النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: (قصر الأمل في الدنيا والعمل لما بعد الموت) لفضيلة الشيخ فالح الحربي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    الدولة
    مدينه
    المشاركات
    48

    (قصر الأمل في الدنيا والعمل لما بعد الموت) لفضيلة الشيخ فالح الحربي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    قرأت كما قرأ غيري ما كتبه ريحانة المدينة أبي عبد الرحمن فالح بن نافع بن فلاح المخلفي الحربي -نصره الله- حول قول ربيع المدخلي (( ولا يلتقي الجسد والروح إلا يوم القيامة)) فبين الشيخ وفقه الله معتقد أهل السنة والجماعة و ألجم ربيع المدخلي ، وكل من يعتقد هذا الإعتقاد الباطل، فجزاه عن المسلمين خير جزاء .
    وأني قد وقفت على مواعظ تأثر في النفس ، وتزهد من الدنيا فأحببت أن أضعها بين يدي أخواني الأثريين ، رجياً من الله أن يتنفعوا بها إنه سميع الدعاء.

    (قصر الأمل في الدنيا والعمل لما بعد الموت)
    من كتاب
    النقض المثالي في فضح مذهب ربيع المدخلي الاعتزالي




    وللإمام الحافظ ابن رجب كلام أحسن فيه – رحمه الله – أيما إحسان في قصر الأمل في الدنيا والعمل لما بعد الموت في شرحه للأربعين النووية ( جامع العلوم والحكم ص 376" عند الحديث الأربعون ") الذي رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابرُ سبيل».
    وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"
    قال الحافظ في شرحه: "هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا؛ وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر: يهيئ جهازه للرحيل.
    وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال:  يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39].
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول «مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها».
    ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال لهم: اعبروها ولا تعمروها، وروي عنه أنه قال: من ذا الذي يبني على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً.
    ودخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم؟ فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه، قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
    ودخلوا على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا إنا نرى بيتك بيت رجل مرتحل، فقال أمرتحل؟ لا، ولكن أُطْرَدُ طرداً.
    وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.
    قال بعض الحكماء: عجبت ممن الدنيا مولية عنه، والآخرة مقبلة إليه، يشتغل بالمدبرة، ويعرض عن المقبلة.
    وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا - رحمكم الله - منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
    وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة، ولا وطنا، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة، فلهذا وصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين:
    فأحدهما: أن ينزل المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا، يتخيل الإقامة لكن في بلد غربة، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة، بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه، وإنما هو مقيم في الدنيا ليقضي مرمّة جهازه إلى الرجوع إلى وطنه.
    قال الفضيل بن عياض: المؤمن في الدنيا مهموم حزين، همه مرمة جهازه ومن كان في الدنيا كذلك فلا هم له إلا التزود بما ينفعه عند عوده إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم، ولا يجزع من الذل عندهم.
    قال الحسن: المؤمن كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن.
    لما خلق آدم عليه السلام أسكن هو وزوجته الجنة، ثم أهبط منها، ووعد بالرجوع إليها، وصالح ذريتهما، فالمؤمن أبداً يحن إلى وطنه الأول، وحب الوطن من الإيمان كما قيل:
    كم منزل للمرء يألفه الفتي *** وحنينه أبداً لأول منزل

    ولبعض شيوخنا: [ ابن القيم]:
    فحي على جنات عدن فإنها *** منازلك الأولي وفيها المُخيم
    ولكننا سبي العدو فهل ترى *** نعود إلى أوطاننا ونُسلَّم
    وقد زعموا أن الغريب إذا نأى *** وشطت به أوطانه فهو مغرم
    وأي اغتراب فوق غربتنا التي *** لها أضحت الأعداء فينا تحكم

    وكان عطاء السلمي يقول في دعائه اللهم ارحم في الدنيا غربتي وارحم في القبر وحشتي وارحم موقفي غداً بين يديك….
    وما أحسن قول يحيى بن معاذ الرازي الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين.
    الحال الثاني: أن ينزل المؤمن نفسه في الدنيا كأنه مسافر غير مقيم البتة وإنما هو سائر في قطع منازل السفر حتى ينتهي به السفر إلى آخره وهو الموت ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهمته تحصيل الزاد للسفر فليس له همة للاستكثار من طلب متاع الدنيا ولهذا وصي النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب.
    قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت قال ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة؟
    وقال الحسن: إنما أنت أيام مجموعة كلما مضي يوم مضي بعضك وقال ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك يوضعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل حتى يسلمانك إلى الآخرة فمن أعظم منك يا ابن آدم خطرا وقال الموت معقود بنواصيكم والدنيا تطوي من ورائكم.
    قال داود الطائي: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بغتك.
    وكتب بعض السلف إلى أخ له يا أخي يخيل لك أنك مقيم بل أنت دائب السير تساق مع ذلك سوقا حثيثا الموت متوجه إليك والدنيا تطوي من ورائك وما مضي من عمرك فليس بكار عليك يوم التغابن.
    سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولا بد من زاد لكل مسافر
    ولا بد للإنسان من حمل عدة *** ولا سيما إن خاف صولة قاهر

    وقال بعض الحكماء: كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله وتقوده حياته إلى موته. وقال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك قال ستون سنة قال فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ فقال الرجل إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: أتعرف تفسيره؟ تقول إنا لله وإنا إليه راجعون فمن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا فقال الرجل فما الحيلة قال يسيرة قال ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضي فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضي وبما بقي وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
    وإن امرأ قد سار ستين حجة *** إلى منهل من ورده لقريب

    قال بعض الحكماء: من كانت الأيام والليالي مطاياه سارت به وإن لم يسر وفي هذا قال بعضهم:
    وما هذه الأيام إلا مراحل *** يحث بها داع إلى الموت قاصد
    وأعجب شيء لو تأملت أنها *** منازل تطوي والمسافر قاعد

    وقال آخر:
    ويا ويح نفس من نهار يقودها *** إلى عسكر الموتى وليل يذودها

    قال الحسن: لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال هيهات قد صحبا نوحاً وعادا وثموداً وقرونا بين ذلك كثيرا فأصبحوا قد أقدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم وأصبح الليل والنهار غضين جديدين لم يبلهما ما مرا به مستعدين لمن بقي بمثل ما أصاب به من مضي.
    وكتب الأوزاعي إلى أخ له أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة فاحذر الله والمقام بين يديه وأن يكون آخر عهدك به والسلام.
    نسير إلى الآجال في كل لحظة *** وأيامنا تطوي وهن مراحل
    ولم أر مثل الموت حقا كأنه *** إذا ما تخطته الأماني باطل
    وما أقبح التفريط في زمن الصبا *** فكيف به والشيب للرأس شاعل
    ترحل من الدنيا بزاد من التقي *** فعمرك أيام وهن قلائل

    وأما وصية ابن عمر فهي مأخوذة من هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل وإن الإنسان إذا أمسي لم ينتظر الصباح وإذا أصبح لم ينتظر المساء بل يظن أن أجله يدرك قبل ذلك وبهذا فسر غير واحد من العلماء الزهد في الدنيا قال المروزي قيل لأبي عبد الله يعني أحمد أي شيء الزهد في الدنيا قال قصر الأمل من إذا أصبح قال لا أمسي قال وهكذا قال سفيان قيل لأبي عبد الله بأي شيء نستعين على قصر الأمل قال ما ندري إنما هو توفيق.
    قال الحسن: اجتمع ثلاثة من العلماء فقالوا لأحدهم ما أملك قال ما أتي على شهر إلا ظننت أني سأموت فيه قال فقال صاحباه إن هذا لأمل فقالا لأحدهم فما أملك قال ما أتت على جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها قال فقال صاحباه إن هذا لأمل فقالا للآخر فما أملك قال ما أمل من نفسه في يد غيره.
    قال داود الطائي: سألت عطوان بن عمرو التميمي، قلت: ما قصر الأمل؟ قال: ما بين تردد النفس، فحدث بذلك الفضيل بن عياض، فبكى، وقال: يقول: يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه، لقد كان عطوان من الموت على حذر.
    وقال بعض السلف: ما نمت نوماً قط، فحدثت نفسي أني أستيقظ منه.
    وكان حبيب أبو محمد يوصي كل يوم بما يوصي به المحتضر عند موته من تغسيله ونحوه، وكان يبكي كلما أصبح أو أمسى، فسُألت امرأته عن بكائه، فقالت: يخاف –والله- إذا أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسي.
    وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها فكان هذا دأبه إذا أراد النوم.
    وقال بكر المزني إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب، فليفعل، فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا، ويصبح في أهل الآخرة.
    وكان أويس إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أمسى ظن أنه لا يصبح، وإن أصبح ظن أنه لا يسمي فيبشر بالجنة أو النار؟.
    وقال عون بن عبد الله: ما أنزل الموت كنه منزلته من عد غداً من أجله، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، وكم من مؤمل لغد لا يدركه، إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره، لبغضتم الأمل وغروره، وكان يقول إن من أنفع أيام المؤمن له في الدنيا ما ظن أنه لا يدرك آخره.
    وكانت امرأة متعبدة بمكة إذا أمست قالت يا نفس، الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فاجتهدت فإذا أصبحت قالت يا نفس، اليوم يومك، لا يوم لك غيره فاجتهدت.
    وقال بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعلي لا أصلي غيرها وهذا مأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" صل صلاة مودع".
    وأقام معروف الكرخي الصلاة ثم قال لرجل تقدم فصل بنا، فقال الرجل: إني إن صليت بكم هذه الصلاة، لم أصل بكم غيرها، فقال معروف وأنت تحدث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى؟ نعوذ بالله من طول الأمل، فإنه يمنع خير العمل.
    وطرق بعضهم باب أخ له، فسأل عنه، فقيل له: ليس هو في البيت فقال: متى يرجع؟ فقالت له جارية من البيت: من كانت نفسه في يد غيره من يعلم متى يرجع ولأبي العتاهية من جملة أبيات:
    وما أدري وإن أملت عمراً *** لعلي حين أصبح لست أمسي
    ألم تر أن كل صباح يوم *** وعمرك فيه أقصر منه أمس

    وهذا البيت الثاني أخذه مما روي عن أبي الدرداء والحسن أنهما قالا: ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك، ومما أنشد بعض السلف:
    إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل

    فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل

    قوله:" وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك"، يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت وفي رواية:" فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً" يعني: لعلك غداً من الأموات دون الأحياء.
    وقد روي معنى هذه الوصية عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، ففي (صحيح البخاري) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" وفي (صحيح الحاكم) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
    وقال غنيم بن قيس كنا نتواعظ في أول الإسلام: ابن آدم، اعمل في فراغك قبل شغلك، وفي شبابك لكبرك، وفي صحتك لمرضك، وفي دنياك لآخرتك، وفي حياتك لموتك.
    وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة».
    وفي (الترمذي) عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنظرون إلا إلى فقر منس أو غنى مطغٍ أو مرضٍ مفسدٍ، أو هرمٍ مفندٍ، أو موت مجهز، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟».
    والمراد من هذا أن هذه الأشياء كلها تعوق عن الأعمال فبعضها يشغل عنه، إما في خاصة الإنسان كفقره وغناه ومرضه وهرمه وموته وبعضها عام كقيام الساعة وخروج الدجال وكذلك الفتن المزعجة، كما جاء في حديث آخر :"بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم".
    وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل كما قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراًً،[الأنعام:158]. وفي (الصحيحين) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، فـذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً".
    وفي (صحيح مسلم) عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، طلوع الشمس من مغربها والدجال، ودابة الأرض».
    وفيه أيضاً عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه".
    وعن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
    وخرج الإمام أحمد، والنسائى، والترمذى، وابن ماجه من حديث صفوان بن عسال، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" إن الله فتح باباً قبل المغرب عرضه سبعون عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه".
    وفي (المسند) عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو، ومعاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفي الناس العمل".
    وروي عن عائشة قالت: إذا خرج أول الآيات، طرحت الأقلام، وحبست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال. خرجه ابن جرير الطبري، وكذا قال كثير بن مرة ويزيد بن شريح، وغيرهما من السلف إذا طلعت الشمس من مغربها طبع على القلوب بما فيها، وترفع الحفظة والعمل، وتؤمر الملائكة أن لا يكتبوا عملاً، وقال سفيان الثوري: إذا طلعت الشمس من مغربها طوت الملائكة صحائفها ووضعت أقلامها.
    فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها ويحال بينها وبينه إما بمرض أو موت أو بأن يدركه بعض هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل. قال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة ويوشك أن تنفق فلا يوصل منها إلى قليل ولا كثير ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه ويتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل، فلا تنفعه الأمنية.
    قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَأَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:54-58].
    وقال تعالى:  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون،[المؤمنون:99-100].
    وقال عز وجل: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَوَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا  [المنافقون:10-11].
    وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً:" ما من ميت يموت إلا ندم"، قالوا: وما ندامته قال:" إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً، ندم أن لا يكون استعتب".
    فإذا كان الأمر على هذا فيتعين على المؤمن اغتنام ما بقي من عمره ولهذا قيل: إن بقية عمر المؤمن لا قيمة له وقال سعيد بن جبير كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة، وقال بكر المزني: ما من يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول يا ابن آدم، اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: ابن آدم، اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي، ولبعضهم:
    اغتنم في الفراغ فضل ركوع *** فعسي أن يكون موتك بغته
    كم صحيح رأيت من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته

    وقال محمود الوراق:
    مضى أمسك الماضي شهيداً *** معدلاً وأعقبه يوم عليك جديد
    فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة *** فثن بإحسان وأنت حميد
    فيومك إن أعتبته عاد نفعه *** عليك وماضي الأمس ليس يعود
    ولا ترج فعل الخير يوماً إلى غد *** لعل غداً يأتي وأنت فقيد

    وفي: العاقبة في ذكر الموت والآخرة لعبد الحق الأشبيلي، (ص197):
    قال أنشدوا:
    لمن جدث أبصرته فشجانـي *** وأرسل في شجو الهمـوم عـنان
    سفكت عليه أدمعاً فسقيتـه *** كما هو من كأس الشجون سقاني
    وقفت به حيران وقفة هائم *** أعـالج قلـباً دائـم الخفقـانـي
    وما بي من في القبر لكن رأيته *** على حالة فيها وشيك أراني

    وأنشدوا أيضاً:
    لمن الأقبر في تلك الربى *** ملأت صدري شجواً وأسى
    لمن الأوجه فيها كسفت *** بعد حسن وجمال وضيا
    لمن الأجسام فيها بليت *** بعد زهو وشباب وانتشا
    ومن الفرسان فيها قد نسوا *** روعة الحرب بروعات الثرى
    ورموا إذ هتف الموت بهم *** بسيوف الهند رعباً والقنا
    ومن الخرّد فيها شد ما *** فتكت قبل بآساد الشرى
    نظر الموت إليها فغدت *** تنفر الأنفس منها إذ ترى
    لمن الأقبر في تلك الربى *** ألبست جسمي أثواب الضنا
    يا جفوناً أرسلت أدمعها *** ما بذا بأس لو ارسلت الدما
    صاح يا صاح ونيران الجوى *** علقت مني بأثناء الحشا
    لا تظنن بكائي لهم *** ليس والله لهم هذا البكا
    إنما أبكي لنفسي لا لهم *** فكأني اليوم فيهم أو غدا

    روى الأمام أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا (في المحتضرين ص311) عن البهي قال لما احتضر أبو بكر جاءت إليه عائشة رضي الله عنهما فتمثلت في هذا البيت :
    لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

    فكشفت عن وجهه فقال: ليس كذاك ولكن قولي:  وجاءت سكرة الموت بالحق ذالك ما كنت منه تحيد، انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما، وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.
    روى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وابن ماجه في سننه، وابن أبي الدنيا (في المحتضرين ص311) عن عائشة رضي الله عنها قالت:"رأيت النبي صلى الله عليه سلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح فيمسح وجهه ويقول: «اللهم أعني على سكرات الموت».
    هذا آخر ما تيسر ولعل فيه كفاية، والله أسأل أن يجعله علماً نافعاً.
    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
    وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    التعديل الأخير تم بواسطة المعتز بالله ; 07-06-2007 الساعة 01:12 AM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2005
    الدولة
    وطني
    المشاركات
    621
    والله إنها مواعظ مؤثرة في النفوس جزى الله علماء أهل السنة خير الجزاء،،،
    وجزاك الله خيراً أخي المعتز بالله وحيَّاك بين إخوانك أهل الأثر ثبتنا الله وإياك على السنة .
    قال إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ :
    ( العلم لا يعدله شيء إذا صلحت النيَّة . قيل : وما صلاح النيَّة ؟ قال :
    أن ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره
    ) .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الدولة
    ////////////////
    المشاركات
    1,254
    جزاك الله خيرا و بارك الله فيك

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2004
    المشاركات
    2,615
    بارك الله فيك وحفظ الله الشيخ فالح
    قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: فمن أعرض عن الله بالكلية أعرض الله عنه بالكلية، ومن أعرض الله عنه لزمه الشقاءُ والبؤس والبخس فى أحواله وأعماله وقارنه سوءُ الحال وفساده فى دينه ومآله، فإن الرب تعالى إذا أعرض عن جهة دارت بها النحوس وأظلمت أرجاؤها وانكسفت أنوارها وظهرت عليها وحشة الإعراض وصارت مأْوى للشياطين وهدفاً للشرور ومصباً للبلاءِ، فالمحروم كل المحروم من عرف طريقاً إليه ثم أَعرض عنهاْ....

    موقع فضيلة العلامة الشيخ فالح بن نافع الحربي حفظه الله
    http://www.sh-faleh.com/index.php

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •