النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال/العلامة الوادعي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    \\\\\\\\\
    المشاركات
    2,713

    إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال/العلامة الوادعي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إيضاح المقال في أسباب الزلزال والرد على الملاحدة الضلال/ الشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي
    رحمه الله


    الحمد لله المعز لأوليائه، والمنتقم من أعدائه، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد وآله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
    أما بعد: فقد جرت سنة الله في خلقه أن جعل بعض خلقه لبعض فتنة فجعل منهم المؤمن والكافر، والغني والفقير، والعاقل والسفيه، فكان ذلك من أعظم الأسباب لاختلافهم، كما قال ربنا عز وجل في كتابه الكريم: {ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم} .
    وقد اختلفوا في الأفهام وفي العلم، وكان مما اختلف فيه أهل العلم وذوي الجهل والزيغ مسألة الزلزال، فأهل العلم قالوا عند أن حدث الزلزال بذمار: ماقررناه في الكتاب، وذوو الجهل والزيغ قالوا: إنه أمر طبيعي. من أجل ذلك ألقيت بعض الخطب ثم رأيت أن أخرجها في رسالة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة.
    إنّ القائلين بأنه أمر طبيعي يبطلون انتقام الله لأوليائه، قال سبحانه وتعالى في قوم صالح في سورة الأعراف: {فعقروا النّاقة وعتوا عن أمر ربّهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين * فأخذتْهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبّون النّاصحين} .
    وقال في قوم شعيب في سورة الأعراف: {وقال الملأ الّذين كفروا من قومه لئن اتّبعتم شعيبًا إنّكم إذاً لخاسرون * فأخذتْهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الّذين كذبوا شعيبًا كأن لم يغنوا فيها الّذين كذبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين * فتولّى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين} .
    وقال في سورة العنكبوت في قوم شعيب: {فكذبوه فأخذتْهم الرّجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين }.
    وقال تعالى في قوم موسى في سورة الأعراف: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلمّا أخذتْهم الرّجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلا فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين }.
    وقال سبحانه وتعالى في يوم القيامة: {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً }.
    وقال سبحانه تعالى: {يوم ترجف الرّاجفة }.
    وقال سبحانه وتعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها* وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدّث أخبارها * بأنّ ربّك أوحى لها * يومئذ يصدر النّاس أشتاتًا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره}.
    وقال سبحانه وتعالى في أول سورة الحج: {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد}.
    أبعد هذه الأدلة يجوز للمسلم أن يصغي إلى قول أولئك الملاحدة الذين يعترضون على قدرة الله وحكمته وعدله، آمنا بالله وكفرنا بقول الملاحدة وأذنابهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}.
    {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرًا ونساءً واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا}.
    {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}.
    أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وما أرسلنا في قرية من نبيّ إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون * ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون * ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون * أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون }.
    وقال سبحانه وتعالى: {وكذلك أخْذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخْذه أليم شديد }.
    وفي "الصحيحين" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ الله ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلتْه)) قال: ثمّ قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد}.
    وقال سبحانه وتعالى: {وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذّبوها عذابًا شديدًا كان ذلك في الكتاب مسطورًا * وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أنْ كذب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} .
    وقال سبحانه وتعالى: {ربّكم الّذي يزجي لكم الفلك في البحْر لتبتغوا من فضله إنّه كان بكم رحيمًا * وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلاّ إيّاه فلمّا نجّاكم إلى البرّ أعرضتم وكان الإنسان كفورًا * أفأمنتم أن يخْسف بكم جانب البرّ أو يرسل عليكم حاصبًا ثمّ لا تجدوا لكم وكيلاً * أمْ أمنتم أن يعيدكم فيه تارةً أخرى فيرسل عليكم قاصفًا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثمّ لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا }.
    وقال سبحانه وتعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم وكانوا أشدّ منهم قوّة وما كان الله ليعجزه من شيء في السّموات ولا في الأرض إنّه كان عليمًا قديرًا * ولو يؤاخذ الله النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمًّى فإذا جاء أجلهم فإنّ الله كان بعباده بصيرًا} .
    وقال سبحانه وتعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرًا} .
    قص الله سبحانه وتعالى علينا في هؤلاء الآيات شأن المكذّبين بالرسل، وما فعل الله بهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
    وفي "الصحيحين" عن جابر رضي الله عنه قال: لمّا نزلت هذه الآية: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أعوذ بوجهك))، قال: {أو من تحت أرجلكم} قال: ((أعوذ بوجهك))، {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((هذا أهون أو هذا أيسر)).
    ولا تزال العبر تتجدّد وتحدث منذ خلق الله سبحانه وتعالى الأرض إلى زمننا هذا.
    وفي هؤلاء الآيات التهديد الأكيد، والوعيد الشديد لمن أعرض عن ما جاء به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
    ونحن لا نزال كما قلنا قبل نرى العبر، ونسمع الآيات، ونسمع الحوادث التي تزعج المسلمين، ولكن أعداء الإسلام يجعلون الحوادث حوادث طبيعية من أجل أن يبطلوا آيات الأنبياء، وأن يبطلوا انتقام الله لأنبيائه.
    يقول الله سبحانه وتعالى: {إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذ قال له قومه لا تفرحْ إنّ الله لا يحبّ الفرحين * وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدّنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ الله لا يحبّ المفسدين * قال إنّما أوتيته على علم عندي أولمْ يعلم أنّ الله قد أهْلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّة وأكثر جمعًا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون * فخرج على قومه في زينته قال الّذين يريدون الحياة الدّنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم * وقال الّذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا ولا يلقّاها إلا الصّابرون * فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين * وأصبح الّذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويْكأنّ الله يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن منّ الله علينا لخسف بنا ويْكأنّه لا يفلح الكافرون }.
    وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله عزّ وجلّ أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكًا فأتى الأبرص فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب عنه، فأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا، فقال: أيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الإبل أو قال: البقر -هو شكّ في ذلك إنّ الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل وقال الآخر: البقر- فأعطي ناقةً عشراء فقال: يبارك لك فيها، وأتى الأقرع فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عنّي هذا، قد قذرني النّاس. قال: فمسحه فذهب وأعطي شعرًا حسنًا. قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: البقر، قال: فأعطاه بقرة حاملاً، وقال: يبارك لك فيها، وأتى الأعمى فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: يردّ الله إليّ بصري، فأبصر به النّاس. قال: فمسحه فردّ الله إليه بصره، قال: فأيّ المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأعطاه شاة والدًا، فأنتج هذان، وولّد هذا، فكان لهذا واد من إبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من غنم، ثمّ إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين تقطّعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثمّ بك، أسألك بالّذي أعطاك اللّون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرًا أتبلّغ عليه في سفري. فقال له: إنّ الحقوق كثيرة، فقال له: كأنّي أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك النّاس فقيرًا، فأعطاك الله! فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبًا فصيّرك الله إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، فردّ عليه مثل ما ردّ عليه هذا. فقال: إن كنت كاذبًا فصيّرك الله إلى ما كنت، وأتى الأعمى في صورته: فقال رجل مسكين وابن سبيل، وتقطّعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثمّ بك، أسألك بالّذي ردّ عليك بصرك شاةً أتبلّغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردّ الله بصري، وفقيرًا فقد أغناني، فخذ ما شئت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنّما ابتليتم، فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك)).
    ويقول الله سبحانه وتعالى: {ياأيّها النّاس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز }.
    ورب العزة عند أن ذكر في سورة (اقتربت الساعة) الأنبياء وتكذيب أممهم وما فعل الله بهم من الدّمار، قال: { أكفّاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزّبر }.
    ونحن نستطيع أن نقول للشيوعيّين وللبعثيّين وللناصريّين، وللحداثيّين وللعلمانيّين: أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر؟!.
    ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا ومنهم من أخذته الصّيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }.
    ونحن في بلدنا، وفي يمننا لم تنته بعد فجيعة الزّلزال وضحايا الزّلزال بذمار ، ثم في هذه الأيام الزّلزال بالعدين .
    إن المنكرات الموجودة بالعدين هي موجودة بصعدة.
    وإن المنكرات الموجودة بالعدين هي المنكرات الموجودة بصنعاء.
    وإن المنكرات الموجودة بالعدين هي المنكرات الموجودة بعدن، وبحضرموت، وبغيرها من البلاد، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل لنا عبرةً في بلد إخواننا العدينيّين.
    وكثرة الزلازل في آخر الزّمان، تعتبر علمًا من أعلام النبوة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث سلمة بن نفيل رضي الله عنه .
    والشأن كل الشأن: هل اعتبرنا؟ وهل رجعنا إلى الله؟ أم صرنا كما يقول ربنا عز وجل: {أولا يرون أنّهم يفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكّرون }.
    فهل أنكر اليمنيون (مصنع الخمر)؟ وهل تبرّؤا من الحزبيّة؟ وهل تبرّؤا من الديمقراطية؟ وهل تبرّؤا من الفساد الموجود بين أظهرهم؟ بل هل تبرّؤا من الوحدة مع الشيوعيّين؟ فالأمر يحتاج إلى توبة، وإلى رجوع إلى الله عز وجل: {واتّقوا فتنةً لا تصيبنّ الّذين ظلموا منكم خاصّةً واعلموا أنّ الله شديد العقاب }.
    يقول بعض الملاحدة: لا تقل إن الزلزال بسبب الذنوب، فسيصير اليمنيون مذنبين ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }.
    ويقول سبحانه وتعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحبّ كلّ مختال فخور }.
    ويقول: { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤْمن بالله يهْد قلْبه والله بكلّ شيْء عليم }.
    والزّلزال قد يكون للابتلاء كما قال الله تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا استعينوا بالصّبر والصّلاة إنّ الله مع الصّابرين * ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }.
    فهل نحن معصومون من الخطأ؟ وهل ننزّل أنفسنا منْزلة الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟ بل المنكرات طافحة في المجتمع، وصدق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول كما في "صحيح البخاري" من حديث النعمان بن بشير: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها،كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الّذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لوأنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).
    فالمنكرات والفساد موجودان في البلاد اليمنية، كل يوم وهي تتجسّد، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد يقول بعض المنحرفين: فما ذنب الأطفال؟ نقول: لقد أخذوا بذنب آبائهم وأهليهم.
    ففي "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأوّلهم وآخرهم)) قالت: قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأوّلهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: ((يخسف بأوّلهم وآخرهم، ثمّ يبعثون على نيّاتهم)).
    وفي "الصحيح" أيضًا من حديث زينب بنت جحش أنّها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من نومه وهو محمرّ وجهه وهو يقول: ((لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)) وعقد بيديه عشرة قالت زينب: قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال:((إذا كثر الخبث)).
    ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون * وإذ قالتْ أمّة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلّهم يتّقون * فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين * وإذ تأذن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفور رحيم * وقطّعناهم في الأرض أممًا منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون} .
    فقد كثر الخبث: مصنع الخمر، والتبرّج والسفور، فالله أعلم ما سيحدث، دع عنك الخصام بين القبائل الذين لا يحكّمون كتاب الله، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    أما الذي يسند الأمور إلى الطبيعة ويقول: حوادث طبيعية، فإذا أراد أن الطبيعة هي المتصرفة فهو كافر.
    ففي "الصحيحين" عن زيد بن خالد الجهنيّ أنه قال: صلّى لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الصّبح بالحديبية على إثر سماء كانت من اللّيلة، فلمّا انصرف النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقبل على النّاس فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربّكمْ))؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأمّا من قال: بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)).
    وفي "الصحيحين" عن عائشة وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ الشّمس والقمر لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنّهما من آيات الله يخوّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتّى ينجليا)).
    ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {إنّ الله يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليمًا غفورًا} .
    فهل تستطيع أمريكا أن توقف الزّلزال، أو توقف الفيضانات المائيّة، أو تستطيع أن توقف المطر؟ بل لم تستطع في أهون من هذا، وهو علاج مرض ( الإيدز) وعلاج بعض الأمراض الحديثة.
    وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير.
    الرد على الملاحدة الذين يسندونالحوادث إلى الطبيعة
    قال الله سبحانه وتعالى: {إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار والفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس وما أنزل الله من السّماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دابّة وتصريف الرياح والسّحاب المسخّر بين السّماء والأرض لآيات لقوم يعقلون }.
    وقال سبحانه وتعالى: {إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآيات لأولي الألباب} .
    وقال سبحانه وتعالى: {إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتّك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلاً وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطّين كهيئة الطّير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرًا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبيّنات فقال الّذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين }.
    وقال تعالى: {وهو الّذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات والنّخل والزّرع مختلفًا أكله والزّيتون والرّمّان متشابهًا وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقّه يوم حصاده ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين }.
    وقال تعالى: {إنّ ربّكم الله الّذي خلق السّموات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين }.
    وقال تعالى: {وهو الّذي أنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به نبات كلّ شيء فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًّا متراكبًا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزّيتون والرّمّان مشتبهًا وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} .
    وقال تعالى: {وهو الّذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابًا ثقالاً سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون }.
    وقال تعالى: {الله الّذي رفع السّموات بغير عمد ترونها ثمّ استوى على العرش وسخّر الشّمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمًّى يدبر الأمر يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربكم توقنون * وهو الّذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنْهارًا ومن كلّ الثّمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي اللّيل النّهار إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون * وفي الأرض قطع متجاورات وجنّات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضّل بعضها على بعض في الأكل إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون} .
    وقال تعالى: {والله أنزل من السّماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها إنّ في ذلك لآيةً لقوم يسمعون * وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشّاربين * ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا إنّ في ذلك لآيةً لقوم يعقلون * وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتًا ومن الشّجر وممّا يعرشون * ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآيةً لقوم يتفكّرون }.
    وقال تعالى: {وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم اللّيل سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النّهار سرمدًا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم اللّيل والنّهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون }.
    وقال سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثمّ إذا أنتم بشر تنتشرون * ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمةً إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون * ومن آياته خلق السّموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين * ومن آياته منامكم باللّيل والنّهار وابتغاؤكم من فضله إنّ في ذلك لآيات لقوم يسمعون * ومن آياته يريكم البرق خوفًا وطمعًا وينزّل من السّماء ماءً فيحي به الأرض بعد موتها إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون} .
    وقال تعالى: {أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآيات أفلا يسمعون * أولم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعًا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون }.
    وقال تعالى: {والله خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ جعلكم أزواجًا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إنّ ذلك على الله يسير * وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كلّ تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حليةً تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون} .
    وقال تعالى: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبًّا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنّات من نخيل وأعناب وفجّرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون * سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها ممّا تنبت الأرض ومن أنفسهم وممّا لا يعلمون * وآية لهم اللّيل نسلخ منه النّهار فإذا هم مظلمون * والشّمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم * لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلّ في فلك يسبحون * وآية لهم أنّا حملنا ذريّتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون * وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمةً منّا ومتاعًا إلى حين} .
    وقال تعالى: {هو الّذي خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ يخرجكم طفلاً ثمّ لتبلغوا أشدّكم ثمّ لتكونوا شيوخًا ومنكم من يتوفّى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمًّى ولعلّكم تعقلون }.
    وقال تعالى: {ومن آياته أنّك ترى الأرض خاشعةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربتْ إنّ الّذي أحياها لمحيي الموتى إنّه على كلّ شيء قدير} .
    وقال تعالى: {إنّ في السّموات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبثّ من دابّة آيات لقوم يوقنون * واختلاف اللّيل والنّهار وما أنزل الله من السّماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون }.
    وقال تعالى: {الّذي خلق سبْع سموات طباقًا ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور * ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلبْ إليك البصر خاسئًا وهو حسير * ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وجعلناها رجومًا للشّياطين وأعتدنا لهم عذاب السّعير} .
    وقال تعالى: {إنّ الله يمْسك السّموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليمًا غفورًا }.
    وقال تعالى: { أولم يروا إلى الطّير فوقهم صافّات ويقْبضن ما يمسكهنّ إلا الرّحمن إنّه بكلّ شيء بصير }.
    وقال سبحانه وتعالى: { فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنّا صببنا الماء صبًّا * ثمّ شققنا الأرض شقًّا * فأنبتنا فيها حبًّا * وعنبًا وقضبًا * وزيتونًا ونخلاً * وحدائق غلبًا * وفاكهةً وأبًّا * متاعًا لكم ولأنعامكم } .
    إنك إذا تدبّرت هذه الآيات علمت أن الملاحدة ليسوا بعقلاء ولا بذوي سمع وبصر وفكر، ويقال للملاحدة الذين يسندون الأشياء إلى الطبيعة: هل هذه الطبيعة خالقة أم مخلوقه؟ قال الله سبحانه وتعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون }.
    لما كان العرب الذين نزل القرآن في عصرهم يفهمون الألفاظ العربية، قال جبير بن مطعم -وكان آنذاك مشركًا-: لما سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون}. قال: كاد قلبي أن يطير، وفي رواية: فوقع الإيمان في قلبي.
    أما هؤلاء فذاك أعجميّ، وذاك مخمور العقل، وذاك مخدّر بآلات الّلهو والطّرب، وذاك مخدّر بالفتيات الفاتنات، وذاك بليد، وذاك مشغول ببطنه، وصدق الله إذ يقول في وصفهم بأنّهم لا يعقلون ولا يسمعون ولا يهتدون ولا يتفكرون.
    إنه يقال لهم: مال هذه الطبيعة لا تخلق الآن جبالاً، ولا تخلق للناس زرعًا عند حاجتهم إليه؟ {كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذبًا }.
    أليس البعرة تدل على البعير؟ والأثر يدل على المسير؟ فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير؟! ونسألهم: هل تستطيع الطبيعة أن تعلم ما في صدر المخلوق؟ وهل تستجيب للدعاء؟ أما الله سبحانه وتعالى فإنه يخبر نبيّه ببعض ما في صدور عباده، كما في دلائل النبوة.
    والمسلم يدعو الله فيستجيب له ويرى الإجابة أمامه. فهل تستطيع الطبيعة أن تجيب الدعاء؟ وهل تستطيع الطبيعة أن تكثّر الماء القليل الذي هو قدر صاع حتى يروي ويتوضأ منه الخلق الكثير؟ وهل تستطيع الطبيعة أن تكثّر الطعام القليل الذي لا يكفي ثلاثة فيكفي الخلق الكثير، وقد أجْري هذا الخير الكثير وغيره على يدي نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ذكرناه في "الصحيح المسند من دلائل النبوة".
    هل تستطيع الطبيعة أن تخالف سنة الله أو أن تخلق إنسانًا لا ينام؟ هؤلاء الطبائعيون أشبه بالحمر.
    ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون }.
    فهم لو نظروا في تصرف الله فيهم، وفي قلوبهم وإرادتهم لما كابروا، فليأمروا الطبيعة أن تخلق لنا إنسانًا لا يبول ولا يتغوط !! أولست تريد أمرًا وتصمم عليه ويريد الله أمرًا غيره فتنصرف إلى ما يريده الله؟ وهذا أمر يحس به كل أحد منا، ولكن صدق الله إذ يقول: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} .
    العاقل تتوارد على قلبه الدلائل الإلهية حتى إنه لا يدري بأيّها يبدأ كما قيل:
    فيا عجبًا كيف يعصى الإله وفي كلّ شيء له آية أم كيف يجحده الجاحد تدلّ على أنه الواحد
    نحن نأسف لبعض الملاحدة المخذولين الذين منّ الله عليهم وجعلهم من ذوي اللسان العربي ثم لا يشكرون الله على هذه النعمة، ويتّبعون أناسًا كالأنعام بل هم أضل، ذاك كوبي، وذاك روسي، أعاجم لا يفهمون الإسلام على حقيقته ولا يفهمون قول الله ولا قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعل بعضهم لم يبلغه الإسلام على حقيقته.
    جدير بأبناء اليمن أن لا يودّعوا عقولهم لماركس ولينين ومن جرى مجراهم من أئمة الضلال، فأنتم أيها اليمنيون لكم مواقف طيّبة في الدفاع عن الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي الفتوحات الإسلامية، ثم بعد هذا تلحقون بأنفسكم الخزي وتحرمون نعيم الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
    أي خير تحرمونه أيها الملاحدة؟ وأي خطر تعرّضون له أنفسكم؟ إنّها النار التي وقودها الناس والحجارة، وهناك لا تنفع المكابرة ولا ينفعك ماركس ولينين، بل يكونان أمامك في النار أعاذنا الله وإياكم من عمى البصيرة، وثبّتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    والملاحدة الذين يقولون: حوادث طبيعية. ينكرون القيامة، كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا.
    قال الله سبحانه وتعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا * فيذرها قاعًا صفصفًا * لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا }.
    وقال سبحانه وتعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم * إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدّث أخبارها * بأنّ ربّك أوحى لها * يومئذ يصدر النّاس أشتاتًا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره}.
    وقال سبحانه وتعالى: {ياأيّها النّاس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمًّى ثمّ نخرجكم طفلاً ثمّ لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفّى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربتْ وأنبتت من كلّ زوج بهيج * ذلك بأنّ الله هو الحقّ وأنّه يحي الموتى وأنّه على كلّ شيء قدير * وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور * ومن النّاس من يجادل في الله بغير علم ولا هدًى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل الله له في الدّنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق }.
    وقال سبحانه وتعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثمّ جعلناه نطفةً في قرار مكين * ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين * ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون * ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون }.
    وقال سبحانه وتعالى: {أولم ير الإنسان أنّا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم * قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّة وهو بكلّ خلق عليم * الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون * أوليس الّذي خلق السّموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم * إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الّذي بيده ملكوت كلّ شيء وإليه ترجعون} .
    وقال سبحانه وتعالى:{ بسم الله الرحمن الرحيم * ق * والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافر ون هذا شيء عجيب * أئذا متنا وكنّا ترابًا ذلك رجع بعيد * قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ * بل كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فهم في أمر مريج * أفلم ينظروا إلى السّماء فوقهم كيف بنيناها وزيّنّاها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كلّ زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكلّ عبد منيب * ونزّلنا من السّماء ماءً مباركًا فأنبتنا به جنّات وحبّ الحصيد * والنّخل باسقات لها طلع نضيد * رزقًا للعباد وأحيينا به بلدةً ميتًا كذلك الخروج }.
    وقال سبحانه وتعالى: {وكانوا يقولون أئذا متنا وكنّا ترابًا وعظامًا أئنّا لمبعوثون * أو آباؤنا الأوّلون * قل إنّ الأوّلين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم * ثمّ إنّكم أيّها الضّالّون المكذّبون * لآكلون من شجر من زقّوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدّين * نحن خلقناكم فلولا تصدّقون * أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون * نحن قدّرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين * على أن نبدّل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون * ولقد علمتم النّشأة الأولى فلولا تذكّرون * أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزّارعون * لو نشاء لجعلناه حطامًا فظلتم تفكّهون * إنّا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الّذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون * أفرأيتم النّار الّتي تورون * أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون * نحن جعلناها تذكرة ومتاعًا للمقوين * فسبّح باسم ربّك العظيم }.
    وقال سبحانه وتعالى:{فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين }.
    وقال سبحانه وتعالى: { بسم الله الرحمن الرحيم * لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنّفس اللّوّامة * أيحسب الإنسان ألّن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوّي بنانه * بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسأل أيّان يوم القيامة * فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشّمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفرّ * كلا لاوزر * إلى ربّك يومئذ المستقرّ * ينبّأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر }.
    وقد سمّى الله القيامة بالحاقة، والواقعة، والطامة، والصاخة، والنبأ العظيم. ولو حصرتْ آيات البعث لكانت كتابًا مستقلاً، وما أحوج القارئ إلى تدبّرها من كتاب الله، وأما السّنة فقد ألّف الحافظ البيهقي كتابًا في البعث.
    فالمؤمن إذا آمن بالبعث وبالميزان والصراط والجنة والنار، وعلم أنه مسئول عن عمله؟ انكفّ عن المعاصي وأقبل على الطاعات، وأيضًا يصبر على المظالم إذا ظلم ويعلم أن تلك المظالم ستلقاه عند الله.
    أما الملاحدة فإنّهم ينكرون البعث لإشباع رغباتهم البهيمية، وأيضًا البعث يدعو إلى الإيمان بالله وهم لا يريدون أن يؤمنوا إلا بالإلحاد.
    قتلوا الأنفس البريئة المسلمة، وأخذوا أموال المسلمين ظلمًا وقهرًا، وهتكوا الأعراض، وأفسدوا البلاد والعباد، وهم أيضًا يزيّنون ذلك، وإذا عجزوا عن مقاومة قبيلة أرسلوا من يسمّم لهم المياه، فتنوا بحب السلطة الجائرة الظالمة، وغطّى الخمر على عقولهم عن تدبر الآيات التي فيها البعث والجزاء والحساب، ثم يشكّكون الناس بشبه داحضة من تلبيس إبليس، فإبليس في هذا الموضع أقل منهم مكابرة: {قال ربّ فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنّك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم} .
    ويقول الشيطان يوم القيامة ما حكاه الله عنه بقوله: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتموني من قبل إنّ الظّالمين لهم عذاب أليم} .
    والملاحدة الذين لا يؤمنون بالبعث أقل من القليل، وغالب أتباعهم إمّا أن يتّبعوهم خوفًا منهم، وإمّا عدم مبالاة بالدّين، إني أذكّر الجميع بقوله تعالى: {وبرزوا لله جميعًا فقال الضّعفاء للّذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعًا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} .
    وبقوله تعالى: {ولو ترى إذ الظّالمون موقوفون عند ربّهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الّذين استضعفوا للّذين استكبروا لولا أنتم لكنّا مؤمنين * قال الّذين استكبروا للّذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين * وقال الّذين استضعفوا للّذين استكبروا بل مكر اللّيل والنّهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادًا وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الّذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} .
    وقال تعالى: {ولو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة لله جميعًا وأنّ الله شديد العذاب * إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّؤا منّا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النّار} .
    هؤلاء الملاحدة رءوس الكفر والضلال سيتبرّءون من أتباعهم يوم القيامة.
    والآيات التي ذكرناها في البعث والنشور كافية لمن أراد الله هدايته، ومن يضلل فما له من هاد.
    ثم وجدت للحافظ ابن القيم رحمه الله كلامًا قيمًا حول الطبيعة في "مفتاح دار السعادة" (ج2 ص 194) بتحقيق أخينا الفاضل: علي بن حسن بن علي بن عبدالحميد حفظه الله، قال رحمه الله:
    كرر النظر في نفسك فارجع الآن إلى نفسك، وكرر النظر فيك، فهو يكفيك.
    وتأمل أعضاءك وتقدير كل عضو منها للأرب والمنفعة المهيأ لها: فاليدان للعلاج والبطش والأخذ والإعطاء والمحاربة والدفع، والرجلان لحمل البدن والسعي والركوب وانتصاب القامة، والعينان للاهتداء والجمال والزينة والملاحة ورؤية ما في السموات والأرض وآياتهما وعجائبهما، والفم للغذاء والكلام والجمال وغير ذلك، والأنف للنّفس وإخراج فضلات الدماغ وزينةً للوجه، واللسان للبيان والترجمة عنك، والأذنان صاحبتا الأخبار تؤدّيانها إليك، واللسان يبلّغ عنك، والمعدة خزانة يستقر فيها الغذاء فتنضجه وتطبخه، وتصلحه إصلاحًا آخر وطبخًا آخر غير الإصلاح والطبخ الذي توليته من خارج، فأنت تعاني إنضاجه وطبخه وإصلاحه حتى تظن أنه قد كمل، وأنه قد استغنى عن طبخ آخر وإنضاج آخر، وطبّاخه الداخل ومنضجه يعاني من نضجه وطبخه ما لا تهتدي إليه ولا تقدر عليه، فهو يوقد عليه نيرانًا تذيب الحصى وتذيب ما لا تذيبه النار، وهي في ألطف موضع منك لا تحرقك ولا تلتهب عليك، وهي أشد حرارةً من النار، وإلا فما يذيب هذه الأطعمة الغليظة الشديدة جدًّا حتى يجعله ماءً ذائبًا! وجعل الكبد للتّخليص وأخذ صفو الغذاء وألطفه، ثم رتّب منها مجاري وطرق يسوق بها الغذاء إلى كل عضو وعظم وعصب ولحم وشعر وظفر، وجعل المنافذ والأبواب لإدخال ما ينفعك وإخراج ما يضرك. وجعل الأوعية المختلفة خزائن تحفظ مادة حياتك: فهذه خزانة للطعام، وهذه خزانة للحرارة، وهذه خزائن للدم، وجعل منها خزائن مؤديات لئلا تختلط بالخزائن الأخر، فجعل خزائن للمرة السوداء، وأخرى للمرة الصفراء، وأخرى للبول، وأخرى للمني.
    فتأمل حال الطعام في وصوله إلى المعدة، وكيف يسري منها في البدن، فإنه إذا استقر فيها اشتملت عليه وانضمت، فتطبخه وتجيد صنعتة، ثم تبعثه إلى الكبد في مجار دقاق، وقد جعل بين الكبد وبين تلك المجاري غشاء كالمصفاة الضيّقة الأبخاش تصفّيه، فلا يصل إلى الكبد منة شيء غليظ خشن، فينكؤها لأن الكبد رقيقة لا تحمل الغليظ، فإذا قبلته الكبد أنفذته إلى البدن كله في مجار مهيأة له بمنْزلة المجاري المعدة للماء ليسلك في الأرض فيعمها بالسقي، ثم يبعث ما بقي من الخبث والفضول إلى مغايض ومصارف قد أعدّت لها، فما كان من مرّة صفراء بعثت به إلى المرارة، وما كان من مرّة سوداء بعثت به إلى الطحال، وما كان من الرطوبة المائية بعثت به إلى المثانة.
    فمن ذا الذي تولى ذلك كله وأحكمه ودبّره وقدّره فأحسن تقديره؟.
    وكأني بك أيها المسكين تقول: هذا كله من فعل الطبيعة، وفي الطبيعة عجائب وأسرار فلو أراد الله أن يهديك لسألت نفسك بنفسك، وقلت: أخبريني عن هذه الطبيعة، أهي ذات قائمة بنفسها لها علم وقدرة على هذه الأفعال العجيبة؟ أم ليست كذلك؟ بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع تابعة له محمولة فيه.
    فإن قالت لك: بل من ذات قائمة بنفسها، لها العلم التام والقدرة والإرادة والحكمة.
    فقل لها: هذا هو الخالق البارئ المصوّر، فلم تسمّيه طبيعةً!؟ ويالله من ذكر الطبائع ومن يرغب فيها! فهلاّ سميته بما سمّى به نفسه على ألسن رسله ودخلت في جملة العقلاء والسعداء، فإن هذا الذي وصفت به الطبيعة صفته تعالى.
    وإن قالت لك: بل الطبيعة عرض محمول مفتقر إلى حامل، وهذا كله فعلها بغير علم منها ولا إرادة ولا قدرة ولا شعور أصلاً، وقد شوهد من آثارها ما شوهد!
    فقل لها: هذا ما لا يصدقه ذو عقل سليم، كيف تصدر هذه الأفعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممن لا عقل له ولا قدرة ولا حكمة ولا شعور؟ وهل التصديق بمثل هذا إلا دخول في سلك المجانين والمبرسمين .
    ثم قل لها بعد: ولو ثبت لك ما ادّعيت، فمعلوم أن مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها ولا مبدعة لذاتها، فمن ربها ومبدعها وخالقها؟ ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك؟ فهي إذاً من أدلّ الدلائل على بارئها وفاطرها وكمال قدرته وعلمه وحكمته، فلم يجد بك تعطيلك رب العالم وجحْدك لصفاته وأفعاله إلا مخالفتك العقل والفطرة.
    ولو حاكمناك إلى الطبيعة لأريناك أنك خارج عن موجبها، فلا أنت مع موجب العقل ولا الفطرة ولا الطبيعة ولا الإنسانية أصلاً، وكفى بذلك جهلاً وضلالاً، فإن رجعت إلى العقل وقلت: لا يوجد حكمة إلا من حكيم قادر عليم، ولا تدبير متقن إلا من صانع قادر مختار مدبّر عليم بما يريد قادر عليه، لا يعجزه ولا يصعب عليه ولا يؤوده.
    قيل لك: فإذا أقررت -ويحك- بالخلاّق العظيم الذي لا إله غيره، ولا رب سواه فدع تسميته طبيعة أو عقلاً فعالاً أو موجبًا بذاته، وقل: هذا هو الله الخالق البارئ المصور رب العالمين وقيّوم السموات والأرضين ورب المشارق والمغارب الذي أحسن كل شيء خلقه وأتقن ما صنع، فما لك جحدت أسماءه وصفاته بل وذاته.
    وأضفت صنعه إلى غيره وخلقه إلى سواه، مع أنك مضطّر إلى الإقرار به وإضافة الإبداع والخلق والربوبية والتدبير إليه ولا بد، فالحمد لله رب العالمين.
    على أنك لو تأملت قولك: (طبيعة) ومعنى هذه اللفظة، لدلك على الخالق البارئ لفظها كما دل العقول عليه معناها، لأن (طبيعة) فعيلة بمعنى مفعولة، أي: مطبوعة، ولا يحتمل غير هذا البتّة، لأنّها على بناء الغرائز التي ركّبت في الجسم ووضعت فيه كالسجيّة والغريزة والبحيرة والسليقة والطبيعة، فهي التي طبع عليها الحيوان وطبعت فيه.
    ومعلوم أن طبيعةً من غير طابع لها محال، فقد دل لفظ الطبيعة على الباري تعالى كما دل معناها عليه.
    والمسلمون يقولون: إن الطبيعة خلق من خلق الله مسخّر مربوب، وهي سنته في خليقته التي أجراها عليه، ثم إنه يتصرف فيها كيف شاء وكما شاء، فيسلبها تأثيرها إذا أراد ويقلب تأثيرها إلى ضده إذا شاء ليري عباده أنه وحده البارئ المصور، وأنه يخلق ما يشاء كما يشاء: {إنّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون }.
    وأن الطبيعة التي انتهى نظر الخفافيش إليها إنما هي خلق من خلقه بمنزلة سائر مخلوقاته.
    فكيف يحسن بمن له حظ من إنسانية أو عقل أن ينسى من طبعها وخلقها ويحيل الصنع والإبداع عليها؟!
    ولم يزل الله سبحانه يسلبها قوتها ويحيلها ويقلبها إلى ضد ما جعلت له حتى يري عباده أنّها خلقه وصنعه مسخرة بأمره: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين }. اهـ
    وقال رحمه الله (ج2 ص213):
    من أين للطبيعة هذا الاختلاف والفرق الحاصل في النوع الإنساني بين صورهم؟ فقلّ أن يرى اثنان متشابهان من كل وجه، وذلك من أندر ما في العالم، بخلاف أصناف الحيوان كالنعم والوحوش والطير وسائر الدواب، فإنك ترى السّرب من الظّباء، والثلّة من الغنم، والذود من الإبل، والصوار من البقر، تتشابه حتى لا يفرق بين أحد منها وبين الآخر إلا بعد طول تأمّل أو بعلامة ظاهرة، والناس مختلفة صورهم وخلقتهم، فلا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة وخلقة واحدة، بل ولا صوت واحد ولا حنجرة واحدة.
    والحكمة البالغة في ذلك أن الناس يحتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحلاهم، لما يجري بينهم من المعاملات، فلولا الفرق والاختلاف في الصور لفسدت أحوالهم، وتشتت نظامهم، ولم يعرف الشاهد من المشهود عليه، ولا المدين من ربّ الدّيْن، ولا البائع من المشتري، ولا كان الرجل يعرف عرْسه من غيرها للاختلاط، ولا هي تعرف بعلها من غيره، وفي ذلك أعظم الفساد والخلل، فمن الذي ميّز بين حلاهم وصورهم وأصواتهم، وفرّق بينها بفروق لا تنالها العبارة ولا يدركها الوصف؟!
    فسل المعطل: أهذا فعل الطبيعة؟ وهل في الطبيعة اقتضاء هذا الاختلاف والافتراق في النوع؟
    وأين قول الطبائعيين: إن فعلها متشابه لأنّها واحدة في نفسها، لا تفعل بإرادة ولا مشيئة، فلا يمكن اختلاف أفعالها!
    فكيف يجمع المعطل بين هذا وهذا؟!
    {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} .
    وربما وقع في النوع الإنساني تشابه بين اثنين لا يكاد يميز بينهما، فتعظم عليهم المؤنة في معاملتهما، وتشتد الحاجة إلى تمييز المستحق منهما والمؤاخذ بذنبه ومن عليه الحق، وإذا كان يعرض هذا في التشابه في الأسماء كثيرًا ويلقى الشاهد والحاكم من ذلك ما يلقى، فما الظن لو وضع التشابه في الخلقة والصورة؟!
    ولما كان الحيوان البهيم والطير والوحوش لا يضرها هذا التشابه شيئًا لم تدع الحكمة إلى الفرق بين كل زوجين منها، فتبارك الله أحسن الخالقين الذي وسعت حكمته كل شيء. اهـ

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله، وصلى الله وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد: فإن في قصص المتقدمين، وما أنزل الله بهم من غضبه وعقابه بسبب إعراضهم عن ما جاءت به رسلهم عبرةً وعضة.
    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وكأيّن من قرية عتت عن أمْر ربّها ورسله فحاسبناها حسابًا شديدًا وعذّبناها عذابًا نكرًا} .
    ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فأمّا ثمود فأهلكوا بالطّاغية * وأمّا عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيّام حسومًا فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجاز نخل خاوية * فهل ترى لهم من باقية }.
    وقال تعالى حاكيًا عن موسى: {وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدّنيا ربّنا ليضلّوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشْدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم }.
    وقال تعالى حاكيًا عن قوم يونس: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حين }.
    وقال تعالى: {ونخوّفهم فما يزيدهم إلا طغيانًا كبيرًا }.
    فقصص الأولين تعتبر عبرة لنا وزاجرًا لنا، أن نرد شيئًا مما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فعلينا أن نتوب إلى الله.
    وقصة الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة ثم فرجت عنهم بسبب أن تضرعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصالح أعمالهم.
    ففي "الصحيحين" عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((بينما ثلاثة نفر ممّن كان قبلكم، إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم. فقال بعضهم لبعض: إنّه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصّدق، فليدْع كلّ رجل منكم بما يعلم أنّه قد صدق فيه. فقال واحد منهم: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرزّ فذهب وتركه، وأنّي عمدّت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أنّي اشتريت منه بقرًا، وأنّه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنّما لي عندك فرق من أرزّ. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنّها من ذلك الفرق، فساقها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت آتيهما كلّ ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عليهما ليلةً فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، فكنت لا أسقيهم حتّى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنّا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنّا. فانساخت عنهم الصّخرة حتّى نظروا إلى السّماء. فقال الآخر: اللهمّ إن كنت تعلم أنّه كان لي ابنة عمّ من أحبّ النّاس إليّ، وأنّي راودّتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتّى قدرْت فأتيتها بها، فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلمّا قعدت بين رجليها فقالت: اتّق الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقّه، فقمت وتركت المائة الدينار. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنّا. ففرّج الله عنهم فخرجوا)).
    فعلينا أن نتضرّع إلى الله أن يحفظ بلدنا، وعلينا أن نتضرّع إلى الله أن ينتقم ممن يريد نشر الفساد والفتن في بلدنا.
    فبلاد المسلمين كلها على خطر، والفساد فيها منتشر.
    أما أولئك الذين قدّر الله عليهم في هذا الزّلزال بالهدم فإنّهم إذا كانوا صالحين ولم يكونوا شيوعيّين، ولا بعثيّين، ولا ناصريّين، ولا حداثيّين، ولا علمانيّين، فإنّهم شهداء، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ((الشّهداء خمسة -وذكر منهم:- صاحب الهدم)).
    لكن من كان متعلقًا بحزبيّة خبيثة كالشيوعيّين وغيرهم، أو كانت له نيّة سوء، فإنه يبعث على نيّته الخبيثة.
    فعلينا أن نتوب وأن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الله يقبل التوبة من عبده، وأن نعلن الكفر بما أتانا من قبل أعداء الإسلام مما يخالف دين الإسلام.
    فيجب ألا نكون إمّعة، فقد أصبح المسلمون إمّعة، أصبحوا تبعًا: إما لحكامهم، وإما لعلماء السوء: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون }.
    وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

    بسم الله الرحمن الرحيم


    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون}
    {ياأيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرًا ونساءً واتّقوا الله الّذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا}.
    {ياأيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وقولوا قولا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفرْ لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}.
    أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقص من الثّمرات لعلّهم يذكّرون * فإذا جاءتْهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئة يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند الله ولكنّ أكثرهم لا يعلمون * وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين * فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آيات مفصّلات فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين }.
    في هؤلاء الآيات المباركات بيان انتقام الله سبحانه وتعالى من الظالمين، إنّها سنة الله في خلقه وإن لله جنودًا: {وما يعلم جنود ربّك إلا هو }.
    فجميع ما خلقه الله سبحانه وتعالى هو مسخر لإرادة الله وتحت أمره، فقد يبتلي الله سبحانه وتعالى الناس بالجوع، وأنت إذا قرأت في "المدهش" ص(64-70) لابن الجوزي رحمه الله وجدت أممًا تموت من الجوع.
    وفي "مسند الإمام أحمد" عن صهيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلّى همس شيئًا لا نفهمه، ولا يحدّثنا به. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((فطنتم لي))؟ قال قائل: نعم. قال: ((فإنّي قد ذكرت نبيًّا من الأنبياء أعطي جنودًا من قومه فقال: من يكافئ هؤلاء، أو من يقوم لهؤلاء، قال: فأوحى الله إليه: اختر لقومك بين إحدى ثلاث: إمّا أن أسلّط عليهم عدوًّا من غيرهم أو الجوع أو الموت. قال: فاستشار قومه في ذلك. فقالوا: أنت نبيّ الله نكل ذلك إليك فخر لنا. قال: فقام إلى صلاته. قال: وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصّلاة. قال: فصلّى. قال: أمّا عدوّ من غيرهم فلا، أو الجوع فلا، ولكن الموت. قال: فسلّط عليهم الموت ثلاثة أيّام فمات منهم سبعون ألفًا. فهمسي الّذي ترون أنّي أقول: اللهمّ يا ربّ بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوّة إلا بالله)).
    فإذا قرأت في التاريخ تجد أممًا قد ماتت من الجوع، وربما ينتهي بهم الحال إلى أن يأكل بعضهم بعضًا، ومن الذي يستطيع أن يقاوم الله؟ وأن يفرض إرادته على الله سبحانه وتعالى؟!
    ومن الأمم أيضًا: من مات بسبب المرض، أو بسبب من الأسباب، بل ربما تنْزل حجارةً من السماء، وكل هذا بسبب الذنوب.
    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }.
    إن هذه الأمة قد ارتكبت الجرائم التي ارتكبتها الأم المتقدمة.
    فعلينا أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى لعله يرحمنا.
    ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيّبة وربّ غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل }.
    نذكر هذا حتى لا يغتر أحد بما آتاه الله سبحانه وتعالى: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماء معين }.
    {وأحيط بثمره فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها }.
    وهكذا أيضًا جنة أصحاب (ن) وما حدث لها.
    فعلينا أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فإن عذاب الله شديد، وانتقام الله شديد، فهو وإن كان غفورًا رحيمًا فإنّه شديد العقاب.
    علينا أن نرجع إلى الله تعالى قبل أن يحلّ بنا ما حلّ بغيرنا.
    فإخواننا (بالعدين) أصبحوا مصرفًا للزكاة، وأصبحوا محتاجين إلى مد يد العون، ولكن أن ترسل مع يد أمينة، أو تذهب بما أعطاك الله من المال إلى أولئك المنكوبين الذين قد حلّت لهم المسألة. فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إن المسألة لا تحلّ إلاّ لثلاثة -وذكر-: رجلاً أصابته جائحة)).
    فقد أصابتهم جائحة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
    وهذا أمر يعتبر موعظة وذكرى، وهو أن ترى البيوت المهدمة والمشققة إلى غير ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى ينتقم لنفسه، فقد أصبح الناس لا ينتقمون لدين الله، ولكن ينتقمون لأنفسهم فالحدود معطلّة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معطّل في كثير من البلاد الإسلامية الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في "سنن أبي داود" من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثمّ يقدرون على أن يغيّروا، ثمّ لا يغيّروا، إلا يوشك أن يعمّهم الله منه بعقاب)).
    وقد أخبرت أن في بعض البلاد المجاورة إذا كان الشخص عنده حملة حطب، قد وضعها عند الباب، أو عنده كبش من الغنم، أو عنده سيارة إلى غير ذلك، فإنه يحتاج إلى أن يحرس هذا، فقلت للأخ: لعلها عصابة؟ قال: لا، ولكن عصابة الجوع.
    فعلينا أن نحمد الله سبحانه وتعالى، وأن نؤدي الزكاة، وأن نصل الرحم، ونساعد المنكوب، علينا أن نتقي الله، حتى يحفظنا الله سبحانه وتعالى في أنفسنا وأموالنا، وأولادنا وديننا، لا تقل: أنا ارتكبت ذنبًا صغيرًا ففي الناس من يرتكب الكبائر، لا، ولكن عليك نفسك وإصلاح نفسك، ثم أن تحاول إصلاح الآخرين: {ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ولينصرنّ الله من ينصره إنّ الله لقويّ عزيز * الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور }.
    فهل هذه الخصال متوفرة فينا؟ وهل هي متوفرة في مسئولينا؟ وهل هي متوفرة في مجتمعاتنا؟: {الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة} فربما تقوم تصلي، وولدك نائم بين الفراش، {وآتوا الزّكاة}، صرفوها في مصارفها الثمانية: {وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } الأمر بالمعروف الذي يعتبر قطب رحى الإسلام، والرحى دائرة عليه، فقد أصبح ميّتا ومعدومًا في يمننا، ولو أنك أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر، فأول من يعارضك الشيعة هداهم الله، أو قطع دابرهم.
    وسأذكر قصة لا بد من ذكرها، فقد كان الأخ (محمد القعيصي) يدعو يهوديًّا إلى الإسلام، فجاء شاب شيعيّ يدخل بينه وبين اليهودي، والناس مجتمعون، والعساكر محيطون، وإذا هو يريد أن يعارض (القعيصي) فأخذ يده ولطمه حتى خرّ على قفاه، وانتقده الحاضرون كلهم، وقالوا: هذا اللئيم يسوؤه أن يسلم اليهودي.
    اللهم عليك بالشيعة فإنّهم وقفوا في وجه الدعوة، وأخّروا الدعوة إلى الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
    فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر أمانًا لمجتمعاتنا أصبح ميّتًا، وأصبحت الشيعة يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. فهم يأمرون بمحاربة أهل السنة وهو منكر، فماذا عمل بهم أهل السنة؟ وهم ينهون عن المعروف الذي هو دعوة أهل السنة إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولسنا ننافسهم على كراسيهم، ولسنا نستحل دماءهم، ولا أعراضهم، ولا أموالهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليمًا كثيرًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون * فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون * فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين }.
    إننا نخشى معشر المسلمين أن يكون ما فتحه الله سبحانه وتعالى على كثير من البلاد استدراجًا من الله سبحانه وتعالى، هل نشكر نعمته أم نكفرها؟
    إن المسلمين الآن أصبحوا يهرولون بعد أعداء الإسلام، ويظنون أن أعداء الإسلام تقدّموا بسبب الكفر والإلحاد، وبسبب المعاصي، والواقع أن أعداء الإسلام تقدّموا بسبب جدّهم واجتهادهم.
    والمسلمون وخصوصا في الشعب اليمني، الثلثان من الوقت يضيّعونهما، لأن الطيّب منهم يشتغل إلى الظهر، ومن بعد الظهر على الشجرة الأثيمة (القات) إلى الساعة الرابعة من بعد العشاء وقد وجدت بعينيّ من يصلي المغرب والعشاء الساعة الرابعة بعد ما انتهى من مجلس القات ألستم مسئولين عن هذه الأوقات؟!
    إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسْأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم وضعه، وعن علمه ماذا عمل فيه)).
    ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((احْرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزْ)).
    فينبغي أن تحرص على ما ينفعك في أمر دينك ودنياك، وألاّ تكون كسولاً، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالله من العجز والكسل.
    شباب في خيرة أعمارهم يضيّعون أوقاتهم في هذه الشجرة الأثيمة. علينا أن نتقي الله، وأن نحرص على تعلّم العلم النافع، ونحرص على صلة الرحم، ونحرص على الإحسان إلى الجار، وقبل هذا كله على تعلم العقيدة الصحيحة.
    إذا أردتم أن يرفعكم الله فلا تكونوا إمّعة، فإن الذي يكون إمّعة لا يزال منهزمًا.
    انظروا إلى الذين صفّقوا (لصدام) أصبحوا منهزمين نفسيًا.
    إن تلك الشجرة الأثيمة أخذت عقول كثير من اليمنيين، وأنتم تعرفون، فبعضهم يذْهب به إلى (تعز) قد اختلّ عقله، وبعضهم يصبح مجنونًا، ينتظر متى يقتل شخصًا أو يقتل نفسه.
    شجرة خاطئة ابتلى الله اليمنيين بها، وابتلى الله الحبشة بها.
    فعلينا أن نصرف أوقاتنا فيما ينفعنا في طلب العلم حتى نعبد الله على بصيرة، وحتى نقول: نعم ولا، على بصيرة، فإذا قلت: نعم، تكون على بصيرة، وإذا قلت: لا، تكون على بصيرة. لا تكن إمّعة إن أحسن الناس أحسنّا وإن أساءوا أسأنا.
    فالشأن كل الشأن هو الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، حتى إذا حدثت حادثة أو آية من الآيات يصير الشخص إن نجا نجا، وإن لم ينج فإنه يبعث على نيّته، وقد كنت نقلت شيئًا من هذا في "المخرج من الفتنة" فيما ابتلى الله سبحانه وتعالى به أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بعد نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عصر ابن الجوزي، وهذا شيء قليل ذكره ابن الجوزي في "المدهش" ولم يستوعب، وبقي من زمن ابن الجوزي إلى زمننا هذا لو أن شخصًا تتبّعه لكان أكثر وأكثر، ومما ينبغي أن يعلم أن الزّلزال لم يحدث على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا على عهد أبي بكر، وحدث على عهد عمر. قلنا: وقد سرد الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه "المدهش" بعض الحوادث التي مرّت على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من جوع وزلزال فرأيت إثباته لما فيه من العبرة قال رحمه الله:
    فصل في الجدوب وعموم الموت
    أجدبت الأرض في سنة ثماني عشرة، فكانت الريح تسفي ترابًا كالرّماد، فسمّي عام الرمادة، وجعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، فآلى عمر ألاّ يذوق سمنًا ولا لحمًا حتى يحيا الناس، واستسقى بالعباس فسقوا. وفيها كان طاعون عمواس، مات فيه أبوعبيدة، ومعاذ، وأنس.
    وفي سنة أربع وستين وقع طاعون بالبصرة، وماتت أم أميرهم فما وجدوا من يحملها.
    وفي سنة ست وتسعين كان طاعون الجارف، هلك في ثلاثة أيام سبعون ألفًا، ومات فيه لأنس ثمانون ولدًا، وكان يموت أهل الدار فيطيّن الباب عليهم-أي يصير البيت قبرًا لهم لأنه لا يوجد من يخرجهم إلى المقبرة ويحفر لهم قبرًا-.
    وفي سنة إحدى وثلاثين ومائة مات أول يوم في الطاعون سبعون ألفًا، وفي اليوم الثاني نيّف وسبعون ألفًا، وفي اليوم الثالث خمد الناس.
    وفي السنة التاسعة عشرة وثلاثمائة كثر الموت، وكان يدفن في القبر الواحد جماعة.
    وفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ذبح الأطفال، وأكلت الجيف، وبيع العقار برغفان، واشْتري لمعز الدولة كرّ دقيق بعشرين ألف درهم.
    وفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة عمّت الأمراض البلاد فكان يموت أهل الدار كلهم.
    وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة أصاب أهل البصرة حرّ فكانوا يتساقطون موتى في الطرقات.
    وفي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة عم القحط فأكلت الميتة وبلغ المكوك -كتنور: مكيال- من برز البقلة سبعة دنانير والسفرجلة والرمانة دينارًا والخيارة واللينوفرة دينارًا، وورد الخبر من (مصر) بأن ثلاثةً من اللصوص نقبوا دارًا فوجدوا عند الصباح موتى أحدهم على باب النقب والثاني على رأس الدرجة والثالث على الثياب المكورة. وفي السنة التي تليها وقع وباء فكانت تحفر زبية -بالضم: الرابية، وحفيرة الأسد- لعشرين وثلاثين فيلقون فيها، وتاب الناس كلهم وأراقوا الخمور ولزموا المساجد.
    وفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وقع الوباء وبلغ الرطل من التمر الهندي أربعة دنانير.
    وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة اشتدّ الجوع والوباء بـ(مصر) حتى أكل الناس بعضهم بعضًا، وبيع اللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط، وخرج وزير صاحب (مصر) إليه فنزل عن بغلته فأخذها ثلاثة فأكلوها فصلبوا، فأصبح الناس لا يرون إلا عظامهم تحت خشبهم وقد أكلوا.
    وفي سنة أربع وستين وأربعمائة وقع الموت في الدواب، حتى إن راعيًا قام إلى الغنم وقت الصباح ليسوقها فوجدها كلها موتى.
    فصل في الزلازل والآيات
    زلزلت الأرض على عهد عمر في سنة عشرين.
    ودامت الزلازل في سنة أربع وتسعين، أربعين يومًا، ووقعت الأبنية الشاهقة، وتهدّمت (أنطاكية).
    وفي سنة أربع وعشرين ومائتين زلزلت (فرغانة) فمات فيها خمسة عشر ألفًا.
    وفي السنة التي تليها رجفت (الأهواز) وتصدّعت الجبال، وهرب أهل البلد إلى البحر والسفن، ودامت ستة عشر يومًا.
    وفي السنة التي تليها مطر أهل (تيما) مطرًا وبردًا كالبيض، فقتل بها ثلاثمائة وسبعين إنسانًا، وسمع في ذلك صوت يقول: ارحم عبادك اعف عن عبادك، ونظروا إلى أثر قدم طولها ذراع، بلا أصابع، وعرضها شبر، ومن الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست، فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتًا ولا يرون شخصًا.
    وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين رجفت (دمشق) رجفةً حتى انقضّت منها البيوت وسقطت على من فيها، فمات خلق كثير وانكفأت قرية في (الغوطة) على أهلها فلم ينج منهم إلا رجل واحد، وزلزلت (أنطاكية) فمات منها عشرون ألفًا.
    وفي السنة التي تليها هبّت ريح شديدة لم يعهد مثلها فاتّصلت نيفًا وخمسين يومًا، وشملت (بغداد) و(البصرة) و(الكوفة) و(واسط) و(عبّادان) و(الأهواز)، ثم ذهبت إلى (همذان) فأحرقت الزرع، ثم ذهبت إلى (الموصل) فمنعت الناس من السعي فتعطلت الأسواق، وزلزلت (هراة) فوقعت الدور.
    وفي سنة ثمان وثلاثين وجّه طاهر بن عبد الله إلى المتوكل حجرًا سقط بناحية (طبرستان) وزنه ثمانمائة وأربعون درهمًا أبيض فيه صدع، وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع.
    وفي سنة أربعين ومائتين خرجت ريح من بلاد الترك فمرت بـ(مرو) فقتلت خلقًا كثيًرا بالزكام، ثم صارت إلى (نيسابور) وإلى (الرّي) ثم إلى (همذان) و(حلوان) ثم إلى (العراق)، فأصاب أهل (بغداد) و(سرمن رأى) حمّى وسعال وزكام، وجاءت كتب من المغرب أن ثلاث عشرة قرية من قرى (القيروان) خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلاً سود الوجوه، فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها، وقالوا: أنتم مسخوط عليكم. فبنى لهم العامل حظيرةً خارج المدينة فنزلوها.
    وفي سنة احدى وأربعين ماجت النجوم في السماء وجعلت تتطاير شرقًا وغربًا كالجراد من قبل غروب الشمس إلى الفجر، ولم يكن مثل هذا إلا عند ظهور رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    وفي السنة التي تليها رجمت قرية يقال لها: (السويدا) ناحية (مصر) بخمسة أحجار، فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، ووزن منها حجر فكان فيه عشرة أرطال، وزلزلت (الرّي) و(جرجان) و(طبرستان) و(نيسابور) و(أصفهان) و(قم) و(قاشان) كلها في وقت واحد، وزلزلت (الدامغان) فهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفًا، وتقطّعت جبال، ودنا بعضها من بعض، وسمع للسماء والأرض أصوات عالية فهلك من أهلها.
    وسار جبل باليمن عليه مزارع حتى أتى مزارع قوم آخرين، ووقع طائر أبيض دون الرّخمة وفوق الغراب على دلبة -شجرة - بـ(حلب) لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح أربعين صوتًا ثم طار، وجاء من الغد فصاح أربعين صوتًا ثم طار، فكتب صاحب البريد بذلك، وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه، ومات رجل في بعض (كور الأهواز) فسقط طائر أبيض على جنازته فصاح بالفارسية والخورية: إن الله قد غفر لهذا الميّت ولمن شهده.
    وفي سنة خمس وأربعين ومائتين زلزلت (أنطاكية) فسقط منها ألف وخمسمائة دار، ووقع من سورها نيّف وتسعون برجًا، وسمع أهلها أصواتًا هائلة من كوى المنازل، وسمع أهل (تنّيس) صيحةً هائلةً دامت فمات منها خلق كثير، وذهبت (جبلة) بأهلها.
    وفي سنة خمس وثلاثين ومائتين مطرت قرية حجارة بيضاء وسوداء.
    وفي سنة ثمان وثمانين زلزلت (دنبل) في الليل فأصبحوا ولم يبق من المدينة إلا اليسير، فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميّت.
    وفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة عدل حجاج عن الجادة خوفًا من العرب، فرأوا في البرية صور الناس من الحجارة، ورأوا امرأةً قائمة على تنور وهي من حجارة، والخبز الذي في التنور من حجارة.
    وفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة هبّت ريح بـ(فم الصلح) شبهت بالتّنين، خرقت (دجلة)، حتى ذكر أنّها بانت أرضها وأهلكت خلقًا كثيرًا واحتملت زورقًا منحدرًا وفيه دواب فطرحته في أرض (جوخى) - قرية من عمل بغداد-.
    وفى سنة عشرين وأربعمائة جاء برد هائل، ووقعت بردة حزرت بمائة وخمسين رطلاً فكانت كالثور النائم.
    وفي سنة أربع وثلاثين زلزلت (تبريز) فهدم سورها وقلعتها، وهلك تحت الهدم خمسون ألفًا.
    وفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة كانت بـ(أذربيجان) زلازل انقطعت منها الحيطان، فحكى من يعتمد على قوله أنه كان قاعدًا في إيوان فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم عاد.
    وفي سنة ستين وأربعمائة كانت زلزلة بـ(فلسطين) هلك فيها خمسة عشر ألفًا، وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت فالتأمت، وغاب البحر مسيرة يوم فساخ في الأرض فدخل الناس يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقًا كثيرًا منهم.
    وفي سنة اثنتين وستين خسف بـ(أيلة) -بلد بين (ينبع) و(مصر)-. وفي سنة ست وخمسمائة سمع ببغداد صوت هدة عظيمة في أقطار بغداد في الجانبين، قال شيخنا أبوبكر بن عبدالباقي: أنا سمعتها، فظننت حائطًا قد وقع، ولم يعلم ما ذاك، ولم يكن في السماء غيم فيقال: رعد!
    وفي سنة سبع وقعت زلزلة بناحية الشام، ووقع من سور (الرهاء) -بلد بنواحي الشام- ثلاثة عشر برجًا، وخسف بـ(سميساط) -بلد على الفرات- وقلب بنصف القلعة.
    وفي سنة إحدى عشرة زلزلت الأرض ببغداد يوم عرفة فكانت الحيطان تمر وتجئ.
    وفي سنة خمس عشرة وقع الثلج ببغداد فامتلأت منه الشوارع والدروب ولم يسمع قبله بمثله.
    وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة كانت زلزلة بـ(جنزة) -بلدة عظيمة بإيران- أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفًا فأهلكتهم، وكانت في مقدار عشرة فراسخ في مثلها.
    وفي السنة التي تليها خسف بـ(جنزة) وصار مكان البلد ماءً أسود، وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهليهم. وزلزلت (حلوان) فتقطّع الجبل وهلك خلق كثير.
    وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة كانت زلازل بالشام في ثلاث عشر بلد من بلاد الإسلام، فمنها ما هلك كله ومنها ما هلك بعضه.اهـ ما ذكره رحمه الله.
    وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتاب "البداية" جلّ هذا مفرقًا على حوادث السنين وزاد عليه ما حدث بعد الحافظ ابن الجوزي رحمه الله.
    وفي هذا عبرة وذكرى فعسى الله أن يوفق المسلمين إلى الرجوع إلى الله، والتوبة الصادقة، ونبذ التقاليد الأجنبية المخالفة للكتاب والسنة. آمين.
    فائدة:
    كثرة الزلازل بضوران بذمار زمن الملك الظالم إسماعيل بن القاسم
    قال عبدالله بن علي الوزير في كتابه "طبق الحلوى" ص (311):
    وقبل ذلك اتفق بضوران خاصةً قريب من ثلاثين رجفة، قال بعض أقارب الإمام، وكان قد تضاعف على أهل اليمن الأسفل مطالب غير الزكاة والفطرة، والكفارة مثل مطلب الصلاة على المصلي وغيره، ومطلب التنباق، ومطلب الرباح، ومطلب الرصاص والبارود، ومطلب سفرة الوالي، ومطلب العيد، فقال: وللإمام مندوحات بما كان يأخذه، وقد كان حازمًا عالماً متيقّظًا فيحمل على السلامة، ولعل ذلك بسبب التظالم والمعاصي وقد ذكر السيوطي في كتاب "الصلصلة في الزلزلة" مايقضي بذلك، وقد وقع في القرآن العظيم ذكر الرجفة في قوم شعيب، وبعض أصحاب موسى وغيرهم لأسباب مختلفة يشملها سلوك ما لايرضاه الله حسبما تقضي به التفاسير.
    قال أبوعبدالرحمن: وهذا يدل على شؤم ذلك الملك الظالم كما قال ربنا عزوجل: {وكذلك أخْذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد }.
    الخاتمة

    تحصل مما تقدم أن الزّلزال قد يكون ابتلاءً من الله، وقد يكون بسبب الذنوب، ويكون مع هذا كله مقدرًا من الله، وقد تقدمت الأدلة على ذلك، والقائلون: إنّها براكين، إن أرادوا أنّها بقدر الله وبسبب الذنوب أو الابتلاء فلا تنافي بين هذا وما تقدم، وإن أرادوا أنّها حوادث طبيعية فهذا هو الذي يخالف الكتاب والسنة ويخالف أيضًا السنن الكونيّة في انتقامه سبحانه من أعدائه، وقد تقدم تفنيد ذلك وأنه إلحاد في آيات الله، وفي "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إذا رأيتم الّذين يتّبعون ما تشابه منه، فأولئك الّذين سمّى الله فاحذروهم)).
    آمنا بالله وبكتابه وقدره، وكفرنا بما يقول الملحدون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    قال العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي{{ وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة -شبكة سحاب-المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛
    فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب }}


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    1,656
    جزاك الله خيرا
    ورحم الله العلامة الوادعي وغفر له .
    من كان مستنا فليستن بمن قد مات فان الحي لاتأمن عليه الفتنة .
    اهل البدع اضر على الاسلام والمسلمين من اليهود والنصارى.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2004
    الدولة
    \\\\\\\\\
    المشاركات
    2,713
    بارك الله فيك
    قال العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي{{ وإنني أحذر المسلمين من هذه الشبكة الخبيثة -شبكة سحاب-المفسدة كما أرى أنه يجب على كل ناصح أن يحذرها، ويحذر منها؛
    فقد أصبحت ملتقى لأصحاب الطيش، والجهل وسيئ الأدب }}


ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •