بسم الله الرحمن الرحيم

’’أخطاءٌ في الصِّيام‘‘ /معالي الشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله
’’أخطاء في الصيام‘‘:

1- التلفظ بنيَّة الصيام

و قد تقدَّم[عند الكلام عن الأخطاء الخاصة بالطهارة و بالصلاة] أنَّ التلفظ بالنيَّة لم يكن يفعلُه النبيُّ-صلّى الله عليه و سلّم-، و لا صحابتُه، و لا التابعون، و لا أحدُ الأئمة الأربعةِ، و لا السلفُ، فهو محدَث و بدعة، و النيَّة محلُّها القلب، و هي قصد العبادة.

و قد ثبت في الأحاديث أنَّ النبيَّ-صلّى الله عليه و سلّم-اشترط إجماع النية و تبييت الصيام قبل الفجر في الفريضة، و معنى ذلك قصد الصيام و نيَّته بقلبه أنَّه يصوم غداً، كما صحَّ عن أمِّ المؤمنين حفصةَ-رضي الله عنها- أنَّها قالت:قال النبيُّ-صلّى الله عليه و سلّم-((من لم يُبيِّتْ الصيامَ قبل الفجر فلا صيامَ له))، رواه أحمد، و أصحاب السنن.

ففي الحديث تبييت الصيام، و معناه: قصد القلب، كما هو ظاهر معنى "التبييت"، و الله أعلم.

2- التَّساهل بوقت الإمساك

كما يفعله بعضُ الناس من الأكل و الشرب حتى ينتهيَ المؤذنُ من أذانه، و ربما تساهلوا فاستمروا في الأكل و الشرب حتى يَفرَغَ المؤذنون في المساجد التي يسمعونها، و هذا كلُّه غلطٌ ظاهر، و ربما أبطل الصيامَ، يقول-تعالى:((و كُلُوا و اشربُوا حتَّى يَتبيَّن لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ من الفجرِ)). و وقت التبيُّن المذكور هو أوَّل وقت الفجر، و هو وقت الأذان للفجر، و "حتى" تدلُّ على الغاية فإذا شرَعَ المؤذن في الأذان الثاني الذي بعد طلوع الفجر وجبَ الإمساك و الصوم، و هذا المعنى قد جاء في حديث عائشة و ابن عمر-رضي الله عنهم-أنَّ النبيَّ-صلّى الله عليه و سلّم-قال:((إنَّ بلالاً يؤذِّنُ بليلٍ فكلوا و اشربوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتوم))، متفق عليه، و للبخاري:((فإنَّه لا يؤذِّنُ حتى يطلعَ الفجرُ))، فقول الرَّسول-صلّى الله عليه و سلّم-:((كلوا و اشربوا حتى يؤذن...))؛ دليلٌ على وجوبِ الإمساك و بدءِ الصيام مع سماع الأذان الثاني الذي بعد طلوعِ الفجر.

و لكن جاءت السنة بالترخيص لمن سَمِعَ الأذان و في يده أكلةٌ أو شَرْبَةٌ أن يقضيَ حاجته منها[رواه أبو داود و غيره من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-]، و الله الموفِّق.

3- التساهل بصلاة الجماعة و النوم عنها و جمع الصلوات

و هذا من المنكرات العظيمة في شهر الصيام، إذ الصلاةُ ركنُ الدين الأعظم بعد الشهادتين، و التساهل فيها لا يَحِلُّ أبداً، و قد تقدَّم في "الصلاة" أدلَّةُ وجوب صلاة الجماعة في المساجد، و حرمةُ التساهل في الصلاة بتركها مع الجماعات تفضيلاً للنوم و نحوه، و أمَّا جمعُ بعض الصلوات دون عذرٍ شرعيٍّ يُبيحُ الجمعَ فمنكرٌ آخرُ، و لا يَحلُّ.

و المسلم مأمورٌ بأنْ يرتِّبَ أوقاتَه على أساس تقديم الصلوات على أيِّ أمرٍ آخرَ، و على المسلمين التعاونُ فيما بينهم و التناصحُ في هذا الأمر الذي يظهرُ في شهر الصيام، و قد قال-تعالى-:((و تعاونُوا على البرِّ و التَّقوى و لا تعاونُوا على الإِثم و العُدوان)).

4- قول الزُّور و العمل به و الجهل في الصيام و غيره

فقولُ الزور و العملُ به منكرٌ لا يَحلُّ، لما ثبت في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:قال النبيُّ-صلّى الله عليه و سلّم-:((من لم يَدَعْ قول الزُّور و العملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَه و شرابَه)).

و الجهلُ بقول الفُحش و المسابة و نحو ذلك سوءُ خلقٍ، و منكرٌ خاصةً للصائم: فقد ثبت في "الصحيحين" أنَّ رسول الله-صلّى الله عليه و سلّم- قال:((قال الله-تعالى-:كلُّ عمل ابن آدمَ له إلاّ الصيامَ فإنَّه لي و أنا اجزي به. و الصيامُ جُنَُّةٌ، فإذا كان يومُ صوم أحدِكم فلا يَرْفُثْ و لا يَصْخَبْ؛ فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقلْ:إنِّي صائمٌ إنِّي صائمٌ)).

و حديث أبي هريرة المتقدِّم أوَّلاً رواه البخاري في "الأدب" من "صحيحه" بلفظ:((من لم يدعْ قولَ الزور و العمل به و الجهلَ))، و يدخل في الجهل كل ما كان فحشاً أو سِبَاباً أو غيبةً أو نميمةً أو كذباً أو زوراً و نحوَ ذلك من آفات اللسان و الجوارح، فيجب على الصائم أن يُنزِّهَ نفسَه عن الكذب و الغيبة و الجهل و السباب، و كذلك يجب على غير الصائم، و لكنَّه في حق الصائم أشدُّ لحرمةِ الشهر و الصيام، و الله الموفِّق لتجنُّبها.

5- إطلاق البصر و السمع على وجهٍ محرَّمٍ

قال-تعالى-:((إنَّ السَّمع و البَصر و الفُؤاد كلُّ أُولئك كان عنه مسؤولاً))؛ فالجوارحُ التي ائتمنَ عليها العبادُ هم مسؤولون عنها و فيم استعملوها، و قد اعتاد بعضُ الناس رؤيةَ المنكرات أو سماعها كرؤية المتبرجات داعياتِ الفتنة، أو سماعِ الملاهي بأنواعها، و هذا كلُّه واجبُ الاجتناب في شهر الصيام و غيره، و تأَكُّدُه في شهر الصيام ظاهرٌ، لحُرمةِ و مكانةِ شهر الطاعة و الغُفران، و ما أجملَ أن يتخذَ المسلم من شهر الصيام وسيلةً لقطع العلائق و الصلةِ بالمحرَّمات المرئيَّة أو المسموعة، و سائر الشهوات، و في الحديث القدسي:((يَدَعُ طعامَه و شرابَه و شهوتَه من أجلي)).

6- استماع آلات اللهو في شهر الصيام و غيره

و ذلك أنَّه قد دلَّت الأدلَّة من الكتاب و السنة على تحريم سماع المعازف و ما يصاحبُها، قال-تعالى-:((و منَ الناس من يشترِي لهوَ الحديث ليُضِلَّ عن سبيل الله))، قال ابن مسعود و غيره:هو الغناءُ، و لا شكَّ أنَّ المعازفَ و الغناء داخلةٌ في لهو الحديث الذي يُضِلُّ عن سبيل الله.

و في "صحيح البخاري" تعليقاً بصِيغة الجزم-و قال بعض العلماء إنَّه مُتَّصِلٌ-:((ليَكُونَنَّ من أمَّتي أقوامٌ يَستحلُّونَ الحِرَ و الحرير و الخمر و المعازف..))الحديث.

و هذا ظاهرٌ في التحريم، و ذلك لأنَّ الاستحلال لا يكون إلاّ للمحرَّم، و صدَقَ رسول الله-صلّى الله عليه و سلّم- فقد استعمل الناس من أمَّة محمَّدٍ المعازفَ و الغناءَ على وجهٍ فيه التهاون و عدمُ المُبالاة، و الواجبُ على المسلم اتِّباعُ ما جاء في القرآن و السنة، و تركُ المحرَّمات في شهر الصيام-و هو آكدٌ بالمنع لفضيلة الشهر-و في غيره.

7- التساهل بمعرفة أحكام الصيام

فالواجبُ على المسلم معرفةُ أحكام الصيام الظاهرةِ الواجبة عليه، كوقتِ الفطر و الإمساك، و كأنواع المُفطرات، و كالذي يَجبُ الامتناعُ عنه، و شروطُ الصيام و نحو ذلك حتَّى تقعَ العبادة موقِعَها، و يكونَ مأجوراً عليها لفضيلةِ العلم.

كتاب المنظار في بيان كثير من الأخطاء الشائعة