نظرات في كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب .... الحلقة الثــالثة



بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------





5- التصوير الفن



قال تحت هذا العنوان ص ( 36 ) :" والتصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية وعن الحادث المحسوس ، والمشهد المنظور ، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية ، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة ، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد وإذا النموذج الإنساني شاخص حي ، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية .

فأما الحوادث والمشاهد والقصص والمناظر فيردها شاخصة حاضرة ، فيها الحياة وفيها الحركة فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل فما يكاد يبدأ العرض حتى يحيل المستمعين نظارة وحتى ينقلهم نقلاً إلى مسرح الحوادث الأول الذي وقعت فيه أو ستقع حيث تتوالى المناظر وتتجدد الحركات ، وينسى المستمع أن هذا كلام يتلى ومثل يضرب ويتخيل أنه منظر يعرض وحادث يقع فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات المنبعثة من المواقف المتساوقة مع الحوادث وهذه الكلمات تتحرك بها الألسنة فتنم عن الأحاسيس المضمرة إنها الحياة هنا وليست حكاية الحياة.

فإذا ما تذكرنا أن الأداة التي تصور المعنى الذهني والحالة النفسية وتشخص النموذج الإنساني أو الحادث المروي إنما هي ألفاظ جامدة لا ألوان تصور ولا شخوص تعبر أدركنا بعض أسرار الإعجاز في هذا اللون من تعبير القرآن .

والأمثلة هي القرآن كله حيثما تعرض لغرض من الأغراض التي ذكرناها حيثما شاء أن يعبر عن معنى مجرد ، أو حالة نفسية ، أو صفة معنوية ، أو نموذج إنساني ، أو حادثة واقعة ، أو قصة ماضية ، أو مشهد من مشاهد القيامة ، أو حالة من حالات النعيم والعذاب ، أو حيثما أراد أن يضرب مثلاً في جدل أو محاجَّة ، بل حيثما أراد هذا الجدل إطلاقاً واعتمد فيه على الواقع المحسوس والمتخيل المنظور .

وهذا هو الذي عنيناه حينما قلنا : " إن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن " فليس هو حلية أسلوب ، ولا فلتة تقع حيثما اتفق إنما هو مذهب مقرر ، وخطة موحدة وخصيصة شاملة ، وطريقة معينة ، يفتن في استخدامها بطرائق شتى ، وفي أوضاع مختلفة ، ولكنها ترجع في النهاية إلى هذه القاعدة الكبيرة : قاعدة التصوير .

ويجب أن نتوسع في معنى التصوير ، حتى ندرك آفاق التصوير الفني في القرآن . فهو تصوير باللون وتصوير بالحركة ، وتصوير بالتخييل كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل . وكثيراً ما يشترك الوصف والحوار ، وجرس الكلمات ، ونغم العبارات ، وموسيقى السياق ، في إبراز صورة من الصور ، تتملاها العين والأذن والحس والخيال والفكر والوجدان.

وهو تصوير حي منتزع من عالم الأحياء ، لا ألوان مجردة وخطوط جامدة تصوير تقاس الأبعاد فيه والمسافات بالمشاعر والوجدانات . فالمعاني ترسم وهي تتفاعل في نفوس آدمية حية أو في مشاهد من الطبيعة تخلع عليها الحياة ."

انظر لهذه المصطلحات :
1- المشهد ، 2- الصورة ، 3- التي يرسمها ، 4- لوحة ، 5- المشاهد
6- القصص ، 7- الحوار ، 8- النظارة ، 9- المسرح ، الأداة التي تصور ،10- الحادث المروي ، وألحق بها : 12- الجرس ، 13- الموسيقى ، 14- السينما ، 15- الإيقاع ، 16- والجرس ، 17- والنغمات ، 18- والريشة المبدعة ص(251) ، 19- وعدسة التصوير .

هذه مصطلحات تقوم عليها أعمال كلها تسخط الله وتحطم الأخلاق والدين يشرف عليها مؤسسو دور السينما والمسارح ويؤلفو القصص والتمثيليات، فيها أحط الناس ديناَ وأخلاقاً قد يكونوا يهوداً وقد يكونوا نصارى وقد يكونوا ملاحدة زنادقة ولهم أهداف خبيثة من إفساد عقول الناس ودينهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم الطيبة التي لا تتنافى مع الإسلام ، إلى جانب الأهداف المادية التي يجنون من ورائها الملايين ، وسيد قطب فيما أعتقد يعرف كل هذا بعد معرفته بهذه الدور وما حوته ومعرفته بنوعيات البشر التي ترتاد هذه الدور وهم النظارة، والمستمعون بأنهم في الغالب من أحط طبقات البشر وأن أشراف الناس رجالاً ونساءً يربئون بأنفسهم عن هذه الدور وما فيها من مسارح وسينما ومن فيها من نظارة ومستمعين ، الغارقين في الملاذ والشهوات والعبث وتضييع الأوقات والصلوات فيما يسخط الله .

فلماذا يستخدم هذه المصطلحات الخسيسة الحقيرة هي وأهلها ودورها وفنانوها والروائيون والمطربون والمغنون والراقصون من أهلها والراقصات من أهلها ، لماذا يجعل كتاب الله العظيم مجالات لمصطلحات هذه الدور الخبيثة هي ومؤسسوها والمشرفون عليها وروادها ؟

إذا كان لا بد له من تطبيق هذه المصطلحات المندرجة تحت قاعدته التصوير الفني فليختر ما شاء من أشعار وإلياذات وقصص البشر سواءً كانوا من الروائيين أو شعراء أوربيين أو ممن قلدهم من غيرهم من عرب وعجم من المنحرفين .
وكان عليه أن ينـزه القرآن العظيم كلام رب العالمين من هذه القاعدة الفنية وما بنى عليها من تطبيق هذه المصطلحات التي لا يعرفها العرب الذين نزل القرآن بلغتهم فلا يعرفون المسارح والسينما وما فيها من مشاهد وتمثيليات ولا يعرفون الموسيقى وقواعدها وأنواعها فما علاقة هذه الأمور بالقرآن الذي جعله سيد قطب كله مجالاً لها مع الأسف الشديد .
ولكن الحال السيئة التي اختارها لنفسه وجاهر بها بقوله :" وأنا أجهر بهذه الحقيقة الأخيرة وأجهر معها بأنني لم أخضع في هذا لعقيدة دينية تغل فكري عن الفهم " التصوير الفني ص(255). وإذا كان هذا حاله وهذا اعترافه هو بنفسه فأي شيء يقف أمامه وأي شيء يحجزه ؟ .

لاجلال القرآن ولا مكانة الأنبياء ولا مراقبة الله عز وجل ومن ثمَّ أساء جداً إلى عظمة كتاب الله فجال فيه وصال بقاعدته الفاسدة ومصطلحاته التي تواضع عليها أحط البشر ويمارسها شرهم وأحقرهم في أخبث وأبغض البقاع إلى الله فجعل كتاب الله ونصوصه المقدسة على نمط التمثيليات والأقاصيص والروايات التي تعرض في دور السينما والمسرحيات فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ويأسف المسلم أشدَّ الأسف أن يحاط هذا الكتاب ومؤلفه بغاية من القداسة وكذلك مؤلفات هذا الرجل مما يدل أن كثيراً من الناس قد انحطت مداركهم إلى منحدر سحيق وأغلقت عقولهم وضعف وازع الدين واحترام القرآن والسنة في نفوسهم نسأل الله الكريم أن يرحمهم فينقذهم مما هم فيه بلاء .

وقال في ص( 53) :" من فضل التصوير الفني في القرآن عرض نماذج من الأمثال القصصية في التعليق على قول الله تعالى : { إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون }.
لقد قر رأيهم على أن يقطعوا ثمرها عند الصباح الباكر دون أن يستثنوا شيئاً للمساكين فلندعهم على قرارهم ولننظر ماذا يقع الآن في بهمة الليل حيث يختفون هم ويخلوا منهم المسرح ، فماذا يرى النظارة هناك مفاجأة تتم خلسة ، وحركة خفية كحركة الأشباح في الظلام " فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم " .
والآن ها هم يتصايحون مبكرين وهم لا يدرون ماذا أصاب جنتهم في الظلام " فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين " ليمسك النظارة ألسنتهم فلا ينبهوا أصحاب الجنة إلى ما أصاب جنتهم وليكتموا ضحكات السخرية التي تكاد تنبعث منهم وهم يشاهدون أصحاب الجنة المخدوعين يتنادون متخافتين خشية أن يدخل عليهم مسكين ليكتموا ضحكات السخرية بل ليطلقوها فها هي ذي السخرية العظمى ….
وهاهم أولاء يفاجئون فليضحك النظارة كما يشاءون " فلما رأوها قالوا إنا لضالون " …..
واصل تعليقه وقال في موضع آخر ص(189 ) :"وظللنا نحن النظارة نسخر منهم وهم يتنادون ويتخافتون والجنة خاوية كالصريم حتى انكشف لهم السر أخيراً بعد أن شبعنا تهكماً وسخراً "قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون " .
أقول : ما دخل المسرح والنظارة وما دخل الضحك و السخرية في تفسير هذه الآيات الكريمات التي ساقها الله للاعتبار و الاتعاظ و الإزدجار؟
ما الداعي بالهبوط بكتاب الله في هذا التفسير العجيب ؟
إذا كان لسيد قطب هوايات يريد تطبيقها فليبحث عن مجالات يناسبها تطبيق هذه الهوايات في قصص وتمثيليات تناسب أخلاق النظارة الفارغين اللاهين .
وهذه المسرحية فيها كذب لأن سيد قطب ومن عاصره بعد قصة أصحاب الجنة بقرون كثيرة فكيف يصح قوله :"وظللنا نحن النظارة نضحك منهم وهم يشاهدون أصحاب الجنة وهذا شأن التمثيليات والمسرحيات .
هذه لغة القصاصين والروائيين الفارغين للمتسكعين في المسارح ودور السينما وليست لغة القرآن العربي الذي نزل لهداية البشر على أفضل الرسل عليهم الصلاة والسلام .
وفي ص(186) - تابع لعنوان الخصائص الفنية في القصة :
قال :" ومرة يكشف بعض السر للنظارة وهو خافٍ على البطل في موضع وخافٍ على النظارة وعن البطل في موضع آخر في القصة الواحدة ، مثال ذلك قصة عرش بلقيس الذي جيء به في غمضة وعرفنا نحن أنه بين يدي سليمان في حين أن بلقيس ظلت تجهل ما نعلم " فلما جاءت قيل أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو " فهذه مفاجأة عرفنا نحن سرها سلفاً ، ولكن مفاجأة الصرح الممرد من قوارير ظلت خافية علينا وعليها حتى فوجئنا بسرها معها حينما قيل لها ادخلي الصرح ، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها " .
هكذا يفسر كلام الجليل بالكذب وهذا ثمرة مرّة للتعلق بالفن والانفلات من العقيدة التي يعتبرها غلاً فما علاقة كلام الله بالتمثيليات التي يعد الكذب من أركانها ولا ينسجها إلا الكذابون . فهل كان سيد قطب من الحاضرين المشاهدين وهل علم بحضور العرش بين يدي سليمان قبل بلقيس ؟ ومن هم هؤلاء النظارة ؟ وهل هذا البطل رجل أو امرأة ؟ وهكذا إلى آخر هذه المهزلة التي يفسر بها سيد قطب كلام الله باسم الفن الذي يراه سيد قطب صنو الدين وهل هذا حقاٍ من الخصائص الفنية في القرآن ؟
وقال في ص ( 187 ) : " وثالثة الخصائص الفنية في عرض القصة : تلك الفجوات بين المشهد والمشهد التي يتركها تقسيم المشاهد و" قص " المناظر مما يؤديه في المسرح الحديث إنزال الستار وفي السينما الحديثة إنتقال الحلقة بحيث تترك بين كل مشهدين أو حلقتين فجوة يملؤها الخيال ويستمتع بإقامة القنطرة بين المشهد السابق والمشهد اللاحق ، وهذه طريقة متبعة في جميع القصص القرآني " .
ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم حاشا كتاب الله مما يلصقه به هذا الرجل ، أتفسر كتاب الله بهذه الفنون الفاسدة إنتاج ملاحدة الغرب ودعارها ؟
ثم واصل سيد قطب تفسير آيات الله الكريمة في صورة عرض مشاهد مسرحية فيها تارة يرفع الستار وتارة يسدله في عدد مما يسميه بالمشاهد في قصة يوسف ويقول :" إن فيها ثمانية وعشرين مشهداً "عرض بعضها والباقي تنطبق عليها قواعده الباطلة في نظره .
ثم قال : " وتسير قصة أهل الكهف ومريم وسليمان على النسق نفسه وسنعرضها بالتفصيل في الفقرة التالية " .
وساق قصة أهل الكهف في مشاهد يسدل فيها الستار ويرفعه ، وأشار إلى قصة أصحاب الجنة ومشهد إبراهيم وإسماعيل أمام الكعبة ونوح أمام الطوفان وكلها في نظره تجري على نسق واحد ، وهكذا يطبق سيد قطب فنون الجاهلية الغربية على القرآن العظيم تعالى وتقدّس منزِّله الذي قال في شأنه : [ لَّا يَأتِيهِ الباَطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلاَمِن خَلفِهِ تَنـزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ] [فصلت:42].
و في ص ( 195-199 ) ذكر قصة مريم في سورة مريم وقسمها إلى مشاهد أوهزات على طريقة المسرحيات فيها الفجوات والمفاجآت وإسدال الستار إلى أن قال في ص(199 ) :" ولولا أننا قد جربنا من قبل لو ثبتنا على أقدامنا فزعاً أو لسمرنا في مواضعنا دهشاً أو لفغرنا أفواهنا عجباً لكننا جربنا فلتفض أعيننا بالدمع من التأثر ، ولترتفع أكفنا بالتصفيق من الإعجاب وفي هذه اللحظة يسدل الستار والأعين تدمع للانتصار والأيدي تدوي بالتصفيق " .
هذه هي الخصائص الفنية التي حرمها من سبق سيد قطب من الصحابة والتابعين والمفسرين أجمعين وحظي باكتشافها وإدراكها سيد قطب ويعدها سيد قطب لا يتم الإبداع والإعجاز إلا بها .



6- إطلاق سيد قطب السحر على القرآن كرات ومرات



وقد مرَّ بنا أن ذلك لا يجوز كما لا يجوز أن يوصف بأنه شعر أو كهانة أو أساطير أو غير ذلك من الألفاظ القبيحة التي استخدمها الكفار للذم والتشويه للقرآن الكريم وتشويه سمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصد الناس عن الإيمان به واتبـاعه .
لقد أطلق سيد قطب هذا اللفظ المذموم الحقير عند كل الأمم أذكر بعضاً منها :
1- قال في ص (8) : "ولكن سحرها لا يزال وجاذبيتها لا تزال " يعني الصور التي يتخيلها في نصوص القرآن .
2- و في ص(11) قال معنوناً : " سحر القرآن " .
-3 / 4- سحر القرآن العرب ، وقال عن قصة عمر رضي الله عنه والوليد بن المغيرة " وكلتاهما تكشفان عن هذا السحر " .
5- وفي ص ( 11 ) عن مدى هذا السحر القاهر الذي استوى في الإقرار به المؤمنون والكافرون "
6- وفي ص ( 13 ) ، قال : " ولكن هذه العوامل لا تنفي أنه كان لسحر القرآن" .
7 ، 8 ، 9 ، 10 – في ص ( 14 ) قال : " سحر يؤثر " فهو يعلل إيمانه بهذا السحر وإنها لأدل على سحر القرآن للعرب ، ومن هنا تلتقي قصة الكفر بقصة الإيمان في الإقرار لسحر القرآن ، ولا يقل عن هاتين القصتين في الدلالة على هذا السحر ما حكاه القرآن … عن قول بعض الكفار : "لا تسمعوا لهذا القرآن " .
11- قال معنوناً في ص ( 17 ) : " منبع هذا السحر ".
12- وفي ص ( 17 )"كيف اجتمع على الإقرار بسحره المؤمنون والكافرون ".

أقول : حاشا المؤمنين من الإقرار بأنه سحر وإنما آمنوا بأنه وحي من عند الله .
13 ، 14 – قال في ص ( 18 ) : " يجب أن نبحث عن منبع هذا السحر في القرآن " ، وقال :" وكان مع ذلك محتوياً على هذا النبع الأصيل الذي تذوقه العرب فقالوا : "إن هذا إلا سحرٌ يؤثر " ، ومعلوم أنهم ما قالوه مدحاً إنما قالوه ذماً منشؤه الحسد والكبر والعداوة ".
15 ، 16 ، 17 – قال في ص ( 19 ) : " فلننظر في هذه السور على سبيل المثال لنرى أي سحر كان فيها اضطرب له الوليد " ، " فأين هو السحر الذي تحدث عنه ابن المغيرة بعد التفكير والتقدير "، " لا بد إذن أن السحر الذي عناه كان كامناً في مظهر آخر غير التشريع ومعلوم أن الوليد ما قال :( إن هذا إلا سحر يؤثر ) إلا خبثاً منه وتشويهاً للقرآن وتنفيراً منه ولهذا ذمه الله أشد الذم وتوعد بأنه سيصليه سقر " .
18 – في ص ( 24 ) : " فلننظر في هذه السور بالإجمال – لنرى – أي سحر كان فيها استأثر بالسابقين الأولين الذين تابعوا محمد حتى قبل أن يعتز الإسلام بعمر " .
19 ، 20 ، 21 ، 22 – ص ( 25 ) : قال عن العرب المعاصرين لنزول القرآن : " إنهم سموه تارة شعراً وسموه تارة سحراً " ، ثم قال : " لقد تلقوه مسحورين يستوي في ذلك المؤمنون والكافرون . هؤلاء يسحرون فيؤمنون ، وهؤلاء يسحرون فيهربون ، ثم يتحدث هؤلاء وهؤلاء عما مسهم منه فإذا هو حديث غامض لا يعطيك أكثر من صورة المسحور المبهور الذي لا يعلم موضع السحر " .
وانظر إليه كيف يستخدم لفظ المس الذي يصاب به من به مس من الجن أو السحر . قد تقول : إن سيداً إنما يقصد تأثير القرآن .
أقول : نعم لكن أما كان يسعه أن يستخدم لفظ التأثير وقوة التأثير مثلاً ؟ بلى ولكن سيداً قد صرح بأنه لم يخضع في عمله هذا لعقيدة دينية تغل فكره عن الفهم .

وقال في ص (25) : " وإننا لنستطيع أن ندع – مؤقتاً – قداسة القرآن الدينية " .
فهذا هو السر في إطلاق السحر على القرآن وإطلاق المسرح والسينما والموسيقى وغيرها مما لا يليق إطلاقه على كلام من يحترم نفسه وكلامه من البشر فكيف بكلام الأنبياء فكيف بكلام الله عز وجل .
يرى سيد قطب في ( التصوير الفني ) ص(25) أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل في فهم القرآن بما فيهم الصحابة والمفسرون وعلماء البلاغة وغيرهم فقال : " كيف فهم القرآن لا نستطيع أن نجد في حديث الغرب المعاصرين لنزول القرآن صورة معينة لهذا الجمال الفني الذي سموه تارة شعراً وتارة سحراً وإن استطعنا أن نلمح فيه صورة لما مسهم منه من تأثير لقد تلقوه مسحورين يستوي في ذلك المؤمنون والكافرون ، هؤلاء يسحرون فيؤمنون وهؤلاء يسحرون فيهربون ثمَّ يتحدث هؤلاء وهؤلاء بما مسهم منه ، فإذا هو حديث غامض لا يعطيك أكثر من صورة المسحور المبهور الذي لا يعلم موضع السحر فيما يسمع من هذا النظم العجيب ، وإن كان ليحس منه في أعماقه هذا التأثير الغريب .
فهذا عمر بن الخطاب يقول في رواية : " فلما سمعت القرآن رقَّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام " ويقال عنه في رواية أنه قال : " ما أحسن هذا الكلام وأكرمه " ، ثم ساق قصة الوليد بن المغيرة فقال وهو كافر بمحمد وبالقرآن لا يتهم بحبه وموالاته : " والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليحطم ما تحته وإنه يعلو وما يعلى عليه ، ثم يقول : ما هو إلا سحر يؤثر " " .

التعليق :
أولاً – لا يجوز إطلاق السحر على القرآن ولا على تأثيره في العقول والنفوس .
ثانياً – تصوير فهم العرب ومنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أبرزهم عمر بن الخطاب بأن حديثهم عن تأثير القرآن في نفوسهم حديث غامض .
وإن حديثهم عن هذا التأثير – الذي يصفه سيد قطب بالسحر – حديث من لا يعلم موضع التأثير – الذي يسميه بالسحر من الجرأة بمكان لا سيما وفي القوم عمر بن الخطاب المحدَّث الذي كان ينزل القرآن بموافقاته وتأييد نظراته العميقة ، عمر الذي شهدله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأري الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ، قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : العلم " رواه البخاري في كتاب العلم رقم ( 82 ) ، ومسلم في العلم رقم ( 2671 ) ، وقال في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) .
ماذا يرى سيد قطب في علمهم وفهمهم ؟
إنه يرى وياللداهية إن حديثهم عن تأثير القرآن غامض وأنهم لا يعلمون موضع التأثير فيما يسمعون من هذا النظم العجيب والقرآن نزل بلغتهم ويعرفون مقاصده ومراميه أكثر من غيرهم ويدركون بلاغته وإعجازه إلى درجة لا يلحقهم فيها فحول أئمة اللغة والعلم في كل الفنون يعترف بهذا أمثال الشافعي والأصمعي وأبي عبيد القاسم بن سلام بل وكل المسلمين .
ويأتي سيد فيقول في علمهم وإدراكهم ما قال ويرى نفسه أنه قد أوتي مالم يؤتوا و علم مالم يعلموا و والله لوكان علماً صحيحاً نافعاً لسبقه إليه أدناهم فضلاً عن أعلاهم و لكن ليس عند سيد قطب إلا إخضاع النصوص لفنه الباطل المأخوذ عن أوربا من مسرحيات و تمثليات و سينما و موسيقى و إيقاعات وو…الخ . مع الأسف الشديد .
و نزه الله الإسلام و القرآن مما يلصقه بهما سيد قطب .و نزه الله عقول الصحابة و أخلاقهم و ديانتهم أن يفهموا من كتاب الله العظيم ما فهمه سيد قطب و إنما هي إيحاءات و خيالات شيطانيه.



الكفار لا يقصدون من إطلاق السحر على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن إلا الذم و التشويه .


قال تعالى : [ ص، وَالقُرءَانِ ذِى الذِّكرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى عِزَةٍ وَشِقَاقٍ ، كَم أَهلَكنَا مِن قَبلِهِم مِّن قَرنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَعَجِبُوا اَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُم وَقَالَ الكاَفِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ، أَجَعَلَ الأَلِهَةَ إِلاَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَىءٌ عُجَابٌ، وَانطَلَقَ المَلأُ مِنهُم أَنِ امشُوا وَاصبِرُوا على ءَالِهَتِكُم إِنَّ هَذَا لَشَىءٌ يُرَادُ، مَا سَمِعنَا بِهَذَا فِى المِلَّةِ الأَخِرَةِ إِن هَذَا~إِلاَّ اختِلاَقٌ، أَءُنزِلَ عَلَيهِ الذِكرُ مِن بَينِنَا بَل هُم فى شَكٍ مَّن ذِكرِى بَل لَّمَّا يَذُوقوا عَذَابِ] [ص1-8]، فهذه مقاومة و حرب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و على القرآن الكريم فهم في عزه و شقاق و كفر و عناد و لا يريدون بإطلاق السحر و الكذب على رسول الله إلا تشويهه و صد الناس عن اتباعه و منشأ هذه الحرب التكذيب و الشك فيما أنزل إليه صلى الله عليه و سلم . قال تعالى : [ اقتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُم فِى غَفلَةٍ مُعرِضُونَ ،مَا يَأتِيهِم مِّن ذِكرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحدَثٍ إِلَّا استَمَعُوهُ وَهُم يَلعَبُونَ، لاَهِيَةً قُلُوبُهُم وَأَسَرُّوا النَّجوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَل هَذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثلُكُم أَفَتَأتُونَ السِّحرَ وَأَنتُم تُبصِرُون، قَالَ رَبِّى يَعلَمُ القَولَ فِى السَّمَآءِ وَالأَرضِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، بَل قَالُوآ أَضغَاثُ أَحلاَمٍ بَلِ افتَرَاهُ بَل هُوَ شَاعِرٌ فَليَأتِنَا بِأَيَةٍ كَمَا أُرسِلَ الأَوَّلُونَ] [الأنبياء:1-5] .
فهم في غفلة وإعراض وأهل قلوب لاهية واستماعهم للقرآن استماع اللاعبين وأهل مكر وكيد وظلم في حربهم للرسول صلى الله عليه وسلم وللقرآن فهم لا يألون جهداً في تشويه الرسول صلى الله عليه وسلم وتشويه القرآن ولا في الصد عن الإسلام فالرسول في نظرهم بشر يستحيل أن يرسله الله وهذا حاله وما أنزل إليه سحر وأضغاث أحلام افتراه محمد بل هو شاعر والقرآن شعر وسحر وهذا منهم نهاية الخبث والتكذيب والتشويه .
قال تعالى :[وَمَا تَأتِيهِم مِّن ءَايَةٍ من ءَايَاتِ رَبِهِم إِلاَّ كَانُوا عَنهَا مُعرِضِينَ، فَقَد كَذَّبُوا بِالحَقِ لَمَّا جَآءَهُم فَسَوفَ يَأتِيهِم أَنبَآؤُا مَا كَانُوا بِهِ يَستَهزِءُونَ][الأنعام:4-5] ، ويرد الله عليهم بالتهديد بالإهلاك على تكذيبهم ومواقفهم المشينة ، ثم قال تعالى في هذا السياق مبيناً عنادهم وعتوهم والإيغال في هذا العناد والعتو والتكذيب :
قال تعالى : [وَلَو نَزَّلنَا عَلَيكَ كِتَاباً فِى قِرطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيدِيهِم لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن هَذَآ إِلاَّ سِحرٌ مُّبِينٌ، وَقَالُوا لَولآَ أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ وَلَو أَنزَلنَا مَلَكاً لَّقُضِىَ الأَمرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ، وَلَو جَعَلنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلنَاهُ رَجُلاً ولَلَبَسنَا عَلَيهِم مَّا يَلبِسُونَ، وَلَقَدِ استُهزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَستَهزِءُون][الأنعام:7-10] ،فهم في حربهم يستخدمون أقوى ما عندهم من الأسلحة في مقاومة الرسول والحق فلا شيء عندهم أقبح من السحر قبحهم الله ولا يصرفون الناس عنه إلا بهذا الأسلوب المقرون بالسخرية والاستهزاء مبالغة في التشويه وإمعاناً في صد الناس على الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن كحال من قبلهم من أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام بل هم أشد في حرب هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وأشد مقاومة .
قال تعالى : [فَذَكِّر فَمَآ أَنتَ بِنِعمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجنُونٍ، أَم يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيبَ المَنُونِ، قُل تَرَبَّصُوا فَإِنِّى مَعَكُم مِّنَ المُتَرَبِصِينَ، أَم تَأمُرُهُم أَحلاَمُهُم بِهَذَآ أَم هُم قَومٌ طَاغُونَ، أَم يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَ يُؤمِنُونَ، فَليَأتُوا بِحَدِيثٍ مِثلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ][الطور:29-34] ، فهم يصفون الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن بأخبث الأوصاف المتعارف عليها عندهم مبالغة في التشويه والتنفير فالرسول صلى الله عليه وسلم كاهن ومجنون وما جاء به كهانة بل جنون وهو شاعر ولا يقصد بذلك إلا الطعن والتشويه ، ومتقول على الله فالذي جاء به تقول وكذب ومصدر ذلك ومنشؤه إنما هو الكفر والطغيان .
وإذا كان هذا هو واقع الكفار المكذبين وهذه هي مقاصدهم الدنيئة فلا يجوز أن يقال في القرآن إنه سحر كما لا يجوز أن يقال إنه شعر وكما لا يجوز أن يقال إنه كهانة كما لا يجوز أن يقال إن الرسول ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون أو كذاب ، فإطلاق السحر على القرآن والرسول في التحريم والمنع كتحريم إطلاق الكذب والكهانة والشعر والجنون وسائر الأوصاف التي أطلقها الكفار على الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم تكذيباً واستهزاءً وسخرية وتشويهاً وتنفيراً .
فمن يقول إن الكفار إنما كانوا يطلقون السحر على القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم لغير هذه المقاصد التي نص عليها القرآن ولغير البواعث التي نص عليها القرآن فإنما هو مجازف متهور مصادم للقرآن الكريم المنزل من العليم الخبير بأقوال هؤلاء الكافرين المكذبين . قل أأنتم أعلم أم الله ؟ .