السُّنَّة في زيارة مسجد وقبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم!

(وإذا دخل المدينة قبل الحج أو بعده؛ فإنه يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام، ولا تُشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، وهو مروي من طرق أخر.
ومسجده كان أصغر مما هو اليوم، وكذلك المسجد الحرام، لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام.
ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ فإنه قد قال: ((ما من رجل يسلم عليَّ؛ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام))(1). رواه أبو داود وغيره، وكان عبدالله بن عمر يقول إذا دخل المسجد: ((السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت. ثم ينصرف))(2)، وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه، ويسلمون عليه مستقبلي الحجرة مستدبري القبلة عند أكثر العلماء؛ كمالك، والشافعي، وأحمد. وأبو حنيفة قال: يستقبل القبلة. فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة، ومنهم من قال: يجعلها عن يساره. واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة، ولا يقبلها، ولا يطوف بها، ولا يصلي إليها، وإذا قال في سلامه: السلام عليك يا رسول الله، يا نبي الله، يا خيرة الله من خلقه، يا أكرم الخلق على ربه، يا إمام المتقين؛ فهذا كله من صفاته - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم-، وكذلك إذا صلى عليه مع السلام عليه؛ فهذا مما أمر الله به.
ولا يدعو هناك مستقبل الحجرة؛ فإن هذا كله منهيٌّ عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك، والحكاية المروية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل الحجرة وقت الدعاء كذب على مالك، ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه؛ فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه، ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد))(3)، وقال: ((لا تجعلوا قبري عيداً، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني))(4)، وقال: ((أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة علي)). فقالوا: كيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرمت (أي: بليت)؟! قال: ((إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))(5). فأخبر أنه يسمع الصلاة والسلام من القريب وأنه يُبَلَّغ ذلك من البعيد، وقال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما فعلوا. قالت عائشة: ولولا ذلك؛ لأبرز قبرُه، ولكنه كره أن يُتَّخذ مسجداً))(6) أخرجاه في ((الصحيحين)))*.


.................................................. .......

(1) رواه أبو داود في (المناسك، باب زيارة القبور، 2041)، وأحمد في ((المسند)) (2 / 527)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: ((صحيح الجامع)) (5679).
(2) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11749)، والبيهقي في ((السنن)) (5 / 245)؛ عن نافع، عن ابن عمر، به.
(3) رواه مالك في (النداء للصلاة، باب جامع الصلاة، 416) مرسلاً، وأحمد في ((المسند)) بنحوه (2 / 246)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر:((غاية المرام)) (126).
(4) رواه أبو داود في (المناسك، باب زيارة القبور، 2042)، وأحمد في ((المسنـد)) (2 / 367)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظـر: ((صحيـح الجامـع)) (7226).
(5) رواه بنحوه النسائي في (الجمعة، باب إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة، 1374) وأبو داود في (الصلاة، باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة، 1047)؛ من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه. وانظر: ((صحيح الجامع)) (2212).
(6) رواه البخاري في (المغازي، باب مرض النبي ووفاته، 4441)، ومسلم في (المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، 823)؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.
* ((مجموع الفتاوى))لابن تيميـة ـ رحمه الله ـ (26 / 146 - 147).