أحمد بن صالح الزهراني أبو عمر الكناني


يقول الزهراني :
أشعر أنّ بعض الإخوة بدأ يتخوّف من تهويل المخالف في مسألة جنس العمل واتّهام القائل بعدم تكفير تارك العمل بمذهب المرجئة ، والبعض ينقل عن الشيخ علي حسن الحلبي أنّه تراجع في هذه النّقطة ، وأقول ما يلي :
1 إذا تكلّم طالب العلم في مسألة فلا بدّ أن يلتزم أصلها وفرعها ولا يهمّ كثيراً كونها متصوّرة الوقوع أو لا ، وليكن في يقين الجميع أنّ ما أتى في النصوص واقع سواء علمنا أم لا ..
2 يتكرّر من المخالفين الضّغط والاتّكاء على نقولات شيخ الإسلام ، ونحن لا ننكر علمه وفضله رحمه الله ، لكنه ليس بمعصوم ، فلو أنّه رحمه الله تبنّى القول بكفر تارك العمل الظاهر لما كان ذلك حجّة على من خالفه ولو كان في زمننا هذا ، وأنا في عجب شديد من مذهب يدّعي أصحابه إجماع السلف عليه ، لا نجد تفصيلاً وتقريراً له إلاّ في القرن الثامن مع أنّ المرجئة حدثت في القرن الأوّل .
3 عندما نقول إنّ تارك العمل الظّاهر لا يكفر فالمقصود الأعمال المأمور بها كالصلاة والزكاة ونحوها ، فمن تركها وأتى بالشّهادتين دون ارتكاب ناقض لها لا يعني هذا أنّه لا يقوم بعمل البتة ، بل هو قائم بأعظم الأعمال وأحبّها وأجلّها عند الله : ألا وهو ترك الشرك ، فترك الشّرك امتثال من العبد لأمر الله له باجتناب الشّرك ، وهذا الظّاهر هو الملازم لقول الشهادتين صحّة ووجوداً ، ومن هنا فإنّ المقر بالشّهادتين دون أن ينقضها بالشّرك لم ينعدم لديه الظّاهر ، بل الباطن عنده أثّر في الظّاهر باجتناب الشرك ، مع النّطق بالشهادتين وهو دليل الصدق فيها، لكنّه ضعُف عن الإتيان بالعمل ، فنقد هذا القول بأنّه فصل للظاهر عن الباطن يدلّ على قصور فهم الناقد في الحقيقة، ولا يؤثّر في هذا الخلاف الأصولي في الترك هل هو عمل أم لا ، مع أنّ الصحيح أنّه فعل .
4 سؤال للّذين يعتبرون الانقياد شرط لصحّة الشهادتين ، وهو ما أكّده شيخ الإسلام كثيراً : ما هو الانقياد المشروط لصحّة الشّهادتين ؟
يظنّ البعض أنّه العمل الظّاهر وهذا خطأ بل العمل الظاهر من كمال الانقياد الواجب ، أمّا الانقياد المصحّح للشّهادتين فهو خضوع القلب وإن لم يعمل العبد المأمور ،وهذا قرّ{ه شيخ الإسلام في كتابه الصارم المسلول 3 / 967ـ968 .( الطبعة الجديدة المحققة ).
وإذا كان كذلك فلا يوجد في قواعد الشرع ولا في نصوص الوحيين ولا في كلام الأئمّة السالفين ما يمنع أو يعارض القول بأنّ من أتى بالشهادتين صحّت منه إذا قالها بصدق وإخلاص قلبي ، ويكون هذا أصل إيمانه وأوّله ، ويستحق به دخول الجنة ولو بعد حين .
وتأمّلوا معي حفظكم الله حديث ابن عباس لما بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن ماذا قال له : ( فليكن أوّل ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ...) الخ .
هل أمره صلى الله عليه وسلّم أن يدعوهم أوّل الأمر إلى قول الشهادتين قولاً مجرداً بدون ما هو لا زم لصحّتها ؟ طبعاً لا ، لأنّ مجرّد قولها لا يُقبل مالم يرافقه شروط صحّتها هذا لا ينبغي أن يخالف فيه أحد .
وإذا كان كذلك فإنّه ليس من شرط صحّتها أن يصحبها عمل ظاهر لأنّه لم يرد ولأنّه أمره صلى الله عليه وسلم أنّ يثني بأمرهم بالصلاة ، ول كان عمل من الأعمال يستحق أن يكون شرطاً لصحّة الشّهادتين لكانت الصّلآة ، ولو كانت كذلك أو غيرها من العمل لأمره النّبي صلى الله عليه وسلّم أن يأمرهم بالشّهادتين والصّلاة في مرتبة واحدة لا أنّ يجعل الأمر بالصّلاة مبنياً على استجابتهم لقول الشّهادتين ، وهذا هو التسلسل المنطقي والشرعي أنّ الشهادتين شرط لصحّة العمل ، لا أن يكون العمل شرط لصحّة الشّهادتين ، وهذا في ظنّي فهم معكوس وتفكير منكوس ، وليعذرني الإخوة .

[ مقاله : تنبيه مهم في قضيّة جنس العمل ( لغرض التنبيه ) ]