الحمدلله والصلاة والسلام على خاتم رسل الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد ,,,
فالإيمان والاسلام من المسائل العظيمة التي علق الله سبحانه وتعالى بها السعادة في الدنيا والآخرة واستحقاق الجنة ومن حرم الاسلام فقد حرم السعادة في الدنيا والآخرة وفي مسمى الإسلام والإيمان وقع أول خلاف في هذه الأمة وهو خلاف الخوارج لأنهم قالوا بكفر مرتكب الكبيرة وإخراجه من حيز الإيمان والإسلام وتخليده في عذاب النار ووقف في مقابلهم المرجئة الذين شهدوا لتارك العمل بالايمان التام والكامل وأن إيمان الفاسق الفاجر العربيد السكير كإيمان الأنبياء وجبريل عليهم الصلاة والسلام جميعاً وهذا لاشك أنه انحراف في مقابل انحراف الخوارج أما قول أهل السنة والجماعة في الايمان فهو أن الايمان عبارة عن تصديق شرعي ليس تصديق لغوياً فحسب كما قالت المرجئة ,
وكما قالت الماتريدية في هذا الباب لأنهم قالوا : إن الايمان عبارة عن التصديق واحتجوا بقول الله عز وجل : " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " عن إخوة يوسف لكن في الحقيقة أن الإيمان وإن كان هذا هو معناه في اللغة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الإيمان وقد تكلم بالأحاديث التي تبين حقيقة الإيمان فلا يمكن أن نمهل هذه الأدلة ونتمسك بتعريف الإيمان لغة ً لأن الأسماء كما هو معلوم إما أن يكون اسماً له حقيقة لغوية أو اسماً له حقيقة شرعية أو اسماً له حقيقة عرفية وأما اسم الإيمان والإسلام فقد كثرت في ذكر هذه الأسماء النصوص من الكتاب والسنة التي تبين الحق الذي يجب اتباعه فالله سبحانه وتعالى قد ذكر في كتابه من الآيات ما يبين الإيمان ويبين من هم أهل الإيمان فقال سبحانه وتعالى : " إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون , الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون , أولئك هم المؤمنون حقا . " .
وقال سبحانه وتعالى : " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما "
وقال عز وجل : " وما كان الله ليضيع إيمانكم" يعني صلاتكم فسمى الصلاة إيماناً .
وأما من السنة فالرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه وفد عبد القيس قال لهم : ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده ) قالوا : الله ورسوله أعلم , فقال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بالله وحده أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتعطوا الخمس من المغنم) فهذا بيان الإيمان وهو عبارة عن أعمال ولهذا قال السلف : إن الإيمان في الكتاب والسنة قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالاركان , وهذه الثلاثة هي الإيمان التام فالإيمان مُكون من هذه الأركان الثلاثة , الإقرار أن تقر بلسانك ومن لم يقر بلسانه فليس بمؤمن ابدا إلا من يمنعه من ذلك مانع ولا يقبل إيمان من لم يقر بالايمان , والركن الثاني التصديق بالقلب أن يصدق العبد بقلبه وأن يكون مافي قلبه مطابق لما على لسانه فمن تكلم بكلمة التوحيد غير معتقد لها فهو منافق والله عز وجل بيين أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولأنهم يقولون ما لا يعتقدوم قال تعالى : " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" لأنهم غير معتقدين " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " إذن كانوا يقولوم ما لا يعتقدون وإذا فهم كفار لأنهم لم يصدقوا بقلوبهم , والثالث العمل بالاركان لأن الله تبارك وتعالى سمى إقام الصلاة إيمانا وسمى الزكاة إيمانا وسمى الصيام إيمانا قال تعالى : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الخشوع والخوف نت الله من الايمان قال تعالى : " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون" قالتوكل من أعمال الإيمان وهو عمل " الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " هذه كلها أعمال الإيمان ولذلك فالسلف مجمعون على أن الايمان قول وعمل ونية قلبية وأن الأعمال كلها داخله في مسمى الإيمان والسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا اله الا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) .
إذن الإيمان شعب وفروع متعدده يكمل بعضها بعضا والبخاري رحمه الله قال في كتاب الإيمان : (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس , وهو قول وفعل يزيد وينقص ) فالايمان إذن قول وفعل وتصديق وهو أيضاً يزيد وينقص يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله : ( أنكر السلف على من أخرج الأعمال من الايمان انكاراً شديداً ) الذي ينكر الأعمال من الايمان يكون قد خالف الكتاب والسنة وخالف اجماع الأمة ويقول البخاري أيضاً رحمه الله :( لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط بغداد والشام ومصر أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة فما رأيت واحد منهم يختلف في هذه الأشياء أن هذا الدين قول وعمل وذلك لقول الله تعالى :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " ويقول الحافظ ابن عبد البر : (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الايمان قول وعمل ولا عمل إلا بنية والايمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والطاعات كلها عندهم إيمان ) فالصحابة متفقون وكذا من جاء بعدهم من النابعين والتابعين لهم بإحسان أن الايمان قول وعمل ونية وأنه يزيد وينقص لقول الله تبارك وتعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " هذا نص قاطع يخبر الله تعالى فيه أن الايمان يزيد ويقول سبحانه :" ويزيد الذين اهتوا هدى" وقال سبحانه وتعالى في الآية السابقة :" وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " .
وكل شئ فهو معرض للنقصان أما المرجئة والماتريدية وكثر من الأحناف فإنهم قالوا إن الايمان في الناس في أصله واحد ومتساوون وأن الأعمال ليست منالايمانوهذا قول باطل يخالف الكتاب والسنة لأن آيات الكتاب وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تنطق بأن الأعمال من الايمان لكنهم قالوا إن الناس في أصل الايمان واحد فهذا كلام باطل لأن الناس في أصل الايمان أيضاً مختلفون ليسوا بمتفقين بحسب ما تظهر للناس من الأدلة ووضوحها فقد يتضح للإنسان من الأدلة ما لا يتضح لغيره , ولهذا يكون ايمانه أقوى من إيمان غيره ولا يشك عاقل أن المؤمنين يتفاوتون في التقوى والايمان تفاوتا عظيما وأعظم اسباب ذلك تفاوتهم في التصديق القلبي أعظم ما يتفاوت فيه الناس يقول الامام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :(فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون ايمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ويتزلزل ايمانهم بعارض بل لا تزال قلوبهم منشرحه نيره وإن اختلفت عليهم الأحوال وأما غيرهم من المؤلفة ومن أقاربهم ونحوهم فليسوا كذلك فهذا مما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس .
ولهذا قال البخاري في صحيحة :(قال ابن أبي مليكه أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل واله أعلم) فهذا يدل على أن الناس متفاوتون في أصل الايمان وهو التصديق فليس بصحيح أن يقال أن الناس في أصل الإيمان واحد بال الناس في أصل الإيمان أيضاً متفاوتون قوة وضعفاً بحسب اليقين وبحسب ما يظهر لهم من الأدلة وبحسب التصديق الذي يكون في القلب .