قول الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في علم الجرح والتعديل ، وتعليق عليه
( رد على أبي حاتم رضوان حدادي البليدي الجزائري - المدخلي الحدادي - )
بسم الله الرحمن الرحيم
رأيت في الشبكة المرجئة الخارجية ( سحاب ) مقالاً لأحد الشباب الجزائريين - المغفلين حقيقة - ، وقد نقل في مقاله كلاماً للشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – زاعماً أن فيه تأييد لخطل منهج شيخه الضال ربيع .
وقد عنون لمقاله بـ : ( ( القول الزاجر للعلامة أحمد شاكر ) وتتوالى البشائر - تأديب للحدادية !! ) ، وهو أحرى أن يقال فيه ( وتتوالى الفضائح ، تأديب للمداخلة الحدادية في عقر ديارهم ) .
قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في مقدمة ( الباعث الحثيث ، 7-8 ) :
( واجتهد أهل الحديث في رواية كل ما رواه عنه الرواة ، وإن لم يكن صحيحاً عندهم ، ثم اجتهدوا في التوثيق من صحة كل حديث وكل حرف رواه الرواة ، ونقدوا أحوالهم ، واحتاطوا أشد الحيطة في النقل ، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة في سيرة الناقل الشخصية ، مما يؤثر في العدالة عند أهل العلم ، أما إذا اشتبهوا في صدقه وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه : فقد رفضوا كلامه وسموا حديثه ( موضوعاً ) أو ( مكذوباً ) ، وإن لم يعرف عنه الكذب في رواية الحديث ، مع علمهم بأنه قد يَصْدُقُ الكذوب .
وكذلك توثقوا من حفظ كل راوٍ ، وقارنوا رواياته بعضها ببعض ، وبروايات غيره ، فإن وجدوا فيه خطأ كثيراً وحفظاً غير جيد : ضعفوا روايته ، وإن كان لا مطعن عليه في شخصه ولا في صدقه ، خشية أن تكون روايته مما خانه فيه الحفظ.
وقد حرروا القواعد التي وضعوها لقبول الحديث ، وهي قواعد هذا الفن ، وحققوها بأقصى ما في الوسع الإنساني ، احتياطاً لدينهم ، فكانت قواعدهم التي ساروا عليها أصح القواعد للإثبات التاريخي وأعلاها وأدقها ، وإن أعرض عنها - في هذه العصور المتأخرة - كثير من الناس ، وتحامَوْها بغير علم منهم ولا بيّنة .
وقلدهم العلماء فيها في أكثر الفنون النقلية ، فقلدهم علماء اللغة ، وعلماء الأدب ، وعلماء التاريخ ، وغيرهم ، فاجتهدوا في رواية كل نقل في علومهم بإسناده ، كما تراه في كتب المتقدمين السابقين ، وطبقوا قواعد هذا العلم عندما أرادوا التوثق من صحة النقل في أي شيء يُرجع فيه إلى النقل.
فهذا العلم في الحقيقة أساس لكل العلوم النقلية ، وهو جدير بما وصفه به صديقي وأخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة من أنه (( منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار )) ) . اهـ
وهذه عباراته السابقة - رحمه الله - : ( رواية كل ما رواه عنه الرواة .. رواه الرواة .. حفظ كل راوٍ .. قارنوا رواياته بعضها ببعض وبروايات غيره .. خطأ كثيراً وحفظاً غير جيد .. القواعد التي وضعوها لقبول الحديث .. أصح القواعد للإثبات التاريخي .. أعرض عنها في هذه العصور المتأخرة كثير من الناس .. قلدهم العلماء فيها في أكثر الفنون النقلية ، رواية كل نقل في علومهم بإسناده .. طبقوا قواعد هذا العلم عندما أرادوا التوثق من صحة النقل في أي شيء يُرجع فيه إلى النقل .. ميزان تصحيح الأخبار ) .
فالشيخ - رحمه الله - يُبيّن أن هذا الفن إنما وضع للنظر في الرواية والرواة فقط ، أما كون الشخص مبتدع وما شابه فهذه لها كتبها الأخرى التي تتكلم عن أصول وعقائد أهل السنّة والجماعة .
توضيح :
معلوم أن كل حديث يتكون من سند ومتن ، والسند هو حكاية طرق المتن ، أو هو سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن ، وأما المتن فهو ما ينتهي إليه السند من كلام ، وهو ألفاظ الحديث التي تقوم بها المعاني .
مثـال : عن زيد عن عمر قال الإمام الفلاني : ( من علامة الخوارج إثارة العوام على الحكام ، وسبهم من فوق المنابر .. الخ ) .
فإذا جاءنا - يحيى مثلاً - يثير العوام على حكامهم ويسُبّهم فهو بحكم قول هذا الإمام : خارجيٌ مبتدعٌ ضَّال ، والحكم على المعيَّن ليس مثل الحكم العام – وهذا شرط أساسي عند أهل السنة والجماعة في الحكم على الأعيان - .
فإذا أردنا التحقق من نسبة هذه الرواية إلى ذلك الإمام ( وهما زيد عن عمر ) ، هنا وجب تطبيق قواعد علم الرجال ( أو ما يُسمَّى بالجرح والتعديل ) فننظر في عدالتهم ويأتي في المقدمة : قوة الحفظ وليس البدعة كما هو معلوم .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - : ( العبرة في الراوي إنما هو كونه مسلماً عدلاً ضابطاً أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنَّة فلا يعد عندهم جرحاً ) . ( السلسلة الصحيحة ، 4/136 حديث رقم 469 ) .
وقال العز بن عبد السلام : ( ومدار قبول الشهادة والرواية على الثقة بالصدق وذلك متحقق في أهل الأهواء تحققه في أهل السنَّة ) . ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، 2/31 ) .
وفي المقابل كيف حكمنا على ( يحيى ) أنه خارجي ! هل بالنظر إلى عدالته وغيره كما هو في علم الجرح والتعديل أم بقول ذاك الإمام الذي لخص لنا هذه الفتوى بعد استنباطه لهذا الحكم من الشريعة التي نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم – وكما فهمها السلف الصالح - رضوان الله عليهم - .. الجواب هو بالاستنباط .
فهاهو مثلا ربيع المدخلي يقول - بنفسه - : ( أنا لم أختر منهج الجرح والتعديل ، إنّما أنا ناقد ) .
وإليكم التأكيد على هذه المسألة :
قال الشيخ العلامة صالح الفوزان : ( والله ما نعلم أحداً من علماء الجرح والتعديل في عصرنا الحاضر ، علماء الجرح والتعديل في المقابر الآن ، ولكن كلامهم موجود في كتبهم كتب الجرح والتعديل . والجرح والتعديل في علم الإسناد وفي رواية الحديث .... ) .
وقال أيضاً : ( فالجرح والتعديل - يا أخي - من علم الإسناد في الحديث ، وهذا من اختصاص الأئمـة والمحدثين . ولا نعلم الآن من أهل الجرح والتعديل ، فيعني معرفة الأسانيد وتصحيحها وتضعيفها ، ما نعلم أحد الآن ، هذا المقصود ) .
وقال أيضاً : ( الجرح والتعديل في علم الإسناد ، وفي علم الإسناد لأجل توثيق الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونفي الكذب عنهُ ، فهو لمصلحـة عظيمـة ... ) .
وقال أيضاً : ( الجرح والتعديل هذا في علم الرواية في علم الإسناد وهذا له رجاله وله علماؤه ولا في أحد الآن فيما نعـلم عنده أهليه لهذا الأمر ، هذا من الحفاظ والعلماء الذين أعطاهم الله ملكة الرواية ومعرفة الأحاديث ، أما الآن فلا في أحد متأهل . لهذا ، هذا إذا كان هناك إنسان مبتدع ما يُسمّى جرح وتعديل ، هذا إنسان مبتدع ، يُذكَر لأجل ليحذر ما هو من باب الجرح والتعديل بل من باب النصيحة للناس ) .
وقال الشيخ العلامة صالح اللحيدان : ( الجرح و التعديل للحديث انتهى وقته ، ما هو في هذا الزمن ) .
وقال الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله الراجحي : ( علم الجرح والتعديل انتهى ، لأنه دوّنت الآن الكتب والأحاديث في الصِحاح والسنن والمسانيد والمعاجم .... فلا يوجد جرح وتعديل ، والجرح والتعديل للمحدثين ) .
وسُئل الشيخ أحمد النجمي - غفر الله له - : ( س : كذلك شيخنا هل مسألة أبو الحسن وأسامة القوصي تدخل في مجال الرواية ؟ ، أو في مجال الطعن في أهل البدع ؟ . ج : هذه تدخل في مجال الطعن في المبتدع ... ) .
وغيره كثير من الأقوال المنتشرة في الكتب والشبكات .
لهذا فالأمر - ولله الحمد - واضحٌ جليٌ لا يحتاج إلى تخبيط وتخليط ، وقد رفع لـواء هذا الجـهل المدعو ( ربيـع المدخلي ) وقد شنَّع على مخالفيه في هذه المسألة – كـما هو شأن أهل البدع دائماً – بل وكفرهم عياذاً بالله من سوء القول .
وكما قال الشيخ العلامة صالح الفوزان : ( ... ما حنا بحاجة لإنسان جديد يأتي ويلخبط الناس بأفكاره وجهله وتخرصاته ، ماحنا بحاجة لأمثال هؤلاء ، يكفينا قول علمائنا وما دونوه .... يكفينا هذا ونمشي عليه ، ونترك هالكتابات الجديدة وهالتعالم الجديد الذي شغل الشباب وشغل الناس ) .
فاللهم لك الحمد والشكر على نعمة العقل والحمد لله رب العالمين .
كتبه المنتصر للحق وأهله
- بن حمد الأثري -