كــــــــــتاب المناســـــــــــك

الحَجُّ و العُمْرَةُ وَاجِبَانِ



المناسك:- جمع منسك ، و الأصل : أن المنسك مكان العبادة أو زمانها ، و يطلق على التعبد ، فهو على هذا يكون مصدراً ميمياً بمعنى التعبد ، قال الله تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } ( 34 ) سورة الحج . أي متعبداً يتعبدون فيه ، و أكثر إطلاق المنسك ، أو النسك على الذبيحة . قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) سورة الأنعام ، و الفقهاء رحمهم الله جعلوا المنسك ما يتعلق بالحج و العمرة ؛ لأن فيهما الهدي و الفدية ، و هما من النسك الذي بمعنى الذبح .

قوله : (( الحج و العمرة واجبان ))

(( الحج )) مبتدأ و (( العمرة )) معطوف عليه و (( واجبان )) خير المبتدأ .

و الحج واجب و فرض بالكتاب ، و السنة ، و إجماع المسلمين ، و منزلته من الدين أنه أحد أركان لاإسلام .

و هو في اللغة : القصد .

و في الشرع : التعبد لله عز وجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم .

و قول بعض الفقهاء في تعريفه : قصد مكة لعمل مخصوص ، لا شك أنه قاصر ؛ لأن الحج أخص مما قالوا ؛ لأننا لو أخذنا بظاهرة لشمل من قصد مكة للتجارة مثلاً ، و لكن الأولى أن نذكر في كل تعريف للعبادة : التعبد لله عز وجل ، فالصلاة لا نقول إنها : أفعال و أقوال معلومة فقط ، بل نقول : هي التعبد لله بأقوال و أفعال معلومة ، و كذلك الزكاة ، و كذلك الصيام .

و العمرة في اللغة : الزيارة .

و في الشرع : التعبد لله بالطواف بالبيت ، و بالصفا و المروة ، و الحلق أو التقصير .

و قوله : (( واجبان )) :

أي : كل منهما واجب . و لكن ليس وجوب العمرة كوجوب الحج ، لا في الآكدية ، ولا في العموم و الشمول .

أما الآكدية : فإن الحج ركن من أركان الإسلام ، و فرض بإجماع المسلمين . و أما العمرة فليست ركناً من أركان الإسلام ، و لا فرضاً بإجماع المسلمين .

و أما العموم و الشمول : فإن كثيراً من أهل العلم يقولون : إن العمرة لا تجب على أهل مكة ، و هذا نص عليه الإمام أحمد رحمه الله .

و اختلف العلماء في العمرة ، هل هي واجبة أم سنة ؟

و الذي يظهر : أنها واجبة ؛ لأن أصح حديث يحكم في النزاع في هذه المسألة هو حديث عائشة رضي الله عنها : حين قالت للنبي صلى الله عليه و سلم ، هل على النساء جهاد ؟ قال : (( نعم . عليهن جهاد لا قتال فيه الحج و العمرة .

فقوله : (( عليهن )) ظاهر في الوجوب ؛ لأن (( على )) من صيغ الوجوب ، كما ذكر ذلك أهل أصول الفقه .

و هل هي واجبة على المكـــي ؟

في هذا خلاف في مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، و الإمام أحمد نص على أنها غير واجبة على المكي ، و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل إن شيخ الإسلام يرى أن أهل مكة لا تشرع لهم العمرة مطلقاً . و أن خروج الإنسان من مكة ليعتمر ليس مشروعاً أصلاً ، و لكن في القلب من هذا شيء ، لأن الأصل أن دلالات الكتاب و السنة عامة ، تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض الأفراد من الحكم العام .

و استدل بعض العلماء على وجوب العمرة : بقوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} (196) سورة البقرة . فهل يسلم لهم هذا الاستدلال ؟ الجواب : لا يسلم لهم ؛ لأن هناك فرقاً بين الإتمام و بين الابتداء ، فالآية تدل على وجوب الإتمام لمن شرع فيهما ، و لهذا نزلت في الحديبية قبل أن يفرض الحج ، و الحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة ، و الحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة ، و لهذا لو شرع الإنسان في الحج أو العمرة في كل سنة قلنـــا : يجب عليك أن تتم ، أما ابتداءً فلا يلزم الحج إلا مرةً واحدة .

قوله : (( على المسلم )) العبادات لا تجب إلا على المسلم ؛ لأن كل عبادة لا تصح من كافر ؛ لقول الله تعالى { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ} (54) سورة التوبة . فالإسلام شرط لكل عبادة . و إذا قلنا : إنها غير واجبة على الكافر ، فلا يعني ذلك أنه لا يعاقب عليها ؛ و لكنه لا يؤمر بها حال كفره ، و لا بقضائها بعد إسلامه ، فعندنا ثلاثة أشياء :
1- الأمر بأدائها . 2- الأمر بالقضاء . 3- الإثم .

فالأمر بالأداء لا نوجهه إلى الكافر ، و الأمر بالقضاء إذا أسلم كذلك لا نوجهه إليه ، و الإثم ثابت يعاقب عليها ، و على سائر فروع الإسلام .

* * *

يتبع بحول الله