قال هذا الأخير :
نعم السؤال عن جنس العمل وحكم ترك جنس العمل هو من الأسئلة المُحدَثة وأرى أن تنزيل الحكم على هذه الألفاظ المجملة أنه يُسبب الخطأ في فهم المسالة؛ لأن العمل ليس على درجة واحدة حتى إن بعض الناس قد يُنَزِّل العمل ويريد به عمل القلب وعمل الجوارح، فالعمل هناك عمل للقلب وهناك عمل للجوارح، ولهذا الواجب هو التفصيل في هذه المسالة، فإذا كان عمل القلب، معروف أن ترك شيء من الاعتقاد كفر، فمن ترك اعتقاد شيء مما دلت النصوص على وجوب اعتقاده كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات وما جاء في الكتاب والسنة من الأخبار عن الأمور الغيبية فهذا يجب اعتقاد ذلك ومن كذب بشيء من ذلك وترك اعتقاد ما دلت عليه النصوص، فإنه كافر.
وأما العمل وهو عمل الجوارح فهو يتفاوت ولهذا لا يصلح أن يُنَزل حكم واحد على الأعمال وإنما ينظر في العمل فترك الصلاة ليس كترك غيرها وهناك من الأعمال ما هي مقاربة لترك الصلاة؛ كالمباني الثلاث بعدها والمقصود أن ترك جنس العمل كما يطلقه من يطلقه ويريد به ترك العمل بالكلية، أولاً هذه المسألة غير متصورة في أن يكون مسلم ليس له عمل، لا يصلي، ولا يؤدي شيء من العبادات؛ بل إنه لا يمكن أن يقوم به عمل فهذا غير متصور ولو لم يكن له إلا أن يكون له أولاد ينفق عليهم أو أنه حتى يلقى الرجل فيبش في وجهه أو يدله على الطريق؛ بل يصل الأمر إلى أن مسألة ترك العمل بالكلية يصعب حتى لو تعمد شخص تركها أن يكون تاركاً لها حتى في قضاء الوطر والشهوة إذا كان يريد به الرجل إحصان نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وفي بضع أحدكم صدقه ) فهذا غير متصور من ناحية عملية محسوسة، وأما من حيث التنظير؛ فإنه قد ينظر في هذه المسألة فيقال إن تارك جنس العمل أول ما ينظر في ترك جنس العمل، العمل بالكلية، المباني الخمسة فإذا ترك الشهادتين؛ فإن هذا كافر بإجماع المسلمين وإذا ترك الصلاة وهناك اختلاف بين أهل العلم كذلك المباني بعدها، وبهذا يتبين أنا لا نحتاج أن ننظر في الأعمال بعد المباني الأربعة فإذا كان تارك جنس العمل معلوم أنه تارك للصلاة فبعض أهل السنة يكفره بهذا فهو لا يحتاج بعد ذلك أن ينظر في ما بعد الصلاة؛ لأنه كافر بترك الصلاة وإذا كان الناظر في هذه المسالة لا يكفر بترك الصلاة، فإنه لا يمكن أن يكفر بترك غيرها من الأعمال وعلى هذا يتبين أن البحث في هذه المسالة أن ليس له ثمرة؛ لأن تارك جنس العمل تارك للأركان، لأركان الإسلام والعلماء مختلفون فمن كفره بشيء من هذه الأعمال فهو لا يحتاج أن ينظر فيما بعدها من الأعمال ومن لم يكفر بالمباني الأربعة وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج فإنه لا يمكن أن يكفر بترك غيرها من الواجبات الأخرى؛ فإن أهل السنة متفقون على أن الرجل لا يكفر بترك شيء من الواجبات بعد الأركان الخمسة إذا كان يعتقد وجوب ذلك المتروك، وكذلك لا يكفرون بفعل شيء من المعاصي إذا كان يعتقد تحريم تلك المعصية، إذاً لا يكفرون بترك الواجبات ولا بفعل المحرمات إذا كان يعتقد وجوب الواجبات وتحريم المحرمات، هذه هي المسألة وهذا هو كلام أهل العلم فيها، وأما أن يقال أنه إذا ترك شيء من العمل إذا ترك العمل بالكلية، فإنه كافر وإذا أتى بشيء من العمل، فإنه يكون مسلمًا بهذا الشيء الذي أتى به ولو كان من جنس المستحبات فهذا ما أعلم أن أحداً من العلماء المتقدمين قال به وطرد هذه المسألة لو قلنا أن جنس العمل يكفي في تحقيق أصل الإيمان فكذلك قد يقال ترك جنس الاعتقاد إذا أتى به يحصل له الإيمان بهذا الجنس، وكذلك القول فيقال من قال سبحان الله فهو مسلم ولو لم ينطق بالشهادتين، ومن اعتقد وجود الجنة والنار فهو مسلم ولو كذب بالمسائل الأخرى الاعتقادية، المقصود أن هذه مسالة والبحث فيها لا طائل تحته وإنما يرجع في الترك في نوع هذا المتروك وفي حكمه، وبهذا يتبن أن البحث في هذه المسألة ليس له ثمرة، وإنما قد يثير خلافاً بين أهل السنة؛ لأن بعض الناس ينـزل حكمًا على نوع يتصوره والآخر ينـزل حكمًا على نوع آخر، وبهذا يوجد الاختلاف بين أهل العلم في مسالة لا اختلاف بينهم فيها، فترك هذه المسالة هو الواجب وهو الذي ينبغي أن يمسك عنه ويرجع إلى المسائل، فإذا سأل السائل عن العمل بينّا حكم تركه، وأما أن ينزل حكم عام هكذا على ما يسمى بجنس العمل؛ فإن هذه المسالة من الألفاظ المجملة التي قد تحدث خلافاً بين أهل السنة وهم في غنى عن ذلك.انتهى

[منقول]