمين وعلى أولاد المسلمين، وهو مما يمكِّنُ الكفَّار من بثِّ شرورهم وسمومهم بين المسلمين‏.‏
والأمر الثالثُ‏:‏ أننا نحرُمُ إخواننا المؤمنين من الأيدي العاملة التي هي بحاجة إلى هذه الأموال‏.‏
فالواجب على من يريد استقدام عمَّالٍ أن يستقدم من المسلمين؛ لِمَا في ذلك من المصالح العظيمة؛ إعانةً لإخواننا المسلمين؛ وأمنًا لشرِّ أعدائنا‏.‏
هذا من مقتضى الموالاة في الله أننا نستقدم من إخواننا المؤمنين، هذا من الموالاة في الله، ومن مقتضى المعاداة في الله ألا نستقدم الكفار‏.‏

بر الوالدين والطاعة
161 ـ معلوم أن الزوجة مجبرة على طاعة زوجها كما في الحديث، ومأمورة أيضًا بطاعة والديها في غير معصية الله؛ فما الحكم إذا تعارضت الطَّاعتان‏؟‏ فأيَّهما تقدِّمُ‏؟‏
لا شك أنَّ المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى، ومأمورة بطاعة زوجها، وبطاعة والديها ضمن طاعة الله عز وجل‏.‏
أمَّا إذا كان في طاعة المخلوق من والد أو زوج معصية للخالق؛ فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الطاعة في المعروف‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/106‏)‏ من حديث علي رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏5/66‏)‏ من حديث الحكم بن عمرو الغفاري بلفظ قريب من هذا، ورواه الحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏ ‏(‏3/123‏)‏ من حديث علي بن أبي طالب بنحوه، ورواه البغوي في ‏"‏شرح السنة‏"‏ ‏(‏10/44‏)‏ من حديث النواس بن سمعان‏.‏‏]‏؛ فلا شكَّ أنَّ حقَّ الوالدين مقدَّمٌ، وهو يأتي بعد حقِّ الله سبحانه وتعالى؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏.‏‏]‏؛ فحقُّ الوالدين متأكّدٌ‏.‏
فإذا كان الزّوج سيحملها على معصية والديها وعلى عقوق والديها؛ فهي لا تُطيعُه في هذا؛ لأنَّ حقَّ الوالدين أسبق من حقِّ الزَّوج؛ فإذا طلب منها أن تَعُقَّ والديها؛ فإنها لا تُطيعُه في ذلك؛ لأنَّ العقوق معصية، ومن أكبر الكبائر بعد الشِّركِ‏.‏
162 ـ إذا أرضى إنسان رجلاً ذا قوَّة وجاه بمشاركته في معصية لله تعالى، ولم يكن ذلك الإرضاء إلا لقصد الحصول على متعة خاصَّة، أو دفع مضرَّة دنيويَّة؛ فهل يُعتَبَرُ ذلك من اتِّخاذ الأنداد من دون الله‏؟‏
الواجب على الإنسان أن يُطيعَ الله سبحانه، ويلتمس رضاه، ولو سخط عليه الناس؛ فإن الله سبحانه سيرضى عنه ويرضي عنه الناس؛ كما في الحديث‏:‏ ‏(‏من التمسَ رضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمسَ رضى الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/132-133‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 13‏.‏‏]‏‏.‏
فالواجب على المؤمن أن يُطيع الله، ويجتنب معصيته، ويصبر على ما ينالُهُ من الأذى، وإلا؛ كان من الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏العنكبوت‏:‏ 10‏.‏‏]‏‏.‏
قال العلامة ابن القيِّم‏:‏ ‏"‏أخبر عن حال الدَّاخل في الإيمان بلا بصيرة؛ أنه إذا أوذي في الله؛ جعل فتنة الناس له - وهي أذاهم، ونيلُهم منه بالمكروه، وهو الألم الذي لابدَّ أن ينال الرُّسل وأتباعهم ممَّن خالفهم -؛ جعل ذلك في فراره منه وتركه السَّبب الذي يناله به كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان؛ فالمؤمنون - لكما بصيرتهم - فرُّوا من ألم عذاب الله إلى الإيمان، وتحمَّلوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قريب، وهذا - لضعف بصيرته - فرَّ من ألم أعداء الرُّسل إلى موافقتهم، ففرَّ من ألم عذابهم إلى عذاب الله، فجعل ألم فتنة الناس بمنزلة ألم عذاب الله، وغُبِنَ كُلَّ الغَبْنِ إذ استجار من الرَّمضاء بالنَّار، وفرَّ من ألم ساعة إلى ألم الأبد‏"‏ انتهى‏.‏
وهذا أيضًا بكونه قدَّم خشية الناس على خشية الله قد اتّخذهم أندادًا من دون الله بقدر ما قام بقلبه من ذلك، والله المستعان‏.‏
163 ـ رئيسي في العمل يُجبرني على القيام بأعمال فيها إخلال بالنظام والأمانة‏.‏‏.‏‏.‏ فإذا أطعته؛ ففيه إخلال بهما، وهذا لا يجوز، وإن عصيتُه عن القيام بذلك؛ أوقع عليَّ جزاء؛ فما الذي أعمله‏؟‏
لا يجوز لرئيس العمل أن يعمل ما يُخِلُّ بالنِّظام والأمانة، ولا يجوز له أن يُجبر من تحت يده على ذلك، ولا يجوز للموظِّف أن يطيع رئيسه في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والواجب على الموظِّف في مثل هذه الحالة أن ينتقل إلى العمل في مجال آخر، ويبتعد عن هذا الرئيس السيئ، والأعمال والحمد لله كثيرة، ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 2، 3‏.‏‏]‏‏.‏
164 ـ
إذا كان والد شخص ما مريضًا، وذهب به إلى أحد المستشفيات، وقرَّروا إجراء عمليَّة له، ولكنَّ الوالد رفض إجراء هذه العمليَّة خوفًا على حياته، ورغبةً من ابنه في شفاء والده من هذا المرض؛ أجبر والده على الموافقة، أو احتال عليه حتى أُجريت له العمليَّة دون علمه ودون موافقته؛ فهل يُعتبر هذا عقوقًا لوالده يأثم عليه؛ علمًا أنَّ الدَّافع له محبَّتُه لوالده وطمعه في شفائه ممَّا يُعاني من مرض‏؟‏
ولو فَرَضنا وحصلت الوفاة نتيجة هذه العملية التي تسبَّب فيها ابنه؛ فهل يَلحَقُهُ إثمٌ بذلك أم لا‏؟‏
تَذْكُر أيُّها السائل أنَّ والدك أصيب بمرض، وهو يحتاج إلى عمليَّة جراحيَّة، ولكنه لا يرغب في ذلك، وأنَّك ألححت عليه أو احتلت عليه حتى أُجرِيَت له العملية؛ فهل عليك في ذلك إثمٌ‏؟‏
لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنكَ تريد له الخير، وتريد له المصلحة، ولم تُرِد به الضَّرر؛ فأنت محسن، ويُرجى له الأجر إن شاء الله، وحتى لو تُوُفِّي من أثر هذه العمليَّة، ما دامت أنَّها عمليَّة جارية مجراها الطبّيَّ، ولم يحصل فيها تفريط، والطَّبيب من أهل الخبرة، وتوافرت الشُّروط؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنك محسن، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 91‏.‏‏]‏‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

الهجر وقطيعة الرحم
165 ـ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاث ليالٍ؛ يلتقيان، فيُعرِضُ هذا، ويُعرِض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسَّلام‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/90، 91‏)‏ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يحل لمسلم‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏‏]‏، أو كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كان هذا الشخص الذي خاصمته لا يصلي ولا يصوم ويفعل المنكرات؛ فهل يعتبر خصامي له حرامًا‏؟‏ أم ما هو المقصود من هذا الحديث‏؟‏
الهجر هو ترك مكالمة الشخص وترك مجالسته والسلام عليه‏.‏
هجر المؤمن لا يجوز فوق ثلاثة أيام إذا كان على أمر من أمور الدنيا، بل عليه أن يصالح أخاه وأن يُسلِّم عليه إذا لقيه، ومع أنه لا ينبغي ابتداءًا أن يهجر على أمر من أمور الدنيا، ولكن لو حصل شيء من الهجر؛ فإنه لا يتجاوز ثلاثة أيام، وهذا هو المراد بالحديث‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمؤمن أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث‏)‏؛ يعني إذا كان الهجر على أمر من أمور الدنيا‏.‏
أما إذا كان الهجر لأجل معصية ارتكبها ذلك المهجور، وكانت هذه المعصية من كبائر الذنوب، ولم يتركها؛ فإنه يجب مناصحته وتخويفه بالله عز وجل، وإذا لم يمتنع عن فعل المعصية ولم يتب؛ فإنه يُهجَر؛ لأن في الهجر تعزيرًا له وردعًا له لعله يتوب؛ إلا إذا كان في هجره محذورًا؛ بأن يُخشى أن يزيدَ في المعصية وأن يترتب على الهجر مفسدة أكبر؛ فإنه لا يجوز هجره في هذه الحالة؛ فهجر العاصي إنما يجوز إذا كان من ورائه مصلحة ولا يترتب عليه مضرة أكبر، وبالله التوفيق‏.‏
166 ـ
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاهُ المسلمَ فوق ثلاث؛ يلتقيان، فيُعرِضُ هذا، ويُعرِض هذا، وخيرُهُما الذي يبدأُ بالسَّلام‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/91‏)‏ من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، أو كما ورد في الحديث‏.‏
في هذا العصر كَثُرَت القطيعة بين الناس، وخاصة بين القرابة؛ فعندنا أبناء عمومة متقاطعون من زمن بعيد منذ سن الصبا، وهم يحملون لبعضهم الكره والحقد، وقد سعى بينهم أهل الخير والإصلاح بقصد إصلاح ما فسد؛ إلا أنهم يصرون على الكره لبعضهم، وأحدهم متزوج أخت الآخر، ويقول أحدهم‏:‏ لا أستطيع السيطرة على قلبي تجاه ابن عمي؛ فقلبي يكرهه ولا أستطيع مجالسته ولا مقابلته ولا حتى رد السلام عليه، رغم أنهم متدينون؛ إلا أن الموعظة لم تؤثر فيهم، ويقول أحدهم‏:‏ إذا كان لا يدخلني الجنة إلا رضاء فلان؛ فلا أرجو هذا‏.‏ فما ترون فضيلتكم‏؟‏ وكيف السبيل إلى إصلاحهم مع بعضهم‏؟‏ وهل أعمالهم مقبولة وهم بهذه الحالة رغم تقاربهم في النسب والجوار‏؟‏
إن الله سبحانه وتعالى أوجب صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 36‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 38‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 1‏.‏‏]‏‏.‏
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، توجب صلة الأرحام، وتُحرِّم قطيعتها‏.‏ وقد لعن الله قاطع الرحم؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 22-23‏.‏‏]‏‏.‏
فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا شكٍّ، وعظيمة وتُوجِب تأخير المغفرة للقاطع؛ كما جاء في المتشاحنين، وأن الله سبحانه وتعالى يقول‏:‏ ‏(‏أنظِروا هذين حتى يصطَلِحا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1987‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وهذا فيه خطورة عظيمة على المسلم، وفيه ضرر عاجل وآجل‏.‏
أما ما ذكر السائل من أن أقارب جرى بينهم من القطيعة ما وصفه، حتى إن بعضهم لا يُكلِّم بعضًا، ويقول إذا نصح‏:‏ أنا لا أقدر على السيطرة على قلبي، وربما يبالغ فيقول‏:‏ إن كان دخول الجنة لا يحصل إلا عن طريق فلان؛ فأنا لا أريدها‏.‏ هذا كله من الكلام الفظيع، وكله من مجاراة الشيطان والهوى‏.‏
فيجب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وصلة ما بينهم، وأن لا يتمادوا مع عدوهم الشيطان، لا سيما إذا كان بينهم رابطة عائلية؛ كما في السؤال أن أحدهم معه أخت الآخر، فهذا أيضًا يؤثِّر على زوجاتهم ويؤثِّر على ذرياتهم، فينشأ الجميع متقاطعين متعادين فيما بينهم، والخطر في هذا عظيم، والواجب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏
وكما في الحديث الذي ذكره السائل‏:‏ ‏(‏لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاث‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1984‏)‏ من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فالهجر - وهو ترك الكلام مع الشخص أو ترك زيارته أو الاتصال به - لا يحل فوق ثلاث، وأما إن كان لأجل دينه من أنه عاص لله ورسوله، ونُصِح، ولم يمتثل؛ فالهجر في حقه إذا كان يزجره عن المعصية ويؤثر فيه فإنه يكون واجبًا، ولو زاد على ثلاثة أيام، حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا من حقوق الإسلام‏:‏ أن يُهجَرَ العصاة الذين أبوا أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى حتى يتوبوا‏.‏
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خُلِّفُوا خمسين يومًا، حتى نزلت توبة الله عليهم (9).‏
أما الهجر من أجل أمر من أمور الدنيا أو لأجل ضغينة في النفوس؛ فإنه حرام إذا زاد عن ثلاثة أيام؛ كما في الحديث‏.‏
فعلى كل حال؛ الواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يصلوا ما بينهم؛ قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏.‏‏]‏، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فساد ذات البين هو الحالِقَةُ، وبيَّن أنه يحلق الدين (10)؛ بمعنى أنه يجني على الدين ويقضي على الحسنات؛ فالخطر هنا عظيم‏.‏
والواجب على المسلم أن يصل رحمه وإن قطعت به؛ فإنه كما في الحديث‏:‏ ‏(‏ليس الواصِلَ بالمُكافِئِ، ولكن الواصِلَ الذي إذا قُطِعَت رحِمَهُ وصَلهَا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/73‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر‏.‏‏]‏؛ فالواجب مواصلة الرحم وإن أساء إليك وإن أخطأ في حقك؛ فإنك تواصله، ويكون هذا سببًا في تأليفه وفي ندمه على ما حصل منه‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 34، 35‏.‏‏]‏‏.‏
وهذا يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى حمل على النفس، وإلى ابتعاد عن الهوى ونزغات الشيطان، ويحتاج إلى تذكر الوعيد والعقوبة العاجلة والآجلة وسوء العاقبة لمن قطع رحمه؛ فإذا تذكر الإنسان هذه الأمور واستشعرها؛ حمله ذلك على التوبة وعلى صلة الرحم؛ لأن في صلة الرحم أجرًا عظيمًا، وفي قطيعتها إثم كبير وأضرار عاجلة وآجلة، والله الموفق‏.
التوبة
167 ـ أنا شاب قد عصيت الله جل وعلا، وشتمت والديَّ، ولكنّي ندمت كثيرًا، وحاولت معهما أن يسامحاني، ولكن للأسف الشَّديد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً؛ فهل أدخُلُ النَّار‏؟‏ وفَّقكم الله‏.‏
ما دام أنَّك تبت إلى الله توبة صحيحة؛ فإنَّ الله يتوب عليك، ولكن يجب عليك أن تستسمح والديك؛ لأنَّ هذا حقٌّ لمخلوق، ومن شروط التَّوبة إذا كانت من حقِّ المخلوق أن يسمح له ذلك المخلوق عن حقِّه؛ فعليك ببرِّ والديك والإحسان إليهما حتى يرضيا عنك، عليك ببرِّهما والإحسان إليهما والعطف عليهما لعلَّهما يرضيان عنك إن شاء الله تعالى؛ فلا بدَّ من هذا‏.‏
أمَّا لعن الوالدين؛ فإنه كبيرة عظيمة؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لَعَنَ الله مَن لَعنَ والديه‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ وكيف يلعن الرجلُ والديه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يلعنُ أبا الرَّجل فيلعنُ أباهُ، ويلعنُ أمَّهُ فيلعنُ أمَّه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/92‏)‏ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه بلفظ قريب من هذا‏.‏‏]‏؛ هذا إذا لعن أبوي الآخرين؛ فإنَّ هذا سبب يجعل الآخرين يلعنون أبويه؛ فكيف إذا باشر اللعن على والديه‏؟‏‏!‏ الأمر خطير‏.‏
ولكنَّ التوبة تَجُبُّ كلَّ الذُّنوب، التوبة لا يبقى معها ذنب؛ قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 82‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 53‏.‏‏]‏، والله تعالى يفغر الشِّرك ويغفر الكفر إذا تاب منه؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 38‏.‏‏]‏، وقال في النَّصارى الذين يقولون‏:‏ إنَّ الله ثالثُ ثلاثة‏!‏ ويقولون‏:‏ إنَّ الله هو المسيح ابن مريمَ‏!‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 74‏.‏‏]‏‏.‏
فلا تيأس، ولا تقنط، وتُب إلى الله، وأحسن إلى والديك، وسيعطِّفُ الله قلوبهما عليك، ويسمحان عنك إن شاء الله‏.‏
168 ـ أنا شابٌّ أريد أن أتوب إلى الله؛ فماذا أفعل لأتجنَّب المعاصي‏؟‏
التوبة إلى الله واجبة، والمبادرة بها واجبة، لا يجوز تأخير التَّوبة إلى وقت آخر؛ لأنَّ الإنسان لا يدري متى يأخُذُهُ الموت‏.‏
قال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 17‏.‏‏]‏، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏أتبِعِ السَّيِّئة الحسنة تَمحُها‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏6/204‏)‏ من حديث أبي ذر رضي الله عنه‏.‏‏]‏، والإتباعُ معناه المبادرة؛ فمن آداب التَّوبة المبادرة بها وعدم تأخيرها‏.‏
كذلك عليك إذا تبت إلى الله أن تجتنب الأسباب التي أوقعتك في الجريمة؛ تجتنب قرناء السُّوء، تبتعد عن جلساء السوء؛ لأنَّهم هم السببُ في إيقاعك في هذه الجريمة، وتذهب إلى الأخيار، تجالس الأخيار، تلازم الدُّروس وحِلَقَ الذِّكرِ، تبكِّرُ إلى المسجد، تكثر من تلاوة القرآن ومِن ذكر الله سبحانه وتعالى، هذا هو الذي ينبغي للتائب إلى الله‏:‏ أن يبتعد عن كلِّ أسباب المعصية، وأن يقترب من الخير وأسباب الطَّاعة‏.‏
169 ـ رجل كان يتعاطى شرب الخمر وكثيرًا من المعاصي، وقد صدرت بحقه عدة أحكام، ولكنه تاب إلى الله وأصبح مواظبًا على الصلاة مع الجماعة وحريصًا على فعل الخير، ومن ذلك أنه يرغب في الأذان؛ بأن يكون مؤذنًا في المسجد وإمامًا أحيانًا في غياب الإمام الرسمي، ولكن بعض جماعة المسجد يرفضون ذلك منه، وأصَرُّوا على عدم فعله ذلك، وعلى شكواه إن فعل، وربما الاعتداء عليه؛ فهل هم على حق في ذلك أم يجب عليهم تشجيعه والأخذ بيده مادام جاء تائبًا إلى الله، وحكمه حكم المؤلفة قلوبهم‏؟‏
المسلم إذا تاب إلى الله توبة صحيحة مما صدر منه من المعاصي؛ فإن التوبة تَجُبُّ ما قبلها، بل حتى الكافر إذا تاب إلى الله توبة صحيحة؛ فإن توبته تَجُبُّ ما قبلها من الكفر؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 38‏.‏‏]‏، والله جل وعلا يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات؛ فإذا تاب المذنب توبة صحيحة وأصلح العمل بعد التوبة؛ فإن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه ويمحو ما كان من قبل‏.‏
والسائل يذكر أن هذا الرجل تاب إلى الله توبة صحيحة، وأنه أحسن العمل، ولم يُعرَف عنه شيءٌ بعد التوبة من المعاصي؛ فما دام كذلك؛ فإنه لا مانع من إمامته ومن توليه الأذان؛ فالذي يعترض عليه يكون مخطئًا؛ إلا إذا كان يَعرِف من حاله أشياءٌ تتنافى مع مقام الأذان أو مع مقام الإمامة؛ فإذا كان المخالف أو المعارض يعلم من حال هذا الشخص أشياءً لا تتناسب مع مقام الإمامة أو مقام الأذان؛ فله الحق في الاعتراض، أما إذا كان لا يعرف شيئًا، وإنما يبني على الأمور التي كانت من قبل التوبة؛ فهذا خطأ، والواجب أن يُمكَّن من الأذان إذا كان يصلح للأذان، ويُمكَّن من الإمامة إذا كان تتوفر فيه شروط الإمامة‏.‏
170 ـ أذنبت ذنبًا ثم استغفرت الله وعزمت على التوبة، وذلك بأني أقسمت بالله بأن لا أرجع إليه مرة أخرى، ولكن غلبني الشيطان، ثم كررت التوبة وكفَّرت عن اليمين بصيام ثلاثة أيام، ودائمًا أُكثِر بفضل الله من أعمال الطاعات، وتكرر معي هذا الذنب، فكنت أكرر التوبة وصيام الكفارة ثلاثة أيام، ولكني عملت مؤخرًا أن كفارة اليمين تبدأ بإطعام عشرة مساكين؛ فمن لم يجد؛ فصيام ثلاثة أيام؛ فهل تجب علي إعادة الكفارة ‏(‏أي‏:‏ كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين‏)‏ عن كل مرة، أم يكفي ما صمتُه قبل ذلك‏؟‏ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء‏.‏
يجب على المسلم أن يتوب ويبادر بالتوبة، وأن يحافظ على دينه، وأن يبتعد عن المعاصي؛ لأن المعاصي تضره في دينه وفي دنياه، فيجب عليه أن يتوب توبة نصوحًا صادقة عازمة لا تنقص، وأن لا يكون عند المسلم ضعفٌ وخَوَرٌ، وأن يستعيذ بالله من الشيطان ومن هوى النفس ويتغلب على نفسه‏.‏
أما الذي يتوب ثم يعود على الذنب؛ فهذا يدل على ضعف إيمانه وعلى ضعف عزيمته‏.‏
وعلى كل حال؛ فالذي حصل منك نرجو الله أن يغفر لك وأن يعينك على الاستمرار في التوبة الصحيحة‏.‏
أما بالنسبة لكفارة اليمين؛ فكما تبين لك أنها على الترتيب، وأن الصيام هو آخر مرحلة؛ فكفارة اليمين فيها تخيير وفيها ترتيب، فيها تخيير بين العِتقِ ‏(‏عِتق الرقبة‏)‏ أو إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين، فأي خصلة من هذه الخصال الثلاث فعلتها؛ فإنها تكفي؛ فإذا لم تقدر على واحدة من هذه الخصال الثلاث؛ فإنك تنتقل إلى الصيام، فتصوم ثلاثة أيام‏.‏
وما حصل أنك صمت ثلاثة الأيام ابتداء وأنت تقدر على الإطعام أو على كسوة المساكين أو على العتق؛ فإن الصيام لا يجزيك في هذه الحالة؛ فلا بد أن تكفِّر بإحدى الخصال الثلاث التي ذكرنا لك ما دمت تقدر عليها‏.‏
العلم وتعلمه
171 ـ يُلاحظ على الشَّباب في هذه الآونة الأخيرة إهمالهم وزهدهم في تعلُّم العقيدة ومدارستها والاهتمام بها، وانشغالهم بأمور أخرى؛ فما هو توجيه فضيلتكم لمثل هؤلاء الشَّباب‏؟‏
أنصح للشَّباب ولغيرهم من المسلمين أن يهتمُّوا بالعقيدة أوّلاً وقبل كلِّ شيء؛ لأنَّ العقيدة هي الأصل الذي تُبنى عليه جميع الأعمال قبولاً وردًّا، فإذا كانت العقيدة صحيحة موافقة لما جاء به الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام، خصوصًا خاتم الرُّسل نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ سائر الأعمال تقبل، إذا كانت هذه الأعمال خالصةً لوجه الله تعالى، وموافقة لما شرع الله ورسوله، وإذا كانت العقيدة فاسدة، أو كانت ضالَّةً مبنيَّةً على العوائد وتقليد الآباء والأجداد، أو كانت عقيدة شركيَّة؛ فإنَّ الأعمال مردودةٌ، لا يُقبل منها شيء، ولو كان صاحبها مخلصًا وقاصدًا بها وجه الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كانت خالصةً لوجهه الكريم، وصوابًا على سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم‏.‏
فمن كان يريد النَّجاة لنفسه، ويريد قبول أعماله، ويريد أن يكون مسلمًا حقًّا؛ فعليه أن يعتني بالعقيدة؛ بأن يعرف العقيدة الصَّحيحة وما يضادُّها وما يناقضها وما يُنقِصُها، حتى يبني أعمالَه عليها، وذلك لا يكون إلا بتعلُّمِها من أهل العلم وأهل البصيرة الذي تلقَّوها عن سلف هذه الأمَّةِ‏.‏
قال الله سبحانه وتعالى لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 19‏.‏‏]‏‏.‏
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله ترجمةً قال فيها‏:‏ ‏"‏بابٌ‏:‏ العلمُ قبل القول والعمل‏"‏، وساق هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ‏}‏ ؛ حيث بدأ الله سبحانه وتعالى بالعلم قبل القول والعمل‏.‏
وقال الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 1-3‏.‏‏]‏؛ فرتَّب السَّلامة من الخسارة على مسائل أربع‏:‏
المسألة الأولى‏:‏ الإيمان، ويعني‏:‏ الاعتقاد الصَّحيح‏.‏
المسألة الثانية‏:‏ العمل الصالح والأقوال الصَّالحة، وعَطفُ الأقوال الصَّالحة والأعمال الصَّالحة على الإيمان من باب عطف الخاصِّ على العامِّ؛ لأنَّ الأعمال داخلة في الإيمان، وإنَّما عطفها عليه اهتمامًا بها‏.‏
والمسألة الثالثة‏:‏ ‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ‏}‏؛ يعني‏:‏ دعوا إلى الله، وأمروا بالمعروف، ونَهَوا عن المنكر، لمَّا اعتَنَوا بأنفسهم أوّلاً، وعرفوا الطَّريق؛ دعوا غيرهم إلى ذلك؛ لأنَّ المسلم مكلَّفٌ بدعوة الناس إلى الله سبحانه وتعالى، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر‏.‏
‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏، وهذه المسألة الرَّابعةُ‏:‏ الصَّبرُ على ما يُلاقونَه في سبيل ذلك من التَّعب والمشقَّةِ‏.‏
فلا سعادة لمسلم إلا إذا حقَّقَ هذه المسائل الأربع‏.‏
أمَّا الاهتمام الثقافات العامَّة، والأمور الصَّحفيَّةِ، وأقوال الناس، وما يدور في العالم؛ فهذه إنَّما يطَّلع الإنسان عليه بعدما يحقِّق التَّوحيد، ويحقِّقُ العقيدة، ويطَّلِعُ على هذه الأمور؛ من أجل أن يعرف الخير من الشَّرِّ، ومن أجل أن يحذر من ما يدور في السّاحة من شرور ودعايات مضلِّلة، لكن هذا بعدما يتسلَّحُ بالعلم ويتسلَّحُ بالإيمان بالله ورسوله، أمَّا أن يدخل في مجالات الثَّقافة والأمور الصَّحفيَّة وأمور السِّياسة وهو على غير علم بعقيدته وعلى غير علم بأمور دينه؛ فإنّ هذا لا ينفعُه شيئًا، بل هذا يشتغلُ بما لا فائدة له منه، ولا يستطيع أن يميِّزَ الحقَّ من الباطل‏.‏
كثير ممَّن جَهِلوا العقيدة واعتَنَوا بمثل هذه الأمور ضلُّوا وأضلُّوا ولبَّسوا على الناس؛ بسبب أنَّهم ليس عندهم بصيرة وليس عندهم علمٌ يميِّزون به بين الضَّار والنَّافع، وما يُؤخذ وما يترك، وكيف تعالج الأمور؛ فبذلك حصل الخلل، وحصل اللَّبْسُ عند كثير من الناس؛ لأنَّهم دخلوا في مجالات الثَّقافة ومجالات السِّياسة؛ من غير أن يكون عندهم علمٌ بعقيدتهم وبصيرة من دينهم، فحسبوا الحقَّ باطلاً، والباطل حقًّا‏.‏
172 ـ لقد أعرض كثير من الشَّباب عن قراءة كتب السَّلف الصَّالح وتصحيح العقيدة عليها؛ ككتاب ‏"‏السُّنَّة‏"‏ لابن أبي عاصم وغيره، التي توضِّحُ منهج أهل السُّنَّة والجماعة وموقفهم من السُّنَّة وأهلها والبدع وأهلها، وانشغلوا بالقراءة لمن يُسَمَّون بالمفكِّرين والدُّعاة، الذي يوجد في كلامهم ما يناقض كتب السَّلف، ويُقَرِّرون خلافها؛ فبماذا توجِّهون هؤلاء الشَّباب‏؟‏ وما هي الكتب السَّلفيَّةُ التي تنصحونهم بقراءتها وبناء العقيدة وتصحيحها عليها‏؟‏
هذا سؤال متفرع عن السُّؤال السَّابق، وهول‏:‏ لمَّا عرفنا أنه يجب العناية بالعقيدة وتعلُّمُها وتعلُّم ما يجب على الإنسان نحوها؛ فإنه يأتي السؤالُ‏:‏ ما هي المصادر التي تؤخذُ منها هذه العقيدة‏؟‏ ومن هم الذين نتلقَّى عنهم هذه العقيدة‏؟‏
المصادر التي تؤخذ عقيدة التَّوحيد وعقيدة الإيمان منها هي الكتاب والسُّنَّةُ ومنهجُ السَّلف الصَّالح؛ فإن القرآن قد بيَّن العقيدة بيانًا شافيًا، وبيَّن ما يُخالِفُها وما يضادُّها وما يخلُّ بها، وشخَّصَ كلّ الأمراض التي تُخِلُّ بها، وكذلك سنَّةُ الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته ودعوته وأحاديثه صلى الله عليه وسلم، وكذلك السَّلف الصَّالح والتَّابعون وأتباع التَّابعين من القرون المفضَّلة قد اعتنوا بتفسير القرآن وتفسير السُّنَّة وبيان العقيدة الصَّحيحة منهما وتبيينها للنَّاس، فيُرجَعُ بعد كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى كلام السَّلف الصَّالح، وهو مدوَّن ومحفوظ في كتب التفسير وشروح الحديث، ومدوَّن أيضًا بشكل خاصٍّ في كتب العقائد‏.‏
وأمَّا من يُتَلَقَّى عنه العقيدة؛ فهم أهل التَّوحيد وعلماء التَّوحيد الذين درسوا هذه العقيدة دراسة وافية وتفقَّهوا فيها، وهم متوفِّرون ولله الحمد، خصوصًا في هذه البلاد؛ بلاد التَّوحيد؛ فإنَّ علماء هذه البلاد على وجه الخصوص وعلماء المسلمين المستقيمين على وجه العموم لهم عناية بعقيدة التَّوحيد؛ يدرُسونها، ويفهَمونها، ويوضِّحونها للناس، ويدعون إليها؛ فالرُّجوع إلى أهل التَّوحيد وإلى علماء التَّوحيد الذين سَلِمَت عقيدتهم وصَفَتْ؛ فهؤلاء هم الذين تؤخذ عنهم عقيدة التَّوحيد‏.‏
أما الانصراف عن العقيدة إلى كتب الثَّقافات العامَّة والأفكار المستوردة من هنا وهناك؛ فهذه لا تُغني شيئًا، وهي كما يقول القائل‏:‏ لحمُ جملٍ غثٌّ فوق جبل صعب وعر‏!‏ هذه كتبٌ لا يضرُّ الجهل بها، ولا ينفع العلم بها‏.‏
ولكن من تضلَّع بعلوم التَّوحيد وعلوم العقيدة الشرعية، وأراد أن يطَّلِع عليها من باب معرفة نعمة الله سبحانه وتعالى عليه؛ بأن هداه للعقيدة الصَّحيحة، وحرمَ هؤلاء الذين انشغلوا بالقيل والقال، وملؤوا الكتب والصُّحف بالكلام الذي لا طائل تحته، وشرُّه أكثر من خيره؛ فهذا لا بأس به، على ألا ينشغل عن قراءة ما يُفيد‏.‏
فلا يجوز لطالب العلم والمبتدئ بالخصوص أن يشتغل بهذه الكتب؛ لأنها لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوع، وإنما تأخذ الوقت، وتشتِّتُ الفكر، وتضيِّعُ الزَّمانَ على الإنسان‏.‏
فالواجب على الإنسان أن يختار الكتب النافعة، والكتب المفيدة، والكتب التي تعتني بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتشرحُ فهمَ السَّلف الصَّالح لها؛ فالعلم ما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن القيِّم رحمه الله‏:‏
العلـمُ قال الله قـال رسـولُهُ ** قال الصحابة هم أُولو العرفان
ما العلمُ نصْبَكَ للخلاف سفاهة ** بين النُّصوص وبين رأي فلان (1)
173 ـ كثير من الشباب زهدوا في متابعة الدُّروس العلميَّة المسجَّلة ولزوم دروس أهل العلم الموثوقين، واعتبروها غير هامَّة، أو قليلة النَّفع، واتَّجَهوا إلى المحاضرات العصريَّة التي تتحدَّث عن السياسة وأوضاع العالم؛ لاعتقادهم أنَّها أهمُّ؛ لأنَّها تعتني بالواقع؛ فما نصيحتكم لهؤلاء الشباب‏؟‏
هذا كما سبق؛ الاشتغال بالمحاضرات العامَّة والصَّحافة وبما يدور بالعالم دون علم بالعقيدة ودون علم بأمور الشَّرع تضليل وضياع، ويصبح صاحبها مشوَّش الفكر؛ لأنه استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير‏.‏
والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعلُّم العلم النافع أولاً؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 19‏.‏‏]‏، ‏{‏قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 9‏.‏‏]‏، ‏{‏إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 28‏.‏‏]‏، ‏{‏وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 114‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من الآيات التي تحثُّ على طلب العلم المنزَّل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ هذا هو العلم النافع المفيد في الدُّنيا والآخرة، وهذا هو النُّورُ الذي يبصِرُ الإنسان به الطَّريق إلى الجنة وإلى السَّعادة والطَّريق إلى العيشة الطَّيّبة النزيهة في الدُّنيا‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 174-175‏.‏‏]‏‏.‏
ونحن نقرأ سورة الفاتحة، وفيها الدُّعاء العظيم‏:‏ ‏{‏اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 6-آخرها‏.‏‏]‏‏.‏
والذي أنعم الله عليهم هُم الذين جمعوا بين العلم النَّافع والعمل الصالح ‏{‏مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 69‏.‏‏]‏‏.‏
و‏{‏غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 7‏.‏‏]‏ ‏:‏ هُم الذين أخذوا العِلم وتركوا العمل‏.‏
‏{‏وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 7‏.‏‏]‏ ‏:‏ هم الذين أخذوا العمل وتركوا العلم‏.‏
فالصنف الأوّل مغضوب عليه؛ لأنه عصى الله على بصيرة، والصِّنف الثاني ضالٌّ؛ لأنه عمل بدون علم، لا ينجو إلا الذين أنعم الله عليهم، وهم أهل العلم النَّافع والعمل الصَّالح؛ فيجب أن يكون هذا لنا على بالٍِ‏.‏
وأما الاشتغال بواقع العصر كما يقولون، أو فقه الواقع؛ فهذا إنما يكون بعد الفقه الشرعيِّ؛ إذ الإنسان بالفقه الشرعيِّ ينظر إلى واقع الناس وما يدور في العالم وما يأتي من أفكار ومن آراء، ويعرضها على العلم الشرعيِّ الصَّحيح؛ ليميز خيرها من شرِّها، وبدون العلم الشرعيِّ؛ فإنه لا يُميِّزُ بين الحقِّ والباطل والهُدى والضَّلال؛ فالذي يشتغل بادئ ذي بدء بالأمور الثقافية والأمور الصَّحافيّة والأمور السياسيّة، وليس عنده بصيرة من دينه؛ فإنّه يَضِلُّ بهذه الأمور؛ لأنَّ أكثر ما يدور فيها ضلالة ودعية للباطل وزُخرُفٌ من القول وغرور، نسأل الله العافية والسَّلامة‏.‏
174 ـ الأخذ بمناهج دعويَّة مستوردة وافدة؛ هل لذلك أثر على العقيدة، إذا علمنا ضعف عقيدة المتبوعين، أو ضعف عقيدة الولاء والبراء، أو عدم التَّفريق بين الفرق الضَّالَّة بمناهجهم عند أولئك‏؟‏ وجزاكم الله خيرًا‏.‏
الفيصل في هذا هو اتِّباع منهج الرُّسل، خصوصًا خاتَمَ الرُّسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وخاتم الرُّسل كان أوَّل ما يأمر التَّوحيدُ، ويوصي دعاته أن يدعوا أوَّل شيء إلى التَّوحيد، ثم يأمرُ بعد ذلك بأوامر الدِّين من صلاة وزكاة وصيامٍ وحجٍّ‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ‏:‏ ‏(‏فليَكُن أوَّلَ ما تدعوهُم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هُم أطاعوكَ لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ إلى آخر الحديث ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/108‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
ثم أيضًا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة مأخوذ من سيرته ومن كتابه الله؛ لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏، ويقول تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏.‏‏]‏‏.‏
‏{‏أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏}‏‏:‏ فيجب على الدَّاعية أن يكون مخلصًا في نيَّته، بأن يكون قصده الدَّعوة إلى الله، ليس قصده الدَّعوة إلى نفسه أو الدَّعوة إلى شخص معيَّن أو منهج معيَّن أو طائفة معيَّنة، وإنما يقصد الدَّعوة إلى الله، وإخراج الناس من الظُّلُمات إلى النُّور، ونفع الناس، هذا قصدُ الدَّاعية المخلص‏.‏
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى على هذه الآية‏:‏ ‏{‏أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏}‏؛ قال‏:‏ ‏"‏فيه وجوبُ الإخلاصِ في الدَّعوةِ؛ لأنَّ بعض الناس إنما يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الله‏"‏ ‏(2).‏
فالذي يدعو إلى نفسه، أو يدعو إلى طائفة، أو يدعو إلى منهج، أو يدعو إلى متبوع؛ لا يدعو إلى الله، وإنما يدعو إلى ما دعا إليه من غير الله‏.‏
فالواجب على الدَّاعية أن يكون قصدُه الإخلاص لله عز وجل، ويكون قصده نَفْعَ الناس وإخراجهم من الظُّلمات إلى النُّور، لا التحزُّب ولا التّجمُّع مع الطَّوائف الأخرى، ولا المنازعات ولا الخصومات، ولا الانتصار لفلان أو علاّن، وإنما ينتصر للحقِّ، ويتَّبعُ منهج الحقِّ، هذا هو الذي يدعو إلى الله على المنهج الصَّحيح‏.‏
الدَّعوة إلى الله بالإخلاص، الدَّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسنُ‏.‏
هذا منهج الدَّعوة الملخَّصُ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن سار على هذا المنهج؛ فهو الدَّاعية إلى الله حقًّا، ومن خالف هذا المنهج؛ فإنه ليس داعيةً إلى الله، وإنما هو داعية لما أراد من الأمور الأخرى؛ فلا بدَّ من هذا المنهج‏.‏
والمنهج في الإسلام واحد، لا مناهج في الإسلام؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 6، 7‏.‏‏]‏؛ هذا منهج الإسلام، وهذه المناهج الأخرى، وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 153‏.‏‏]‏‏.‏
ليس في الإسلام إلا منهج واحد؛ منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي سار عليه السَّلف الصَّالح من الصَّحابة والتَّابعين ومن جاء بعدهم من الدُّعاة والمجدِّدين لدين الله، منهج واحدٌ، لا انقسام فيه ولا اختلاف‏.‏
وعلامة هذا المنهج أنَّ الذين عليه لا يختلفون، بل يكونون جماعة واحدة، لا يختلفون فيها، بل يكونون مع الذين أنعم الله عليهم من النّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وعلامة المناهج المنحرفة وجود الاختلافات بين أهلها، والعداوة بين أهلها، والنِّزاع بين أهلها؛ فهذا هو الفارق‏.‏
الواجب أن نكون على منهج واحد، منهج الكتاب والسُّنَّة وسلف هذه الأمة، وهو المنهج الصَّحيح الذي يجب أن نسير عليه في دعوتنا إلى الله، وفي عملنا، وفي علمنا، وفي جميع أمورنا، لو أخذنا بهذا؛ لم يحصل اختلافٌ، ولم يحصل عداوات، ولم يحصل تفرُّقٌ، إنما يحصل التَّفرُّقُ من مخالفة هذا المنهج، والتماس مناهج أخرى، هذا هو الذي يوجب التفرق واختلاف‏.‏
175 ـ لماذا يهتمُّ كثيرٌ من المسلمين بعلم العقيدة، وما المقصود بالعقيدة والإيمان والتوحيد‏؟‏ وهل هناك فرق بين هذه المصطلحات‏؟‏ وما رأيكم فيمن يقول‏:‏ إنَّ بعض أمور العقيدة وموضوعاتها قد انتهى ومضى زمنها، وبالتَّالي لا جدوى من تعميم دراستها‏؟‏
يهتمُّ الموفَّقون من المسلمين بعلم العقيدة اقتداء بالرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ حيث كانوا يبدؤون دعوتهم بتصحيح العقيدة؛ لأنها هي الأساس الذي يُبنى عليه سائر الأعمال؛ فإذا صحَّتِ العقيدةُ؛ صحَّتِ الأعمال الشرعيَّةُ، وما لم تصحَّ العقيدةُ؛ لم تصحَّ الأعمال‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 65‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 88‏.‏‏]‏‏.‏
والمقصود بالعقيدة والإيمان والتَّوحيد شيء واحد؛ من حيث إنَّها عمل قلبيٌّ، ويزيد الإيمان باقترانه مع ذلك - أي‏:‏ كونه اعتقادًا بالقلب - أنه أيضًا قولٌ باللسان وعمل بالجوارح‏.‏
وجميع أمور العقيدة وموضوعاتها لابدَّ من معرفتها والعناية بها في كل زمان ومكان، ولا ينتهي العمل بها إلى أن تقوم السَّاعة‏.‏
والذي يرى أنَّ بعض أمور العقيدة ومواضيعها قد انتهى وقتُها؛ لا يخلو‏:‏
إمَّا أن يكون جاهلاً لا يعرف مواضيع العقيدة وأهمِّيَّتها‏.‏
وإمَّا أن يكون عنده خلل في عقيدته، ويريد التستُّر على هذا الخلل؛ لئلا ينكشف‏.‏
كالذين يقولون‏:‏ اتركوا الكلام في موضوع توحيد الألوهيَّةِ؛ لأنَّ هذا يفرِّقُ بين المسلمين، واكتفوا بالكلام في توحيد الرُّبوبيَّة، وإثبات وجود الله، والرَّدِّ على الملاحدة والشُّوعيِّيين، ولا تتعرَّضوا لعبَّاد القبور والأضرحة‏!‏
وكالذي يقول‏:‏ اتركوا الكلام في موضوع إثبات الأسماء والصِّفات والرَّدِّ على ما من يتعرَّض لها بنفي أو تأويل‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك‏.‏
وكلُّ هذا كلام باطل لابدَّ من كشف زيفِهِ وبيان مغزاه وتعرية مضمونه الباطل وما ينطوي عليه من سوء معتقد‏!‏ والرَّسول صلى الله عليه وسلم جاء ببيان العقيدة للناس، وبيان ما يفسدها قبل كل شيء، وكثير من آيات القرآن وسوره في توضيح هذا الأمر ووجوب بيانه للناس؛ فهل يريد هؤلاء منَّا أن نترُك القرآن وما فيه من بيان العقيدة ‏؟‏‏!‏‏!‏
176 ـ هناك من يزهد في دروس العقيدة، ويقول‏:‏ نحن مسلمون ولسنا بكفرة أو مشركين حتى نتعلم العقيدة أو ندرسها في المساجد‏.‏ فما توجيه فضيلتكم حيال هذا‏؟‏
ليس معنى تدريس العقيدة وتعليم العقيدة أننا نحكم على الناس أنهم كفَّار، نحن ندرسها للمسلمين والموحدين من أجل أن يعرفوها تمامًا ويعرفوا ما يناقضا ويعرفوا ما يضادها‏.‏
وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صحابي جليل يقول‏:‏ ‏(‏كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن أقع فيه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في صحيحه ‏(‏4/178‏)‏ من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول‏:‏ ‏"‏يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية‏"‏‏.‏
فنحن إذا درسنا العقيدة ليس معناه أننا نحكم على الناس بالكفر، لا بل معناه أننا نريد أن نعرف العقيدة الصحيحة حتى نتمسك بها ونعرف ما يضادها حتى نتجنبها‏.‏
الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 19‏.‏‏]‏؛ فلا بد أن الإنسان يتعلم ولا يكتفي أنه يقول‏:‏ إنني أنا مسلم‏!‏ أنت مسلم والحمد لله؛ لكن لو سألناك‏:‏ ما هو الإسلام‏؟‏ أو قلنا لك‏:‏ عرِّف لنا الإسلام‏؟‏ فالكثيرون لا يستطيعون أن يُعرِّفوا الإسلام تعريفًا صحيحًا‏.‏ ولو قلت‏:‏ بين لي نواقض الإسلام‏؟‏ فالكثيرون لا يعرفون نواقض الإسلام، وإذا جهلها؛ يوشك أن يقع فيها وهو لا يدري‏.‏ ولو قلت‏:‏ بيِّن لي أركان الإسلام، أو‏:‏ بيِّن لي أركان الإيمان التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم واشرحها لي‏.‏ لوجدنا الكثيرين لا يعرفون ذلك‏.‏
كيف تقول‏:‏ إنك مسلم وأنت لا تعرف هذه الأمور‏؟‏
بل إن الكثير من الدعاة لا يعرفون شروط الصلاة، ولا يعرفون أحكام الوضوء، ولا يعرفون نواقض الوضوء، ولا يعرفون أركان الصلاة، وواجبات الصلاة، ولا يعرفون مبطلات الصلاة، أين هؤلاء من الإسلام‏؟‏‏!‏
الإسلام ليس دعوى فقط، الإسلام حقيقة ومعرفة‏.‏‏.‏‏.‏ لا بد من المعرفة والعلم والبصيرة؛ لأن الذي لا يعلم يقع في الخطر وهو لا يدري، مثل الجاهل الذي يسير في طريق لا يعرفه، وهذا الطريق فيه حفر وفيه أعداء وسباع؛ يقع في الخطر وهو لا يدري‏.‏
فلا بد من تعلُّم التوحيد؛ لأن التوحيد هو الأساس، ولا يزهد في تعلم التوحيد إلا أحد رجلين‏:‏ إما جاهل، والجاهل لا عبرة به، وإما مغرض مُضِل يريد أن يصرف الناس عن عقيدة التوحيد، ويريد أن يسدل الغطاء على عقائد المنحرفين الذين ينتسبون إلى الإسلام وعقائدهم فاسدة، يريد أن يرُخي الستار عليها، ولا ينكر عليها، ويدخلوا مع الناس، ويتزعموا الناس، وهم أصحاب عقائد منحرفة‏.‏ هذا يمكن يريده كثير من هؤلاء‏.‏
والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 122‏.‏‏]‏، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن يُرِد الله به خيرًا؛ يُفَقِّههُ في الدِّين‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/25، 26‏)‏ من حديث معاوية رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فمفهوم الحديث أن الذين لا يريد الله به خيرًا لا يفقهه في الدين؛ فهذا الذي يقول‏:‏ لا تتعلموا العقيدة‏!‏ يقول‏:‏ لا تتفقهوا في الدين‏!‏ وهذا إما جهل وإما تضليل‏.‏
177 ـ كيف تنعكس العقيدة على حياة المسلم وتصرُّفاته‏؟‏
كما أشرنا؛ إذا صحَّت العقيدة؛ صحَّت أعمال المسلم؛ لأنَّ العقيدة الصحيحة تحمل المسلم على الأعمال الصَّالحة، وتوجِّهه إلى الخير والأفعال الحميدة، وإنه إذا شهد أن لا إله إلا الله شهادة مبنيَّة على علم ويقين ومعرفة لمدلولها؛ توجه إلى الأعمال الصَّالحة؛ لأنَّ شهادة أن لا إله إلا الله ليست مجرَّد لفظ يقال باللسان، بل هي إعلان للاعتقاد والعمل، ولا تصحُّ هذه الشَّهادة، ولا تنفع؛ إلا إذا قام بمُقتضاها من الأعمال الصَّالحة، فأدَّى أركان الإسلام وأركان الإيمان وما زاد على ذلك من أوامر الدِّين وشرائعه وسننه ومكمِّلاته‏.‏
178 ـ إضافةً لحالة التردِّي تعيش الأمة الإسلاميَّة حالة اضطراب فكري، خصوصًا فيما يتعلَّق بالدِّين؛ فقد كثُرت الجماعات والفرق الإسلاميَّة التي تدَّعي أنَّ نهجها هو المنهج الإسلاميُّ الصَّحيح الواجب الاتِّباع، حتى أصبح المسلم في حيرة من أمره؛ أيَّها يتَّبعُ‏؟‏ وأيها على الحق‏؟‏
التّفرُّق ليس من الدين، لأن الدِّين أمرنا بالاجتماع، وأن نكون جماعة واحدة وأمَّة واحدة على عقيدة التَّوحيد وعلى متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 92‏.‏‏]‏، ويقول تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏.‏‏]‏، وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 159‏.‏‏]‏، وهذا وعيد شديد في التفرُّق والاختلاف؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 105‏.‏‏]‏‏.‏
الإسلام دين الجماعة ودين الإلفة والاجتماع، والتفرُّق ليس من الدِّين؛ فتعدُّد الجماعات هذا ليس من الدِّين؛ لأنَّ الدِّين يأمرنا أن نكون جماعةً واحدةً، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏المسلم للمسلم كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضًا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏7/80‏)‏ بلفظ‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن‏)‏؛ من حديث أبي موسى‏.‏‏]‏، ويقول‏:‏ ‏(‏مَثَلُ المؤمنين في توادِّهِم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1999-2000‏)‏ من حديث أبي موسى‏.‏‏]‏‏.‏
إنّ البنيان وإنَّ الجسد شيء واحد متماسك، ليس فيه تفرُّقٌ؛ لأنّ البنيان إذا تفرَّق؛ سقط، كذلك الجسم إذا تفرَّق؛ فقد الحياة‏.‏ ولا بدَّ من الاجتماع، وأن نكون جماعة واحدةً، أساسُها التَّوحيدُ، ومنهجُها دعوة الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ومسارُها على دين الإسلام؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 153‏.‏‏]‏‏.‏
فهذه الجماعات وهذا التفرُّقُ الحاصل على السَّاحة اليوم لا يُقِرُّهُ دين الإسلام، بل ينهى عنه أشدَّ النَّهي، ويأمر بالاجتماع على عقيدة التَّوحيد، وعلى منهج الإسلام؛ جماعة واحدة، وأمة واحدة؛ كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك‏.‏
والتفرُّقُ وتعدُّدُ الجماعات وإنما هو من كيد شياطين الجنِّ والإنس لهذه الأمة؛ فما زال الكفَّارُ والمنافقون من قديم الزَّمان يدسُّونَ الدَّسائس لتفريق الأمَّة؛ قال اليهود من قبل‏:‏ ‏{‏آمِنُواْ بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 72‏.‏‏]‏؛ أي‏:‏ يرجع المسلمون عن دينهم إذا رأوكم رجعتم عنه، وقال المنافقون‏:‏ ‏{‏لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 7‏.‏‏]‏، ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 107‏.‏‏]‏‏.‏
179 ـ هناك من يتساهل في أهمِّيَّة العقيدة، ويرى أن الإيمان يكفي؛ هل لكم في بيان أهمِّيَّة العقيدة للمسلم، وكيف تنعكس عليه في حياته وفي علاقاته مع نفسه ومجتمعه ومع غيره المسلمين‏؟‏
إنَّ تصحيح العقيدة هو الأصل؛ لأنَّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هي أوَّل أركان الإسلام، والرُّسل أول ما تدعوا الأمم إلى تصحيح العقيدة؛ لأجل أن تنبني عليها سائر الأعمال من العبادات والتّصرُّفات، ودون تصحيح العقيدة لا فائدة من الأعمال‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 88‏.‏‏]‏؛ أي‏:‏ لبطلت أعمالُهم‏.‏
وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 72‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 65‏.‏‏]‏‏.‏
من هذه النُّصوص وغيرها يتبيَّنُ ما لتصحيح العقيدة من أهميَّة، وهي أول أوَّليات الدَّعوة، وأوَّل ما تقوم الدَّعوة على تصحيح العقيدة؛ فقد مكث النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مكة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة؛ يدعو الناس إلى تصحيح العقيدة، وإلى التَّوحيد، ولم تُنزَل عليه الفرائض إلا في المدينة، نعم؛ فُرِضَت الصلاة عليه في مكة قبل الهجرة، وبقيَّة الشَّرائع إنما فُرِضَت عليه بعد الهجرة، ممَّا يدلُّ على أنه لا يطالَبُ بالأعمال إلا بعد تصحيح العقيدة‏.‏
وهذا الذي يقول‏:‏ إنه يكفي الإيمان دون الاهتمام بالعقيدة‏!‏ هذا تناقض؛ لأنَّ الإيمان لا يكون إيمانًا إلا إذا صحَّتِ العقيدة، أمَّا إذا لم تكن العقيدة صحيحةً؛ فليس هناك إيمانٌ ولا دينٌ‏.‏
180 ـ ما الواجب على المسلم أن يعرفه من دينه عقيدة وشريعة‏؟‏
يجب على المسلم أن يعرف جميع أمور دينه عقيدة وشريعة؛ بأن يتعلَّم أمور العقيدة، وما يجب لها، وما يضادُّها، وما يكمِّلُها، وما يُنقِصُها، حتى تكون عقيدته عقيدة صحيحة سليمة، ويجب عليه كذلك أن يتعلَّم أحكام دينه العمليَّة، حتى يؤدِّي ما أوجبه الله عليه، ويترك ما حرَّمَ الله عليه على بصيرة‏.‏
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 19‏.‏‏]‏؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل‏.‏
فلا بدَّ من العلم والعمل؛ فالعلم بدون عمل لا يكفي، وإنما يكون مغضوبًا على صاحبه، ويكون حجَّةً على الإنسان، والعمل بدون علم لا يصحُّ؛ لأنه ضلال، وقد أمرنا الله أن نستعيذ من طريق المغضوب عليهم والضَّالين في آخر سورة الفاتحة في كلِّ ركعةٍ من صلاتنا‏.‏
181 ـ نلاحظ عزوف عدد كبير من الناس عن مجالس العلم المقامة في هذا البلد، وعدم التَّشجيع على هذا المجال من بعض الأهالي، بل قد يكون هناك تثبيط بدلاً من التَّشجيع؛ رغم قلّة هؤلاء؛ إلا أنهم يكثرون من التّشدُّق بالقول، مع الاستهانة بأعراض طلبة العلم، ومحاولة صدِّهم وتشويه دورهم ودَورِ أهل الخير؛ فما توجيهُكم‏؟‏
نقول‏:‏ الله يهديهم ويدلُّهم على الخير، وهذا الأمر لا يجوز؛ فلا يجوز للإنسان أن يتساهل في حضور مجالس العلم والسَّعي إليها؛ لأنَّه قد يستفيد فائدة تكون سببًا لدخوله الجنَّة، قد يسمع كلمة واحدة تكون سببًا لدخوله الجنَّة ونجاته من النار‏.‏
والإعراض عن حضور مجالس العلم فيه خطورة عظيمة، وقد ذكر بعض أهل العلم أنَّ الإعراض عن دين الله لا يعلِّمُه ولا يتعلَّمُه ردَّةٌ عن الإسلام؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 3‏.‏‏]‏، وإن كان إن شاء الله هؤلاء لم يهجروا ويُعرِضوا، وإنما لم يحرصوا على حضور مجالس العلم عن كسل وتهاون لا عن عدم رغبة فيها، وهؤلاء قد حرموا أنفسهم من خير كثير‏.‏
أمَّا إذا كان عدم الحضور لأنهم لا يرون العلم ولا يرون تعلُّمَه؛ فهذا خطر عظيم، أو يسخرون من العلم، ويسخرون من العلماء؛ فهذا يكون ردَّةً عن الإسلام‏.‏
182 ـ ما هي أفضل الكتب وأسهلها والتي أُلِّفَت في العقيدة‏؟‏
الكتب التي أُلِّفَت في بيان العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة كتب كثيرة والحمد لله، منها المختصر ومنها المطوَّلُ، ومن أخصرها وأسهلها‏:‏ رسالة ‏"‏ثلاثة الأصول‏"‏، ورسالة ‏"‏كشف الشُّبهات‏"‏، وكتاب ‏"‏التَّوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد‏"‏، وكلُّها لشيخ الإسلام الإمام المجدِّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وشروح كتاب ‏"‏التوحيد‏"‏؛ مثلُ ‏"‏فتح المجيد‏"‏، و‏"‏قرة عيون الموحِّدين‏"‏؛ كلاهما للشَّيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله، وغيرهما، ومن الكتب السهلة المختصرة في العقيدة‏:‏ ‏"‏العقيدة الواسطيَّة‏"‏ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، وكتاب ‏"‏شرح الطَّحاوية‏"‏ للعزِّ بن أبي العزِّ الحنفي، وكذا قسم العقيدة من ‏"‏مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة‏"‏، ومجموعُ فتاوى ورسائل علماء نجد المسمَّى بـ‏"‏الدُّرر السّنّيَّة‏"‏ جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، وكتاب ‏"‏إغاثة اللَّهفان‏"‏ للإمام ابن القيِّم، و‏"‏المنظومة النُّونيَّةُ‏"‏ له، وكتاب ‏"‏الصواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة‏"‏ له أيضًا‏.‏
الدعوة والدعاة
183 ـ نحن شباب لدينا بعض العلم، وقد طُلِبَ منا الذهابُ إلى الجمهورية السوفييتية المسلمة؛ حيث يعاني المسلمون هناك من الجهل ودخول بعض الفرق المنحرفة لتضليلهم؛ فهل يجوز لنا الذهاب هناك والدعوة إلى توحيد الله والعقيدة الصحيحة؛ علمًا بأن الذهاب يكون شهرًا واحدًا في الإجازة الصيفية‏؟‏ أفيدونا وفقكم الله‏.‏
لا شك أن هذا أمر مهم، والذهاب إلى هؤلاء لدعوتهم للإسلام وإلى تصحيح العقيدة مهم جدًا، وهو من الجهاد في سبيل الله، وفيه أجر عظيم، ولكن هذا لمن يكون عنده الاستطاعة العلمية؛ بأن يكون عنده علم يستطيع أن يبين للناس العقيدة الصحيحة ويبين للناس ما يضاد العقيدة أو يُنقِص العقيدة من الشركيات والبدع؛ فإذا كان عنده استعداد علمي؛ فهذا من أفضل الأعمال؛ فليذهب ويدعُ إلى الله ويُعلِّم ويُرشِد، وهو مُثابٌ إذا صَلُحَت نيَّتُه‏:‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن دعا إلى هُدىً؛ كان له مِنَ الأجر مثلَ أجورِ مَن تَبِعَهُ، لا ينقص ذلك من أُجُورِهِم شيئًا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2060‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 33‏.‏‏]‏‏.‏
الدعوة إلى الله من أفضل الأعمال، لكن بشرط أن يكون الداعية مؤهلاً بالعلم النافع‏.‏
184 ـ وما رأي فضيلتكم في ذلك التراشق المكتوب والمسموع الذي حدث بين بعض العلماء‏؟‏ وألا ترون أن جلوسهم للحوار كان أجدى‏؟‏ وأن ذلك ربما أفسد مشاريعهم الإسلامية‏؟‏
العلماء المعتبرون لم يحصل بينهم شيء مما ذُكِر في السؤال، وإنما الذي يمكن حدوثه من ذلك هو بين بعض المتعلمين والشباب المتحمسين، ونسأل الله لهم الهداية والتوفيق، وندعوهم إلى ترك هذا العمل المشين، والتآخي فيما بينهم على البر والتقوى، والرجوع إلى أهل العلم فيما أُشكِلَ عليهم، وعليهم بدراسة منهج أهل السنة والجماعة على أيدي العلماء، حتى يتضح لهم الحق، ويستبين لهم طريقُ الصواب، وألا يتأثروا بالأفكار الوافدة التي تريد تفريق جماعتهم وفصلهم عن مشائخهم ومنهج سلفهم الصال؛ فإن الفتنة إنما حدثت وتحدث بين شباب المسلمين بسبب الإصغاء إلى الأفكار الوافدة المشبوهة والإعراض عن المنهج الصحيح‏.‏
185 ـ ما هي أوصاف العلماء الذين يُقتَدَى بهم‏؟‏
أوصاف العلماء الذين يُقتَدَى بهم هم أهل العلم بالله سبحانه وتعالى، الذين تفقَّهوا في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحَلَّوا بالعلم النَّافع والعمل الصَّالح؛ فلا يُقتدى بعالم لا يعمل بعلمه، ولا يُقتدى بجاهل ليس عنده علم، ولا يُقتدى إلا بمن جمع بين الأمرين‏:‏ العلم النافع، والعمل الصَّالح‏.‏
وبالنسبة للذين يُقتدى بهم في بلادنا ومن تؤخذ أشرطتهم، وهم كثيرون ولله الحمد، معروفون عند الناس، لا يجهلُهُم أحد، لا البادية ولا الحاضرة، ولا الكبار ولا الصِّغارُ، هم القائمون على أعمال هذه الأمة من الفتوى والقضاء والتَّدريس وغير ذلك، الذين عُرِفَ عنهم العلم والتُّقى والورع، وعلى رأس علمائنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله؛ فإنه رجل مَنَّ الله عليه بالعلم الغزير والعمل الصَّالح والدَّعوة إلى الله والإخلاص والصِّدق وما لا يخفى على كلِّ أحد، وهو ولله الحمد صدر عنه خير كثير من الكتابات من والمؤلَّفات ومن الأشرطة ومن الدُّروس، وكذلك العلماء الذين يُفتون في برنامج ‏(‏نور على الدَّرب‏)‏، هؤلاء أيضًا ولله الحمد عُرفت عنهم الفتاوى الصَّائبة والأقوال النَّافعة في الغالب، وكذلك إخوانهم من أصحاب الفضيلة كبار القُضاة؛ لأنه لا يشتغل بالقضاء ويثق الناس به في دمائهم وأموالهم وفروجهم إلا من كان موثوقًا بعلمه‏.‏
إنَّ هؤلاء لهم جهود في الدَّعوة والإخلاص والرَّدِّ على من يريدون الانحراف بالدَّعوة عن طريقها الصَّحيح، سواء عن قصد أو عن غير قصد، هؤلاء لهم تجارب ولهم خبرة وسبرٌ للأقوال ومعرفة الصَّحيح من السَّقيم، فيجب أن تُروَّج أشرطتهم ودروسهم، وأن يُنتَفَع بها؛ فإنَّ فيها فائدة كبيرة للمسلمين، وكلُّ عالم لم يُجَرَّب عليه خطأ ولم يُجرَّب عليه انحراف في سيرة أو فكر؛ فإنه يؤخذ عنه‏.‏
186 ـ لقد كثر المنتسبون إلى الدَّعوة هذه الأيام، مما يتطلَّب معرفة أهل العلم المعتبرين، الذين يقومون بتوجيه الأمَّة وشبابها إلى منهج الحقِّ والصَّواب؛ فمن هم العلماء الذين تنصح الشّباب بالاستفادة منهم ومتابعة دروسهم وأشرطتهم المسجَّلة وأخذ العلم عنهم والرُّجوع إليهم في المهمَّات والنَّوازل وأوقات الفتن‏؟‏
الدَّعوة إلى الله أمر لابدّ منه، والدِّين إنَّما قام على الدّعوة والجهاد بعد العلم النَّافع؛ ‏{‏إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 3‏.‏‏]‏؛ فالإيمان يعني العلم بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وعبادته، والعمل الصَّالح يكون فرعًا من العلم النَّافع؛ لأنَّ العمل لا بدَّ أن يؤسَّس على علم‏.‏
والدَّعوة إلى الله والأمر بالمعروف والتَّناصح بين المسلمين؛ هذا أمر مطلوب، ولكن ما كلُّ أحد يُحسنُ أن يقوم بهذه الوظائف، هذه الأمور لا يقوم بها إلا أهل العلم وأهل الرَّأي النَّاضج؛ لأنها أمور ثقيلة مهمَّةٌ، لا يقوم بها إلا من هو مؤهَّلٌ للقيام بها، ومن المصيبة اليوم أنَّ باب الدّعوة صار بابًا واسعًا، كلٌّ يدخل منه، ويتسمَّى بالدَّعوة، وقد يكون جاهلاً لا يُحسِنُ الدَّعوة، فيفسد أكثر ممَّا يصلح، وقد يكون متحمِّسًا يأخذ الأمور بالعجلة والطَّيش، فيتولَّدُ عن فعله من الشُّرور أكثر ممّا عالج وما قصد إصلاحه، بل ربّما يكون ممّن ينتسبون للدّعوة، ولهم أغراض وأهواء يدعون إليها ويريدون تحقيقها على حساب الدّعوة وتشويش أفكار الشباب باسم الدعوة والغيرة على الدّين، وربّما يقصد خلاف ذلك؛ كالانحراف بالشّباب وتنفيرهم عن مجتمعهم وعن ولاة أمورهم وعن علمائهم، فيأتيهم بطريق النّصيحة وبطريق الدّعوة في الظّاهر؛ كحال المنافقين في هذه الأمة، الذين يريدون للناس الشَّرَّ في صورة الخير‏.‏
أضرب لذلك مثلاً في أصحاب مسجد الضِّرار؛ بنوا مسجدًا، في الصُّورة والظَّاهر أنه عمل صالح، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلِّيَ فيه من أجل أن يرغِّبَ الناس به ويقرَّهُ، ولكنَّ الله علم من نيَّات أصحابه أنهم يريدون بذلك الإضرار بالمسلمين، الإضرار بمسجد قُباء، أول مسجد أُسِّسَ على التَّقوى، ويُريدون أن يفرِّقوا جماعة المسلمين، فبيَّن الله لرسوله مكيدة هؤلاء، وأنزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 107-108‏.‏‏]‏‏.‏
يتبيَّن لنا من هذه القصة العظيمة أن ما كلُّ من تظاهر بالخير والعمل الصالح يكون صادقًا فيما يفعل، فربما يقصد من وراء ذلك أمورًا بعكس ما يُظهِرُ‏.‏
فالذين ينتسبون إلى الدَّعوة اليوم فيهم مضلِّلون يريدون الانحراف بالشَّباب وصرف الناس عن الدِّين الحقِّ وتفريق جماعة المسلمين والإيقاع في الفتنة، والله سبحانه وتعالى حذَّرنا من هؤلاء‏:‏ ‏{‏لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 47‏.‏‏]‏؛ فليس العبرة بالانتساب أو فيما يظهر، بل العبرة بالحقائق وبعواقب الأمور‏.‏
والأشخاص الذين ينتسبون إلى الدَّعوة يجب أن يُنظر فيهم‏:‏ أين دَرَسوا‏؟‏ ومِن أين أخذوا العلم‏؟‏ وأين نشؤوا‏؟‏ وما هي عقيدتهم‏؟‏ وتُنظرُ أعمالُهم وآثارهُم في الناس، وماذا أنتجوا من الخير‏؟‏ وماذا ترتَّب على أعمالهم من الإصلاح‏؟‏ يجب أن تُدرس أحوالهم قبل أن يُغتَرَّ بأقوالهم ومظاهرهم، هذا أمر لا بدَّ منه، خصوصًا في هذا الزَّمان، الذي كثر فيه دعاة الفتنة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم دعاة الفتنة بأنهم قومٌ من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا (1)، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سُئِلَ عن الفتن؛ قال‏:‏ ‏(‏دُعاةٌ على أبواب جهنَّمَ، من أطاعَهُم؛ قذفوه فيها‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏8/92-93‏)‏ من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‏.‏‏]‏، سمَّاهم دُعاةً‏!‏
فعلينا أن ننتبه لهذا، ولا نحشُدَ في الدَّعوة كلَّ من هبَّ ودبَّ، وكل من قال‏:‏ أنا أدعو إلى الله، وهذه جماعة تدعو إلى الله‏!‏ لا بدَّ من النَّظر في واقع الأمر، ولا بدَّ من النَّظر في واقع الأفراد والجماعات؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى قيَّد الدَّعوة إلى الله بالدَّعوة إلى سبيل الله؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏.‏‏]‏؛ دلَّ على أنَّ هناك أناسًا يدعون لغير الله، والله تعالى أخبر أنَّ الكفَّار يدعون إلى النار، فقال‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 221‏.‏‏]‏؛ فالدُّعاة يجب أن يُنظَرَ في أمرهم‏.‏
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهَّاب رحمه الله عن هذه الآية ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ‏}‏‏:‏ ‏"‏فيه الإخلاصُ؛ فإنَّ كثيرًا من الناس إنَّما يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الله عز وجل‏"‏ ‏(2).‏
187 ـ هل أساليب الدَّعوة محدَّدة بضوابط معيَّنة‏؟‏
الله سبحانه في القرآن يقول‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏؛ لأن الذي يقع في المنكر‏:‏ إما أن يكون جاهلاً؛ فهذا يكفي فيه الدَّعوة بالحكمة؛ كأن يبيَّنَ له الخطأ، فإذا تبيَّن له الخطأ؛ رجع إلى الصَّواب‏.‏
ومِنَ الناس من إذا بُيِّنَ له الخطأ؛ لا يرجع، ويكون عنده تكاسل؛ لأنَّ هواه ينازعه، ونفسه تنازعه؛ فهذا يحتاج إلى موعظة؛ بأن يخوَّف بالله عز وجل، ويبيَّنَ له عقوبة من استمرَّ على المعصية بعد معرفتها‏.‏
وهناك صنف ثالث‏:‏ إذا عرف الحكم؛ فإنَّه يجادل عن الباطل، ويجادل عمَّا هو عليه من المنكر، ويريد تسويغ ما هو عليه من خطأ؛ فهذا يحتاج إلى الجدال، لكن يكون الجدال بالتي هي أحسن، لا يكون بعنف، ولا يكون بتعيير، ولا بتشهير، وإنما يكون بالتالي هي أحسن، وبقرع الحُجَّة بالحُجَّة، حتى يتَّضح الحقُّ، ويزول الباطل‏.‏
وهذه الدَّرجات ذكرها الله سبحانه وتعالى في الآية‏:‏ ‏{‏بِالْحِكْمَةِ‏}‏ الدرجة الأولى، وبـ‏{‏وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ الدرجة الثانية، والجِدالُ بالتي هي أحسنُ الدّرجة الثالثة، وهي درجات تختلف باختلاف المدعوِّين‏.‏
188 ـ ما رأي فضيلتكم فيمن يهتمُّ بأمور المسلمين المهمَّة؛ كالدَّعوة إلى الله وتربية الشَّباب على التمسُّكِ بالقرآن والسُّنَّة المطّهَّرة، ولا يجد الوقت لحفظ القرآن الكريم؛ فما نصيحتكم لمثل هؤلاء‏؟‏
يجب على الدَّاعية أولاً أن يتأهَّل قبل أن يباشر الدَّعوة؛ بأن يدرس القرآن الكريم ومعانيه وتفسيره، ويدرس السُّنَّة النبويَّة ما تيسَّر منها، ويقرأ في شروحها، ويتعلَّم الأحكام الشرعيَّة‏.‏
فيجب على الداعية إلى الله أن يكون مؤهلاً؛ فلا يصلُحُ للدَّعوة إلا مَن كان معه علم‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏.‏‏]‏ ‏:‏ البصيرة هي العلم والحكمة‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏؛ فالجاهل لا يصلُحُ للدَّعوة؛ لأنه ربَّما يسيء للدَّعوة، كأن يحلِّل حرامًا، أو يحرِّم حلالاً، أو يشدِّد في موضوع لا يتحمَّلُ التّشدُّد، أو غير ذلك‏.‏
فلا بدَّ من شروط للدَّاعية، الشرط الأساسيُّ منها أن يكون متعلِّمًا العلم الذي يستطيع به أن يدعو الناس إلى دين الله عز وجل، وأيضًا؛ ربَّما يُعرَضُ على الدَّاعية شُبهات تحتاج إلى جواب عنها، فإذا كان جاهلاً؛ فكيف يجيب على هذه الشُّبُهات‏؟‏‏!‏ كيف يجيب على اعتراضات المعترضين‏؟‏‏!‏ أو كيف يقاوم الملاحدة والفسَّاق والمشبهين، فإذا لم يكن عنده علم؛ فسوف ينهزم أمامهم؛ فلا بدَّ للدَّاعية من العلم بالقرآن وبالسُّنَّة النّبويَّة وبالحديث وبالفقه وبالعقيدة وغيرها من العلوم‏.‏
189 ـ الدَّعوة فرض كفاية؛ فهل هذا يوافق ما نحن فيه من الجهل والضَّلال‏؟‏ أم أصبحت الدَّعوة واجبة على الجميع في هذه الأيام بسبب الجهل وانتشار الفساد‏؟‏ الرَّجاء التَّوضيح‏.‏
ما كلٌّ يستطيع الدّعوة؛ بمعنى أنّه يعلِّمُ الناس أمور الدِّين وأمور العقيدة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر‏.‏
ما كلٌّ يستطيع هذا‏:‏ إمَّا لضعفٍ في جسمه وشخصيَّته، وإمَّا لضعف في علمه، وأنه ليس عنده من العلم ما يعرف به الحلال والحرام، والواجب والمندوب، والمكروه والمستحبَّ، وإنما تجب الدَّعوة على من يستطيع القيام بها وعند مؤهِّلاتٌ لها‏.‏
لكن علي كلِّ مسل مسؤوليَّةٌ بحسب استطاعته؛ فمثلاً صاحبُ البيت - وإن كان عامّيًّا - عليه الدَّعوة لأهل بيته؛ بأن يأمرهم بالمعروف، وينهاهُم عن المنكر، وينقِّيَ البيت من المُنكرات، ويهيِّئَهُ للأعمال الصَّالحة‏:‏
لأنَّ الله جلَّ وعلا يقول‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 6‏.‏‏]‏؛ فالإنسان مكلَّفٌ بالدَّعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر؛ على أهل بيته ومَن تحت يده‏.‏
والرَّسول صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏مُروا أولادكم بالصّلاة لسبعٍ، واضرِبوهُم عليها لعشرٍ‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/130‏)‏ من حديث عمرو بن شيب عن أبيه عن جده‏]‏؛ فالخطاب هذا موجَّه لعموم الآباء‏.‏
فليس هناك أحدٌ من المسلمين ليس عليه مسؤوليَّةٌ‏:‏ إمَّا عامَّةٌ، وإمَّا خاصَّة، وعلى أهل العلم بالذّات المسؤوليَّة أكبر، والواجب عليهم أعظم‏.‏
190 ـ يلاحظ على كثير من الدُّعاة أنَّهم يهتمُّون بجانب واحد من جوانب الدَّعوة، وهو فضائل الأعمال، ولا يتعرَّضون لواقع المسلمين؛ فلم هذا الإعراض‏؟‏ ما رأي فضيلتكم جزاكم الله خيرًا‏.‏
الواجب الجمع بين الاثنين، وهو التَّرغيب في فضائل الأعمال، والتَّنبيه على الأخطاء، ولا سيَّما الأخطاء في العقائد‏.‏
الواجب أن يبدأ الدَّاعية في أمر العقيدة؛ لأنها الأساس، والفضائل إنّما تأتي بعد صلاح العقيدة، والدَّاعية يبدأ بالأهم فالأهمِّ، والرَّسول صلى الله عليه وسلم أوّل ما بدأ بالعقيدة، فقام بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى العقيدة (3)، وإنّما فُرِضَت عليه شرائع الإسلام بعد الهجرة‏.‏
والحاصل من هذا أنَّ الدَّاعية يكون حكيمًا في دعوته، يضع الأمور في مواضعها، ويعالج كلَّ مرض بحسبه، فمن كان عنده انحراف في العقيدة؛ ننبِّهُه على الانحراف، وندلُّه ونبصِّرُه بالطريق الصَّحيح، ومن كان عنده صلاحٌ في العقيدة ولكنه عنده تفريط في الأعمال الصَّالحة أو وقوع في بعض الأعمال المحرَّمة؛ فهذا نستعمل معه الموعظة والتَّذكير والتَّخويف‏.‏
فالدَّاعية يتعامل مع كلِّ مجتمع بما فيه من المرض، ويعالجُه بما يناسبه، أمَّا الاقتصار على فضائل الأعمال أو الاقتصار على إصلاح الحكم وترك الشِّرك؛ فهذا ضلالٌ وجهل مبين، والدَّعوة التي من هذين النَّوعين لا تُجدي شيئًا ولا تنتجُ نتيجةً صالحةً‏.‏
191 ـ ماذا تقول لمن يخرجون إلى خارج المملكة للدَّعوة وهم لم يطلبوا العلم أبدًا؛ يَحُثُّون على ذلك، ويردِّدون شعارات غريبة، ويدَّعون أن من يخرُجُ في سبيل الله للدَّعوة سيُلهِمُهُ الله، ويدَّعون أنَّ العلم ليس شرطًا أساسيًّا، وأنت تعلم أنّ الخارج إلى خارج المملكة سيجد مذاهب وديانات وأسئلة توجَّه إلى الدَّاعي؛ ألا ترى يا فضيلة الشيخ أنَّ الخارج في سبيل الله لا بدَّ أن يكون معه سلاحٌ لكي يواجه النّاس، وخاصة في شرق آسيا، يحاربون مجدِّد الدَّعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب‏؟‏ أرجو الإجابة على سؤالي كي تَعُمَّ الفائدة‏.‏
الخروج في سبيل الله ليس هو الخروج الذي يعنونه الآن، الخروج في سبيل الله هو الخروج للغزو، أمَّا ما يسمُّونه الآن بالخروج؛ فهذا بدعة، لم يَرِد عن السَّلف‏.‏
وخروج الإنسان يدعو إلى الله غير متقيِّد في أيام معيَّنة، بل يدعو إلى الله حسب إمكانيَّته ومقدرته؛ بدون أن يتقيَّد بجماعة أو يتقيَّد بأربعين يومًا أو أقلَّ أو أكثر‏.‏
وكذلك ممَّا يجب على الدَّاعية أن يكون ذا علم، لا يجوز للإنسان أن يدعو إلى الله وهو جاهل؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 108‏.‏‏]‏؛ أي‏:‏ على علم؛ لأنَّ الدّاعية لا بدَّ أن يعرف ما يدعو إليه من واجب ومستحبّ ومحرَّم ومكروه، ويعرف ما هو الشِّرك والمعصية والكفر والفسوق والعصيان؛ يعرف درجات الإنكار وكيفيَّته‏.‏
والخروج الذي يشغل عن طلب العلم عمل باطل؛ لأن طلب العلم فريضة، وهو لا يحصل إلا بالتعلُّم، لا يحصُلُ بالإلهام، هذا من خرافات الصُّوفيَّة الضَّالَّة؛ لأنّ العمل بدون علم ضلال، والطَّمع بحصول العلم بدون تعلُّم وهمٌ خاطئٌ‏.‏
192 ـ ممّا يُلاحظ على الثّقافة الإسلاميّة المعاصرة اليوم أنه يشوبُها شيء من فكر بعض الفرق الضّالّة؛ مثل الخوارج والمعتزلة؛ فتجد في بعضها تكفير المجتمعات والأفراد، وتسويغ العُنف ضدّ العُصاة والفُسّاق من المسلمين؛ فما توجيهُكُم في ذلك‏؟‏
هذا منهج خاطئ؛ لأنه الإسلام ينهى عن العنف في الدعوة؛ يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏، ويقول لنبيه موسى وهارون عليهما السلام تُجاه فرعون‏:‏ ‏{‏فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 44‏.‏‏]‏‏.‏
والعنف يقابل بالعنف، ولا يفيد إلا عكس المطلوب، وتكون آثاره على المسلمين سيئة‏.‏
فالمطلوب الدّعوة بالحكمة وبالتي هي أحسن وباستعمال الرّفق مع المدعوّين، أما استعمال العنف مع المدعوين، والتشدُّدُ، والمهاترات؛ فهذا ليس من دين الإسلام؛ فالواجب على المسلمين أن يسيروا في الدّعوة على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى حسب توجيهات القرآن الكريم‏.‏
والتكفير له ضوابط شرعيّة؛ فمن ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام التي ذكرها علماء أهل السُّنَّة والجماعة؛ حكم بكفره بعد إقامة الحجّة عليه، ومن لم يرتكب شيئًا من هذه النّواقض؛ فليس بكافر‏.‏
193 ـ هل العلماء المسلمون كعلماء الطِّبِّ والعلوم والأحياء وغير ذلك من العلوم مما تدلُّهم على زيادة الإيمان بالله وقدرته؛ فهل هؤلاء يدخلون تحت الآية‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 28‏.‏‏]‏‏.‏ أم لا‏؟‏
عالمُ الطّبِّ وعالم الكيمياء وعالم الاختراع‏.‏‏.‏‏.‏ إذا كان معه علم من الشريعة؛ فإن هذا يزيده خيرًا بلا شكٍّ، وهذا جمع بين المصلحتين‏:‏ العلم الشرعيِّ، والعلم الذي ينفع به مجتمعَهُ‏.‏
أما إذا كان عنده العلوم الدُّنيويَّة فقط؛ فهذا لا يستفيد منها إلا المادّة، ولا تفيده خشية الله عز وجل، بل ربما تفيده غفلة عن الله؛ فالعلم الدّنيويُّ لا بدَّ أن يوجَّه بالعلم الشّرعيّ؛ ليُستفاد منه، وإلا أصبح ضررًا‏.‏
194 ـ ما رأي فضيلتكم فيمن يتعلَّمُ من المسلمين الطِّبَّ والمخترعات الحديثة بقصد إغناء المسلمين عن الحاجة إلى الكفّار والمشركين‏؟‏
لا بأس في ذلك، ويؤجَرُ عليه، لكن بشرط أن يكون قد تعلّم من دينه ما يحتاج إليه؛ فلا بدّ أن يتعلّم أولاً أمور الدين الضّروريَّة، التي لا يُعذَرُ أحدٌ بتركها، ثم يتعلّم بعد ذلك أمور الطبّ وغيرها من العلوم، أما أن يُقبِلَ على أمور الطّبّ والعلوم الأخرى وهو يجهل أمر دينه؛ فهذا لا يجوز‏.‏
195 ـ كثيرًا ما يتفق رأي من يُوصَفُون بالعلمانية، مع رأي السّلفيين في بعض الأمور‏؟‏ مثل الموقف من بعض الجماعات التي اتخذت العنف وسيلةً للإصلاح، والموقف من غلبة المصالح الشخصية في اشتعال الحروب، والموقف من تكلف بعض الشباب‏؟‏ فما تعليقكم‏؟‏
الواجب أن نتمسك بالمنهج الحق المُستمد من الكتاب والسنة والذي كان عليه سلفنا الصالح؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏.‏‏]‏، وإذا وافقنا على بعض ذلك أحد من العلمانيين أو غيرهم؛ فذلك لا يصرفنا عنه، ولا نتركه من أجلهم، وإنما يعتبر هذا شهادة من أعدائنا على صحة ما نحن عليه، وقد قيل‏:‏ الحق ما شهدت به الأعداء‏.‏
والأعداء من قديم الزمان يعترفون بالحق في قرارة نفوسهم ويتركونه تعصبًا منهم لآرائهم ومقاصدهم؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 33‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏النمل‏:‏ 14‏.‏‏]‏‏.‏

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
196 ـ ما هو منهجُنا في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر‏؟‏
هذا كما أسلفنا؛ أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان في بلد مسلم؛ فإن الأمور منضبطة ولله الحمد؛ بأن يقوم الإنسان بالمناصحة والتّذكير والموعظة الحسنة، وإذا احتاج الأمر إلى تبليغ السُّلطة من أجل الأخذ على يد العاصي؛ فإنه يرجع إلى السُّلطة ويبلِّغُها، وإذا لم يحتج إلى الرَّفع إلى السُّلطة؛ فإن المطلوب السَّترُ على أصحاب المعاصي إذا رأى منهم تجاوُبًا نحو الإنكار وقبولاً للدعوة وتركًا لما هم عليه من الخطأ؛ فهؤلاء يستُرُ عليهم ويكتفي بأن يغيِّروا هم من أنفسهم من الفساد إلى الصّلاح ما أمكن، وإذا وجد أن هذا العاصي لا يستجيب ولا يقبل النصيحة؛ يرفع الأمر لوليّ الأمر، فإذا بلغ هذا إلى ولي أمر المسلمين؛ برئت ذمَّةُ النَّاصح؛ لأنه أنهى الأمر إلى مُنتهاهُ، أما إذا كانوا في غير مجتمع مسلم؛ فعليهم الدَّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ودرءُ الفتنة الكبيرة التي قد تعود على المسلمين بالضّرر؛ فلا يكون هناك عنفٌ، ولا يكون هناك مجابهةٌ تؤدِّي لأن تُقابل بأشدَّ منها، وإنما هو نشر للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والمناصحة لمن يقبل ذلك، ومن لا يقبل؛ فإن أمره إلى الله سبحانه وتعالى‏.‏
197 ـ هل الأمر بالمعروف والنَّهيُ عن المنكر واجبٌ على كل مسلم‏؟‏ وكيف يكون ذلك‏؟‏
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان على كل مسلم بحسب استطاعته؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم منكرًا؛ فليُغيِّرهُ بيده؛ فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69‏)‏ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فلا يجوز لمسلم أن يقرَّ المنكر ويرضى به، ومن أنكر بحسب استطاعته؛ فقد برئ‏.‏
198 ـ يلاحظ على بعض المشتغلين في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أنهم يخرجون عن القاعدة القرآنية التي تقول‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ الآية ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏ ما تعليقُ فضيلتكم على ذلك‏؟‏
الذين يشتغلون في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خيرة رجال الأمة، وقد أُسنِدَ إليهم هذا الأمر عن اقتناع المسؤولين بصلاحيَّتهم، وما يُقال عنهم من تجاوزات ليس بصحيح في الغالب، وإنما يُقصدُ به التّشويه وإلقاء العراقيل في طريقهم؛ فلا يجوز أن نُصغي إليه ونصدِّقه، وإن صحَّ منه شيء بحكم أنهم بشرٌ؛ فلا يجوز أن نتّخذه سبيلاً لانتقاصهم؛ فهم كما يقول الشاعر‏:‏
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كُلُّها ** كفر المرء نبلاً أن تُعدَّ معايبه
أو كما قال الآخر‏:‏
أقِلُّوا عليهم لا أبا لأبيكم ** من اللوم أو سُدُّوا المكان الذي سَدُّوا
فالواجب علينا أن نتعاون معهم، وأن نشجِّعهم ونناصرهم؛ عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 2‏.‏‏]‏؛ فهم الذين ينهون عن الفساد في الأرض‏.‏
لماذا نتغاضى عن المفسدين ونلتمس عيوب المصلحين‏؟‏‏!‏
199 ـ إنكار المنكر‏.‏‏.‏‏.‏ كيف نحققه بما يخدم المصلحة العامة‏؟‏
يمكن تحقيق إنكار المنكر للمصلحة إذا كان متمشيًا على ما توجبه الشريعة الإسلامية؛ بأن يكون الإنكار عن علم ويكون بحكمة ورفق وصبر على الأذى، وأن يكون على المنهج الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّرهُ بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه‏)‏؛ فمن بيده سلطة يزيل بيده، ومن عنده علم وليس عنده سلطة ينكره بلسانه، ومن ليس عنده علم ولا سلطة ينكره بقلبه، ومن لم ينكر على هذا الترتيب الوارد في الحديث؛ فليس في قلبه إيمان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وليسَ وراءَ ذلك من الإيمان حبَّة خردلٍ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69، 70‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
200 ـ ما أهمية تغيير المنكر في الإسلام‏؟‏ وما الرد على الذين يُقصِّرون في ذلك‏؟‏
تغيير المنكر واجب عظيم في الإسلام وفي جميع الأديان السماوية، فقد عاب الله على اليهود وعلى النصارى، ولعنهم لما تركوا هذا الواجب‏:‏
فقال تعالى‏:‏ ‏{‏لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 78، 79‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 63‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 116‏.‏‏]‏‏.‏
وقال الله تعالى لهذه الأمة‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 104‏.‏‏]‏‏.‏
وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم مُنكرًا؛ فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغييره حسب الاستطاعة واجب مهم في الإسلام، والذين يقصرون في ذلك قد عرَّضُوا أنفسهم وعرَّضوا مجتمعهم للعقوبة والهلاك؛ فإن الله سبحانه إنما أهلك الأمم السابقة بسبب تركها لتغيير المنكر؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 165‏.‏‏]‏‏.‏
201 ـ ما هو المنكر الذي ينبغي تغييره‏؟‏
المنكر الذي يجب تغييره هو كل ما نهى الله عنه من المعاصي القولية والفعلية، وأعظم ذلك الشرك بالله عز وجل؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 13‏.‏‏]‏، ثم الزّنى واللواط وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات وأكل الربا والتبرج والسفور وترك الصلاة والتكاسل عنها واستماع الأغاني الماجنة والنظر في الأفلام الخليعة والصور الفاتنة‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من المنكرات التي كَثُرت في بلاد المسلمين، فلا بد من المبادرة بالعمل على تغييرها وإزالتها من بلاد المسلمين‏.‏
202 ـ ما مراتب تغيير المنكر ودرجاته‏؟‏
مراتب تغيير المنكر قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم مُنكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، هذه مراتب تغيير المنكر ودرجاته، وكل مسلم يجب أن يقوم بما يستطيعه منها، ولا يجوز له أن لا ينكر المنكر، ولا يجوز له أن ينتقل إلى مرتبة وهو يستطيع القيام بالمرتبة التي قبلها؛ فلا يجوز لمن يقدر على تغيير المنكر باليد أن يقتصر على إنكاره باللسان، ولا يجوز لمن يستطيع الإنكار باللسان أن يقتصر على إنكاره بالقلب‏.‏
203 ـ من المسؤول عن تغيير المنكر‏؟‏ وكيف يمكن ضبط هذه المسؤولية‏؟‏
إنكار المنكر بالقلب مسؤول عنه كل مسلم، ومن لم ينكر المنكر بقلبه؛ فليس بمسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فَمَن لم يستطع؛ فبقلبه، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69، 70‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، أما إنكاره باليد أو باللسان؛ فإنما يجب على من يقدر على ذلك من الولاة والعلماء وغيرهم من المسلمين إذا لم يترتب على ذلك حصول منكر أشد، أمّا الإنكار بالقلب؛ فلا يعجز عنه أحد ولا يُعذرُ فيه أحد‏.‏
ويمكن ضبط هذه المسؤولية العظيمة بأن يوكل القيام بها لمن فيه الكفاءة من أهل العلم والدين والغيرة؛ بأن يُكوَّن في الدولة جهاز خاص من العلماء وأهل القوة والغيرة، ويعطون الصلاحيات الكافية والإمكانيات المناسبة؛ كما هو موجود في هذه المملكة من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي نرجو من الله أن يعينها على القيام بواجبها، وأن يوفق ولاة الأمور لمساعدتها ومساندتها، وإنها لميزة عظيمة لحكومتنا الرشيدة وفقها الله؛ حيث كوَّنت هذا الجهاز الهام، ومنحته الإمكانيات اللازمة حتى يقوم بواجبه؛ فإن هذا من أعظم أسباب النصر والتمكين في الأرض وحصول الأمن والاستقرار‏.‏
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 40، 41‏.‏‏]‏‏.‏
كما حصر الله الفلاح على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 104‏.‏‏]‏؛ فإذا قامت جهة خاصة بهذا الأمر كما ينبغي؛ انضبط خير انضباط وحصل المقصود‏.‏
204 ـ ما الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر‏؟‏ وكيف يمكن علاجها‏؟‏
الممارسات الخاطئة في تغيير المنكر تتلخص فيما يلي‏:‏
1ـ أن يقوم بتغيير المنكر من لا علم عنده بما يحل ويحرم وما هو منكر وما ليس بمنكر؛ فإن هذا يفسد أكثر مما يصلح، وقد يُحرِّم حلالاً ويُحِلُّ حرامًا‏.‏ ولا يستطيع دفع الشبهات التي توجه إليه؛ فلا بد أن يكون القائم بذلك عالمًا بما يأمر عالمًا بما ينهى عنه، يستطيع المجادلة بالتي هي أحسن ودفع الشبهات التي توجه إليه من أصحاب الشهوات والمغالطات‏.‏
2ـ أو يقوم بتغيير المنكر من ليس عنده حكمة ووضع للأمور في مواضعها وترتيب للأولويات؛ فقد يقوم بإنكار منكر صغير وهناك ما هو أكبر منه وأولى بالبداءة بتغييره، أو يقوم بإنكار منكر يخلفه منكر أعظم منه؛ فلا بد من الحكمة في ذلك‏.‏
3ـ أو يقوم بتغيير المنكر بطريق العنف والشدة، ثم تقابل بمثل ذلك أو أشد؛ فلا يحصل المقصود، فلا بد أن يكون الآمر الناهي رفيقًا فيما يأمر به رفيقًا فيما ينهى عنه‏.‏
4ـ أو يقوم بإنكار المنكر وتغييره من ليس عنده صبر وتحمل فينقطع في أول الطريق ويترك التغيير لأنه أُصيبَ باليأس، ولا بد في الآمر الناهي من الصبر والتحمل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 3‏.‏‏]‏، وقال تعالى عن لقمان‏:‏ ‏{‏يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 17‏.‏‏]‏‏.‏
5ـ أو يقوم بذلك من لا يتقيد بدرجات الإنكار التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم فربما ينزل إلى درجة وهو يستطيع التي قبلها، أو يصعد إلى درجة وهو ليس من أهلها‏.‏
6ـ قد يكون من بعض الآمرين بالمعروف تسرُّع في بعض الأمور المهمة؛ بأن تكون له مبادرات لا يرجع فيها إلى أهل العلم والرأي والمشهورة الذين يقومون بدراسة الأمور ويعلمون تجاه كل شيء ما يناسبه، إن ارتكاب هذه الأخطاء أو بعضها تعوق مسيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تُحدِث أمورًا عكسية، وقد يحصل منها نتائج غير كافية، فمثلاً الذي يقوم بإنكار المنكر الخفيف ويترك المنكر الذي هو أعظم منه لا يُنتِج عملُهُ كبير فائدة؛ فالذي يترك إنكار الشرك والبدع وينكر أكل الربا والسفور وغير ذلك من الأمور التي يوجد ما هو أعظم منها يكون قد بدأ من آخر الطريق وعالج جسمًا مقطوع الرأس وخالف منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ فقد كانوا يبدؤون بإنكار الأهم فالمهم، كانوا يبدؤون بإنكار الشرك وعبادة غير الله، فإذا صححوا العقيدة أولاً؛ التفتوا إلى إنكار المعاصي الأخرى‏.‏
خذ هذا مثلاً في منهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بقي في مكة ينكر الشرك ويدعو إلى التوحيد ثلاث عشرة سنة قبل أن ينكر الربا والزنى وشرب الخمر ويأمر بالصلاة والزكاة‏.‏
قد يقول قائل‏:‏ هذا كان في مجتمع المشركين؛ أما نحن؛ ففي مجتمع مسلم عنده بعض المخالفات‏.‏ فنقول‏:‏ إن ما كان موجودًا عند المشركين في الجاهلية يوجد اليوم في غالب بلاد المسلمين ما هو مثله أو أعظم منه من الشرك بالله المتمثل في عبادة الأضرحة والطرق الصوفية والبدع في الدين؛ فالواجب على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في تلك البلاد أن يهتموا بذلك وأن يبدؤوا بإنكاره بجد وعزيمة حتى تطهر البلاد منه ثم يواصلوا مسيرتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بقية المخالفات‏.‏

السلفية
205 ـ هناك من يرى أن من يسير على مذهب السَّلف لديه سطحيَّة في فهم أمور العقيدة، معلِّلين ذلك بأن مذهب السَّلف لا يَسبُرُ غَوْرَ النُّصوص، ولا يتفاعل معها، ويرون أن طريقة غيرهم أكثر فهمًا للنصوص في مسائل العقائد؛ فما رأيكم في مثل هذا الكلام‏؟‏
القول بأن مذهب السلف فيه سطحيَّة لأنه - في نظر القائل - لا يَسبُرُ غَوْرَ النُّصوص، وأن مذهب الخلف أكثر فهمًا للنصوص في مسائل العقيدة وأوسع‏!‏ هذا القول يقولُه علماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم؛ حيث قالوا‏:‏ طريقة السلف أسلم، وطريق الخلف أعلم وأحكم‏!‏ وهذا القول مبنيٌّ على فهم فاسد لمذهب السلف ومذهب الخلف؛ حيث ظنُّوا أن مذهب السلف لا فهم فيه، وإنما هو تفويض نصوص الصفات دون فهم لمعانيها، وأن الخلفَ فهموا وعرفوا أن هذه النصوص على غير ظاهرها، فأوَّلوها إلى معان أخرى؛ كتفسير الوجه بالذَّات، واليد بالقدرة، والاستواء على العرش بالاستيلاء‏.‏‏.‏‏.‏ وغير ذلك‏.‏
وهذا الفهم لمذهب السلف مذهب باطل، وفيه تجهيل للصحابة والتابعين والقرون المفضَّلة، واتِّهامٌ لهم بأنهم لا يفهمون هذه النصوص، وهذا خلاف الواقع؛ فإن السلف لم يكن مذهبهم التفويض، وإنما مذهبهم الإيمان بهذه النصوص كما جاءت، وإثبات معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي، مع نفي التَّشبيه عنها؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏.‏‏]‏؛ فطريقتهم أعلم وأسلم وأحكمُ؛ لأنَّ الأسلم لا بدَّ أن يكون أعلم وأحكم‏.‏
فقول الخلف‏:‏ طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم‏!‏ قول متناقضٌ؛ إذ كيف تكون السّلامة بدون العلم والحكمة‏؟‏‏!‏
ثم أيضًا؛ كيف يكون المتأخرون أعلم من السابقين الأوَّلين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباع التابعين، الذين شَهِدَ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيريَّة، فقال‏:‏ ‏(‏خيركم قرني، ثم الذين يلونَهم، ثم الذين يلونَهم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/151‏)‏ من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏؟‏‏!‏
206 ـ يتردَّد على ألسنة بعض الناس أن فلانًا هذا سلفي، وفلانًا غير سلفي؛ فما المقصود بالمذهب السلفي‏؟‏ ومن أبرز من دعا إليه من علماء المسلمين‏؟‏ وهل يمكن تسميتهم بأهل السنة والجماعة أو الفرقة الناجية‏؟‏ ثم ألا يُعتبَرُ هذا من باب التّزكية للنفس‏؟‏
المقصود بالمذهب السّلفي هو ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين من الاعتقاد الصّحيح والمنهج السّليم والإيمان الصّادق والتمسُّك بالإسلام عقيدة وشريعة وأدبًا وسلوكًا؛ خلاف ما عليه المبتدعة والمنحرفون والمخرِّفون‏.‏
ومن أبرز من دعا إلى مذهب السّلف الأئمة الأربعة، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتلاميذه، والشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، وتلاميذه، وغيرهم من كلّ مصلح ومجدِّد، حيث لا يخلو زمان من قائم لله بحجَّةٍ‏.‏
ولا بأس من تسميتهم بأهل السنة والجماعة؛ فرقًا بينهم وبين أصحاب المذاهب المنحرفة‏.‏
وليس هذا تزكية للنفس، وإنما هو من التمييز بين أهل الحق وأهل الباطل‏.‏
207 ـ ما هي الضّوابط الشرعية التي يحافظ بها المسلم على التزامه وتمسُّكه بمنهج السّلف الصّالح وعدم الانحراف عنه والتّأثُّر بالمناهج الدّخيلة المنحرفة‏؟‏
الضّوابط الشّرعيّة تُفهم من مجموع ما سبق الكلام فيه، وذلك بأن‏:‏
1ـ يرجع الإنسان إلى أهل العلم وأهل البصيرة يتعلّمُ منهم ويستشيرُهم في ما يجول في فكره من أمور؛ ليستصدر رأيهم في ذلك‏.‏
2ـ التروِّي في الأمور، وعدم العجلة، وعدم التسرُّع في الحكم على الناس، بل عليه أن يتثبَّت؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 6‏.‏‏]‏، وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 94‏.‏‏]‏؛ تبيَّنوا؛ أي‏:‏ تثبَّتوا مما بلغكم‏.‏
3ـ ثم إذا ثبت؛ فعليكم بمعالجته بالطُّرق الكفيلة بالإصلاح؛ لا بالطرق المعنِّفة أو بالطّرق المشوشة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏بشِّروا ولا تُنفِّروا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/25‏)‏ من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وقال‏:‏ ‏(‏إنما بُعِثتُم مُبَشِّرين لا مُنفِّرين‏)‏، وقال صلى الله عليه وسلم لبعض فضلاء أصحابه‏:‏ ‏(‏إن منكم لَمُنفِّرين؛ فمن أمَّ الناس، فليُخفِّف؛ فإنَّ وراءه الضَّعيفَ وذا الحاجة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري ‏(‏1/31‏)‏ بلفظ‏:‏ ‏(‏إنكم منفرون، فمن صلى بالناس‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ من حديث أبي مسعود الأنصاري‏.‏‏]‏‏.‏
وعلى كل حال؛ فالأمور تعالج بحكمة ورويَّة، ولا يصلح لكل أحد أن يتدخَّل في مجال لا يُحسِنُ التّصرُّف فيه‏.‏
4ـ وكذلك من الضَّوابط أن يتزوَّد الإنسان من العلم النّافع بمجالسة أهل العلم والاستماع لآرائهم، وكذلك بقراءة كتب السّلف الصالح وسير المصلحين من سلف هذه الأمة وعلمائها، وكيف كانوا يعالجون الأمور، وكيف كانوا يَعِظونَ الناس، وكيف كانوا يأمرون بالمعروف وينهونَ عن المنكر، وكيف كانوا يحكمون على الأشياء، وهذا مدوَّن في سيرهم وفي تراجمهم وفي أخبارهم وفي قصص الماضين من أهل الخير وأهل الصّلاح وأهل الصِّدق؛ ‏{‏لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 111‏.‏‏]‏؛ فالإنسان فردٌ من هذه الأمة، والأمة هي مجموع المسلمين من أول ظهور الإسلام إلى قيام السّاعة، هذا هو مجموع الأمة، والمسلم يراجع سير السَّلف الصَّالح، وأخبارهم، وكيف كانوا يعالجون الأمور، وهديهم في ذلك، حتى يسير على نهجهم، ولا ينظر إلى أقوال المتسرِّعين وأخبار الجهلة الذين يحمِّسون الناس على غير بصيرة‏.‏
كثير من الكتيبات اليوم أو المحاضرات أو المقالات تصدر عن جهلاء بأمور الشّرع؛ يحمّسون الناس، ويأمرون الناس بما لم يأمرهم الله به ولا رسوله، ولو كان هذا صادرًا عن حسن قصد وحسن نيَّةٍ؛ فالعبرة ليست بالقصد والنية، العبرة بالصّواب، والحق هو ما وافق الكتاب والسنة بفهم السّلف، أما الناس - ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم -؛ فإنهم يخطئون ويصيبون، فيُقبَلُ الصواب، ويُترَكُ الخطأ‏.‏
208 ـ يزعم بعض الناس أنَّ منهج أهل السّنة والجماعة لم يعد مناسبًا لهذا العصر، مستدلّين بأنّ الضّوابط الشرعيّة التي يراها أهل السنة والجماعة لا يمكن أن تتحقَّق اليوم‏.‏
الذي يرى أن منهج السلف الصالح لم يعد صالحًا لهذا الزَّمان؛ هذا يعتبر ضالاً مضلاً؛ لأن منهج السلف الصالح هو المنهج الذي أمرنا الله باتباعه حتى تقوم الساعة‏:‏
يقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإنه مَن يعش منكم؛ فسوف يرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126، 127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319، 320‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن ساري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وهذا خطاب للأمة إلى أن تقوم الساعة، وهذا يدلّ على أنه لا بدّ من السّير على منهج السّلف، وأن منهج السّلف صالحٌ لكلّ زمان ومكان‏.‏
والله سبحانه وتعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏.‏‏]‏ ‏:‏ ‏{‏اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ‏}‏‏:‏ يشملُ الأمة إلى أن تقوم الساعة؛ فالواجب عليها أن تتابع منهج السّابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، والإمام مالك بن أنس يقول‏:‏ ‏"‏لا يُصلح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أوّلها‏"‏‏.‏
فالذي يريد أن يعزل الأمة عن ما فيها، ويعزل الأمة عن السّلف الصّالح؛ يريد الشّرّ بالمسلمين، ويريد تغيير هذا الإسلام، ويريد إحداث البدع والمخالفات؛ هذا يجب رفضُهُ ويجب قطع حجَّتِه والتّحذير من شرّه؛ لأنه لا بدّ من التمسُّك بمنهج السّلف والاقتداء بالسّلف، ولا بدّ من السّير على منهج السّلف، وذلك في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا‏.‏
فالذي يريد قطع خلف الأمة عن سلفها مفسد في الأرض، يجب أن يُرفَضَ قوله، وأن يردّ قوله، وأن يحذر منه، والذين عرف عنهم هذا القول السيئ هم الشيعة ومَن وافقهم من المضلِّلين؛ فلا عبرة بهم‏.‏
الجماعات
209 ـ يزعم بعض الناس أنّ السّلفيّة تعتبر جماعة من الجماعات العاملة على السّاحة، وحكمها حكم باقي الجماعات؛ فما هو تفنيدُكم لهذا الزّعم‏؟‏
ذكرنا أن الجماعة السلفية هي الجماعة الأصيلة، التي على الحقِّ، وهي التي يجب الانتماء إليها والعمل معها والانتساب إليها، وما عداها من الجماعات يجب ألا تُعتبرَ من جماعات الدَّعوة؛ لأنها مخالفة، وكيف نتَّبِعُ فرقة مخالفة لجماعة أهل السُّنَّة وهدي السّلف الصّالح‏؟‏‏!‏
فالقول‏:‏ إن الجماعة السلفية واحدة من الجماعات الإسلامية‏!‏ هذا غلط، فالجماعة السلفية هي الجماعة الوحيدة التي يجب اتباعها والسير على منهجها والانضمام إليها والجهاد معها، وما عداها؛ فإنه لا يجوز للمسلم الانضمام إليه؛ لأنه من الفرق الضالة، وهل يرضى الإنسان أن ينضمَّ إلى الفرق الضالة‏؟‏‏!‏ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126، 127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319، 320‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن ساري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وسُئلَ الرّسول صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏ما أنا عليه وأصحابي‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في سننه ‏(‏7/296، 297‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‏.‏ وابن ماجه ‏(‏2/1322‏)‏ بنحوه من حديث عوق بن مالك وأنس بن مالك‏.‏
وانظر مسند الإمام أحمد ‏(‏2/332‏)‏ وسنن أبي داود ‏(‏4/197‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس فيه ذكر ‏(‏كلها في النار إلا واحدة، قيل‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏‏]‏؛ هل يريد الإنسان النَّجاة ويسلُكُ غير طريقها‏؟‏
ترجو النَّجاة ولم تسلُك مسالكها ** إن السّفينة لا تجري على اليبس (1)
210 ـ ما وجه صحّة نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام، أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاقة لفظ الجماعات عليهم، وإنما جماعة المسلمين واحدة؛ كما في حديث حذيفة رضي الله عنه‏؟‏
الجماعات فرق توجد في كل زمان، وليس هذا بغريب؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة؛ كلهم في النار؛ إلا واحدة‏)‏ (2)؛ فوجود الجماعات ووجود الفرق هذا أمر معروف، وأخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ ‏(‏مَن يَعِش منكم؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126، 127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319، 320‏)‏، كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
ولكن الجماعة التي يجب السّير معها والاقتداء بها والانضمام إليها هي جماعة أهل السّنّة والجماعة؛ الفرقة الناجية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بين هذه الفرق؛ قال‏:‏ ‏(‏كلها في النار؛ إلا واحدة‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ مَن هي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ما أنا عليه وأصحابي‏)‏ (3).‏
هذا هو الضّابطُ؛ فالجماعات إنما يجب الاعتبار بمن كان منها على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من السّلف الصالح، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 100‏.‏‏]‏‏.‏
هؤلاء هم الجماعة؛ جماعة واحدة، ليس فيها تعدُّدٌ ولا انقسام، مِن أوّل الأمة إلى آخرها، هم جماعة واحدة، ‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 10‏.‏‏]‏‏.‏
هذه هي الجماعة الممتدَّةُ من وقت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيام السّاعة وهم أهل السنة والجماعة، وأما ما خالفهم من الجماعات؛ فإنها لا اعتبار بها، وإن تسمّت بالإسلاميّة، وإن تسمّت جماعة الدّعوة أو غير ذلك؛ فكل ما خالف الجماعة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنها من الفرق المخالفة المتفرّقة التي لا يجوز لنا أن ننتمي إليها أو ننتسب إليها؛ فليس عندنا انتماء إلا لأهل السنة والتوحيد، ‏{‏اهدِنَـا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏ 6، 7‏.‏‏]‏، والذين أنعم الله عليهم بيَّنَهُم في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 69‏.‏‏]‏‏.‏
فالجماعة التي اتخذت منهجها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعملت بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإنه من يَعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسُنَّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي؛ تمسّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏ مسنده ‏"‏ ‏(‏4/126، 127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319، 310‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ هؤلاء هم الجماعة المعتبرة، وما عداها من الجماعات؛ فإنه لا اعتبار بها، بل هي جماعة مخالفة، وتختلف في بعدها عن الحق وقربها من الحق، ولكن كلها تحت الوعيد، كلها في النار؛ إلا واحدة، نسأل الله العافية‏.‏
211 ـ يدّعي البعض أنّ قيام هذه الجماعات لازم للقيام بالدّعوة إلى الله، خصوصًا في المجتمعات التي لا تكون شوكةُ الدّين فيها ظاهرة‏؟‏
الدّعوة إلى الله مطلوبة وواجبة؛ قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏، ولكن ليس من منهج الدّعوة أن يتفرَّق المسلمون وأن تكون كل طائفة منهم تزعم لنفسها أنها على حق وأنّ غيرها ليس على حقٍّ؛ كما هو الواقع في هذه الجماعات اليوم‏.‏
فالواجب على المسلم الذي عنده علم وقدرة أن يدعو إلى الله على بصيرة، ويتعاون مع الآخرين، من غير أن تكون كل جماعة لها منهج مختصٌّ بها يخالف الجماعة الأخرى، بل الواجب أن يكون المنهج واحدًا عند المسلمين، وأن يتعاونوا جميعًا، وأن يتشاوروا فيما بينهم، ولا حاجة إلى إيجاد جماعات ومناهج متفرِّقة ومتشتّتة؛ لأن هذا يقضي على وحدة المسلمين وعلى كلمة المسلمين، ويسبِّبُ النّزاع والخصام بين الناس؛ كما هو الواقع اليوم بين تلك الجماعات على الساحة في البلاد الإسلاميّة وغيرها؛ فليس من ضروريّات الدّعوة تكوين جماعة، إنما من ضروريّات الدّعوة أنّ من عنده علم وعنده حكمة وعنده معرفة أن يدعو إلى الله عز وجل، ولو كان واحدًا‏.‏
212 ـ ما حكم من ينتمي إلى تلك الجماعات، خصوصًا تلك التي تقوم على السّرّية والبيعة‏؟‏
النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بحصول التّفرُّق، وأمرنا عند ذلك بالاجتماع، وأن نكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النّصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار؛ إلا واحدة‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏ من هي يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏مَن كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي‏)‏ ‏[‏رواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/297‏)‏ من حديث عبد الله بن عمرو، وقد رواه غير الترمذي بألفاظ قريبة من هذا، وفي بعضها نقص، كابن ماجه وغيره‏.‏‏]‏‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم لمّا طلب منه أصحابه الوصيّة؛ قال‏:‏ ‏(‏أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد؛ فإنه مَن يَعِش منكم؛ فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي؛ تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126-127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319-320‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وهذا منهج يجب أن يسير عليه المسلمون إلى يوم القيامة، وهو أنه عند وجود الاختلاف؛ فإنهم يرجعون إلى ما كان عليه سلفُ هذه الأمة في المنهج والدّين والبيعة وغير ذلك‏.‏
213 ـ مما يتساهل به الناس قضيّة البيعة؛ فهناك من يرى جواز أخذ البيعة لجماعة من الجماعات مع وجود بيعة أخرى، وقد لا يكون المُبايع في هذه الجماعات معروفًا بدواعي السّرّيّة؛ ما حكمُ هذا‏؟‏ ثم هل يختلف الحكم في بلاد الكفّار أو تلك التي لا تحكم بما أنزل الله‏؟‏
البيعة لا تكون إلا لوليّ أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعدِّدة مبتدعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعدّدة، وإنما هذا من إفرازات تجوّزُ المبايعات من اختلافات هذا العصر، ومن الجهل بالدّين‏.‏
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن التفرُّق في البيعة وتعدُّد البيعة، وقال‏:‏ ‏(‏مَن جاءكم وأمركم جميعٌ على واحد منكم، يريد تفريق جماعتكم؛ فاضربوا عُنُقه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1480‏)‏ من حديث عرفجة رضي الله عنه‏.‏‏]‏، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وإذا وجد من ينازع وليّ الأمر الطّاعة، ويريد شقّ العصا وتفريق الجماعة؛ فقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وليَّ الأمر وأمر المسلمين معه بقتال هذا الباغي؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 9‏.‏‏]‏‏.‏
وقد قاتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعه أكابر الصَّحابة؛ قاتلوا الخوارج البُغاة حتى قضوا عليهم، وأخمدوا شوكَتَهُم، وأراحوا المسلمين من شرِّهم، وهذه سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أمر بقتال البُغاة وبقتال الخوارج الذين يريدون شقَّ عصا الطّاعة، وذلك من أجل الحفاظ على جماعة المسلمين وعلى كيان المسلمين من التّفرُّق والاختلاف‏.‏
214 ـ وهل يرى فضيلتكم أن كتابات سيد قطب هي المعوّل الحقيقي لفكر الجماعات ولظهور الفكر التكفيري‏؟‏ وهل العدالة مع الرجل أن يُستفادَ من بعض الجيد من رؤاه وكتاباته أم يُنبذ بكلّيَّته‏؟‏
كلٌّ يُؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقبل أن نأخذ عن شخص ما يجب أن ننظر في علمه وفقهه وصدقه؛ لأن هدفنا الحق لا تجريح الرجال، والرجوع يجب أن يكون إلى المصادر الصحيحة من كتاب وسنة رسوله وكتب أهل العلم المبنية على الكتاب والسنة، ولا يكون همنا‏:‏ أصاب فلان، وأخطأ فلان، ولكن ليكن همنا طلب الحق في مظانه وأخذه من مصادره الأصلية‏.‏
215 ـ ما قولكم لمن يقول‏:‏ إن الاستنتاجات الدالة على فساد فكر البعض ‏(‏البنا وقطب وسرور‏)‏ مجرد تحميل ووهم وإن ما ذُكِرَ يضيع وسط خبرهم الكثير‏؟‏
الواجب على من نسب إلى شخص خطأ في قول أو اعتقاد أن يُبَيِّن المصدر الذي فيه هذا الخطأ من كتب الشخص نفسه، فإذا بيَّنَ ذلك فقد برئ من العهدة وانتفت عنه التهمة‏.‏
وأما أن هذا الخطأ إذا صح صدوره من الشخص يضيع وسط خيره الكثير؛ فهذا فيه تفصيل‏:‏ إن كان هذا الخطأ في الاعتقاد بأن يكون شركًا أكبر؛ فهذا يضيع معه كل خير ولا يبقى معه عمل صالح، وإن كان الخطأ دون ذلك من مسائل الاعتقاد ولا يصل إلى حد الكفر والشرك؛ فهذا نرجو أن يغفره الله لصاحبه وأن يرجح به حسناته، وإن كان الخطأ في مسائل الاجتهاد -؛ والشخص من أهل الاجتهاد -؛ فهذا خطأ مغفور ولصاحبه الأجر على اجتهاده‏.‏
216 ـ بعض المنتمين لـ‏"‏الإخوان‏"‏ مثلاً يقولون‏:‏ إن غايتنا الإسلام لا الكرسي وإننا الصوت المتعقل في الوسط‏؟‏ وإننا ننادي بطلب العلم وتطبيق السنن كما غيرنا من السلف‏؟‏
النظر إنما يكون إلى الحقائق لا الدعاوى؛ فكل يدَّعي أنه مصلح، ولكن ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 220‏.‏‏]‏، ونحن ننظر إلى الأفعال لا إلى الأقوال، وننظر إلى الأسس التي يقوم عليها البناء لا إلى ظاهر البناء، ‏{‏أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 109‏.‏‏]‏، ونحو نودُّ وندعو الله أن يُصلح كل من ينتمي إلى الإسلام وينتسب إلى الدعوة إليه، وأن يصلح الغايات والمقاصد، وأن تكون كل الجماعات جماعة واحدة على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح؛ فنحن ما ضرنا إلا التفرق واتباع الأهواء والتعصب للآراء والأفكار والأشخاص‏.‏
217 ـ من الأمور غير المتضحة عند الشباب مسألة الانضواء تحت الجماعات‏.‏‏.‏‏.‏ فما وجه الحقيقة في هذا الأمر؛ خاصة وأن البعض يقول‏:‏ إن الخلاف في منهج الدعوة فقط؛ أما الأسس؛ فنحن متفقون عليها‏؟‏
الإسلام يأمرنا أن نكون جماعة واحدة، وينهانا عن تعدد الجماعات؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 159‏.‏‏]‏، ومنهج الدعوة يجب أن يكون منهجًا واحدًا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا اتحد المصدر، وهو كتاب الله وسنة رسوله؛ فلن يكون هناك نزاع واختلاف وإنما يكون النزاع والاختلاف إذا اختلفت مصادر الجماعات؛ بأن تكون كل جماعة تستوحي منهجها من أفكار فلان وتخطيط فلان؛ دون رجوع إلى الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة‏.‏
218 ـ هل لكم يا فضيلة الشيخ بكلمة توجيهية حول هذه الجماعات الموجودة على الساحة‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏
نحن ولله الحمد على طريق واضح، عاشت عليه أجيال في هذه البلاد وماتت عليه، وجُرِّبَ صلاحُهُ ونفعه؛ فلنتمسك به ولنترك ما خالفه، ولا حاجة أن نُسمي الجماعة الفلانية أو الجماعة الأخرى، لسنا بحاجة إلى هذا، نحن نقول‏:‏ نسير على هذا الخط الذي نسير عليه وسار عليه علماؤنا وأجدادنا وآباؤنا وصَلُح عليه أمرهم واستقام عليه دينهم وحُقِنَت به دماؤهم وسَلِمَت أموالهم وعاشوا عليه آمنين مطمئنين؛ فلنسر على هذا المنهج، وهذه الجماعة؛ جماعة التوحيد؛ جماعة الدعوة إلى دين الله؛ المتمثلة في علماء هذه البلاد، ونترك ما عداها من الجماعات، سموها ما شئتم؛ سموها تبليغية سموها إخوانية سموها ما شئتم، أنا ما علي من الأسماء، أنا أقول‏:‏ نحن نسير على هذا الخط الذي سرنا عليه وجربناه، ونترك ما عداه مهما سُمِّي ومهما حُسّن ومهما زوِّق، نقول‏:‏ ما فيه من خير؛ فهو موجود عندنا، وما كان فيه من شر؛ فنحن لا نريد الشر، نحن نريد الخير، ما التبس أمر هذه الجماعات إلا على إنسان مضطرب الفكر، أما الإنسان البصير؛ فلا يضطرب عليه أمر هذه الجماعات؛ يعرف أن كل ما خالف الحق فهو ضلال؛ ‏{‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 32‏.‏‏]‏، فما كان من خير؛ فنحن نقبل الخير؛ وهذا الخير ولله الحمد موجود عندنا، علينا أن نقوم به وأن ننشره وأن ندعو إليه وأن نوضحه للناس، أما ما كان في تلك المناهج والجماعات من شر؛ فنستعيذ بالله منها ولا نريدها ولا نسمح لها أن تدخل بلادنا وتغير أفكارنا وناشئتنا وشبابنا‏.‏
219 ـ فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى‏:‏ نطلب منكم كلمة توجيهية ختامية لطلبة العلم بخصوص الأحزاب والجماعات المغرضة التي بدأت تظهر الدعوة إليها بين صفوف الشباب وجزاكم الله خيرًا‏.‏
هذه البلاد ولله الحمد كانت جماعة واحدة وأمة واحدة على الحق؛ لا يعرف فيهم انقسام، ولم توجد فيهم أحزاب وأفكار متفرقة، وإنما فكرهم واحد واتجاههم واحد وعقيدتهم التوحيد وأخلاقهم على الإسلام ولله الحمد واتباع لمنهج السلف الصالح؛ حاكمهم ومحكومهم، غنيهم ونفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكروهم وإناثهم؛ كلهم جماعة واحدة من أقصى البلاد إلى أقصاها‏.‏
فهذه البلاد لا تسمح بقبول مناهج وافدة أو مذاهب وافدة أو أفكار وافدة؛ لأنها ولله الحمد غنية بما عندها من الحق ومن الاجتماع على الكتاب والسنة مما لا يوجد له نظير في دول العالم اليوم، هذه البلاد ولله الحمد هي أمثل دول العالم في الأمن والاستقرار في العقيدة؛ في الأخلاق والسلوك، في جميع الأمور، وذلك ببركة اتباع الكتاب والسنة، ثم ببركة دعوة الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله ومناصريها من حكام هذه البلاد وفقهم الله‏.‏
فلا يجوز لهذه البلاد أن تقبل أي فكر وافد أو أي مذهب وافد أو أي منهج وافد؛ لأن عندها ولله الحمد ما يغني عن ذلك، ليس هذا من باب عدم قبول أو رفض الحق، لا؛ لأن الحق موجود ولله الحمد؛ فماذا يأتي به الوافد، إلينا إن كان يريد الحق؛ فهو موجود عندنا ولله الحمد، وإن كان يريد التفرقة ويريد الهدم؛ فنحن نقول‏:‏ لا، نحن لا نسمح لأي مذهب أو لأي حزب أن يدخل بيننا؛ لأن ذلك يُفرِّق جماعتنا ويزيل نعمتنا ويردنا إلى ما كانت عليه هذه البلاد قبل هذه الدعوة من أمور الجاهلية والتفرق؛ والله تعالى نهى عن التفرق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 105‏.‏‏]‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 159‏.‏‏]‏، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنه من يَعِش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسُنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي؛ تمسّكوا بها وعضُّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومُحدثات الأمور فإن كل مُحدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة‏)‏ (4)‏، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 153‏.‏‏]‏؛ ماذا يريد هؤلاء‏؟‏ يريدون صلاح العقيدة، هذا موجود ولله الحمد، يريدون الحكم بما أنزل الله، هذا موجود عندنا ولله الحمد، يريدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا موجود عندنا ولله الحمد، يريدون إقامة الحدود، هذا موجود عندنا ولله الحمد، أنا لا أقول‏:‏ إننا كاملون من كل وجه، أقول‏:‏ عندنا نقص، ولكن هذا النقص يمكننا إصلاحه بإذن الله إذا أخلصنا لله عز وجل وتناصحنا فيما بيننا بالطريقة الشرعية؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الدِّينُ النَّصيحةُ، الدِّينُ النَّصيحةُ، الدِّينُ النَّصيحةُ‏)‏‏.‏ قلنا‏:‏ لمن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامَّتهم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في صحيحه ‏(‏1/74‏)‏ من حديث تميم الداري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، فبإمكاننا أن نصلح ما عندنا من الخلل والنقص، وإن كان شيئًا يسيرًا ولله الحمد، وربما يكون كثيرًا، لكنه لا يُخِلُّ بالعقيدة ولا يُخِلُّ بالمنهج السليم، نعم وُجِدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من يزني ووُجِدَ من يسرق ووُجِد من يقتل النفوس بغير حق، لكن كان تقام عليهم الحدود ويؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، كذلك في بلدنا هذا تُقام الحدود ولله الحمد، ويُؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، وإن كان النقص موجودًا‏.‏
أمّا أن يُقال‏:‏ لا بد من تأسيس جديد ومن إقامة أمة جديدة؛ فهذا من الباطل الذي يُرادُ به إزالة هذه النعمة الموجودة في هذه البلاد، وهو مما يحسدنا عليه الأعداء ويريدون إزالته عنا‏.‏
220 ـ ما هي جماعة التّبليغ‏؟‏ وما هو منهجُها الذي تسير عليه‏؟‏ وهل يجوز الانضمام إليها والخروج مع أفرادها - كما يقولون - للدّعوة، ولو كانوا متعلّمين وأهل عقيدة صحيحة كأبناء هذه البلاد مثلاً‏؟‏
القاعدة التي يجب اتِّباعُها‏:‏ أنَّ الجماعة التي يجب الانضمام إليها والسَّيرُ معها والعملُ معها هي الجماعة التي تسير على ما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، أمَّا ما خالفها؛ فإنه يجب أن نتبرَّأ منه‏.‏
نعم؛ يجب علينا أن ندعُوَهم إلى الله، وأن نبيِّنَ أخطاؤهم، وأن ندعُوَهُم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السّلف الصَّالحُ؛ لأنَّ هذا واجبٌ علينا، أمّا أن ننضمَّ إليهم، ونخرج معهم، ونمشي على تخطيطهم، ونحن نعلم بأنهم على تخطيط غير صحيح؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه ولاء لغير الجماعة المتمسِّكة بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه‏.‏
221 ـ ما حكم وجود مثل هذه الفرق - التَّبليغ والإخوان وغيرها - في بلاد المسلمين عامَّة‏؟‏
هذه الجماعات الوافدة يجب ألا نتقبَّلها؛ لأنها تريد أن تنحرف بنا وتفرِّقنا؛ تجعل هذا تبليغيًّا وهذا إخوانيًّا وهذا كذا‏!‏ لم هذا التّفرُّق‏؟‏ هذا كفر بنعمة الله سبحانه وتعالى، نحن على جماعة وعلى وحدة وعلى بيِّنةٍ من أمرنا، لماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير‏؟‏ لماذا نتنازل عمّا أكرمنا الله سبحانه وتعالى به من الاجتماع والإلفة والطّريق الصحيح وننتمي إلى جماعات تفرِّقُنا وتشتِّتُ شملنا وتزرعُ العداوة بيننا‏؟‏ هذا لا يجوز أبدًا‏.‏
222 ـ في الختام نشكر لفضيلتكم التّكرُّم بالإجابة على الأسئلة، ونودُّ التّكرُّم بتوجيهٍ للذين اغترُّوا بمثل هذه الجماعات وانضمُوا إليها أو دَعوا بدعوتها‏.‏
ندعو جميع شباب المسلمين إلى الرجوع عن الخطأ، وأن ينضمُّوا إلى الفرقة الناجية المتمثِّلة في زماننا هذا - ولله الحمد - فيما كان عليه علماء هذه البلاد الحقيقيُّون وشعبُها وكلُّ من سار على هذا المنهج من المسلمين في سائر بقاع الأرض؛ فكلُّهم نشئوا على التَّوحيد، وساروا على الجادَّة الصَّحيحة؛ فنحن على بيِّنة من أمرنا، فننصح شبابنا أن يسيروا مع هذه الدّعوة ومع هذه الجماعة ومع هذه الأمة التي تسير على المنهج الصّحيح، وألا تلتفت إلى الفرق وإلى الجماعات وإلى الحزبيّات وإلى المخالفات؛ لأنّ هذا يسلب هذه النعمة عنهم، ويشتِّتُ جماعتنا، ويفرِّقُ بين قلوبنا، وهذا التّعادي الذي يحصُلُ بين الشّباب الآن هو بسبب النَّظر إلى مثل هذه الجماعات، والاغترار بها، وترويج أفكارها‏.‏
وأدعوهم إلى التّمسُّك بالعقيدة الصَّحيحة، وبالمنهج الصَّحيح، الذي يدعو إلى الكتاب والسّنّة بفهم السَّلف الصَّالح، والذي يمثِّلُ منهج الفرقة الناجية، والتي تبنَّتها بلادنا منذ أكثر من مئتي سنة، والمتمثِّل بدعوة المجدِّد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب، الذي هو امتداد لدعوة السَّلف الصَّالح، والتي جدَّدها شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلامذته من بعده؛ فإنَّ بلادنا قائمة على التَّوحيد، وناجحةٌ، وحتى الأعداء دوَّنوا اعترافاتهم بأننا نعيش في أرقى أنواع الأمن في العالم والاستقرار والسَّلامة؛ فلماذا نستبدل هذه النِّعمة بأفكار الآخرين التي ما نفعت في بلادها؛ فهذه الدَّعوات وهذه الجماعات ما نفعت في بلادها، ولا كوَّنت في بلادها جماعة إصلاحيَّةً، ولم تنتج في بلادها خيرًا، لم تحوِّلها من علمانيّةٍ أو وثنيّةٍ أو قبوريّةٍ إلى جماعة إسلامية صحيحة، بل هذه الجماعات ليس لديها أيُّ اهتمام في العقيدة؛ فهذا دليل على عدم صلاحها؛ فلماذا نحن نعجب بها ونروِّج لها وندعو لها‏؟‏ ‏{‏أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 61‏.‏‏]‏‏.‏
ولي أمر المسلمين
223 ـ يفهم كثير من الشّباب اليومَ معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 54‏.‏‏]‏؛ أنهم الذين يذكرون أخطاء الحكّام على المنابر وأمام الملأ وفي الأشرطة المسجّلة، ويحصرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذلك أيضًا؛ نرجو توجيه هؤلاء هداهم الله إلى السُّلوك الصَّحيح، وتوضيح المعنى الصحيح لهذه الآية، وبيان حكم أولئك الذين يتكلَّمون في الحكّام علنًا‏.‏
يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 54‏.‏‏]‏؛ هذه الآية في كل من قال كلمة الحق، وجاهد في سبيل الله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر؛ طاعة لله تعالى، ولم يترك النّصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من أجل الناس أو من خشية الناس؛ فإنّ هذا هو الملومُ‏.‏
ولكنّ قضية النّصيحة والدّعوة إلى الله؛ كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏.‏‏]‏، والله سبحانه وتعالى قال لموسى وهارون لمّا أرسلهم إلى فرعون‏:‏ ‏{‏فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 44‏.‏‏]‏، وقال تعالى في حق نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 159‏.‏‏]‏‏.‏
فالنّصيحة للحكّام تكون بالطُّرق الكفيلة بوصولها إليهم من غير أن يُصاحبها تشهير أو يصاحبها استنفار لعقول النّاس السّذّج والدَّهماء من الناس، والنّصيحة تكون سرًّا بين النَّاصح وبين وليِّ الأمر‏:‏ إمّا بالمشافهة، وإمّا بالكتابة له، وإمّا أن يتّصل به ويبيّن له هذه الأمور، ويكون ذلك بالرِّفق، ويكون ذلك بالأدب المطلوب‏.‏
أمّا النّصيحة لولاة الأمور على المنابر وفي المحاضرات العامَّة؛ فهذه ليست بالنَّصيحة، هذا تشهير، وهذا زرع للفتنة والعداوة بين الحكّام وشعوبها، وهذا يترتّب عليه أضرار كبيرة، قد يتسلَّط الولاة على أهل العلم على الدُّعاة بسبب هذه الأفعال؛ فهذه تفرِزُ من الشُّرور ومن المحاذير أكثر ممّا يُظَنُّ فيها من الخير‏.‏
فلو رأيت على شخص عاديٍّ ملاحظة، أو وقع في مخالفة، ثم ذهب إلى الملأ، وقلت‏:‏ فلان عمل كذا وكذا‏!‏ لاعتُبِرَ هذا من الفضيحة وليس من النّصيحة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏مَن سترَ مسلمًا؛ ستره الله في الدّنيا والآخرة‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/98‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينبِّهَ على شيء؛ لا يخصُّ قومًا بأعيانهم، بل يقول‏:‏ ‏(‏ما بالُ أقوامٍ يفعلونَ كذا وكذا‏)‏ (1)؛ لأنّ التّصريح بالأسماء يفسد أكثر ممّا يصلح، بل ربّما لا يكون فيه صلاحٌ، بل فيه مضاعفة سيّئةٍ على الفرد وعلى الجماعة‏.‏
طريق النّصيحة معروف، وأهل النّصيحة الذين يقومون بها لا بدَّ أن يكونوا على مستوىً من العلم والمعرفة والإدراك والمقارنة بين المضارِّ والمصالح والنظر في العواقب‏.‏
ربّما يكون إنكار المنكر منكرًا؛ كما قال ذلك شيخ الإسلام رحمه الله (2)، وذلك إذا أنكر المنكر بطريقة غير شرعيَّةٍ؛ فإنّ الإنكار نفسه يكون منكرًا؛ لما يولِّدُ من الفساد، وكذلك النَّصيحة ربَّما نسمِّيها فضيحة ولا نسمِّيها نصيحة، نسمِّيها تشهيرًا، نسمِّيها إثارة، ونسمِّيها زيادة شرٍّ وفتنة، إذا جاءت بغير الطّريق الشرعيِّ المأمور به‏.‏
224 ـ نقطة أخيرة أريد أن أستوضحها في هذه المسألة، وهي تتعلَّق بالمفتئت ‏(‏المتعدِّي‏)‏ على حق السُّلطان؛ ما حكم من نفَّذ حدًّا على أحد من الناس؛ فهناك من يدَّعي بأن ليس للسُّلطان أكثر من السّجن‏؟‏
لا يجوز الافتئاتُ على السُّلطان والتّعدِّي على صلاحيَّات سلطان المسلمين، ومن قتل أحدًا بغير حكم شرعيٍّ، وإنما قتله بموجب رأيه هو؛ فهذا يقام عليه القِصاصُ إذا طالب وليُّ المقتول؛ إلا إذا ثبت شرعًا أنَّ المقتول مرتدٌّ عن الإسلام؛ فلا قصاص عليه، لكن للسُّلطان أن يؤدِّبَه لتعدِّيه على صلاحيَّاته بما يراه رادعًا‏.‏
225 ـ ماذا عن الحدِّ تعزيرًا‏؟‏
أحيانًا يصلُ التّعزير إلى القتل، إذا رأى وليُّ أمر المسلمين أنّ هذا المفسد لا يندفع شرُّه إلا بالقتل؛ فإنه يقتُلُه‏.‏
226 ـ الدّين النّصيحة، والنّصيحة أصلٌ من أصول الإسلام، ومع هذا نجد بعض الإشكال فيما يتعلَّق بمعنى النّصيحة لولاة الأمر، وحدودها، وكيف تُبذلُ‏؟‏ وكيف يُتدرَّجُ‏؟‏ ومن أبرز الإشكالات تلك المتعلِّقة بالتَّغيير باليد؛ هل لكم في إيضاح هذه المسألة‏؟‏
النبي صلى الله عليه وسلم وضَّح هذا وقال‏:‏ ‏(‏الدِّينُ النَّصيحةُ‏)‏‏.‏ قُلنا‏:‏ لِمَن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لله، ولكتابه،ولرسوله، ولأئمّة المسلمين وعامّتهم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/74‏)‏ من حديث تميم الداري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
النّصيحة لأئمّة المسلمين تكون بطاعتهم بالمعروف، وتكون بالدُّعاء لهم، وبيان الطّريق الصّحيح لهم، وبيان الأخطاء التي قد تقع منهم من أجل تجنُّبها، وتكون النَّصيحة لهم سرّيّة بينهم وبين النّاصح، وتكون أيضًا بالقيام بالأعمال التي يكلونها إلى موظّفيهم وإلى من تحت أيديهم بأن يؤدُّوا أعمالهم بأمانة وإخلاص‏.‏ هذا من النّصيحة لوليّ أمر المسلمين‏.‏
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن رأى منكم منكرًا؛ فليغيّرهُ بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/69‏)‏ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
ومعنى ذلك أنّ المسلمين على ثلاثة أقسام‏:‏
القسم الأوّل‏:‏ من عنده العلم والسُّلطة؛ فهذا يغيِّرُ المنكر بيده، وذلك مثل ولاة الأمور ومثل رجال الهيئات والحسبة الذين نصّبهم وليّ الأمر للقيام بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، هؤلاء يغيّرون بأيديهم بالطّريقة الحكيمة المشروعة‏.‏
وهناك من عنده علم، وليس عنده سلطة؛ فهذا يغيّر بلسانه؛ بأن يبيّن للناس حكم الحلال والحرام، والمعروف والمنكر، ويأمر وينهى، ويرشد ويعظ وينصح، هذا من الإنكار باللسان‏.‏
وهناك من ليس عنده علم، وليس عنده سلطة، ولكنّه مسلم؛ فهذا عليه أن يُنكر المنكر بقلبه؛ بأن يكره المنكر وأهل المنكر، ويبعد نفسه عن الاجتماع بأهل المنكر؛ لئلا يؤثِّروا عليه، هذه هي درجات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر‏.‏
227 ـ هناك من يسوّغُ للشّباب الخروج على الحكومات دون الضّوابط الشّرعيّة؛ ما هو منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم وغير المسلم‏؟‏
منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم السَّمعُ والطّاعة؛ يقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏.‏‏]‏‏.‏ والنبي صلى الله عليه وسلم كما مرَّ في الحديث يقول‏:‏ ‏(‏أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، وإن تأمّر عبدٌ؛ فإنّه مَن يَعِش منكم؛ فسوف يرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي‏)‏ (3)؛ هذا الحديث يوافق الآية تمامًا‏.‏ ويقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن أطاع الأميرَ؛ فقد أطاعني، ومَن عصى الأمير؛ فقد عصاني‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/7-8‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في الحثِّ على السّمع والطّاعة، ويقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اسمع وأطِع، وإن أُخِذ مالُك، وضُرِبَ ظهرُك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1476‏)‏ من حديث حذيفة رضي الله عنه بلفظ قريب من هذا‏.‏‏]‏‏.‏
فوليُّ أمر المسلمين يجب طاعته في طاعة الله، فإن أمر بمعصيةٍ؛ فلا يطاع في هذا الأمر ‏(‏يعني‏:‏ في أمر المعصية‏)‏، لكنّه يُطاع في غير ذلك من أمور الطّاعة‏.‏
وأمّا التعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال‏:‏ فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله‏.‏ أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاثة عشرة سنة بعد البعثة، والولاية للكفَّار، ومع من أسلم من أصحابه، ولم يُنازلوا الكفَّار، بل كانوا منهيِّين عن قتال الكفَّار في هذه الحقبة، ولم يُؤمَر بالقتال إلا بعدما هاجر صلى الله عليه وسلم وصار له دولةٌ وجماعةٌ يستطيع بهم أن يُقاتل الكفَّار‏.‏
هذا هو منهج الإسلام‏:‏ إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة، أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة‏.‏
228 ـ هل المقصود بالقوّة هنا القوّة اليقينيّة أم الظّنّيّةُ‏؟‏
القوّة معروفة؛ فإذا تحقّقت فعلاً، وصار المسلمون يستطيعون القيام بالجهاد في سبيل الله، عند ذلك يُشرعُ جهاد الكفّار، أما إذا كانت القوّة مظنونةً أو غير متيقّنةٍ؛ فإنه لا تجوز المخاطرة بالمسلمين والزَّجُّ بهم في مخاطرات قد تؤدّي بهم إلى النّهاية، وسيرةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مكّة والمدينة خير شاهد على هذا‏.‏
229 ـ بعض الناس يعيب على خطباء الجوامع الدعاء لولاة الأمر على المنبر؛ فما توجيه فضيلتكم حيال ذلك‏؟‏
من قال ذلك؛ فالعيب فيه هو وليس في الخطباء‏.‏ الخطباء إذا دعوا لولاة الأمور؛ فهم على السنة ولله الحمد؛ لأن الدعاء لولاة الأمور من النصيحة لهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الدِّينُ النَّصيحةُ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/74‏)‏ من حديث تميم الداري رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ومن النّصيحة وأعظم النصيحة الدعاء للمسلمين ولولاة أمورهم، هذا من أعظم النصيحة‏.‏
والإمام أحمد رحمه الله كان يُعذِّبُ من قبل الوالي، فيُضرَبُ ويُجَرُّ، ومع هذا كان يقول‏:‏ لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان، وذلك لأن السلطان إذا صلح؛ أصلح الله به البلاد والعباد، فالدعاء لولاة الأمور أمر مستحب موافق للسنة وعمل المسلمين، وما زال المسلمون يدعون لولاة الأمور على المنابر، يدعون لهم بالصلاح والهداية، ولا ينكر هذا إلا جاهل أو مغرض يريد الفتنة بين المسلمين، وإذا كان الكافر يُدعى له بالهداية؛ فكيف لا يُدعى للمسلم بالهداية والصلاح‏.‏
230 ـ العلاقة بولي الأمر حددها الإسلام دون شك؛ فهل نستطيع القول‏:‏ إن له حقوقًا ملزمة لا يجوز للمسلم تجاوزها، كما أن للوالد حقًا لا يجوز تجاوزه‏؟‏
لولي أمر المسلمين حق الطاعة بالمعروف؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏.‏‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏على المرء المسلم السَّمع والطَّاعةُ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1469‏)‏ من حديث ابن عمر رضي الله عنه‏.‏‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فعليكم بتقوى الله والسَّمع والطّاعة وإن تأمَّر عليكم عبد‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ‏(‏4/126، 127‏)‏، ورواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏4/200‏)‏، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏7/319، 320‏)‏؛ كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ومَن لم يُطِع ولي الأمر فقد عصى الله ورسوله‏.‏
ومن حقوق ولي الأمر النّصيحة له بالمشورة الصالحة وإرشاده إلى الصواب والقيام بالعمل الذي يعهد به إلى أحد المسلمين من الأمراء والموظفين؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الدِّين النَّصيحة‏)‏‏.‏ قلنا‏:‏ لِمَن يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لله ولكتابه ولرسولِهِ ولأئمّة المسلمين وعامَّتهم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/74‏)‏ من حديث تميم الداري رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
231 ـ وهل ترون أن التقصير في مناصحة ولاة الأمر أيًّا كانوا تفريط بحق الإسلام والمسلمين ونزعة هوى تؤذن بالشر‏؟‏ وكيف‏؟‏ ولكن البعض يظن أنه لا يجد أذنًا سامعة أو سيجد إجابات دبلوماسية‏؟‏
التقصير في نصيحة ولي الأمر تُعتبرُ خيانة له وعدم قيام بحقه‏.‏ ولكن لابد أن تكون النصيحة بالطرق الشرعيّة فيما بينهم وبين النّاصح، لا بالتّشهير على المنابر وفي المجامع أو في الأشرطة والمنشورات التي تُحدِثُ البلبلة ويستغلها المغرضون؛ فإنّ هذه الطريقة ليست نصيحة، وإنما هي إثارة وفضيحة وتفريق للكلمة، ومن قام بالنّصيحة بالطريقة الشرعيّة؛ فالغالب أنه يحصل بها المقصود أو بعضه؛ فإن لم يحصل لها تأثير؛ فقد برئت ذمّة النّاصح وحصل على الثّواب من الله‏.‏
الشباب
232 ـ القدوة نِبراسٌ يضيء الطّريق للآخرين؛ فكيف يختار الشّباب المسلم قُدرته‏؟‏ وما هو السّبيل إلى السّعادة والطّمأنينة في نفوس الشّباب‏؟‏
تكون القدوة الصّالحة للشّباب في الآباء الصّالحين، والمدرّسين المستقيمين، والدُّعاة المصلحين، والمجتمع الإسلامي النَّظيف، والبيئة الصَّالحة التي يعيش فيها شباب المسلمين، وذلك ممَّا يؤكِّدُ على المسلمين العناية بتربية أولادهم وشبابهم على ضوء الإسلام وحمايتهم من التّيّارات المؤثّرة الضّارّة، والله الموفّق‏.‏
ويشعر الإنسان بالسّعادة إذا تمسّك بالإسلام دينًا وتخلّق بأخلاقه وآدابه؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 62-64‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 97‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 123‏.‏‏]‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من الأدلة، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 28‏.‏‏]‏‏.‏
233 ـ فضيلة الشيخ‏:‏ إني أحبك في الله وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا وإياك في الجنة وجميع إخواننا المسلمين وبعد‏:‏ يا فضيلة الشيخ‏:‏ نرجو منك توجيه نصيحة للشباب في هذه المدينة، والسبب أن بينهم فجوة كبيرة؛ فكلٌّ يقول‏:‏ إنه على الحق، والله يعلم من معه الحق؛ فنرجو أن توجهوا نصيحة في طلب العلم وكيف ينهجون خاصة في بداية تعلمهم وفي بداية طلبهم للعلم‏؟‏
بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ لا شك أن الشيطان لعنه الله يريد أن يُفَرِّق بين المسلمين، وكذلك أعوان الشيطان من بني الإنسان يريدون أن يفرقوا بين المسلمين؛ شبابهم وشيبهم، هذا أمر معروف منذ تعهد الشيطان بذلك حين قال ما ذكره الله عنه‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً، قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 62-65‏.‏‏]‏؛ يعني آدم عليه السلام‏.‏ هذا مهنة الشيطان، ولا يقاوم الشيطان وأعوان الشيطان إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بذلك، مع الرجوع لأهل العلم والبصيرة بالتعلم منهم ومشاورتهم، ثم الحذر من الدسائس التي تتخلل المجتمع من هنا وهناك على أيدي دعاة السوء الذين يريدون أن يُفرِّقوا هذا المجتمع؛ لأن هذا المجتمع في هذه البلاد ولله الحمد ما زال بخير، يمتاز به على سائر الناس في البلدان الأخرى‏.‏‏.‏‏.‏ يحكم فيه شرعُ الله سبحانه وتعالى، والولاية فيه ولله الحمد ولاية مسلمة مؤمنة؛ لا نقول‏:‏ إن عندها الكمال في كل شيء، وما عندنا من النقص يمكن إصلاحه بالمناصحة الشرعية، كذلك هذه البلاد على عقيدة التوحيد، ليس فيها قباب أو أضرحة تُعبَدُ من دون الله، ليس فيها مزارات شركية كما في البلاد الأخرى، وهي بلاد الحرمين الشريفين، ترفل بالأمن والاستقرار، نأمن على أنفسنا وأموالنا وعلى أولادنا، بينما البلاد الأخرى على تخوف‏.‏
فكروا يا عباد الله بهذه النعمة، والنعمة تستوجب الشكر؛ فإن لم تُشكر؛ فإنها تزول ‏{‏وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 7‏.‏‏]‏؛ فعلى شباب المسلمين أن يتذكَّرُوا هذه النعمة، وأن يسعوا في بقائها وإصلاح ما يحصل فيها من خلل بالطرق الصحيحة، وعليهم أن يحذروا كل الحذر من المفسدين الذين يتسمون باسم الدعوة وباسم الإسلام، وهم ينشرون العداوة والأحقاد بين المسلمين، ويتصيدون في الماء العكر، ويتلمسون الزلات البسيطة ليكبروها، حتى يجعلوها كأنها جرائم ليس لها علاج وليس لها إصلاح، وأنها كفر، وأنها، وأنها‏.‏
علينا أن نحذر من هذا النوع من الناس، وإن تلبسوا باسم الإسلام وباسم الدعاة؛ لأن الدّاعية من صفاته الإخلاص والسعي بالإصلاح والسعي بإزالة الفرقة بين المسلمين‏.‏
أما هذه الدعوة التي تُفرِّقُ بين الناس وتشتتهم؛ فهذه دعوة إلى الفتنة؛ فالذي يُشَهِّر بالأخطاء والذي ينشر المخازي والذي يُقَنِّط الناس من الإصلاح؛ فهذا داعية سوء، علينا أن نحذر من أمثال هؤلاء، وأن نعود إلى رشدنا، وأن نشكر نعمة الله علينا، وأن نُقبِل على تعلم العلم النافع، وأن نُزِيل ما بيننا من الاختلاف بالرّجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏.‏‏]‏‏.‏
234 ـ الرَّجاء منكم إعطاؤنا كلمة تؤلِّفُ بين الشّباب، وتُبعِدُهُم عن الفرقة والاختلاف؛ لأنّ الفرقة والاختلاف شرٌّ؛ كما لا يخفى عن فضيلتكم‏.‏
نعم؛ نحن والله لا نودُّ لإخواننا وأبنائنا وجميع المسلمين في هذه البلاد وفي غيرها، لا نودُّ لهم إلا الخير، ولا نودُّ لهم إلا الاجتماع على الخير، ولا نُبغِضُ أحدًا من أجل شخصه، وإنّما نُبغِضُ من أبغضَهُ الله ورسولهُ، نُبغِضُ أعداء الدِّين وأهل الضلال، هؤلاء نُبغضُهم؛ لأنّ الله يُبغِضُهم، لا نُبغِضُ الأشخاص من أجل أشخاصهم، وإنما نبغض المناهج المنحرفة والمناهج الضّالّة، ونُبغِضُ من تمسَّكَ بها وأبى أن يرجِعَ عنها، هذا نُبغِضُهُ، هذا من الموالاة في الله والمعاداة في الله، مع رجائنا أنّ المخالف يرجع إلى الصّواب؛ لأنه أخونا، نريدُ له الخير‏.‏
فنحن نوصي الشّباب أن يتركوا الفُرقة والاختلاف، وأن يَعرِضوا ما حصل بينهم على أهل العلم، هُم لا يمكنهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسّنّة؛ لأنهم قد لا يتمكّنون من هذا؛ لقصور علمهم، ولكن يرجعون إلى أهل العلم، ويقول أحدهم‏:‏ أنا أقول كذا، وفلان يقول كذا، أيُّنا على الصّواب‏؟‏ ويصدُرون عن أهل العلم لبيان الحقِّ‏.‏
هذا الذي نريد لهم؛ أن يرجعوا إلى أهل العلم‏:‏ إمّا بالمشافهة إذا حضروا عندهم، وإمّا بالكتابة؛ يكتبون إلى العلماء، ويشرحون لهم القضيّة؛ يقولون‏:‏ أيُّنا على الصَّواب‏؟‏ نحن نقول كذا، وفلانٌ يقول كذا، دليل فلان كذا، ودليل فلان كذا، أيُّنا على الصَّواب‏؟‏ ثم يأخذون الإجابة الصّحيحة إن شاء الله‏.‏
ويكتبون إلى أهل العلم الموثوقين والمعروفين بعلمهم، ويصدُّرون عن إرشادهم وتوجيههم، هذا هو الذي أوصيكم به‏.‏
235 ـ أمسى الشباب الذين كانوا موضع الفرح بصحوتهم محل استهجان البعض؛ لعدم انضباط الشباب بالضابط الشرعي الرزين؛ فما هو تعليقكم‏؟‏
الشباب الذي مَنَّ الله عليه بالهداية والرغبة بالتمسك بالدين يجب تشجيعه وتوجيهه إلى طريق الصواب وتعليمه أحكام الدين الصحيح وحمايته من التيارات والأفكار المشبوهة والمناهج المنحرفة التي تتسمى بالإسلام وهي تريد الكيد له والصّدّ عنه؛ فإن المنافقين من قديم الزمان وما زالوا يتسمَّون بالإسلام ظاهرًا ويحاربونه باطنًا، ‏{‏وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 119‏.‏‏]‏، ‏{‏يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 9‏.‏‏]‏‏.‏
236 ـ ما هي توجيهات فضيلتكم لبعض شباب الصّحوة الذين يستعجلون في ممارسة الدّعوة وإصدار الفتاوى بغير علم‏؟‏
لا شك أنّ الدّعوة إلى الله تعالى واجبة على من عنده الاستطاعة للقيام بها عمليًّا وبدنيًّا وعقليًّا، ومن لا يستطيع القيام بالدّعوة؛ فإنه يدعو للمسلمين بالتّوفيق والنّصر، وإن كان ذا مالٍ؛ فإنّه يساعد على الدّعوة بماله؛ من طبع الكتب، وتوزيعها، وإعانة الدُّعاة إلى الله‏.‏
وأمّا الفتوى؛ فإنّها منصبٌ خطيرٌ، لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا ممّن هو مؤهّلٌ بالعلم الذي تلقّاهُ عن ثقات العلماء، ولا يفتي إلا عند الضّرورة، إذا لم يوجد من هو أعلم منه‏.‏
237 ـ هل لكم يا فضيلة الشيخ أن تُبيِّنوا لنا علاقة الشباب بالعلماء وما الذي ينبغي أن يكونوا عليه؛ لأنه يوجد من ينتقص من علمائنا الكبار ويختار دعاة الشباب‏؟‏
هذا خطر عظيم، إذا حصل انفصال بين العلماء وبين الشباب، حصل الخطر العظيم؛ لأن الشباب إذا انفصلوا عن علمائهم؛ تولاهم دعاة السوء وحَرفُوهم عن الحق، كالذئب يحاول فصل الغنم عن الراعي من أجل أن يعبث بها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنّما يأكُلُ الذّئبُ مِنَ الغنم القاصية‏)‏ ‏[‏رواه الإمام أحمد في مسنده ‏(‏5/196‏)‏ ورواه أبو داود في سننه ‏(‏1/147‏)‏ ورواه النسائي في سننه ‏(‏106، 107‏)‏ كلهم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه‏.‏ بدون ذكر ‏(‏من الغنم‏)‏‏.‏‏]‏؛ فالتي تخرج عن جماعتنا وعن منهجنا هذه يأكلها الذئب، والذئب هنا من دعاة السوء‏.‏
فعلى شباب المسلمين أن يرتبطوا بعلمائهم، وعلماء هذه البلاد - ولا نزكي على الله أحدًا - الذي نعلم من حالهم أنهم من خيرة الناس وأنهم من أصلح الناس ولله الحمد؛ لأنهم نشئوا على عقيدة سليمة، وتعلموا من مشايخهم علمًا صحيحًا، تفقهوا في دين الله على يد علمائهم، وعلماؤهم تفقهوا على من قبلهم، وهكذا‏.‏‏.‏‏.‏ الخط ماش ولله الحمد، فلا تزهدوا في علماء هذه البلاد‏.‏
وجربتم الفرق بين علماء هذه البلاد وبين غيرها، أنا لا أنتقص العلماء الآخرين، ولكن أقول‏:‏ علماؤنا معروفون لدينا، نثق بهم ونعرف من أين تعلموا ومن أين أخذوا العلم وأين نشئوا، فهم معروفون لدين، أما غيرهم من العلماء الآخرين؛ فلا نطعن فيهم، ولكن نقول‏:‏ نحن لا نعرف من أين أخذوا العلم، ولا نعرف من أين تعلموا، لا نعرف مستواهم العلمي، لا نعرف مقاصدهم ونياتهم؛ فنحن نتوقف في أمرهم وفي شأنهم، لا نطعن فيهم ولا نسارع في الثقة بهم من غير معرفة‏.‏
أنتم تعرفون منهج رواة الحديث‏:‏ إذا كان الراوي مجهولاً لا تُعرَفُ حالَتُه؛ توقفوا عن الرواية عنه؛ لأنهم لا يريدوا أن يغامروا ويمنحوا الثقة لكل أحد؛ من يعرفون ومن لا يعرفون‏.‏
هذا دين، والدين لابد أن يؤخذ عن توثق وعن يقين وعن معرفة وعن بصيرة، وعلماء هذه البلاد حسب علمنا بهم أنهم ولله الحمد من خيرة العلماء، ما قصَّروا في تعليمنا وفي توجيهنا وفي إرشادنا؛ فلماذا يرخصون علينا، ونزهد فيهم، ونلتمس العلم عن غيرهم، ونلتمس التوجيه من غيرهم‏؟‏ هذا خطأ عظيم‏.‏
238 ـ لقد انتشر بين الشّباب فكر جديد ورأي جديد، وهو أنّهم يقولون‏:‏ لا نُبَدِّعُ من أظهر بدعة حتى نقيم عليه الحُجَّة، ولا نبدِّعُهُ حتى يقتنع ببدعته؛ دون الرُّجوع إلى أهل العلم والفتوى؛ فما هو منهج السّلف في هذه القضيّة الهامّة‏؟‏
البدعة هي ما أُحدِثَ في الدّين من زيادة أو نقصان أو تغيير، من غير دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو ردٌّ‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/167‏)‏ من حديث عائشة رضي الله عنها‏.‏‏]‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وإيّاكم ومُحدثاتِ الأمور؛ فإنّ كلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار‏)‏ ‏[‏رواه النسائي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏3/188، 189‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله، ورواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ بدون ذكر ‏"‏وكل ضلالة في النار‏"‏ ‏(‏2/592‏)‏ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه(4).‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 3‏.‏‏]‏‏.‏
فالبدعة إذًا إحداث شيء في الدين، ولا تُعرَفُ بآراء هؤلاء ولا بأهوائهم، وليس الأمر راجعًا إليهم، وإنما الأمر راجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فليست السّنّة ما تعارفه الناس والبدعة ما لم يتعارفوه، أو السنة ما رضي به زيد أو فلان‏.‏‏.‏‏.‏ فإن الله سبحانه وتعالى لم يكلنا إلى عقولنا أو آراء الناس، بل أغنانا بالوحي المنزَّل على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالسّنّة ما جاء بها الرّسول صلى الله عليه وسلم، والبدعة ما لم يأت بها الرّسول صلى الله عليه وسلم؛ من الأقوال والأفعال‏.‏
ليس لأحد أن يحكم على شيء بأنه بدعة أو أنه سنّة حتى يعرضَهُ على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمّا إن فعله عن جهل، وظنّ أنّه حقٌّ، ولم يُبيّن له؛ فهذا معذورٌ بالجهل، لكن في واقع أمره يكون مبتدعًا، ويكون عمله هذا بدعة، ونحن نعامله معاملة المبتدع، ونعتبر أنّ عمله هذا بدعة‏.‏
وننصح الشّباب الذين يسلُكون هذا المنهج، ويحكمون على الأشياء حسب أهوائهم‏:‏ أن يتَّقوا الله سبحانه وتعالى، وأن لا يتكلَّموا في الدّين إلا عن علم ومعرفة‏.‏
لا يجوز للجاهل أن يتكلّم عن الحلال والحرام، والسّنّة والبدعة، والضّلالة والهُدى، بدون علم؛ فإنّ هذا قرين الشّرك؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 33‏.‏‏]‏؛ فجعل القول على الله بلا علم مع الشّرك؛ ممّا يدلّ على خطورته‏.‏
فأمور الدّين وأمور العلم لا يجوز الكلام فيها إلا على بصيرة وبيّنة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس الكذب على الله كالكذب على غيره، وليس الكذبُ على الرّسول صلى الله عليه وسلم كالكذب على غيره؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن كذبَ عليّ مُتعمّدًا؛ فليتبوّأ مقعده من النّار‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏1/35-36‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، (5)‏‏]‏، وقال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 32‏.‏‏]‏؛ فلا يجوز لأحد أن يتكلّم في أمور الدّين والحكم على الناس إلا بالعلم والدّليل والبيّنة من كتاب الله وسنّة رسوله‏.‏
239 ـ لقد تفشَّى بين الشّباب ورعٌ كاذبٌ، وهو أنهم إذا سمعوا النّاصحين من طلبة العلم أو العلماء يحذّرون من البدع وأهلها ومناهجها، ويذكرون حقيقة ما هم عليه، ويردُّون عليهم، وقد يوردون أسماء بعضهم، ولو كان ميِّتًا؛ لافتتان الناس به، وذلك دفاعًا عن هذا الدّين، وكشفًا للمتلبّسين والمندسّين بين صفوف الأمّة؛ لبثِّ الفرقة والنّزاع فيها، فيدَّعون أنّ ذلك من الغيبة المحرَّمة؛ فما هو قولُكم في هذه المسألة‏؟‏
القاعدة في هذا التّنبيه على الخطأ والانحراف، وتشخيصُه للناس، وإذا اقتضى الأمر أن يصرَّحَ باسم الأشخاص، حتى لا يُغتَرَّ بهم، وخصوصًا الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السّير والمنهج، وهم مشهورون عند الناس، ويُحسِنون بهم الظّنّ؛ فلا بأس أن يُذكَروا بأسمائهم، وأن يُحذَّرَ منهم‏.‏
والعلماء بحثوا في علم الجرح والتّعديل، فذكروا الرُّواة وما يُقالُ فيهم من القوادح، لا من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل نصيحة الأمة أن تتلقّى عنهم أشياء فيها تجنٍّ على الدِّين أو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
فالقاعدة أولاً أن يُنَبَّهَ على الخطأ، ولا يُذكرَ صاحبُه، إذا كان يترتَّب على ذكره مضرَّةٌ، أو ليس لذكره فائدة، أمّا إذا اقتضى الأمر أن يصرَّحَ باسمه لتحذير الناس منه؛ فهذا من النّصيحة لله وكتاب ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، خصوصًا إذا كان له نشاط بين الناس، ويحسنون الظّنّ به، ويقتنون أشرطته وكتبه، لا بدّ من بيان وتحذير الناس منه؛ لأنّ في السُّكوت ضررًا على الناس؛ فلا بدّ من كشفه، لا من أجل التّجريح أو التّشفّي، وإنما من أجل النّصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم‏.‏
240 ـ من الأشياء المؤسفة اليوم ما نجده من حرص البعض على تصنيف الناس والاستمتاع بهذا‏؟‏
لا يجوز للمسلم أن يشغل نفسه بالكلام في الناس وتفريق كلمة المسلمين والحكم على الناس بغير علم؛ لأنّ هذا من الفساد؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 36‏.‏‏]‏‏.‏
والواجب على المسلم أن يسعى بالإصلاح وجمع الكلمة والسّعي في توحيد الصّفّ على الحقّ، لا أن يفرّق المسلمين ويصنّفهم إلى جماعات أو إلى فرق أو إلى غير ذلك، بل المطلوب منه إذا رأى شيئًا من الخلل في المسلمين أن يسعى إلى إصلاحه، فإذا رأى فرقة؛ يسعى إلى جمع كلمة المسلمين‏.‏
هذا هو المطلوب من المسلم؛ أن يدعو إلى جمع الكلمة، وإزالة أسباب الفرقة؛ لأنّ هذا من أعظم النّصيحة لأئمّة المسلمين وعامّتهم‏.‏
241 ـ ما هي المسائل التي يجوز الاختلاف فيها‏؟‏ وتلك التي ينبغي التّوقُّفُ عن الخلاف فيها‏؟‏ وما واجب المسلمين تُجاه دينهم‏؟‏
الاختلاف على قسمين‏:‏
القسم الأول‏:‏ الاختلاف في مسائل العقيدة، وهذا لا يجوز؛ لأنّ الواجب على المسلمين اعتقاد ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، وعدم التّدخُّل في ذلك بعقولهم واجتهاداتهم؛ لأنّ العقيدة توقيفيّة، ولا مجال للاجتهاد والاختلاف فيها‏.‏
القسم الثاني‏:‏ اختلاف في المسائل الفقهيَّة المستنبطة من النُّصوص، وهذا لابدّ منه؛ لأنّ مدارك الناس تختلف، ولكن يجب الأخذ بما ترجّح بالدّليل من أقوالهم، وهذا هو سبيل الخروج من هذا الخلاف‏.‏
ويجب على المسلم أن يهتمَّ بأمور دينه، ويحافظ على أداء ما أوجب الله عليه، ويترك ما حرَّمَ الله عليه، وأن يتحلَّى بالأخلاق الفاضلة مع إخوانه، وأن يصدُقَ في معاملته، ويحفظ أمانته، ويكون قدوةً صالحةً لغيره‏.‏
ويجب أن يتربَّوا على التّمسّك بالدّين والأخلاق الفاضلة، وأن يبتعدوا عن الأخلاق الرّذيلة وقرناء السُّوء، وأن يهتمُّوا بما ينفعهم في دينهم ودُنياه، وأن يكونوا قوَّة للإسلام والمسلمين‏.‏
242 ـ الصّحوة الإسلاميّة تعبير شائع هذه الأيام لما نُطلِقُ عليه المدّ الإسلامي والعودة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ماذا تقولون عنه‏؟‏ وبماذا تنصحون الشّباب‏؟‏
كلمة الصحوة التي شاعت على ألسنة الناس في هذه الأيام كلمة تحتاج إلى تأمّل؛ خصوصًا في هذه البلاد التي ما زالت ولن تزال بإذن الله متمسّكة بالإسلام، ولم تكن غافلةً عنه أو نائمة ثمّ استيقظت وصحت؛ فهذا التّعبير إن صحّ في بعض المجتمعات؛ فإنه لا يصحُّ في المجتمع السُّعوديِّ الذي يحكِّمُ كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ فهو شعب صالح ومستيقظ‏.‏ والحمد لله‏.‏
أمّا ما ننصح به الشّباب؛ فهو تعلُّمُ العلم النّافع على أيدي العلماء، وعدم التّسرّع في الأحكام، وعدم تقبُّلِ الأفكار بدون تمحيص ونظر فيها وفيما تنطوي عليه، بل عليهم أن يتثبَّتوا، وأن يسألوا العلماء، وأن لا يتسرَّعوا، وأن يبتعدوا عن الانفعالات والحماس الذي يوقِعُهُم في الخطأ؛ كما أنصحهم بالبُعد عن الانتماءات التي تُبعِدهم عن منهج الكتاب والسُّنَّة ومذهب أهل السّنّة والجماعة؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏.‏‏]‏، ‏{‏وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 46‏.‏‏]‏؛ فالاجتماع على الحقِّ رحمةٌ، والفُرقة عذاب‏.‏
الأمة
243 ـ فضيلة الشيخ‏:‏ المتابع لوضع الأمة العام لا يجد أن حمل الإسلام ونصرته همًّا عامًّا على مستوى الحكومات، بل العكس قد يتدارى من نازعته العاطفة الإسلامية لخدمة الإسلام‏.‏‏.‏‏.‏ لماذا‏؟‏
هذا التعميم لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏لا تزالُ طائفة من أُمَّتي على الحقِّ ظاهرين، لا يضرُّهُم مَن خذلَهُم ولا مَن خالفَهُم، حتى يأتي أمرُ الله تبارك وتعالى وهُم على ذلك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1523‏)‏ من حديث ثوبان رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
وإننا والحمد لله نرى من حكومة هذه البلاد قيامًا بالواجب نحو الإسلام وتحكيمًا لشريعته - ولو وُجِدَ بعضُ النقص في ذلك، ونرجو الله أن يصلحه‏.‏
وأيضًا مهما أصاب المسلمين من المصائب فإن اليأس لا يجوز ‏{‏إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 87‏.‏‏]‏، وهذا لدين باق بحفظ الله له، وإذا تركه قوم استبدلهم الله بآخرين؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 38‏.‏‏]‏‏.‏
244 ـ هل نستطيع القول‏:‏ إن جذوة العزة بالإسلام قد انطفأت في الصدور‏؟‏
الإسلام سيبقى بإذن الله مهما اشتدت الخطوب إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة المسيح الدجال كما جاء في الأحاديث ‏(6).‏
ولا تنطفئ جذوة الإيمان في جميع الناس، بل لا بد أن يبقى لهذا الدين من يحمله ويدافع عنه بإذن الله؛ كما في الحديث الذي سبق ذكره‏:‏ ‏(‏لا تزالُ طائفةٌ من أمّتي على الحقّ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1523‏)‏ من حديث ثوبان رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
245 ـ نسمع من يقول بتجديد الإسلام؛ فهل هو محق في قوله‏؟‏
إن كان المراد بتجديد الإسلام هو الدعوة إليه وإزالة ما علق به عند بعض المسلمين من الشركيات والبدع والخرافات وبيان الإسلام الصحيح الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليه السلف الصالح؛ فهذا تجديد واجب وحق، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كلّ مئة سنة من يُجدّد لها دينها (7).‏
وإن كان المراد بتجديد الإسلام استبدال أحكامه بما يوافق رغبات الناس وأهواءهم من الاجتهادات الخاطئة والآراء المخالفة لهدي الإسلام؛ فهذا تجديد باطل مرفوض، وهذا هو ما ينادي به بعض الجهلة وأصحاب الأفكار الملوثة‏.‏
246 ـ ما سبيلنا لإحياء معاني الانتماء للإسلام وسط هذه الغربة والمؤاخذة العالمية للدول المتعاطفة مع الإسلام‏؟‏
سبيلنا هو التمسك بالدين بعد تعلمه ومعرفته والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ‏}‏ ‏[‏العصر‏:‏ 1-3‏.‏‏]‏؛ فهي أربع درجات‏:‏ العلم ثم العمل ثم الدعوة إليه ثم الصبر على الأذى فيه‏.‏
247 ـ أصبح الإسلام رديفًا لمعاني الإرهاب والوحشية، ألا ترى أن أخطاء بعض المسلمين هي المورِّث الحقيقي لهذه الصورة المنكرة‏؟‏ وما طريق الخلاص‏؟‏
الكفار من قديم يحاربون الإسلام ويصفونه بأقبح الصفات تنفيرًا منه ‏{‏يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 32‏.‏‏]‏، ومن ذلك وصفهم له بالإرهاب والوحشية، وينسون أن الإرهاب والوحشية وقتل الشعوب والتسلط على الخلق بغير الحق وكل صفات الذم إنما هي في دين الكفر ومن صفات الكفار، وكون بعض المنتسبين إلى الإسلام تصدر منهم بعض التصرفات الخاطئة - إما عن جهل أو عن قصد سيئ - فإن ذلك لا ينسب إلى الإسلام؛ لأن الإسلام ينهى عن ذلك‏.‏ وطريق الخلاص من هذا الاتهام السيئ للإسلام أن يُبَيَّن أن فعل هؤلاء الأشخاص ليس من الإسلام وإنما هو تصرف شخصي، وأن كل مسلم فهو عرضة للخطأ وليس هناك معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
248 ـ ما هي أبرزُ القضايا التي تحتاج إلى وقفة المسلمين في هذا العصر‏؟‏
أبرز القضايا التي تحتاج إلى وقفة المسلمين في هذا العصر‏:‏ قضية الجهل بعقيدة التّوحيد عند كثير من المنتسبين إلى الإسلام، والانتماءات إلى المذاهب المخالفة للإسلام، والغزو الفكريُّ الوافد من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام؛ كلُّ هذه القضايا تحتاج إلى وقفة صحيحة ومدافعةٍ قويَّةٍ، وذلك ببيان الإسلام الصحيح بعقيدته وتشريعاته الحكيمة، والتحذير من كلِّ ما خالَفَه من خلال المناهج الدّراسيّة والوسائل الإعلاميّة ونشر الكتب النافعة‏.‏
249 ـ الأخطار تُحدق بالأمّة الإسلاميّة من كلّ جانب؛ فما هو أشدُّها خطرًا على الأمّة‏؟‏ وكيف السّبيلُ إلى صدّ هذا الخطر‏؟‏
أشدُّ خطر يواجه الأمة الإسلاميّة هو بعدها عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واستبدالهما بالقوانين الوضعيّة والمذاهب المنحرفة‏.‏
وكذلك أشدُّ خطر يواجه الأمّة الإسلاميّة هو الضّلال والانحراف في العقيدة، وتسرُّبُ الأفكار الكفريَّة والشِّركيَّة والبدعيَّة من قبوريَّة وصوفيَّة وبدع وخرافات‏.‏
كما أنَّ مِن أشدِّ الأخطار على الأمّة الإسلاميّة تفرُّقَها فيما بينها وعداوة بعضها لبعض‏.‏
وعلاج ذلك بالرُّجوع إلى الكتاب والسُّنَّة تعلُّمًا وتعليمًا وحكمًا بين النّاس وتخلُّقًا بأخلاقهما‏.‏
250 ـ ماذا تقولون في الغياب عن قضايا العصر‏؟‏ واختلاف العلماء‏؟‏ وصوم الصِّغار‏؟‏ هل تضعوا النُّقط على الحروف حول هذه المسائل‏؟‏
ليس هذا الإطلاق صحيحًا، فليس العالم الإسلاميُّ كلُّه غائبًا عن قضايا العصر، بل هناك والحمد لله من المسلمين من هو على يقظةٍ وتفهُّم لقضايا العصر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تزالُ طائفة من أُمَّتي، على الحقّ ظاهرين، لا يضرُّهم من خذلهم ولا مَن خالفهم، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى وهُم على ذلك‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/1523‏)‏ من حديث ثوبان رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
علماء هذه البلاد المعتبرون ليس بينهم تباين واختلاف ولله الحمد كما هو موجود عند الفرق الأخرى، وإن قُدِّرَ وجود اختلاف؛ فإنَّما هو في المسائل الاجتهاديّة التي للاجتهاد فيها مسرح، ومع ذلك؛ فهم جماعة واحدة، وأخوة متحابُّون، ولله الحمد‏.‏
الصِّغار المميِّزون الذين هم دون البلوغ يؤمرون بالصلاة والصّيام ليتدرّبوا عليهما؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مُروا أولادكم بالصّلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع‏)‏ ‏[‏رواه أبو داود في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏1/130‏)‏ من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواه الترمذي في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/74‏)‏ من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده‏.‏‏]‏، وكان السّلف يصوِّمون صبيانهم، فإذا طلبوا الأكل والشَّراب؛ شغلوهُم ببعض الألعاب (8).‏
251 ـ يقول البعض‏:‏ إن ذهاب ثمرة الجهاد الأفغاني هو نتيجة طبيعية لعدم اعتماد المنهج الصحيح، ما ردكم‏؟‏
قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مَن قاتل لتكونَ كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/206‏)‏ من حديث أبي موسى رضي الله عنه‏.‏‏]‏، فما خرج عن هذا الضابط من أنواع القتال فهو ليس في سبيل الله، وبالتالي تكون نتيجته الفشل، وما يحصل عند الأفغانيين الآن لابد أنه نتيجة خلل حاصل، والواجب عليهم مراجعة أنفسهم والرجوع إلى الحق والاحتكام إلى الكتاب والسّنّة؛ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 1‏.‏‏]‏‏.‏
252 ـ إن أعداء الدين يسيرون بخطة مرسومة ونظريات حتى إن طاغوتًا من كبار طواغيتهم قال‏:‏ إنّه في سنة 2000م ستصبح إفريقيّة كلّها مسيحيّة؛ فلماذا المسلمون لا يتّخذون خططًا مكافئةً لها‏؟‏
الله جل وعلا يقول‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 123‏.‏‏]‏؛ فإذا قال أهل الكتاب‏:‏ سيحصل كذا‏!‏ وسيتنصَّرُ من الناس كذا‏!‏ فهذا لا يضيرُنا، ولا يبعث في نفوسنا القنوط ولا الكسل، وإنّما يبعثنا ويحثُّنا على العمل والجدِّ والاجتهاد في الدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والله يقول‏:‏ ‏{‏وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 120‏.‏‏]‏‏.‏
هم قالوا أعظم من هذا؛ قالوا‏:‏ ‏{‏لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 111‏.‏‏]‏، حتى الجنة احتجزوها؛ فهل هذا منطق عاقل أو إنسان، والله جلّ وعلا ردَّ عليهم بقوله‏:‏ ‏{‏بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 112‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 123‏.‏‏]‏‏.‏
وهم قالوا أعظم من هذا، قالوا لموسى‏:‏ ‏{‏أَرِنَا اللَّهِ جَهْرَةً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 153‏.‏‏]‏، وقالوا، وقالوا‏.‏‏.‏‏.‏ وعندهم أقاويل والعياذ بالله تروِّعُ، ولكنها كلَّها ترتدُّ في نحورهم، ولا تضرُّ أهل الإيمان أبدًا إذا استقام أهل الإيمان وأعدُّوا عُدَّتَهُم ولم يتخاذلوا‏.‏
الآن نرى النَّصارى يُنفقون الأموال ويبنون المباني والمدارس والإرساليَّات، ويتعبون، ويتنصَّرُ قليل من الناس، ثم يترُكونَ النّصرانيّة عمّا قليل، ونرى كثيرًا من الناس يُسلِمون بدون دعوة من أحد من النّاس، وبدون شيء، إنما يسلمون إذا رأوا تعاليم الإسلام، وسَمِعوا القرآن مجرَّد سماع، وإذا قرؤوا مجرَّد قراءة عن الإسلام؛ فإنهم يسلمون، هذا مع كسل المسلمين، هكذا تأثير الإسلام عليهم؛ فكيف لو أنّ المسلمين جدُّوا ودَعَوا إلى الله وأظهروا محاسن الإسلام وطبَّقوه في أنفسهم أولاً حتى يكونوا قدوة لغيرهم وحتى يمثِّلوا الإسلام تمثيلاً صحيحًا‏؟‏‏!‏
يقول بعضُ النَّصارى‏:‏ نحن أنفقنا كذا مليونًا وتنصَّر واحد فقط في مقابل هذه الملايين، بينما المسلمون يُسلِمُ الآلاف بدون أن يبذُلَ المسلمون درهمًا واحدًا‏.‏
فالحقُّ واضح والحمد لله، ولكن الحقَّ يحتاج إلى من يحملُه؛ فالحقُّ مثلُ السّيف، إذا حمله إنسان شجاع حملاً صحيحًا؛ لن يقف في وجهه عدوٌّ، ولكنّ السّلاح إذا وُجِدَ بدون يدٍ تحمِلُه؛ فإنّه لا يفيد‏.‏

الجامع في مسائل العقيدة
253 ـ ما الحكمة في أنّ القرآن العظيم محفوظ من التّبديل والتّحريف، في حين إنّ الكتب الأخرى كالتّوراة والإنجيل ليست كذلك‏؟‏ وهل يعني الإيمان بالكتب الإيمان بما فيها على ما هي عليه الآن، خاصّة وأنّ بعضها دَخَلَهُ التَّحريفُ‏؟‏
القرآن الكريم تكفَّل الله تعالى بحفظه؛ لأنّه الكتابُ الباقي إلى قيام السّاعة، النّاسخ لما سبقه، ولا يتطرّق إليه نسخ، أمّا الكتب السّابقة؛ فاستُحفِظ عليها الرّبانيّون والأحبار؛ ابتلاءً وامتحانًا لهم، ولأنّها - والله أعلم - مؤقّتةٌ، ويتطرَّق إليها النسخ بشرائع أخرى تأتي بعدها، وهي أيضًا خاصّةٌ بمن أُنزِلَت عليهم في وقتهم، والقرآن عامٌّ لجميع الثّقلين الجنّ والإنس إلى يوم القيامة‏.‏
والإيمانُ بالكتب الإلهيّة من أركان الإيمان‏.‏
والإيمان بالكتب السّابقة إيمان مجمل، والإيمان بالقرآن إيمان مفصَّلٌ بكلِّ ما فيه، من أنكر منه حرفًا أو آية أو أقلَّ أو أكثر؛ فهو مرتدٌّ عن دين الإسلام، وكذلك من أنكر حكمًا من أحكامه؛ كقطع يد السَّارق، والاقتصاص من الجاني، أو أنكر صلاحيته للحكم بين النّاس في هذا الزمان، أو في أيّ زمان؛ فهو كافر، أمّا الإيمان بالكتب السّابقة؛ فهو إيمانٌ مجمل، يتناول أصولها وما فيها من حقٍّ، دون ما فيها من تحريف وتبديل؛ لأنّ الله أمر بالإيمان بها مع ذكره سبحانه أنّ أهلها قد حرَّفوها وغيَّروا فيها؛ فالإيمان بأصولها وأنها من عند الله دون ما فيها من تحريف وتبديل؛ فهذا مردود على أصحابه‏.‏
قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 79‏.‏‏]‏‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 78‏.‏‏]‏‏.‏
254 ـ أنا فتاة مؤمنة بالله تعالى، أحاول جاهدة أن التزم بتعاليم الإسلام، ولكن كثيرًا ما تُراودني أفكار عن المصير والحساب يوم القيامة، والسؤال‏:‏ هل يتمُّ الحساب يوم القيامة في يوم واحد لكافّة الخلائق‏؟‏ أم ماذا‏؟‏ أم لا يجوز لنا أن نفكِّرَ في هذا‏؟‏
هذا السؤال المقدَّمُ من هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت‏.‏
وفيه أنّ المرأة أثنت على نفسها خيرًا؛ بكونها مؤمنة بالله تعالى، وتحاول تطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا الثّناء على النّفس‏:‏ إن أراد به الإنسان التّحدُّث بنعمة الله عز وجل، أو أن يتأسَّى به غيره من أقرانه ونظرائه؛ فهذا لا بأس به، وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه، وإدلاله بعمله على ربّه عز وجل؛ فإنّ هذا فيه شيء من المنّة، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏ 17‏.‏‏]‏‏.‏ وأما إذا كان المراد به مجرَّد الخبر؛ فلا بأس به، لكنّ الأولى تركُه‏.‏
فالأحوال في ثناء المرء على نفسه أربع‏:‏
1ـ أن يريد بذلك التّحدُّث بنعمة الله عليه بما حباه به من الإيمان والثّبات‏.‏
2ـ أن يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه‏.‏
وهاتان الحالان محمودتان؛ لما يشتملان عليه من النّيّة الطّيّبة‏.‏
3ـ أن يريد بذلك الفخر والتّباهي والإدلال على الله عزّ وجلّ بما هو عليه من الإيمان والثّبات، وهذا غير جائز؛ لما ذكرنا من الآية‏.‏
4ـ أن يريد بذلك مجرد الخبر عن نفسه بما هو عليه من الإيمان والثّبات؛ فهذا جائز، والأولى تركُه‏.‏
أمّا المشكلة الثانية التي ذكرتها في السؤال، وهي‏:‏ هل يومُ الحساب يومٌ واحدٌ أو أكثر‏؟‏
فالجواب أنّ يوم الحساب يوم واحد، ولكنّه يوم مقداره خمسون ألف سنة؛ كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏ ‏[‏المعارج‏:‏ 1-4‏.‏‏]‏؛ أي أنّ هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‏.‏ وفي ‏"‏صحيح مسلم‏"‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من صاحب ذهبٍ ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها؛ إلا كان يوم القيامة؛ صُفِّحت له صفائح من نار، وأُحمي عليها في نار جهنّم، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلّما بردت؛ أُعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏2/680‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولهذا الحديث بقية‏.‏‏]‏‏.‏
وهذا اليوم الطويل هو يوم عسير على الكافرين؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 26‏.‏‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 10‏.‏‏]‏، ومفهوم هاتين الآيتين هو أنَّ هذا اليوم يسيرٌ على المؤمنين‏.‏
وهذا اليوم فيه من الأمور العظيمة ما يجعل الولدان شيبًا؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَومَئِذٍ زُرْقًا، يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُم إن لَّبِثْتُمْ إلاَّ عَشْرًا، نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُم طَرِيقَةً إن لَّبِثْتُُمْ إلاَّ يَوْمًا، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا، يَومَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتٍ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إلاَّ هَمْسًا، يَومَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَولاً‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 102-109‏.‏‏]‏‏.‏
والتفكير والتعمُّقُ في مثل هذه الأمور الغيبيّة هو من التّنطّع الذي قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه‏:‏ ‏(‏هلكَ المُتنطِّعُونَ، هلكَ المُتنطِّعُونَ‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/2055‏)‏ من حديث عبد الله رضي الله عنه‏.‏ ‏(‏قالها ثلاثًا‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
وواجب الإنسان في هذه الأمور الغيبيّة التسليم وأخذُ الأمور على ظاهر معناها دون أن يتعمّق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدُّنيا؛ فإنّ أمور الآخرة ليست كأمور الدُّنيا، وإن كانت تشبِهُها في أصل المعنى، لكن بينهما فرق عظيم‏.‏
وأضرب لك مثلاً فيما ذكره الله تعالى في الجنّة من النَّخل والرُّمان والفاكهة ولحم الطّير والعسل والماء واللبن وما أشبه ذلك، مع قوله عز وجل‏:‏ ‏{‏فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 17‏.‏‏]‏، وقوله في الحديث القدسيِّ‏:‏ ‏(‏أعددتُ لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏6/21‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏؛ فهذه الأسماء التي لها مسمَّياتٌ في هذه الدُّنيا لا تعني أنَّ المسمَّى كالمسمَّى به، وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى؛ فكلُّ الأمور الغيبيَّة التي تشارك ما يشاهد في الدُّنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلةً له في الحقيقة‏.‏
فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتَّسليم، وما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وأن لا يحاول شيئًا وراء ذلك‏.‏
ولمّا سُئِلَ الإمام مالك رحمه الله عن قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 5‏.‏‏]‏؛ كيف استوى‏؟‏ أطرقَ رحمه الله برأسه، حتى علاه الرُّحَضاءُ؛ أي‏:‏ العرقُ، وصار يتصبَّبُ عرقًا، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه، وقال قولَتَه الشهيرة التي كانت ميزانًا لجميع ما وصف الله به نفسه؛ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏الاستواءً غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنه بدعةٌ‏)‏ (9).‏
فالسؤال المتعمِّقُ في مثل هذه الأمور بدعةٌ؛ لأنّ الصّحابة رضوان الله عليهم - وهم أشدُّ الناس حرصًا على العلم وعلى الخير - لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة، وكفى بهم قدوة‏.‏
وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك؛ فإنّ مسمّيات هذه الألفاظ بالنسبة إلى الله عزّ وجلّ لا يماثلُها شيء ممّا يشاركُها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان؛ فكلُّ صفةٍ تابعةٌ لموصوفها؛ فكما أنّ الله لا مثيل له في ذاته؛ فلا مثيل له في صفاته‏.‏
وخلاصة الجواب‏:‏ أنّ اليوم الآخر يومٌ واحد، وأنه عسير على الكافرين، ويسير على المؤمنين، وأنّ ما ورد فيه من أنواع الثّواب والعقاب أمر لا يُدرك كنههُ في هذه الحياة الدُّنيا، وإن كان أصل المعنى فيه معلومًا لنا في هذه الحياة الدُّنيا‏.‏
255 ـ بعض الناس في بعض القرى البعيدة عن التعليم والدعوة إلى الإسلام يجهلون الكثير من أحكام الدين ومن فرائضه، ومن ذلك الصلاة، فهم لا يعرفون عدد ركعات الفروض، ومنهم من يصلي الفجر ثلاث ركعات أو أربع، يجمعون السنة والفريضة بسلام واحد، وهكذا في بقية الفروض جهلاً منهم؛ فما الحكم فيما مضى من صلواتهم وفيمن مات منهم وهو على تلك الحالة‏؟‏
إذا كان فعلهم هذا بسبب التساهل بأن لم يسألوا أو لم يبحثوا وبإمكانهم أن يجدوا من يرشدهم ويفيدهم، ولكنهم أهملوا ذلك ولم يبالوا؛ فإن صلاتهم لا تصحّ؛ لأنهم غير معذورين في هذه الحالة لأنه مطلوب من المسلم أن يعرف أحكام العبادة قبل أن يؤدِّيها‏.‏ وأمّا إن كانوا غير قادرين على معرفة أحكام الصلاة لبعدهم عمن يرشدهم وتعذر الوصول إليه؛ فإنّهم يصلون على حسب حالهم، وصلاتهم صحيحة؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏.‏‏]‏، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإذا أمرتُكُم بشيء فأتوا منه ما استطعتم‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في صحيحه ‏(‏2/975‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو جزء من حديث أوله‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏‏]‏‏.‏
256 ـ ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ للشَّهيد ستَّ كراماتٍ، وهي أنه‏:‏ لا يجد ألم الموت إلا كقرصة بعوضة، يُغفَرُ له عند أول قطرة من دمه، لا يصل الفتَّانُ إليه في قبره، يكسى تاجَ الوقار، يُنزَل في منازل النّبيِّين، ويشفع في سبعين من أهل بيته؛ هل هذا الحديث صحيح‏؟‏ وما معنى الفتَّانُ‏؟‏
ما ذُكر في هذا السؤال من الكرامات التي ينالُها الشَّهيدُ في سبيل الله، كلُّها جاءت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عدا قول السَّائل‏:‏ يُنزَلُ منازل النبيّين؛ فإنه لم يرد بهذا اللفظ، وإنما ورد بلفظ‏:‏ ‏(‏لا يفضُلُهُ النبيُّون إلا بفضل درجة النّبوّة‏)‏ ‏[‏انظر‏:‏ ‏"‏مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‏"‏ ‏(‏5/291‏)‏ من حديث عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏ والله أعلم‏.‏
257 ـ هل يجوز للفرد الذي يدخل الإسلام أن يقوم بتغيير اسمه‏؟‏
إذا دخل الكافر في الإسلام؛ فإنه لا يلزمه تغيير اسمه؛ إلا إذا كان اسمًا مكروهًا؛ مثل‏:‏ حَزن، أو كان معبدًا لغير الله؛ مثل‏:‏ عبد المسيح، أو عبد الكعبة، أو غير ذلك من الأسماء المحرَّمة؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم غيّر أسماء أشخاص من هذين النّوعين (10).‏
258 ـ إذا أسلم كافر وتاب إلى الله عز وجل وفي ذمته بعض الحقوق للناس، فهل الإسلام يمحو ذنب تلك المظالم دون أن يردها إلى أهلها أم لابد من ذلك‏؟‏
حقوق الآدميين لا تسقط إلا إذا سمحوا هم عنها وتنازلوا عنها، أما ما لم يتنازلوا عنها؛ فإنها لا تسقط عن المتحمل لها، ولو أسلم وتاب إلى الله؛ فإن ذلك لا يسقط عنه بالتوبة، وإنما تسقط عنه حقوق الله التي تركها قبل التوبة؛ لأن التوبة تجبُّ ما قبلها؛ قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 38‏.‏‏]‏‏.‏
259 ـ كفيل يظلِمُني، ويهضم حقوق المادّيّة والمعنويّة، ولا أملك له شيئًا سوى الدُّعاء عليه وبغضه، علمًا بأنه يصلّي وملتزم، لكنّه يقسو على مكفوليه في المعاملة المادّيّة، ونشعر بالظُّلم الشَّديد؛ فهل إن أبغضته أكون ناقص الإيمان‏؟‏
الحقيقة أنّ هذه المسألة يشكو منها كثير من العمَّال، وهي ظلم، ولا يجوز ظلم العمَّال، ولو كانوا غير مسلمين‏.‏
الظُّلم لا يجوز بحال من الأحوال، والله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏إني حرّمتُ الظُّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا؛ فلا تظالَموا‏)‏ ‏[‏رواه الإمام مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏4/1994‏)‏ من حديث أبي ذر رضي الله عنه‏.‏‏]‏، ويقول صلى الله عليه وسلم لمّا بعثَ معاذًا إلى اليمن؛ قال له‏:‏ ‏(‏واتّق دعوةَ المظلوم؛ فإنّه ليس بينها وبينَ الله حجابٌ‏)‏ ‏[‏رواه الإمام البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏3/99‏)‏ من حديث ابن عباس رضي الله عنه‏.‏‏]‏‏.‏
فلا يجوز الظُّلم بحال من الأحوال، لا مع المسلمين، ولا مع الكفّار‏.‏
والأجير له حقٌّ؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أعطوا الأجير أجرته قبل أن يَجِفَّ عَرَقُه‏)‏ ‏[‏رواه ابن ماجه في ‏"‏سننه‏"‏ ‏(‏2/817‏)‏ من حديث عبد الله بن عمر، ورواه البيهقي في ‏"‏السنن الكبرى‏"‏ ‏(‏6/121‏)‏ من حديث أبي هريرة، وانظر‏:‏ ‏"‏مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‏"‏ للهيثمي ‏(‏4/98‏)‏‏.‏‏]‏، وجاء في الحديث‏:‏ ‏(‏ثلاثةٌ أنا خصمُهم يوم القيامة‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وذكرَ منهم من استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يؤدِّ له حقَّه ‏[‏رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏ ‏(‏ج3، ص41‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ‏:‏ ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولم يعطه أجره‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏
فلا يجوز الظّلم، فلا يجوز للكفيل أن يستغلّ ضعف هؤلاء العمَّال المساكين، يستغلَّ ضعفَهُم، ويتسلَّط عليهم، ويتجبَّر عليهم، ويهضم حقوقهم، هذا ظلمٌ، هذا والله ظلمٌ لا يجوز، والواجب العدل، والواجب إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، والواجب تقوى الله سبحانه وتعالى‏.‏
والظُّلم يوجب العقوبة؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏دعوة المظلوم يرفعُها الله فوقَ الغَمامِ، ويقول الله‏:‏ وعزَّتي وجلالي؛ لأنتصرنَّ لكِ، ولو بعد حين‏)‏ ‏[‏رواه ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏ كما في ‏"‏الإحسان‏"‏ ‏(‏ج3 ص158‏)‏ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏‏]‏، والله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 42‏.‏‏]‏؛ فالظَّالم نادم، ويقول سبحانه‏:‏ ‏{‏وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 227‏.‏‏]‏؛ الظُّلم لا يجوز لا مع العمَّال ولا مع غيرهم‏.‏
260 ـ يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 165‏.‏‏]‏؛ هل يدخُلُ في ذلك حبُّ الأندية الرّياضيّة التي تجعل الشّخص يؤخّرُ الصّلاة مثلاً، نسأل الله السّلامة‏؟‏ وهل يدخُلُ في ذلك حبُّ النّساء والمال والولد والمنزل وغير ذلك من أمور الدُّنيا‏؟‏
الأنداد يُرادُ بهم الشُركاءُ؛ كالأصنام والأضرحة التي تُعبدُ من دون الله، هؤلاء هم الأنداد، النِّدُّ هو العديل والشَّبيهُ والنَّظيرُ، فجعلوا هذه المعبودات مساوية لله ومعادلة له‏:‏
كما قال الله تعالى عنهم أنهم يوم القيامة يقولون‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 98‏.‏‏]‏؛ يقول المشركون لأصنامهم يوم القيامة ومعبوديهم إذا دخلوا في النار‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ‏}‏ ؛ يعني‏:‏ في الدُّنيا، ‏{‏إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏‏.‏
ويقول تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 1‏.‏‏]‏؛ يعني‏:‏ يعدلون به غيره من الأشباه والأنداد والشُّركاء، والله جلَّ وعلا واحدٌ أحد، فرد صمدٌ، لا ندَّ له، ولا شبيه له، ولا شريك له، سبحانه وتعالى‏.‏
هؤلاء هم الأنداد، أمّا الأندية الرّياضيّة؛ فليست من الأنداد، ولكن؛ إذا كان فيها شُغلٌ عن ذكر الله؛ فإنها يحرُمُ الاشتغال بها وترك ذكر الله عز وجل؛ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 9‏.‏‏]‏؛ إذا كانت الأموال والأولاد لا يجوز الاشتغال بها عن ذكر الله؛ فكيف بالأندية‏؟‏‏!‏ مع أنّ الأموال والأولاد فيهم نفع، فيهم خير، ولكن إذا شغلوا عن ذكر الله؛ فيجب على الإنسان أن لا يستمرَّ على الاشتغال بهم عن ذكر الله، بل يترك البيع والشراء ويُقبل على الصلاة وقت الصلاة، فإذا فرغت الصلاة؛ يرجِعُ إلى البيع والشّراء، ‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏
فالأندية الرّياضيّة إذا كانت متابعتُها مشغلةً عن ذكر الله وعن الصلاة؛ فهذا محرَّمٌ؛ كالاشتغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله، أما إذا كان هذا لا يشغل عن ذكر الله، ولا يشغل عن الصلاة؛ فهذا قد يكون من المباحات، ولكن لو اشتغل بغيرها يكون أولى وأحسن، لو اشتغل بشيء نافع؛ طالع كتابًا، أو قرأ قرآنًا، أو باع واشترى وشغل الوقت بما هو مفيد له في دينه ودُنياه، هذا أحسن من كونه يشتغل بمتابعة الأندية الرّياضيّة‏.‏
261 ـ ما حكم تعليق بعض الأذكار التي تُلصَقُ على الأبواب أو السّيّارة وغيرها، وذلك للتذكير بهذه الأدعية، فيوضع دعاء الرّكوب في السيارة، ودعاء دخول الحمّام على باب الحمام‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا‏؟‏ أفتوني جزاكم الله خيرًا‏.‏
تعليق الأدعية على الأبواب وغيرها ليس معروفًا عن السّلف، ثم إننا مأمورون بالذّكر والدّعاء بألسنتنا وقلوبنا لا بالكتاب والتعليق، وإنما هذه عادة جرت، مع ما قد يترتّب على هذا العمل من ابتذال تلك الأدعية وتعريضها للإهانة وفيها أسماء الله تعالى أو آيات من القرآن أو أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة؛ فينبغي ترك هذا العمل وتجنُّبُه‏.‏
262 ـ عندما أريد أن أدخُلَ دورة المياه - أكرمكم الله - آخذ معي كتابًا أو جريدة حتى أقضي حاجتي؛ فهل يجوز ذلك‏؟‏
لا يجوز دخول الخلاء بشيء فيه ذكر الله عز وجل من كتاب أو جريدة أو غير ذلك؛ لما في ذلك من الامتهان لذكر الله عز وجل‏.