تنبيهات على ((رسالة الشرك ومظاهره))
للشيخ مبارك الميلي رحمه الله


مصطفى بلحاج
طالب في مرحلة الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
(المقال منقول من مجلة الإصلاح)

(بسم الله الرحمن الرحيم)
إن الشيخ مبارك الميلي رحمه الله قد اعتنى في كتابه ((رسالة الشرك و مظاهره)) ببيان التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة، وبين الشرك الأكبر المنافي لأصل التوحيد، و الشرك الأصغر المنافي لكماله وبين أيضا الذرائع و الوسائل المقربة إلى الشرك أو الموصلة إليه، و البدع القادحة في التوحيد، والمعاصي المنقصة لثوابه.
وقد أجمع مجلس إدارة جمعية علماء الجزائر- رحمهمه الله – في عصرهم على محتوى هذا الكتاب.
وقامت الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بطبعه لما رأت فيه م فائدة ، وهذه الطبعة خالية من بيان درجة الأحاديث ، وبيان ما يشكل ونحوه.
ثم قام الشيخ الفاضل أبوعبد الرحمن محمود بتحقيق الكتاب تحقيقا علميا بذل فيه جهدا مشكورا فجزاه الله خيرا، غير أن العمل البشري لا يسلم من الخلل إلا من عصمه الله، وقد وقع في الكتاب بعض الأخطاء من مؤلفه، وفات الشيخ محمودا – حفظه الله –التنبيه ليها، فأحببت أن أنبه على بعض ما تيسر لي الآن باختصار يقتضيه المقام؛ نصحا لإخواني.
ولا يخفى ما يترتب على هذه النصيحة من مصلحة شرعية تعود على الشيخ الميلي نفسه؛ حيث لا يتابع على هذه الأخطاء؛ وتعود ايضا على غيره من طلبة اللم ليتجنبوا هذه الأخطاء وخاصة أن الكتاب قد انتشر بين الناس، بل هناك من يدرسه في بعض الحلقات.
والله أسأل أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا للتمسك بالكتاب و السنة على فهم سلف الأمة.

وإليك المواطن المراد بيانها:

-الموطن الأول:

قال الشيخ الميلي رحمه الله في (ص262): ((معنى المحبة في القرآن: وقوله تعالى((فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه)) فمحبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه.وقوله تعالى: ((إن الله يحب التوابين و يحب المتطهرين)) أي يثيبهم وينعم عليهم..هذا كلام الراغب، وقد وضعا نقطا للدلالة على أنا حذفنا من اثنائه ما لم نر نقله)) انتهى.

أقول و بالله التوفيق: قول الشيخ الميلي رحمه الله: ((محبة الله تعالى للعبد إنعامه عليه )) وقوله في الموطن الثاني: ((يثيبهم وينعم عليهم)) فيه تأويل لصفة المحبة، والصواب أن المحبة على ظاهرها ، وهو مذهب أهل السنة؛ فإنهم يثبتون لله تعالى محبة حقيقية تليق به، وهي من الصفات الفعلية الاختيارية المتعلقة بمشيئته سبحانه و تعالى، وكذا القول في جميع ما ورد في الكتاب و السنة من الصفات، فنثبتها لله تعالى ولا نؤولها تأويلات الأشاعرة وغيرهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (5/195) : ((ومذهب سلف الأمة و أئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فلا يجوز نفي صفات الله تعالى التي وصف بها نسفه، ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين،، بل هو سبحانه ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله)) انتهى.
وقال في كتاب ((التدمرية)) (ص31-32) في مناقشته لمن يثبت الصفات السبع فقط وهم الأشاعرة: ((فإن كان المخاطب ممن يقول: بان الله حي بحياه، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة، ويجعل ذلك كله حقيقة، وينازع في محبته و رضاه وغضبه وكراهيته، فيجل ذلك مجازا، ويفسره إما بالإرادة، وإما ببعض المخلوقات من النعم و العقوبات.
قيل له: عن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل، وإن قلت: إن له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك له محبة تليق به و للمخلوق محبة تليق به، وله رضا و غضب يليق به، وللمخلوق رضا و غضب يليق به..)) انتهى
وقد نقل الشيخ الميل كلام الراغب في معنى المحبة مقرا له، كما هو واضح من السياق، وحذف من كلامه ما لم ير نقله، فقال: ((وقد وضعنا نقطا للدلالة على أن حذفا من أثنائه ما لم نر قله)) انتهى فدل ذلك على انه ارتضى كلام الراغب، والله أعلم.

ـ الموطن الثاني:

قال الشيخ الميلي رحمه الله في (ص314):
(( التوسل بالجاه شرك أو ذريعة إليه: والذي نقوله: إن هذا الضرب من التوسل، إن لم يكن شركا فهو ذريعة إليه، وإن الحكم فيه ينبغي أن يفصل على وجه آخر، وهو أن يسلم هذا التوسل للعالم بالتوحيد وما ينافيه، حتى لا يخشى عليه من الشرك، وأن يحذر منه الجاهل المتعرض لمزالق الشرك الخفيف إلى دواعي الوثنية؛ خشية أن يعتقد أن لأحد حقا على الله في جلب النفع أو دفع الضر، وأن الصالحين مع الله تعالى كالوزراء مع الملوك، يحملونهم على فعل مالم يكونوا مريدين لفعله، ومن اعتقد هذا فقد وقع في صريح الشرك وجعل إرادة الله حادثة تتأثر بإرادة غيره و علمه حادثا يتغير لعلم المخلوق.
التفرقة بين الجاهل و العالم في مقام الاحتياط:
..وسند هذه التفرقة ما رواه مسلم و أبو داود و النسائي،، أن النبي صلى الله عليه و سلم سمع خطيبا يقول: من يطع الله و رسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله و رسوله)) ، فأنكر صلى الله عليه و سلم على الخطيب الجمع بين الله و رسوله في ضمير واحد، وثبت عنه صلى الله عليه و سلم الجمع بينهما في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه أبو داود من قوله صلى الله عليه و سلم: ((م يطع الله و رسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه)) . )) انتهى
و قال في (ص396): (( وفي تفصيل القرطبي[1] واستحسان الحافظ له شهادة أخرى لتفرقتنا في التوسل (بالذات و الجاه) بين العالم و الجاهل )) انتهى.

أقول و بالله التوفيق:أجاز الشيخ الميلي رحمه الله التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وذاته للعالم بالتوحيد! لأنه لا يُخشى عليه كما يخشى على الجاهل من التعرض لمزالق الشرك.
وفيه نظر من وجوه:
-الوجه الأول: الصحيح أنه لا فرق بين العالم والجاهل في الأحكام الشرعية.
-الوجه الثاني:الحديث الثاني الذي استدل به الشيخ الميلي – وفي الجمع بين الله و رسوله صلى الله ليه و سلم في لفظ واحد – منكر لا يثبت به حكم شرعي، فقد أخرجه أبو داود في ((السنن)) (1097)، والطبراني في ((الكبير)) (10499) وفي ((الأوسط)) (2530)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (13608) من طريق عمران، عن قتادة، عن عبد ربه، عن عياض، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا.
وقال الحديث فيه علة وهي تفرد عمران بن داور القطان عن قتادة، وقد أشار الطبراني إلى ذلك بقوله (( لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلاَّ عمران)) انتهى
وبهذا أعله المننذري، وابن القيم، وابن الملق وزاد أمرا آخر وهو جهالة عبد ربه [2].
وعلى فرض ثبوت الحديث فليس في حجة على التفريق بين العالم و الجاهل؛ لأن في ذلك وصفا للصحابي بالجهل، ولا يخفى بطلانه؛ بل الصحابي لا يتصدى للخطابة إلا وهو أهل لذلك، وكونه أخطأ في مسألة لا يخرج بذلك عن دائرة أهل العلم.
-الوجه الثالث: الصحابة رضي الله عنهم هم أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يثبت عن أحد منهم أنه توسل بجاهه صلى الله عليه و سلم ولا بذاته، بل كانوا يطلبون منه الدعاء في حياته فيدعو لهم فلما توفي النبي صلى الله عليه و سلم لم يتوسلوا بذاته ولا بجاهه، بل توسلوا بدعاء العباس رضي الله عنه، كما في (( صحيح البخاري)) (964) عن أنس رضي الله عنه: (( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاستسقنا، قال: فيسقون))، فلو كان التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم و ذاته جائزا لما عدلوا عنه إلى من هو دونه في الفضل.
قال ابن تيمية رحمه الله في ((قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)) (ص279) : (( علم الصحابة أن التوسل به صلى الله عليه و سلم إنما هو التوسل بالإيمان به و طاعته و محبته وموالاته، أو التوسل بدعائه وشفاعته، فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة ن هذا وهذا، فلما لم يفعل الصحابة – رضوان الله ليهم – شيئا من ذلك، ولا دعوا بمثل هذه الأدعية، وهو أعلم منا، و اعلم بما يجب لله ورسوله، وأعلم بما أمر الله به و رسوله من الأدعية، وما هو أقرب إلى الإجابة منا، بل توسلوا بالعباس رضي الله عنه و غيره ممن ليس مثل النبي صلى الله عليه و سلم، دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكنا)) انتهى.
-الوجه الرابع: أن التوسل عبادة، والعبادات توقيفية، فلا تكون بالرأي و القياس، كما ذكره الشيخ الميلي نفسه.
-الوجه الخامس: أن العالم بالتوحيد هو أشد الناس احتياطا لأمر دينه؛ لان علمه بالله يورثه الخشية منه سبحانه و تعالى، وكلما كان المرء بالله أعلم كان أكثر له خشية، وخشية الله تعالى توجب له الابتعاد عن وسائل الشرك و ذرائعه، بل توجب له البعد ن منقصات ثواب التوحيد، قال الله تالى : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء))، و الراسخون في العلم يخافون أن تزيغ قلوبهم عن الحق، قال الله تعالى : (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب))؛ وذلك لأنهم علموا أنهم معرضون للابتلاء ، قال تعالى : (( ليبلوكم أيكم أحسن عملا))، ولم يأمنوا مكر الله، قال عز وجل: ((فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون))، فلو بلغ المرء من العلم ما بلغ، فليس هو على يقين من السلامة، والخلاصة أن هذه التفرقة بين العالم و الجاهل في مسألة التوسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وذاته [3] لا وجه لها في الشرع، والله أعلم.

ـ الموطن الثالث:

قال الشيخ الميلي رحمه الله في (ص361): ((زيارة التبرك: السابع: التبرك، وهذا لا ينبغي إطلاق القول فيه بانه مشروع أو مبتدع حتى يعلم مراد الزائر من التبرك؛ فإن أراد الإنتفاع في قبول الدعاء، او زيادة ثواب الطاعة ولم يرتكب في زيارته مخالفة للشرع كان غرضه مشروعا معقولا، كما بيناه في الفصل الحادي عشر، وهذا القبر الشريف لا يقصد من زيارته اكثر من ذلك، ففي ((الشفاء)) لعياض: قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله عليه و سلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا على القبلة، ويدنو ويسلم، ولا يمس القبر بيده، وقال في ((المبسوط)): ((لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم يدعو، ولكن يسلم و يمضي))، وقال ابن عاشر:
وسر لقبر المصطفى بأدب..ونية تجب لكل مطلب
سلم عليه ثم زد للصديق..ثم إلى عمر نلت التوفيق
واعلم بأن ذا المقام يستجاب..فيه الدعاء فلا تمل من طلاب
وإن أراد به الانتفاع بالمزور أو المزار في قضاء الحاجات من غير أسبابها المعتادة و طرقها الظاهرة فهو من نسبة التصرف في الكون للمخلوق، وذلك شرك بواح، قال في ((زاد المعاد)): (( وكان هديه صلى الله عليه و سلم ان يقول و يفعل عند زيارته من جنس ما يقوله عند الصلاة عليه من الدعاء و الترحم و الاستغفار، فأبى المشركون إلا دعاء الميت، والإشراك به، و الغقسام على الله به، وشؤاله الحوائج، و الاستعانة به، و التوجه إليه، بعكس هديه صلى الله عليه و سلم؛ فإنه هدي توحيد و إحسان إلى الميت، وهدي هؤلاء شرك و إساءة إلى نفوسهم وإلى الميت)) (1/146).))، انتهى ما ذكره الشيخ الميلي.

أقول وبالله التوفيق:
في كلام الشيخ الميلي نظر من وجوه:
الوجه الأول:
فات الشيخ الميلي رحمه الله الإشارة إلى تتمة كلام ابن القيم، كما صنع في نقله لكلام الراغب السابق في مووضع المحبة حيث وضع نقاطا تدل على كلام محذوف لم ير نقله.
وغليك بقية كلام ابن القيم؛ فإن فيه زيادة بيان، قال رحمه الله: (( وهم ثلاثة أقسام: غما أن يدعوا الميت، او يدعوا به، أو عنده، ويرون الدعاء عنده أوجب و أولى من الدعاء في المساجد، ومن تامل هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه تبين له الفرق بين الأمرين ، وبالله الوتفيق)) انتهى.
فقول ابن القيم رحمه الله: ((أو عنده)) يشمل الصورة التي أجازها الشيخ الميلي رحمه الله وهي دعاء الزائر لنفسه عند القبر.
والحاصل أن الشيخ الميلي رحمه الله نقل من كلام ابن القيم ما ينطبق على من قصد الانتفاع بالمزور أو المزار في قضاء الحاجات فقط، ولم ينقل الصورة السابقة؛ لأنه يخالف ابن القيم فيما ذهب إليه رحمه الله، و الصواب ما ذكره ابن القيم، كما سيأتي بيانه.
الوجه الثاني:
قول الشيخ الميلي رحمه الله: (( فإن أراد الانتفاع في قبول الدعاء، أو زيادة ثواب الطاعة ولم يرتكب في زيارته مخالفة للشرع كان غرضه مشروعا معقولا، كما بيناه في الفصل الحادي عشر، وهذا القبر الشريف لا يقصد من زيارته أكثر من ذلك)) انتهى.
وذلك الكلام غير صحيح؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا من فعل الصحابة أن قبر النبي صلى الله عليه و سلم-فضلا عن غيره-يستجاب عنده الدعاء، أو يزاد في ثواب الطاعة، قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب ((قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)) (ص34): ((و أما الزيارة البدعية فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء و الشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء؛ فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه و سلم، ولا فعلها الصحابة، لا عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم، ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك و أسباب الشرك)) انتهى.
وقال أيضا مبينا حكم الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم كما في ((مجموع الفتاوى)) (26/147): (( ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه، فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عند قبر يدعوا لنفسه، ولكن كانوا يستقبلون القبلة، ويدعون في مسجده صلى الله عليه و سلم)) انتهى.
والحاصل أن من قصد قبر النبي صلى الله عليه و سلم او غيره ظانا أنه يستجاب عنده الدعاء، او يزاد في أجر طاعته فقد ابتدع في الدين ما ليس منه، وهو يحوم حول حمى الشرك، يوشك امن يقع فيه، والعياذ بالله.
الوجه الثالث:
قول الشيخ الميلي رحمه الله : (( ففي ((الشفاء)) لعياض: قال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى الله عليه و سلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر الشريف لا على القبلة، ويدنو ويسلم، ولا يمس القبر بيده))
والظاهر أن الشيخ الميلي رحمه الله ذكر كلام مالك هنا ليستدل به على جواز دعاء الزائر لنفسه عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم، ويدل على هذا ذكره بعد ذلك البيت أبيات ابن عاشر ، كما في البيت الأول و الأخير ، حيث قال:
وسر لقبر المصطفى بأدب..ونية تجب لكل مطلب
واعلم بأن ذا المقام يستجاب..فيه الدعاء فلا تمل من طلاب
وفي هذه البيات جواز الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم، وهو مقام يستجاب فيه الدعاء.
وقد أزال ابن تيمية رحمه الله اللبس الواقع في كلام مالك في ((مجموع الفتاوى)) (1/231) بقوله : ((قال أبو الوليد الباجي: ((وعندي أن يدعو للتبي بلفظ الصلاة، ولابي بكر و عمر بلفظ السلام؛ لما في حديث ابن عمر رضي الله عنه من الخلاف))، قال ابن تيمية: وهذا الدعاء يفسر الدعاء المذكور في رواية ابن وهب، قال مالك في رواية ابن وهب: (( إذا سلم على النبي ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم، ولا يم القبر)) فهذا هو السلام عليه و الدعاء له بالصلاة عليه كما تقدم تفسيره)) انتهى.
وقد نقل عياض في ((الشفا)) (2/88) : (عن ((المبسوط)) للقاضي اسماعيل بن اسحاق المالكي رواية أخرى عن مالك، قال: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه و سلم فيصلي عليه، (ويدعو لابي بكر و عمر رضي الله عنهما)) انتهى.
فظهر أن مالكا قصد بقوله السابق ((ودعا)) أي الدعاء للنبي صلى الله عليه و سلم ولصاحبيه رضي الله عنهما لا دعاء الزائر لنفسه، وليت الشيخ الميلي رحمه الله ذكر هذه الرواية هنا كما نقل الروايتين السابقتين من ((الشفا)) من الموطن نفسه، مع ما في هذه الرواية من بيان المراد بالدعاء المجمل في رواية ابن وهب.
وأما قول مالك الذي في ((المبسوط)): ((لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم يدعو، ولكن يسلم و يمضي فقد عزا ابن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (ص179) هذا النص على ((المبسوط)) بلفظ أتم عن مالك، قال: ((لا أرى أن يقف الرجل عن قبر النبي صلى الله عليه و سلم يدعو ولكن يسلم على النبي صلى الله عليه و سلم وعلى أبي بكر و عمر ، ثم يمضي، وقال مالك ذلك، لان هذا هو المنقول عن ابن عمر أنه كان يقول: ((السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبت أو يا أبتاه، ثم ينصرف ولا يقف يدعو)) فرأى مالك ذلك من البدع)) انتهى.
وقد مالك بقوله : ((ولا يقف يدعو)) منع الزائر من الدعاء لنفسه عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم وهذا أقر به بعض القبوريين ممن يجيز الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم بل يجيز الاستغاثة به، وهو أبو بكر الحصني الدمشقي حيث قال في كتاب ((دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك على السيد الجليل الإمام أحمد)) (ص115) [4]: ((وأما الدعاء عند القبر فقد ذكره خلق ومنهم الإمام مالك وقد نص على أنه يقف عند القبر و يقف كما يقف الحاج عند البيت للوداع و يدعو..وقال مالك في رواية وهب بن منبه: ((إذا سلم على النبي ودعا يقف وجهه على القبر لا إلى القبلة و يدعو و يسلم ولا يمس القبر بيده)) نعم في ((المبسوطة)) : ((ولا أرى انه يقف عنده و يدعو ولكن يسلم و يمضي))، وإنما ذكرت كلام ((المبسوطة))؛ لأن من حق العالم الذي يؤخذ بكرمه أن يذكر ما له وما عليه؛ لان ذلك من الدين)) انتهى كلام الحصني.
فزعم أن رواية ابن وهب له، ورواية ((المبسوط)) عليه، والحق أن كلا الروايتين عليه.
الوجه الرابع:
قول الشيخ الميلي: ((كما بيناه في الفصل الحادي عشر))، يعني به قوله في (ص153): (( ثم التبرك حيث أثبت في روايات الإثبات، فإن المقصود منه طلب الزيادة في ثواب الطاعة، قال الباجي: في ((المنتقى)) موجها إعلامه صلى الله عليه و سلم لأمته بقصة وادي السرر: ((و غنما أعلم بذلك صلى الله عليه و سلم فيما يظهر إلي-والله أعلم-لفضل الذكر عنده[5] لمن مر بها، ورجاء إجابة الدعاء، وتنزل الرحمة عندها)).
علق عليه الشيخ الميلي بقوله: ((و التبرك على هذا الوجه عندي معقول؛ لأن ذكرى الأنبياء و الصالحين ورؤية آثارهم مما يزيد الموحدين خشوعا وتعريفا بتقصيرهم في طاعة خالقهم، فتخلص بذلك عبوديتهم لله تعالى، وحينئذ تكون الإثابة على عبادتهم أسمى، وقبول دعائهم أرجى و طمعهم في تنزل الرحمة أقوى، وروايات نفي التبرك غير معارضة لروايات إثباته بهذا المعنى؛ لأن النافين إنما يقصدون الاحتياط على عقائد العامة ان تزيغ كما سبق في توجيه مخاطبة عمر رضي الله عنه للحجر الأسود، وأنه قطع الشجرة خوف الفتنة، وأنه حذرهم أن يهلكوا بتتبع الآثار هلاك أ÷ل الكتاب...
والذي تفيده النقول في مجموعها إثباتا و نفيا و توجيها: أن التبرك مشروع مقيد بقيود:
احدها أن يكون التبرك بفعل طاعة مشروعة [6]، كصلاة، ودعاء، ورجاء القبول، وزيادة الأجر؛ لا بحمل تراب أو بخور و غيرهما من أجزاء المكان المتبرك به، أو الأشياء الموضوعة فيه...
ثانيها: أن لا يحمل المتبرك غيره على التبرك، ولا أن يدعوه غليه، فلا ينصب شيء للعموم يتبركون به[7].
ثالثها: أن يتفق له المرور بمكان التبرك، لا أن يقصد إليه من بعيد و يقتحم السفر من أجله.
رابها: أن يكون من المعرفة بدينه [8] بحيث لا تضله خطرات النفس، ولا نزغات الشيطان، لا أن يكون ضعيف الإيمان قليل المعرفة)).

وقال أيضا في (ص358): (( وقد تقدم في الفصل الحادي عشر حديث السرحة التي سر تحتها سبعون نبيا، وزيارة النبي صلى الله عليه و سلم لقباء راكبا و ماشيا يصلي فيه ركعتين، وذلك يدل لمشروعية زيارة الأمكنة الفاضلة من غير سفر)).

أقول و بالله التوفيق:
ذهب الشيخ الميلي فيما سبق إلى جواز البرك بقبر النبي صلى الله عليه و سلم و توسع هنا فجوز التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين.
وفي كلامه نظر من وجوه:
الوجه الأول: الصواب عدم جواز التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين؛ لما تقدم ذكره في مسألة التبرك بقبر النبي صلى الله عليه و سلم، و أضيف هنا ما قاله ابن تيمية رحمه الله في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/694): ((من قصد بقعة يرجو الخير بقصدها، ولم تستحب الشريعة ذلك، فهو من المنكرات وبعضه أشد من بعض، سواء كانت البقعة شجرة أو غيرها، أو قناة جارية، أو جبلا، أو مغارة، وسواء قصدها ليصلي عندها، أو ليدعو عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو لينسك عندها، بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التي لم يشرع تخصيص تلك البقعة به لا عينا ولا نوعا)) انتهى.
وقال أيضا في ((مجموع الفتاوى)) (27/503-504): ((لم يشرع الله تعالى للمسلمين مكانا يقصد للصلاة إلا المسجد، ولا مكانا يقصد للعبادة إلا المشاعر، فمشاعر الحج، كعرفة و مزدلفة و منى تقصد بالذكر و الدعاء و التكبير لا الصلاة، بخلاف المساجد، فإنها هي التي تقصد للصلاة، وما ثم مكان يقصد بعينه غلا المساجد و المشاعر، وفيها الصلاة و النسك...وما سوى ذلك من البقاع فإنه لا يستحب قصد بقعة بعينها للصلاة ولا للدعاء ولا الذكر، إذ لم يأت في شرع الله و رسوله قصدها لذلك، وإن كان مسكنا لنبي أو منزلا أو ممرا؛ فإن الذين أصله متابعة النبي صلى الله عليه و سلم وموافقته بفعل ما امرنا به و شرعه لنا و سنه لنا، ونقتدي به في أفعاله التي شرع لنا الإقتداء به فيها، بخلاف ما كان من خصائصه، فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا، ولا أمرنا به، ولا فعله فعلا سن لنا أن نتأسى به فيه، فهذا ليس من العبادات و القرب، فاتخاذ هذا قربة مخالفة له، وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد يجوز لنا أن نفعله مباحا كما فعله مباحا، ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة و قربة؟ فيه قولان كما تقدم، وأكثر السلف و العلماء على انا لا نجعله عبادة و قربة، بل نتبعه فيه، فإن فعله مباحا فعلناه مباحا، وإن فعله قربة فعلناه قربة)) انتهى.
الوجه الثاني: لم يتحر الخلفاء الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم الصلاة أو الدعاء أو الذكر في الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه و سلم فضلا عن الأماكن التي نزل فيها للراحة و نحوها، وهم أعلم الناس بسنة النبي صلى الله عليه و سلم وأسبقهم للخير، فدل ذلك على عدم جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه و سلم ولا بآثار غيره من باب أولى.
الوجه الثالث: ما ورد عن عمر ري الله عنه من النهي عن ذلك، فعن المعرور بن سويد قال : ((خرجنا مع عمر ابن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال عمر: أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم بإتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض)) [9]، علق عليه ابن تيمية بقوله: ((لما كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه، بل صلى فيه؛ لأنه موضع نزوله، رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى الملمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم في الصورة، ومتشبه باليهود و النصارى في القصد، الذي هو عمل القلب، وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في السنة ابلغ من المتابعة في صورة العمل)) [10].
وجاء عمر رضي الله عنه أيضا انه بلغه أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه و سلم فأمر بها فقطعت [11].
وقد كره مالك و غيره من علماء المدينة إتباع آثار النبي صلى الله عليه و سلم، قال ابن وضاح القرطبي في ((كتاب البدع)) (ص91) : (( وكان مالك بن أنس و غيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد و تلك الآثار للنبي صلى الله عليه و سلم ما عدا قباء و أحدا)).
الوجه الرابع: التبرك عبادة و العبادات توقيفية، ولم يرد دليل صحيح صريح في التبرك بآثار الأنبياء عليهم السلام،ولا غيرهم، فيجب الإتباع وعدم الابتداع.
الوجه الخامس: أن التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين ذريعة للشرك و الفتنة، فسد هذا الباب أمر مطلوب شرعا، ولهذا قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي كانت تحتها البيعة، ونهى عن تعمد الصلاة في المكنة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينزل بها في سفره [12].
والخلاصة أنه لا يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه و سلم ولا غيره من النبياء و الصالحين، والله أعلم [13].

ـ الموطن الرابع:

قال الشيخ الميلي رحمه الله في (ص108): وقسم أبو البقاء الحنفي في ((كلياته)) الشرك إلى ستة أقسام؛ فقال: (( و الشرك أنواع: شرك الاستقلال: وهو إثبات شريكين مستقلين؛ كشرك المجوس، وشرك التبعيض: وهو تركيب الإله من آلهة؛ كشرك النصارى، وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى؛ كشرك متقدمي الجاهلية، وشرك التقليد: وهو عبادة الله تبعا للغير؛ كشرك متأخري الجاهلية، وشرك الأسباب: وهو إسناد التأثير للأسباب العادية؛ كشرك الفلاسفة و الطبائعيين ومن تبعهم على ذلك، وشرك الأغراض؛ وهو العمل لغير الله، فحكم الأربعة الأول الكفر بإجماع، وحكم الخامس التفصيل، فمن قال في الأسباب العادية: إنها تؤثر بطبعها؛ فقد حكي الإجماع على كفره، ومن قال: إنها تؤثر بقوة أودعها الله فيها، فهو فاسق )) انتهى كلام أبي البقاء.
علّق عليه الشيخ الميلي بقوله : (( وهذه الأقسام متفاوتة قوة وضعفا، ولكنها متحدة في الحكم عليها بالكفر، إذا استثنينا أحد وجهي النوع الخامس، أما السادس، فقد أخرجه أيضا أبو البقاء، وحقه التفصيل كالذي قبله، فإن العمل لغير الله: نفاق أو رياء، و الأول كفر اتفاقا، والثاني معصية من غير كفر إجماعا، ولكن ما خرج من هذه الوجوه عن حكم الكفر فإنه ذريعة إليه، ولهذا تناوله لفظ الشرك كبقية الأقسام)) انتهى.

أقول و بالله التوفيق:
انتقد الشيخ محمود-جزاه الله خيرا-أبا البقاء الحنفي الأشعري في نفيه تأثير الأسباب في مسبباتها فقال: ((أبو البقاء أشعري متكلم، وكون الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله فيها هو مذهب السلف؛ فلا يغتر بأشعرية أبي البقاء...))، ثم نقل كلام ابن تيمية رحمه الله، وفيه الرد على الأشاعرة الذين أنكروا أن يكون للأسباب إي تأثير على المسببات.
ولكن فات الشيخ محمودا التنبيه [14]موافقة الشيخ الميلي لأبي البقاء في المسألة المذكورة، حيث نقل كلامه مقرا له؛ إلا في النوع السادس من الشرك فإنه رأى التفصيل، فقال: ((أما السادس فقد أخرجه أيضا أبو البقاء وحقه التفصيل...)).
فالشيخ الميلي فصّل فيما رأى أنه يحاج إلى تفصيل-نظره-وأقرَّ باقي كلام أبي البقاء ولم ينتقده في شيء منه، بل ارتضاه كما هو واضح من سياق الكلام، وعادته في هذا الكتاب نقد ما لا يراه صوابا [15].
وهناك موطن آخر في (ص232) أقرَّ الشيخ الميلي القرطبي على مسألة الأسباب، حينما ذكر ما يفعله السَّاحر من طيران في الهواء و المشي على الماء و غير ذلك، ثم قال القرطبي: (( ومع ذلك فلا يكون السحر موجبا لذلك، ولا علَّة لوقوعه، ولا سببا مولدا [16]، ولا يكون الساحر مستقلا به، و إنما يخلق الله تعالى هذه الأشياء و يحدثها عند وجود السحر، كما يخلق الشبع عند الأكل، والري عند شرب الماء)).
فالقرطبي ينفي أن يكون السِّحر و الأكل و الشرب أسبابا لها تأثيرها في مسبّباتها، وإنما يخلق الله و يحدث تلك المسببات عند وجود أسبابها، لا بها، فلا ارتباط عنده بين السَّبب و المسبَّب، وإنما علاقتها علاقة اقتران [17]فقط.
وهذا قول الجهميَّة ومن تبعهم كالأشاعرة، والصواب ما عليه أ÷ل السنة أن الله - سبحانه وتعالى- جعل في الأسباب قوة تؤثر في مسبباتها بإذنه سبحانه و تعالى، فالسحر جعل الله فيه قوة تؤثر بإذنه تعالى، وجعل في الأكل قوة التغذية، وفي الماء قوة الرَّيِّ، ونحو ذلك.
قال ابن تيمية رحمه الله في ((الفتاوى)) (8/48-486): (( ومذهب الفقهاء أن السبب له تأثير في مسبّبه، ليس علامة محضة، وإنما يقول إنه علامة محضة طائفة من أهل الكلام الذين بنوا على قول جهم...ومملوء-أي القرآن-بأنه يخلق الأشياء بالأسباب، لاكما يقوله أتباع جهم: أنه يفعل عندها لا بها، كقوله تعالى: (أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها)، وقوله: (ونزلنا من السماء ماء مبارك فأنبتنا به جنات وحب الحصيد. و النخل باسقات لها طلع نضيد. رزقا للعباد. وأحيينا به بلدة ميتا)، وقله: (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات)...)) انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في ((مدارج السالكين)) (3/496): ((وعندهم-يعني الجهمية-أن الله لم يخلق شيئا سببا، ولا جعل في الأسباب قوى و طبائع تؤثر، فليس في النار قوة الإحراق، ولا في السم قوة الإهلاك، ولا في الماء و الخبز قوة الرَّيِّ و التغذي به، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن و الأنف قوة السمع و الشم، بل الله سبحانه يحدث هذه الآثار عند ملاقاة هذه الأجسام، لا بها، فليس الشِّبع بالأكل، ولا الري بالشرب، ولا العلم بالاستدلال، ولا الانكسار بالكسر، ولا الإزهاق بالذبح...))

هذا ما يسر لي التنبيه عليه الآن، وهناك مسائل أخرى تحتاج على بيان، عسى الله أن ييسر ذلك في وقت لاحق-إن شاء الله تعالى-والله أسأل أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه، والله أعلم ، وصلى الله و لم على نبينا محمَّد.
*****************
حاشية[1]:أي تفصيله في حكم النذر حيث قال: ((الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد، فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة في حق من لم يتقد ذلك)) قال ابن حجر : هو تفصيل حسن.انتهى
حاشية[2]:أنظر: ((مختصر سنن أبي داود)) للمنذري، وبهامشه (( تهذيب السنن)) لابن القيم (3/55) ، و(( البدر المنير)) (7/533).
حاشية[2]: وقد فصل القول في المسألة ابن تيمية رحمه الله في كتابه ((قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة)).

حاشية[4]:وفي هذا الكتاب من الجهل و الظلم ما الله به عليم.
حاشية[5]:أي الشجرة التي وردت في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ((إذا كنت بين الأخشبين من منى فإن هناك واديا يقال له السرر به (شجرة) سُرّ تحتها سبعين نبيا)) أورده الشيخ الميلي في (ص150) وذكر أن الزرقاني استدل به على التبرك بمواضع النبيين، وقد تبين محقق الكتاب الشيخ محمود-جزاه الله خيرا-ضعف هذا الحديث.
حاشية[6]:وهذا لا يكفي؛ لان الطاعة تكون مشروعة في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، و الأصل في ذلك هو اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم.
حاشية[7]:كيف يكون التبرك مشروعا ثم لا يدعو غيره إليه!!
حاشية[8]:من كانت له معرفة بدينه كان أشد احتياطا في تجنب وسائل الشرك، كما يبق بيانه في الوجه الرابع في مسألة التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم.
حاشية[9]:أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7550)، و إسناده صحيح، كما قاله ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (1/281).
حاشية[10]: ((مجموع الفتاوى)) (1/281).
حاشية[11]:أخرجه ابن سعد في ((الطبقات)) (2/100) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7545) وقال ابن حجر: في ((الفتح)) (7/448) : ((إسناده صحيح)).
حاشية[12]:أنظر : ((إغاثة اللهفان)) (1/368).
حاشية[13]:أنظر : ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/70-757) فإن فيه تفصيل القول في هذه المسألة
الحاشية[14]:كما نبَّه-جزاه الله خيرا-في (ص52) على خطأ الشيخ الميلي حينما نقل طعن السُّبكي في ابن تيمية رحمه الله مقرًّا له.
الحاشية[15]:أنظر مثلا نقده لكلام ابن حجر الهيتمي في (200)، والرَّازي في (ص202-204)، والن خلدون في (ص304) وغيرهم.
الحاشية[16]:المقصود بالتولّد: وجود مسبب تولد من سبب مباشر من العبد، كتولد الشبع عن الأكل، والري عن الشرب، ونحوها، فجعل الأشاعرة هذه الأمور من فعل الله سبحانه لا كسب فيها للمكلف ولا قدرة له عليها.
الحاشية[17]:أي يقع المسبب مقرنا بالسبب.