ص319
الدرس الثالث والثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
[الأسئلة] نجيب على بعض الأسئلة: بودي لو الإخوة كتبوا الأسئلة في أوراق؛ لأن بقاء الأسئلة أيضا مفيد...
س1/ هل عدم اشتراط فهم الحجة أن لا يفهموا مقصود الشارع؟
ج/ ذكرنا لكم مرارا أن العلماء الذين نصوا على أن فهم الحجة ليس بشرط في صحة قيام الحجة بَنَوا على الدليل وهو قول الله جل وعلا ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾( ) فالله جل وعلا جعل على القلوب أكنة بأن لا يفهموه، فدلّ على أن الفهم والفقه -فقه الحجة- ليس بشرط؛ لأن إقامة الحجة في القرآن تلاوة القرآن عليهم وهم أهل اللّسان كاف في قيامها.
فصار إذن الحال مشتمل على أن إقامة الحجة شرط، ومعنى إقامة الحجة أن تكون الحجة من الكتاب أو من السنة أو من الدليل العقلي الذي دل عليه القرآن أو السنة، وأن فهم اللسان العربي فهم معنى الحجة بلسان من أقيمت عليه هذا لابد منه؛ لأن المقصود من إقامة الحجة أن يفهم معاني هذه الكلمات، أن يفهم معنى الحديث، أن يفهم معنى الآية.
وأما ما لا يشترط وهو فهم الحجة، فيراد به أن تكون هذه الحجة أرجح من الشبه التي عنده؛ لأن ضلال الضالين ليس كله عن عناد، وإنما بعضه ابتلاء من الله جل وعلا، وبعضه للإعراض، وبعضه لذنوب منهم ونحو ذلك.
لهذا فإن فهم الحجة على قسمين:
يراد بفهم الحجة فهم معاني الأدلة، هذا لابد منه، فلا يكتفي في إقامة الحجة على أعجمي لا يفهم اللغة العربية أن تتلى عليه آية باللغة العربية، وهو لا يفهم معناها، ويقال قد بلغه القرآن والله جل وعلا يقول ﴿لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾[الأنعام:19]، هذا ليس بكافٍ لابد أن تكون الحجة بلسان من أقيمت عليه ليفهم المعنى، قال سبحانه ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[إبراهيم:4].
المعنى الثاني لفهم الحجة أن يفهم كون هذه الحجة أرجح من شبهته التي عنده، المشركون -كما قررنا لكم في شرح كشف الشبهات- عندهم علم وعندهم كتب وعندهم حجج كما أخبر الله جل وعلا في كتابه، فهم حجة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهم القرآن، فهم حجة النبي عليه الصلاة والسلام العقلية التي أدلى بها عليهم بعد الوحي، هذه معناها أن يفهموا المعنى، إذا كانوا هم فهموا المعنى؛ لكن مثل ما يقول القائل ما اقتنع أن هذه الحجة أقوى من الشبهة التي عنده، فهذا ليس بشرط.
فإذن ما يُشترط من فهم الحجة والقسم الأول؛ وهو فهم المعنى فهم دلالة الآية باللغة العربية ونحو ذلك، أما فهم الحجة بمعنى كون هذه الحجة أرجح بالمقصود وأدلّ على بطلان عبادة غير الله أو على بطلان الباطل، هذا ليس بشرط المهم يفهم معناها ودلالتها، ثم بعد ذلك الله جل وعلا يُضل من يشاء ويهدي من يشاء.
س2/ يقول إذا كان الإمام أحمد رحمه الله أقام الحجة على أحمد بن أبي دؤاد والمعتصم، فلم لم يكفرا مع إصرارهما على البدعة؟ فإن كان لم يقم عليهما الحجة فلماذا لم يقم عليهما الحجة مع أنه في موقف يجب عليه إقامة الحجة؟
ج/ هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، وتفصيله ينبني على فهم واقع فتنة خلق القرآن.
وفي الجملة منهج أهل السنة وأهل العلم أنهم يجعلون هذه الفتنة فيها شبهة، فلم يكفروا بحصول الفتنة لا من جهة الوالي ولا من جهة من أجاب من المسلمين؛ لكن من أهل العلم من كفَّر ابن أبي دؤاد وكفر أمثالَه العلماءَ.
لأن العالم يفهم حجة القرآن، وإذا كان بقيت عليه الشبهة في مثل هذا الأمر العظيم فإنه:
• إما أن يكون مقصرا في البحث عن الحق.
• وإما أن لا يكون.
فإن كان مقصّرا في البحث عن الحق مع قربه منه فلا يلومن إلا نفسه، وهذا لا يمنع من الحكم عليه بالكفر عينا.
وإذا كان غير مقصّر في البحث عن الحق؛ ولكن بقيت الشبهة عنده، فهذا لابد من أن تزال عنه الشبهة مع اختلاف المسائل في ذلك، لكن هذا الكلام بخصوص القول بخلق القرآن.
فمن أهل العلم من كفر ابن أبي دؤاد ومنهم من لم يكفره عينا لأجل الشبهة التي عنده.
كما ذكرنا لكم مسائل المعتزلة والخوارج في مثل مسألة خلق القرآن ونفي رؤية الله جل وعلا في الآخرة ونحو ذلك، فأئمة أهل السنة يكفرون بالنوع يكفرون بالمطلق يعني التكفير المطلق ولا يكفرون الأعيان إلا بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، وهذه كما ذكرنا يقيمها من يصلح لإقامتها من أهل القضاء أو الفتيا.
س3/ ذكرت أن منهج أهل السنة عدم الحكم على أحد بالتكفير إلا بعد إقامة الحجة وحكم العلماء عليه، كيف نجمع بينه وبين من يقول ويصف أن الأمة الإسلامية غائبة؟
ج/ يعني كيف نجمع بين منهج أهل السنة ومنهج أهل البدع، ما يجمع بينهما كل له وجهة هو موليها ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾[البقرة:148].
س4/ هل من فعل الذنب من الكبائر وجهر به وأصبح يتاجر فيه كالغناء، نقول: إنهم لا يؤمنون بتحريمها واستخفوا بها ونحكم بردتهم عن الإسلام؟
ج/ الكبائر لها حد -بمعنى لها تعريف- وذكرنا تعريفها عدة مرات ويأتينا إن شاء الله تعالى في موضعه من شرح الطحاوية بتفصيل.
فالحكم على الغناء بأنه من الكبائر هذا فيه نظر؛ لأن الغناء التّغني بالصوت، التغني بالصوت قد يكون مشتملا على كلام قبيح كفر أو نفاق أو دونه من التشويق بالنساء أو باستباحة المحرمات أو نحو ذلك، وقد يكون الكلام لا يشتمل على ذلك، ثم هو قد يكون مصاحبا بمعازف وقد لا يكون مصاحبا بمعازف.
فقول القائل أصبح يتاجر فيه كالغناء أن هذا من الكبائر لا، يختلف الحال فيه.
لهذا من جهة إثبات الكبيرة لابد فيه من تفصيل الغناء كله كبيرة ليس بصحيح يعني بهذا الإطلاق، طالب العلم لابد أن يدقق في ألفاظه، إذا قال أحد الغناء من الكبائر، ليس صحيحا هذا الكلام، فلابد من التفصيل فيه وهذا يرتبط بتعريف الكبيرة.
المسألة الثانية: المعازف من حيث هي والغناء المشتمل على المعازف لم يُجمع العلماء على تحريمه، فمن أهل العلم -وهم نوادر- من قالوا بإباحته، وجمهور أهل العلم كما دلت عليه الأدلة بالكتاب والسنة وهي كثيرة جدا قالوا بحرمة ذلك، وهذا هو الحق الواضح الذي لا يجوز العدول عنه؛ لكن معرفة خلاف طائفة من أهل العلم من فقهاء المدينة في زمن الإمام مالك ومن بعدهم مثل ابن حزم والسمعاني وطائفة من الناس من قالوا بإباحة السماع واستعمال المعازف فهو خلاف في المسألة ولا تكفير إلا بما أجمع العلماء على تحريمه.
والمسألة إذا أجمع العلماء على تحريمها من قال بخلافها فالقول بخلافها كفر، ثم تكفير المعين يحتاج أيضا إلى بيان، المسائل التي أجمع العلماء على حرمتها المخالف فيها يختلف؛ لأن المسألة قد تكون من المسائل التي يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنها محرمة، مثل الخمر، مثل الزنا، الربا المتفق على تحريمه ونحو ذلك، هذا ما يحتاج ينشأ الناشئ بين المسلمين وهو يعلم أن هذه الأمور محرّمة باتفاق أهل العلم.
لكن ثم مسائل خفية تحتاج إلى استدلال، ومثلا لو قيل إنّ المعازف مجمع على تحريمها فإن هذا الإجماع هم لم يجمع على تحريمها، لكن هذا الإجماع غير معروف لم يكن معروفا عند الناس، لو قال قائل ذلك أو يكون في بلد معروف نشأ الناشئ وأهل الفتوى في بلده على أن الغناء محرم فهنا لا يقال بالتكفير لأن هذا من( )... إلا بما أجمع عليه، ثم هنا ما أجمع أهل عليه على قسمين:
منه ما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام يعني لا يحتاج فيه العالم إلى بيان الأدلة.
ومنه ما فيه خفاء يحتاج فيه إلى بيان الأدلة.
حتى غير المسائل هذه مثل مسائل السحر، السحر لاشك أنه من كبائر الذنوب؛ بل لا يكون السحر إلا بشرك بالله جل وعلا، لكن من أصناف السّحر ومن أحوال السّحرة ما قد يخفى في بعض الأزمنة، فيحتاج إلى بيان وإيضاح، فالمسألة في نفسها قد تكون في زمان مما يعلم بالاضطرار -يعني الدليل فيها لا يحتاج إلى إقامته-؛ لأن كل الناس يعلمون هذا، وقد يكون في زمان أو مكان يخفى الدليل على طائفة فيُحتاج في الحكم على المعيَّن إلى بيان، وإن كانت عند طائفة أخرى مما يُعلم بالاضطرار.
العلماء يذكرون مثال ذلك مثلا من قال الزنا غير محرم وهو من نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام، ومثله يجهل، واحد أسلم وعايش مثل ما حصل في زماننا الحاضر في بعض من يسكنون في بعض الأماكن يفعل الفاعل الزنا وما يعلم أنه حرام مع أن حرمة الزنا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.
المقصود من هذا أن المسائل التي يقال فيها هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، نعني بها ما لا يحتاج معه إلى إقامة دليل؛ يعني ينشأ الناشئ وهو يعرف هذا ولا يعرف غيره من دين الإسلام، هذه المسائل تختلف باختلاف الزمان والمكان فلهذا يحتاج من يريد بحث هذه المسائل إلى استفصال.
آخر السؤال يقول: نقول إنهم لا يؤمنون بتحريمها واستخفوا بها فنحكم بردتهم عن الإسلام.
ليس كذلك من فعل الكبيرة مستخِفّا بها لا يعني ذلك أنه مرتد؛ بل الذين يفعلون الكبائر منهم من يفعل الكبيرة لشهوة غلبت عليه، شهوة طارئة، هو مؤمن صالح لكن غلب عليه أمر فأخذ مالا من غير حله، سرق لشهوة غلبت عليه ثم رجع، هذا نقول فيه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو رأى مرأة أو خلا بمرأة ثم فعل معها الكبيرة عن غلبة شهوة، هذا لا يخرجه ما فعل عن كونه مؤمنا إذا تاب وأناب، فغلبة الشهوة تبقي اسم الإيمان إذا تاب وأناب.
الحال الثانية فعل الكبيرة الذي يخرج معه المؤمن من الإيمان إلى الإسلام وهو إذا استخف بالكبيرة يعني تهاون بها وهو يعلم أنها كبيرة ويعلم أنه عاصي، أقام عليها واستمر على فعل الكبيرة فهذا يخرج من اسم الإيمان إلى اسم الإسلام؛ لأن الإيمان الحق -الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر- الإيمان الحق بهذه الإيمان الكامل لا يجتمع مع صاحبه في مداومة الكبائر، وفي هذا يروى الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند أن العبد إذا فعل المعصية ارتفع عنه الإيمان فصار على رأسه كالظلة فإذا تركه عاد إليه، وهذا الحديث في إسناده ضعف؛ لكن يستدل به أهل العلم على أصلهم من أن المؤمن حال مواقعته للكبيرة التي كانت عن غلبة شهوة لا استمرار واستخفاف فإنه يبقى عليه اسم الإيمان؛ لكن ينتزع منه ما دام فاعلا لهذا المنكر، فإذا ترك هذه الكبيرة وأناب إلى الله جل وعلا، رجع فيقال مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته لكن المصر على الربا المصر على الزنا المصر على شرب الخمر لا يخرجه أهل السنة من اسم الإسلام ويجعلونه مرتدا، وكذلك أصحاب المعازف والغناء المحرم وبيع مثل هذه وآلات اللهو ونحو ذلك إذا كان ممارسا لها وهو يعتقد حرمة ذلك فيما أجمع عليه فإنه يخرج من الإيمان إذا كان مداوما عليها إلى الإسلام؛ لأن الإسلام هو العمل الظاهر إذا كان جاء بأمور الإسلام.
وهذه فيها مزيد تفاصيل تأتي في وضعها إن شاء الله في شرح الطحاوية.
س5/ كم النصاب الواجب في زكاة الريالات السعودية؟
ج/ نصاب الزكاة في الذهب والفضة جاء في السنة واضحا، وفي الذهب النصاب عشرين مثقال من الذهب والفضة مائتي درهم من الفضة، لما كان في الزمن المتأخر هنا مثلا في المملكة كان الناس يستعملون ريالات فضة، ريالات الفضة هذه وجنيه الذهب، ريالات الفضة كم تقابل من الدراهم الفضة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ وكذلك الذهب كم يقابل من المثاقيل؟ فجعلوا الريال العربي الذي تجب فيه الزكاة طبعا بالوزن بالمقابلة جعلوه ستة وخمسين ريالا فضة عربي، وبالنسبة للجنيه جنيه الذهب المعروف جعلوه أحد عشرة جنيها وثلاثة أسباع الجنيه، طبعا هذا يختلف باختلاف الذهب أو الفضة من حيث الصفاء والغش؛ يعني أنّ مثقال الذهب هل هو صافي أو مغشوش الفضة هل هي صافية أو مغشوشة، فيختلف النصاب باختلاف الغش الذي فيه.
إذا قلنا مثلا أن النصاب الآن للخالص خمسة وثمانين غرام ذهب، الذهب الخالص النصاب الزكوي فيه خمسة وثمانين غرام، خمسة وثمانين غرام هذه للخالص؛ يعني الذي هو الحد للعشرين مثقال الخالص منها خمسة وثمانين غرام؛ لكن هو الآن جنيهات الذهب هذه ليست خالصة داخلها شيء، لذلك تجد أن المشايخ يعني أهل الإفتاء يقولون النصاب اثنان وتسعين غرام، ليش بعضهم يقول خمسة وثمانين والآخر يقول اثنين وتسعين؟ من قال خمسة وثمانين باعتبار الأصل يعني شيء نظري المطلق بدون الوجود، اثنين وتسعين على اعتبار واحد وعشرين غرام، إذا صار الذهب عيار ثمانية عشرة تزيد النسبة، يمكن خمسة وتسعين ستة وتسعين يمكن تدركها بالحساب، إذا كان الذهب أربعة عشرة عيار أربعة عشرة يزيد النصاب يصير مائة أو مائة وخمسة بالحساب يمكن تحسبها وهكذا.
لما جاء تحويل الريالات من الريالات عربي فضة إلى الريال السعودي أول الأمر كان الريال السعودي الورق يقابل الريال فضة تماما هذا يقبل هذا، ولهذا كان يكتب عليه أول ما صدر أن مؤسسة النقد تتعهد لحامل هذا السند بدفع ريال عربي واحد يعني فضة، صار أول ما جاء النصاب ستة وخمسين ريال ورق مثل ستة وخمسين ريال فضة لأن هذا وهذا واحد.
بعد ذلك صارت التغطية وأمور المال مختلفة فصار هناك انفصال ما بين الريال الورقي وريال الفضة، هذا الانفصال جعل النصاب الزكوي يختلف فيصبح الأمر راجعا إلى تقويم الريال العربي الفضة بما يعادله من الريالات، فيُبحث ستة وخمسين ريال فضة إيش يعادلها من الريالات الورق هذا يختلف باختلاف يعني مثلا في سنة قد يكون أقل قد يكون أكثر قد يكون ثلاثمائة ريال أربعة مائة ريال يعني الآن بحسب سعر الريال، الفضة.
نعم اقرأ...

 نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ.
وَالْأَمْنُ وَالْإِيَاسُ يَنْقُلَانِ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَسَبِيل الْحَقِّ بَيْنَهُمَا لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَلَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ.
[الشرح]
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة (نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَلَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسِيئِهِمْ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ، وَلَا نُقَنِّطُهُمْ.) هذه الجملة فيها بيان لما يجب على المرء المؤمن أن يعامل به نفسه وأن يعامل به غيره من إخوانه المؤمنين، فمع النفس أهل السنة والجماعة يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، هذا أصلهم مخالفين أهل التّقنيط وهم أهل الإفراط، وأهل الأمن وهم أهل التفريط.
وأصل هذا عندهم أن المؤمن وعده الله جل وعلا بموعدة لن يُخلفه إياها؛ لأن وعد الله جل وعلا كان مفعولا ولأن وعد الله جل وعلا كان مسؤولا سبحانه وتعالى، الله جل وعلا وعد المؤمن الذي مات على الإخلاص بأن يعفو عنه وأن يدخله الجنة برحمته ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾[الأعراف:56]، وكذلك الله جل وعلا توعد من عصاه وتوعد من خالف أمره واتبع هواه، ووعيده قد ينفذ جل وعلا ويقع بمن توعده سبحانه وتعالى، فلذلك لأجل وعيد الله جل وعلا فإن من فعل ذنبا ومعصية فإنه يُخاف عليه ولا يؤمن جانبه أن يكون ممن دخلوا في الوعيد وعاقبهم الله جل وعلا.
فأهل الإيمان:
• منهم المحسن.
• ومنهم المسيء.
• ومنهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا، هذا يغلبه تارة وهذا يغلبه تارة.
فالمحسن المسدد نرجو أن يدخله الجنة ربُّه جل وعلا برحمته.
والمسيء نخاف عليه أن يؤخذ بجريرته ونستغفر له ولا نقنطه من رحمة الله لكن نفتح له باب التوبة وباب الرجاء.
هذه الجملة مبنية على أصل خالف فيه أهل السنة والجماعة المعتزلة والخوارج وطائفة من غلاة الصوفية في هذه المسائل، حيث إن أهل السنة أصّلوا ما جاءت به الأدلة من أن وعد الله جل وعلا مسؤول ومفعول، وربنا جل وعلا لا يُخلف الميعاد، وأن وعيدَه سبحانه وتعالى قد يدرك العبد وقد يتخلف، وذلك لأسباب يأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
فالمقصود من هذه الجملة أن أهل السنة والجماعة يُعملون الوعد فيرجون للمحسن، ويعملون الوعيد بأنه قد يتحقق ويخافون على المسيء، ولا يفتحون باب الوعد دون نظر في الإساءة كحال المرجئة والصوفية وطوائف ولا يُعملون حال الوعيد ويقولون بإنفاذه قطعا وأنه لا يتخلف كحال الخوارج والمعتزلة.
إذا تبين هذا من حيث الإجمال ففي المقام تفصيل نذكره في مسائل:
الأولى: أن الرجاء للمحسن للعفو وعدم الأمن والاستغفار للمسيء والخوف عليه، هذا عقيدة يتعامل بها المرء مع نفسه وكذلك مع المؤمنين، فمع نفسه تصرُّه حسنته وتسوؤه سيئته، ويرجو لنفسه إذا أحسن، ويأمن ويطمع في أن يدخله الله الجنة برحمته لا بعمله، ولا يأمن على نفسه أن يقلب الله جل وعلا قلبه، وكذلك لا ينظر إلى نفسه بعمل صالح عمله أنه استوجب به الجنة، فدائما ينظر إلى نفسه ما بين إحسانها بان يطمع بثواب الله ورحمته وإذا أساءت فإنه يخاف ولا يقنط من رحمة الله جل وعلا، هذا مع نفسه.
وكذلك مع المؤمنين فإنه ينظر إليهم بهذا الأصل، فمن مات على الإيمان فإنه يرجو أن يعفو الله جل وعلا عنهم وأن يدخلهم الله الجنة برحمته، ومن مات من أهل الإساءة فإنه يستغفر للمسيء ويخاف عليه ولا يُقَنِّط من أساء من الأحياء وكذلك لا يقنّط نفسه في من أساء من أن يعفو عن من مات.
المسألة الثانية: الرجاء للمحسن من المؤمنين بالعفو هذا يشمل كل أحد حتى من لم يعرف لنفسه ذنبا، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام للصديق أبي بكر  بأن يدعو في آخر صلاته «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم» فقول أبي بكر «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا» هذا تبع لهذا الأصل، وهو أن المحسن من المؤمنين حتى صاحب المقامات العالية الصديق  يرجو أن يعفو الله عنه وأن يدخله الجنة برحمته ولا يأمن، كذلك من دونه من المؤمنين من أهل الاقتصاد وعدم السبق بالخيرات كذلك لابد أن يرجو لنفسه ولا يأمن، ويظن أنه محتاج إلى العفو يعني يعتقد أنه محتاج إلى عفو الله جل وعلا وإلى رحمته.
المسألة الثالثة: الجمع ما بين الرجاء للمحسن والاستغفار للمسيء هذا تبع لأصل عظيم وهو الجمع في العبادة ما بين الخوف والرجاء، فالمأمور به شرعا أن يجمع العبد ما بين خوفه من الله جل وعلا وما بين رجائه في الله جل وعلا، والخوف عبادة والرجاء عبادة، والخوف المحمود هو الذي يحمل على طاعة الله جل وعلا بفعل أمره وترك المحرمات، هذا هو الخوف المحمود، وهو المذكور هنا في قوله (نَخَافُ عَلَيْهِمْ)، والخوف المذموم هو الذي يصل إلى القنوط من رحمة الله جل وعلا ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾[الحجر:56].
الخوف من الله جل وعلا عبادة مستقلة:
تحمل على فعل الأمر واجتناب النهي هذا أولا.
وثانيا تحمل على عدم رؤية العمل الصالح يعني رؤية أثره، وكذلك وعدم رؤية العمل السيئ في أنه موقع صاحبه وأنه مهلك له.
والله جل وعلا مدح عباده الذين يخافونه في كتابه في مواضع كثيرة، كقول الله جل وعلا في وصف الملائكة ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[النحل:50]، وأمر الله جل وعلا بالخوف في قوله ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران:175]، وقال جل وعلا ﴿يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾[الزمر:16]، وذكر خاصة عباده بالخوف من المرسلين فقال سبحانه ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾[الأنبياء:90]، فأصل الخوف من الله جل وعلا عبادة عظيمة لا تستقيم العبادة إلا بها ولا يستقيم الإيمان إلا بالخوف، فمن لم يكن عنه خوف أصلا من الله جل وعلا فليس بمؤمن لأنه يكون آمنا والأمن ينقل عن ملة الإسلام يعني الأمن التام بعدم وجود الخوف أصلا من الله جل وعلا.
الثاني الرجاء والرجاء أمل يحدو الإنسان في أن يتحقق له ما يريد، قال طائفة من العلماء نقله الشارح عندكم: إن الرجاء لا يكون إلا باجتماع أشياء:
الأول المحبة لما رجاه، وهو يرجو أن يدخل الجنة فلابد أن يحب أن يدخل الجنة.
الثاني الخوف وهو أن يخاف مما يقطع عليه أمله، يخاف من الذنوب، يخاف من الكفر، يخاف من النفاق أن يقطع عليه أمله في دخول الجنة.
والثالث أن يعمل الأعمال الصالحة التي تكون سببا فيما رجا، فمن ترك تقديم الأسباب وفعل الأسباب فلا يكون راجيا.
قالوا: والفرق ما بين الرجاء والأماني أن الرجاء يكون معه خوف وعمل، والأماني إنما هي طمع ليس معها خوف ولا تعرف الأسباب.
والمطلوب شرعا من العبد المؤمن فيما يراه في نفسه ولإخوانه المؤمنين أن يكون راجيا، وليس بذي أماني، قال الله جل وعلا ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾[النساء:123].
فإذن دلّ هذا الكلام من الطحاوي على الأصل الشرعي وهو أن العبد ينظر إلى نفسه في عبادته وفي أثر عبادته إلى أنه يجمع ما بين الخوف والرجاء، وكذلك في نظره إلى إخوانه المؤمنين.
المسألة الرابعة: اختلف العلماء في الخوف والرجاء هل يجب تساويهما أم يرجح أحدهما على الآخر على أقوال:
القول الأول: أن يُغلّب جانب الخوف مطلقا.
والقول الثاني: أن يُغلَّب جانب الرجاء مطلقا.
والقول الثالث: أن يستوي عند العبد الخوف والرجاء.
والقول الرابع: التفصيل، ومعنى التفصيل أنّ الخوف قد يُغَلَّب في حال، وقد يُغلّب الرجاء في حال، وقد يطلب تساويهما في حال، فيغلب الخوف على الرجاء في حال أكثر المؤمنين؛ لأن أكثر أهل الإيمان عندهم ذنوب فيغلبون حال الخوف في حال الصحة والسلامة؛ لأنهم لا يخلون من ذنب والخوف يحملهم على ملازمة الطاعة وعلى ترك الذنب، والرجاء يُغَلَّب في حال المرض لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يمت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه» جل وعلا وللحديث أيضا الآخر الذي رواه البخاري وغيره «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء»، فدل هذا على أن رجاء العبد مطلوب وإذا كان في حال المرض المخوف أو في أي مرض كان فيه فإنه يغلِّب جانب الرجاء على الخوف، وفي حال يستوي فيه الرجاء والخوف، وهو في حال التعبّد إذا أراد العبادة ودخل في العبادة، فإنه يخاف الله جل وعلا يرجو ربه جل وعلا، يخاف الذنب يخاف العقاب ويرجو الثواب.
فهذا القول الأخير هو الصحيح وهو الذي عليه أهل التحقيق.
ومن قال من أهل العلم إنه يغلّب جانب الخوف مطلقا نظر إلى أن حال أكثر المنتسبين حالهم على ذنب وعلى قصور فتغليب جانب الخوف في حقهم يردهم إلى الحق.
ومن قال يغلّب جانب الرجاء دائما عمم قوله عليه الصلاة والسلام «قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء».
ومن قال بالاستواء دائما نظر إلى قول الله جل وعلا ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾[الأنبياء:90]، وكذلك قوله جل وعلا ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾[الإسراء:57].
والتفصيل هو الصحيح لأن الأحوال تختلف باختلاف المقامات والناس.
المسألة الخامسة: قوله (نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) قوله (لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) هذا على مورد التقسيم من أن أهل الإيمان منهم المحسن ومنهم المسيء، وليس شرطا في رجاء العبد أن يكون من أهل الإحسان، وإنما المؤمن إما أن يكون محسنا وإما أن يكون مسيئا، والمحسن هو من كان من المقتصدين أو من السابقين بالخيرات؛ لأن أهل الإيمان ثلاث مراتب: الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات كما دلت عليهم آية فاطر ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[فاطر:32].
والمحسن من المؤمنين أو المسيء من المؤمنين نرجو أن يعفو الله جل وعلا عنهم ونخاف على المسيء منهم، والعفو عفو الرحمن جل وعلا عن العبد وعدم مؤاخذته بفعله هذا قد يكون منة وتكرما منه جل وعلا في غير الشرك به سبحانه وتعالى، وقد يكون بسبب، فأما ما كان منه منة وتكرما جل وعلا معنى منة يمن على من يشاء يعني ابتداء منه سبحانه وتعالى بدون أن يفعل العبد سببا يحصّل به ذلك، والله جل علا وعد بل توعد أن لا يغفر الشرك به فقال ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ قال ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾( ) فما دون الشرك يغفره سبحانه لمن يشاء منة وتكرما منه جل وعلا، وأما ما كان بسبب فالعلماء نظروا فيما جاء فيه الدليل في الكتاب والسنة في الأسباب التي تكون رافعة لأثر الذّنب؛ لأن الذنب إذا وقع من العبد فلابد من حصول الجزاء عليه، قال جل وعلا ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾[النساء:123]، ولما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين مشقة عظيمة، فعرف ذلك منهم عليه الصلاة والسلام فخرج عليهم وقال «سددوا وقاربوا فما يصيب المسلم» أو كما جاء في الحديث «فما يصيب المسلم من مصيبة كانت كفارة له حتى في النكبة ينكبها وحتى الشوكة يشاكها» رواه مسلم في الصحيح، فقوله عليه الصلاة والسلام «من يعمل سوءا يجزى به» دل على أن هناك ما يكفر الله به هذا السوء الذي حصل من العبد وأنه لا يجازى به بل ترفع يرفع الجزاء بسبب من الأسباب، وقال سبحانه ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[الشورى:30]، يعني ما أصاب العبد من مصيبة في دنياه فهو بسبب ذنب عمله فتكون كفارة له ويعفو الله جل وعلا عن كثير من الذنوب التي حصلت من العبد.
إذا تبين ذلك، فالأسباب هذه التي يكفِّر الله جل وعلا بها الخطايا أو يمحو بها أثر السيئات ويرفع بها أثر الإساءة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أسباب يفعلها العبد.
والقسم الثاني: أسباب من المؤمنين للواحد منهم.
والثالث: أسباب من الله جل وعلا ابتداء منه سبحانه وتعالى.
القسم الأول وهو ما يمحو الله جل وعلا به أثر الذنوب والسيئات من فعل العبد هذا ثلاثة أنواع:
النوع الأول: التوبة والتوبة مأمور بها إجمالا وتفصيلا قال جل وعلا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾[التحريم:8]، هذا إجمالا، كل مؤمن حتى الصالح حتى الأنبياء مأمورون بالتوبة، كان عليه الصلاة والسلام يقول «إني يلغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة» وكان يحسب له عليه الصلاة والسلام في المجلس الواحد يتوب إلى جل وعلا مائة مرة، وقال سبحانه ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[النور:31]، فالتوبة مأمور بها سواء كان العبد مسددا أو كان دون ذلك.
فأعظم الأسباب التي يفعلها العبد لمحو السيئات عنه التوبة فمن فعل سيئة مهما كانت حتى الكفر والشرك فإن الله جل وعلا يمحو أثره بالتوبة إليه سبحانه وتعالى، قال جل وعلا بعد أن ذكر أصناف الكبائر في سورة الفرقان ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(70)وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا﴾[الفرقان:70-71].
والتوبة معناها ضابط التوبة تاب بمعنى رجع، هناك ثلاثة ألفاظ متقاربة لكن المعنى يختلف بدقة: آب تاب ثاب، وتشترك في الأصل من أنها فيها رجوع آب يعني رجع آيبون تائبون تشمل هذه وهذه، فآب رجع، أو أواب كثير الرجوع، تواب أيضا كثير الرجوع؛ لكن تواب أو تاب من شيء سيئ فعله، وأما آب فهو رجوع مطلق سواء مما يسوء أو مما لا يسوء، وتاب مختص أيضا برجوع خاص.
إذن التوبة رجوع، رجوع إلى الله جل وعلا بطلب محو تلك السيئات، فإذن هي توبة ورجوع إلى الله جل وعلا بطلب محو السيئات، هذا هو السبب الأول، وهي أعظم الأسباب قال جل وعلا ﴿قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾[الزمر:53]، أجمع العلماء على أن هذه الآية نزلت في التائبين ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ يعني لمن تاب. طبعا التوبة تفصيل الكلام عليها وشروطها إلى آخره يطلب من موضعه.
السبب الثاني مما يفعله العبد ويمحو الله جل وعلا به أثر الذنب الاستغفار، والاستغفار هو طلب المغفرة، والمغفرة معناها ستر أثر الذنب؛ لأن الذنب إذا وقع من العبد فلابد أن يوجد أثر ذلك الذنب، وهو إما أن يكون العقوبة عليه؛ يعني أن يعاقب العبد على ذنبه في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة، وإما أن تقع عليه مصيبة يكفر الله بها العبد ذنبه، وإما أن يخزى بذنبه لهم في الدنيا خزي والعياذ بالله -اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة-، الخزي يقع بسبب الذنوب.
فإذن الذنب إذا وقع من العبد فله أثره الكوني وأثره الشرعي الذي يحصل ولا بد؛ إلا إن عفا الله جل وعلا منة منه وتكرما.
إذا استغفر العبد طلب غفر الذنب، طلب أن يستر هذا الذنب، فلا يخزى به وأن يستر أثر الذنب فلا يؤاخذ به، وهذا قرين التوبة، لهذا جاء في عدة آيات اقتران التوبة والاستغفار؛ لأن الاستغفار مثل التوبة في الأمر بها والحض عليها، قال جل وعلا ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾[نوح:10]، وقال جل وعلا ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1)أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ(2)وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾[هود:1-3]، الاستغفار صار قبل التوبة من جهة أنه طلب مباشرة طلب أن يمحى الذنب؛ لأن أثر الذنب لو أخرت طلب المغفرة فقد يقع الأثر سريعا ثم توبوا إليه يعني أن التوبة تكون بعد الاستغفار من الذنب، ولهذا النبي  كان يقدم طلب المغفرة على طلب التوبة فقال «ربي اغفر لي وتُبْ علي»، «أستغفر الله وأتوب إليه».
التوبة والاستغفار نظر فيها بعض العلماء وذكرها الشارح عندكم تبع لابن تيمية بأن التوبة والاستغفار من الألفاظ التي إذا اجتمعت تفرقت وإذا تفرقت اجتمعت، اجتمعت تفرقت أن التوبة على ما ذكرت لك من تعريفها والاستغفار على ما ذكرت لك من تعريفه على أن الاستغفار طلب ستر الذنب، والتوبة هي طلب محو الذنب رجوع في طلب محو الذنب، إذا تفرقت فالمستغفر تائب والتائب مستغفر.
السبب الثالث من العبد الحسنات التي تمحو السيئات، والله جل وعلا قال ﴿وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾[هود:114]، وقال عليه الصلاة والسلام «وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» فالحسنة تمحو السيئة ففعل الحسنات يمحو الله جل وعلا به السيئات؛ لكن هل كل حسنة يمحو الله جل وعلا بها كل سيئة؟ الجواب ليس كذلك؛ بل السيئة لها ما يقابلها من الحسنات التي تختص بها، والسيئات أيضا منها ما يبطل الحسنات التي تقابلها.
الأول مثل أن الأعمال السيئة الكبيرة مثل الإفساد في الأرض بالشرك بالله جل وعلا أو بقتل النفوس هذه ذنوب عظام يكفرها الجهاد في سبيل الله جل وعلا، كما قال سبحانه ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(10)تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾[الصف:10-11] الآية.
الكبائر لها ما يقابلها فإذا كانت الكبيرة بالسرقة وأخذ المال من غير حله وبالربا ونحو ذلك فيقابلها من الكفارات الصدقة، إذا كان كبائر الذنوب من جهة أعمال البدن فيقابلها الصيام والصلاة ونحو ذلك، إذا كانت من جهة المال يقابلها الزكاة والصدقات وأشباه ذلك.
فإذن الحسنات من حيث الجنس يمحو الله بها السيئات والسيئات قد يفعل الله سيئة تبطل معها حسنة كان يعملها، ويستدل لذلك لما رُوي بأن زيد بن أرقم تعامل بالعينة أو باع شيئا بأجل باع فرسا له بأجل بثمانمائة درهم ثم اشتراه ممن باعه عليه بست مائة فربح هذا الفرق، فلما بلغ عائشة ذلك قالت أعلموا زيدا أنه أبطل جهاده مع رسول الله ، وهذا اجتهاد من عائشة رضي الله عنها، الحديث فيه ضعف معروف يعني إسناده لا يصح لكن استدل به بعض أهل العلم مثل ابن تيمية ووجهه بأن هذا الفعل وهو حصول الربا مقابل للجهاد فوقوع التبايع بالعينة هذه قابلت بها عائشة فعل الجهاد، ولهذا جاء في الحديث اقتران ترك الجهاد بالتبايع بالعينة، جاء فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام الحديث الذي في السنن وفي غيرها «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد» فقرن بين هذا وهذا فهذا الأصل يدل على أن الحسنات مكفرات للسيئات، وعلى أن بعض السيئات قد تبطل بعض الحسنات؛ يعني تكون في مقابلتها من جهة عظم السيئة حتى أنها تبطل أو في معنى تبطل يعني في الميزان تكون مقابلة لها في عظم الذنب تلك حسنة كبيرة وهذا ذنب عظيم فتكون هذه مقابلة لهذه إذا وضعت في الميزان.
الحسنات يكفِّر الله جل وعلا بها السيئات مثل ما ذكرنا في الآيات هذه أفعال العبد.
القسم الثاني ما يفعله العباد يعني ما يفعله المؤمنون لإخوانهم يكفر الله جل وعلا به السيئات، وهذا يجامع الرجاء، فعقيدة أهل السنة والجماعة أن العبد يرجو لنفسه ويخاف على نفسه، فيعمل الأسباب التي لنفسه من الرجاء والخوف الذي ذكرنا الاستغفار والتوبة والحسنات، وكذلك يرجو لإخوانه ويخاف على إخوانه، فيعمل الأسباب التي تنفعهم فيما رجا لهم، ويعمل الأسباب التي تنفعهم فيما خاف عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ونحو ذلك، ما يفعله العباد ثلاثة أنواع أيضا:
[السبب الأول] الاستغفار والدعاء للمؤمنين( )... ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾[غافر:7] إلى آخره هذا دعاء للملائكة.
وكذلك دعاء المؤمن للمؤمن في خارج الصلاة أو في الصلاة هذا نافع له ومن الأسباب التي يكفر الله جل وعلا بها خطايا المؤمن فتدعو لإخوانك المؤمنين فتدعو لفلان المعين المذنب هذا يمحو الله جل وعلا به السيئات.
السبب الثاني إهداء القرب وعمل العبادات عن المؤمن، وهذه تشمل الصدقة عن الغير، أو عمل العمل الصالح إهداء ثوابه للغير، أو أن يعمل العبادة التي تدخلها النيابة مما جاء في السنة، ويجعلها لغيره مثل الصيام والحج والصدقة ونحو ذلك، هذه يأتي مزيد تفصيل الكلام عليها عند قول الطحاوي (وفي دُعَاءِ الأَحْياءِ وَصَدَقَاتِهم مَنْفَعَةٌ لِلأَمْوَات).
الثالث من هذه الأنواع الشفاعة إما في الدنيا أو في الآخرة، فشفاعة المؤمن لإخوانه المؤمنين نافعة له وأصل صلاة الجنازة لأجل دعاء المؤمن والشفاعة له، ولهذا جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال «ما من مسلم يصلي عليه أربعون من أهل الإيمان إلا شفّعهم الله فيه» وفي لفظ آخر قال «كلهم يشفعون له إلا شفّعهم الله فيه» والشفاعة تحصل في الدنيا وتحصل أيضا في الآخرة، فشفاعة الأب لأبنائه والإبن لوالده ونحو ذلك والعالم لأحبابه وأهل القرابة لقراباته أو للمؤمنين، ومن ذلك؛ بل أعظم شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لطوائف من أمته.
القسم الثالث الأسباب التي من الله جل وعلا وهي أربعة:
الأول وهو أعظمها وأجلها مغفرة الله جل وعلا لعبده ابتداء منة منه وتكرّما، الله جل وعلا من على عبد بالإسلام وبالإيمان، فقد يمن عليه بمغفرة الآثام ابتداءً، وهذا خلْق الله جل وعلا وهو سبحانه يثيب من يشاء، ويغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
الثاني المصايب التي تحصل للعبد في الدنيا، مصيبة يوقعها الله جل وعلا بالعبد، مرض فقد حبيب حَزَن هَم نقص مال يهمه ونحو ذلك مما يفنى شيئا من ماله من بدنه يمرض يصاب بأشياء، هذه المصائب كفارات، يكفِّر الله جل وعلا بها من ذنب العبد، قال العلماء: المصايب -مصايب بالياء ويجوز مصائب لكن الأصح مصايب أو يعني الأشهر المصايب- التي تحصل على العبد من الله جل وعلا هي في نفسها كفارة؛ لأنها ليست من جهة العبد يعني العبد ما اختارها لنفسه الله جل وعلا ابتلى به المؤمن، فابتلاه بها ليكفر الله جل وعلا بها من خطاياه، وهذا كما قال عليه الصلاة والسلام «ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» فالهم يأتي للمؤمن هَم ضيق صدر ما يدري إيش سببها، أو يبتلى بشيء يضايقه في صدره أو يهمه ويصبح في غم أو في هم، هذا سبب لأنه خروج عما يسعد العبد وابتلاء من الله جل وعلا العبد فهذا سبب من أسباب كفارة الذنوب، كذلك المصايب في النفس أو في الولد أو في المال أو نحو ذلك هذه المصايب كفارة هل يؤجر عليها؟ أو هي كفارة بشرط؟ المصايب كفارة بلا شرط بإطلاق، من وقعت عليه مصيبة فالدليل دل على أن الله يكفر بها من خطاياه، والحمد لله على فضله وتكرمه ومنته؛ ولكن قد يؤجر على المصيبة وقد يأثم على المصيبة، وذلك إذا صبر أو تسخط، فإن صبر أجر وإن تسخط أثم.
فإذن المصيبة في نفسها كفارة فإن صار مع المصيبة صبر فهذا أجر، وإن صار مع المصيبة تسخط فهذا إثم.
الثالث العذاب الذي يحصل على العبد في البرزخ؛ يعني في القبر يكون على العبد ذنب من الذنوب أو ذنوب كذا فيعذبه الله جل وعلا في القبر ثم يوم القيامة لا يدخله النار.
الرابع ما يكون في عرصات القيامة من المصايب والأمور العظام التي قد يبتلي بها الله بعض عباده فيكون في ذلك كفارة لهم.
فهذه عشرة أسباب فرّقها الشارح وقسمتها لك في ثلاثة من العبد، وثلاثة من المؤمنين لإخوانهم المؤمنين، وأربعة من الله جل جلاله وتقدست أسماؤه.
المسألة السادسة: قول الطحاوي (وَلَا نَشْهَدُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ) يعني لا نشهد للمحسن بالجنة، وكذلك لا نشهد للمسيء بالنار، فلا نشهد لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله ، وهذه الجملة يأتي تفصيل الكلام عليها عند قول الطحاوي (وَلاَ نُنَـزِّلُ أحَداً مِنْهُم جَنَّةً ولا ناراً).
المسألة السابعة: أن في قوله (وَلَا نُقَنِّطُهُمْ) التقنيط هو كاليأس أو التأييس من رحمة الله جل وعلا، بمعنى أن يقول القائل هذا ذنب كيف يغفر الله جل وعلا لك أو يستعظم أن يعفو الله جل وعلا عن فلان، وهذا قد يكون في بعض من أحواله من كبائر الذنوب، والواجب على المؤمن تجاه نفسه وإخوانه المؤمنين أن يفتح عليهم باب الرجاء إذا أقبلوا تائبين، وأن يفتح عليهم باب الخوف إذا كانوا مفرِّطين، إذا كان مقيم على لهوه، مقيم على ذنوبه على كبائره على آثامه فتعظه بالخوف، ولا تقنطه ولا تفتح له الأمل لأن فتح باب الرجاء له في هذه الحال يزيد من فعله للذنوب، وهذه من المهمات لأهل الدعوة والخطباء وأئمة المساجد إلى آخره في أن الناس إذا رآهم صالحين وعندهم تشدد يفتح لهم باب الرجاء وباب السهولة، كما قال عليه الصلاة والسلام لما أذن باللعب في المسجد قال «لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة» لأن اليهود في شريعتهم ثَم تشديد وآصار وأغلال وُضعت عليهم أو وضعوها على أنفسهم.
وأما إذا رآه صاحب خوف وبكاء وكثرة بكاء من خوف الله جل وعلا وكثرة الخوف من أن الله لا يغفر ذنبه، ودائما يلاحظ ذنبه ويلاحظ كبيرته هذا يفتح له باب الرجاء.
فإذن الواجب هو ما قال أن لا نأمن على المحسن وأن لا نقنّط المسيء فهذه عقيدة وأيضا يتبعها عمل.
المسألة الثامنة: قوله (نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ) قوله (بِرَحْمَتِهِ) هذا كما ذكرتُ لك في أوله بأنه لن يدخل أحد الجنة بعمله بل ثَم إلا عفو الله جل وعلا ورحمته. الله جل وعلا وعد من عمل صالحا بأن يدخله الجنة جزاء بما عمل قال سبحانه جزاء بما كانوا يعملون ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[الزخرف:72]، فالجنة يدخلها العبد بالعمل؛ لكن الباء هذه ليست باء المقابلة إنما هي باء السببية؛ يعني بسبب ما كنتم تعملون، فالعمل الصالح للعبد وأعلاه توحيد الله جل وعلا والبراءة من الشرك وأهله والكفر بالطاغوت هذا العمل الصالح هو أعظم الأسباب التي يدخل الله جل وعلا بها العبد للجنة، أما المقابلة فإن الجنة وما فيها من النعيم وما أعطى الله العبد من النعم في الدنيا بل ما منّ عليه أصلا من الهداية لا يستحق الجنة بالمقابلة؛ لأن حصول الهداية للعبد منة من الله جل وعلا وتكرّم ولو ترك العبد ونفسه لما اهتدى ولاحترزته ولاحتوشته الشياطين بهذا الجنة لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله جل وعلا كما قال هنا (نَرْجُو لِلْمُحْسِنِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ).
إذن أهل السنة والجماعة يقولون إن دخول أهل الجنة للجنة بسبب الأعمال الصالحة، وإلا فإن الدخول برحمة الله جل وعلا لما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام «لن يُدخل أحدا منكم الجنة عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضلا».
وأما المعتزلة وأهل إنفاذ الوعيد فيرون أن دخول الجنة يكون بالعمل مقابلة؛ لأن الله سماه أجر كما يقولون والأجر يقتضي المقابلة.
نكتفي بهذا، نقف عند هذا أسأل الله جل وعلا لنا ولكم التوفيق والرشد والسداد والعفو من السيئات والرحمة والرضوان.
[الأسئلة] نجيب على سؤالين في الدرس:
س1/ هل جاء في الأثر أن الرجل إذا فعل معصية ولم يتب قبل ست ساعات فإنه يكتب عليه ذنب وإن تاب بعدها فلا ذنب عليه؟
ج/ جاء في تفسير قول الله جل وعلا ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق:18]، أن العبد المؤمن إذا فعل سيئة قال الملك الموكل بالكتابة انتظروا فلعله يتوب أو يفعل حسنة لمحوها، هذا جاء في الأثر لكن ما أستحضر صحة ذلك.
بارك الله فيكم سؤال واحد وفيه الكفاية إن شاء الله.
س2/ ....
ج/ هذا اختلف العلماء فيه، الظاهر منه أنّ قوله «من فاتته صلاة العصر قد حبط عمله» يعني خرجت عن وقتها يعني أخرجها عن وقتها كلها يعني بعد المغرب، حبط عمله يعني العمل الذي يقابل هذه الصلاة، مو مطلق العمل كل العمل، من أهل العلم من قال العمل الذي هو عمل الصلاة ولو صلاها أإنها حابطة؛ يعني الظاهر أن المقصود يحبط منها بهذه السيئة ما يقابل هذا.. والله أعلم.
س3/ بعض العلماء يقول الربا حلال؟
ج/ من قال الربا حلال فهو كافر، الفوائد فيها خلاف الخلاف فيها قديم، وأول من أباحها فيما أعلم الشيخ محمد عبده المصري، ولم يؤلف فيها لكن ألف فيها الشيخ محمد رشيد رضا رسالة معروفة مطبوعة بعنوان الربا والمعاملات المالية، ذكر في إباحة الفوائد وليس الفوائد فقط، حتى القروض التي فيها فائدة إذا كان المسألة ما فيها ظلم، إذا كان ما فيها استغلال للضعيف، قالوا لأن الله جل وعلا علل التحريم بالظلم فقال ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾[البقرة:279]، وربا الجاهلية كان في استغلال لحاجة الضعيف؛ لكن إذا كان ترك المال للبنك فيه قوة له البنك، ترك المال له فيه قوة، كون بنك يعطيه لا لاستغلال حاجتك إنما هو أعطاك لقاء عمله بالمال أو أقرض قروض ليست لاستغلال الحاجة إنما هي للإنتاج للاستثمار مصانع إلى آخره، محمد رشيد رضا كتب فيه كتاب الربا والمعاملات المالية في الإسلام، فيرى أن هذه كلها ما فيها ظلم من الغني الذي هو صاحب البنك للمستثر صاحب المال، وإنما هذه فيها إعطاء وإعانة له فليست محرمة.
وبهذا قال مجموعة عن المصريين ومجموعة من علماء سوريا.
لهذا نقول مسألة الفوائد البنكية هذه القول بإباحتها قول ضعيف والأدلة تشمل هذا وهذا، والتعليل بعدم الظلم والجواب عن هذا يطول، وقول الجمهور جمهور أهل العلم وعامة أهل العلم من عدم إباحتها؛ لكن معرفتك للخلاف يفيدك في عدم الدخول في التكفير، لأن الذي يكفَّر ما هو؟ هو ما أجمع عليه وهو ربا الجاهلية؛ يعني يعطيك قرض مثل ما قال قتادة ومجاهد وجماعة يعطيك قرض حسن ثم إذا أتى وقت السداد قال له جاء وقت السداد إما أن تقضي وإما أن [...]، يكون هذا من الغني للفقير لاستغلال الحاجة هو يعرف أنه ما يستطيع، هذا المجمع عليه وهو ربا الجاهلية الذي جاء فيه النص هذا من أباحه فهو كافر، يعني إباحة ذلك كفر، أما المسائل الثانية ربا القروض وربا الاستثمار والفوائد فهذه ما فيها تكفير فيها صواب وغلط.
هذه مهمة مثل شيخ الأزهر لما أباحها هو مسبوق، كلامه فيها أضعف من كلام رشيد رضا، رشيد رضا أصلها تأصيل يعني فيه شبهة.
س4/ذكر العلماء لفظ الحد لله؟
ج/ الحد لله جل وعلا يريدون به أن الله سبحانه وتعالى غير مختلط بخلقه، فالله جل وعلا قالوا بحد يعني أنه غير مختلط بالخلق يعني غير ممازج لخلقه؛ لأنه لو كان ممازجا ما صار فيه حد لكن بحد يعني ثم حد ينتهي إليه الخلق، الخلق ينتهون فيه حد ينتهون إليه ويبقى رب العالمين، هذا معنى فيه حد.
هو أوضح المسائل تطبيقا يعني استوى على عرشه قال بحد؟ قال نعم بحد، مثل ما قال سفيان وغيره وحماد بن سلمة، بحد يعني أنه مستوي على عرشه بذاته جل وعلا غير ممازج لخلقه غير مخالط لخلقه، هذا معنى بحد، قال نعم، بحد؛ يعني غير مخالط منفصل، قال نعم بحد؛ يعني فيه حد ينتهي الخلقُ إليه، فيكون ما بقى إلا رب العالمين.
س5/ ...
ج/ ... المهم يكون عالما.
...
لا، ما يعرفه ما يصلح، لابد يكون عالما معروفا، موش عارفه شخصا، هو يعرف أنه عالم ليس جاهلا، اثنين قال هذا أقام عليه، لا يكفي، لابد يكون عالما، وهذه تختلف إقامة الحجة تختلف، فيه مسائل التي يمكن أي واحد -المعلوم من الدين بالضرورة- أي واحد، لكن المسائل الخفية التي فيها شبه.
.....
العلماء لا ينطبق عليهم، العلماء الذين درسوا اللغة ودرسوا النحو وهو عالم يعرف العقيدة ودرس هذا القرآن كافي في حقه؛ لأنه مفرط كونه ما عرف، لكن العوام والذين كالعوام هؤلاء يحتاجون إلى بيان.
س/ ....آحاد الناس ما يكفّرون أحدا؟.....
يعني في المسائل التي تحتاج إلى إقامة الحجة، لكن المعلوم من الدين بالضرورة، يعني مثلا واحد قال الخمر حلال هذا يكفّر؛ لأن هذا ما يحتاج إلى استدلال، لكن تجيء المسائل الخفية أو المسائل التي تحتاج إلى إقامة الحجة، المسائل الخفية يعني النادرة أو التي تحتاج إلى إقامة الحجة لابد من إزالة الشبهة من عالم أن يحكم؛ لكن المعلوم من الدين بالضرورة ما يحتاج إلى استدلال أصلا، وهذه فيها تفصيل تختلف باختلاف البلاد والأماكن.
...
شيخ الإسلام كلامه صحيح، حتى هو يقول أنا أقول للمخالفين لو قلت بما تقولون به لكفرتُ؛ لأنه عنده العلم الواضح، يقول للمخالفين لو قلت بما قلتم به لكفرت، فهذا أصل مهم.
...إيش معنى تكفير الشافعي؟ ...
ما كفر عينا ، كفرت، يعني ما حكم عليه بالردة كفرت يعني هذا من باب الوعيد، لكن ما حكم عليه بالردة في نفسه، يعني قال هذه التي قلتها كفرتَ بها، كفرتَ بقولك هذا، لا تعني أنك كفرت جعل هذا الكفر مستديما لأنه خرج من الإسلام به هذه لابد من إقامة الحجة، لأنه إذا كان اكتفى بذلك وأقام الحجة عليه خلص يصير مرتد.
فإذن ظاهر كلام ابن تيمية الذي قلته الآن أنه بقول أن الشافعي ما حكم عليه بالردة هو قال كفرت من باب الوعيد. قال مقالتك مقالة كفر؛ لكنه ما حكم عليه.
....
والله كلام ابن تيمية ما يساعدها، ما يساعد أننا نكفّر.
س6/ ....
ج/ التسخط معروف، التسخط منافي للصبر باللسان تكلم باللسان أو الجوارح أو في قلبه يظن الظن السوء بالله جل وعلا، التسخط له ثلاثة، الصبر له ثلاثة موارد كذلك التسخط له ثلاثة موارد، تسخط بالقلب، تسخط باللسان، تسخط بالجوارح.
س7/ ...
ج/ هو غلط كلامه، كلام الطحاوي ما هو صحيح، إذا كان أراد بأي ذنب ما نكفره بأي ذنب حتى يستحله، يدخل فيه الشرك بالله، يدخل فيه السجود للأوثان، مسبة النبي ، وظاهر السياق هو أراد مخالفة الخوارج والمعتزلة الخوارج والمعتزلة كلامهم في إيش؟ في الكبائر العملية، لذلك بأي ذنب يعني من الذنوب العملية أو بمجرد ذنب أو بكل ذنب.
س8/....
ج/ أولا الرضا له جهتان:
الرضا بفعل الله جل وعلا بتصرف الله في ملكوته هذا واجب.
والثاني الرضا بالمصيبة بالذنب، الرضا بفقد المال، الرضا بالمرض هذا مستحب.
فالرضا بقضاء الله جل وعلا الرضا بفعل الله سبحانه وتعالى، تصرف الله في ملكوته يعني حيث هو من فعل الله جل وعلا ما نسخط تصرف الله في ملكوته؛ لكن يسخط المصيبة لكن هو جل وعلا ما شاء فعل هذا ملكه وهو عبد من عباده؛ لكن إذا نظر إلى المصيبة سخطها إذا نظر إلى المرض سخطه، فهذا مستحب أنه يرضا بالمصيبة، ولهذا المسائل هذه ذكر جل وعلا يعني مسائل الرضا قال سبحانه وتعالى ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾[الحديد:23]، ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22)لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾[الحديد:22-23]، قوله هنا في كتاب وقدر و﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ هذا تعليم عدم اليأس وعدم الفرح يعظم ويوجد بقوة إذا قوي إيمان العبد بفعل الله.
المقصود الواجب من الرضا بفعل الله، أما الذي يسميه العلماء الرضا بالقضاء كون الله جل وعلا قضى على الشيء، أما المقضي المصيبة المقضي ما هو واجب مستحب، يختلف فيها الناس، ناس رضاها دائم وناس يرضى لها ساعة وساعة ما يرضى، يختلف الناس، والله المستعان.
س9/...
ج/ لباس الشهرة الأصل فيه أنه اللباس الوضيع، هذا الأصل فيه، «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة» أصل تفسير العلماء له أنه الثوب الوضيع يلبسه اللابس حتى يعتقد فيه، يعتقد فيه أنه زاهد ويترك الملذات إلى آخره، ويلحق به من جنسه من عموم اللفظ اللباس النفيس الذي يشتهر به الإنسان؛ يشتهر به كيف؟ يعني ما هو لباس طبقته، ما هو لباس مجتمعه، لذلك أصل السنة في اللباس النبي  ما خالف العرب، لبس لباس العرب، ما أحدث له لباس جديد كان العرب تلبس إزار ورداء فلبس إزارا ورداء، كانت العرب تلبس سراويل وقميص، عليه الصلاة والسلام لبس عليه الصلاة والسلام السراويل والقميص، السراويل الواحد يقال له سراويل، والجمع سراويلات، وسروال غلط.
كانت العرب تلبس القميص وحده وعليه الرداء فلبس النبي  القميص والرداء، فلباسنا القميص وعليه الرداء، هذه سنة، النبي  كان له رداء للوفود، كان له بردة حمراء يلبسها للوفود؛ يعني يختلف كل حال، يلبس اللبس دائما في نفس المستوى دائما.
الشهرة تختلف باختلاف الأماكن وباختلاف الأشخاص.
س10/ ....
ج/ أنا قلت أنه يكفر؟ من قال: ليس بالإمكان أبدع مما كان. يكفر، قد يكفر به إذا عنى شيئا إذا عنى ليس بالإمكان أبدع مما كان أن الله جل وعلا لا يقدر أن يخلق أجمل من هذا الكون، هذا كفر؛ لأن هذه الكلمة قد يقولها القائل تحتمل شيئا صحيحا وقد يقولها تحتمل معنى باطلا.
أما إذا قال ليس في الإمكان أبدع مما كان يعني وجود هذه الطبيعة ما يمكن يكون فيه أحسن منها ما يمكن الله أن يخلق أجمل من هذه أعوذ بالله، الله تعالى على كل شيء قدير.
س11/ «لا يدخل الجنة قاطع رحم» لا يدخلها مطلقا يعني؟
ج/ يعني لا يدخلها أولا؛ بل هو متوعد بالعذاب على قطعه الرحم حتى يُطهَّر هذا من أحاديث الوعيد.
س7/ الفخر بالأحساب هل يلحق بالطعن في الأنساب في الكفر؟
ج/ لا، هذا فعل جاهلي، هو فقط من خصال الجاهلية وليس كفرا، هذا من خصال الجاهلية منها ما يصل إلى أنها كفر يعني من جهة أنها ذنب عظيم إلى آخره، ومنها من الخصال التي تركها واجب التفاخر مثل التطاول.
ما دام أنه مسلم وحقق التوحيد فليس جاهلي، هذه خصلة قد يأتيه خصلة تكون من خصال الجاهلية مثل ما قال الرسول  لأبي ذر «أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية»، فقد يكون في المسلم خصلة من خصال أهل الجاهلية، خصلة واحدة خصلتين ثلاثة عشرة؛ لكن ما يقال فلان جاهلي جاهلي معناه أنك سلبت عنه الإسلام، فيك جاهلية تفاخر بالأحساب الطعن بالأنساب تقول فيك جاهلية هذا صحيح.
سبحانك اللهم وبحمدك ( ).