نقد كتاب الثقافة الإسلامية



بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------



الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه0

أما بعد:

فقد تسنى لي الإطلاع على الكتاب المسمى الثقافة الإسلامية المكون من أربعة مستويات والذي ألفه عدد من الكتاب: محمد الغزالي وعبد الرحمان حبنكة ومحمد قطب ومحمد المبارك ومصطفى كامل.

وكلهم على عقائد ومناهج تخالف الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وكل إناء ينضح بما فيه, فظهرت عقائدهم في الكتاب.

ومع شديد الأسف ألف هذا الكتاب بما فيه من ضلالات عقائدية لطلاب إحدى الجامعات في المملكة العربية السعودية ألا وهي جامعة أم القرى تحت ستار الثقافة الإسلامية واستطاع المروجون له من أهل البدع أن يقرروه في جامعات أخرى كجامعة الملك عبد العزيز بجدة وجامعة الإمام محمد بن سعود وهو من المواد الإجبارية كما بلغني ورأيته يباع في بعض المكتبات التجارية بأسعار باهضة.

وحيث إنه يحمل في طياته العقائد الباطلة المخالفة للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح, رأيت أنه من أوجب الواجبات علي مواجهة هذا المنكر وبيان ما فيه من ضلال وخطر على شباب هذه البلاد الذين هيأ الله لهم أن يتلقوا العقائد الصحيحة من نصوص الكتاب والسنة على فهم ومنهج السلف الصالحين.

فأبى هؤلاء إلا التشويش على عقائدهم وقد ينحرف الكثير منهم فعلا لما ينطوي عليه هذا الكتاب من المغالطات وما يجيده هؤلاء ومن سار على نهجهم من الأساليب المؤثرة في ضعاف العلم والنفوس الذين لو سلموا من هذه الكتب وأهلها لثبتوا على فطرهم السليمة وعلى العقائد الصحيحة.

قمت بهذا الواجب رجاء أن يقوم العلماء والمسؤلون عن هذا الشباب بمنع هذا الكتاب دفعا لخطره وحماية لهم ولغيرهم من غوائله ولا يتسع المجال لاستقصاء كل ما فيه من أباطيل وحسبي أن أذكر بعضها:

فمن تلكم المخالفات:
1-اعتمادهم في تقرير العقيدة على الأصل الخطير الذي وصفه شيخ الإسلام بأنه ينبوع الضلال وهو الاستدلال بالأعراض على حدوث الأجسام وعلى حدوث العالم ثم الاستدلال بهذا الطريق على وجود الله وهو أصل الجهمية والمعتزلة ومن تابعهم من أهل الكلام وقد أدى هذا الأصل إلى تعطيل أسماء الله وصفاته كما هو معلوم لديكم [ ملاحظة (13) إلى (18)].

2- دليل الإمكان وقد أخذه ابن سينا عن ذلكم الأصل فأداه إلى ضلالات وإلحاد، كما وضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية [ ملاحظة (15)].

3- اعتمادهم في إثبات وجود الله على أقوال وبحوث من يسمونهم بالعلماء الغربيين والفلاسفة الغربيين، ومع الأسف فقد صدروا البحث في الإيمان بوجود الله ببحوث هؤلاء، وفيها من الضلال ما الله به عليم، ومن ذلكم تقرير وحدة الوجود[ملاحظة (4)، (5).]

4- الإشادة بعلماء الغرب وبحوثهم وعلمهم،كقولهم من: (( من أقوال العالم الطبيعي اللامع ( أُوكفر وُنْدِلْ ). ))
(( ومن أقوال العلامة ( ألْبرت ) صاحب النظرية النسبية وهو حجة في الرياضيات وفي الطبيعيات )).
(( من أقوال ( سير أرثر أدنجتون ) من أكبر العلماء الرياضيين في العالم )) إلخ.
وكقولهم:
(( وهكذا تتسلسل مقالات هؤلاء العلماء الثلاثين من كبار العلماء الماديين المنصفين على هذا الأسلوب العلمي الذي يقررون فيه حقيقة وجود الله وهم يعلنون خشوعهم وخضوعهم بين يدي عظمته وقدرته وحكمته -جل جلاله- مقتبسين من أدلة الكون التي لا تحصى ما يقنعهم في إيمانهم بالله تعال)).
وأنهم (( ومتى وصلوا إلى هذا الإيمان وتحققوا هذه المعرفة فلابد أن يكونوا أكثر الناس خشية لله)) [ ملاحظة(2)،(5) إلى (8)].

5- إطلاق ألفاظ على الله -عز وجل- لا تليق بجلاله، كقولهم:
(( العقل الأعلى )) (ص:42)وهو تعبير الفلاسفة الملحدين، (( الروح ))، ((النظام المستتر )) (ص:43).
((منزه عن الزمان والمكان)) (ص:44)،((لا يحتاج إلى مكان)) (ص:45) يعنون بذلك إنكار علو الله واستوائه وعرشه.
(( مجهول الذات))،((سبب الأسباب)) (ص:52من الكتاب).

6- إحالتهم ( ص:118-119) إلى بعض كتب الماتريدية كشرح الفقه الأكبر لأبي منصور الماتريدي، وذكر أعلام الماتريدية والأشاعرة كالتفتازاني، وأبي إسحاق الإسفرائيني وإمام الحرمين في الرسالة النظامية، تحت عنوان:
(( نصوص من أقوال أهل السنة والجماعة )).
إلى ذكر بعض أئمة أهل البيت ثم ابن تيمية لا ندري لأي غرض، وذلك تنويه بأئمتهم وإشعار للطلاب بأنهم أئمة السنة. وهذا ما في المستوى الأول.

7- أما المستوى الرابع ففيه تشويههم للعهدين الأموي والعباسي (ص:58-60)

8- الجهل بقضايا التكفير واعتبار المعاصي شركاً كالتعامل بعرف القبيلة وعاداتها واعتبار القبيلة رباً يطاع واعتبار عاداتها أرباباً تعبد من دون الله، مع أنّه قد يكون في هذه الأعراف ما هو مستحسن ويقره الشرع [ ملاحظة (2)].

9- تعظيم الجماعات أو الفرق المخالفة لأهل السنة والتوحيد وتحسين صورها، كالسنوسية الصوفية والمهدية وجماعة الأخوان وجماعة المودودي، واعتبارهم لها امتداداً لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، ولم يذكروا أهل الحديث وأنصار السنة في عدد من البلدان [ ملاحظة (3) من الملاحظات على المستوى الرابع ].
إلى ملاحظات كثيرة لا يسهل الآن عرضها.

========



ملاحظات على كتاب
الثقافة الإسلاميَّة
المستوى الأول [101]
تأليف/ عبد الرحمن حبنكة، والشيخ محمد الغزالي
مراجعة د/ محمد إبراهيم علي، د/ حسين حامد حسان


(1) جاء في مقدمته (ص:5):
(( أولاً: أهداف مادة الثقافة الإسلاميَّة.
يقصد من تدريس هذه المادة في مختلف الكليات الجامعية تحقيق ما يلي:
1- ترسيخ العقيدة الإسلاميَّة الصحيحة وفق الأسس العلمية التي هدى إليها القرآن والسنة وأرشدت إليها المعارف والعلوم المختلفة.
ثم أفاضا في بيان الأهداف.
2-ثم أردف المؤلفان هذه المقدمة بالقسم الأول: العقيدة الإسلامية.
تحت العناوين الآتية:
1/ أهمية العقيدة في كيان الإنسان (ص:15).
2/ أعظم مطالب الإنسان في الحياة (ص:16).
وأنّه اتفق الباحثون من الفلاسفة وأهل الملل والنحل وأصحاب المذاهب، وكل ذي فكر معتبر في الحياة: على أن بلوغ السعادة اعظم مطلب ينشده الإنسان في الحياة.
ولم يذكرا الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
ثم جاءا بالأسئلة الثلاثة المشهورة (ص:18):
1- من الذي أوجدني.
2- ما هي الغاية.
3- إلى أين المصير.
ثم قالا (ص:20):
(( الفصل الأول: الإيمان بالله تعالى جل جلاله.
1-وجود الخالق حقيقة ثابتة والشعور به أمر فطري في الأنفس )).
قلت: والحديث عن الإيمان هنا يمزج بين كلام أهل الإسلام والفلاسفة.
2- قالا: العلم يوصل إلى الإيمان بالله ثم إلى الإيمان بكل عقائده ومبادئه.(ص: 23-28).
وتحدّثا عن البحث العلمي والصداقة بين الإسلام والبحث العلمي، وسعة صدر الإسلام للنقاش المنصف البريء.
واحتجا بقول الله تعالى: { وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين }، وكأنهما يشيران بذلك إلى ما يسير عليه المميعون من حوار الأديان.
(2) في (ص:26) أوردا عنواناً باسم البحث العلمي يوصل إلى الإيمان، ونزّلا الآيات الواردة في فضل العلماء على أهل هذه البحوث، وقالا عنهم: (( ومتى وصلوا إلى هذا الإيمان وتحققوا هذه المعرفة فلابد أن يكونوا أكثر الناس خشية لله قال تعالى :{إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} فالعلماء هم الذين يصلون ببحثهم وعلمهم إلى المعرفة الحقّة ومع المعرفة الحقة تكون بواعث الخشية ولذلك مجد الإسلام العلماء والباحثين ومن النصوص الكثيرة في ذلك قوله تعالى:{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}، وقوله: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}... إن العالم المادي متى تجاوز في تفكيره حدود ظاهر المادة وصل حتماً إلى الإيمان.
ومتى سمح العالم المادي الناظر في الطبيعة لنفسه أن يتجاوز حدود ظواهر المادة وبدأ يتساءل عن تفسير لها وتعليل وبدأ يفكر في غاياتها بتأمل وإمعانٍ وبدأ يبحث في النظام الجامع لها وفي قوانينها الثابتة، فإنه لابد أن يصل حتماً إلى الإيمان بوجود الخالق -جل وعلا-)).
قلت: إن هذا الكلام واستشهادهما بالآيات في هذا السياق أي في الحديث عن هذا النوع ممن سمياهم بالعلماء، يشعر بفضل هؤلاء على الصحابة الكرام وعلماء الإسلام عقيدة وشريعة... إلخ، إن لم نقل بفضلهم على الأنبياء.
ويشعر بأن مقصود هذه الآيات هذا العلم وعلماؤه وأنهم بهذا العلم يصيرون مؤمنين إلى آخر ما يلزم على كلامهما هذا.
وهذا أمر خطير على الدارسين لهذا الكتاب من تعظيم لهذه العلوم مما قد يصل بهم إلى تفضيل هذه العلوم وأهلها على علوم الشريعة وعلمائها.
(3) في (ص:28) أوردا هذا العنوان:
3- (( دلائل وجود الخالق سبحانه منبثة في كل شيء.
ثم قالا: لقد بث الخالق دلائل وجوده في كل شيء في الكون فكلما تأمل العقلاء في هذا الكون الكبير المتدفق حكمة وإبداعاً تجدد لهم في كل تامل جديد برهان جديد يشير إلى الخالق العظيم، فالساذج من الناس ينكشف له من الدلائل على وجود الخالق والبراهين على وحدانيته وعظمته دلائل تتناسب مع مستوى تفكيره وثقافته.
والذكي يزيد في التأمل فيصل إلى الحقيقة نفسها ولكن بدلائل أكثر وأدق وأعم.
والفيلسوف الباحث تضطره الحقيقة بعد البحث والتأمل أن يعلن عن وجود الخالق المبدع بمستوى من الأدلة أكثر عمقاً وأدق فلسفة وغوصاً إلى أعماق أسرار الأشياء وتكلما عن العالم التجريبي، والعبقري، وما يجدان من الأدلة.
ثم قالا: والفطري بفطرته الصافية ووجدانه السليم يتحسس ببساطة لا تعقيد فيها فيشعر بأن لهذا الكون خالقاً كبيراً فيؤمن به.
ولم يتحدثا عن أثر القرآن والسنة ولا علمائهما.
وقد يشعر كلامهما أن الفلسفة تعطي أدلة لا يصل إليها علماء القرآن والسنة والعقائد المنبثقة عنهما، وفي ضمن ذلك إشادة بالفلسفة التي يعتبر أهلها أشد الناس ضلالاً وبعداً عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
(4) (ص:29) قالا:
((فكبار علماء الدنيا وفلاسفة الكون في عصور التأريخ على اختلافها يعتقدون بوجود الخالق سبحانه، وإليك طائفة من أقوالهم واعترافاتهم.
ثم عقدا العنوان الآتي:
((أقوال علماء الكون والفلاسفة في الإيمان بوجود الخالق.
إليك بعض ما يؤنسك عن هذه الحقيقة التي عرضناها لك من أقوال العلماء والفلاسفة في العالم لعلها تنفعك عند المحاجة وإن لم تزدك إيماناً بربك.
وساقا تحته كلاماً ونقولاً عن عدد من الضلال افتتحاه بقولهما :
(( إن أقوال علماء الكون وفلاسفته التي يعلنون فيها وجود الكائن الأعظم والمدبر الحكيم ( الله ) كثيرة وهنا ننقل إليك طائفة منها.
جاء في كتاب((الله يتجلى في عصر العلم))ثلاثون مقالاً لثلاثين من كبار العلماء الأمريكيين في الأختصاصات العلمية المختلفة من علوم الكون السائدة في العصر الحديث.
وقد أثبت هؤلاء العلماء في مقالاتهم هذه وجود الله -جل وعلا- عن طريق ما وعوه من الأدلة الكثيرة المنبثة في مجالات اختصاصاتهم العلمية.
وهو كتاب حسن في بابه لأنه يطلع القارئ على نوع من الأدلة الكونية التي تفرض سلطانها على العلماء من خلال ملاحظاتهم وتجاربهم واختباراتهم العلمية، فتقول لهم: أفي الله شك فاطر السموات والأرض، فيقولون بتجرد وخشوع: آمنا بالله ربنا العليم الحكيم القدوس خالق كل شيء، وهو على كل شيء قدير)).
فعليهما في هذا الكلام:
1- فيه تعظيم لأعداء الله وتفخيم لشأنهم، فقولهما : (( وكبار علماء الدنيا))، ((وعلماء الكون))،(( والفلاسفة))،((وأقوال علماء الكون والفلاسفة))، قد يكون له آثار سيئة في نفوس بعض الطلاب فيجد لهم هيبة يتصاغر بها أمامهم، وقد يتصور أن عندهم من العلوم العظيمة والحجج والبراهين القوية ما لا يوجد في القرآن والسنة، ولا يوجد عند كبار علماء الإسلام والتوحيد.
2- في قولهما: ((في كتاب ( الله يتجلى في عصر العلم ). ))
تعالى الله عما يقولون فهل كان الله غامضاً مخفياً حتى في عصور الرسالات حتى أظهرته وجلته بحوث علماء الغرب وفلاسفتهم.
وهل كانت عصور الأنبياء وعصور الإسلام قبل ما سموه بعصر العلم عصور جهل.
ثم ما هي قيمة الرسالات وأدلة القرآن على ربوبية الله وألوهيته وآثاره في الكون وسائر مخلوقاته.
وهل أدلتهم الخفية الغامضة التي لا تكتشفها إلا أجهزة المعامل والمختبرات أقوى وأكثر من الأدلة التي يشترك في رؤيتها وإدراكها كل الناس تلك الآيات العظيمة التي بثها الله في السموات والأرض بل منها السموات والأرض والجبال والبحار والشمس والقمر والكواكب والأشجار والنبات والدواب في البر والبحر ومعجزات الأنبياء وأعظمها معجزة القرآن الكريم وما عرض الله فيه من آيات شرعية وعقلية وكونية.
(5)(ص:30-39) نقلا أقوالاً لمن يسميانهم بعلماء الكون والفلاسفة ما لا يساوي شيئاً بالنسبة لأدلة القرآن وما استنبطه منه أئمة الإسلام من حجج وبراهين.
بل في أقوال بعض هؤلاء من الكفر والإلحاد ما يستحقون أعظم العقوبة على نقل.
ثم قالا في (ص:39 ) : ((وهكذا تتسلسل مقالات هؤلاء العلماء الثلاثين من كبار العلماء الماديين المنصفين على هذا الأسلوب العلمي الذي يقررون فيه حقيقة وجود الله وهم يعلنون خشوعهم وخضوعهم بين يدي عظمته وقدرته وحكمته -جل جلاله- مقتبسين من أدلة الكون التي لا تحصى ما يقنعهم في إيمانهم بالله تعالى)).
قلت: فما هذا الإيمان الذي يصدق عليه قول الله تعالى:{ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}، وقد يفوقهم في هذا الإيمان من قال الله فيهم:{ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله، قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} إلى آيات كثيرة في إيمان المشركين بتوحيد الربوبية.
(6) في (ص:40) ذكرا الأسس التي اعتمدها هؤلاء الفلاسفة في الإيمان بوجود الله.
((1-نظام الكون وما فيه من إبداع.
2- نفي أن يكون قد حصل هذا الكون عن طريق المصادفة.
3- أن العلوم الكونية تؤيد أن لهذا الكون بداية وانه بدأ بشكل مفاجئ...)).
والله يقول:{ ماأشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم}، فلا يعلم كيف كانت بدايته إلا الله.
وهذا يعارض قول الله تعالى :{ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام}.
وقوله تعالى:{ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم}.[فصلت: 9-12].
ثم نقلا عن تسعة آخرين مقرونة أسماؤهم بالتفخيم كقولهما: ((من أقوال العالم الطبيعي اللامع ( أُوكفر وُنْدِلْ ) )).
(( ومن أقوال العلامة ( ألْبرت ) صاحب النظرية النسبية وهو حجة في الرياضيات وفي الطبيعيات )).
(( من أقوال ( سير أرثر أدنجتون ) من أكبر العلماء الرياضيين في العالم )).
(7) إلى أن قالا في ص ( 43-44 ):
« ط- كتب (كميل فلامريون) في كتاب " الله في الطبيعة " :
إذا انتقلنا من ساحة المحسوسات إلى الروحيات فإن الله يتجلى لنا كروح دائم موجود في كل شيء ليس هو سلطاناً يحكم من فوق السموات بل نظام مستتر مهيمن على كافة الموجودات، ليس مقيماً في جنة مكتظة بالصلحاء والملائكة، بل إن الفضاء اللانـهائي مملوء به فهو موجود مستقر في كل نقطة من الفضاء وكل لحظة من الزمان، أو بتعبير أصح هو قيوم لا نـهائي منزه عن الزمان والمكان، والتسلسل والتعاقب.
ليس كلامي هذا من جملة عقائد ما وراء الطبيعة المشكوك في صحتها، بل من النتائج القاطعة التي استنبطت من القواعد الثابتة للعلم كنسبة الحركة، وقدم القوانين.
إن النظام العام الحاكم في الطبيعة، وآثار الحكمة المشهودة في كل شيء، المنتشرة كنور الفجر وضياء الشفق في الهيئة العامة لا سيما الوحدة التي تتجلى في قانون التطور الدائم تدل على أن القدرة الإلهية المطلقة هي الحوافظ المستترة للكون هي النظام الحقيقي هي المصدر الأصلي لكافة القوانين الطبيعية وأشكالها ومظاهرها ».
ثم علقا بقولهما :
((وكميل فلامريون فيلسوف ينكر اليهودية والنصرانية ولا يعرف الإسلام، ولكنه يعرف الله الواحد من إدمانه النظر في العلوم بالأكوان وأمثاله كثيرون)).
قلت: وهذه تزكية لهذا الملحد الذي يدين بوحدة الوجود ويكررها في كلماته المظلمة مع أباطيل أخرى كما يرى القارئ.
فكيف ينقل كلام هذه الملحد وأمثاله في تقرير التوحيد والإيمان بالله.
(8) قـالا (ص:44):
(( ويقول الدكتور ( راين ): إنه ثبت من أبحاثه في المعامل أن في الجسم البشري روحاً أو جسماً غير منظور )).
فلماذا ينقلان هذا النص السخيف.
فإن أراد ( راين ) بـهذه الروح الله فهو زنديق ملحد.
وإن أراد روحاً مخلوقاً في الجسم فحتى الشيوعيون والشياطين لا ينكرون الروح فضلاً عن غيرهم من الإنس والجن.
(9) قالا (ص:45):
5- ((اختلاف الناس في ذات الخالق بعد الإيمان بوجوده:
وبعد أن عرفنا أن العقلاء المنصفين كلهم قد استووا في الإشارة إلى خالق مدبر، والإيمان بذي قدرة عظيم مهيمن نلاحظ أنـهم قد اختلفت مداركهم في تصور ذاته وتحديد صفاته.
فمنهم من استطاع أن يفهم أنه لا بد أن يكون مجرداً عن مشابـهة كل شيء مادي أو يسرى في المادة أو تتصف به المادة، و أن يكون واجب الوجود قائماً بذاته لا إله إلا هو لا يحتاج إلى مكان ولا يجري على ذاته زمان.
وهذه الحقيقة عن ذات الخالق هي الحقيقة التي جاءت الديانات السماوية لتروي بـها غلة كل عالم باحث مفكر ولتطمئن بـها كل ذي فطرة صافية طاهرة سليمة وكل ذي عقل نافذ وقاد.
ولتصحح بـها تصورات المجسمين الماديين والمشركين الذي تنازعتهم الأوهام والتقاليد واستحوذت عليهم الشياطين فشوهت صفاء فطرتـهم، ولتحرر بـها العقول البشرية من قيود المحسات، وتنطلق بـها إلى آفاق التجريد العقلي حتى يكون الإنسان أهلاً لما كرمه الخالق به إذ منحه هذا العقل الذي يستطيع أن يدرك به وجود الخالق وتنـزهه عن مشابـهة الحوادث، واتصافه بكل صفة من صفات الكمال )).
قلت: فهل هؤلاء الكفار الضالون يستحقون أن يوصفوا بأنـهم عقلاء منصفون.
وماذا يريدان بقولهما : « لا يحتاج إلى مكان ولا زمان » إثبات صفتي علو الله على خلقه واستوائه على عرشه؟!! كلا ؛ وإنما يريدان تعطيل هذين الوصفين العظيمين.
وهل هؤلاء الكفار الضلال تصدق عليهم هذه الصفات ( كل عالم باحث مفكر) ( وأنـهم أصحاب فطر سليمة ) ( وأن عندهم عقولاً نافذة وقادة ) ( وأن الرسالات جاءت لتـروي غلتهم )؟!!
وهل الرسالات جاءت بالأدلة المستنبطة والمنبثقة عن المعامل والمختبرات، أو جاء بطرق الفلاسفة الضالين التائهين؟!!
وهل جاءت الرسل بإنكار علو الله واستوائه على عرشه؟!!
وهل الرسالات جاءت لإقناع الأمم بأن الله موجود على الطريقة التي جاء بـها هؤلاء الضلال وأسلافهم من الفلاسفة، أو أن الأمم تؤمن بوجود الله وإنما جاءهم الرسل ليدعوهم إلى عبادة الله وحده وإخلاص الدين له، وإلى خلع الأوثان والمعبودات التي كانوا يعبدونـها من دون الله؟!!
إن هذين المؤلفين لم يعرفا حقيقة ما بعث من أجله الرسل.
ثم من المعلوم عن هذين أنـهما على طريقة الأشاعرة والماتريدية في تعطيل صفات الله الخبرية ومنها الاستواء والعلو والنـزول... إلخ، بحجة تنزيه الله عن مشابهة الحوادث، فهم كأسلافهم من أمثال الرازي والسبكي والكوثري يحاربون أهل السنة والجماعة الذين يؤمنون بصفات الله الواردة في الكتاب والسنة الثابتة عن رسول الله بما في ذلك الصفات الخبرية المنوه عنها، ويصفون أهل السنة بأنـهم مجسمة ومشبهة.
فهؤلاء لا شك أنـهم يقصدون الطعن في أهل السنة ورميهم بالتشبيه والتجسيم، ثم حشرهم مع الماديين والمشركين وجعلهم في درجة أسفل من الفلاسفة الضالين، والمجال لا يتسع لبيان دسائسهما ومكرهما.
(10) ثم قالا في (ص:45):
((وكان من هؤلاء الناس الذين آمنوا بوجود الخالق صنف تخيل ذات الخالق بالمادة، أو بما يشابه الأجساد المادية، أو بالقوى السارية في ذرات المادة بحسب قصر مداركه وتقيده بواقعه الذي يحسه في نفسه، أو في الكون من حوله ولو أن هذا الصنف أصغى بتفهم وتعقل للمنطق الجلي الواضح الذي نـزل به الوحي على الرسل لم يقع بكل هذه التخيلات الباطلة التي يرفضها العقل بقليل من التأمل والنظر المتجردين المنصفين )).
ونقول :
1 ـ من هم هؤلاء الذين تنتقدانـهم ؟!!
2 ـ لماذا تنقلا عنهم ما تريانـهم قد ضلوا فيه إلى طلاب عوام قد حلتم بينهم وبين منهج القرآن والسنة والسلف؟!!
3 ـ أين الحجج والبراهين التي يجب أن تقام لدحض هذا الضلال؟!!
4 ـ فكلامكما يُشْعِر أن الصنف الأول على هدى وعلى منهج الرسل فما أضر نقلكما عن الصنفين وما أضر تعليقكما على كلامهم من مدح ضاف ونقد ميت قاصر.
قوة في عرض الباطل، وعجز وضعف في نقده.
(11) ثم قالا في (ص:46):
6- (( الإلحاد والملحدون :
ثم لا نجد الإلحاد إلا عند مغفلين مضللين، أو مقلدين متعصبين، أو مجرمين شهوانيين، أو مستكبرين مغرورين بالنزر اليسير الذي تعلموه من ظواهر الكون فظنوا أنفسهم عرفوا كثيراً وجهلوا أنـهم ما غمسوا بعد أكفهم في شاطئ بحر صغير من بحور علم الكون ))
قلت: وهذا الكلام حق في هؤلاء الملاحدة :
ولكن من ضرره وخطره أنه يشعر الطالب أن الأولين منـزهين عن هذه الصفات القبيحة التي أطلقوها على هؤلاء من الإلحاد والغفلة والضلال والتقليد والتعصب إلخ.
فهل من مدحتماهم ونقلتما أقوالهم بريئون من هذه الصفات، لا شك أن الطالب الغرّ يفهم هذا فيكن لأولئك من الحب والإجلال والاحترام ما يفسد عليه عقله ودينه وولاءه لله ولدين الحق.
(12) ثم قالا في (ص:47) بعد مناقشة هزيلة للملحدين في عرفهما :
(( أليس يقوم في ظن الملحدين احتمال صدق دعوة الرسل الذين يكذبونـهم، وماذا ستكون حجتهم بين يدي الله إذا قال لهم يوم القيامة كذبتم رسلي وأعرضتم عن البراهين التي بثثتها في الوجود الدالة على وجودي والدالة على عدلي فحق عليكم عقابي )).
وهذا الكلام على علاّته يعطي أن من نقلا عنهم ومدحاهم وأضفيا عليهم صفات ضخمة، قد صدقوا دعوة الرسل وآمنوا بالحجج والبراهين التي أعرض عنها الملحدون، وأنـهم ناجون من عقاب الله.
(13) من ( ص49-82 ) تكلما عن الله وصفاته على طريقة المتكلمين والفلاسفة لا على طريقة أهل السنة والجماعة، فلم يقررا توحيد الأسماء والصفات على طريقة أهل السنة بل على الطريقة المنوه عنها، وأشارا إشرات ضعيفة إلى توحيد الألوهية.
قالا مفتتحين هذا البحث بالعنوان التالي :
7- ((بعض المسالك النظرية التي تلزم العقل بالإيمان بوجود الخالق ))
ثم قالا : « ولئن كان وجود الخالق من الأمور البدهية المركوزة في فطرة الإنسان منذ نشاته الأولى منذ بدأ يدرك نفسه والكون من حوله كما سبق بيان ذلك.
لكنه لا بد لنا من أن نسوق البراهين النظرية لعلها تستخدم كوسيلة للتعرف على صدق هذا الإحساس الفطري ولإزالة ما يمكن أن يعرض على النفس من شكوك تأثرت بـها من واقع البيئة المادية التي وجد الإنسان فيها ».
قلت: الله يعلم وعلماء الحق والسنة يعلمون سابقاً ولاحقاً أنه ما يجلب الشكوك إلا الطريقة التي سلكتموها وسلكها أسلافكم على طريقة الفلاسفة والمتكلمين وأن عرضكم لكلام علماء الكون والفلاسفة الأمريكيين لمما يغرس الشكوك وكذلك تعليقاتكما الهزيلة على كلامهم المملوء بالضلال.
ثم ذهبا يتكلمان على إثبات وجود الله بطريقة الفلاسفة الذي أخذه عنهم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة :
وهو الاستدلال بالأعراض على حدوث الأجسام والاستدلال على وجود الله بحدوث الأجسام ذلكم الذي قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ( إنه ينبوع البدع )، وهو الذي أدى بأهل الضلال إلى تعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وكلامه على تفاوت في الأخذ بـهذا الأصل الباطل.
وأضاف الباحثان دليل الإمكان وهو أصل الملحد ابن سينا ومن تبعه كالرازي ومن تأثر به، وكلامهما طويل جداً لا يتسع المقام لسرده.
ولكن ننقل من كلامهما بعض الفقرات التي تصدق وتؤكد ما نقول :
(14) قالا في (ص:52-53) في سياق الاستدلال على وجود المخلوقات، ثم الاستدلال بما فيها من أعراض وتغيرات على وجود الله:
(( وهنا تبدو لنا حقيقة أننا لم نكن ثم كنا ونحن صنف ممتاز التكوين في هذا العالم. قال تعالى:{ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}.
وأن أشياء كثيرة كانت في طي العدم في أشكالها وصورها ثم وجدت كما هو مشاهد لنا باستمرار كما تبدو لنا صورة التغيرات الكثيرة الدائمة في كل جزء من أجزاء هذه المواد الكونية التي نشاهدها أو نحس بها أو ندرك قواها وخصائصها، فمن حياة إلى موت ومن موت إلى حياة، ومن تغيرات في الأشكال والصور إلى تغيرات في الصفات والقوى، وكل ذلك لا يعلل في عقولنا وفق قوانين هذا الكون الثابتة التي استفدناها من الكون نفسه إلا بالأسباب المؤثرة التي تحمل سرّ هذه التغيرات الكثيرة المتعاقبة في كل شيء من هذا الكون على اختلاف جواهره وصفاته سواء منها المتناهي في الصغر أو المتناهي في الكبر.
ومن هذه الأسباب ما نشاهده ومنها ما نستنتجه استنتاجاً ولا نزال نتسلسل مع الأسباب حتى نصل إلى سبب مجهول الذات هو السبب الأول )).
ثم واصلا كلامهما من هذا النوع الفلسفي.
فهذا الكلام والاستدلال على وجود الخالق والمخلوق في الوقت نفسه قائم على ذلكم الأصل الفاسد الذي وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه ينبوع البدع والذي أدى إلى تعطيل أسماء الله وصفاته.
وانظر إلى هذا التعبير الضال عن الله بأنه مجهول الذات.
ومما يؤكد اعتمادهما على ذلك الأصل، قولهما:
((وبما أنها عرضة للتحول والتغير وبما أن قوانينها تفرض احتياجاتها على الأسباب والمؤثرات، لزم عقلاً ألاّ يكون الأصل فيها هو الوجود وإنما يجب عقلاً أن يكون الأصل فيها هو العدم.
ولذلك فهي تحتاج في وجودها إلى سبب موجود وسنعرض إلى مبدأ السببية في دليل خاص، وبهذه المرحلة من الدليل ثبت لدينا ما يلي:
أ- أن الأصل هو العدم في جميع هذه الأشياء الكونيةالقابلة للإدراك الحسي وكل ما شابهها في الصفات.
ب- وحيث كان الأصل في جميع هذه الأشياء الكونية العدم وجب عقلاً أن يكون لها سبب مؤثر نقلها من العدم إلى الوجود في مرحلة وجودها الأول، ولا يزال يؤثر باستمرار في جميع صور تغيراتها المتقنة الحكيمة ))
قلت: وهذا الاستدلال على وجود المخلوقات باطل مناقض لطريقة القرآن في الاستدلال على الله وقدرته وعلمه وحكمته بالآيات الكونية من خلق الأنسان والسموات والأرض والجبال... إلخ.
وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على بطلان هذه الطريقة فقال:
(( الطريقة المذكورة في القرآن هي الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره من المحدثات المعلوم حدوثها بالمشاهدة ونحوها على وجود الخالق سبحانه وتعالى، فحدوث الإنسان يستدل به على المحدِث، لا يحتاج أن يُستدل على حدوثه بمقارنة التغير أو الحدوث له، ووجوب تناهي الحوادث.
والفرق بين الاستدلال بحدوثه والاستدلال على حدوثه بَيِّنٌ.
والذي في القرآن هو الأول لا الثاني، كما قال تعالى : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون })) [درء التعارض (7/219)].
(15) في (ص:55-59) تحدثا عن دليل الإمكان، وهو من أدلة ابن سينا الباطني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: إن ابن سينا أخذه من أصل الجهمية وهو الاستدلال على وجود الله بالأعراض والحوادث.
واستشهدا لهذا الأصل الفاسد ببعض الآيات القرآنية، ودندنا حوله.
ثم قالا في سياق دليل التغير والسببية (ص:59):
(( ننظر إلى الموجودات الكونية سواء منها الموجودات المادية المدركة بالحس أو الموجودات الأخرى الخارجة عن نطاق الإدراك الحسي والتي نستنتج وجودها ببرهان العقل.
فنلاحظ أن حوادث التغير لا تنفك عنها أبداً، فما من شيء في هذا الكون الفسيح إلا ونلاحظ أنه في أوضاع من التغيرات الكثيرة بشكل مستمر، وهذه التحاويل الكونية في المواد الكميائية، حوادث مستمرة، وهذه الأعراض في الظواهر الفيزيائية في تغير مستمر، نرى ذلك في تحول البذور إلى أشجار وثمار ثم تحولها إلى رماد وهشيم، ثم يتحول إلى عناصره الكميائية )).
ثم تحدثا عن تغير وتحول أشياء أخرى من المخلوقات.
إلى أن قالا:
(( ونرى ذلك يومياً في تعاقب الليل والنهار وطلوع الشمس والقمر وغروبهما وظهور النجوم وأفولها )).
ثم قالا (ص:61):
(( ثم نقول: إن التغير لا ينفك عقلاً عن معنى الحدوث؛ لأنه لو فرضنا أنه حصل تغير في المكان لجسم من الأجسام مع العلم بأن التغير المكاني هو أبسط أنواع التغيرات الكونية على الإطلاق.
ولنرمز للمكان الذي كان فيه الجسم بنقطة (أ) وللمكان الذي انتقل إليه الجسم بنقطة (ب). ))
ثم فصلا ذلك بكلام يتخلله الأشكال والرسوم.
وهذا الاستدلال هو الذي أوقعهم في إنكار استواء الله على عرشه ونزوله إلى سماء الدنيا ومجيئه يوم القيامة إلى غير ذلك من الصفات والأفعال التي عطلوها.
(16) في (ص:64) ذكرا أن أبا حنيفة -رحمه الله- استدل بهذا الدليل ( أي دليل السببية والتغير ) على الزنادقة وأقام عليهم به الحجة يشيران إلى القصة المشهورة عنه.
(17) (ص65-66) ذكرا(( أن فكرة التغير والسببية قامت في عقول كثير من الفلاسفة القدماء فجعلتهم يؤمنون بواجب الوجود وذلك أنهم رأوا أحوال الأرض وتغيراتها فثبت لديهم أنها بحاجة إلى مؤثر وحكموا في فلسفتهم بذلك ولكن بعضهم لما نظروا إلى الأفلاك زعموا أن اتصاف السموات بمقاديرها وأحيازها وأوضاعها وحركاتها أمر واجب لذاته ممتنع التغير عن هذا الوضع ... ))
إلى إن قالا :
(( فألهوا الأفلاك. وهنا أرشدهم سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في محاجته لقومه إلى مماثلة الأفلاك والنجوم وكل ما في السماء للأرض في تغيراتها التي يقضي العقل بأنها حوادث تحتاج إلى مؤثر واجب الوجود، وأثبت لهم أن الرب تعالى الذي هو واجب الوجود غير هذه الأجرام السماوية التي يؤلهونها بدليل أفولها وتغيرها المشاهد بالحس، وقد حكى الله عنه ذلك بقوله تعالى : { فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين }
وكانت فلسفة إبراهيم عليه السلام في نظره العميق هي طريق إيمانه بالله أول الأمر ثم جاءته النبوة فكان من المرسلين )).
قلت: وحاشا هذا الرسول الكريم من هذه الفلسفة وحاشا استدلاله أن يكون منبثقاً عنها وأن يكون قصده إثبات وجود الله.
فقومه ما كانوا ينكرون وجود الله حتى يستدل على هذا الوجه وبهذا الأصل الذي ورثه الكاتبان وأسلافهما عن الفلاسفة الضالين.
وحاشاه أن يكون وصل إلى الإيمان من هذا الطريق الفاسد.
يوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول :
(( وهؤلاء [ يعني قوم إبراهيم ] هم أعداء إبراهيم الخليل الذي دعاهم إلى عبادة الله وحده، وكان مولده عند أكثر الناس إما بالعراق أو بحران كما في التوراة ولهذا ناظرهم بعبادة الكواكب والأصنام، وحكى الله عنه أنه لما رأى كوكباً {قال هذا ربي } إلى قوله: {لا أحب الآفلين} إلى قوله: { فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين}.
وقد ظن طائفة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أن مراده بقوله: { هذا ربي} أن هذا خالق العالم وأنه استدل بالأفول - وهو الحركة والانتقال - على عدم ربوبيته، وزعموا أن هذه الحجة هي الدالة على حدوث الأجسام وحدوث العالم.
وهذا غلط من وجوه :
أحدها : أن هذا القول لم يقله أحد من العقلاء، لا قوم إبراهيم ولا غيرهم، ولا توهم أحدهم أن كوكباً أو القمر أو الشمس خلق هذا العالم وإنما كان قوم إبراهيم مشركين يعبدون هذه الكواكب زاعمين أن في ذلك جلب منفعة أو دفع مضرة، على طريقة الكلدانيين والكشدانيين وغيرهم من المشركين أهل الهند وغيرهم، وعلى طريقة هؤلاء صنف الكتاب الذي صنفه أبو عبد الله ابن الخطيب الرازي في السحر والطلسمات ودعوة الكواكب، وهذا دين المشركين من الهند والخطا والنبط والكندانيين والكشدانيين وغير هؤلاء.
ولهذا قال الخليل: { يا قوم إني بريء مما تشركون} وقال: { أفريتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} وأمثال ذلك.
وأيضاً فالأفول في لغة العرب هو المغيب والاحتجاب، ليس هو الحركة والانتقال.
وأيضاً فلو كان احتجاجه بالحركة والانتقال لم ينتظر إلى أن يغيب، بل كان نفس الحركة التي شاهدها من حين تطلع إلى أن تغيب هي الأفول.
وأيضاً فحركتها بعد المغيب والاحتجاب غير مشهودة ولا معلومة.
وأيضاً فلو كان قوله: ‏{ هذا ربي} أي: هذا رب العالمين لكان قصة إبراهيم عليه السلام حجة عليهم، لأنه حينئذ لم تكن الحركة عنده مانعة من كونه رب العالمين، وإنما المانع هو الأفول.
ولما حرف هؤلاء لفظ الأفول سلك ابن سينا هذا المسلك في إشارته فجعل الأفول هو الإمكان، وجعل كل ممكن آفلاً، وأن الأفول هويّ في حظيرة الامكان وهذا يستلزم أن يكون ما سوى الله آفلاً)). [من منهاج السنة (2/193-197)].
وقال رحمه الله خلال رده على ابن سينا قوله بقدم الأفلاك :
((فإن أهل الكلام المحدث لما احتجوا بحدوث الأفعال على حدوث الفاعل الذي قامت به الأفعال، وزعموا أن إبراهيم الخليل احتج بهذا وأن المراد بالأفول الحركة والانتقال، وأنه استدل بذلك على حدوث المتحرك نقل ابن سينا هذه المادة إلى أصله فجعل هذا الأفول عبارة عن الإمكان، وقال : إنما هوى في حظيرة الإمكان هوى في حظيرة الأفول.
ولفظه: فإن الهوي في حظيرة الإمكان أفول ما )).
ثم ذكر هذين القولين الباطلين في الاحتجاج بالأفول.
ثم قال:
(( ومعلوم أن كلا القولين من باب تحريف الكلم عن مواضعه وإنما الأفول هو المغيب والاحتجاب، ليس هو الإمكان ولا الحركة وإبراهيم الخليل لم يحتج بذلك على حدوث الكواكب ولا على إثبات الصانع وإنما احتج بالأفول على بطلان عبادتها فإن قومه كانوا مشركين يعبدون الكواكب ويدعونها من دون الله لم يكونوا يقولون إنها هي التي خلقت السموات والأرض فإن هذا لا يقوله عاقل، ولهذا { قال يا قوم إني بريء مما تشركون}.
{وقال أفريتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلى رب العالمين}.
وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع[(منهاج السنة(1/201)].
(18) ثم عنونا (ص:66-72) بقولهما:
التنبيه على دليل التغير والسببية في القرآن الكريم.
ثم قالا:
((لقد نبه القرآن الكريم على معنى التغير الدائم القائم بكل شيء في هذا العالم في كثير من الآيات الكريمة التي تتضمن لفت النظر إلى وجود الله سبحانه، وإلى صفة خلقه للأشياء.
ولئن كنا عبرنا بلفظ السبب ومعنى السببية من وجهة النظر التي سقناها في الدليل، فإن الله سبحانه قد اختار في القرآن اللفظ الأدق في التعبير والذي يتناسب مع صفة الألوهية، ألا وهو لفظ ( الخلق ) ذلك أن السببية متى انتهت إلى العليم الحكيم المريد المختار القادر على كل شيء كانت خلقاً.
فلكل صورة من صور التغير في هذا العالم الذي أسميناه عالم المتغيرات خلق رباني، كان هو السبب في حدوث ظاهرة التغير.
وما أكثر الآيات القرآنية التي تشير إلى مضمون هذا الدليل بصيغة الخلق لأن صيغة الخلق هي التي تتناسب مع الألوهية كما بينا، ومن تلك الآيات القرآنية الكثيرة قوله تعالى: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}.
وقوله تعالى: { ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه...} الآيات.
ثم قالا: هذه الآيات وأمثالها في القرآن الكريم تتحدث عن التغيرات الكثيرة التي نشاهدها في هذا العالم وتشير إلى أن هذه التغيرات لابد لها من سبب... )).
والآيات لا تدل على أصلهم الفاسد ولا علاقة له بها.
(19) (ص:73-75) عنونا بقولهما:
صفات الخالق جل وعلا.
ثم قالا:
(( ظاهرة العمل المتقن تدل على صفة الإتقان لدى من قام به )).
وضربا مثلاً: بالقصر الجميل المتقن في بنائه، المتقن في هندسته، المتقن في أثاثه وتزيينه، يدل بداهة على أن من هندسه وبناه وأثثه وزينه متقن خبير بالهندسة حسن الذوق في اختيار الأثاث وتزيين القصور.
وذكرا: صفة العلم والحكمة والقدرة والعناية والتدبير والهيمنة والملك والسمع والبصر والرحمة.
ثم قالا:
(( وهكذا إلى سائر صفات الكمال لله تبارك وتعالى ثم ننظر إلى ما أثبته سبحانه لنفسه من الصفات وما نفى عن نفسه من الصفات فيما أنزل علينا فنثبت له ما أثبت وننفي عنه ما نفى وننزهه عن مشابهة خلقه ونقول { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} )).
ولم يذكرا صفة العلو والنزول وغيرهما من الصفات الخبرية التي تميز السني من المبتدع والمثبت من المعطل.
 وفي الكتاب بلايا لا يتسع الوقت لاستقصائها.
(20) وأخيراً أكدوا مضامين هذا الكتاب بالإحالة إلى مصادر تزيد الطلاب ضلالاً وتعلقاً بأهل المنهج الذين يريدون ربط شباب الأمة بهم وبعقائدهم ومناهجهم الفاسدة وهاكم المصادر المحال عليها (ص:266):
 العقيدة الإسلامية وأسسها عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني.
 عقيدة المسلم محمد الغزالي.
 العقائد الإسلامية سيد سابق.
 تعريف عام بدين الإسلام على الطنطاوي.
 نظام الإسلام العقيدة والعبادة محمد المبارك.
 الإسلام يتحدى وحيد الدين خان.
 الله، الرسول، الإسلام سعيد حوا.
 العبادة في الإسلام يوسف القرضاوي.
 خلق المسلم محمد الغزالي.
 الأخلاق أحمد أمين.
 محاضرات في الثقافة الإسلامية أحمد محمد جمال.

========


يتبع الحلقة الثانية إن شاء الله تعالى