بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب الصريح عن أسئلة التراويح /شيخ الإسلام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله

س 1:سئل سماحة الشيخ أعلى اللّه درجته في المهديين: عن عدد ركعات التراويح و هل لها عدد محدد؟ و ما أفضل ما تصلى به؟

الجواب: بسم اللّه الرحمان الرحيم، الحمد للّه، و صلى اللّه و سلم على آله و أصحابه و من اهتدى بهداه. أما بعد: فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة و السلام ما يدل على التوسعة في صلاة الليل و عدم تحديد ركعات معينة، و أن السنة أن يصلي المؤمن و هكذا المؤمنة مثنى مثنى يسلم من كل اثنتين، و من ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: ( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ) فقوله صلى اللّه عليه و سلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) خبر معناه الأمر، يعني: ( صلوا في الليل مثنى مثنى ) و معنى مثنى مثنى يسلم من كل اثنتين، ثم يختم بواحدة و هي الوتر، و هكذا كان يفعل عليه الصلاة و السلام فإنه كان يصلي من الليل مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة عليه الصلاة و السلام كما روت ذلك عائشة رضي اللّه عنها و ابن عباس و جماعة، قالت عائشة رضي اللّه عنها: ( كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ثم يوتر بواحدة ) و قالت رضي اللّه عنها: ( ما كان يزيد النبي صلى اللّه عليه و سلم في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن و طولهن، ثم يصلي ثلاثًا ) متفق عليه. و قد ظن بعض الناس أن هذه الأربع تؤدى بسلام واحدو ليس الأمر كذلك و إنما مرادها أنه يسلم من كل اثنتين كما ورد في روايتها السابقة، و لقوله صلى اللّه عليه و سلم: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) و لما ثبت أيضًا في الصحيح من حديث ابن عباس: ( أنه عليه الصلاة و السلام كان يسلم من كل اثنتين ) و في قولها رضي اللّه عنها: ( ما كان يزيد في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة ) ما يدل على أن الأفضل في صلاة الليل في رمضا ن و في غيره إحدى عشرة يسلم من كل اثنتين و يوتر بواحدة، و ثبت عنها رضي اللّه عنها، و عن غيرها أيضًا أنه ربما صلى ثلاث عشرة ركعة عليه الصلاة و السلام، فهذا أفضل ما ورد، و أصح ما وردعنه عليه الصلاة و السلام الإيتاء بثلاث عشرة، أو إحدى عشرة ركعة، و الأفضل إحدى عشرة، فإن أوتر بثلاث عشرة فهو أيضًا سنة و حسن، و هذا العدد أرفق بالناس و أعون للإمام على الخشوع في ركوعه و سجوده و في قراءته، و في ترتيل القراءة و تدبرها، و عدم العجلة في كل شيء، و إن أوتر بثلاث و عشرين كما فعل ذلك عمر و الصحابة رضي اللّه عنهم في بعض الليالي من رمضان فلا بأس فالأمر واسع، و ثبت عن عمر و الصحابة رضي اللّه عنهم أنهم أوتروا بإحدى عشرة كما في حديث عائشة. فقد ثبت عن عمر هذا و هذا، ثبت عنه رضي اللّه عنه أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، و ثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثًا و عشرين و هذا يدل على التوسعة في ذلك و أن الأمر عند الصحابة واسع، كما دل عليه قوله عليه الصلاة و السلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) و لكن الأفضل من حيث فعله صلى اللّه عليه و سلم إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، و سبق ما يدل على أن إحدى عشرة أفضل، لقول عائشة رضي اللّه عنها: ( ما كان يزيد صلى اللّه عليه و سلم في رمضان و لا في غيره على إحدى عشرة ركعة ) يعني غالبًا. و لهاذا ثبت عنها رضي اللّه عنها أنه صلى ثلاث عشرة و ثبت عن غيرها، فدل ذلك على أن مرادها الأغلب، و هي تطلع على ما كان يفعله عندها، و تسأل فإنها كانت أفقه النساء و أعلم النساء بسنة الرسول عليه الصلاة و السلام، و كانت تخبر عما كان يفعله عندها و ما تشاهده و تسأل غيرها من أماهات المؤمنين و من الصحابة و تحرص على العلم، و لهذا حفظت علمًا عظيمًا و أحاديث كثيرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، بسبب حفظها العظيم و سؤالها غيرها من الصحابة عما حفظوه رضي اللّه عن الجميع. و إذا نوع فصلى في بعض الليالي إحدى عشرة و في بعضها ثلاث عشرة فلا حرج فيه فكله سنة، و لكن لا يجوز أن يصلي أربعًا جميعًا بل السنة و الواجب أن يصلي اثنتين اثنتين لقوله عليه الصلاة و السلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) و هذا خبر معناه الأمر. و لو أوتر بخمس جميعًا أو بثلاث جميعًا في جلسة واحدة فلا بأس فقد فعله النبي عليه الصلاة و السلام، و لكن لا يصلي أربعًا جميعًا، أو ستًا جميعًا، أو ثمان جميعًا، لأن هذا لم يرد عنه عليه الصلاة و السلام، و لأنه خلاف الأمر في قوله: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) و لو سرد سبعًا أو تسعًا فلا بأس، و لكن الأفضل أن يجلس في السادسة للتشهد الأول، و في الثامنة للتشهد الأول ثم يقوم و يكمل. كل هذا ورد عنه عليه الصلاة و السلام، و جاء عنه عليه الصلاة و السلام أنه سرد سبعًا و لم يجلس، فالأمر واسع في هذا، و الأفضل أن يسلم من كل اثنتين و يوتر بواحدة كما تقدم في حديث ابن عمر: ( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى ). هذا هو الأفضل، و هو الأرفق بالناس أيضًا، فبعض الناس قد يكون له حاجات يحب أن يذهب بعد ركعتين أو بعد تسليمتين، أو بعد ثلاث تسليمات، فالأفضل و الأولى بالإمام أن يصلي اثنتين اثنتين و لا يسرد خمسًا أو سبعًا، و إذا فعله بعض الأحيان لبيان السنة فلا بأس بذلك أما سرد الشفع و الوتر مثل صلاة المغرب فلا ينبغي و أقل أحواله الكراهة، لأنه ورد النهي عن تشبيهها بالمغرب فيسردها سردًا ثلاثًا بسلام واحد و جلسة واحدة و اللّه ولي التوفيق.

س 2:هل الأفضل للإمام التنويع في عدد الركعات أم الإقتصار على إحدى عشرة ركعة؟

الجواب :لا أعلم في هذا بأسًا، فلو صلى بعض الليالي إحدى عشرة، و في بعضها ثلاث عشرة فلا شيء فيه، و لو زاد فلا بأس، فالأمر واسع في صلاة الليل لكن إذا اقتصر على إحدى عشرة لتثبيت السنة و ليعلم الناس صلاته حتى لا يظنوا أنه ساهً فلا حرج في ذلك.

س 3:سئل سماحته عن أناس إذا صلوا مع من يصلي ثلاثًا و عشرين يصلون إحدى عشرة ركعة و لا يتمون مع الإمام فهل فعلهم هذا موافق للسنة؟

الجواب:السنة الإتمامة مع الإمام و لو صلى ثلاثًا و عشرين، لأن الرسول عليه الصلاة و السلام قال: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب اللّه له قيام ليلته ) و في اللفظ الآخر ( بقية ليلته) فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف سواء صلى إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، أو ثلاثًا و عشرين، أو غير ذلك، هذا هو الأفضل أن يتابع الإمام حتى ينصرف، و الثلاث و العشرون فعلها عمر رضي اللّه عنه و الصحابة فليس فيها نقص، و ليس فيها إخلال، بل هي من السنن، سنن الخلفاء الراشدين. و دل عليها حديث ابن عمر السابق، لأن النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يحدد فيه عددًا معينًا بل قال: ( صلاة الليل مثنى مثنى ) الحديث.

س 4:ما حكم تتبع المساجد طابًا لحسن صوت الإمام لما ينتج عن ذلك الخشوع و حضور القلب ؟

الجواب:الأظهر و اللّه أعلم أنه لا حرج في ذلك إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، و يرتاح في صلاته و يطمئن قلبه، لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان أو فلان الرغبة في الخير و كمال الخشوع في صلاته فلا حرج في ذلك، بل قد يشكر على هذا و يؤجر على حسب نيته، و الإنسان قد يخشع خلف إمام و لا يخشع خلف إمام بسبب الفرق بين القراءتين و الصلاتين، فإذا كان قصد بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته و ليستفيد من ذلك و ليخشع في صلاته لا لمجرد الهوى و التجول بل لقصد الفائدة و العلم و قصد الخشوع في الصلاة، فلا حرج في ذلك و قد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال: ( أعظم الناس في الصلاة أجرًا أبعدهم فأبعدهم ممشى ) فإذا كان قصده أيضًا زيادة الخطوات فهذا أيضًا مقصد صالح.

س 5:ما حكم التنقل من المسسجد فكل ليلة في مسجد طلبًا لحسن الصوت؟

الجواب:لا أعلم في هذا بأسًا، و إن كنت أميل إلى أنه يلزم المسجد الذي يطمئن قلبه فيه و يخشع فيه، لأنه قد يذهب إلى مسجد آخر لا يحصل له فيه ما حصل في الأول من الخشوع و الطمأنينة، فأنا أرجع حسب القواعد الشرعية أنه إذا وجد إمامًا يطمإن إليه و يخشع في صلاته و قراءته يلزم ذلك أو يكثر من ذلك معه، و الأمر في ذلك واضح لا حرج فيه بحمد اللّه، فلو انتقل إلى إمام آخر لا نعلم فيه بأسًا إذا كان قصده الخير، و ليس قصده شيئًا ىخر من رياء أو غيره، لكن الأقرب من حيث القواعد الشرعية أنه يلزم المسجد الذي فيه الخشوع و الطمأنينة و حسن القراءة أو فيه تكثير المصلين بأسبابه إذا صلى فيه كثر المصلون بأسبابه يتأسون به، أو لأنه يفيدهم و ليس عندهم من يفيدهم و يذكرهم بعض الأحيان، أو يلقي عليهم درسًا، بمعنى أن يحصل لهم بوجوده فائدة، فإذا كان هكذا فكونه في هذا المسجد الذي فيه الفائدة منه أو كونه أقرب إلى خشوع قلبه و الطمأنينة و تلذذه به فكل هذا مطلوب.

س 6:هل الأفضل للإمام أن يكمل قراءة القرآن في صلاة التراويح؟

الجواب:الأمر في هذا واسع، و لا أعلم دليلاً يدل على أن الأفضل أن يكمل القراءة، إلا أن بعض أهل العلم قال: يستحب أن يسمعهم جميع القرآن حتى يحصل للجماعة سماع القرآن كله، و لكن هذا ليس بدليل واضح، فالمهم أن يخشع في قراءته و يطمئن و يرتل و يفيد الناس و لو ما ختم، و لو ما قرأ إلا نصف القرآن أو ثلثي القرآن فليس المهم أن يختم، و إنما المهم أن ينفع الناس في صلاته و في خشوعه و في قراءته حتى يستفيدوا و يطمئنوا، فإن تيسر له أن يكمل القراءة فالحمد للّه، و إن لم يتيسر كفاه ما فعل و إن بقي عليه بعض الشيء، لأن عنايته بالناس و حرصه على خشوعهم و على إفادتهم أهم من كونه يختم، فإذا ختم بهم من دون مشقة و أسمعهم القرآن كله فهذا حسن.


س 7:هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صلى اللّه عليه و سلمالقرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟

الجواب: يستفاد منها المدارسة و أنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده و ينفعه، لأن الرسول عليه الصلاة و السلام دارس جبريل للاستفادة لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند اللّه جل و علا، و هو السفير بين اللّه و الرسل. فجبرائل لا بد أن يفيد النبي صلى اللّه عليه و سلم أشياء من جهة اللّه عز و جل، من جهة إقامة حروف القرآن و من جهة معانيه التي أرادها اللّه، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن، و من يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب. كما دارس النبي صلى اللّه عليه و سلم جبرائيل، و ليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة و السلام، لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند اللّه فيبلغ الرسول عليه الصلاة و السلام ما أمره اللّه به من جهة القرآن، و من جهة ألفاظه، و من جهة معانيه، فالرسول عليه الصلاة و السلام يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر و أفضل من الملائكة عليه الصلاة و السلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى اللّه عليه و سلم و للأمة، لأنها مدارسة لما يأتي به من عند اللّه و ليستفيد مما يأتي به من عند اللّه عز و جل. و فيه فائدة أخرى و هي: أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، و معلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب و حضوره و الاستفادة أكثر من المدارسة نهارًا. و فيه أيضًا من الفوائد: شرعية المدارسة و أنها عمل صالح حتى و لو في غير رمضان، لأن فيه فائدة لكل منهما، و لو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس، يستفيد كل منهم من أخيه و يشجعه على القراءة و ينشطه، فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه، أو زملاء كان ذلك أشجع له و أنشط له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة و المطالعة فيما قد يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير. و يمكن أن يُفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة، لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، و لهذا كان الإمام أحمد رحمه اللّه يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن و هذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، و لكن ليس هذا موجبًا لأن يعجل و لا يتأنى في قراءته، و لا يتحرى الخشوع و الطمأنينة، بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة.


س 8:ما رأيكم حفظكم اللّه و نفع بعلومكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة و لكل ليلة؟
الجواب: لا أعلم في هذا شيئًا، لأن الامر يرجع إلى آجتهاد الإمام، فإذا رأى أن من المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات لأنه أنشط، و رأى من نفسه قوة في ذلك، و رأى من نفسه تلذذًا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع و ينتفع من خلفه، فإنه إذا حسن صوته و طابت نفسه بالقراءة و خشع فيها ينتفع هو و من وراءه فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسًا و الأمر واسع بحمد اللّه تعالى.

س 9:ما حكم مراعاة حال الضعفاء من كبار السن و نحوهم في صلاة التراويح؟

الجواب: هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح و في الفرائض، لقوله صلى اللّه عليه و سلم: ( أيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الضعيف و الصغير و ذا الحاجة ) فالإمام يراعي المأمومين و يرفق بهم في قيام رمضان، و في العشر الأخيرة و ليس الناس سواء، فالناس يختلفون فينبغي له أن يراعي أحوالهم و يشجعهم على المجيء و على الحضور فإنه متى أطال عليهم شق عليهم و نفرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور و يرغبهم في الصلاة و لو بالإختصار و عدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس و يطمئنون فيها و لو قليلاً خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع و يحصل فيها الملل و الكسل.


س 10:ما الضابط في عدم التطويل فبعض الناس يشكون من التطويل؟

الجواب:العبرة بالأكثرية و الضعفاء، فإذا كان الأكثرية يرغبون في الإطالة بعض الشيء و ليس فيهم من يُراعى من الضعفة و المرضى أو كبار السن فإنه لا حرج في ذلك، و إذا كان فيهم الضعيف من المرضى أو من كبار السن فينبغي للإمام أن ينظر إلى مصلحتهم. و لهذا جاء في حديث عثمان بن أبي العاص قال له النبي صلى اللّه عليه و سلم: ( اقتد بأضعفهم ) و في الحديث الآخر: ( فإن وراءه الضعيف و الكبير ) كما تقدم، فالمقصود أن يراعي الضعفاء من جهة تخفيف القراءة و الركوع و السجود و إذا كانوا متقاربين يراعي الأكثرية.

س 11:هل هناك فرق بين التراويح و القيام ؟ و هل من دليل على تخصيص العشر الأواخر بطول القيام و الركوع و السجود؟

الجواب: الصلاة في رمضان كلها تسمى قيامًا كما قال صلى اللّه عليه و سلم: ( من قام رمضان إيمانًا و احتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ) فإذا قام ما تيسر منه مع الإمام سمي قيامًا و لكن في العشر الأخيرة يستحب الإطالة فيها، لأنه يشرع إحياؤها بالصلاة و القراءة و الدعاء، لأن الرسول عليه الصلاة و السلام كان يحيي الليل كله في العشر الأخيرة و لهاذا شرعت الإطالة كما أطال النبي صلى اللّه عليه و سلم، فغنه قرأ في بعض الليالي بالبقرة و النساء و آل عمران في ركعة واحدة فالمقصود أنه عليه الصلاة و السلام كان يطيل في العشر الأخيرة و يحييها، فلهذا شرع للناس إحياؤهاو الإطالة فيها حتى يتأسوا به صلى اللّه عليه و سلم، بخلاف العشرين الأول، فإنه ما كان النبي عليه الصلاة و السلام يحييها كان يقوم و ينام عليه الصلاة و السلام كما جاء في الأحاديث، أما في العشر الأخيرة فكان عليه الصلاة والسلام يحيي الليل كله و يوقظ أهله و يشد المئزر عليه الصلاة و السلام، و لأن فيها ليلة مباركة، ليلة القدر.


س 12:ما حكم حمل الإمام للمصحف؟

الجواب:لا بأس بهذا على الراجح، و فيه خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح أنه لا حرج أن يقرأ من المصحف إذا كان لم يحفظ، أو كان حفظه ضعيفًا و قراءته من المصحف أنفع للناس و أنفع له فلا بأس بذلك. و قد ذكر البخاري رحمه اللّه تعليقًا في صحيحه عن عائشة رضي اللّه عنها أنه كان مولاها ذكوان يصلي بها في الليل من المصحف و الأصل جواز هذا و لكن أثر عائشة يؤيد ذلك أما إذا تيسر الحافظ فهو أولى، لأنه أجمع للقلب و أقل للعبث، لأن حمل المصحف يحتاج وضع و رفع و تفتيش الصفحات فيصار إليه عند الحاجة و إذا استغني عنه فهو أفضل.


س 13:ما حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟

الجواب:لا أعرف لهذا أصلاً و الأظهر أن يخشع و يطمئن و لا يأخذ مصحفًا، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة، يضع يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ و الساعد و يضعهما على صدره هذا هو الأرجح و الأفضل و أخذ المصحف يشغله عن هذه السنن، ثم قد يشغل قلبه و بصره في مراجعة الصفحات و الآيات و عن سماع الإمام، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة، و أن يستمع و ينصت و لا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فتح على إمامه و إلا فتح غيره من الناس، ثم لو قدر أن الإمام غلط و لم يفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة، إنما يضر في الفاتحة خاصة، لأن الناتحة ركن لا بد منها، أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه. و لو كان واحد يحمل المصحف و يفتح على الإمام عند الحاجة فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحد يأخذ مصحفًا فهذا خلاف السنة.

س 14:سئل سماحته عن ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء؟

الجواب:لقد نصحت كثيرًا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء و انه لا ينبغي، لأن هذا يؤذي الناس و يشق عليهم و يشوش على المصلين و على القارىء، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء، و ليحذر من الرياء فإن الشيطان يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحدًا بصوته و لا يشوش عليهم، و معلوم أن بعض الناس ليس ذلك باختياره بل يغلب عليه من غير قصد و هذا معفو عنه إذا كان بغير اختياره، و قد ثبت عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء و جاء في قصة أبي بكر رضي اللّه عنه أنه كان إذا قرأ لا يُسمِع الناس من البكاء و جاء عن عمر رضي اللّه عنه أنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف و لكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء و إنما شيء يغلب عليه من خشية اللّه عز و جل فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلا حرج عليه في ذلك.

س 15:ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب؟

الجواب:لا أعلم في هذا بأسًا لقصد حث الناس على التدبر و الخشوع و الإستفادة، فقد روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه ردد قوله تعالى: (( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ آلْعَزِيزُ آلْحَكِيمُ )) (1) رددها كثيرًا عليه الصلاة و السلام فالحاصل أنه إذا كان لقصد صالح لا لقصد الرياء فلا مانع من ذلك، لكن إذا كان يرى أن ترديده لذلك قد يزعجهم و يحصل به أصوات مزعجة من البكاء فترك ذلك أولى حتى لا يحصل تشويو، أما إذا كان ترديد ذلك لا يترتب عليه إلا خشوع و تدبر و إقبال على الصلاة فهذا كله خير.

س16ما حكم ترديد آيات الصفات؟

الجواب:لا أعلم في هذا شيئًا منقولاً، لأن الذي نقل عن النبي عليه الصلاة و السلام ليس فيه تفصيل بين آيات الصفات و غيرها فيما نعلم، فقد يكون البكاء و الخشوع عندها، فآيات الصفات لا شك أنها مما يؤثر و يستدعي البكاء لأنه يتذكر عظمة اللّه و عظيم إحسانه فيبكي مثل قوله جل و علا: (( إِنَّ رَبَّكُمُ آللّهُ آلَّذِي خَلَقَ آلسَّمَاوَاتِ وَ آلْأَ رْضَ فِي سِتَّةِ أّيَّأمٍ ثُمَّ آسْتَوَى عَلَى آلْعَرْشِ يُغْشِي آلَّيْلَ آلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا )) (2). الآية.

فإنه إذا تدبّرها أوجل له ذلك البكاء و الخشوع من خشية اللّه جل و علا، و هكذا ما أشبهها من الآيات مثل قوله تعالى: (( هُوَ آلَّهُ آلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ آلْغَيْبِ وَ آلشَّهَادَةِ هثوَ آلرَّحْمَانُ آلرَّحِيمُ -22- هُوَ آلَّهُ آلَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ آلْمَلِكُ آلْقُدُّوسُ آلسَّلاَمُ آلْمُؤْمِنُ آلْمُهَيْمِنُ آلْعَزِيزُ آلْجَبَّارُ آلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ آللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) (3) إلى آخر السورة ، كل هذه الآيات مما يسبب البكاء لتذكره عظمة اللّه و كمال إحسانه إلى عباده، و كمال معاني هذه الصفات فيؤثر عليه ما يسبب البكاء، فالتدبر للآيات التي فيها أسماء اللّه و صفاته مهم جدًا كتدبر الآيات التي فيها ذكر الجنة و النار و فيها ذكر الرحمة و العذاب و كان عليه الصلاة و السلام إذا مرت به آية التسبيح سبح في صلاة الليل، و إذا مرت به آية وعيد استعاذ، و إذا مرت به آيات الوعد دعا، روى ذلك حذيفة رضي اللّه عنه: عنه عليه الصلاة و السلام. هذا من فعله عليه الصلاة والسلام، و سنته الدعاء عند آيات الرجاء، و التعوذ عند آيات الخوف، و التسبيح عند آيات أسماء اللّه و صفاته

يتابع