إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسول، أما بعد :
فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حكم الرئيس العراقي صدام حسين فمن قائل بكفره ومن قائل بإسلامه لنطقه بالشهادة كما زعموا .
وإن كان بعض الأخوة جزاهم الله خيراًً قد بينوا في الشبكة الأثرية أشد البيان وعلى رأسهم شيخنا أبي عبدالرحمن الأثري حفظه الله تعالى إلا أني سمعت البعض يتشهد بحديث أسامة بن زيد عندما قتل المشرك فقال له رسول اله صلى الله عليه وسلم أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله، فوددت أن أبين عوار هذه الشبهة فأقول مستعينةً بالله عز وجل:
الحديث المشار إليه أخرجه مسلم في صحيحه (( أن أسامة بن زيد قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقال لا إله إلا الله وقتلته قال قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ )).
فقالوا ( أي من قال بإسلام صدام) إن في هذا الحديث دلالة واضحة على أن من قال لاإله إلا الله حكمنا بظاهره لا بباطنه ولهذا قال العلامة الخطابي رحمه الله في (معالم السنن2/234)
(( وفي قوله (هلا شققت عن قلبه) دليل على أن الحكم إنما يجري على الظاهر وأن السرائر موكولة إلى الله سبحانه)) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( الفتاوى 7/422) :
(( وكذلك الإيمان له مبدأ وكمال وظاهر وباطن فإذا علقت به الأحكام الدنيوية من الحقوق والحدود كحقن الدم والمال والمواريث والعقوبات الدنيوية علقت بظاهره ولا يمكن غير ذلك إذ تعيق ذلك بالباطن متعذر وإن قدر أحياناً فهو متعسر علماً وقدرة فلا يعلم ذلك علماً يثبت به في الظاهر ولا يمكن عقوبة من لم يعلم ذلك منه في الباطن )) انتهى .
قلت هذا الكلام صحيح ولكن قياسه على صدام حسين قياس مع الفارق وذلك لنقطتين سأذكرهما بعد أن أنقل فتوى سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى لأن فيها ما يعين على التبيين:
فقد سئل رحمه الله تعالى هل يجوز لعن حاكم العراق؟ لأن بعض الناس يقولون: إنه ما دام ينطق بالشهادتين نتوقف في لعنه، وهل يجزم بأنه كافر؟ وما رأي سماحتكم في رأي من يقول: بأنه كافر؟
فأجاب :
هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثية الإلحادية، ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو إليه، ذلك أن البعثية كفر وضلال، فما لم يعلن هذا فهو كافر، كما أن عبد الله بن أبي كافر وهو يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم-، ويقول: لا إله إلا الله ويشهد أن محمدا رسول الله وهو من أكفر الناس وما نفعه ذلك لكفره ونفاقه فالذين يقولون: لا إله إلا الله من أصحاب المعتقدات الكفرية كالبعثيين والشيوعيين وغيرهم ويصلون لمقاصد دنيوية، فهذا ما يخلصهم من كفرهم؛ لأنه نفاق منهم، ومعلوم عقاب المنافقين الشديد كما جاء في كتاب الله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[1]، وصدام بدعواه الإسلام ودعواه الجهاد أو قوله أنا مؤمن، كل هذا لا يغني عنه شيئا ولا يخرجه من النفاق، ولكي يعتبر من يدعي الإسلام مؤمنا حقيقيا فلا بد من التصريح بالتوبة مما كان يعتقده سابقا، ويؤكد هذا بالعمل، لقول الله تعالى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}[2]، فالتوبة الكلامية، والإصلاح الفعلي، لا بد معه من بيان، وإلا فلا يكون المدعي صادقا، فإذا كان صادقا في التوبة فليتبرأ من البعثية وليخرج من الكويت ويرد المظالم على أهلها، ويعلن توبته من البعثية وأن مبادئها كفر وضلال، وأن على البعثيين أن يرجعوا إلى الله، ويتوبوا إليه، ويعتنقوا الإسلام ويتمسكوا بمبادئه قولا وعملا ظاهرا وباطنا، ويستقيموا على دين الله، ويؤمنوا بالله ورسوله، ويؤمنوا بالآخرة إن كانوا صادقين.
أما البهرج والنفاق فلا يصلح عند الله ولا عند المؤمنين، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، ويقول جل وعلا: {ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ}[3]، هذه حال صدام وأشباهه ممن يعلن الإسلام نفاقا وخداعا وهو يذيق المسلمين أنواع الأذى والظلم ويقيم على عقيدته الإلحادية البعثية.
المصدر :
من ضمن أجوبة سماحته رحمه الله على الأسئلة الموجهة له عام 1411هـ - 1991م، أيام غزو العراق للكويت-الفتاوى المجلد6
قلت:
أما النقطة الأولى: أنك تجد الشيخ ابن باز قد حكم بكفر صدام حتى ولو قال لا إله إلا الله ولو صلى لو صام، وكما لا يخفى أن صدام كان يقول لا إله إلا الله مع اعتزازه وانتمائه لحزب البعث، بينما المشرك الذي قتله أسامة بن زيد رضي الله قالها بعد شرك ولا يمكن معرفة حقيقة قوله لكلمة التوحيد لأنه متعذر كما هو بيّن في كلام شيخ الإسلام رحمه الله كما سبق.
ففرق بين من كان يقول لا إله إلا الله ويأتي بما يضادها ويناقضها كالشرك والكفر وهو ما كان عليه صدام حسين طيلة عمره حتى أعدم على ذلك وبين الرجل الذي قتله أسامة بن زيد رضي الله عنه ظناً منه أنه قاله خوفاً من السلاح، ففي الحالة الأولى أمكن الحكم على ظاهر صدام حسين ولنا من الله تعالى برهان ، بينما في الحالة الثانية لا يمكن أن نحكم على الرجل الذي قتله أسامة بالكفر لعدم استطاعتنا معرفة باطنه بينما ظاهره الإسلام لقوله لا إله إلا الله .
النقطة الثانية: أن صدام حسين لم يرجع غيه وحزبه ولم يتبرأ منه سواء كان حاكماً أو بعد أن ألقي القبض عليه حتى نفذ فيه حكم الإعدام مع إمكانية ذلك كما هو معلوم ولو كان تائباً حقاً لبين ذلك كما قال تعالى. ((إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)) البقرة160
بينما ذاك الرجل قد قتله أسامة بن زيد رضي الله عنه قبل أن يستطيع تبيين حقيقة إسلامه ولهذا لم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم عذر اسامة رضي الله عنه في قتله .
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أم زيد السلفية